تفسير سورة القصص

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة القصص من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
وهي مكية إلا قوله تعالى :﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾ ﴿ القصص : ٨٥ ﴾.
نزلت هذه الآية ١ بالجحفة وقت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، قاله ابن سلام وغيره. وقال مقاتل ٢ فيها من المدني :﴿ الذين آتيناهم الكتاب.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ لا نبتغي الجاهلين ﴾ [ القصص : ٥٢ - ٥٥ ]. وأطلق مكي القول على هذه السورة بأنها مكية ولم يخصص منها شيئا ٣ وفيها مواضع من الأحكام والنسخ ٤.
١ "الآية" كلمة ساقطة في (أ)، (ج)، (ح)، (و)..
٢ مقاتل: هو مقاتل بن سليمان بن كثير الأزدي الخراساني، أبو الحسن البلخي. له عدة مصنفات منها الناسخ والمنسوخ، متشابه القرآن. توفي سنة ١٥٠هـ/ ٧٧٢م. انظر طبقات المفسرين للداودي ٢/ ٣٣٠..
٣ راجع الجامع لأحكام القرآن ١٣/ ٢٤٧..
٤ أوصلها ابن الفرس إلى ثلاث آيات..

– قوله تعالى :﴿ قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ( ١٧ ) ﴾ :
احتج جماعة من أهل العلم بهذه الآية في المنع من خدمة أهل الجور ومعونتهم في شيء من أمورهم، ورأوا أنها تتناول ذلك. نص عليه عطاء بن أبي رباح وغيره.
– قوله تعالى :﴿ قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك ﴾ :
هذه الآية لا كلام فيها على قول من يرى شريعة من قبلنا لازمة لنا. وأما على قول من لا يرى شريعة من قبلنا لازمة لنا – وهو مذهب أكثر الأصوليين – فيحتاج إلى نظر. وقد قال مكي : فيها خصائص في النكاح منها أنه لم يعين الزوجة ولا حد أول المدة وجعل المهر إجارة ودخل ولم ينقد شيئا ١. والذي يقال في هذا أنه يحتمل أن أمر النكاح عرض على موسى ٢ مجملا، فلما أجاب موسى إلى المصاهرة وقع التعيين، أو لعل هذا كان جائزا في شريعة موسى النكاح بغير تعيين ويكون مفوضا إلى الولي أو إلى الزوج ولا يمنع من ذلك مانع. إلا أن هذا الوجه الآخر مرفوع بشريعتنا والأول مبقي على حكمه. وأما المدة، فليس في ألفاظ الآية ما يدل على ترك مراعاتها بل الأمر مسكوت عنه. فإما أن يكون معلوما عندهم ولم يذكر في الآية، وإما أن يكون مسكوتا عنه عندهم أيضا كما وقع في الآية. وإذا كان كذلك فهو من يوم العقد كسائر عقود الإجارات والأكرية وذلك في شريعتنا محكم معمول به. أو لعله كان في تلك الشريعة إسقاط تعيين وقت الإجارة جائزا ثم رفع في شريعتنا٣ وأما النكاح بالأجرة فبين في الآية وقد جاء في شريعتنا وزانه وهو إنكاح النبي صلى الله عليه وسلم التي وهبت نفسها له الرجل الذي سأله إنكاحها منه ولم يكن عنده إلا آيات يحفظها فأمره أن يعلمها ما عنده من القرآن ويتزوجها بذلك ٤. فهذا تزويج بإجارة. إلا أنه اختلف هل ذلك باق في شريعتنا اليوم مثل ما كان عليه أم لا ؟ فذهب بعضهم إلى أنه غير باق وأن ذلك كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم. وذهب بعضهم أيضا إلى مثل ذلك إلا أنه قال إنه منسوخ. وذهب جماعة إلى أنه محكم وأن ما كان في شريعة من قبلنا من ذلك جاز في شريعتنا. ولهذا ٥ اختلف في النكاح بالأجرة على أربعة أقوال. فقيل إنه مكروه وإن وقع مضى. وإليه ذهب أصبغ ورواه عن ابن القاسم وهو ظاهر قول مالك. وقيل إنه ممنوع ٦. وقيل إن كان معه نقد جاز وإن لم يكن نقد لم يجز. وقيل هو جائز من غير تفصيل ٧. وأما النقد فلا ينبغي أن يعترض به لأن الإجارة إذا كانت هي الصداق، ولم يدخل حتى صنع ما استؤجر فيه، فقد وقع النقد. ولو دخل قبل ذلك فالدخول بغير نقد ليس بحرام عندنا إذا كان في أصل العقد صداق وإنما هو مختلف فيه بالكراهة والجواز. وقد تقدم الكلام على نحو هذا. ولفظ الآية في قوله تعالى :﴿ أنكحك إحدى ابنتي هاتين ﴾ يدل على جواز أن يكتب في الصداق أنكحه إياها ٨ وقد اختلف في الاختيار من ذلك. فبعضهم يختار أنكحه إياها ويحتج بلفظ الآية. وبعضهم يختار أنكحها إياه، لأنه إنما يملك النكاح عليها لا عليه. وقد استدل مالك بهذه الآية على إنكاح الأب البكر بغير استئمار. قال لأنه لم يذكر فيها استئمارا. واحتجاج مالك رحمه الله تعالى بالآية يدل على أن شريعة من قبلنا لازمة لنا على مذهبه إذا لم يكن في شرعنا ٩ ما ينسخها. وإنما ١٠ يستدل به على ترك الاستئمار أيضا فما توجه الخطاب به إلينا دون من قبلنا قول الله عز وجل :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ﴾ [ النور : ٣٢ ] لأنه أمر بإنكاح الأيامى من الأحرار والعبيد ولم يذكر في ذلك استئمارا ولا خص أبا من غيره. فوجب بظاهر هذه الآية أن لا يستأمر الأب ولا غيره من الأولياء الأيامى من الأحرار وهن اللواتي لا أزواج لهن، كما لا يستأمر السيد عبده ولا أمته في النكاح إذ جاءت الآية في ذلك كله مجيئا واحدا، فخصصت السنة من ذلك من عدا الأب من الأولياء. وتخصص أيضا كذلك الأب في ابنته الثيب وبقي الأب في ابنته البكر على عموم الآية يزوجها دون استئمار كما يزوج السيد عبده وأمته. وقد تقدم الكلام على هذا بما فيه شفاء إن شاء الله تعالى. واختلف الناس في المنكح لموسى عليه السلام من هو. فقيل شعيب النبي ١١ وقيل ابن أخ شعيب ١٢ واختلفوا في اسمه، فقيل ثروان وقيل يثرون ١٣ وقيل هو رجل صالح ليس من شعيب بنسب. وقيل إن المرأتين إنما أرسلهما عمهما وهو كان صاحب الغنم وهو المزوج، لكن عبر بالأب عن العم في جميع الأمر إذ هو بمثابته. واختلف في الزوجة من المرأتين من كانت. فقيل الكبرى وقيل الصغرى. وقال النقاش ١٤ كانتا توأمتين وولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار. واختلف في اسم المتزوجة. فقيل صفورة وقيل صوريا وقيل غير ذلك ١٥. واختلف في الداعية لموسى إلى أبيها من كانت منهما. فقيل الكبرى، وقيل الصغرى.
١ ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ١٢/ ١٦٠، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٣/ ٢٧٢..
٢ "على موسى" كلام ساقط في (هـ)، (ز)..
٣ "محكم معمول به... إلى: في شريعتنا" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٤ راجع الحديث في صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن ٤/ ١٤٣..
٥ في (أ): "ولذلك"..
٦ نسبه القرطبي إلى ابن القاسم. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٣/ ٢٧٣..
٧ نسبه القرطبي إلى الشافعي، وكذلك قال به ابن حبيب. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٣/ ٢٧٣، أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٢١٥، المحرر الوجيز ١٢/ ١٦١، أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٣٥..
٨ "وقد تقدم الكلام على نحو هذا... إلى: إياها" كلام ساقط في (ب)..
٩ في (ب)، (د)، (هـ): "شريعتنا"..
١٠ في (أ)، (ج): "ومما"..
١١ نسبه ابن عطية إلى الجمهور. راجع المحرر الوجيز ١٢/ ١٥٩..
١٢ نسبه ابن عطية إلى الحسن. راجع م. س. ، ن. ص..
١٣ قال القرطبي: ويثرون هو شعيب. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٣/ ٢٧٠..
١٤ النقاش: هو أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد بن هارون، المعروف بالنقاش، الموصلي البغدادي. عالم بالتفسير. توفي سنة ٣٥٠هـ/ ٩٦١م. وقيل غير ذلك. انظر وفيات الأعيان ٤/ ٢٩٨..
١٥ قال ابن عطية: وقيل اسم إحداهما: ليا والأخرى شرفا. راجع المحرر الوجيز ١٢/ ١٥٩..
– قوله تعالى :﴿ وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ( ٥٥ ) ﴾ :
اختلف في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة ؟ فذهب قوم إلى أنها محكمة وقالوا إنما هي قول حسن ومخاطبة جميلة، وذكر الأكثر أنها منسوخة. واختلفوا في تأويلها فمنهم من رآها كلها في مهادنة الكفار وأن السلام فيها بمعنى التسلم لا بمعنى التسليم ١ قالوا فهي منسوخة بآية السيف. ومنهم من رأى أيضا الآية في المهادنة ورأى أن السلام في الآية بمعنى التسليم وأنها مبيحة للسلام على الكفار. قالوا نسخها نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ابتداء الكفار بالسلام ٢ ولا يكفي على هذا القول في نسخ جميع معنى الآية الحديث الذي ذكره لأنه إنما اقتضى ترك ابتدائهم بالسلام وبقي سائر الآية على ما فيها من المهادنة. ومن هذا القول أيضا أن خبر الآحاد نسخ القرآن، وهذا مما لا يجوز على قول الجمهور. فالصحيح من القولين في الآية أنها كلها منسوخة بآية السيف.
١ "لا بمعنى التسليم" كلام ساقط في (أ)..
٢ قال الكيا: والمراد به ههنا معنى المتاركة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الكفار: "لا تبدأوهم بالسلام فإن بدأوكم فابدأوهم وأنهم إذا سلم عليكم أهل كتاب فقولوا: وعليكم". راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٣٦..
Icon