تفسير سورة القصص

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة القصص من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها ثمان وثمانون
بسم الله الرحمان الرحيم
سورة القصص وتسمى سورة موسى

﴿ علا في الأرض ﴾ استكبر وتجبر في أرض مصر، وجاوز الحد في العدوان حتى أدعى الربوبية ؛ من العلو وهو الارتفاع. ﴿ وجعل أهلها شيعا ﴾ أي فرقا وأصنافا في أنواع الخدنة والتسخير في الأعمال الشاقة [ آية ٦٥ الأنعام ص ٢٢٧ ].
﴿ ونمكن لهم في الأرض ﴾ نسلطهم عليها يتصرفون فيها كيف شاءوا. وأصل التمكين : أن نجعل للشيء مكانا يتمكن فيه، ثم استعير للتسليط وإطلاق الأمر، وشاع حتى صار حقيقة لغوية فيه. ﴿ يحذرون ﴾ يخافون من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود من بني إسرائيل ؛ من الحذر وهو الاحتراز من الأمر المخيف. يقال : حذره – من باب علم – إذا احترز منه.
﴿ وأوحينا إلى أم موسى ﴾ أي ألهمناها ؛ ولم تكن نبية بالإجماع.
﴿ ليكون لهم عدوا وحزنا ﴾ ليصير الأمر إلى ذلك ؛ فاللام لام الصيرورة والعاقبة. والحزن – بالتحريك وبضم فسكون - : نقيض السرور ؛ وفعله كفرح. وحزنه الأمر وأحزنه : جعله حزينا.
﴿ قرت عين ﴾ أي هو قرة عين﴿ لي ولك ﴾ ؛ وهو كناية عن السرور به [ آية ٢٦ مريم ص ٦ ].
﴿ فارغا ﴾ خاليا من التفكر في شيء سوى ابنها موسى الذي وقع في يد العدو. ﴿ إن كادت لتبدي به ﴾ أي لتصرح بأنه ابنها من شدة وجدها عليه ؛ من بدا يبدو وبدوا وبدا : ظهر ظهورا بينا. ﴿ لولا أن ربطنا على قلبها ﴾ ثبتناه وقويناه بإلهامها الصبر، وبما أنزلنا فيه من السكينة. وأصل الربط : الشد للتقوية ؛ ومنه رابط الجأش، لقوي القلب.
﴿ قصيه ﴾ اتبعي أثره وتتبعي خبره. يقال : قص أثره يقصه واقتصه وتقصصه، تتبعه ومنه القصص للأخبار المتتبعة. ﴿ فبصرت به عن جنب ﴾ فأبصرته عن بعد أو من مكان بعيد.
﴿ بلغ أشده ﴾ نهاية قوته ونموه﴿ واستوى ﴾ أي وتم استحكامه وكمل عقله ؛ من الاستواء، وهو اعتدال العقل وكماله. والأغلب أن يكون ذلك في سن الأربعين. ﴿ حكما ﴾ نبوة.
﴿ ودخل المدينة ﴾ هي مصر. أو منف. أو عين شمس من بلاد القطر المصري.
﴿ فوكزه موسى... ﴾ ضربه بيده مضمومة أصابعهما في صدره وهو لا يريد قتله، وإنما قصد دفعه فكانت فيه نفسه. والوكز : الضرب بجمع الكف.
﴿ ظهيرا للمجرمين ﴾ معينا لمن أوقع غيره في جرم.
﴿ يترقب... ﴾ يترصد الأخبار هل وقفوا على ما كان منه. يقال : ترقبه وارتقبه، انتظره ورصده. ﴿ يستصرخه ﴾ يستغيث به من قبطئ آخر بصوت مرتفع ؛ من الصراخ وهو رفع الصوت ؛ لأن المستغيث يصرخ رافعا صوته في طلب الغوث. ﴿ لغوي مبين ﴾ ضال بيّن الضلالة لتسبّبك في قتل رجل.
﴿ قال يا موسى ﴾ القائل هو الإسرائيلي الذي استصرخ موسى حيث توهم إرادته البطش به دون القبطي من قول موسى له : " إنك لغوي مبين ". وقيل : القائل هو القبطي حيث فهم من قول موسى للإسرائيلي : " إنك لغوي " أنه هو الذي قتل القبطي بالأمس.
﴿ وجاء رجل... ﴾ هو مؤمن آل فرعون.
﴿ يأتمرون بك ﴾ يأمر بعضهم بعضا بقتلك. أو يتشاورون في شأنك ليقتلوك ؛ وسمي التشاور ائتمارا لأن كلا من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر.
﴿ توجه تلقاء مدين ﴾ قصد ما يحاذي جهتها. و " تلقاء " اسم مصدر في الأصل منصوب على الظرفية. يقال : داره تلقاء دار فلان، إذا كانت محاذية لها. و " مدين " : قرية شعيب عليه السلام، ولم تكن في سلطان فرعون وملكه، وبينها وبين مصر مسيرة ثمان ليال.
﴿ يسقون ﴾ مواشيهم. ﴿ تذودان ﴾ تطردان أغنامهما عن الماء ؛ حتى يفرغ الناس وتخلو لهما البئر ؛ من الذود بمعنى الطرد والدفع. ﴿ قال ما خطبكما ﴾ ما شأنكما لا تسقيان مع الناس ؟ ! والخطب : الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب. ﴿ قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء ﴾ أي حتى يصرف الرعاة مواشيهم بعد ريها عن الماء عجزا منا عن مساجلتهم ؛ من أصدر الرباعي. وقرئ بفتح أوله ؛ من صدر الثلاثي.
والصدر عن الشيء : الرجوع والانصراف عنه ؛ ضد الورود. يقال : صدر عنه يصدر ويصدر صدرا، رجع. والاسم بالتحريك. والرعاء : جمع الراعي ؟ ؛ من الرعى وهو الحفظ.
﴿ تمشي على استحياء ﴾ مع استحياء، قد سترت وجهها بثوبها. والاستحياء والحياء : الحشمة والانقباض والانزواء. يقال : استحييته واستحييت منه، واستحياه واستحيا منه.
﴿ على أن تأجرني ﴾ نفسك﴿ ثمان حجج ﴾ أي في ثمان سنين. أي على أن تكون لي في فيها أجيرا ؛ من أجرته أي كنت له أجيرا ؛ مثل أبوته : أي كنت له أبا. أو على أن تثيبني رعي ثمان حجج ؛ أي تجعله وأجري على الإنكاح. يعني بذلك المهر ؛ من أجره الله على ما فعل، أي أثابه، والمفعول الثاني " ثماني حجج " بتقدير المضاف المذكور ؛ لأن العمل هو الذي وقع ثوابا لا نفس الزمان.
﴿ آنس من جانب الطور نارا ﴾ أبصرها وأحسها من الجهة التي تلى جبل الطور ؛ ونقد ظنها نارا وهي من نور الله ؛ من الإيناس وهو الإبصار بالعين الذي لا شبهة فيه. ﴿ أو جذوة من النار ﴾ أي عود من الخشب في رأسه نار، وهي القبس. ﴿ تصطلون ﴾ تستدفئون بها من البرد [ آية ٧ النمل ص ١١٩ ].
﴿ من شاطئ الواد الأيمن ﴾ جانبه عن يمين موسى ؛ وجمعه شطآن وشواطئ.
﴿ في البقعة المباركة ﴾ البقعة : القطعة من الأرض على غير هيئة التي إلى جانبها ؛ وجمعها بقع وبقاع، ووصفت ب " المباركة " لما وقع فيها من التكليم والرسالة، وظهر فيها من الآيات والمعجزات. ﴿ من الشجرة ﴾ أي من ناحيتها.
﴿ كأنها جان ﴾ حية في سرعة حركتها وخفّتها. ﴿ ولّى مدبرا ﴾ هاربا خوفا منها. ﴿ ولم يعقب ﴾ لم يرجع على عقبه [ آية ١٠ النمل ص ١٢٠ ].
﴿ اسلك يدك في جيبك ﴾ [ آية ١٢ النمل ص ١٢٠ ].
﴿ واضمم إليك جناحك من الرهب ﴾ أي إذا هالك أمر يدك وما تراه من شعاعها فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى. أو إذا فزعت عند معاينة الحيّة فاضمم يدك إلى صدرك يذهب عنك الفزع. والجناح : اليد. والرّهب – بفتح فسكون، وقرئ بفتحتين وبضم فسكون - : الخوف و الفزع.
﴿ ردءا ﴾ عونا. يقال : ردأته على عدوه وأردأته، أعنته عليه. وردأت الحائط : دعمته بخشية لئلا يسقط.
﴿ سنشد عضدك بأخيك ﴾ سنقويك به ونعينك. وشد العضد كناية عن تقويته ؛ لأن اليد تشتد بشدة العضد – وهو من المرفق إلى الكتف – والجملة تقوى بشدة اليد على مزاولة الأمور.
﴿ سحر مفترى ﴾ مختلق. أو سحر تعلمته على الله تعالى كذبا.
﴿ عاقبة الدار ﴾ أي عاقبة الدنيا وهي الجنة.
﴿ ما علمت لكم من إله غيري ﴾ أراد بنفي بإله غيره نفى وجوده ؛ لزعمه أنه لو كان موجودا لعلمه، وهو لم يعلمه فكان غير موجود. ﴿ فاجعل لي صرحا ﴾ بناء عاليا كالقصر ؛ من صرح الشيء وصرحه : إذا بينه وأظهره. ﴿ لعلى أطلع إلى إله موسى ﴾ أراد به التهكم بموسى ؛ كأنه نسب إليه القول بأن إلهه في السماء فقال لوزيره : ابن لي صرحا أصعد فيه لعلى أراه ؛ تهكما بموسى. ﴿ وإني لأظنه من الكاذبين ﴾ في إثباته إلها غيري. وأراد بالظن اليقين ؛ فلا ينافى ما ادعاه أولا من اليقين بعدم وجود إله غيره. وكذا طلبه بناء الصرح رجاء الاطلاع على إله موسى : لا ينافى يقينه بعدم وجوده ؛ لأنه على سبيل التهكم والسخرية.
﴿ وجعلناهم أئمة ﴾ قدوة في الضلال والكفر، يتبعهم غيرهم فيه ؛ فيكون عليهم وزرهم ووزر أتباعهم.
﴿ من المقبوحين ﴾ المطرودين المبعدين ؛ جمع مقبوح. يقال : قبحه الله، أي نحاه وأبعده عن كل خير. أو من المشوهين في الخلقة بسواد الوجوه وزرقة العيون.
﴿ وما كنت ثاويا في أهل مدين... ﴾ أي وما كنت مقيما في أهل مدين وقت تلاوتك على أهل مكة قصة موسى وشعيب ؛ حتى تنقلها إليهم بطريق المشاهدة، وإنما أتتك بطريق الوحي، فإخبارك بها إنما هو عن وحي إلهي، ورسالة ربانية. والضمير في قوله : " تتلو عليهم " لأهل مكة، والجملة حالية.
﴿ لتنذر قوما... ﴾ أي لتنذرهم العقاب الذي أتاهم من نذير قبلك ؛ أي على لسانه وبواسطته.
و " ما " اسم موصول مفعول ثان " لتنذر "، و " من نذير " متعلق ب " أتاهم ". وهذا القول في تفسير الآية جار على ظواهر القرآن ؛ قال تعالى : " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " ١، " أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير " ٢. وقيل : القوم هم العرب المعاصرون له صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لا يتصور إنذاره لمن سلفهم. و " ما " نافية ؛ أي لم يأتهم نذير قبلك.
فإذا قيل : إنهم قد أتاهم نذير لأنهم من ذرية إسماعيل وقد بعث إلى العرب وذراريهم لعدم انقطاع رسالته بموته ؛ فيجب عليهم العمل بها إلى أن يبعث إليهم رسول آخر. يقال : إن المراد من عدم إتيان نذير إليهم أنه لم تأتهم ولم تصل إليهم دعوة رسول قبله على حقيقتها. ولا شك أن أحكام رسالة إسماعيل قد أندرست ؛ لتطاول الأمد بين بعثته وبعثة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولم يقف الأكثرون في أغلب هذه الأوقات المتطاولة على حقيقتها ؛ فجعل ذلك بمنزلة عدم إتيان النذير لهؤلاء المعاصرين.
ولا يحمل لفظ القوم على العرب عامة، لا مع إبقاء عدم الإتيان على ظاهره لمنافاته لقوله : " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " وقد أرسل إليهم إسماعيل، ولا مع تأويله بما ذكر للقطع ببلوغ دعوة إسماعيل إلى العرب بعده في الجملة وفي بعض الأزمنة.
الشرط، وجوابها محذوف تقديره : لما أرسلناك إليهم رسولا. و " لو " الثانية : تحضيضية، وجوابها قوله " فنتبع آياتك ". وحاصل معنى الآية : أنه تعالى أرسل إليهم ليبطل تعللهم عند حلول العذاب بهم بسبب كفرهم بقولهم : " لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين "، وهو كقوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " ٣. ومعناها التركيبي : لولا إصابة المصيبة لهم بما اكتسبوا من الكفر المسبب عنها قولهم المذكور لما أرسلناك إليهم رسولا. فجعلت الإصابة سببا للإرسال ؛ باعتبار ترتب القول المذكور عليها، ولذا أدخلت عليها " لولا "، وعطف القول عليها بالفاء المفيدة للسببية.
١ آية ٢٤ فاطر..
٢ آية ١٩ المائدة..
٣ آية ١٥ الإسراء..
﴿ قالوا سحران تظاهرا ﴾ أي قال كفار مكة : ما أوتي موسى ومحمد سحران تعاونا بتصديق كل منهما الآخر، وإنا بكل واحد من الكتابين كافرون. وقرئ " سحران " أي موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
﴿ وصلنا لهم القول ﴾ أنزلنا عليهم القرآن إنزالا متواصلا متتابعا ؛ ليكون ذلك أقرب إلى التذكر والتذكير، فإنهم يطلعون كل يوم على جديد. أو جعلناه متتابعا في الأنواع : وعدا ووعيدا، وقصصا ومواعظ، ونصائح وأحكاما ؛ إرادة أن يتعظوا فيتعلموا. وأصله من التوصيل، وهو ضم قطع الحبل بعضها إلى بعض.
﴿ هم به يؤمنون ﴾ المراد بهم مؤمنو أهل الكتاب.
﴿ ويدرءون بالحسنة السيئة ﴾ أي يدفعون السيئة والأذى من الكفار بالاحتمال والصفح والحلم ؛ من الدرء وهو الدفع.
﴿ وإذا سمعوا اللغو ﴾ أي السب والشتم من الكفار﴿ أعرضوا عنه ﴾ تكرما وتنزها. واللغو في الأصل : السقط ومالا يعتد به من كلام وغيره ؛ كاللغا واللغوى.
﴿ إنك لا تهدي من أحببت... ﴾ نزلت في حرصه صلى الله عليه وسلم على إيمان عمه أبي طالب.
﴿ وقالوا إن نتبع الهدى... ﴾ أي قال أهل مكة للرسول صلى الله عليه وسلم : إننا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب أن يتخطفونا من أرضنا ويخرجونا من بلادنا. والتخطف : الانتزاع بسرعة. ومرادهم : التعلل في عدم اتباع الرسول بالخوف من اجتماع العرب على حربهم، ولا طاقة لهم بهم، فرد الله عليهم بقوله :﴿ أو لم نمكن لهم حرما آمنا ﴾ يأمنون فيه على أنفسهم وأموالهم. ﴿ يجبى إليه ثمرات كل شيء ﴾ يحمل إليه ويجمع في من كل جهة ثمرات أشياء كثيرة. يقال : جبى الماء في الحوض، جمعه فيه. والاستفهام للتقرير ؛ والمقصود أنا فعلنا ذلك معهم وهم مشركون، فكيف نعرضهم للتخطف إذا آمنوا ؟.
﴿ بطرت معيشتها ﴾ كفرت نعمة معيشتها الرافهة الآمنة ؛ فلم تقم بحق شكرها. أو تمردت و طغت في معيشتها ؛ وهو تهديد لكفار مكة. والبطر : الأشر وقلة احتمال النعمة والطغيان بها. وفعله كفرح.
﴿ وما كان ربك مهلك القرى ﴾ بيان للسنة الإلهية، وأنه تعالى قد مضت سنته ألا يعذب قوما قبل الإنذار إليهم ؛ إلزاما للحجة، وقطعا للمعذرة، حتى لا يقولوا : " لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك " ؛ وهو كقوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " ١.
١ آية ١٥ الإسراء..
﴿ من المحضرين ﴾ المشهدين عذاب الله وأليم عقابه ؛ جمع محضر، اسم مفعول من أحضره، وأغلب ما يستعمل الإحضار في العذاب.
﴿ قال الذين حق عليهم القول ﴾ ثبت عليهم مقتضاه وتحقق، وهو قوله تعالى : " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " ١، ونحوه من آيات الوعيد. والقائلون هم الشياطين، أو رؤساء الكفر الذين اتخذهم اتباعهم شركاء لله ؛ بأن أطاعوهم في كل أمر.
﴿ أغويناهم كما غوينا ﴾ أغويناهم بطريق الوسوسة والتسويل، لا بالإكراه والإلجاء ؛ فغووا باختبارهم غيا مثل غينا باختيارنا، فنحن وهم في ذلك سواء.
١ آية ١١٩ هود، ١٣ السجدة..
﴿ لو أنهم كانوا يهتدون ﴾ أي لو أنهم كانوا يهتدون لوجه من وجوه الحيل،
يدفعون به العذاب عنهم لدفعوه به. أو لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين لما رأوا العذاب.
﴿ وربك يخلق ما يشاء ﴾ تجهيل للمشركين في اختيارهم الشركاء واصطفائهم إياهم آلهة وشفعاء ؛ أي وربك يخلق ما يشاء خلقه﴿ ويختار ﴾ أي وهو سبحانه يصطفى ما يشاء اصطفاه ؛ فيصطفي مما يخلقه شفعاء ويختارهم للشفاعة، وبفضل بعض مخلوقاته على بعض بما يشاء. ﴿ ما كان لهم الخيرة ﴾ أي ما استقام لهم المشركين أن يصطفوا ما شاءوا، ويفضلوا بعض مخلوقاته على بعض ! فيجعلوا منها شفعاء وشركاء لله ! فليس لهم إلا اتباع اصطفائه تعالى ؛ وهو سبحانه لم يصطف شركاءهم الذين اصطفوهم للعبادة والشفاعة على الوجه الذي اصطفوهم عليه. والخيرة : الاختيار. وجملة " ما كان لهم الخيرة " مؤكدة لما قبلها. أفاده الآلوسي.
﴿ أرأيتم ﴾ أخبروني [ آية ٤٠ الأنعام ص ٢٢٢ ]. وفي هذه الآية واللتين بعدها دلائل على كمال القدرة الإلهية، موجهة للتوحيد في العبادة.
﴿ سرمدا ﴾ أي دائما لا ينقطع. والسرمد : دوام الزمان من ليل أو نهار.
﴿ فبغى عليهم ﴾ طلب الفضل عليهم، وأن يكونوا تحت أمره لقوته وغناه.
﴿ مفاتحه ﴾ جمع مفتح، وهو ما يفتح به الباب. أو المفاتح : الخزائن، جمع مفتح. ﴿ لتنوء بالعصبة ﴾ أي لتثقل المفاتح العصبة وتميلهم من ثقلها فلا يستطيعون حملها ؛ والباء للتعدية. يقال : ناء به الحمل، أثقله وأماله ؛ كما يقال : ذهب به وأذهبه بمعنى. والعصبة : الجماعة التي يتعصب بعضهم لبعض، وخصت في العرف بالعشرة إلى الأربعين. ﴿ لا تفرح ﴾ لا تبطر ولا تأشر بكثرة المال.
﴿ ولا تنس نصيبك من الدنيا ﴾ ولا تترك نصيبك من الطيبات التي أحلها الله لك.
﴿ ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ﴾ لا يسألون سؤال استعتاب ؛ كما قال تعالى : " ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون " ١، " ولا يؤذن لهم فيعتذرون " ٢. ولكنهم يسألون سؤال توبيخ ؛ كما قال تعالى : " فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون " ٣.
١ آية ٨٤ النحل..
٢ آية ٢٦ المرسلات..
٣ آيتا ٩٢، ٩٣ الحجر..
﴿ فخرج على قومه في زينته ﴾ أي في زينة بهرت الأنظار ؛ حتى تمنى الناظرون إليه أن يكون لهم مثلها. وهي مظاهر الغنى الفاحش، والترف الزائد.
﴿ ويلكم ﴾ كلمة أصلها الدعاء بالهلاك. منصوبة بمقدر ؛ أي ألزمكم الله الويل، ثم استعملت في الزجر والبعث على ترك ما لا يرضي.
﴿ ولا يلقاها ﴾ ولا يلقى هذه المثوبة ؛ أي لا يوفق للعمل بها. أو لا يلقى هذه الكلمة التي تكلم بها الأحبار ؛ أي لا يفهمها﴿ إلا الصابرون ﴾ يقال : تلقاه أي استقبله. والضمير راجع – على الثاني – لمقالة الذين أوتوا العلم.
{ فخسفنا به وبداره الأرض غيبناهما فيها. يقال : خسفت الأرض تخسف، وانخسفت وخسفها الله، وخسف به، وخسف هو ؛ أي غاب.
﴿ ويكأن الله يبسط الرزق... ﴾ " وي " : اسم فعل بمعنى أعجب ؛ وتكون للتحسر والتندم. وكان المتندم من العرب المظهر لندمه يقول : وي ؟ وقد تدخل على " كأن " المشددة – كما في الآية – والمخففة. والقياس كتابتها مفصولة ؛ وكتبت متصلة بالكاف لكثرة الاستعمال. وقيل : " ويكأن " كلمة وواحدة بمعنى ألم تر. ﴿ ويقدر ﴾ يضيق.
﴿ لرادك إلى معاد ﴾ إلى بلدك الذي نشأت فيه وهو مكة. وسمي بلد الرجل الذي كان فيه عادا ؛
لأنه – عادة – يتصرف في البلاد ثم يعود إليه. روي أنها نزلت بالجحفة بعد أن خرج النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة واشتاق إليها.
﴿ فلا تكونن ظهيرا للكافرين ﴾ معينا لهم على دينهم. والخطاب فيه وفيما بعده للنبي صلى الله عليه وسلم، والمقصود أمته. والله أعلم.
Icon