ﰡ
مكية وآياتها إحدى عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)شرح الكلمات:
والضحى: أي أول النهار ما بين طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى الزوال.
والليل إذا سجى: غطى بظلامه المعمورة وسكن فسكن الناس وخلدوا إلى الراحة.
ما ودعك: أي ما تركك ولا تخلى عنك.
وما قلى: أي ما أبغضك.
ألم يجدك يتيما: أي فاقد الأب إذ مات والده قبل ولادته.
فآوى: أي فآواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب.
ووجدك ضالا: أي لا تعرف دينا ولا هدى.
ووجدك عائلا: أي فقيرا.
فأغنى: أي بالقناعة، وبما يسر لك من مال خديجة وأبي بكر الصديق.
فلا تقهر: أي لا تذله ولا تأخذ ماله.
فلا تنهر: أي لا تنهره بزجر ونحوه.
وأما بنعمة ربك فحدث: أي اذكر ما أنعم الله تعالى به عليك شكرا له على ذلك.
قوله تعالى ﴿وَالضُّحَى١ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ٢ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ هذا قسم من الله تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقسم له به على أنه ما تركه ولا أبغضه. وذلك أنه أبطأ عنه الوحي أياما فلما رأى ذلك المشركون فرحوا به وعيروه فجاءت امرأة وقالت٣ له ما أرى شيطانك إلا قد تركك. فحزن لذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله سورة الضحى يقسم له فيها بالضحى وهو أول النهار من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى ما قبل الزوال بقليل، وبالليل إذا سجى أي غطى بظلامه المعمورة وسكن فسكن الناس وخلدوا على الراحة فيه ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾ يا محمد أي تركك ﴿وَمَا قَلَى﴾ أي ما أبغضك ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ أي الدنيا وذلك لما أعد الله لك فيها من الملك الكبير والنعيم العظيم المقيم. وسوف يعطيك ربك من فواضل نعمه حتى ترضى في الدنيا من كمال الدين وظهور الأمر في الآخرة الشفاعة وأن لا يبقى أحد من أمته أهل التوحيد في النار والوسيلة والدرجة الرفيعة التي لا تكون لأحد سواه.
وقوله تعالى ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ٤ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى﴾ هذه ثلاث منن لله تعالى على رسوله منها عليه وذكره بها ليوقن أن الله معه وله وأنه ما تركه ولن يتركه وحتى تنتهي فرحة المشركين ببطء الوحي وتأخره بضعة أيام. فالمنة الأولى أن والد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد مات عقب ولادته وأمه ماتت بعيد فطامه فآواه ربه بأن ضمه إلى عمه أبي طالب فكان أبا رحيما وعما كريما له وحصنا منيعا له، ولم يتخل عن نصرته والدفاع عنه حتى وفاته والثانية منة العلم والهداية فقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعيش في مكة كأحد رجالاتها لا يعرف علما ولا شرعا وإن كان معصوما من مقارفه أي ذنب أو ارتكاب أية خطيئة إلا أنه ما كان يعرف إيمانا ولا إسلاما ولا شرعا كما قال تعالى: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ﴾ والثالثة منته عليه بالغنى بعد الحاجة فقد مات والده ولم يخلف أكثر من جارية هي بركة أم أيمن وبضعة جمال، فأغناه الله بغنى القناعة فلم يمد يده لأحد قط وكان يقول
٢ ما ودعك جواب القسم ولم يقرن باللام، لأن الجملة المنفية لا تتطلب اللام. وما قلى معطوفة على ما ودعك ومعنى ما ودعك ما تركك ومعنى وما قلاك ما أبغضك شديد البغض ولا ضعيفه.
٣ في البخاري عن جندب بن سفيان قال اشتكى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً فجاءت امرأة هي أم جميل العوراء امرأة أبي لهب: فقالت يا محمد إني لأرجوا أن يكون شيطانك قد تركك ولم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثة فأنزل الله والضحى. وقيل لما سئل عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين، فقال سأخبركم غداً ولم يستثن فعوتب بانتظار الوحي خمسة عشر يوماً وقال المشركون قلاه. فأنزل الله سورة الضحى.
٤ الاستفهام للتقرير وكذا الاستفهامات بعده.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- الدنيا لا تخلو من كدر وصدق الله العظيم ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾.
٢- بيان علو المقام المحمدي وشرف مكانته.
٣- مشروعية التذكير بالنعم والنقم حملا للعبد على الصبر والشكر.
٤- وجوب شكر النعم بصرفها في مرضاة المنعم عز وجل. ٤
٥- تقرير معنى الحديث "إذا أنعم الله تعالى على عبد نعمة أحب أن يرى أثرها عليه".
٢ في الصحيح: " أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين".
٣ روى أو داود والترمذي وصححه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يشكر الله من لا يشكر الناس.
٤ في الصحيحين: عن أنس أن المهاجرين قالوا يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله قال: لا ما دعوتم لهم وأثنيتم عليهم، هذه الأحاديث دالة على وجوب شكر المنعم عز وجل بحمده والثناء عليه، وأن شكر ذي النعمة من الناس كذلك ولو بالدعاء له والثناء عليه.
مكية وآياتها ثماني آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)