تفسير سورة المنافقون

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة المنافقون
مدنية وآياتها ١١ نزلت بعد الحج

سورة المنافقون
مدنية وآياتها ١١ نزلت بعد الحج بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة المنافقون) إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ كانوا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فلذلك كذبهم الله بقوله: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ أي كذبوا في دعواهم الشهادة بالرسالة، وأما قوله: والله يعلم إنك لرسوله فليس من كلام المنافقين، وإنما هو من كلام الله تعالى، ولو لم يذكره لكان يوهم أن قوله: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون إبطال للرسالة، فوسطه بين حكاية المنافقين وبين تكذيبهم ليزيل هذا الوهم وليحقق الرسالة، وعلى هذا ينبغي أن يوقف على قوله: لرسول الله جُنَّةً ذكر في المجادلة [١٦] ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا الإشارة إلى سوء عملهم وفضيحتهم وتوبيخهم، وأما قوله: آمنوا ثم كفروا فيحتمل وجهين: أحدهما أن يكون فيمن آمن منهم إيمانا صحيحا ثم نافق بعد ذلك، والآخر أن يريد آمنوا في الظاهر كقوله: إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا [البقرة: ١٤].
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ يعني أنهم حسان الصور وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ يعني أنهم فصحاء الخطاب، والضمير في قوله: وإذا رأيتهم تعجبك وفي قوله:
تسمع لقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكل مخاطب كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ «١» شبههم بالخشب في قلة أفهامهم، فكان لهم منظر بلا مخبر، وقال الزمخشري: إنما شبههم بالخشب المسندة إلى حائط، لأن الخشب إذا كانت كذلك لم يكن فيها منفعة، بخلاف الخشب التي في سقف أو مغروسة في جدار فإن فيها حينئذ منفعة. فالتشبيه على هذا في عدم المنفعة، وقيل: كانوا يستندون في مجلس رسول الله ﷺ فشبههم في استنادهم بالخشب المسندة إلى الحائط
(١). خشب: قرأها أبو عمرو والكسائي بتسكين الشين: خشب والباقون بالضم.
﴿ جنة ﴾ ذكر في المجادلة.
﴿ ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا ﴾ الإشارة إلى سوء عملهم وفضيحتهم وتوبيخهم، وأما قوله :﴿ آمنوا ثم كفروا ﴾ فيحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون فيمن آمن منهم إيمانا صحيحا ثم نافق بعد ذلك.
والآخر : أن يريد آمنوا في الظاهر كقوله :﴿ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ﴾ [ البقرة : ١٤ ].
﴿ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ﴾ يعني : أنهم حسان الصور.
﴿ وإن يقولوا تسمع لقولهم ﴾ يعني : أنهم فصحاء الخطاب والضمير في قوله :﴿ وإذا رأيتهم تعجبك ﴾ وفي قوله :﴿ تسمع لقولهم ﴾ للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل مخاطب.
﴿ كأنهم خشب مسندة ﴾ شبههم بالخشب في قلة أفهامهم فكان لهم منظر بلا مخبر وقال الزمخشري : إنما شبههم بالخشب المسندة إلى حائط لأن الخشب إذا كانت كذلك لم يكن فيها منفعة بخلاف الخشب التي في سقف أو مغروسة في جدار فإن فيها حينئذ منفعة فالتشبيه على هذا في عدم المنفعة، وقيل : كانوا يستندون في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فشبههم في استنادهم بالخشب المسندة إلى الحائط.
﴿ يحسبون كل صيحة عليهم ﴾ عبارة عن شدة خوفهم من المسلمين وذلك أنهم كانوا إذا سمعوا صياحا ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بقتلهم.
﴿ قاتلهم الله ﴾ الدعاء عليهم يتضمن ذمهم وتقبيح أحوالهم.
﴿ أنى يؤفكون ﴾ أي : كيف يصرفون عن الإيمان مع ظهوره.
يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ عبارة عن شدّة خوفهم من المسلمين، وذلك أنهم كانوا إذا سمعوا صياحا ظنوا أن النبي ﷺ يأمر بقتلهم قاتَلَهُمُ اللَّهُ الدعاء عليهم يتضمن ذمّهم وتقبيح أحوالهم أَنَّى يُؤْفَكُونَ أي كيف يصرفون عن الإيمان مع ظهوره.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ «١» أي أمالوها إعراضا واستكبارا. وقصص هذه الآية وما بعدها أن رسول الله ﷺ خرج في غزوة بني المصطلق، فبلغ الناس إلى ماء ازدحموا عليه، فكان ممن ازدحم عليه جهجاه بن سعيد أجير لعمر بن الخطاب وسنان الجهني حليف لعبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، فلطم الجهجاه سنانا، فغضب سنان ودعا بالأنصار ودعا جهجاه بالمهاجرين، فقال عبد الله بن أبيّ: والله ما مثلنا ومثل هؤلاء يعني المهاجرين إلا كما قال الأول: سمّن كلبك يأكلك. ثم قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل يعني: بالأعز نفسه وأتباعه، ويعني بالأذل رسول الله ﷺ ومن معه، ثم قال لقومه: إنما يقيم هؤلاء المهاجرون بالمدينة بسبب معونتكم وإنفاقكم عليهم، ولو قطعتم ذلك عنهم لفرّوا عن مدينتكم. فسمعه زيد بن أرقم فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول. فحلف أنه ما قال من ذلك شيئا. وكذّب زيدا فنزلت السورة عند ذلك. فبعث رسول الله ﷺ إلى زيد، وقال: لقد صدّقك الله يا زيد، فخزي عبد الله بن أبي بن سلول ومقته الناس، فقيل له: امض إلى رسول الله ﷺ يستغفر لك، فلوى رأسه إنكارا لهذا الرأي وقال: أمرتموني بالإسلام فأسلمت، وأمرتموني بأداء زكاة مالي ففعلت، ولم يبق لكم إلا أن تأمروني أن أسجد لمحمد. ثم مات عبد الله بن أبيّ بعد ذلك بقليل. وأسندت هذه الأقوال التي قالها عبد لله بن أبيّ إلى ضمير الجماعة، لأنه كان له أتباع من المنافقين يوافقونه عليها.
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ روي أنه لما نزلت إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة: ٨] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
لأزيدن على السبعين. فلما فعل عبد لله بن أبيّ وأصحابه ما فعلوا شدّد الله عليهم في هذه
(١). لوّوا: قرأها بالتشديد عامة القراء وقرأ نافع لووا بدون تشديد.
﴿ سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ﴾ روي : أنه لما نزلت إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لأزيدن على السبعين " فلما فعل عبد الله بن أبي وأصحابه ما فعلوا شدد الله عليهم في هذه السورة وأخبر أنه لا يغفر لهم بوجه وفي هذا نظر، لأن هذه السورة نزلت في غزوة بني المصطلق قبل الآية الأخرى بمدة.
﴿ لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ﴾ أي : لا تشغلكم وذكر الله هنا على العموم في الصلاة والدعاء والعبادة، وقيل : يعني الصلاة المكتوبة والعموم أولى.
السورة، وأخبر أنه لا يغفر لهم بوجه. وفي هذا نظر لأن هذه السورة نزلت في غزوة بني المصطلق قبل الآية الأخرى بمدّة لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ أي لا تشغلكم. وذكر الله هنا على العموم في الصلاة والدعاء والعبادة، وقيل: يعني الصلاة المكتوبة والعموم أولى
وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ عموم في الزكاة وصدقة التطوع والنفقة في الجهاد وغير ذلك، وقيل: يعني الزكاة المفروضة والعموم أولى وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ بالجزم عطف على موضع جواب الشرط، وقرأ أبو عمرو فأكون بالنصب عطف على فأصدق «١».
(١). قوله: في آخر آية: [والله خبير بما تعملون] قرأها الجميع. تعملون بالتاء ما عدا أبي بكر فقد قرأها، [بالياء يعملون].
Icon