تفسير سورة المنافقون

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ

﴿ إذا جاءك المنافقون ﴾ نزلت هذه السورة في عبد الله بن أبي بن سلول وأتباعه، وكان رأسا في النفاق والكفر، والأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والكيد للمسلمين والضغينة لهم، والتكبر على الله والناس، والكذب، وإشاعة الفاحشة في المؤمنين، وقد استمر على ذلك حتى هلك.
﴿ والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ﴾ أي في قولهم " نشهد إنك لرسول الله " لأنهم أضمروا خلاف ما أظهروا. وحقيقة الإيمان : أن يواطئ القلب اللسان ؛ فمن أخبر عن شيء وهو يضمر خلافه فهو كاذب.
﴿ اتخذوا أيمانهم جنة ﴾ وقاية من القتل والسبى ونحوهما، يسترون بها كما يستتر
المستجنّ بجنّته في الحرب. وهو الترس ونحوه. ﴿ فصدوا عن سبيل الله ﴾ فأعرضوا عن الإسلام. أو صرفوا عنه من أراد الدخول فيه. أو صرفوا المؤمنين عن الجهاد وطاعة الرسول ؛ أي أن دأبهم ذلك ؛ من الصد وهو الصرف عن الشيء والمنع منه.
﴿ ذلك ﴾ أي ما ذكر من حالهم الذي دأبوا عليه﴿ بأنهم ﴾ بسبب أنهم﴿ آمنوا ﴾ في الظاهر﴿ ثم كفروا ﴾ في الباطن. و " ثم " للترتيب الإخباري لا الإيجادي. ﴿ فطبع على قلوبهم ﴾ ختم عيها بالكفر فلا يدخل فيها الإيمان.
﴿ كأنهم خشب مسندة ﴾ ذم لهم ؛ أي كأنهم – في جلوسهم مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم مستندين فيها، فارغة قلوبهم من الإيمان والخير – خشب منصوبة مسندة إلى الحائط، لا تحس ولا تعقل ولا تتحرك﴿ يحسبون كل صيحة عليهم ﴾ أي واقعة عليهم، ضارة لهم ؛ لجنبهم وهلعهم. إذ كانوا على وجل من أن ينزل الله تعالى فيهم ما يهتك أستارهم، ويبيح دماءهم وأموالهم. ﴿ هم العدو ﴾ أي الكاملون في العداوة الراسخون فيها. ﴿ فاحذرهم ﴾ واتق شرهم، ولا تغتر بظواهرهم. ﴿ قاتلهم الله ﴾ لعنهم وطردهم من رحمته. ﴿ أنى يؤفكون ﴾ كيف يصرفون عن الحق والرشد إلى ما هم عليه من الكفر والضلال !
﴿ وإذا قيل لهم تعالوا ﴾ نزلت في عبد الله بن أبيّ حين افتضح أمره، وطلب منه أن يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له ؛ فأعرض واستكبر. وجميع الضمائر في الآية من باب : بنوا تميم قتلوا فلانا، والقاتل بعضهم. أو لأن أتباعه مثله في ذلك.
﴿ لووا رءوسهم ﴾ عطفوها وثنوها وهو كناية عن التكبر والإعراض ؛ ونظيره قوله تعالى : " ثاني عطفه " ١. أو حركوها وأمالوها استهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وباستغفاره ؛ إذ يستوى عندهم استغفاره وعدمه. وقد أخبر الله تعالى أنه لن يغفر لهم ؛ لأنهماكهم في الكفر والفسق والقبائح. يقال : لوى رأسه وبرأسه، أماله ؛ ونظيره : " فسينغضون إليك رءوسهم " ٢ أي يحركونها استهزاء.
١ آية ٩ الحج..
٢ آية ٥١ الإسراء..
﴿ حتى ينفضوا ﴾ أي كي يتفرقوا عنه صلى الله عليه وسلم ولا يصحبوه.
﴿ يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ﴾ قائل ذلك هو عبد الله بن أبي. ويعني بالأعز – أي الأقوى - : نفسه ومن معه من المنافقين. وبالأذل – أي الأضعف والأهون - : من عداهم من المؤمنين ؛ من العزة ضد الذلة. فرد الله عليهم بقوله :﴿ ولله العزة ﴾ أي الغلبة﴿ ولرسوله وللمؤمنين ﴾ لا لغيرهم.
﴿ يأيها الذين آمنوا... ﴾ نهى للمؤمنين عن التشبه بالمنافقين في الاغترار بالأموال والأولاد.
والله أعلم.
Icon