ﰡ
قوله: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ ﴾ كلام مستأنف بيان للنبأ. قوله: (تعظم) أي تكبر وافتخر. قوله: ﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾ أي أصنافاً، فجعل الصنائع الشريفة والإمارة للقبط، وجعل الصنائع الخسيسة لبني إسرائيل، من بناء وحرث وحفر وغير ذلك، ومن لم يستعمله ضرب عليه جزية. قوله: ﴿ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ ﴾ بدل اشتمال من قوله: ﴿ يَسْتَضْعِفُ ﴾ الخ، وذلك أن بني إسرائيل لما كثروا بمصر، استطالوا على الناس وعملوا المعاصي، فلسط الله عليهم القبط، فاستضعفوهم وذبحوا أبناءهم بأمر فرعون، قيل إنه ذبح سبعين ألفاً، إلى أن نجاهم الله على يد موسى عليه السلام. قوله: ﴿ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ أي الراسخين في الفساد. قوله: (بالقتل وغيره) أي كدعوى الألوهية. قوله: ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ ﴾ أي نتفضل عليهم بإنجائهم من بأسه. قوله: (يقتدى بهم) أي بعد أن كانوا أذلاء مسخرين قوله: ﴿ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ أن نملكهم مصر والشام يتصرفون فيها كيف يشاءون. قوله: ﴿ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ ﴾ أي نبصره، و ﴿ فِرْعَوْنَ ﴾ وما عطف عليه مفعول أول، و ﴿ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ ﴾ مفعول ثاني. قوله: (وفي قراءة) أي وعليها فلها مفعول واحد فقط وهو قوله: ﴿ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ ﴾ وعلى هذه فتجب إمالة الراء إمالة محضة. قوله: (ورفع الأسماء الثلاثة) أي على الفاعلية. قوله: ﴿ مِنْهُمْ ﴾ أي المستضعفين. قوله: (يخافون من الموت) الخ، أي وقد حصل ما خافوه، حين أتتهم معجزات موسى عليه السلام، وحين أدركهم الغرق.
قوله: (فمكث عندها إلى أن فطمته) أي وهو سنتان. قوله: (وأخذتها لأنها مال حربي) جواب عما يقال: كيف جاز لها أن تأخذ أجرة منه على إرضاع ولدها؟ قوله: (أو ثلاث) أو لتنويع الخلاف. قول: (أي بلغ أربعين سنة) المناسب أن يقول أي كمل عقله وانتهى شبابه، لأن موسى أقام في مصر ثلاثين سنة، ثم ذهب إلى مدين وأقام فيها عشر سنين، ووقعة قتل القبطي كانت قبل ذهابه لمدين، فهي السبب فيه. قوله: (كما جزيناه) أي مثل ذلك الذي فعلناه بموسى وأمه، نجزي المحسنين على إحسانهم. قوله: (منف) بضم فسكون ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث أو العجمة، وهي من أعمال مصر، وقيل هي قرية يقال لها أم خنان على فرسخين من مصر، وقيل هي مدينة عين الشمس، وقيل هي مصر. قوله: (وقت القيلولة) وقيل بين المغرب والعشاء، وسبب دخوله المدينة في ذلك الوقت، أن موسى كان يسمى ابن فرعون، وكان يركب مراكبه، ويلبس لباسه، فركب فرعون يوماً وكان موسى غائباً، فلما قدم قيل له: إن فرعون قد ركب، فركب موسى في أثره، فأدركه المقيل في أرض منف، فدخلها ليس في طرقها أحد. قوله: ﴿ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ أي وكان طباخاً لفرعون واسمه فليثون، وأراد أن يسخر الإسرائيلي لحمل الحطب. قوله: ﴿ فَٱسْتَغَاثَهُ ﴾ أي طلب غوثه ونصره. قوله: (أن أحمله) أي الحطب. قوله: ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ ﴾ أي دفعه يجمع كفه، وأما اللكز فهو الضرب بأطراف الأصابع قوله: (بجمع كفه) أي بكفه مجموعة، فهو من إضافة الصفة للموصوف. ، قوله: ﴿ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ﴾ أي أوقع عليه القضاء وهو الموت. قوله: (ولم يكن قصد قتله) جواب عما يقال: كيف تجرأ على قتل القبطي؟ وحاصل إيضاح الجواب: أن قتله كان خطأ، وقد يقال: قتله من باب دفع الصائل وهو واجب، والاستغفار من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله: ﴿ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ ﴾ نسبته للشيطان من حيث إنه لم يؤمر بقتل القبطي، وظهر له أن قتله خلاف الأولى، لما يترتب عليه من الفتن، والشيطان تفرحه الفتن. قوله: ﴿ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ الحق أن هذا تواضع منه، وحسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله: (بحق إنعامك) ﴿ عَلَيَّ ﴾ أشار بهذا إلى أن ما مصدرية، والكلام على حذف مضاف، وأشار بقوله: (اعصمني) إلى أن الباء متعلقة بمقدر هو هذا، وقوله: ﴿ فَلَنْ أَكُونَ ﴾ جواب شرط قدره بقوله: (إن عصمتني) وأراد بمظاهرة المجرمين صحبة فرعون وانتظامه في جماعته وتكثير سواده. قوله: ﴿ فَإِذَا ٱلَّذِي ﴾ إذا فجائية، و ﴿ ٱلَّذِي ﴾ مبتدأ نعت لمحذوف أي فإذا الإسرائيلي الذي. و ﴿ ٱسْتَنْصَرَهُ ﴾ صلته، و ﴿ يَسْتَصْرِخُهُ ﴾ خبر المبتدإ. قوله: (على قبطي آخر) أي يريد أن يستخدمه، والاستصراخ الاستغاثة، وسميت بذلك لأن المستغيث يصوت ويصرخ في طلب الغوث. قوله: ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ ﴾ قال ابن عباس: إن القبط قالوا لفرعون: إن بني إسرائيل قتلوا منا رجلاً فخذ لنا بحقنا، فقال: اطلبوا قاتله ومن يشهد عليه، فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة، إذ مر موسى من الغد، فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونياً آخر، فاستغاثه على الفرعوني، وكان موسى قد ندم على ما كان منه بالأمس من قتل القبطي، فقال الإسرائيلي: ﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ ﴾.
قوله: (لما فعلته أمس واليوم) أي حيث قاتلت بالأمس رجلاً، فقتلته بسببك، وتقاتل اليوم آخر وتستغيثني عليه. قوله: ﴿ فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ ﴾ الخ، وذلك أن موسى أخذته الغيرة والرقة على الإسرائيلي، فمد يده ليبطش بالقبطي، فظن الإسرائيلي أنه يريد أن يبطش به هو، لما رأى من غضبه وسمع من قوله: ﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ ﴾ قال: ﴿ يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ ﴾ الخ. قوله: ﴿ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ ﴾ الجبار هو الذي يقتل ويضرب ويتعاظم، ولا ينظر في العواقب. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ ﴾ أي بين الناس. قوله: (هو مؤمن آل فرعون) هو ابن عم فرعون واسمه حزقيل، وقيل شمعون، وقيل سمعان، وهو الذي ذكر في قوله تعالى:﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾[غافر: ٢٨].
قوله: ﴿ يَسْعَىٰ ﴾ صفة لرجل أو حال منه، لوجود المخصص قبله. قوله: (يتشاورون فيك) أي يأمر بعضهم بعضاً بقتلك. قوله: (أو غوث الله إياه) أو مانعة خلو تجوز الجمع.
وقال في النمل:﴿ نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾[النمل: ٨] ولا تنافي بل الكل قال الله له. قوله: ﴿ وَأَنْ أَلْقِ ﴾ عطف على قوله: ﴿ أَن يٰمُوسَىٰ ﴾.
قوله: (من سرعة حركتها) أي فهو وجه شبهها بالجان، وقوله في الآية الأخرى﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾[الأعراف: ١٠٧] أي في عظم الجثة، فتحصل أنها باعتبار الجثة كالثعبان العظيم، وباعتبار الخفة وسرعة الحركة كالحية الصغيرة. قوله: ﴿ وَلَّىٰ مُدْبِراً ﴾ أي باعتبار الطبع البشري حين رآها بهذه الصفة، ورد أنها لم تدع شجرة ولا صخرة إلا ابتلعتها، حتى إن موسى سمع صرير أسنانها، وقعقعة الشجر والصخر في جوفها، فحينئذ ولى مدبراً. قوله: (من الأدمة) أي الحمرة. قوله: (تغشى البصر) أي تغطيه. قوله: ﴿ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ﴾ جعل الجناح هنا مضموماً، وفي أية طه مضموماً إليه حيث قال﴿ وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ ﴾[طه: ٢٢] لأن المراد بالجناح المضموم اليد اليمنى، وبالجناح المضموم إليه اليد اليسرى، وكل من اليدين جناح قوله: ﴿ مِنَ ٱلرَّهْبِ ﴾ متعلق باضمم. قوله: (بفتح الحرفين) الخ، أي فالقراءات ثلاث سبعيات. قوله: (بأن تدخلها) أي تدخل اليد اليمنى التي حصل فيها البياض في جيبك، فتعود لحالتها الأولى، فيزول عنك الخوف والفزع الذي حصل لك. قوله: (كالجناح للطائر) أي لأن الطائر إذا خاف نشر جناحيه، وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه، قوله: (بالتشديد والتخفيف) أي فهما قراءتان سبعيتان، فالمشددة تثنية ذلك بلام البعد، والمخفف تثنية ذاك، فالتشديد عوض عن اللام في المفرد. قوله: (وإنما ذكر المشار به) الخ، جواب عما يقال: إن العصا واليد مؤنثتان، فكان اللائق الإشارة إليهما بتان، فأجاب بأنه روعي الخبر قوله: (مرسلان) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ مِن رَّبِّكَ ﴾ متعلق بمحذوف صفة بـ ﴿ بُرْهَانَانِ ﴾.
قوله: ﴿ وَمَلَئِهِ ﴾ أي جماعته. قوله: ﴿ لِسَاناً ﴾ أي كلاماً. قوله: (ردءاً) حال من ضمير أرسله. قوله: (بفتح الدال) أي مع التنوين وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ يُصَدِّقُنِي ﴾ أي يقويني في الصدق عند الخصم، بتوضيح الحجج والبراهين. قوله: (جواب الدعاء) أي الذي هو قوله: ﴿ فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ ﴾ لأن طلب الأدنى من الأعلى دعاء. قوله: ﴿ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾ أي بسبب العقدة التي كانت في فيه، بسبب الجمرة التي وضعها وهو صغير في فيه. قوله: (نقويك) أي فشد العضد كناية عن التقوية من إطلاق السبب وإرادة المسبب، لأن شد العضد يسلتزم شد اليد، وشد اليد مستلزم للقوة. قوله: (بسوء) متعلق بيصلون، وقوله: ﴿ بِآيَاتِنَآ ﴾ متعلق بمحذوف قدره بقوله: (اذهبا) بدليل الآية الأخرى﴿ ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ ﴾[طه: ٤٣] وجمعهما في ضمير واحد، مع أن هارون لم يكن حاضراً مجلس المناجاة، بل كان في ذلك الوقت بمصر، لأن الله أرسل جبريل إلى هارون بالرسالة وهو بمصر في ذلك الوقت، فموسى سمع الخطاب من الله بلا واسطة، وهارون سمعه بواسطة جبريل.
﴿ لَوْلاۤ ﴾ حرف امتناع لوجود، و ﴿ أَن ﴾ وما بعدها في تأويل مصدر مبتدأ، وخبره محذوف وجوباً تقديره موجود كما قال المفسر. قوله: ﴿ فَيَقُولُواْ ﴾ عطف على ﴿ تُصِيبَهُم ﴾ والفاء للسببية. قوله: (وجواب لولا) أي الأولى، وأما الثانية فهي تحضيضية. قوله: (أو لولا قولهم) الخ، أي فالمعنى الأول فيه انتفاء الجواب، وهو عدم الإرسال بثبوت ضده وهو الإرسال، لوجود السبب والمسبب معاً، والمعنى الثاني لوجود المسبب الناشئ عن السبب فتدبر. قوله: (لما أرسلناك إليهم رسولاً) أي فالحامل على ذلك تعللهم بهذا القول، فالمعنى امتنع عدم إرسالنا لك، لوجود المصائب المسبب عنها قولهم ﴿ لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ ﴾ الخ، إن قلت: إن الآية تقتضي وجود إصابتهم بالمصائب وقولهم المذكور، والواقع أنهم حين نزول تلك الآيات، لم يصابوا ولم يقولوا. أجيب: بأن الآية على سبيل الفرض والتقدير، فالمعنى لولا إصابة المصائب لهم، واحتجاجهم على سبيل الفرض والتقدير، لما أرسلناك إليهم، فهو بمعنى قوله تعالى:﴿ وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً ﴾[طه: ١٣٤] الآية. قوله: ﴿ قَالُواْ ﴾ أي تعنتاً. قوله: (أو الكتاب جملة) أشار بذلك إلى قول آخر في تفسير المثل. قوله: ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ أي قبل ظهورك. قوله: ﴿ سِحْرَانِ ﴾ خبر لمحذوف أي هما. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (تعاونا) أي بتصديق كل منهما الآخر، وذلك أن كفار مكة، بعثوا رهطاً منهم إلى رؤساء اليهود بالمدينة في عيد لهم، فسألوهم عن شأنه عليه السلام فقالوا: إنا نجده في التوراة بنعته وصفته، فلما رجع الرهط وأخبروهم بما قالت اليهود قالوا ما ذكر. قوله: (والكتابين) الواو بمعنى أو. قوله: ﴿ قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ ﴾ الخ، أي إذا لم تؤمنوا بهذين الكتابين، فائتوا بكتاب من عند الله واضح في هداية الخلق، فإن أتيتم به اتبعته، وهذ تنزل للخصم زيادة في إقامة الحجة عليهم. قوله: ﴿ أَتَّبِعْهُ ﴾ مجزوم في جواب شرط مقدر تقديره إن أتيتم به أتبعه.
قوله: (يأمنون فيه) أشار بذلك إلى أن في الكلام مجازاً عقلياً. قوله: ﴿ يُجْبَىٰ ﴾ أي تحمل وتساق. قوله: (بالفوقانية والتحتانية) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ مجاز عن الكثرة كقوله:﴿ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾[النمل: ٢٣] قال بعض العارفين: من يتعلق ببيت الله الحرام ويسعى إليه، فهو من خيار الخلق، لقوله في الآية: ﴿ يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾.
قوله: (من كل أوب) أي ناحية وطريق وجهة. قوله: ﴿ رِّزْقاً ﴾ إما بمعنى مرزوقاً، فيكون منصوباً على الحال من ثمرات، أو باق على مصدريته، فيكون مفعولاً مطلقاً مؤكداً لمعنى يحبى، أي نرزقهم رزقاً. قوله: (أن ما نقوله حق) قدره إشارة إلى أن مفعول ﴿ يَعْلَمُونَ ﴾ محذوف.
قوله: (مصيبة) أي مدركة لا محالة، لأن وعده لا يتخلف. قوله: ﴿ مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ أي المشوب بالأكدار. قوله: (الأول) أي وهو من ﴿ وَعَدْنَاهُ ﴾ والثاني وهو من ﴿ مَّتَّعْنَاهُ ﴾.
قوله: (أي لا تساوي بينهما) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ أي المشركين الذين عبدوا غير الله على لسان ملائكة العذاب، أو النداء من الله لهم والمنفي في آية﴿ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾[البقرة: ١٧٤] كلام الرضا والرحمة، فلا ينافي أنه يكلمهم كلام غضب وسخط. قوله: ﴿ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ﴾ تفسير للنداء. قوله: ﴿ تَزْعُمُونَ ﴾ (شركائي) أشار بذلك إلى أن مفعولي تزعمون محذوفان.
قوله: (وهم رؤساء الضلال) أي الذين أطاعوهم في كل ما أمروهم به ونهوهم عنه. قوله: ﴿ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ ﴾ الخ، اسم الإشارة مبتدأ، والموصول نعته، و ﴿ أَغْوَيْنَآ ﴾ صلته، والعائد محذوف قدره المفسر، و ﴿ أَغْوَيْنَاهُمْ ﴾ خبره، وصح الإخبار به لتقييده بقوله: ﴿ كَمَا غَوَيْنَا ﴾ ففيه زيادة فائدة على الصلة، والمعنى تسببنا لهم في الغي، فقلبوا منا ولم يتبعوا الرسل وما أنزل عليهم من الكتب التي فيها المواعظ والأوامر والنواهي، فلم نخيرهم عن أنفسنا، بل اخترنا لهم ما اخترناه لأنفسنا، فاتبعونا بهواهم. قوله: ﴿ تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ ﴾ (منهم) هذا تقرير لما قبله. قوله: (وقدم المفعول) أي وهو قوله: ﴿ إِيَّانَا ﴾.
قوله: ﴿ وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ﴾ أي استغيثوا بآلهتكم متى عبدتموها لتنصركم وتدفع عنك ما نزل بكم، وهذا القول للتهكم والتبكيت لهم. قوله: ﴿ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ ﴾ أي نازلاً بهم. قوله: (ما رأوه) هو جواب ﴿ لَوْ ﴾.
قوله: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ معطوف على ما قبله فتحصل أنهم يسألون عن إشراكهم وجوابهم للرسل. قوله: ﴿ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ ﴾ أي خفيت عليهم فلم يهتدوا لجواب فيه راحة لهم، أو الكلام على القلب، والأصل فعموا عن الأنباء، أي ضلوا وتحيروا في ذلك، فلم يهتدوا إلى جواب به نجاتهم. قوله: ﴿ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ (عنه) أي عن الخبر المنجي لحصول الدهشة لهم ولقنوطهم من رحمة الله حينئذ. قوله: ﴿ فَأَمَّا مَن تَابَ ﴾ الخ، أي رجع عن كفره في حال الحياة. قوله: ﴿ فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ ﴾ الترجي في القرآن بمنزلة التحقق لأنه وعد كريم، ومن شأنه لا يخلف وعده. قوله: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ ﴾ سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة، استعظم النبوة ونزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، فنزلت هذه الآية رداً عليه، واختلف المفسرون في تفسير هذه الآية على أقوال كثيرة، فقيل يخلق ما يشاء من خلقه ويختار ما يشاء منهم لطاعته، وقيل يخلق ما يشاء من خلقه، ويختار ما يشاء لنبوته، وقيل يخلق ما يشاء محمداً، ويختار الأنصار لدينه، وقيل يخلق ما يشاء محمداً، ويختار ما يشاء أصحابه وأمته لما روي:" إن الله اختار أصحابي على العالمين، سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة يعني أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، فجعلهم أصحابي، وفي أصحابي كلهم، خير، واختار أمتي على سائر الأمم، واختار لي من أمتي أربعة قرون "اهـ، فقد اختار محمداً على سائر المخلوقات، واختار أمته على سائر الأمم، فكما هو أفضل الخلق على الإطلاق، أمته أفضل الأمم على الإطلاق. قوله: ﴿ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ ﴾ بالتحريك والإسكان معناهما واحد وهو الاختيار، و ﴿ مَا ﴾ نافية، و ﴿ كَانَ ﴾ فعل ناقص، والجار والمجرور خبرها مقدم، و ﴿ ٱلْخِيَرَةُ ﴾ اسمها مؤخر، والجملة مستأنفة، فالوقف على يختار، والمعنى ليس للخلق جميعاً الاختيار في شيء، لا ظاهراً ولا باطناً، بل الخيرة لله تعالى في أفعاله، لما في الحديث القدسي:" يا عبادي أنت تريد، وأنا أريد، ولا يكون إلا ما أريد، فإن سلمت لي ما أريد أعطيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي ما أريد أتعبتك فيما تريد، ولا يكون إلا ما أريد "وإنما خص المفسر المشركين بذلك مراعاة لسبب النزول، ويصح أن تكون ﴿ مَا ﴾ مصدرية، وما بعدها مؤول بمصدر، والمعنى يختار اختيارهم فيه، ويصح أن تكون موصولة والعائد محذوف، والتقدير ويختار الذي لهم فيه الاختيار، وحينئذ فلا يصح الوقف على يختار، والأول أظهر، فالواجب على الإنسان، أن يعتقد أنه لا تأثير لشيء من الكائنات في شيء أبداً، وإنما يظهر على أيدي الخلق أسباب عادية يمكن تخلفها. قوله: ﴿ سُبْحَانَ ٱللَّهِ ﴾ أي تنزيهاً له عما لا يليق به. قوله: (من الكفر وغيره) أي كالإيمان، فيجازي الكافر بالخلود في الجنة.
﴿ مَآ ﴾ اسم موصول صفة لموصوف محذوف، و ﴿ إِنَّ ﴾ حرف توكيد ونصب، و ﴿ مَفَاتِحَهُ ﴾ اسمها، وجملة ﴿ لَتَنُوءُ ﴾ خبرها، والجملة صلة الموصول، والتقدير وآتيناه من الكنوز الشيء الذي مفاتحه تثقل العصبة أولي القوة، وكانت مفاتحه أولاً من حديد، فلما كثرت جعلها من خشب فثقلت فجعلها من جلود البقر، وقل من جلود الإبل، كل مفتاح على قدر الأصبع، وكانت تحمل معه على أربعين وقيل على ستين بغلاً. قوله: ﴿ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ ﴾ الباء للتعدية، والمعنى لتثقل المفاتح العصبة، قوله: (فرح بطر) أي لأنه هو المذموم، وأما الفرح بالدنيا من حيث إنها تعينه على أمور الآخرة، كقضاء الدين والصدقة وإطعام الجائع وغير ذلك فلا بأس به. قوله: (بأن تنفقه في طاعة الله) أي كصلة الرحم والصدقة وغير ذلك.
﴿ وَيْكَأَنَّ ﴾ فيها خمسة مذاهب، الأول: أن وي كلمة برأسها اسم فعل بمعنى أعجب، والكاف للتعليل، وأن وما دخلت عليه مجرور بها أي أعجب، لأن الله يبسط الرزق الخ، فالوقف على وي، وهو قراءة الكسائي. الثاني: إن كأن للتشبيه، غير أنه ذهب معناه منها وصارت لليقين، وحينئذٍ فالوقف على وي كالذي قبله. الثالث: إن ويك كلمة برأسها، والكاف حرف خطاب، وأن معمولة لمحذوف، أي أعلم أن الله يبسط الرزق الخ، وحينئذ فالوقف على ويك، وهو قراءة أبي عمر. الرابع: أن أصلها ويلك حذفت اللام، وحينئذ فالوقف على الكاف أيضاً. الخامس: أن ويكأن كلها كلمة بسيطة، ومعناها ألم تر أن الله يبسط الرزق الخ، وحينئذ فالوقف على النون. قوله: ﴿ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا ﴾ أي بالإيمان والرحمة، قوله: (بالبناء للفاعل والمفعول) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ وَيْكَأَنَّهُ ﴾ تأكيد لما قبله، ويجري فيها ما يجري في التي قبلها، قوله: ﴿ تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً ﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، فإن فرعون وقارون تكبرا وتجبرا واختارا العلو، فآل أمرهما للخسران والوبال والدمار، وموسى وهارون اختارا التواضع، فآل أمرهما للعز الدائم الذي لا يزول ولا يحول. قوله: (أي الجنة) أي وما فيها من النعيم الدائم، ورؤية وجه الله الكريم، وسماع كلامه القديم. قوله: ﴿ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً ﴾ التعبير بالإرادة أبلغ في النفي، لأنه نفي وزيادة. قوله: ﴿ نَجْعَلُهَا ﴾ أي نصيرها. قوله: (بالبغي) أي الظلم والكبر كما وقع لفرعون وقارون وجنودهما. قوله: (بعمل المعاصي) أي كالقتل والزنا والسرقة وغير ذلك من الأمور التي تخالف أوامره تعالى. قوله: ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ أظهر في مقام الإظمار، إظهاراً لشأنهم ومدحاً لهم بنسبتهم للتقوى وتسجيلاً على ضدهم.
قوله: (وأعلم بمعنى عالم) إنما احتج إلى تحويله لتعديته للمفعول بنفسه، وإلا فكان مقتضى الظاهر تعديته بمن. قوله: ﴿ وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ ﴾ أي قبل مجيء الرسالة إليك. قوله: ﴿ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ ﴾ أي فإنزاله عليك ليس عن ميعاد، ولا بطلب منك، ومن هنا قال العلماء: إن النبوة ليست مكتسبة لأحد، قال في الجوهرة:﴿ _@_ولم تَكُنْ نبوّة مكتسبة _@_ ولو رقى في الخير أعلى عقبه. الخ_@_ ﴾قوله: (لكن ألقي إليك) أشار بذلك إلى أن الاستثناء منقطع. قوله: ﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ ﴾ الخطاب له، والمراد غيره، لاستحالة ذلك عليه. قوله: (حذفت نون الرفع للجازم) أي وهو لا النافية. قوله: (لالتقائها مع النون الساكنة) أي ووجود دليل يدل عليها وهو الضمة، وما مشى عليه المفسر في تصريف الفعل، وإنما يأتي على ندور، وهو تأكيد الفعل الخالي عن الطلب، فالأولى أن يقول: وأصله يصدونك، دخل الجازم فحذف النون ثم أكد فالتقى ساكنان، حذفت الواو لالتقائهما، ووجود الضمة دليلاً عليها.