ﰡ
مكية [إلا الآيات ١٠ و ١١ و ٢٠ فمدنية] وآياتها ١٩ وقيل ٢٠ [نزلت بعد القلم] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤)الْمُزَّمِّلُ المتزمّل، وهو الذي تزمّل في ثيابه: أى تلفف بها، بإدغام التاء في الزاى:
ونحوه: المدثر في المتدثر. وقرئ: المتزمّل على الأصل والمزمل بتخفيف الزاى وفتح الميم وكسرها. على أنه اسم فاعل أو مفعول، من زمله، وهو الذي زمله غيره أو زمل نفسه وكان رسول الله ﷺ نائما بالليل متزمّلا في قطيفة، فنبه ونودي بما يهجن إليه «١» الحالة التي كان عليها من التزمل في قطيفته واستعداده للاستثقال في النوم، كما يفعل من لا يهمه أمر ولا يعنيه شأن. ألا ترى إلى قول ذى الرمّة:
وكائن تخطّت ناقتي من مفازة | ومن نائم عن ليلها متزمّل «٢» |
أوردها سعد وسعد مشتمل
ما وقعت عليه من كلام ابن خروف النحوي يرد على الزمخشري ويخطئ رأيه في تصنيفه المفصل، وإجحامه في الاختصار بمعاني كلام سيبويه، حتى سماه ابن خروف: البرنامج، وأنشد عليه:
أوردها سعد وسعد مشتمل | ما هكذا تورد يا سعد الإبل |
(٢). لذي الرمة. وكائن: بمعنى كم الخيرية، والأكثر استعمالها مع «من» كقول: وكائن من كذا. والمتزمل المتلفف في ثيابه عند كثرة النوم، يقول: كثيرا من المفاوز تخطته ناقتي وسارته، وكثيرا من نائم وغافل عن ليلها- أى: المفازة أو الناقة- متكاسل عما فيه من عظائم الأمور، فالمتزمل كناية عن ذلك.
فأنت به حوش الفؤاد سبطّنا | سهدا إذا ما نام ليل الهوجل «١» |
أوردها سعد وسعد مشتمل | ما هكذا تورد يا سعد الإبل «٢» |
ولقد سربت على الظلام بمغشم | جلد من الفتيان غير مثقل |
ممن حملن به وهن عواقد | حبك النطاق فشب غير مهبل |
ومبرأ من كل غير حيضة | وفساد مرضعة وداء مغيل |
حملت به في ليلة مزؤدة | كرها وعقد نطاقها لم يحلل |
فأتت به حوش الفؤاد مبطنا | سهدا إذا ما نام ليل الهوجل |
وهو الرجل الطويل الأحمق، ومن تجربة العرب: أن المرأة إذا حملت بولدها كارهة غير مستعدة للوطء: جاء ولدها نجيبا، حكى عن أم تأبط شرا أنها قالت فيه: والله إنه الشيطان، ما رأيته ضاحكا قط، ولا هم بشيء في صباء إلا فعله، ولقد حملت به في ليلة ظلماء، وإن نطاقى لمشدود، وذلك يدل على نجابته وشجاعته.
(٢). لمالك بن زيد مناة يخاطب أخاه، وكان قد بنى على امرأته فلم يحسن سعد القيام بأمر الإبل، فقال: أوردها سعد إلى الماء والحال أنه مشتمل متلفف بثيابه لا متشمر. وذكر الظاهر مكان المضمر: فيه نوع من التوبيخ.
ما هكذا تورد، أى: تساق إلى الماء، وكان معرضا عنه فالتفت إليه ونداؤه نداء البعيد: دلالة على أنه بليد.
وحق هاء التنبيه: الدخول على اسم الاشارة، لكن قدمت على كاف التشبيه مبادرة واهتماما بالتنبيه. ويروى بدل الشطر الثاني: يا سعد ما تروى بهذا كالإبل. وهذاك اسم إشارة، وصار هذا البيت يضرب مثلا لكل من لم يحسن القيام بشأن ما تولاه.
قالت: كان مرطا طوله أربع عشرة ذراعا نصفه علىّ وأنا نائمة ونصفه عليه وهو يصلى، فسئلت:
ما كان؟ قالت: والله ما كان خزا ولا قزا ولا مرعزى «٢» ولا إبريسما ولا صوفا: كان سداه شعرا ولحمته وبرا «٣». وقيل: دخل على خديجة، وقد جئث فرقا «٤» أول ما أتاه جبريل وبوادره ترعد، فقال: زملوني زملوني، وحسب أنه عرض له، فبينا هو على ذلك إذ ناداه جبريل: يا أيها المزمل «٥». وعن عكرمة: أنّ المعنى: يا أيها الذي زمل أمرا عظيما، أى: حمله. والزمل:
الحمل. وازدمله: احتمله. وقرئ: قم الليل بضم الميم وفتحها. قال عثمان بن جنى: الغرض بهذه الحركة التبلغ بها هربا من التقاء الساكنين، فبأى الحركات تحرّك فقد وقع الغرض نِصْفَهُ بدل من الليل. وإلا قليلا: استثناء من النصف، كأنه قال: قم أقل من نصف الليل. والضمير في منه وعليه للنصف، والمعنى: التخيير بين أمرين، بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت، وبين أن يختار أحد الأمرين وهما النقصان من النصف والزيادة عليه. وإن شئت جعلت
(٢). قوله «ولا مرعزى» المرعزى الزغب الذي تحت شعر العنز اه صحاح. (ع)
(٣). لم أره هكذا ومن قوله «ما كان خزا» رواه البيهقي في الدعوات من حديثها في ليلة النصف من شعبان «انسل النبي ﷺ من مرطى. ثم قالت: والله ما كان مرطى من حرير ولا قز. ولا كتان ولا كرسف ولا صوف. فقلنا: من أى شيء كان؟ قالت: إن كان سداه لمن شعر وإن كانت لحمته لمن وبر».
(٤). «قوله وقد جئث فرقا» أى أفزع، فهو مجؤوث: أى مذعور، كذا في الصحاح. وفيه البوادر من الإنسان وغيره: اللحمة التي بين المنكب والعنق. (ع)
(٥). لم أره هكذا. وأصله في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها.
قم أنقص من ذلك الأقل أو أزيد منه قليلا، فيكون التخيير فيما وراء النصف بينه وبين الثلث.
ويجوز إذا أبدلت نصفه من قليلا وفسرته به أن تجعل قليلا الثاني بمعنى نصف النصف: وهو الربع، كأنه قيل. أو انقص منه قليلا نصفه. وتجعل المزيد على هذا القليل، أعنى الربع، نصف الربع كأنه قيل: أو زد عليه قليلا نصفه. ويجوز أن تجعل الزيادة لكونها مطلقة تتمة الثلث، فيكون تخييرا بين النصف والثلث والربع. فإن قلت: أكان القيام فرضا أم نفلا؟ قلت: عن عائشة رضى الله عنها أنّ الله جعله تطوّعا بعد أن كان فريضة. وقيل: كان فرضا قبل أن تفرض الصلوات الخمس، ثم نسخ بهنّ إلا ما تطوّعوا به. وعن الحسن: كان قيام ثلث الليل فريضة، وكانوا على ذلك سنة. وقيل: كان واجبا، وإنما وقع التخيير في المقدار، ثم نسخ بعد عشر سنين. وعن الكلبي: كان يقوم الرجل حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ ما بين النصف والثلث والثلثين، ومنهم من قال: كان نفلا بدليل التخيير في المقدار، ولقوله تعالى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ.
ترتيل القرآن: قراءته على ترسل وتؤدة بتبيين الحروف وإشباع الحركات، حتى يجيء المتلوّ منه شبيها بالثغر المرتل: وهو المفلج المشبه بنور الأقحوان، وألا يهذه هذا ولا يسرده سردا «١»، كما قال عمر رضى الله عنه: شر السير الحقحقة. وشر القراءة الهذرمة، حتى يشبه المتلو في تتابعه الثغر الألص «٢». وسئلت عائشة رضى الله عنها عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: لا كسردكم هذا، لو أراد السامع أن يعد حروفه لعدها. وتَرْتِيلًا تأكيد في إيجاب الأمر به، وأنه ما لا بد منه للقارئ.
[سورة المزمل (٧٣) : آية ٥]
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥)
هذه الآية اعتراض، ويعنى بالقول الثقيل: القرآن وما فيه من الأوامر والنواهي التي هي
والألص: متقارب الأسنان. أفاده الصحاح. وفيه «الهذرمة» سرعة القراءة. (ع)
(٢). لم أره عنه من رواية منصور، وإنما قال أبو عبيد بن قتيبة في الغريب قال عمر «شر القراءة الهزرمة» وأخرجه الخطيب في الجامع من رواية منصور بن جعفر قال: قرأت على أبى محمد بن درستويه. قال: قرأنا على ابن قتيبة بهذا وروى ابن المبارك في الزهد من رواية الحسن قال «كان يقال: شر السير الجعجعة» ورواه ابن عدى مرفوعا من رواية الحسن بن دينار عن الحسن بن أبى هريرة. والحسن بن دينار ضعيف.
ثقيل على المنافقين. وقيل: كلام له وزن ورجحان ليس بالسفساف.
[سورة المزمل (٧٣) : آية ٦]
إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦)
ناشِئَةَ اللَّيْلِ النفس الناشئة بالليل، التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة «٤»، أى: تنهض وترتفع، من نشأت السحابة: إذا ارتفعت. ونشأ من مكانه ونشز: إذا نهض، قال:
نشأنا إلى خوص برى نيّها السّرى... وألصق منها مشرفات القماحد «٥»
وقيام الليل، على أنّ الناشئة مصدر من نشأ إذا قام ونهض على فاعلة: كالعاقبة. ويدل عليه ما روى عن عبيد بن عمير: قلت لعائشة: رجل قام من أوّل الليل، أتقولين له قام ناشئة؟
قالت لا، إنما الناشئة القيام بعد النوم. ففسرت الناشئة بالقيام عن المضجع أو العبادة التي تنشأ بالليل، أى: تحدث، وترتفع. وقيل: هي ساعات الليل كلها، لأنها تحدث واحدة بعد أخرى. وقيل:
الساعات الأول منه. وعن على بن الحسين رضى الله عنهما أنه كان يصلى بين المغرب والعشاء ويقول: أما سمعتم قول الله تعالى إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هذه ناشئة الليل هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً هي خاصة دون ناشئة النهار، أشدّ مواطأة يواطئ قلبها لسانها: إن أردت النفس. أو يواطئ فيها قلب
(٢). قوله «وتربد» أى تعبس. (ع)
(٣). متفق عليه من حديث عائشة.
(٤). قال محمود: «قيل الناشئة النفس القائمة بالليل التي تنشأ عن مضجعها... الخ» قال أحمد: فان حملت الناشئة على النفس فاضافة المواطأة إليها حقيقة، وإن حملتها على الساعات أو المصدر فهو من الاتساع المجازى [.....]
(٥). نشأنا: نهضنا. والخوص- جمع خوصاء: الناقة المرتفعة الأعلى، الضخمة الأسفل. والى: الشحم.
والسرى: سير الليل. والقماحد: جمع قمحدوة: وهي أعلى عظم الرأس. يقول: نهضنا إلى نوق عظيمة أذاب شحمها سير الليل، وألصق عظام رأسها بعضها ببعض، كناية عن تمرنها على السير واعتيادها له.
أشدّ وطأ بالفتح والكسر. والمعنى: أشد ثبات قدم وأبعد من الزلل. أو أثقل وأغلظ على المصلى من صلاة النهار، من قوله عليه السلام «اللهم اشدد وطأتك على مضر» «١» وَأَقْوَمُ قِيلًا وأسد مقالا وأثبت قراءة لهدوّ الأصوات. وعن أنس رضى الله عنه أنه قرأ: وأصوب قيلا، فقيل له: يا أبا حمزة، إنما هي: وأقوم، فقال: إنّ أقوم وأصوب وأهيأ واحد. وروى أبو زيد الأنصارى عن أبى سرار الغنوي أنه كان يقرأ: فحاسوا، محاء غير معجمة، فقيل له:
إنما هو فَجاسُوا بالجيم، فقال: وجاسوا وحاسوا واحد.
[سورة المزمل (٧٣) : آية ٧]
إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧)
سَبْحاً تصرفا وتقلبا في مهماتك وشواغلك، ولا تفرغ إلا بالليل، فعليك بمناجاة الله التي تقتضي فراغ البال وانتفاء الشواغل. وأما القراءة بالخاء. فاستعارة من سبخ الصوف:
وهو نفشه ونشر أجزائه، لانتشار الهم وتفرّق القلب بالشواغل: كلفه قيام الليل، ثم ذكر الحكمة فيما كلفه منه: وهو أن الليل أعون على المواطأة وأشد للقراءة، لهدوّ الرجل وخفوت الصوت: وأنه أجمع للقلب وأضم لنشر الهم من النهار، لأنه وقت تفرق الهموم وتوزع الخواطر والتقلب في حوائج المعاش والمعاد. وقيل: فراغا وسعة لنومك وتصرفك في حوائجك. وقيل:
إن فاتك من الليل شيء فلك في النهار فراغ تقدر على تداركه فيه.
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ٨ الى ١٠]
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ودم على ذكره في ليلك ونهارك، واحرص عليه. وذكر الله يتناول كل ما كان من ذكر طيب: تسبيح، وتهليل، وتكبير، وتمجيد، وتوحيد، وصلاة، وتلاوة قرآن، ودراسة علم، وغير ذلك مما كان رسول الله ﷺ يستغرق به ساعة ليله ونهاره وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ وانقطع إليه. فإن قلت: كيف قيل تَبْتِيلًا مكان تبتلا؟ قلت: لأن معنى تبتل بتل نفسه، فجيء به على معناه مراعاة لحق الفواصل رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قرئ مرفوعا على المدح، ومجرورا على البدل من ربك. وعن ابن عباس: على القسم بإضمار حرف
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١١ الى ١٤]
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤)
إذا عرف الرجل من صاحبه أنه مستهم بخطب يريد أن يكفاه، أو بعدوّ يشتهى أن ينتقم له منه وهو مضطلع بذلك مقتدر عليه قال: ذرني وإياه، أى: لا تحتاج إلى الظفر «٣» بمرادك ومشتهاك، إلا أن تخلى بيني وبينه بأن تكل أمره إلىّ وتستكفينيه، فإنّ فىّ ما يفرغ بالك ويجلى همك، وليس ثم منع حتى يطلب إليه أن يذره وإياه إلا ترك الاستكفاء والتفويض، كأنه إذا لم يكل أمره إليه، فكأنه منعه منه، فإذا وكله إليه فقد أزال المنع وتركه وإياه، وفيه دليل على الوثوق بأنه يتمكن من الوفاء بأقصى ما تدور حوله أمنية المخاطب وبما يزيد عليه. النعمة- بالفتح- التنعم، وبالكسر: الإنعام، وبالضم: المسرة، يقال: نعم، ونعمة عين، وهم صناديد قريش، وكانوا أهل تنعم وترفه إِنَّ لَدَيْنا ما يضاد تنعمهم من أنكال: وهي القيود الثقال: عن الشعبي، إذا ارتفعوا استقلت بهم. الواحد: نكل ونكل. ومن جحيم: وهي النار الشديدة الحر والاتقاد. ومن طعام ذى غصة وهو الذي ينشب في الحلوق فلا يساغ يعنى الضريع وشجر الزقوم. ومن عذاب أليم من سائر العذاب فلا ترى موكولا إليه أمرهم موذورا بينه وبينهم ينتقم منهم بمثل ذلك الانتقام. وروى أنّ النبي ﷺ قرأ هذه الآية فصعق «٤». وعن
(٢). أخرجه البخاري في صحيحه تعليقا في الأدب: ويذكر عن أبى الدرداء. ووصله البيهقي في الشعب في السادس والخميسين من طريق أبى الأحوص يعنى ولد أحوص بن حكم عن أبى الزهراء قال قال أبو الدرداء. ورواه أبو نعيم في الحلية في ترجمة أبى الدرداء من طريق سفيان عن خلف بن حوشب قال قال أبو الدرداء مثل رواية البيهقي.
(٣). قوله «لا تحتاج إلى الظفر» لعله: في الظفر. (ع)
(٤). أخرجه أحمد في الزهد والطبري من طريق وكيع عن حمزة الزيات عن حمران بن أعين «أن النبي ﷺ بهذا» ورواه ابن عدى من رواية أبى يوسف عن حمزة عن حمدان عن أبى حرب بن أبى الأسود. وقال غيره: أن يوسف يرويه عن حمزة عن حسب عن حمران.
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١٥ الى ١٦]
إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦)
الخطاب لأهل مكة شاهِداً عَلَيْكُمْ يشهد عليكم يوم القيامة بكفركم وتكذيبكم. فإن قلت:
لم نكر الرسول ثم عرف؟ قلت: لأنه أراد: أرسلنا إلى فرعون بعض الرسل، فلما أعاده وهو معهود بالذكر أدخل لام التعريف إشارة إلى المذكور بعينه وَبِيلًا ثقيلا غليظا، من قولهم:
كلأ وبيل وخم لا يستمرأ لثقله. والوبيل: العصا الضخمة. ومنه الوابل للمطر العظيم.
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١٧ الى ١٨]
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨)
يَوْماً مفعول به، أى: فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة وهو له، إن بقيتم على الكفر.
ولم تؤمنوا وتعملوا صالحا. ويجوز أن يكون ظرفا، أى: فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا. ويجوز أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم، أى فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء: لأن تقوى الله خوف عقابه يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً مثل في الشدة يقال في اليوم الشديد: يوم يشيب نواصي الأطفال. والأصل فيه: أنّ الهموم والأحزان إذا تفاقمت على الإنسان. أسرع فيه الشيب. قال أبو الطيب:
والهمّ يخترم الجسيم نحافة | ويشيب ناصية الصّبىّ ويهرم «٢» |
(٢). لأبى الطيب، يقول: ان الهم ينتقص الرجل الجسيم ويقتطعه شيئا فشيئا. ونحف نحافة: هزل هزالا، فنحافة مفعول مطلق، لأنها تلاقى الاحترام في المعنى. ويجوز أنها تمييز، أى: ينتقص الهم العظيم الجسيم من جهة النحافة الى تنشأ عنه. ويجوز جعلها مفعولا لأجله على مذهب من لم يشترط اتحاد الفعل والمصدر في الفاعل.
والناصية: مقدم الرأس، أى: يشيب رأس الصبى. وخص الناصية، لأنها التي تقابل الناظر عند التقابل، ولا شعر الصبى إلا في رأسه، ويهرم، أى: يصير الصبى هرما ضعيفا.
ويجوز أن يوصف اليوم بالطول. وأنّ الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ وصف لليوم بالشدّة أيضا. وأنّ السماء على عظمها وإحكامها تنفطر فيه، فما ظنك بغيرها من الخلائق. وقرئ: منفطر ومتفطر. والمعنى: ذات انفطار. أو على تأويل السماء بالسقف. أو على تأويل السماء شيء منفطر، والباء في بِهِ مثلها في قولك: فطرت العود بالقدوم فانفطر به، يعنى: أنها تنفطر بشدة ذلك اليوم وهو له كما ينفطر الشيء بما يفطر به. ويجوز أن يراد السماء مثقلة به إثقالا يؤدّى إلى انفطارها لعظمه عليها وخشيتها من وقوعه، كقوله ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَعْدُهُ من إضافة المصدر إلى المفعول، والضمير لليوم. ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل وهو الله عز وعلا، ولم يجر له ذكر لسكونه معلوما.
[سورة المزمل (٧٣) : آية ١٩]
إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩)
إِنَّ هذِهِ الآيات الناطقة بالوعيد الشديد تَذْكِرَةٌ موعظة فَمَنْ شاءَ اتعظ بها.
واتخذ سبيلا إلى الله بالتقوى والخشية. ومعنى اتخاذ السبيل إليه: التقرّب والتوسل بالطاعة.
[سورة المزمل (٧٣) : آية ٢٠]
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠)
والثلث: وهو أدنى من النصف. والربع: وهو أدنى من الثلث، وهو الوجه الأخير وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ويقوم ذلك جماعة من أصحابك وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ولا يقدر على تقدير الليل والنهار ومعرفة مقادير ساعاتهما إلا الله وحده، وتقديم اسمه عز وجل مبتدأ مبنيا عليه يقدّر: هو الدال على معنى الاختصاص بالتقدير، والمعنى: أنكم لا تقدرون عليه، والضمير في لَنْ تُحْصُوهُ لمصدر يقدّر، أى علم أنه لا يصح منكم ضبط الأوقات ولا يتأتى حسابها بالتعديل والتسوية، إلا أن تأخذوا بالأوسع للاحتياط: وذلك شاق عليكم بالغ منكم فَتابَ عَلَيْكُمْ عبارة عن الترخيص في ترك القيام المقدّر، كقوله فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ والمعنى: أنه رفع التبعة في تركه عنكم، كما يرفع التبعة عن التائب. وعبر عن الصلاة بالقراءة، لأنها بعض أركانها، كما عبر عنها بالقيام والركوع والسجود. يريد: فصلوا ما تيسر عليكم، ولم يتعذر من صلاة الليل، وهذا ناسخ للأوّل، ثم نسخا جميعا بالصلوات الخمس. وقيل هي قراءة القرآن بعينها، قيل: يقرأ مائة آية. ومن قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن، وقيل:
من قرأ مائة آية كتب من القانتين. وقيل: خمسين آية. وقد بين الحكمة في النسخ. وهي تعذر القيام على المرضى، والضاربين في الأرض للتجارة، والمجاهدين في سبيل الله. وقيل: سوّى الله بين المجاهدين والمسافرين لكسب الحلال. وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: أيما رجل جلب شيأ إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا، فباعه بسعر يومه: كان عند الله من الشهداء «١». وعن عبد الله بن عمر: ما خلق الله موتة أموتها بعد القتل في سبيل الله أحب إلىّ من أن أموت بين شعبتى رحل: أضرب في الأرض أبتغى من فضل الله «٢». وعَلِمَ
(٢). أخرجه الثعلبي من رواية القاسم بن عبد الله عن أبيه عن نافع عن ابن عمر به. وإسناده ضعيف. ورواه ابن معبد في الطاعة والمعصية عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن نافع أن عمر قال «ما خلق الله موتة أموتها إلا أن أموت مجاهدا في سبيل الله أحب إلى من أن أموت- إلى آخره» والبيهقي في الشعب في الثالث عشر من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الله ذكر عمر أو غيره قال «ما خلق الله إلى آخره».