مكية وآياتها ١١ نزلت بعد الفجر
ﰡ
مكية وآياتها ١١ نزلت بعد الفجر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة والضحى) وَالضُّحى ذكر في الشمس وضحاها وَاللَّيْلِ إِذا سَجى فيه أربعة أقوال: إذا أقبل، وإذا أدبر، وإذا أظلم، وإذا سكن أي استقر واستوى، أو سكن فيه الناس والأصوات ومنه: ليلة ساجية إذا كانت ساكنة الريح، وطرف ساج أو ساكن غير مضطرب النظر. وهذا أقرب في الاشتقاق وهو اختيار ابن عطية ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى بتشديد الدال من الوداع وقرئ بتخفيفها بمعنى: ما تركك والوداع مبالغة في الترك وَما قَلى أي ما أبغضك، وحذف ضمير المفعول من قلى وآوى وهدى وأغنى اختصارا، لظهور المعنى ولموافقة رؤوس الآي. وسبب الآية أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أبطأ عليه الوحي، فقالت قريش: إن محمدا ودعه ربه وقلاه فنزلت الآية: تكذيبا لهم وقيل: رمي عليه الصلاة والسلام بحجر في إصبعه فدميت فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم: فقالت امرأة:
ما أرى شيطان محمد إلا قد تركه فنزلت الآية: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى أي الدار الآخرة خير لك من الدنيا، قال ابن عطية: ويحتمل أن يريد بالآخرة حاله بعد نزول هذه السورة، ويريد بالأولى حاله نزولها، وهذا بعيد والأول أظهر وأشهر.
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى روي أن النبي ﷺ قال: لما نزلت إذا لا أرضى أن يبقى واحد من أمتي في النار، قال بعضهم: هذه أرجى آية في القرآن، وقال ابن عباس: رضاه أن الله وعده بألف قصر في الجنة بما يحتاج إليه من النعم والخدم وقيل: رضاه في الدنيا بفتح مكة وغيره والصحيح أنه وعد يعمّ كل ما أعطاه الله في الآخرة، وكل ما أعطاه في الدنيا من النصر والفتوح وكثرة المسلمين وغير ذلك أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى عدد الله نعمه عليه فيما مضى من عمره، ليقيس عليه ما يستقبل فتطيب نفسه، ويقوي رجاؤه ووجد في هذه المواضع تتعدى إلى مفعولين وهي بمعنى علم فالمعنى ألم تكن يتيما فآواك. وذلك أن والده عليه السلام توفي وتركه في بطن أمه، ثم ماتت أمه وهو ابن خمسة أعوام، وقيل: ثمانية فكفله جدّه عبد المطلب، ثم مات وتركه ابن اثني عشر عاما فكفله عمه أبو طالب، وقيل لجعفر الصادق: لم نشأ النبي ﷺ يتيما فقال: لئلا يكون عليه حق لمخلوق.
﴿ وما قلى ﴾ أي : ما أبغضبك وحذف ضمير المفعول من قلى، وآوى، وهدى، وأغنى، اختصارا لظهور المعنى ولموافقة رؤوس الآي وسبب الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطأ عليه الوحي، فقالت قريش : إن محمدا ودعه ربه وقلاه فنزلت الآية تكذيبا لهم : وقيل : رمي عليه الصلاة والسلام بحجر في أصبعه فدميت فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم فقالت امرأة : ما أرى شيطان محمد إلا قد تركه فنزلت الآية.
الفقير يقال: عال الرجل فهو عائل إذا كان محتاجا، وأعال فهو معيل إذا كثر عياله وهذا الفقر والغنى هو في المال، وغناؤه صلى الله عليه وآله وسلم هو أن أعطاه الله الكفاف، وقيل: هو رضاه بما أعطاه الله، وقيل: المعنى وجدك فقيرا إليه فأغناك به فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ أي لا تغلبه على ماله وحقه لأجل ضعفه أو لا تقهره بالمنع من مصالحه ووجوه القهر كثيرة والنهي يعمّ جميعها وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ النهر هو الانتهار والزجر، والنهي عنه أمر بالقول الحسن والدعاء للسائل كما قال تعالى: فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً ويحتمل السائل أن يريد به سائل الطعام والمال، وهذا هو الأظهر والسائل عن العلم والدين. وفي قوله تقهر وتنهر لزوم مالا يلزم من التزام الهاء قبل الراء.
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ قيل: معناه بثّ القرآن وبلغ الرسالة والصحيح أنه عموم جميع النعم قال رسول الله ﷺ «التحدث بالنعم شكر» «١» ولذلك كان بعض السلف يقول، لقد أعطاني الله كذا ولقد صليت البارحة كذا وهذا إنما يجوز إذا كان على وجه الشكر أو ليقتدى به، فأما على وجه الفخر والرياء فلا يجوز، وانظر كيف ذكر الله في هذه السورة ثلاث نعم، ثم ذكر في مقابلتها ثلاث وصايا فقابل قوله: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً بقوله: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وقابل قوله:
وَوَجَدَكَ ضَالًّا بقوله، أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ، على قول من قال إنه السائل عن العلم وقابله بقوله: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ على القول الآخر، وقابل: قوله: وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى بقوله:
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ على القول الأظهر، وقابله: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ على القول الآخر.