تفسير سورة الضحى

الكشاف أو تفسير الزمخشري
تفسير سورة سورة الضحى من كتاب الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل المعروف بـالكشاف أو تفسير الزمخشري .
لمؤلفه الزمخشري . المتوفي سنة 538 هـ
مكية وآياتها إحدى عشرة

ويجوز أن يكون ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ مفعولا له على المعنى، لأنّ معنى الكلام: لا يؤتى ماله إلا ابتغاء وجه ربه، لا لمكافأة نعمة وَلَسَوْفَ يَرْضى موعد بالثواب الذي يرضيه ويقرّ عينه.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والليل، أعطاه الله حتى يرضى، وعافاه من العسر ويسر له اليسر» «١».
سورة الضحى
مكية، وآياتها ١١ «نزلت بعد الفجر» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣)
المراد بالضحى: وقت الضحى، وهو صدر النهار حتى ترتفع الشمس وتلقى شعاعها. وقيل:
إنما خص وقت الضحى بالقسم، لأنها الساعة التي كلم فيها موسى عليه السلام، وألقى فيها السحرة سجدا، لقوله وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى وقيل: أريد بالضحى: النهار، بيانه قوله أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى في مقابلة بَياتاً. سَجى سكن وركد ظلامه. وقيل: ليلة ساجية ساكنة الريح. وقيل معناه: سكون الناس والأصوات فيه. وسجا البحر: سكنت أمواجه.
وطرف ساج: ساكن فاتر ما وَدَّعَكَ جواب القسم. ومعناه: ما قطعك قطع المودع.
وقرئ بالتخفيف، يعنى: ما تركك. قال:
(١). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بالسند إلى أبى بن كعب.
وثمّ ودعنا آل عمرو وعامر فرائس أطراف المثقّفة السّمر «١»
والتوديع: مبالغة في الودع، لأنّ من ودّعك مفارقا فقد بالغ في تركك. روى أنّ الوحى قد تأخر عن رسول الله ﷺ أياما. فقال المشركون: إنّ محمدا ودعه ربه وقلاه «٢».
وقيل: إنّ أم جميل امرأة أبى لهب قالت له: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد تركك «٣»، فنزلت.
حذف الضمير من قَلى كحذفه من الذَّاكِراتِ في قوله وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ يريد: والذاكراته ونحوه: فَآوى... فَهَدى... فَأَغْنى وهو اختصار لفظي لظهور المحذوف.
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ٤ الى ٥]
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥)
فإن قلت: كيف اتصل قوله وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى بما قبله؟ قلت: لما كان في ضمن نفى التوديع والقلى: أنّ الله مواصلك بالوحي إليك «٤»، وأنك حبيب الله ولا ترى كرامة أعظم من ذلك ولا نعمة أجل منه: أخبره أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك وأجل، وهو السبق والتقدّم على جميع أنبياء الله ورسله، وشهادة أمته على سائر الأمم، ورفع درجات المؤمنين وإعلاء مراتبهم بشفاعته، وغير ذلك من الكرامات السنية وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى موعد شامل لما أعطاه في الدنيا من الفلج والظفر «٥» بأعدائه يوم بدر ويوم فتح
(١). ثم إشارة لمكان الحرب أو زمانها، واختلف في «دع» بمعنى اترك، هل ينصرف فيأتى منه الماضي والمصدر، واسم الفاعل والمفعول. قال الجوهري: أميت ماضيه وغيره، وربما جاء في الضرورة اه، وهو المشهور، ولكن حيث جاء في القرآن ما وَدَّعَكَ بالتخفيف. وفي الحديث «لينتهين قوم عن ودعهم الجماعات» أى تركهم.
وجاء اسم المفعول وغيره في الشعر، فيجوز القول بقلة الاستعمال لا بالاماتة، كما قاله بعض المتقدمين. والفرائس:
مفعول ثان، وهو جمع فريسة: وهي صيد الأسد المفترس. والمثقفة: المقومة بالثقاف، وهو آلة تقويم الرماح.
والسمرة: لون بين البياض والأدمة. وشبه الرماح بالأسود على طريق المكنية، والفرائس تخييل، والأقرب تشبيه آل عمر وآل عامر بالفرائس تشبيها بليغا لذكر الأطراف، إلا أن يقال: إنها تجريد للمكنية، لأنها تلائم الرماح.
(٢). أخرجه ابن مردويه من رواية العوفى عن ابن عباس في قوله ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى قال أبطأ عليه جبريل- الحديث».
(٣). متفق عليه من حديث جندب بن عبد الله البجلي بلفظ «فجاءت امرأة فقالت يا محمد إنى لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك. فأنزل الله وَالضُّحى وفي المستدرك من حديث زيد بن أرقم «أن النبي ﷺ مكث أياما لا ينزل عليه. فأتته امرأة أبى لهب فقالت: يا محمد- فذكره نحوه. [.....]
(٤). قال محمود: «إن قلت: كيف اتصل بما قبله؟ وأجاب بأنه لما كان في ضمن التوديع وأقلى أن الله مواصلك بالوحي إليك... الخ»
قال أحمد: وإخراج أهل الكبائر من النار بشفاعته مضاف إلى ذلك.
(٥). قوله «من الفلج والظفر» الفلج: أى الظهور والفوز والقهر، كما بقيده الصحاح. (ع)
مكة، ودخول الناس في الدين أفواجا، والغلبة على قريظة والنضير وإجلائهم، وبث عساكره وسراياه في بلاد العرب، وما فتح على خلفائه الراشدين في أقطار الأرض من المدائن وهدم بأيديهم من ممالك الجبابرة وأنهبهم من كنوز الأكاسرة، وما قذف في قلوب أهل الشرق والغرب من الرعب وتهيب الإسلام «١»، وفشوّ الدعوة واستيلاء المسلمين، ولما ادّخر له من الثواب الذي لا يعلم كنهه إلا الله. قال ابن عباس رضى الله عنهما: له في الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك. فإن قلت: ما هذه اللام الداخلة على سوف؟ قلت: هي لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، والمبتدأ محذوف. تقديره: ولأنت سوف يعطيك، كما ذكرنا في:
لا أقسم، أن المعنى: لأنا أقسم، وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم أو ابتداء، فلام القسم لا تدخل على المضارع إلا مع نون التأكيد، فبقى أن تكون لام ابتداء، ولام الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدإ والخبر، فلا بد من تقدير مبتدإ وخبر، وأن يكون أصله:
ولأنت سوف يعطيك. فإن قلت: ما معنى الجمع بين حرفى التوكيد والتأخير؟ قلت: معناه أن العطاء كائن لا محالة وإن تأخر، لما في التأخير من المصلحة.
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ٦ الى ٨]
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨)
عدّد عليه نعمه وأياديه، وأنه لم يخله متها من أول تربيه وابتداء نشئه، ترشيحا لما أراد به، ليقيس المترقب من فضل الله على ما سلف منه، لئلا يتوقع إلا الحسنى وزيادة الخير والكرامة:
ولا يضيق صدره ولا يقل صبره. وأَ لَمْ يَجِدْكَ من الوجود الذي بمعنى العلم: والمنصوبان مفعولا وجد. والمعنى: ألم تكن يتيما، وذلك أنّ أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر وماتت أمّه، وهو ابن ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب، وعطفه الله عليه فأحسن تربيته».
ومن بدع التفاسير: أنه من قولهم «درّة يتيمة» وأن المعنى: ألم يجدك واحدا في قريش عديم
(١). قوله «وتهيب الإسلام» أى: تخوف، كما في الصحاح، أى: تخوف الناس من أهل الإسلام. (ع)
(٢). لم أجد هذا. وقال السهيلي في الروض: أكثر العلماء على أنه عليه الصلاة والسلام توفى أبوه وهو في المهد، كما ذكره الدولابى وغيره. وقال ابن سعد: لا يثبت أنه مات أبوه وهو حمل. ورواه الحاكم من طريق ابن إسحاق: حدثني مطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده أنه ذكر ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال «توفى أبوه وأمه حلى به» وبذلك جزم ابن إسحاق. وأما سنه عند ما ماتت أمه. فجزم ابن إسحاق أنها ماتت وهو ابن ست سنين. وقال ابن حبيب: وهو ابن ثمان سنين. وأما كفالة عمه له فذكرها ابن إسحاق وغيره.
النظير فآواك. وقرئ: فأوى، وهو على معنيين: إما من أواه بمعنى آواه. سمع بعض الرعاة يقول:
أين آوى هذه الموقسة «١» وإما من أوى له: إذا رحمه ضَالًّا معناه الضلال عن علم الشرائع وما طريقه السمع، كقوله ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ. وقيل: ضل في صباه في بعض شعاب مكة، فردّه أبو جهل إلى عبد المطلب. وقيل: أضلته حليمة عند باب مكة حين فطمته وجاءت به لتردّه على عبد المطلب. وقيل: ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب، فهداك: فعرفك القرآن والشرائع. أو فأزال ضلالك عن جدك وعمك. ومن قال: كان على أمر قومه أربعين سنة، فإن أراد أنه كان على خلوهم عن العلوم السعية، لنعم، وإن أراد أنه كان على دينهم وكفرهم، فمعاذ الله، والأنبياء يجب أن يكونوا معصومين قبل النبوّة وبعدها من الكبائر والصغائر الشائنة، فما بال الكفر والجهل بالصانع ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ وكفى بالنبي نقيصة عند الكفار أن يسبق له كفر عائِلًا فقيرا. وقرئ: عيلا، كما قرئ: سيحات. وعديما فَأَغْنى فأغناك بمال خديجة. أو بما أفاء عليك من الغنائم. قال عليه السلام: «جعل رزقي تحت ظل رمحي «٢» » وقيل: قنعك وأغنى قلبك.
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ٩ الى ١١]
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)
فَلا تَقْهَرْ فلا تغلبه على ماله وحقه لضعفه. وفي قراءة ابن مسعود: فلا تكبر: وهو أن يعبس في وجهه. وفلان ذو كهرورة: عابس الوجه. ومنه الحديث: فبأبى وأمى هو، ما كهرنى «٣».
النهر، والنهم: الزجر. عن النبي ﷺ «٤» «إذا رددت السائل ثلاثا فلم يرجع،
(١). قوله «يقول أين آوى هذه الموقسة» الموقسة: الإبل الجربي، من الوقس: وهو ابتداء الجرب اه من هامش، والذي في الصحاح: يقال وقسه وقسا، أى: قرفه، وإن بالبعير لوقسا: إذا قارفه شيء من الجرب، فهو موقوس. (ع)
(٢). هذا طرف من حديث. وأخرجه البخاري تعليقا وأحمد وأبو داود وابن أبى شيبة وعبد بن حميد. وأبو يعلى والطبراني والبيهقي في الشعب من حديث. عبد الله بن عمر. وفي النسائي عن أبى هريرة أخرجه البزار من رواية صدقة ابن عبد الله عن الأوزاعى عن يحيى عن أبى سلمة عن أبى هريرة. وقال: لم يتابع صدقة على هذا. وغيره يرويه عن الأوزاعى مرسلا. وله طريق أخرى في ترجمة أحمد بن محمود في تاريخ أصبهان لأبى نعيم بسنده إلى أنس.
وإسناده ساتط.
(٣). أخرجه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمى في أثناء حديث.
(٤). أخرجه الدارقطني في الافراد من رواية الوليد بن الفضل عن عبد الله بن أبى حسين عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس به لكن قال «تزبره- بدل- وتنهره» والوليد اتهمه ابن حبان بالوضع لكن تابعه طلحة ابن عمرو عن عطاء أخرجه الثعلبي من طريق عقبة بن مجالد عن حبان بن على عن طلحة وهذا إسناد ضعيف.
وأخرجه ابن مردويه من رواية أحمد بن أبى طيبة عن حيان فقال: عن أبى هريرة- بدل ابن عباس. وله طريق أخرى. أخرجها عبد الغنى بن سعيد في إيضاح الاشكال من رواية وهب بن زمعة عن هشام بن وهب أبى البختري القاضي. وهو كذاب.
768
فلا عليك أن تزبره» «١» وقيل: أما إنه ليس بالسائل المستجدي، ولكن طالب العلم: إذا جاء فلا تنهره. التحديث بنعمة الله: شكرها وإشاعتها. يريد: ما ذكره من نعمة الإيواء والهداية والإغناء وما عدا ذلك. وعن مجاهد: بالقرآن، فحدث: أقرئه، وبلغ ما أرسلت به.
وعن عبد الله بن غالب أنه كان إذا أصبح يقول: رزقني الله البارحة خيرا: قرأت كذا وصليت كذا، فإذا قيل له: يا أبا فراس مثلك يقول مثل هذا؟ قال: يقول الله تعالى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ وأنتم تقولون: لا تحدث بنعمة الله. وإنما يجوز مثل هذا إذا قصد به اللطف، وأن يقتدى به غيره، وأمن على نفسه الفتنة. والستر أفضل. ولو لم يكن فيه إلا التشبه بأهل الرياء والسمعة: لكفى به. وفي قراءة على رضى الله عنه: فخبر. والمعنى: أنك كنت يتيما، وضالا، وعائلا، فآواك الله، وهداك: وأغناك، فمهما يكن من شيء وعلى ما خيلت فلا تنس نعمة الله عليك في هذه الثلاث. واقتد بالله، فتعطف على اليتيم وآوه، فقد ذقت اليتم وهو انه، ورأيت كيف فعل الله بك، وترحم على السائل وتفقده بمعروفك ولا تزجره عن بابك، كما رحمك ربك فأغناك بعد الفقر، وحدّث بنعمة الله كلها، ويدخل تحته هدايته الضلال، وتعليمه الشرائع والقرآن، مقتديا بالله في أن هداه من الضلال.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والضحى جعله الله فيمن يرضى لمحمد أن يشفع له وعشر حسنات يكتبها الله له بعدد كل يتيم وسائل» «٢».
(١). قوله «فلا عليك أن تزبره» تزبره: أى تزجره وتمنعه. أفاده الصحاح. (ع)
(٢). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بالسند إلى أبى بن كعب.
769
Icon