ﰡ
قال أبو عبيدِالله الجدَلِي :(سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنَْهَا عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى ﴿ ياأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴾ مَا كَانَ تَزَمُّلُهُ ؟ قَالَتْ : فِي مُرْطٍ كَانَ طُولُهُ أرْبَعَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً، نِصْفُهُ عَلَيَّ وَأنَا نَائِمَةٌ، وَنِصْفُهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي. فَسَأَلْتُهَا مِمَّ كَانَ ؟ قَالَتْ : وَاللهِ مَا كَانَ خَزّاً وَلاَ قَزّاً ولاَ صُوفاً، كَانَ سَدَاهُ شَعْراً وَلُحْمَتُهُ وَبَراً). قال السديُّ :(مَعْنَاهُ : يَا أيُّهَا النَّائِمُ قُمْ فَصَلِّ). قالتِ الحكماءُ : إنَّما خُوطِبَ بالمزَّملِ والمدَّثرِ في أوَّلِ الأمرِ لم يكُن بلغَ شيئاً من الرسالةِ، ثم خُوطِبَ بعدَ ذلك : يا أيها النبيُّ، يا أيُّها الرسولُ.
قال المفسِّرون : معنى قولهِ ﴿ نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ﴾ أي انقُصْ مِن النصفِ إلى الثُّلث أو زدْ على النِّصف إلى الثُّلُثَينِ، جعل له سِعَةً في قيامِ الليل وخيَّرَهُ في هذه السَّاعات، قال الحسنُ :((فَرَضَ اللهُ عَلَى النَّبيِّ ﷺ وَعَلَى أصْحَابهِ وَهُمْ بمَكَّةَ أنْ يَقُومُوا بثُلُثِ اللَّيْلِ وَمَا زَادَ)).
سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَت :((أمَا تَقْرَأُونَ هَذِهِ السُورَةَ ﴿ ياأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴾ ؟ قَالُواْ : بَلَى، قَالَتْ : فَإنَّ اللهَ فَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، وَأمْسَكَ اللهُ خَاتِمَةَ السُّورَةِ اثْنَى عَشَرَ شَهْراً، ثُمَّ تَرَكَ التَّخْفِيفَ فِي آخِرِ السُّورَةِ بَعْدَ أنْ قَامَ النَّبيُّ ﷺ وَأصْحَابُهُ حَوْلاً، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعاً بَعْدَ ذلِكَ)).
وَكَانَ قِيَامُهُ فَرْضاً قَبْلَ أن فَرَضَ " اللهُ " الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، ولا خلافَ بين المسلمين في أنَّ قيامَ الليلِ مندوبٌ إليه مرغَّبٌ فيه، قال ﷺ :" أحَبُّ الصَّلاَةِ إلَى اللهِ تَعَالَى صَلاَةُ دَاوُدَ عليه السلام، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ. وَأحَبُّ الصِّيَامِ إلَى اللهِ تَعَالَى صِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً ".
ورُوي :(أنَّ هَذِهِ الآيَاتِ لَمَّا نَزَلَتْ قَامَ النَّبيُّ ﷺ وَأصْحَابُهُ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنَ الصَّحَابَةِ لاَ يَدْري مَتَى ثُلُثُ اللَّيْلِ وَمَتَى النِّصْفُ وَمَتَى الثُّلُثَانِ، فَكَانَ يَقُومُ حَتَّى يُصْبحَ مَخَافَةَ أنْ لاَ يَحْفَظَ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ، حَتَّى شُقَّ عَلَيْهِمْ ذلِكَ وَانْتَفَخَتْ أقْدَامُهُمْ وَتَغَيَّرَتْ ألْوَانُهُمْ، فَرَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى وَخَفَّفَ عَنْهُمْ، وَنُسِخَ بقَوْلِهِ﴿ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى ﴾[المزمل : ٢٠]، وَكَانَ بَيْنَ أوَّلِ السُّورَةِ وَآخِرِهَا سَنَةٌ).
وقوله تعالى :﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ ؛ أي بَيِّنْهُ بَياناً واقرَأهُ قراءةً بَيِّنَةً. والتَّرتِيلُ : ترتيبُ الحروفِ على حقِّها في تلاوَتِها بتَبيُّنٍ وتثَبُّتٍ من غيرِ عجَلَةٍ، وكذلك التَّرَسُّلُ. والمعنى : تفَهَّم معانيَهُ، وطالِبْ نفسكَ بالقيامِ بأحكامهِ. وأما الْحَدْرُ فهو الإسراعُ في القراءةِ، وعن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالِ :(كَانَتْ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ تَرْتِيلاً) أي تَرَسُّلاً. وقال أبو حمزةَ :((قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ : إنِّي رَجُلٌ فِي قِرَاءَتِي وَكَلاَمِي عَجَلَةٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَئِنْ أقْرَأ الْبَقَرَةَ وَأُرَتِّلْهَا أحَبَّ إلَيَّ مِنْ أنْ أقْرَأ الْقُرْآنَ كُلَّهُ هَدْرَمَةً)).
ويقالُ : معناهُ : كَلاماً مُحْكَماً ليس بسَفْسَافٍ كما يقالُ : هذا كلامٌ له وَزْنٌ. وَقِيْلَ : إنما سُمي ثقيلاً لثِقَلِهِ في الميزانِ مع خفَّته على اللسانِ، وعن الحسنِ في قولهِ تعالى ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾ قال :((الْعَمَلُ))، وَقِيْلَ : ثقيلٌ لا يحملهُ إلاّ القلبُ المؤيَّدُ بالتوفيقِ ونفسٌ مؤمِنة بتوحيدهِ.
وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَت :[لَقَدْ رَأيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَنْفَصِمُ عَنْهُ، وَإنَّ جَبينَهُ لَيَنْفصُ عَرَقاً]. وقالت عائشةُ أيضاً :[إنْ كَانَ لَيُوحَى إلَيْهِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَتَضْرِبُ بجِرَانِهَا].
وَقِيْلَ : نائشةُ الليل ساعاتُها كلُّها، وكلُّ ساعةٍ منه فهي ناشئةٌ، سُميت بذلك ؛ لأنَّها تُنشِئ، ومنه نشأَتِ السَّحابةُ إذا بَدَتْ، وجمعُها نَاشِئَاتٌ، وعن حاتمِ بن أبي صغيرة قال :((سَأَلْتُ ابْنَ أبي مُلَيْكَةَ عَنْ نَاشِئَةِ اللَّيْلِ فَقَالَ : عَلَى اللَّبيب سَقَطْتَ، سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَزَعَمَ أنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ نَاشِئَةٌ، وَسََأَلْتُ الزُّبَيْرَ عَنْهَا فَأَخْبَرَنِي مِثْلَ ذلِكَ)).
وقال ابنُ جبير :((أيُّ سَاعَةٍ قَامَ مِنَ اللَّيْلَ فَقَدْ نَشَأَ))، وقال قتادةُ :((مَا كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَهُوَ نَاشِئَةٌ)). وقال عبيدُ بن عمير لعائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا :((رَجُلٌ قَامَ مِنْ أوَّلِ اللَّيْلِ أيُقَالُ لَهُ نَاشِئَةٌ ؟ قَالَتْ : لاَ ؛ إنَّمَا النَّاشِئَةُ الْقِيَامُ بَعْدَ النَّوْمِ)). وقال ابنُ كَيسان :((هِيَ الْقِيَامُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ)). وعن ابنِ عبَّاس قال :((إذا نَشَأَْتَ قَائِماً فَهُوَ نَاشِئَةٌ))، وعن مجاهدٍ أنه قالَ :((إذا قَامَ الإنْسَانُ اللَّيْلَ كُلَّهُ فَصَلَّى فَهُوَ نَاشِئَةٌ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ الأَخِيرَةِ فَهُوَ نَاشِئَةٌ)).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾ أي أثقلُ على المصلِّي من ساعاتِ النَّهار، من قولِ العرب اشتدَّت على القومِ وَطْأَةُ السُّلطان ؛ إذا ثَقُلَ عليهم ما يلزَمُهم، ومنه قولهُ ﷺ :" اللَّهُمْ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ ".
وقرأ أبو عمرٍو وابنُ عامر (وِطْئاً) بكسر الواو والمدِّ على معنى الْمُوَاطَأَةِ والموافقةِ، ومنه قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ﴾[التوبة : ٣٧]، قال ابنُ عبَّاس :((يُوَاطِئُ السَّمْعُ الْقَلْبَ))، والمعنى : أنَّ صلاةَ ناشئة الليلِ يُواطِئُ السمعُ والقلبُ فيها أكثرَ مما يُواطِئ في ساعاتِ النَّهار ؛ لأن الليلَ أفرغُ للانقطاعِ عن كُثْرِ ما يشغلُ بالنهار. ويقال : وَاطَأَتَ فُلاناً على كذا مُواطَأَةً ووَطْأَةً ؛ إذا وافقتَهُ عليه.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾ ؛ أي أبْيَنُ قَوْلاً بالقرآنِ، وَقِيْلَ : أستَرُ استقامةً وأطرَبُ قراءةً، وعبادةُ الليلِ أشدُّ نَشاطاً وألَدُّ إخلاصاً وأكثرُ بركةً.
والسَّبْحُ : التقلُّبُ، ومنه السَّابحُ في الماءِ لتقَلُّبهِ بيديهِ ورجلَيهِ. وَقِيْلَ : معناهُ : إنَّ لكَ في النهار تصرُّفاً واشتغالاً في حوائجِكَ حيث لا تتفرَّعُ لصَلاةِ النَّفلِ، فخُذْ حظَّكَ من قيامِ الليل، وكان شُغْلُ النبيِّ ﷺ بالنَّهار ما كان عليهِ من تبليغِ الوحي والرِّسالةِ وتعليمِ الناس الفرائضَ والسُّننَ، وقيامهِ بأدائِها وأمور معاشهِ ومعاش عيالهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ﴾ أي انقَطِعْ إلى اللهِ في العبادة، وتأميلِ الخير منه دون غيرهِ. ومِن هذا سُمِّيت فاطمةُ الْبَتُولَ ؛ لأنَّها انقطَعت إلى اللهِ تعالى في العبادةِ، والبَتْلُ في اللغة : القطعُ وتَميُّزُ الشيءِ من الشيءِ، ومنه صَدَقَةٌ بَتْلَةٌ ؛ أي مُنقَطِعَةٌ من مالِ صاحبها، وطَلْقَةٌ بَتْلَةٌ : قاطعةٌ للزَّوجةِ.
وإنما قال ﴿ تَبْتِيلاً ﴾ ولم يقل تَبَتُّلاً على معنى تَبَتَّلْ لنَفسِكَ إليه تَبْتِيلاً. وقال ابنُ عبَّاس :((مَعْنَى ﴿ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ﴾ أيْ أخْلِصْ إلَيْهِ إخْلاَصاً)). وقال الحسنُ :((اجْتَهِدِ اجْتِهَاداً)). وقال شقيقُ :((تَوَكَّلْ عَلَيْهِ تَوَكُّلاً). وقال زيدُ بن أسلمَ :((التَّبَتُّلُ : رَفْضُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَالْتِمَاسُ مَا عِنْدَ اللهِ)).
قالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا :((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ إلَى قَوْلِهِ ﴿ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ ؛ لَمْ يَكُنْ إلاَّ يَسِيراً حَتَّى وَقَعَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ)). والنَّعمَةُ بفتحِ النون التَّنَعُّمُ، والنِّعمَةُ بالكسرِ المالُ والغِنَى، والنُّعْمَاءُ : قُرَّةُ العينِ بضمِّ النون.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَعَذَاباً أَلِيماً * يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ ﴾ ؛ أخبرَ اللهُ تعالى أنَّ هذا العذابَ المذكورَ يكون في يومٍ ترجفُ الأرضُ والجبال ؛ أي تُزَلْزَلُ وتُحَرَّكُ، وهو يومُ القيامةِ. والرَّاجِفَةُ : من أسماءِ القيامة. وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ ؛ أي رَمْلاً سَائلاً، يقالُ : ترابٌ مَهِيلٌ ومَهْيُولٌ ؛ أي مَصْبُوبٌ ومُرسَلٌ. والكَثِيبُ : القطعةُ العظيمةُ من الرَّملِ إذا حُرِّكَ أسفَلُها انْهَالَ أعلاهَا.
قرأ الكوفيُّون وابنُ كثير (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) بالنصب فيهما على معنى : ويقومُ نصفَهُ وثُلثَهُ. وقال الحسنَ :((لَمْ يَقُمِ النَّبِيُّ ﷺ قَطُّ أقَلَّ مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ، وَإنَّمَا قَالَ :(أدْنَى) فِي الطَّائِفَةِ الَّذِينَ مَعَهُ)) ولفظهُ (أدْنَى) تُعقَلُ منها القلَّة، لا يقالُ : عندِي دونَ العشرةِ إلاَّ والنُّقصان منها قليلٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ ؛ أي يعلَمُ مقاديرَهما وساعاتِهما على الحقيقةِ، ﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ ﴾ ؛ أي عَلِمَ أنَّكم لم تعلَمُوا حقيقةَ قدرهما، يعني أنَّكم ما تعرِفُون مقاديرَ اللَّيل والنهار، ولذا لم تعلَمُوا حقيقةَ المقدار الذي أمَرَكم بالقيامِ فيه لم تُطِيقوهُ إلاَّ بمشقَّة، ﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ ؛ أي فتجاوزَ عنكم قيامَ الليلِ بالتخفيفِ عنكم، ﴿ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ﴾ ؛ أي صلاةِ اللَّيل.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى ﴾ ؛ لا يقدِرون على قيامِ اللَّيل بقراءةِ السُّوَر الطِّوالِ، ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ﴾ ؛ أي وآخَرُون يُسافِرُونَ لطلب رزقِ الله فلا يُطيقون ذلكَ، ﴿ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ ؛ أي وعَلِمَ أنَّ فيكم مَن يجاهدُ في سبيلِ اللهِ، يعني يقاتلُ أعداءَ اللهِ لا يُطيقون قيامَ الليلِ، ﴿ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ ؛ أي مِن القُرآن في الصَّلاة.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ ﴾ ؛ أي وأقِيمُوا الصَّلوات الخمسِ بشَرائطِها وما يجبُ من حقِّ الله فيها، فنُسِخَ قيامُ الليلِ بالصَّلوات الخمسِ على المؤمنين، وثَبَتَ على النبيِّ ﷺ خاصَّة. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ﴾ ؛ يعني المفروضةَ، ﴿ وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾ ؛ من الصَّدقة سِوَى الزكاةِ من صِلَةِ الرَّحم، وقِرَى الضيفِ، وصدقةِ التطوُّع.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ﴾ ؛ أي ما تفعَلُوا من صدقةٍ فريضة أو تطوُّع أو عملٍ صالح تجدُوا ثوابَهُ عند اللهِ، ﴿ هُوَ خَيْراً ﴾ ؛ لكم، ﴿ وَأَعْظَمَ أَجْراً ﴾ ؛ مِن الذي تُؤخِّرونَهُ إلى الوصيَّة عند الموتِ.
وإنما انتصبَ (خَيْراً) لأنه المفعولُ الثاني، وأدخل (هو) فصل، ويسَمِّيه الكوفيُّون العمادَ، ﴿ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ ﴾ ؛ لِمَا مضَى من الذُّنوب والتقصيرِ في الطاعة، ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ ؛ لِمَن استغفرَ، ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ ؛ لِمَن ماتَ على التوبةِ.
وقد تضمَّنت هذه الآيةُ معانٍ : أحدُها : أنه نَسَخَ بها فريضةَ قيامِ الليل. الثانِي : أنَّها تدلُّ على لُزوم فرضِ القراءةِ في الصَّلاة ؛ لأن القراءةَ لا تلزَمُ في عينِ الصَّلاة. والثالث : دلالةُ جواز الصَّلاة بقليلِ القراءةِ. والرابعُ : أنَّ تركَ قراءةِ الفاتحةِ في الصَّلاة لا تمنعُ جوازَها إذا قرأ فيها غيرَها.