تفسير سورة القصص

تفسير الماتريدي
تفسير سورة سورة القصص من كتاب تأويلات أهل السنة المعروف بـتفسير الماتريدي .
لمؤلفه أبو منصور المَاتُرِيدي . المتوفي سنة 333 هـ
سورة القصص [ وهي مكية ]١
١ - من م، في الأصل: ذكر أنها مكية نزلت فيها..

[ الآيتان ١و٢ ] قوله تعالى :﴿ طسم ﴾ ﴿ تلك آيات الكتاب المبين ﴾ قد ذكرنا تأويل هذا في ما تقدم في غير موضع ما يغني [ عن ]١ ذكره في هذا الموضع.
١ - ساقطة من الأصل وم..
[ الآية ٣ ] وقوله تعالى :﴿ نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق ﴾ من نبإ موسى وفرعون أي من خبرهما.
وقوله تعالى :﴿ بالحق ﴾ أي بالصدق، ما يعلم أنه صدق وحق. وجائز أن يكون قوله :﴿ بالحق ﴾ أي بالحق الذي لموسى على فرعون وقومه، أو بالحق الذي عليه، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ لقوم يؤمنون ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما :﴿ نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق ﴾ بالمؤمنين، لأنهم هم المنتفعون بالأنباء وما فيها. وأما من لا يؤمن فلا ينتفع بها، فلا تكون [ له ]١.
والثاني :﴿ لقوم يؤمنون ﴾ بالأنباء والكتب المتقدمة ؛ هم يعرفون أنه حق لما في كتبهم ذلك ؛ والله أعلم.
١ - ساقطة من الأصل وم..
[ الآية ٤ ] وقوله :﴿ إن فرعون علا في الأرض ﴾ قال بعضهم : تجبر، واستكبر، وأبى أن يخضع لموسى ولأمثاله. وقال بعضهم :﴿ علا في الأرض ﴾ أي بغى، وقهر. فيكون تفسيره ما ذكر على إثره :﴿ يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم ﴾ هذا، والله أعلم، يشبه أن يكون علوه وبغيه في الأرض، ويشبه أن يكون قوله :﴿ علا في الأرض ﴾ أي علا قدره، وارتفعت رتبته لما ادعى لنفسه الألوهية والربوبية بعد ما كان عبدا كسائر العباد أو دونهم، فعلا قدره، وارتفعت منزلته بدعواه :﴿ علا في الأرض ﴾ أي غلب.
وقوله تعالى :﴿ وجعل أهلها شيعا ﴾ قيل : فرقا : يستضعف طائفة، ويذبح طائفة، ويستحيي طائفة، ويعذب طائفة. جائز أن يكون قوله :﴿ وجعل أهلها شيعا ﴾ أي جعل لكل طائفة منه عبادة صنم، لم يجعل ذلك لطائفة أخرى، وجعل طائفة أخرى على علم أولئك وحوائجهم ليتفرغوا لعبادة الأصنام التي استعبدهم لها، لأن الشيع فرق، يرجعون جميعا إلى أصل واحد وإلى أمر واحد.
وقوله تعالى :﴿ إنه كان من المفسدين ﴾ كذلك كان، لعنه الله.
[ الآية ٥ ] وقوله تعالى :﴿ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا ﴾ هذا في الظاهر إخبار لرسوله أنه سيفعل ذلك، لا أنه من عليهم، وفعل ذلك لأنه١ يقول :﴿ ونريد أن نمن على الذين ﴾ كذا، وقد من عليهم بذلك. فهلا قال : وقد مننا على الذين استضعفوا في الأرض. لكن معناه، والله أعلم : أي لكنا نريد في الأزل أن نمن عليهم، وأن نجعلهم أئمة، وأن نجعلهم الوارثين. وإلا الظاهر ما ذكرنا، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ ونجعلهم أئمة ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : جعلهم جميعا أئمة لنا، بهم نقتدي، وننقاد لهم.
والثاني٢ : أي نجعل فيهم أئمة وقادة لهم، أي نجعل بعضهم أئمة لبعض [ كقول ﴿ موسى لقومه يا قوم ]٣ اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء ﴾ [ المائدة : ٢٠ ] والأئمة المذكورة ههنا كأنهم هم الأنبياء الذين ذكروا في هذه الآية :﴿ ونجعلهم الوارثين ﴾ [ والآية التي تليها ]٤ :﴿ ونمكن لهم في الأرض ﴾ [ القصص : ٦ ].
هذا كما ذكر في آية أخرى :﴿ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشرق الأرض ومغاربها ﴾ الآية [ الأعراف : ١٣٧ ] أي يرثون الأرض وملكهم بعد فرعون وقومه. والوارث هو الباقي على ما ذكرنا، كأنه قال : يبقون هم في أرضهم وملكهم بعد هلاكهم كقوله :﴿ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها ﴾ [ مريم : ٤٠ ] أي نبقى نحن بعد هلاك الأرض وهلاك من عليها، والله أعلم.
١ - من م، في الأصل: لا أنه..
٢ - في الأصل وم: أو أن يكون قوله: ﴿ونجعلهم أئمة﴾..
٣ - في الأصل وم: كقوله لموسى..
٤ - ساقطة من الأصل وم..
[ الآية ٦ ] وقوله تعالى :﴿ ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ﴾ أي يرون ما كانوا يحذرون منه، وهو الهلاك. وذهاب الملك هذا كانوا يحذرون. فأراهم ذلك، لأنه [ كان ]١ يذبح أبناءهم إشفاقا على بقاء ملكه، ويحذر ذهابه.
قال الزجاج : إن من حماقة فرعون وقلة عقله أنه كان يذبح أبناءهم لقول الكهنة : إنه يذهب ملكه بغلام يولد في العام الذي قالوه يخلو : إما إن صدقوا في قولهم، فيذهب ملكه، و إن قتل الأبناء، وإما إن كذبوا في قولهم فلا معنى لقتل الأبناء لأنه لا يذهب. لكنه فعل ذلك بهم لحماقته وسفهه وجهله بنفسه، وقوله تعالى :﴿ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ﴾ بالنجاة من فرعون وآله واستنقاذه إياهم من يديه ومن قتل الولدان، وغير ذلك من أنواع التعذيب والله أعلم.
وفي قوله :﴿ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ﴾ إلى آخر ما ذكر وجوه على المعتزلة في قولهم : إنه ليس لله أن يفعل بعباده إلا ما هو أصلح لهم في الدين [ وإن لو ]٢ لم يفعل ذلك كان جائرا.
فيقال لهم : لو كان عليه فعل الأصلح لهم في دينهم على كل حال لكان لا معنى لذكر المنة على الذين استضعفوا في الأرض في جعلهم أئمة وإبقائهم في أرضهم وتمكينه إياهم في ملكهم ووراثتهم أموالهم لأنه على زعمهم فعل بهم ما عليه أن يفعل أن ذاك أصلح لهم في دينهم/٣٩٥- أ/ وكل من فعل فعلا، عليه ذلك الفعل، لا يكون له الامتنان على المفعول به ذلك.
فدل ذكر المنة في ما ذكر أنه فعل بهم على أنه فعل ما لم يكن عليه ذلك، ولكنه فعل ذلك مفضلا مانا٣، وله ألا يفعل ذلك.
ويقولون أيضا أن إهلاك٤ فرعون وقومه أصلح لهم من إبقائهم وكذلك إماتة٥ كل كافر، فلم يذكر فيه المنة، دل ذلك أنه ليس على ما يقولون٦ هم، وأن ذلك منقوض مردود عليهم.
ويقولون أيضا أن الإرادة من الله لهم أمر لهم، يأمرهم به. فلو كان أمرا على ما يزعمون لكان الأمر منه قد شمل الكل، ثم لم يصيروا جميعا أئمة وقادة، ولكن إنما صار بعض دون بعض.
دل أن الإرادة غير الأمر وأنه إذا أراد لأحد شيئا كان ما أراد ليس على ما يقولون : إنه أراد إيمان كل كافر، لكنه لم يؤمن بعدما أعطاه جميع ما عنده من القوة والعون على ذلك حتى لم يبق عنده شيء من ذلك إلا وقد أعطاه. فدل ما ذكر على فساد مذهبهم.
١ - من م، ساقطة من الأصل..
٢ - من م، في الأصل: فإن..
٣ - في الأصل وم: ممنا..
٤ - أدرج قبلها في الأصل وم: في..
٥ - أدرج قبلها في الأصل وم: في..
٦ - من م، في الأصل: يقول..
[ الآية ٧ ] وقوله تعالى :﴿ وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ﴾ قال عامة أهل التأويل : إن الوحي ههنا وحي الإلهام والقذف في القلب لا وحي إرسال [ من غير أن ]١ صارت رسولة. وذاك لا يجوز. لكن يقال : جائز أن تلهم هي إرضاعه وإلقاؤه في اليم، فأما أن تلهم ما ذكر ﴿ ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ﴾ هذا مما لا سبيل إلى معرفته٢ وعلمه إلا بتصريح قول ومشافهة آخر ؛ اللهم إلا أن يقال إنه كان بموسى آيات الرسالة وأعلام به لما عرفت هي تلك الأعلام والآيات التي كانت له أنه يرد إليها وأنه يبقى رسولا إلى وقت. وقد كانت بالرسل أعلام وآيات الرسالة في حال صغرهم وصباهم نحو عيسى حين٣ كلم قومه في المهد ﴿ قال إني عبد الله آتاني الكتاب ﴾ [ مريم : ٣٠ ] إلى آخر ما ذكر أن محمدا لما ولد بالليل استنارت تلك الناحية، واستضاءت بنور حتى ظنوا أن الشمس قد طلعت ونحوه.
فعلى ذلك جائز أن يكون بموسى أعلام وآيات، عرفت أمه بها أنه رسول وأنه يرد إليها. وإنما كلفنا بهذا التخريج قول أهل التأويل : إنه وحي إلهام وقذف في القلب، لا غير.
وعندنا جائز أن يكون الوحي إليها وحي إرسال رسول وإخبار من غير أن صارت هي بذلك رسولة نحو ما ذكر في قصة مريم أن الملك لما دخل تعوذت بالله حين٤ ﴿ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ﴾ ﴿ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ﴾ [ مريم : ١٨ و١٩ ] وذلك من البشارة التي بشروها بالولد. فلم تصر بما أرسل إليها من الرسل، وشافهوها رسولة. فعلى ذلك أم موسى، ونحو بشارة الملائكة لامرأة إبراهيم بالولد، وهو قوله :﴿ فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ﴾ [ هود : ٧١ ] ونحوه مما يكثر ذكره لم يصيروا بذلك رسلا.
فعلى ذلك الوحي إلى أم موسى يحتمل ما ذكرنا. وجائز ذلك من غير أن صارت بذلك رسولة، وهو أشبه وأقرب، والله أعلم.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - في الأصل وم: معرفة ذلك..
٣ - في الأصل وم: حيث..
٤ - في الأصل وم: حيث..
[ الآية ٨ ] وقوله تعالى :﴿ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ﴾ قال بعضهم : في الآية إخبار١ لأنهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدوا وحزنا، ولكن كان فيه إضمار أي التقطه آل فرعون ليتخذوه ولدا ووليا، فكان لهم عدوا وحزنا إذ كبر [ أو كلاما ]٢ نحو هذا.
وقال بعضهم : ذاك إخبار عما في علم الله أنه يكون ما ذكر، معناه والله أعلم : التقطه آل فرعون، فكان في علم الله تعالى أنه يكون عدوا وحزنا. وذلك جائز في اللغة. يقال : لدوا للموت، وابنوا للخراب ؛ لا يلدون للموت، ولا يبنون للخراب، ولكن إخبار عما يؤول أمرهم في الآخرة، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ﴾ ظاهر.
وفيه نقض قول المعتزلة من وجه :[ أن الله تعالى إنما يبقي الكفرة لما فيه صلاحهم. ثم قد بين أنهم كانوا خاطئين في ما مضى من عمرهم. والإبقاء على الخطإ كيف يكون أصلح ؟ ]٣.
١ - في الأصل وم: إضمار..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
[ الآية ٩ ] وقوله تعالى :﴿ وقالت امرأت فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ﴾ هذا لطف من الله ورحمة حين١ ألقى محبة في قلوبهم وحلاوة في أعينهم، وهو ما ذكر منته عليه حين٢ قال :﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾ [ طه : ٣٩ ] ليستأدي بذلك الشكر عليه.
قال أبو معاذ : قال مقاتل : قوله :﴿ قرت عين لي ولك ﴾ لا تقول [ آسية ]٣ : ليس لك بقرة عين. قال أبو معاذ : وهذا محال. ولو كان كذلك لكان في القراءة [ حين ]٤ تقتلونه. وهذا أيضا محال لقوله :﴿ عسى أن ينفعنا ﴾ ولما٥ كانت القراءة ﴿ قرت عين لي ولك لا تقتلوه ﴾ كان٦ مقاتل مصيبا.
وقوله تعالى :﴿ وهم لا يشعرون ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما :﴿ وهم لا يشعرون ﴾ أن هلاكهم واستئصالهم على يديه.
والثاني :﴿ وهم لا يشعرون ﴾ أنه هو المطلوب قتله٧ من بين الكل، والله أعلم.
١ - في الأصل وم: حيث..
٢ - في الأصل وم: حيث..
٣ - ساقطة من الأصل وم..
٤ - ساقطة من الأصل وم..
٥ - في الأصل وم: ولو..
٦ - في الأصل وم: لكان..
٧ - في الأصل وم: بقتله..
[ الآية ١٠ ] وقوله تعالى :﴿ وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ﴾ قال بعضهم : فارغا من هم موسى وحزنها عليه. وقال بعضهم : فارغا من كل شيء إلا على موسى وذكره ؛ وكأن قوله :﴿ وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ﴾ صلة قوله :﴿ ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك ﴾ الآية. وهو يحتمل وجوها :
أحدهما : أن الله رفع الحزن والخوف، وطبعها من غير أن كان ثمة قول أو كلام.
والثاني : على القول لها :﴿ ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ﴾ فإن كان على هذا فهو على البشارة لها بالرد إليها وجعله رسولا.
[ والثالث ]١ : على النهي والزجر عن الحزن عليه والخوف عليه، وهو حزن مفارقته عنها، والخوف عليه خوف الهلاك كقوله يعقوب حين٢ ﴿ قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب ﴾ [ يوسف : ١٣ ] ذكر الحزن عند المفارقة والذهاب عنه والخوف عند الهلاك. فرفع الله عنها حزن المفارقة، وبشرها بالرد إليها وجعله رسوله، وأمنها عن الهلاك. فيكون قوله :﴿ وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ﴾ مما خافت عليه، وحزنت، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ﴾ كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها بما ذكر من قوله :﴿ ولا تخافي ولا تحزني ﴾ الآية فلم تكد تبدي، وهو كما ذكر :﴿ ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ﴾ [ يوسف : ٢٤ ] أي كاد يهم بها لو لم ير برهان ربه، لا أنه هم بها. وهو كقوله :﴿ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ﴾ [ الإسراء : ٧٤ ] لو لم يثبته، لكنه ثبته، فلم يركن إليهم، ونحوه. فعلى ذلك الأول.
وقال أهل التأويل : ربط قلبها بالإيمان.
وجائز أن يكون ربطه قلبها لما ذكر من قوله :﴿ ولا تخافي ولا تحزني ﴾ الآية.
وقال بعضهم :﴿ فارغا ﴾ من عهد الله الذي كان عهد إليها ؛ أنساها عهد الله عظم البلاء الذي حل بها، فكادت تبدي به، ثم تداركها الله بالرحمة، فربط على قلبها، فذكرت وارعوت.
وقال بعضهم : اتخذه فرعون ولدا، فصار الناس يقولون : ابن فرعون، ابن فرعون، فأدركت أمه الرقة وحب الولد، فكادت تقول : بل هو ابني. والأول أشبه.
وفي حرف ابن مسعود وأبي وحفصة : إن كادت لتشعر به.
١ - في الأصل وم: أو..
٢ - في الأصل وم: حيث..
[ الآية ١١ ] وقوله تعالى :﴿ وقالت لأخته قصيه ﴾ أي اتبعي أثره.
وقوله تعالى :﴿ فبصرت به عن جنب ﴾ قيل : عن بعد، أي كانت تتبع أثره عن بعد منه. وقال بعضهم : الجنب : أن يسمو بصر الإنسان إلى موضع بعيد، وهو إلى جنبه بقرب منه. وذلك عند الناس معروف ظاهر فيهم ذلك.
وقال /٣٩٥- ب/ بعضهم في قوله :﴿ فبصرت به عن جنب ﴾ قال : مشت بِجُنَّابِه١، وهي معرضة عنه كأجنبية.
وقوله تعالى :﴿ وهم لا يشعرون ﴾ أن هذه تراقبه، أو تنظر إليه وتحفظه، أو لا يشعرون أن هلاكهم على يديه. بصرت، وأبصرت، واحد. وقوله :﴿ عن جنب ﴾ عن ناحية بعيدة، وجوانب جماعة. ويقال : رجل جنب، وقوم أجناب، وجانب، وأجانب، وأجنبي، أي غريب، وهذا كله من الاجتناب، وهو قول أبي عوسجة والقتبي.
١ - في الأصل وم: بجنباته..
[ الآية ١٢ ] وقوله تعالى :﴿ وحرمنا عليه المراضع من قبل ﴾ حرم تحريم منع وحظر :[ التحريم ]١ الذي ضده الإطلاق والإرسال لا التحريم الذي ضده الحل ؛ وذلك لطف من الله تعالى وفضل ورحمة حين٢ منع موسى عن أن يرضع من النساء، وهو طفل، وهمة أمثاله الارتضاع والرغبة في التناول من كل لبن ومن كل مرضع ترضعه لا [ تمييز له ]٣ في الارتضاع. فدل امتناعه وكفه نفسه عن الارتضاع من النساء جمع أن ذلك لطف من الله أعطاه ليمتنع عنه.
فعلى ذلك جائز أن يكون٤ عند الله لطف، لو أعطى الكافر الذي همته الكفر والرغبة فيه لآمن، واهتدى. لكنه لما عرف رغبته وهمته فيه واختياره له منع ذلك عنه، ولم يعطه.
وهذا٥ الحرف ينقض على المعتزلة مذهبهم في زعمهم أن الله قد أعطى كل كافر السبب الذي به يؤمن وما به يصير مؤمنا حتى لم يبق شيء مما يكون به إيمانه إلا وقد أعطاه، لكنه لم يؤمن.
فينقض قولهم ما ذكرنا من أمر موسى أن عنده لطفا٦ لم يعطه، لو أعطاه لآمن واهتدى. لكنه لم يعطه لما ذكرنا.
وفيه لطف آخر، وهو أن فرعون والقبط كانوا يقتلون الولدان من الذكور ليصير الذي يخاف هلاكه وذهاب ملكه على يديه مقتولا. فجعل الله بلطفه ورحمته محبته في قلب فرعون وقلوب أهله حتى صار أحب الخلق إليهم، وصاروا أشفق الناس وأرحمهم عليه حتى خافوا هلاكه، وطلبوا له المراضع لئلا يهلك بعد ما كانوا يطلبون هلاكه وتلفه. وذلك لطف منه له ورحمة. وهو ما قال :﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾ [ طه : ٣٩ ]. وبالله يستفاد٧ كل فضل ونعمة.
وقوله تعالى :﴿ فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم ﴾ قوله :﴿ فقالت ﴾ أي أخته التي كانت تتبعه، وتمشي على إثره، وذلك منها [ عدم ]٨ تعريض الدلالة لهم إلى أمه لئلا يشعروا أنها أمه حين٩ قالت :﴿ هل أدلكم على أهل بيت ﴾ ولم تقل : على امرأة لها لبن وهي ترضع. ولعلها لو قالت لهم ذاك وقع عندهم أنها أمه. ولكن دلتهم على بيت ليقع عندهم أنهم أهل بيت قتل ولدهم، ولهم ولد ﴿ يكفلونه لكم ﴾ أي يقبلونه، ويضمونه إلى أنفسهم ﴿ وهم له ناصحون ﴾.
يحتمل قوله :﴿ وهم له ناصحون ﴾ أي لفرعون، لا يخونوه فيه. ويحتمل ﴿ وهم له ناصحون ﴾ لموسى.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - في الأصل وم: حيث..
٣ - في الأصل وم: تميز لهم..
٤ - من م، في الأصل: يكونوا..
٥ - من م، في الأصل وهذه..
٦ - في الأصل وم: لطف..
٧ - من م، في الأصل: ليستفاد..
٨ - ساقطة من الأصل وم..
٩ - في الأصل وم: حيث..
[ الآية ١٣ ] وقوله تعالى :﴿ فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ﴾ أي تسر برده إليها. وذلك معروف في النساء ظاهر أنهن يحزن بمفارقة أولادهن، ويهتمن لذلك، ويسررن إذا [ رجعوا إليهن، واجتمعوا معهن ]١.
وقوله تعالى :﴿ ولتعلم أن وعد الله حق ﴾ كانت تعلم هي والله أعلم أن وعد الله حق كائن لا محالة. لكن [ كانت تعلم ]٢ علم خبر لا علم عيان ومشاهدة، كأنه قال : لتعلم علم عيان ومشاهدة كما علمت علم خبر، لأن علم العيان والمشاهدة أكبر وأبلغ وأدفع للشبهة من علم الإخبار. ألا ترى أن إبراهيم سأل ربه أن يريه إحياء الموتى، وإن كان يعلم حقيقة أنه يحيي الموتى وأنه قادر على ذلك. لكنه كان يعلم علم خبر، فأحب أن يعلمه علم عيان ومشاهدة لأنه أكبر وأبلغ للوساوس من علم الإخبار ؟ [ فعلى ذلك الأول ]٣.
وقوله تعالى :﴿ ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾ [ أخبر أن أكثر الناس لا يعلمون أن وعد الله حق ]٤ والمعتزلة منهم لأنه أخبر أنه يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين حين٥ قال :﴿ لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ﴾ [ هود : ١١٩ والسجدة : ١٣ ] وهم يقولون : أراد ألا يملأ جهنم لأنهم يقولون : إنه أراد إيمان كل الناس أجمعين٦، وشاء ذلك لهم فلم يؤمنوا. فعلى قولهم : إن شاء ذلك لهم شاء أن يملأ جهنم منهم. فذلك خلف في الوعد وكذب في القول على قولهم.
١ - في الأصل وم: جعلوا إليهن واجتمعوا..
٢ - في الأصل: كانت، ساقطة من م..
٣ - في م: فعلى ذلك، ساقطة من الأصل..
٤ - من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
٥ - في الأصل وم: حيث..
٦ - في الأصل وم: جميعا..
[ الآية ١٤ ] وقوله تعالى :﴿ ولما بلغ أشده واستوى ﴾ قال بعض أهل التأويل : الأشد هو ما بين ثماني عشرة سنة وثلاثين سنة، ثم ما بين الثلاثين إلى الأربعين [ استواء الشدة، ثم يأخذ بعد الأربعين ]١ في النقصان، ثم غير بعمره الأربعين سنة.
وقال بعضهم :[ أريد بقوله ]٢ ﴿ بلغ أشده ﴾ ثلاث وثلاثون سنة ﴿ واستوى ﴾ أربعون.
وعن ابن عباس مثله. وقال بعضهم :﴿ بلغ أشده ﴾ قال : الأشد الحلم، والاستواء أربعون سنة.
وأصل الأشد أن يشتد كل شيء منه، وصار يحتمل ما قصد به وجعل فيه، ويدخل في ذلك العقل وكل شيء، ﴿ واستوى ﴾ [ أي استوى ]٣ ذلك واستحكم، وصار بحيث يحتمل ذلك.
وجائز أن يكون الاستواء هو الأشد الذي ذكر.
وقال أبو عوسجة والقتبي :﴿ واستوى ﴾ أي استحكم وانتهى شبابه واستقر، فلم تكن فيه زيادة.
وأصله ما ذكرنا، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ آتيناه حكما وعلما ﴾ أي آتيناه الحكم٤ الذي يحكم به بين الناس ﴿ وعلما ﴾ بمصالح نفسه ومصالح الخلق.
وقال بعض أهل التأويل : الحكم الفقه والعقل، والعلم قيل : النبوة.
وقوله تعالى :﴿ وكذلك نجزي المحسنين ﴾ يحتمل قوله :﴿ وكذلك نجزي المحسنين ﴾ في الآخرة بالوعد الذي وعد لهم في الدنيا كما جزى موسى بإنجاز ما وعد له٥ أو أن يكون من موسى إحسان وجهد في طلب العلم وغير ذلك مما أعطاه ذلك، وأخبر أنه كذلك يجزي من ذكر كقوله ﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ﴾ [ العنكبوت : ٦٩ ] وقوله :﴿ ولتعلم أن وعد الله حق ﴾ [ القصص : ١٣ ] كان وعده إياها أن يرده إليها، ويجعله من المرسلين، ومعناه ما ذكر في ما تقدم. قال الكسائي : يقال امرأة مرضع ما دامت ترضع، فإذا فطمت سميت مرضعة ما دامت حبلى فهي مرضعة، أي سترضع.
١ - من م، ساقطة من الأصل..
٢ - من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
٣ - من م، ساقطة من الأصل..
٤ - في الأصل وم: العلم..
٥ - من م، في الأصل: لهم..
[ الآية ١٥ ] وقوله تعالى :﴿ ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها ﴾ قال عامة أهل التأويل : على غفلة من أهل المدينة وهو عند الظهيرة، وذلك وقت القائلة.
وقال قائلون :﴿ على حين غفلة ﴾ أهل البلد عن دخول موسى، أي دخلها من غير أن شعروا به، وعرفوا أنه موسى. على هذا التأويل الغفلة تكون على دخول موسى عليهم. وعلى الأول على غفلة أهل المدينة أي وقت غفلتهم.
فإن كان على هذا فيحتمل أن تكون غفلة أهلها هي أن كان ذلك يوم عيدهم ؛ خرجوا إليه، فدخل هو المدينة ليطلع [ على ]١ أحوالها وأسبابها. إلا أن تكون العادة فيهم أنهم بأجمعهم يقيلون، فذلك محتمل والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه ﴾ قال بعض أهل الأدب : إن قوله :﴿ هذا من شيعته وهذا من عدوه ﴾ إنما يقال للشاهد المشار إليه، فأما الغائب فإنه لا يقال، لكن قالوا : إن فيه إضمارا ولطفا ؛ كأنه قال : فوجد فيها /٣٩٦- أ/ رجلين يقتتلان : من نظر إليهما يقول : هذا من شيعته، وهذا من عدوه، ثم قال أهل التأويل : أحدهما كان إسرائيليا والآخر قبطيا.
فإن قيل : كيف سمى الإسرائيلي من شيعة موسى ؟ [ قيل : كان ]٢ ذلك أول ما دخل موسى المدينة، وبنو إسرائيل يومئذ كانوا عباد الأصنام، وقد حبب إليهم حتى قالوا لموسى بعد ما أخرجهم من المدينة وبعد هلاك فرعون والقبط جميعا. ﴿ اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الأعراف : ١٣٨ ] وكذلك يقول مقاتل : كانا كافرين جميعا.
ألا ترى أنه قال :﴿ فلن أكون ظهيرا للمجرمين ﴾ ؟ [ القصص : ١٧ ] لكن يخرج هذا على الإضمار ؛ كأنه [ قال : يكون ﴿ هذا ﴾٣ من شيعته وهذا ومن عدوه. أو يقول : يكون هذا من قوم، هم شيعته، ويبقى هذا عدوا في قوم، هم أعداؤه. وعلى هذا يخرج تأويله أنهما كانا كافرين جميعا. لكن يخرج على ما ذكرنا، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ فاستغاثه الذي من شيعته على الذين من عدوه ﴾ أي استغاثه الذي كان في علم الله أنه يكون من شيعته على الذي في علم الله أنه يبقى عدوا له لينصره٤. والاستغاثة هي الاستعانة والاستنصار، أي سأله أن يكون من شيعته. وقوله تعالى :﴿ فوكزه موسى فقضى عليه ﴾ قال أبو عوسجة : الوكزة [ الطعنة في الصدر ]٥. وقال الزجاج والقتبي وهؤلاء : الوكزة الدفعة ﴿ فوكزه ﴾ أي دفعه ﴿ فقضى عليه ﴾ قال بعضهم : أي فرغ منه كقوله :﴿ فلما قضى موسى الأجل ﴾ [ القصص : ٢٩ ] وقوله :﴿ قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ﴾ [ يوسف : ٤١ ] أي فرغ ونحوه.
وقال بعضهم :﴿ قضى عليه ﴾ أي قتله، وكلاهما سواء ؛ إذا قتله فقد فرغ منه، وهو لم يتعمد قتله، ولا قصده. لكن الله قضى أجله، وجعل انقضاء عمره بوكزة موسى، وهو في الظاهر قاتل، لأنه ﴿ قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ﴾ [ القصص : ٣٣ ] ولم يكذب الله موسى في قوله : إنك لم تقتل.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - في الأصل وم: وذلك..
٣ - من م، ساقطة من الأصل..
٤ - في الأصل وم: ينصره..
٥ - في الأصل وم: الطعن في الصدور..
[ الآية ١٦ ] وقوله تعالى :﴿ قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ﴾ الآية.
وفيه دلالة جواز الاستدلال لقول أبي حنيفة حين١ قال : من قتل آخر بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة مما لا ينجو من مثله فإنه٢ لا يقتل به، ولا يجب القصاص فيه، لأن موسى لما وكز ذلك القبطي [ مات، وذكر ]٣ أن له قوة أربعين رجلا، لم ير القصاص به واجبا حين٤ قال له ذلك الرجل :﴿ يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ﴾ ﴿ فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ﴾ [ القصص : ٢٠و٢١ ].
ولو كان القصاص واجبا لكان أولئك لم يكونوا ظلمة في قتله، بل يكون هو الظالم فيه، ولا يحتل أن يكون القصاص واجبا أيضا، وموسى يفر من ذلك، ويهرب. وفي ذلك إبطال حقهم.
دل أنه لم يجب، ولا شك أن وكزة من له قوة أربعين رجلا إلى الهلاك أسرع وأقرب٥ وأعمل من الضرب بالحجر العظيم والخشبة العظيمة. وإذا لم يجب في هذا لم يجب في ذاك، والله أعلم.
١ - في الأصل ومن: حيث..
٢ - الفاء ساقطة من الأصل وم..
٣ - في الأصل وم: فمات وكز..
٤ - في الأصل وم: حيث..
٥ - في الأصل وم: فالأقرب..
[ الآية ١٧ ] وقوله تعالى :﴿ قال رب بما أنعمت علي ﴾ قال بعضهم : بما أنعمت علي بالمغفرة، فلم تعاقبني بقتل النفس، وعصمتني من أن أعاقب به في الدنيا.
وجائز أن يكون بما أنعم عليه هو قوته التي [ أعطاه إياها ]١ أخبر ألا يكون ﴿ ظهيرا للمجرمين ﴾ والله أعلم.
١ - في الأصل وم: أعطاها..
[ الآية ١٨ ] وقوله تعالى :﴿ فأصبح في المدينة خائفا يترقب ﴾ أكثر ما ذكر في القرآن : أصبح معناه١ صار كقوله :﴿ أو يصبح ماؤها غورا ﴾ [ الكهف : ٤١ ] أي صار وقوله :﴿ إن أصبح ماؤكم غورا ﴾ [ الملك : ٣٠ ] ونحوه.
وأما ههنا فقوله٢ :﴿ فأصبح في المدينة خائفا يترقب ﴾ إنما يريد [ به ]٣ الصباح نفسه.
وقوله تعالى :﴿ يترقب ﴾ قال عامة أهل التأويل :﴿ يترقب ﴾ أي ينتظر سوءا يناله منهم.
وقال أبو عوسجة : الترقب الخوف ؛ كأنه قال : خائفا هلاكه. وأصل الترقب هو النظر، والرقوب أن يرقب من يطلبه، وهو من الرقيب.
وقوله تعالى :﴿ فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين ﴾ كان الرجل الذي أخبر أنه من شيعته ضعيفا في نفسه حتى٤ لا يقدر أن يقوم لواحد، فيستنصر بموسى، ويستعين به. إلا أنه كان يخاصم٥، وينازع، ويقاتل، لسوء فيه وبلاء ؛ يقاتل، وينازع. وإلا لم يكن بنفسه من القوة ما يقوم لواحد فمن حين٦ لا يقاتل مثله، ولكنه لما ذكرنا من سوء به. ولذلك ﴿ قال له موسى إنك لغوي مبين ﴾.
[ إنما عرف موسى ]٧ غوايته بالاستدلال الذي ذكرنا لا بالمشاهدة. ولذلك أراد أن يبطش بالذي٨ هو عدو لهما لئلا يقتلهما، ولا يهلكه، لما عرف غوايته بالاستدلال لا حقيقة.
وذكر ههنا البطش، وهو الأخذ باليد، وفي الأول ذكر الوكزة، وهي الدفع والطعن على ما ذكرنا، فهو، والله أعلم، لأنه لما ذكر الأول، فأتت الوكزة على نفسه، فقتلته، فأخذ هذا من هذا ليمنعه عن إهلاكه وإتلافه، ولا يأتي على نفس الآخر كما فعلت الوكزة.
١ - في الأصل وم: أي..
٢ - الفاء ساقطة من الأصل وم..
٣ - ساقطة من الأصل وم..
٤ - في الأصل وم: حيث..
٥ - في الأصل وم: يخاطب..
٦ - في الأصل وم: حيث..
٧ - في الأصل وم: لكن موسى إنما المعروف..
٨ - الباء ساقطة من الأصل وم..
[ الآية ١٩ ] [ وقوله تعالى ]١ :﴿ قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ﴾ اختلف في قائل هذا : قال عامة أهل التأويل : إن قائل هذا هو الذي استصرخه، واستغاثه ؛ قالوا : لأنه ظن أن موسى إنما أراد بطشه وأخذه، وإليه قصد، لذلك قال :﴿ أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ﴾.
وقال قائلون : هذا القول إنما قاله٢ ذلك القبطي.
فإن كان هذا فهو يدل أن قتله ذلك الرجل بالأمس كان ظاهرا حتى٣ علم به القبطي، وكان قوله :﴿ على حين غفلة من أهلها ﴾ أي من دخول موسى المدينة.
وإن كان هو الأول كان قتله إياه خفيا غير ظاهر. فعلى هذا تكون الغفلة على أهل المدينة لا على دخول موسى، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين ﴾ لأن الذي يصلح بين اثنين لا يقتل، ولا يأخذ أحدهما دون الآخر، ولكن يصلح بينهما على السواء. لذلك٤ قال ما قال.
وقوله تعالى :﴿ إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض ﴾ قال بعضهم : يقول : هكذا فعل الجبابرة [ أن ]٥ تقتل النفس بغير نفس. وقال بعضهم : الجبابرة تقتل النفس بغير نفس. وقال بعضهم : الجبار، هو الذي يحمل الناس على هواه وعلى ما يريده، ويقهرهم على ذلك، شاؤوا أو أبوا. وقال بعضهم : الجبار، هو الذي تكبر على الناس، لا يرى أحدا لنفسه نظيرا، أو كلام نحوه، ويقال : كل قاتل آخر على الغضب بغير حق فهو جبار.
١ - في الأصل وم: ثم..
٢ - في الأصل وم: قال له..
٣ - في الأصل وم: حيث..
٤ - في الأصل وم: الذي..
٥ - ساقطة من الأصل وم..
[ الآية ٢٠ ] وقوله تعالى :﴿ وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى ﴾ يحتمل أن يكون أقصى المدينة هو مسكن فرعون ومقامه، فمنه جاء ذلك الرجل، أو أن يكون أقصى المدينة موطن الملإ والأشراف الذين ذكر أنهم ائتمروا على قتله.
وقوله تعالى :﴿ يسعى ﴾١ هو العدْو في اللغة ؛ كأنه يسرع المشي إليه ليخبره بذلك.
وقوله تعالى :﴿ قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ﴾ يأتمرون : قال بعضهم : يتشاورن في قتلك.
وقال الزجاج :﴿ يأتمرون بك ﴾ أي يهمون في قتلك، وذكر عنه أنه قال :﴿ يأتمرون بك ﴾ يتشاورون بك، وهو قول أبي عوسجة.
وأصل الائتمار في اللغة، هو الطاعة والاتباع لما يؤمر من الفعل ؛ كان فرعون أمر الملأ أن يقتلوه فأطاعوه، وائتمروا لأمره، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ فاخرج إني لك من الناصحين ﴾ قال الزجاج : قوله :﴿ لك ﴾ صلة، والصلة لا تتقدم/٣٩٦- ب/ الموصول به. ولكن معناه :﴿ فاخرج إني لك من الناصحين ﴾ الذين ينصحون لك. وليس كما قال : الصلة تتقدم، وتتأخر. وذلك ظاهر في الكلام.
١ - في الأصل وم: والسعي..
[ الآية ٢١ ] وقوله تعالى :﴿ فخرج منها خائفا يترقب ﴾ قد ذكرنا هذا.
دل قوله :﴿ خائفا يترقب ﴾ أن الخوف قد يكون من دون الله. وجائز أن يخاف من غيره، وليس كما يقول بعض الناس : ألا يسع الخوف من دون الله. وحقيقة الخوف تكون من الله، يخاف أن ينتقم منه على يدي١ هذا، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ قال رب نجني من القوم الظالمين ﴾ يحتمل الظالم كل مشرك، لأن كل مشرك ظالم. ويحتمل قوله :﴿ قال رب نجني من القوم الظالمين ﴾ حين٢ هموا بقتله. وقتل موسى ذلك القبطي لم يوجب عليه القتل والقصاص لأنه لم يتعمد قتله، ولم يقتله بسلاح، يجب به القتل، فذكر أنهم في ما هموا بقتله ظلمة.
١ - من م، في الأصل: يديه.
٢ - في الأصل وم: حيث..
[ الآية ٢٢ ] وقوله تعالى :﴿ ولما توجه تلقاء مدين ﴾ قال بعضهم : أخذ طريقا ؛ إذا سلك ذلك الطريق، ونفذ فيه، خرج تلقاء مدين، أو وقع تلقاء المكان المقصود إليه.
وقوله تعالى :﴿ قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ﴾ أي الطريق الذي كان يقصده ويطلبه، وهو طريق مدين، وذكر أنه كان ضل الطريق.
[ الآية ٢٣ ] وقوله تعالى :﴿ ولما ورد ماء مدين ﴾ أي ورد البئر التي كان ماء مدين، أي ورد١ البئر التي كان ماء مدين من تلك البئر ﴿ وجد عليه أمة من الناس يسقون ﴾ أمة أي جماعة، وقيل : أناس، من الناس يسقون أغنامهم ومواشيهم ﴿ ووجد من دونهم امرأتين تذودان ﴾ قال بعضهم : تذودان تحبسان حتى يفرغ الناس، ويصدروا٢، ويخلو لهما البئر. وقال بعضهم : تذودان أغنامهما لتسقيها.
ثم قوله :﴿ ووجد من دونهم امرأتين تذودان ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما :[ تذودان ]٣ غنمهما، ولا تسقيانها ﴿ حتى يصدر الرعاء ﴾ لما لا تتركان تسقيان غنمهما مع غنم أولئك الرعاء حتى يصدروا هم.
والثاني : لا تمنعان ذلك، ولكنها تستحيان أن تزاحما الرجال، وتختلطا بهم، فتنتظران فراغهم صدور الرعاء عنها.
فإن قيل : فما بالهما لا تتخلفان وقت اجتماع القوم، وتشهدان في ذلك الوقت، أو لا تنتظران خلاء البئر منهم ؟ قيل : لما ذكر أن على رأس البئر حجرا، يلقى عليها٤، لا يطيقه إلا كذا كذا نفرا، وكذلك الدلو التي يستقى منها، لا يطيقها إلا كذا كذا، من عشرة إلى أربعين على ما ذكر. فهما تشهدان تلك البئر منهم، ثم تأتيان، لم تقدرا على نزح الماء والدلو ورفع الحجر الذي ذكر أنه كان على رأس البئر، لذلك كان ما ذكر، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ قال ما خطبكما ﴾ أي ما شأنكما ؟ وما أمركما ؟ ﴿ قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء ﴾ لما ذكرنا. وقرئ يصدر بنصب الياء وبالرفع جميعا. ومن قرأ بالنصب٥ فإنه يقول : حتى يصدر الرعاء بأنفسهم، أي يرجع. ومن قرأ بالرفع [ فمعناه ] ٦ حتى يصرفوا، ويرجعوا أغنامهم، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وأبونا شيخ كبير ﴾ تذكران، والله أعلم، عذر أبيهم في التخلف عن سقي الغنم، وإرساله إياهما في ذلك دون تولي ذلك بنفسه، وقالتا٧ : ذلك لكبره وضعفه ما يتخلف عن ذلك يرسلهما، وإلا لا معنى لذكر كبر أبيها بلا سبب، يحملهما على ذلك سوى ما ذكرنا.
وجائز أن يكون لمعنى آخر، لا نعلمه.
١ - من م، في الأصل: مورد..
٢ - في الأصل وم: ويصدرون..
٣ - ساقطة من الأصل وم..
٤ - في الأصل وم: عليه..
٥ - انظر معجم القراءات القرآنية ج٥/ ١٣..
٦ - ساقطة من الأصل وم..
٧ - في الأصل وم: وقالا..
[ الآية ٢٤ ] وقوله تعالى :﴿ فسقى لهما ثم تولى إلى الظل ﴾ دل أن البئر التي كانت تسقى الماشية منها كانت في الشمس حين١ أخبر أنه سقى لهما [ ثم ]٢ تولى إلى الظل. وفيه أن لا بأس بأن يجلس في٣ الظل.
وقوله تعالى :﴿ فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ﴾ قيل : إن هذا منه شكاية عما أصابه من الجوع لأنه ذكر أنه خرج من المصر إلى مدين هاربا من فرعون وقومه غير متزود، وهو مسيرة ثماني ليال.
وفيه دلالة أن لا بأس للرجل أن يخبر، ويذكر، عما هو [ فيه ]٤ من الشدة والبلاء حين٥ ذكر موسى حاله التي هو فيها من الجوع الذي أصابه. وكذلك٦ ما قال في آية أخرى :﴿ لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ﴾ [ الكهف : ٦٢ ] وذلك يرد قول من يقول : إن مثل هذا يخرج مخرج الشكاية إلى الله. ولو كانت شكاية لكان موسى لا يقول ذلك، ولا يذكره.
١ - في الأصل وم: حيث..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - من م، في الأصل: يخلو..
٤ - ساقطة من الأصل وم..
٥ - في الأصل وم: حيث..
٦ - من م، في الأصل: وكذلك..
[ الآية ٢٥ ] وقوله تعالى :﴿ فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ﴾ قوله :﴿ تمشي ﴾ مشي من لم يعتد الخروج، أو ﴿ تمشي ﴾ مشي من لم يخالط الناس ﴿ على استحياء ﴾ على التستر والتغطية.
[ وقوله تعالى ]١ :﴿ قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ﴾ هذا يدل على أن لا بأس أن يؤخذ على المعروف الذي صنع إلى آخر أجر. والأفضل على [ من ]٢ صنع إليه المعروف والتبرع أن يعطى لمعروفه وتبرعه بدلا وأجرا. والأفضل على المتبرع وعلى صانع المعروف ألا يأخذ على ذلك بدلا.
إلا أن موسى كان قد اشتد به الحاجة. لذلك كان ما ذكر وأخذ لمعروفه ما ذكر بدلا، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ فلما جاءه وقص عليه القصص ﴾ أي لما جاء موسى أبا المرأتين، وقص عليه قصته ﴿ قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ﴾ دل قوله هذا لموسى ﴿ لا تخف نجوت من القوم الظالمين ﴾ أن لم يكن لفرعون على ذلك المكان سلطان ولا يد ؛ إذ لو كان له سلطان لكان له فيه الخوف الذي كان من قبل، ولم يكن نجا موسى منه. دل أنه لم يكن له عليهم سلطان.
وقوله تعالى :﴿ الظالمين ﴾ يحتمل المشركين ؛ إذ كل مشرك ظالم. ويحتمل ﴿ نجوت من القوم الظالمين ﴾ [ الذين يقتلون بغير حق حين٣ ﴿ قال رب نجني من القوم الظالمين ﴾ [ القصص : ٢١ ] ]٤.
١ - من م، ساقطة من الأصل..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - في م: حيث..
٤ - من م، ساقطة من الأصل..
[ الآية ٢٦ ] وقوله تعالى :﴿ قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ﴾ قال أهل التأويل : قال أبوهما لما قالت له استأجره فإنه قوي أمين : ما قوته وأمانته ؟
فقالت : أما قوته فإنه رفع الحجر من رأس البئر وحده، وكان لا يطيقه إلا كذا كذا نفرا، ونزح الدلو من البئر وحده، وكان لا يطيق١ نزحه إلا كذا كذا [ نفرا ]٢ فتلك قوته.
وأما أمانته فإنه قال لي : امشي خلفي، وصفي لي الطريق. فتلك أمانته.
ولكن قد كانت تعرف أمانته قبل ذلك : لما جرى بينه وبينهما من المعاملة حين قال لهما : ما خطبكما ؟ وحين سقى لهما. في مثل هذا تعرف أمانته في ترك النظر إليهما وترك الاعتراض لما يوجب التهمة، والله أعلم.
[ وفي قولها ]٣ :﴿ يا أبت استأجره ﴾ [ دليل على أنه كان أبوهما ]٤ في طلب أجير قوي أمين، لكنه٥ لا يجد، ولا يظفر به. لذلك٦ قالت له :﴿ استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ﴾ إذ لا يحتمل أن يكون له ماشية، وله غنى، وبه حاجة إلى رعي ذلك وسقيه، وقد بلغ من الكبر والضعف ما ذكر : يرسل ابنتيه في الرعي والسقي، ولا يستأجر الأجير ليتولى ذلك دون بناته. هذا لا يحتمل ذلك، وخاصة ما وصف [ الله تعالى ]٧ ابنته من الحياء حين٨ قال :﴿ فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ﴾ [ القصص : ٢٥ ].
دل ذلك أنه كان في طلب الأجير، وإنما أرسل ابنتيه في سقي الغنم، وهو مضطر إلى ذلك محتاج إليه. لذلك قالت له :﴿ يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ﴾.
١ - في الأصل وم: يطيقه..
٢ - ساقطة في الأصل وم..
٣ - من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: وقولها..
٤ - من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: كأن أباهما كان..
٥ - من م، في الأصل: لكنا..
٦ - في الأصل وم: كذلك..
٧ - من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
٨ - في الأصل وم: حيث..
[ الآية ٢٧ ] [ وقوله تعالى ]١ :﴿ قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج ﴾ طلبت هي الاستئجار، وهو عرض عليه النكاح لما لم ترغب هي في النكاح، أو طلبت الاستئجار لما٢ لم تر من نفسها الرغبة في النكاح، وإن كانت لها الرغبة حياء، والله أعلم.
ثم قوله :﴿ على أن تأجرني ثماني حجج ﴾ يحتمل /٣٩٧- أ/ وجهين :
أحدهما : أنه يجعل عمله ثماني حجج بدلا للنكاح ومهرا لبعضها، ثم تحديده بثماني حجج لما رأى عمل ثماني سنين مهر مثلها، وقوله :﴿ فإن أتممت عشرا فمن عندك ﴾ أي فإن أتممت عشرا، أو زدت على مهر المثل فمن عندك، أي لك ذلك : فضل منك وإحسان.
والثاني : قوله :﴿ على أن تأجرني ثماني حجج ﴾ ليس على جعله بدلا للنكاح ولكن على الإجارة المعروفة على أجر معلوم على حدة من غير أن كان ذلك مهرا لها.
ثم التحديد بثماني سنين على هذا الوجه، يخرج على إحدى خلتين :
إحداهما : أنه لما قص عليه قصته علم أنه لا يقدر على العود إلى المصر، ورأى أنه لا يأمن تلك الناحية بدون ما ذكر من المدة.
[ والثانية : أنه ]٣ لما رأى أن نفسه تنزع، وتتوق بالعود إلى الوقت، شرط٤ ذلك عليه لئلا يحدث نفسه بالرجوع إليه إلى ذلك الوقت.
وقوله تعالى :﴿ فإن أتممت عشرا فمن عندك ﴾ أي فإن زدت سنتين على ذلك ؟ فمن فضلك وإحسانك ﴿ وما أريد أن أشق عليك ﴾ في الزيادة على ذلك كله، والله أعلم.
وقوله٥ تعالى :﴿ ستجدني إن شاء الله من الصالحين ﴾ في جميع ما يجري بينك وبيني من المعاملة والصحبة.
وفيه أن الثنيا في ما يعدون كان ظاهرا في الأمم السالفة.
ثم اختلف في أبي المرأتين : قال بعضهم : كان شعيبا. وقال بعضهم : ابن أخي شعيب. وقال الحسن : لم يكن شعيبا، ولكنه كان سيد الماء يومئذ. وليس لنا إلى معرفة من كان حاجة. أما شعيب فإنه لم يكن في زمن موسى، والله أعلم.
١ - في الأصل وم: ثم قال..
٢ - في الأصل وم: ولما..
٣ - في الأصل وم: أو..
٤ - في الأصل وم: فشرط..
٥ - في الأصل وم: ثم قال..
[ الآية ٢٨ ] وقوله تعالى :﴿ قال ذلك ﴾ يعني الشرط، والله أعلم ﴿ بيني وبينك أيما الأجلين قضيت ﴾ أي أوفيت، وعملت : إما الثماني١ وإما العشر ﴿ فلا عدوان علي ﴾ يقول : لا سبيل لك علي بعد ذلك، ولا تبعة. والعدوان : هو الظلم والمجاوزة عن الحد الذي جعل له ؛ يقول : لا ظلم علي، ولا مجاوزة علي، أي الاختيار إلي : قضيت أي الأجلين : اخترت، وشئت أنا.
وقوله٢ تعالى :﴿ والله على ما نقول وكيل ﴾ قال بعضهم : والله كفيل على مقالتي ومقالتك. والوكيل : هو الشهيد أو الحافظ، كأنه يقول : والله على ما نقول شهيد.
ذكر أن جبريل، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن سئلت : أي الأجلين قضى موسى ؟ فقل : أبرهما وأوفاهما، وإن سئلت : أي المرأتين تزوج ؟ قل : أصغرهما. فإن ثبت هذا ففيه أنه قضى الأجلين جميعا : الثماني والعشر، وليس في الآية إلا اقتضاء الأجل [ وهو قوله ]٣ :﴿ فلما قضى موسى الأجل ﴾.
وقال القتبي :﴿ على أن تأجرني ﴾ أي تجازيني من التزويج. والأجر من الله إنما هو الجزاء على العمل.
١ - من م، في الأصل: الثاني..
٢ - في الأصل وم: ثم قال..
٣ - في الأصل وم: حيث..
[ الآية ٢٩ ] وقوله تعالى :﴿ فلما قضى موسى الأجل ﴾ قال أهل التأويل : ما ذكرنا أنه قضى أتمهما، أو أكثرهما. لكن لا نعلم إلا بالخبر الصحيح. فعلى ما ذكروا، وليس في الآية إلا اقتضاء الأجل، فلا يزاد على ذلك إلا بثبت. فإن ثبت ما روي من الخبر فهو، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا ﴾ آنس قيل : أبصر وأحس نارا. قال بعضهم : إن موسى لم يكن رأى نارا، ولكن إنما رأى نورا، ظن أنه نار. فلا يحتمل ذلك لأنه أخبر أنه آنس نارا، وإن لم يكن ذلك في الحقيقة نارا، لكن نور، فذلك١ الكذب في الخبر إلا أن يقال على الإضمار : آنس من جانب الطور نارا، ظن أنه نار، أو في ظنه أنه نار.
[ وقوله تعالى ]٢ :﴿ قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار ﴾ أي امكثوا لعلي آتيكم منها بخبر يدلنا ويخبرنا على الطريق ؛ فكأنه قد ضل الطريق، فيقول ﴿ لعلي آتيكم منها ﴾ بخبر الطريق ﴿ أو جذوة من النار ﴾ أي آتيكم بجذوة من النار، [ أولو بقيتم لآتيتكم ]٣ بخبر الطريق ﴿ لعلكم تصطلون ﴾. هذا يدل أنه كان في وقت الشتاء وفي وقت البرد.
١ - في الأصل وم: كان ذلك..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - في الأصل وم: ولو بقيتم فيه ولم آتيكم..
[ الآية ٣٠ ] [ وقوله تعالى ]١ :﴿ فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة ﴾ قال بعضهم :﴿ الأيمن ﴾ أي عن يمين الجبل. وقال بعضهم : عن يمين موسى. قال بعضهم : يمين الشجرة. ولكن الأيمن المبارك، وهو من اليمن، الوادي اليمن ﴿ في البقعة المباركة ﴾.
قال بعض أهل التأويل [ سميت مباركة ]٢ لكثرة أشجارها و أنزالها وكثرة مياهها وعشبها. ولكن [ سمى الوادي }٣ مباركا وأيمن والله أعلم ؛ لأنه مكان الأنبياء والرسل وموضع الوحي. [ وهو ]٤ قوله تعالى :﴿ نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين ﴾ [ ولله أن يسمع ويخبر من شاء بما شاء وكيف شاء، كما أسمع مريم من تحتها حين٥ قال :﴿ فنادها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ﴾[ مريم : ٢٤ ].
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - في الأصل وم: سمي مباركا..
٣ - في الأصل وم: سماه..
٤ - في الأصل وم: و..
٥ - في م: حيث..
[ الآية ٣١ ] وقوله تعالى :﴿ وأن ألق عصاك ﴾ ليس هذا بموصول بقوله :﴿ إني أنا الله رب العالمين ﴾ ]١.
ولكن٢ ذلك ما ذكر في سورة طه :﴿ إني أنا ربك فاخلع نعليك ﴾ [ الآية : ١٢ ] إلى آخر ما ذكر.
ثم قال في آخره :﴿ وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز ﴾ أي تتحرك ﴿ كأنها جان ﴾ قال بعضهم : الجان الحية الصغيرة. وقال بعضهم : الجان ما بين العظيمة والصغيرة، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ ولى مدبرا ﴾ فارا هاربا ﴿ ولم يعقب ﴾ أي يلتفت، ولم يرجع لشدة خوفه وفرقه.
وقوله تعالى :﴿ يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ﴾ قوله :﴿ ولا تخف ﴾ يحتمل وجوها :
أحدهما : على رفع الخوف من قلبه من قلبه إذ قال ﴿ إنك من الآمنين ﴾.
والثاني : على البشارة أنه لا يؤذيه ؛ كأنه يقول : لا تخف وكن من الآمنين، فإنه لا يؤذيك.
والثالث :[ على النهي، أي لا تخف ]٣ فإني أحفظك، وأدفع أذاه عنك كقوله :﴿ قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ﴾ ﴿ قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ﴾ [ طه : ٤٥و٤٦ ] أي أسمع ما يقول لكما، وأرى ما يفعل بكما، وأدفع ذلك عنكما.
وقوله تعالى :﴿ أو جذوة ﴾ وبكسر الجيم ورفعها. قال بعضهم : عود قد احترق بعضه. وقال قتادة : أصل شجرة فيها نار. وقال أبو عوسجة : الجذوة مثل كالشهاب سواء، والجذا جمع الجذوة. وقال أبو عوسجة : الجذوة القطعة.
وقال القتبي : الجذوة عود قد احترق، أي قطعة منها. وشاطئ أي شط الوادي. آنست أبصرت، وكذلك قوله :﴿ فإن آنستم منهم رشدا ﴾ [ النساء : ٦ ] أي أبصرتم، وعلمتم.
١ - من م، ساقطة من الأصل..
٢ - أدرج قبلها في الأصل وم: ﴿وأن ألق عصاك﴾..
٣ - من م، ساقطة من الأصل..
[ الآية ٣٢ ] وقوله تعالى :﴿ أسلك يدك في جيبك ﴾ على ما ذكر في آية أخرى :﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج ﴾ [ النمل : ١٢ ] يدل أن لا باس بتغيير الألفاظ واختلافها بعد إصابة المعنى وما قصد بها.
وقوله تعالى :﴿ تخرج بيضاء من غير سوء ﴾ قد ذكرناه في ما تقدم.
وقوله تعالى :﴿ واضمم إليك جناحك من الرهب ﴾ [ بالفتح الرَّهب، وبالضم الرُّهب ]١ وقد قرئ بهما جميعا.
ثم قال بعضهم : هو على التقديم والتأخير. قوله :﴿ من الرَّهب ﴾ موصول بقوله :﴿ أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ﴾ من الرَّهب أي الخوف والفرق.
وقال بعضهم : أمره أن يضم يديه إلى نفسه لأن ذلك أخوف وأهيب وأعظم من إرسالهما.
وذلك معروف أيضا في الناس أنهم إذا دخلوا على ملك من الملوك ضموا أيديهم وأجنحتهم٢ إلى أنفسهم تعظيما لهم وتبجيلا أو خوفا منهم. فعلى ذلك جائز أن يأمره بضم يديه إلى نفسه ليكون بين يدي ربه أهيب٣ وأخوف ما يكون، وأعظم ما يجب له، وهو ما قال له :﴿ فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ﴾ [ طه : ١٢ ].
وقوله تعالى :﴿ فذلك برهانان من ربك ﴾ أي اليد والعصا اللتان ذكرهما برهانان من ربك أي حجتنا ﴿ إلى فرعون وملأيه إنهم كانوا قوما فاسقين ﴾.
١ - في الأصل وم: بالضم والرهب بالفتح، انظر معجم القراءات القرآنية ج٥/٢٠..
٢ - في الأصل وم: وجناحيهم..
٣ - في الأصل وم: وأهيب..
[ الآيتان ٣٣و٣٤ ] وقوله تعالى :﴿ قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ﴾ ﴿ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا ﴾ كقوله١ في سورة الشعراء :﴿ قال رب إني أخاف أن يكذبون ﴾ إلى قوله :﴿ فأخاف أن، يقتلون ﴾ [ الآيات : ١٢. ١٤ ] أخر في هذا ما كان مقدما في الذكر في ذلك، وذكر على اختلاف الألفاظ وتغيير الحروف ليعلم أن ليس على السامع حفظ الألفاظ والحروف بعد إصابة /٣٩٧- ب/ المعنى وفهم ما قصد بها وأودع فيها لأن الله ذكر هذه الأشياء والقصص التي كانت من قبل في القرآن على اختلاف الألفاظ وتغيير الحروف على التقديم والتأخير والزيادة والنقصان ليعلم أن المقصود والمراد بذكرها ما فيها لا عين اللفظ والحروف. فإذا عرف ما فيها، وفهم جاز الأداء بأي لسان كان وبأي لفظ كان، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ هو أفصح مني لسانا ﴾ يحتمل وجوها :
أما٢ : أهل التأويل فإنهم قالوا : كان في لسانه ربَّى٣ أي عقدة لما أدخل في فمه من النار. فذلك لا نعلمه، وقد قال في آية أخرى :﴿ واحلل عقدة من لساني ﴾ ﴿ يفقهوا قولي ﴾ [ طه : ٢٧ و٢٨ ].
[ والثاني : يجوز ] ٤ أن يكون ذلك خلقة، خلقه هكذا على ما خلق بعض الخلق أفصح وأبين من بعض.
أو أن يكون لما ذكر به من الخوف والذنب ما لم يكن ذلك لهارون٥ ؛ ولا شك من اشتد به الخوف منع صاحبه عن التكلم والبيان ؛ وذلك متعالم معروف في الناس، وهو ما ﴿ يفقهوا قولي ﴾ [ الشعراء : ١٢ ].
أو أن يكون ذلك لأن نشوء هارون كان فيهم، وهم بلسانه أعرف ولنطقه أفهم، ولموسى فترات، كان معتزلا عنهم.
وقوله تعالى :﴿ فأرسله معي ردءا ﴾ أي عونا ﴿ يصدقني ﴾ ثم بين في آية أخرى أنه في ما طلبه منه عونا، وهو ما قال :﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي ﴾ [ طه : ٢٩ ] يصدقني٦ في ما أقول إذا كذبوني هم، أو أستأنس به إذا ضاق صدري بالتكذيب والرد.
١ - في الأصل وم: وقال..
٢ - أدرج بعدها في الأصل وم: أحدها..
٣ - في الأصل وم: رقة..
٤ - في الأصل وم: فيجوز..
٥ - في الأصل وم: آخرون..
٦ - في الأصل وم: ويصدقني..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:[ الآيتان ٣٣و٣٤ ] وقوله تعالى :﴿ قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ﴾ ﴿ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا ﴾ كقوله١ في سورة الشعراء :﴿ قال رب إني أخاف أن يكذبون ﴾ إلى قوله :﴿ فأخاف أن، يقتلون ﴾ [ الآيات : ١٢. ١٤ ] أخر في هذا ما كان مقدما في الذكر في ذلك، وذكر على اختلاف الألفاظ وتغيير الحروف ليعلم أن ليس على السامع حفظ الألفاظ والحروف بعد إصابة /٣٩٧- ب/ المعنى وفهم ما قصد بها وأودع فيها لأن الله ذكر هذه الأشياء والقصص التي كانت من قبل في القرآن على اختلاف الألفاظ وتغيير الحروف على التقديم والتأخير والزيادة والنقصان ليعلم أن المقصود والمراد بذكرها ما فيها لا عين اللفظ والحروف. فإذا عرف ما فيها، وفهم جاز الأداء بأي لسان كان وبأي لفظ كان، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ هو أفصح مني لسانا ﴾ يحتمل وجوها :
أما٢ : أهل التأويل فإنهم قالوا : كان في لسانه ربَّى٣ أي عقدة لما أدخل في فمه من النار. فذلك لا نعلمه، وقد قال في آية أخرى :﴿ واحلل عقدة من لساني ﴾ ﴿ يفقهوا قولي ﴾ [ طه : ٢٧ و٢٨ ].
[ والثاني : يجوز ] ٤ أن يكون ذلك خلقة، خلقه هكذا على ما خلق بعض الخلق أفصح وأبين من بعض.
أو أن يكون لما ذكر به من الخوف والذنب ما لم يكن ذلك لهارون٥ ؛ ولا شك من اشتد به الخوف منع صاحبه عن التكلم والبيان ؛ وذلك متعالم معروف في الناس، وهو ما ﴿ يفقهوا قولي ﴾ [ الشعراء : ١٢ ].
أو أن يكون ذلك لأن نشوء هارون كان فيهم، وهم بلسانه أعرف ولنطقه أفهم، ولموسى فترات، كان معتزلا عنهم.
وقوله تعالى :﴿ فأرسله معي ردءا ﴾ أي عونا ﴿ يصدقني ﴾ ثم بين في آية أخرى أنه في ما طلبه منه عونا، وهو ما قال :﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي ﴾ [ طه : ٢٩ ] يصدقني٦ في ما أقول إذا كذبوني هم، أو أستأنس به إذا ضاق صدري بالتكذيب والرد.
١ - في الأصل وم: وقال..
٢ - أدرج بعدها في الأصل وم: أحدها..
٣ - في الأصل وم: رقة..
٤ - في الأصل وم: فيجوز..
٥ - في الأصل وم: آخرون..
٦ - في الأصل وم: ويصدقني..

[ بالآية ٣٥ ] وقوله تعالى : فقال :﴿ سنشد عضدك بأخيك ﴾ العضد كناية وعبارة عن القوة والعون، لأن القوة فيه تكون في من تكون، وهو كقوله :﴿ وثبت أقدامنا ﴾ [ البقرة : ٢٥٠ ] [ لأنه بالأقدام ]١ نثبت، وقوله :﴿ نكص على عقبيه ﴾ [ الأنفال : ٤٨ ] لأنه بالعقب ينكص، ومثله كثير. فعلى هذا ذلك.
وقوله تعالى :﴿ ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا ﴾ قال قائلون : هو على التقديم والتأخير، أي نجعل لكما سلطانا بآياتنا، فلا يصلون إليكما. وقال بعضهم : ونجعل لكما سلطانا باللطف، ندفع عنكما أذاهم وشرهم كقوله :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ﴾ [ طه : ٤٦ ] أي أسمع ما يقول لكما، وأرى ما يفعل لكما، وأدفع ذلك عنكما، فلا يصلون إليكما بالآيات التي معكما.
وقوله تعالى :﴿ أنتما ومن اتبعكما الغالبون ﴾ يحتمل هذا وجوها٢ : الغالبون بالحجج والبراهين، أي تغلب حجتكما سحرهم وتمويهاتهم، أو تكون عاقبة الأمر لكما، أو يكون ذلك في الآخرة.
قال أبو معاذ : تقول العرب : أرَّيت٣ الرجل أي أعتقته. وقال أبو عوسجة :﴿ سنشد عضدك بأخيك ﴾ أي أعينك به، وأقويك، والعضد كناية عن القوة لأن القوة تكون فيه، وبه يقوى من يوصف بالقوة على ما ذكرنا.
١ - في الأصل وم: ذكر الأقدام..
٢ - في الأصل وم وجهين..
٣ - في الأصل وم: أردت..
[ الآية ٣٦ ] وقوله تعالى :﴿ فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات ﴾ أي جاء موسى فرعون وقومه بآياتنا أي [ بأعلام، أنشأناها ]١ موضحات مظهرات ؛ يظهرن، ويوضحن رسالة موسى ونبوته، وقد أظهرت لهم ذلك، وعرفوا أنها آيات من الله، نزلت، أفلا ترى أن موسى [ قال لفرعون ]٢ :﴿ قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر ﴾ ؟ [ الإسراء : ١٠٢ ] لكنهم عاندوا، وكابروا، وقالوا :﴿ ما هذا إلا سحر مفترى ﴾ هذا منهم تمويه وتلبيس على الأتْباع والسفلة، ولم تزل عاداتهم التمويه والتلبيس على أتباعهم أمر موسى.
وقوله تعالى :﴿ وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ﴾ يقولون، والله أعلم : إن آباءنا قد عبدوا الأصنام على ما نعبد نحن، وقد ماتوا على ذلك من غير أن نزل بهم ما تتوعدنا من الهلاك والعذاب. فعلى ذلك نحن على دين آبائنا، وعلى ما هم عليه، فلا ينزل بنا شيء مما تذكر، وتوعدنا به من العذاب.
١ - في الأصل وم: أعلاما أنشأها..
٢ - في الأصل وم: قال له يا فرعون..
[ الآية ٣٧ ] [ وقوله تعالى ]١ :﴿ وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون عاقبة الدار ﴾ هذا، والله أعلم، كأنه ليس بجواب لقولهم :﴿ ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ﴾ ويكون جواب هذا، إن كان، هو قوله :﴿ إنه لا يفلح الظالمون ﴾ كنى بالظلم عن السحر.
يقول، والله أعلم : ليس بسحر لأني قد غلبتكم، وقهرتكم، وقد أفلحت أنا. ولو كان سحرا ما أتيتكم به لم أفلح ؛ إذ الله تعالى أخبر أن الساحر لا يفلح بقوله :﴿ إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ﴾ بطه : ٦٩ ] وقال أيضا :﴿ ما جئتم به السحر ﴾ الآية [ يونس : ٨١ ] وقد أصلح عملي، فظهر أنه ليس بفساد، ولكنه جواب قوله :﴿ ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار ﴾ ما ذكر في سورة المص [ حين قال ]٢ ﴿ وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقاتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون ﴾ [ الأعراف : ١٢٧ ] فقال عند ذلك ﴿ ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار ﴾ أنتم أو نحن.
ويكون٣ ﴿ ربي أعلم بمن جاء بِالْهُدَى من عنده ﴾ جوابا لقوله :﴿ وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ﴾ [ غافر : ٢٩ ] والله أعلم.
١ - في الأصل وم: ثم قال..
٢ - في الأصل وم: حيث قالوا..
٣ - في الأصل وم: ويقول..
[ الآية ٣٨ ] وقوله تعالى :﴿ وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري ﴾ كأنه قال : للملإ خصوصيته لهم لأنه كان اتخذ للأتباع أصناما يعبدونها، وجعل للملإ نفسه إلها١ لما لم ير الأتباع أهلا لعبادة نفسه، جعل لهم عبادة الأصنام، ورأى الملأ أهلا لذلك، فخصهم، ومنه اتخذت العرب عبادة الأصنام دون الله لما لم يروا أنفسهم أهلا لعبادة الله، وقالوا :﴿ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ﴾ [ الزمر : ٣ ].
وقوله تعالى :﴿ فأوقد لي يا هامان على الطين فأجعل لي صرحا ﴾ قال أهل التأويل :
أول من اتخذ الآجر هو، ولا نعلم ذلك [ حقيقة، ويحتمل ] ٢ أن يكون قبل ذلك.
وقوله تعالى :﴿ فاجعل لي صرحا ﴾ أي قصرا ﴿ لعلي أطلع إلى إله موسى ﴾ كان يعرف أنه ليس بإله السماء والأرض، إذ لا يملك ذلك، فكأنه أراد بقوله ﴿ ما علمت لكم من إله غيري ﴾ قومه وأهله خاصة.
[ وقوله تعالى ] ٣ :﴿ وإني لأظنه من الكاذبين ﴾ كان جميع ما كان بين موسى وفرعون من الكلام كان على الظن كقوله :﴿ إني لأظنك يا موسى مسحورا ﴾ وكذلك قال موسى ﴿ وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ﴾ [ الإسراء : ١٠١و١٠٢ ].
١ - في الأصل وم: والهيته..
٢ - من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: يحتمل..
٣ - ساقطة من الأصل وم..
[ الآية ٣٩ ] وقوله تعالى :﴿ واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق ﴾ الاستكبار هو ألا يرى لنفسه شكلا ولا نظيرا، وهو كذلك كان، لا يرى لنفسه شكلا ولا نظيرا لأنه يدعي لنفسه الربوبية والألوهية، واستكبار قومه لما استعبدوا بني إسرائيل واستخدموهم، أو استكبروا [ على ] ١ أن يخضعوا لموسى، ويجيبوا له إلى ما يدعوهم إليه٢ ﴿ وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ﴾.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - أدرج في الأصل وم بعدها: وقوله تعالى..
[ الآية ٤٠ ] [ وقوله تعالى ] ١ ﴿ فأخذناه وجنوده ﴾ أخذ تعذيب وإهلاك ﴿ فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ﴾ يعذبون بظلمهم.
١ - ساقطة من الأصل وم..
[ الآية ٤١ ] وقوله تعالى :﴿ وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ﴾ ذكر في هؤلاء أنه جعلهم أئمة في الشر، وذكر في الرسل وأهل الخير أنه جعلهم أئمة في الخير حين١ قال :﴿ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات ﴾ [ الأنبياء : ٧٣ ] وقال٢ :﴿ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ﴾ [ آل عمران : ١٠٤ ].
فكان من الله تعالى من أهل الخير صنع ومعنى حتى صاروا بذلك أئمة الخير ما لم يكن ذلك منه بأهل الشر وأئمة السوء.
فهذا على المعتزلة لأنهم يقولون : لم يكن من الله إلى الرسل وقادة الخير إلا وقد كان ذلك منه إلى كل كافر وفاسق. فلو كان على ما قالوا لكان لا يحتمل أن يصير هؤلاء/ ٣٩٨- أ/ أئمة الخير وأولئك أئمة الشر بأعمالهم أيضا، وإن كان ما مَنَّ الله عليهم على السواء. لكن يضاف ذلك إلى الله بأسباب تكون منه. وكانت حقيقة ذلك منهم وبعلمهم نحو ﴿ إنما تنذر من اتبع الذكر ﴾ [ يس : ١١ ] أضاف إنذاره إلى من اتبع الذكر، وإن كان رسول الله [ أنذر من اتبع الذكر ] ٣ ومن لم يتبع.
وكذلك ما قال في الشيطان٤ : إنما يدعو الحزبين جميعا. لكنه أضاف دعاءه إلى حزبه لما منهم تكون له الإجابة، وأضاف إنذار رسول الله إلى من اتبعه، وقبله، لطاعتهم له.
فعلى ذلك الأول ؛ أضاف ذلك إل نفسه لفعلهم. لكن عندنا لا يكون من الخالق٥ في فعل الخلق حقيقة الفعل، إنما يكون منهم الأسباب، ويكون من الله تعالى في أفعالهم الأسباب وحقيقة الفعل، فتكون إضافة ذلك إلى الله على حقيقة الفعل والأسباب جميعا، وإلى الخلق لأسباب تكون منهم إليهم.
والثاني إنما خص بالإنذار من اتبع الذكر لأنه إنما يقصد بالإنذار [ من تبعه لا من يتبعه ]٦ وكذلك الشيطان إنما يقصد بدعائه إياهم ضررهم. وإن كان الرسول ينذر الخلق جميعا الذي يتبعه والذي لا يتبعه. وكذلك الشيطان يدعو الحزبين جميعا ؛ لأن هذا يقصد ضررهم بما يدعوهم إليه.
ألا ترى أنه قال :﴿ إنما يدعوحزبه ليكونوا من أصحاب السعير ﴾ ؟ [ فاطر : ٦ ] والرسول بما ينذر يقصد نفعهم ؛ لذلك خص الإنذار لمن اتبعه، وخص في ذلك حزبه.
وقوله تعالى :﴿ أئمة يدعون إلى النار ﴾ تصريحا لأنهم لو دعوهم إلى النار لا يجيبونهم، ولكن يدعونهم إلى أعمال توجب لهم النار، لو أجابوهم. وهو كقوله :﴿ فما أصبرهم على النار ﴾ [ البقرة : ١٧٥ ]. أي ما أصبرهم على عمل، يستوجبون به بالنار.
وقوله تعالى :﴿ ويوم القيامة لا ينصرون ﴾ كأن الشيطان مناهم النصر والشفاعة بعبادة الأصنام، فيخبر أنهم لا ينصرون لما مناهم.
١ - في الأصل وم: حيث..
٢ - من م، في الأصل: وما قال..
٣ - في الأصل وم: ينذر..
٤ - في الأصل وم: الشياطين..
٥ - في الأصل وم: الخلق..
٦ - ساقطة من الأصل وم..
[ الآية ٤٢ ] وقوله تعالى :﴿ وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ﴾ وهو ما عذبوا في الدنيا، واستؤصلوا ﴿ ويوم القيامة هم من المقبوحين ﴾ قال بعضهم : مسودة١ وجوههم.
وجائز أن يكون٢ ذلك جزاء ما افتخروا في هذه بالحلي والزينة، وطعنوا في موسى، وجوابا٣ لهم حين٤ قالوا :﴿ فولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ﴾ [ الزخرف : ٥٣ ] يخبر أنهم يكونون في الآخرة على غير الحال التي كانوا في الدنيا، وافتخروا بها.
وقال بعضهم : القبوح٥ هو السواد مع الزرقة.
١ - في الأصل وم: مسودون..
٢ - من م، في الأصل: يكونوا..
٣ - الواو ساقطة من الأصل وم..
٤ - في الأصل وم: حيث..
٥ - في الأصل وم: المقبوح..
[ الآية ٤٣ ] وقوله تعالى :﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ﴾ من نحو عاد وثمود وهؤلاء الذين كانوا من قبل من الأمم، أي أرسلناه بعد هلاك من ذكر.
[ وقوله تعالى ]١ :﴿ بصائر للناس ﴾ [ يحتمل وجهين :
أحدهما :] ٢ يشبه أن يكون قوله :﴿ بصائر للناس ﴾ أي هلاك من ذكر من القرون الأولى بصيرة وعبرة لمن يكون من بعدهم ليزجرهم ذلك عن تكذيب الرسل، ويكون ذلك آية لرسالة موسى.
والثاني :[ يشبه ] ٣ أن يكون قوله :﴿ بصائر للناس ﴾ أي الكتاب [ الذي ] ٤ آتاه الله موسى هو بصائر ﴿ للناس وهدى ورحمة ﴾ لهم إذا قبلوه، واتبعوه، وعملوا به. وكذلك كان جميع كتب الله هدى ورحمة وبصيرة لمن آمن بها، وعمل بها.
وجائز أن يكون هذا جواب وصلة لقولهم :﴿ وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ﴾ [ القصص : ٣٦ ] يقول، والله أعلم، إنكم لو تسمعون ذلك في آبائكم الذين اتبعوا رسلكم، فأجابوهم. فأما من كذبوهم فإنا أهلكناهم بتكذيبهم الرسل، واستأصلناهم، والله أعلم.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - ساقطة من الأصل وم..
٤ - ساقطة من الأصل وم..
[ الآية ٤٤ ] وقوله تعالى :﴿ وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ﴾ قال بعضهم :﴿ بجانب الغربي ﴾ حيث تغرب الشمس والقمر والنجوم، والشرقي حيث تشرق الشمس وتطلع. وقال بعضهم :﴿ بجانب الغربي ﴾ أي بجانب الوادي الغربي والله أعلم ما أراد به.
[ الآيتان ٤٥ و٤٦ ] وقوله تعالى :﴿ ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين ﴾ أي مقيما ﴿ وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ﴾ يحتمل وجوها :
أحدهما : إنك لم تكن شاهدا هذه المشاهد التي شهدها وموسى حين١ قضينا إلى موسى الأمر بجانب الغربي، ولم تكن شاهدا هنالك ﴿ وما كنت ثاويا في أهل مدين ﴾ حتى تعلم أمر موسى ووحيه٢ ﴿ وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ﴾ موسى٣، أي لم تكن شاهدا هذه المشاهدة التي كان موسى شاهدا فيها. ثم أعلمناك بتلك الأنباء والأخبار على ما كنت لتتلوا تلك الأنباء والأخبار على [ أهل ] ٤ مكة، فتكون آية لنبوتك وحجة لرسالتك، إذ لم تشهدها، ولا اختلفت إلى أحد ممن يعرفها، فعلمك، ثم أنبأت، ليعرفوا أنك إنما عرفت بالله تعالى.
والثاني : يحتمل أن يذكر هذا له امتنانا عليه ليستأدي به شكره لأنه أنه أوحى إلى موسى، وذكر محمدا وأمته في شرفه حتى تمنى موسى أن يجعله٥ من أمته. يقول، والله أعلم : لم تكن أنت شاهدا في هذه المشاهدة، فذكرتك ثمة وأمتك.
[ والثالث : يحتمل ] ٦ أن يذكر هذا له على الاختصاص ليعرف أن أمر الرسل والوحي إليهم على الاختصاص لهم من الله، لا بأمر كان منهم.
على هذه الوجوه الثلاثة يحتمل أن يخرج تأويل ما ذكره له.
وقال بعض أهل التأويل في قوله :﴿ وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ﴾ يقول لمحمد : لم تعاين هذا، ولم تشهده، وإنما هو شيء، أنزلناه عليك لتتلوه على أهل مكة.
وقوله تعالى :﴿ ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر ﴾ هذا ليس بصلة بالأول، ولكن على الابتداء. يقول، والله أعلم :﴿ ولكنا أنشأنا قرونا ﴾ بعد انقراض الرسل ودروس أعلامهم وآثارهم، وتطاول العهد والعمر، ثم بعثناك فيهم رسولا لنحيي بك٧ آثارهم، وتظهر فيهم سنتهم وأعلامهم رحمة منا إليهم، وهو ما قال في آخره :﴿ ولكن رحمة من ربك ﴾ أي أرسلنا إياك رحمة منا لهم. وهم ما قال :﴿ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ﴾ [ الأنبياء : ١٠٧ ] أو يكون قوله :﴿ ولكن رحمة من ربك ﴾ أي ما أنبأك، وأعلمك من أنباء موسى وأخباره حين٨ لم تشهدها من رحمة ربك حين٩ جعلها آية لنبوتك وحجة لرسالتك، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ﴾ هذا يحتمل [ وجوها :
أحدهما ] ١٠ :﴿ لتنذر قوما ما ﴾ أنذر به الرسل الذين من قبلك قومهم.
والثاني :﴿ لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ﴾ أي على رجاء التذكر تنذرهم.
[ والثالث ] ١١ : يكون ذلك خاصة لمن تذكر إذا كان على الإيجاب.
١ - في الأصل وم: حيث..
٢ - في الأصل وم: وحينه..
٣ - في الأصل: موسى ونحوه، في م: يا موسى ونحوه..
٤ - من م، ساقطة من الأصل..
٥ - في الأصل وم: يجعل..
٦ - في الأصل وم: أو..
٧ - في الأصل وم: به..
٨ - في الأصل وم: حيث..
٩ - في الأصل وم: حيث..
١٠ - في الأصل وم: وجهين أحدهما..
١١ - في الأصل وم: أو أن..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:[ الآيتان ٤٥ و٤٦ ] وقوله تعالى :﴿ ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين ﴾ أي مقيما ﴿ وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ﴾ يحتمل وجوها :
أحدهما : إنك لم تكن شاهدا هذه المشاهد التي شهدها وموسى حين١ قضينا إلى موسى الأمر بجانب الغربي، ولم تكن شاهدا هنالك ﴿ وما كنت ثاويا في أهل مدين ﴾ حتى تعلم أمر موسى ووحيه٢ ﴿ وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ﴾ موسى٣، أي لم تكن شاهدا هذه المشاهدة التي كان موسى شاهدا فيها. ثم أعلمناك بتلك الأنباء والأخبار على ما كنت لتتلوا تلك الأنباء والأخبار على [ أهل ] ٤ مكة، فتكون آية لنبوتك وحجة لرسالتك، إذ لم تشهدها، ولا اختلفت إلى أحد ممن يعرفها، فعلمك، ثم أنبأت، ليعرفوا أنك إنما عرفت بالله تعالى.
والثاني : يحتمل أن يذكر هذا له امتنانا عليه ليستأدي به شكره لأنه أنه أوحى إلى موسى، وذكر محمدا وأمته في شرفه حتى تمنى موسى أن يجعله٥ من أمته. يقول، والله أعلم : لم تكن أنت شاهدا في هذه المشاهدة، فذكرتك ثمة وأمتك.
[ والثالث : يحتمل ] ٦ أن يذكر هذا له على الاختصاص ليعرف أن أمر الرسل والوحي إليهم على الاختصاص لهم من الله، لا بأمر كان منهم.
على هذه الوجوه الثلاثة يحتمل أن يخرج تأويل ما ذكره له.
وقال بعض أهل التأويل في قوله :﴿ وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ﴾ يقول لمحمد : لم تعاين هذا، ولم تشهده، وإنما هو شيء، أنزلناه عليك لتتلوه على أهل مكة.
وقوله تعالى :﴿ ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر ﴾ هذا ليس بصلة بالأول، ولكن على الابتداء. يقول، والله أعلم :﴿ ولكنا أنشأنا قرونا ﴾ بعد انقراض الرسل ودروس أعلامهم وآثارهم، وتطاول العهد والعمر، ثم بعثناك فيهم رسولا لنحيي بك٧ آثارهم، وتظهر فيهم سنتهم وأعلامهم رحمة منا إليهم، وهو ما قال في آخره :﴿ ولكن رحمة من ربك ﴾ أي أرسلنا إياك رحمة منا لهم. وهم ما قال :﴿ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ﴾ [ الأنبياء : ١٠٧ ] أو يكون قوله :﴿ ولكن رحمة من ربك ﴾ أي ما أنبأك، وأعلمك من أنباء موسى وأخباره حين٨ لم تشهدها من رحمة ربك حين٩ جعلها آية لنبوتك وحجة لرسالتك، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ﴾ هذا يحتمل [ وجوها :
أحدهما ] ١٠ :﴿ لتنذر قوما ما ﴾ أنذر به الرسل الذين من قبلك قومهم.
والثاني :﴿ لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ﴾ أي على رجاء التذكر تنذرهم.
[ والثالث ] ١١ : يكون ذلك خاصة لمن تذكر إذا كان على الإيجاب.
١ - في الأصل وم: حيث..
٢ - في الأصل وم: وحينه..
٣ - في الأصل: موسى ونحوه، في م: يا موسى ونحوه..
٤ - من م، ساقطة من الأصل..
٥ - في الأصل وم: يجعل..
٦ - في الأصل وم: أو..
٧ - في الأصل وم: به..
٨ - في الأصل وم: حيث..
٩ - في الأصل وم: حيث..
١٠ - في الأصل وم: وجهين أحدهما..
١١ - في الأصل وم: أو أن..

[ الآية ٤٧ ] وقوله تعالى :﴿ ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم ﴾ لا ينتظم الجواب، وليس ما ذكر على إثره جوابا له إلا أن يقال : إن قوله :﴿ ولولا أن تصيبهم مصيبة ﴾ وذلك جائز في اللغة كقوله :﴿ ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ﴾ [ النور : ١٦ ] أي لم تقولوا : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، وقوله :﴿ ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم ﴾ [ النور : ١٤ ] أي لم يمسهم.
وجميع ما ذكر في هذه السورة من :﴿ ولولا ﴾ معناه١ : لم يكن : لم يكن. فعلى ذلك جائز أن يكون تأويل قوله :﴿ ولولا أن تصيبهم مصيبة ﴾ أي لم تصبهم مصيبة، ولو أصابتهم مصيبة، وهو العذاب ﴿ فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا ﴾ وهو كقوله ﴿ ولو أنا /٣٩٨ ب/ أهلكناهم بعذاب من قبله، لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا ﴾ [ طه : ١٣٤ ] على هذا يخرج تأويل هذا.
ثم في هذه الآية في قوله :﴿ ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله ﴾ [ دلالة وحجة وجهين ]٢ :
أحدهما : على من يقول : إنه٣ ليس لله أن يعذبهم بما كان منهم قبل بعث الرسل إليهم ﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾ [ الإسراء : ١٥ ] وفي الآية بيان : له أن يعذبهم، وإن لم يبعث الرسل، لأنه أوعدهم الهلاك، فلو لم يكن له التعذيب والإهلاك لم يكن للإيعاد [ معنى ]٤. فدل أن له الإهلاك في الدنيا والاستئصال. لكنه أخره عنهم فضلا منه ورحمة.
والثاني : على المعتزلة في قولهم [ بوجوب ]٥ الأصلح لأنه لا يخلو : إما أن يكون ما أوعدهم أصلح لهم من الترك، وإما الترك لهم أصلح.
فإن كان ما أوعد لهم أصلح [ وقد تركه ]٦ فيكون في تركه٧ إياهم جائز على قولهم، لأنه لم يفعل ما هو أصلح لهم في الدين.
أو إن يكن٨ الترك لهم أصلح فيكون بما أوعدهم جائزا، إذ أوعد بما كان غيره أصلح لهم مما أوعد فدل ما ذكرنا على أن ليس على الله حفظ الأصلح لهم في الدين.
ثم قوله :﴿ بما قدمت أيديهم ﴾ ليس الكفر نفسه، ولكن العناد والمكابرة مع الكفر لأن عذاب الكفر في الآخرة، ليس في الدنيا، لأن الله قد أبقى كثيرا من الكفرة لم يهلكهم، ولم يعذبهم في الدنيا، ولكن إنما أهلك، واستأصل في الدنيا من عاند، وكابر الرسل في الآيات والحجج التي [ أتوهم بها ] ٩ وأقاموها عليهم على إثر سؤال كان منهم. فعند ذلك أهلكهم، واستأصلهم، لا بنفس الكفر.
ثم مع ما كان له التعذيب قبل بعث الرسل لم يعذبهم، ولكن أخر عنهم إلى أن بعث الرسل بالآيات والحجج ليقطع به لجاجتهم ومنازعتهم فضلا منه، وإن لم يكن لهم الاحتجاج عليه١٠ بقولهم :﴿ لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين ﴾.
ويحتمل١١ قوله ﴿ فنتبع آياتك ﴾ الآيات التي تبعث مع الرسل لأنه يبعث الرسل بالآيات.
وجائز أن يكون قوله :﴿ فنتبع آياتك ﴾ يعنون بالآيات الرسل [ أنفسهم لأنهم آيات الله وحججه ]١٢ والله أعلم.
١ - في الأصل وم: كله إنه..
٢ - من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: وجهان..
٣ - في الأصل وم: بان..
٤ - من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
٥ - من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
٦ - في الأصل: فقد تركتم، في م: فقد تركه..
٧ - في الأصل وم: تركهم..
٨ - في الأصل وم: يكون..
٩ - في الأصل وم: أتوها بهم..
١٠ - في الأصل وم: عليهم..
١١ - الواو ساقطة من الأصل وم..
١٢ - من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: لأنفسهم حجج..
[ الآية ٤٨ ] وقوله تعالى :﴿ فلما جاءهم الحق من عندنا ﴾ جائز أن يكون الحق الذي ذكر الرسول نفسه. ويحتمل ﴿ الحق ﴾ الكتاب الذي أنزل عليه وآياته١.
وقوله تعالى :﴿ هلا أوتي مثل ما أوتي موسى ﴾ هذا يحتمل وجوها :
أحدهما : قالوا : هلا أوتي محمد من أنواع [ النعم ]٢ من المن والسلوى وغيرهم٣ من غير تكلف ولا تعب ﴿ مثل ما أوتي موسى ﴾ لو كان رسولا على ما يقول.
[ والثاني ]٤ : أن يقولوا ﴿ لولا أوتي ﴾ من الآيات الحسيات الظاهرات من نحو اليد والعصا والحجر الذي كان يتفجر منه الماء والغمام وما ذكر من الضفادع والقمل والدم والطوفان وغير ذلك ﴿ مثل ما أوتي موسى ﴾.
[ والثالث ]٥ : أن يقولوا ﴿ لولا أوتي ﴾ محمد القرآن جملة عيانا جهارا كما أوتي موسى التوراة جملة عيانا جهارا، والله أعلم بذلك : بما عنوا به.
ثم بين الله تعالى، وأخبر أنهم إنما يسألون ما سألوه سؤال عناد ومكابرة لا سؤال استرشاد وطلب [ للحق حين ]٦ قال :﴿ أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ﴾ أي ألم يكفر هؤلاء الذين سألوك الآيات بما أوتي موسى ؛ يعني أهل مكة، لأنهم كانوا مشركين، لم يؤمنوا برسول قط من قبل.
ويحتمل قوله :﴿ أولم يكفروا ﴾ أي ألم يكفر قوم موسى بما أوتي موسى بعد سؤالهم الآيات إذ أتاهم بها. فعلى ذلك هؤلاء يكفرون بما أوتيت. والأول أشبه.
[ وقوله تعالى ]٧ :﴿ قالوا سحران تظاهرا ﴾ وقد قرئ : ساحران بالألف٨. قال بعضهم : ساحران موسى وهارون، [ وقال بعضهم ]٩ : موسى ومحمد، وقال بعضهم : عيسى ومحمد.
وقوله تعالى :﴿ سحران ﴾ بغير ألف كتابان. لكنهم اختلفوا. قال بعضهم : التوراة والإنجيل. وقال بعضهم : الفرقان والتوراة ونحوه. وقال بعض أهل الأدب أيضا : ساحران أولى وأقرب، لأن ذكر التظاهر إنما يكون بين الأنفس، لا يكون بين الكتب ؛ تظاهرا أي تعاونا. وقال بعضهم من أهل الأدب أيضا : سحران بغير ألف أولى لأنه أراد به الكتابين.
ألا ترى أنه طلب منهم بما قالوا إتيان الكتاب [ حين قال ]١٠ :﴿ قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما ﴾ ؟ رد على ما قالوا، وطلبوا منه.
لكن نقول نحن : لا نحب أن تختار إحدى القراءتين على الأخرى، لأنه إنما هو خبر، أخبر عنهم أنهم قالوا ذلك ؛ فمرة قالوا : سحران، ومرة قالوا : ساحران. فأخبر على ما قالوا. وكذلك قوله :﴿ سيقولون لله قل أفلا تتقون ﴾ [ المؤمنون : ٨٧ ] بالألف ﴿ الله ﴾ وغير الألف ﴿ لله ﴾١١ لا يختار أحدهما على الآخر لأنه خبر، أخبر عنهم على ما كان منهم فهو على ما أخبر، والله أعلم.
وقال بعض أهل التأويل : في قوله :﴿ لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ﴾ قالت يهود : نأمر قريشا أن تسأل أن يؤتى محمد مثل ما أوتي موسى، يقول الله لرسوله : قل لقريش : قولوا١٢ لهم :﴿ أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ﴾ يعني يهود ﴿ قالوا سحران تظاهرا ﴾ قال : قول يهود لموسى وهارون، وهو مما ذكرنا قريب، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ إنا بكل كافرون ﴾ بما أوتي موسى على اختلاف ما ذكرنا.
١ - في الأصل وم: وآيات..
٢ - من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
٣ - في الأصل وم: وغيره..
٤ - في الأصل وم: أو..
٥ - في الأصل وم: أو.
٦ - في الأصل وم: الحق حيث..
٧ - في الأصل وم: ثم..
٨ - انظر معجم القراءات القرآنية ج٥/ ٢٦..
٩ - ساقطة من الأصل وم..
١٠ - في الأصل وم: حيث قالوا..
١١ - انظر معجم القراءات ج٤/٢٢١..
١٢ - في الأصل وم: يقولوا..
[ الآية ٤٩ ] وقوله١ تعالى :﴿ قل ﴾ يا محمد لقريش أهل مكة ﴿ قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما ﴾ من التوراة والإنجيل على اختلاف ما قالوا ﴿ أتبعه إن كنتم صادقين ﴾ في زعمكم أنهما ساحران تظاهرا وأنه مفترى. ائتوا أنتم من عند الله بكتاب أتبعه. إلى هذا ذهب أهل التأويل.
ووجه آخر يشبه أن يكون أقرب منه، وهو أن قوله :﴿ فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه ﴾ [ أي ائتوا بكتاب ]٢ من عند الله أمركم٣ بعبادة الأصنام والأوثان، لأنهم كانوا يعبدون الأصنام دون الله، ويقولون : الله أمرهم بذلك ﴿ ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ﴾ [ يونس : ١٨ ] وإن عبادتهم تقربهم ﴿ إلى الله زلفى ﴾ [ الزمر : ٣ ] ونحوه من الكلام.
فيكون٤، والله أعلم ﴿ فأتوا بكتاب من عند الله ﴾ أنه أمركم بذلك ﴿ هو أهدى منهما ﴾ أي أبين منهما، وأوضح من هذين، لأن هذين إنما جاءا بنهي عبادة غير الله ؛ منعها دونه. يقول : ائتوا بكتاب، هو أهدى وأبين مما جاء فيه من هذين ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ أن الله أمركم بذلك، وتكون عبادتكم إياها على ما تزعمون. هذا جزاء أن يكون أقرب من الأول والله أعلم.
١ - في الأصل وم: ثم قال..
٢ - من م، في الأصل: الكتاب..
٣ - أدرج قبلها في الأصل وم: أنه..
٤ - في الأصل وم: فيقول..
[ الآية ٥٠ ] [ وقوله تعالى ]١ :﴿ فإن لم يستجيبوا لك ﴾ في إتيان ما تطلب منهم، وتسأل من الكتاب ﴿ فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ﴾ بغير علم، وهم كانوا يعلمون أنهم إنما يتبعون في عبادة الأصنام وتحريم الحلال وتحليل الحرام أهواءهم، ويجعلون هواهم هو الإمام ؛ إذ لا يؤمنون برسول حتى يكون لهم كتاب.
ثم قال :﴿ ومن أضل ممن اتبع هواه ﴾ أي لا أحد أضل ممن اتبع هواه ﴿ بغير هدى من الله ﴾ أي من غير بيان من الله ﴿ إن الله لا يهدي القوم الظالمين ﴾ أي ؛ والله أعلم، إن الله لا يهدي قوما يتبعون أهواءهم، لا يتبعون الحجج والبراهين، لا يهديهم ما داموا في اتباع هواهم، أو لا يهدي الذي [ هم ]٢ ظلمة الحجج والبراهين، والله أعلم.
١ - من م، ساقطة من الأصل.
٢ - ساقطة من الأصل وم..
[ الآية ٥١ ] وقوله تعالى :﴿ ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون ﴾ اختلف فيه : قال قائلون : هو القرآن. ثم يخرج على وجهين :
أحدهما : وصل القرآن بعضه ببعض حتى خرج كله موافق بعضه بعضها مصدقا غير مختلف، وإن فرق في الإنزال على تباعد الأوقات وطول المدد ﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ أن مثل هذا لا يكون إلا ممن يعلم الغيب، ولا يعزب/ ٣٩٩- أ/ عنه شيء، ولا يغيب ؛ إذ لو كان هو ممن لا يعلم ذلك من كلام المخلوق لخرج مختلفا متناقضا على ما يقول من كلام المخلوق في تباعد الوقت وطول المدة مختلفا متناقضا.
والثاني : وصل مواعظ القرآن بعضها ببعض ومواعيده بعضها ببعض وعداته بعضها ببعض. وكذلك أوامره ونواهيه، وإن تفرق نزولها، واختلفت مواضعها ؛ يدوعهم [ لما يدعوهم به مرة بعد ]١ مرة ﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ به.
ومنهم من يقول في قوله :﴿ ولقد وصلنا لهم القول ﴾ أي الأنباء وأخبار الأمم الخالية نبأ [ بعد نبإ ]٢ وخبرا على إثر خبر ما نزل بمكذبي الرسل منهم من الهلاك والعذاب ومصدقي الرسل من النجاة والبقاء في النعم الدائمة على إقرار منهم بذلك وعلم أنه كان بهم ذلك ﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ ذلك، وينزجرون عن تكذيب رسولهم مخافة أن ينزل بهم التكذيب ما نزل بأولئك.
وجائز أن يكون قوله :﴿ وصلنا لهم القول ﴾ أي قول التوحيد. ووجه هذا أن وصلنا التوحيد [ حتى جعلنا في كل أمة وكل قوم أهل توحيد ]٣ لم نخل قوما ولا أمة عنه كقوله تعالى :﴿ ولكل قوم هاد ﴾ [ الرعد : ٧ ]، وكقوله :﴿ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق ﴾ [ الأعراف : ١٥٩ ] ونحو ذلك من الآيات على أن [ في ]٤ كل أمة وقرن أهل توحيد ﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ أن في آبائهم من قد آمن بالرسل، وصدق بهم، ولا يقولون : إن آباءنا على ما نحن٥ عليه. يشبه أن يكون هذا وصل القول الذي ذكر ﴿ ولقد وصلنا لهم القول ﴾.
قال أبو عوسجة والقتبي :﴿ ولقد وصلنا لهم القول ﴾ أي أتبعنا بعضه بعضا، واتصل عندهم. وقال بعضهم :﴿ ولقد وصلنا ﴾ أي بينا شيئا فشيئا حتى صار عندهم ظاهر. وقال أبو معاذ : وصلنا في كلام العرب : أتممنا كصلتك الشيء بالشيء.
١ - من نسخة الحرم المكي، في الأصل به، في م: به مرة بعد..
٢ - من م، ساقطة من الأصل..
٣ - من م ساقطة من الأصل وم..
٤ - ساقطة من الأصل وم..
٥ - في الأصل وم: هم..
[ الآية ٥٢ ] وقوله تعالى :﴿ الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ﴾ وقال في آية أخرى :﴿ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ﴾ [ البقرة : ١٤٦ ] وقال في آية أخرى :﴿ فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ﴾ [ العنكبوت : ٤٧ ] وقال :﴿ يحرفون الكلم عن مواضعه ﴾ وأمثاله.
يذكر في هذه الآيات أن من أهل الكتاب من لم يؤمن [ به ]١ ويذكر في الأولى على الإطلاق :﴿ الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ﴾.
جائز أن يكون قوله :﴿ الذين أتيناهم الكتاب ﴾ وانتفعوا به يؤمنون به، أو أن يكون [ قوله ]٢ ﴿ الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ﴾ [ البقرة : ١٢١ ] وأما من لم يتله حق تلاوته فلا يؤمن.
فأما أهل التأويل فإنهم صرفوا الآية إلى قوم خاص من أهل الكتاب : عبد الله ابن سلام وأصحابه الذين آمنوا به. ويشبه أن تكون الآية في قوم منهم.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
[ الآية ٥٣ ] ألا ترى أنه قال على إثره ﴿ وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ﴾ ؟ يذكر أهل التأويل أنهم كانوا آمنوا به قبل أن يبعث محمد. فلما بعث ثبتوا على ذلك، وآمنوا على ما كانوا من قبل. وفيه دلالة أن الإيمان والإسلام واحد، لأنهم قالوا :﴿ آمنا به ﴾ وقالوا :﴿ إنا كنا من قبله مسلمين ﴾ دل أنهما واحد، وكذلك قوله :﴿ فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ﴾ ﴿ فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ﴾ [ الذاريات : ٣٥و٣٦ ] وهما١ واحد ؛ ذكر مرة الإيمان ومرة الإسلام، دل أنهما واحد.
١ - في الأصل وم: هم..
[ الآية ٥٤ ] وقوله تعالى :﴿ أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبرو ﴾ هذا يحتمل وجوها ثلاثة :
أحدهما : يؤتون أجرهم مرة بالإسلام ومرة بما صبروا على زوال الرئاسة منهم وذهابها ؛ لأنهم كانوا أهل رئاسة ومنزلة وقدر، فذهب ذلك كله عنهم بالإسلام، فلهم الأجر مرتين لذلك.
والثاني :﴿ يؤتون أجرهم مرتين ﴾ مرة بالإسلام، ومرة [ بما صبروا، وجاهدوا في تقوية دين الله، حتى ]١ صاروا قدوة وأئمة لمن بعدهم، يقتدون بهم ؛ أحد الأجرين بإسلام أنفسهم، والثاني بدعائهم غيرهم إليه، على ما يعاقب الرؤساء منهم والقادة، ويضاعف العذاب عليهم مرتين : مرة بضلال أنفسهم ومرة بإضلال غيرهم كقوله :﴿ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ﴾ [ النحل : ٢٥ ].
[ والثالث ]٢ : جائز أن يكون إيتاء الأجر مرتين [ مرة بالإسلام ومرة بما يصبرون حتى يصيروا ]٣ أئمة وقدوة لغيرهم٤ في الخير، ويضاعف عليهم العذاب إذا صاروا أئمة وقدوة في الشر.
ألا ترى أنه قال في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ﴾ ؟ [ الأحزاب : ٣٠ ] وذلك، والله أعلم، بما يصرن هن أئمة لغيرهن يقتدين بهن. فعلى ذلك الأول.
وجائز أن يكون ﴿ يؤتون أجرهم مرتين ﴾ بالإسلام نفسه، ويكون الصبر كناية عن الإيمان كقوله :﴿ إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات ﴾ [ هود : ١١ ] أي آمنوا، وأسلموا.
وأما أهل التأويل فإنهم يقولون :﴿ يؤتون أجرهم مرتين ﴾ مرة بإيمانهم بمحمد قبل أن يبعث، ومرة بإيمانهم بعدما بعث. والأول أشبه. وقال بعضهم :﴿ يؤتون أجرهم مرتين ﴾ مرة بإسلامهم ومرة بما صبروا وتحملوا٥ أذى أولئك الكفرة، ولم يكافئوهم، بل خاطبوهم بخير [ حين قالوا ]٦ :﴿ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ﴾ [ القصص : ٥٥ ].
وروي في بعض الأخبار عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل آمن بنبي، ثم إذا بعث نبي آخر آمن به، ومملوك لرجل يخدمه، ويحسن خدمته، ويعبد ربه ورجل ربى جاريته، ثم أعتقها، فتزوجها ) [ البخاري : ٣٠١١ ].
وقوله تعالى :﴿ ويدرءون بالحسنة السيئة ﴾ هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : يحسنون إليهم بعد إساءتهم إليهم وأذاهم إياهم على ما كانوا يفعلون، ويصنعون إليهم قبل ذلك.
والثاني :﴿ ويدرءون بالحسنة السيئة ﴾ أي يعفون عن أذاهم، ويكافئونهم، فيكون كقوله :﴿ خذ العفو وأمر بالعرف ﴾ الآية [ الأعراف : ١٩٩ ].
والأول كقوله :﴿ ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ﴾ [ فصلت : ٣٤ ].
وقوله تعالى :﴿ ومما رزقناهم ينفقون ﴾ أي ينفقون في حق الله وسبيل الخير. وإلا كل كافر ينفق كقوله :﴿ مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ﴾ الآية [ آل عمران : ١١٧ ].
١ - من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
٢ - في الأصل وم: و..
٣ - في الأصل وم: لما يصيرون..
٤ - من م، في الأصل: لغير..
٥ - في الأصل وم: وحكموا على..
٦ - في الأصل وم: حيث قال..
[ الآية ٥٥ ] وقوله تعالى :﴿ وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ﴾ هذا أيضا يحتمل وجهين :
[ أحدهما ]١ : إذا سمعوا منهم من الكلام ما يتأذون من كلام اللغو والأذى والفتنة أعرضوا عنه، أي [ لا ] ٢ يكافئونهم لأذاهم.
والثاني : إذا سمعوا ما يلغون به من الباطل أعرضوا عنه، أي لم يخالطوهم في ما هم فيه، فليس أنهم لا ينهون عن المنكر، ولا يمنعونهم عن ذلك إذا رأوا النهي ينجع فيهم. وإذا رأوا لا ينجع فيهم فعند ذلك أعرضوا عنه، وهو كقوله :﴿ وإذا مروا باللغو مروا كراما ﴾ [ الفرقان : ٧٢ ].
وقوله تعالى :﴿ وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ﴾ يقولون هذا لهم إذا لم ينجع النهي والموعظة، ولم يقبلوا ذلك. عند ذلك يقولون :﴿ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ﴾ أي لكم جزاء أعمالكم ولنا جزاء أعمالنا. وكذلك قوله :﴿ لكم دينكم ولي دين ﴾ [ الكافرون : ٦ ]. لم يقل هذا لهم في ابتداء الدعاء، ولكن بعد ما أيس من إيمانهم وإجابتهم. فعلى ذلك الأول.
وقوله تعالى :﴿ سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ﴾ هذا يشبه أن يخرج على/٣٩٩- ب/ وجهين :
أحدهما : على القول منهم : السلام عليكم٣، أي كانوا لا يخاطبون الجهال، ولا يخالطونهم إلا بالسلام خاصة. بهذا القدر يخالطونهم فحسب٤.
والثاني : ليس على حقيقة قول : السلام عليكم٥، ولكن على الصلح وترك المكافأة لهم وقولهم إياهم على ما هم عليه ؛ إذ السلام هو الصلح، والله أعلم.
وقال بعضهم : ردوا عليهم معروفا [ بمقابلة ما وجدوا منهم من الأذى، وقالوا ]٦ :﴿ لا نبتغي الجاهلين ﴾ يعنون : لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - في الأصل وم: عليهم..
٤ - الفاء ساقطة في الأصل وم..
٥ - في الأصل وم: عليهم..
٦ - ساقطة من الأصل وم..
[ الآية ٥٦ ] وقوله تعالى :﴿ إنك لا تهدي من أحببت ﴾ : ذكر أهل التأويل أن هذا نزل في أبي طالب عم النبي ( وذلك أن أبا طالب قال : يامعشر بني هاشم أطيعوا محمدا وصدقوه تفلحوا وترشدوا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم، وتدعها لنفسك ! قال : فقال له : ما تريد يا ابن أخي ؟ قال : أريد منك كلمة واحدة في آخر يوم من الدنيا : أن تقول لا إله إلا الله ؛ أشهد لك بها عند الله. قال : يا ابن أخي قد علمت إنك لصادق ؛ ولكن أكره أن يقال : جزع عند الموت. ولولا أن يكون عليك وعلى بني أبيك وأخيك غضاضة ومسبة بعدي لقلتها، ولأقرت بها عينك عند الفراق ؛ لما رأيت من شدة وجدك ونصيحتك. ولكن سوف أموت على ملة الأشياخ فلان وفلان ) [ بنحوه مسلم ٢٤/٤٢ ] ؛ فأنزل الله ذلك :﴿ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ﴾.
فهو على المعتزلة لأنهم يقولون : إن الهدى : البيان. ولو كان بيانا على ما يقولون لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدر أن يبين له ؛ وقد بين. لكن الجبائي يحتج لهم فيتأول ويقول : إن رسول الله كان يحرص أن يدخله الجنة ؛ فيقول : إنك لا تهدي طريق الجنة له حتى يدخلها، أو كلام يشبه هذا ؛ وذلك بعيد. وقال جعفر بن حرب : هذا ليس في ابتداء الهداية ؛ ولكن في اللطائف التي تخرج مخرج الثواب لهم لما كان منهم من الاهتداء في البدء والأنف، كقوله :﴿ والذين اهتدوا زادهم هدى ﴾ الآية [ محمد : ١٧ ] ؛ فيخبر أنك لا تملك الهداية اللطيفة التي تخرج مخرج الثواب أن تهديهم. فيقال له : أخبرنا عن تلك الزيادة التي تخرج مخرج الثواب لما كان منهم من الاهتداء في الابتداء [ هل ]١ تنفع لهم دون الابتداء ؟ فإن قال٢ : نعم [ فالرد في وجهين :
أحدهما : يقال له ]٣ : فذلك عليه أن يفعل بهم ؛ إذ من قولكم ٤ أن عليه يعطي كل كافر ما ينفعه، ويصلح له في دينه، فكيف منع ذلك ينفعهم ؟
والثاني : يقال له ٥ : إن تلك الزيادة التي تخرج مخرج الثواب لهم واللطائف على ما كان منهم في الابتداء يستوجبها أو لا يستوجبها ؟ فإن كان يستوجبها فلا معنى للمنع على [ قولكم، لأنكم تقولون ]٦ : إن على الله أن يعطي ذلك. وإن كان لا يستوجبها فلا معنى لقوله :﴿ ولكن الله يهدي من يشاء ﴾ على قولكم٧ ؛ فيبطل الاحتجاج به على قولكم ٨.
وعندنا : زيادة الهداية ابتداؤها سواء [ هو ]٩ على ما أخبر رسوله أنه لا يهديه. ولكن لو كانت الهداية بيانا على ما قالوا لكان قد بين لهم ؛ فدل ذلك منه أن ثم هداية سوى البيان عند الله إذا أعطى العبد يصير مؤمنا ؛ وهو التوفيق والعصمة والسداد. وذلك لا يملكه رسول الله : إن شاء ذلك أو ابتداءه ؛ بل الله هو المالك لذلك.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - في الأصل وم: قالوا..
٣ - في الأصل وم: فيقال لهم..
٤ - في الأصل وم: قولهم..
٥ - في الأصل وم: لهم..
٦ - في الأصل وم: قولهم لأنهم يقولون..
٧ - في الأصل وم: قولهم..
٨ - في الأصل وم: قولهم..
٩ - من م، ساقطة من الأصل..
[ الآية ٥٧ ] وقوله تعالى :﴿ وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ﴾ دل قولهم :﴿ إن نتبع الهدى معك ﴾ هو على أنهم عرفوا ما جاء به رسول الله، ويدعوهم إليه، هو الهدى حين١ قالوا :﴿ إن نتبع الهدى معك ﴾ وقوله تعالى :﴿ نتخطف من أرضنا ﴾ يخرج لهم هذا وجهين :
أحدهما : أي نهلك، ونفنى جوعا، إذا خالفنا أهل الآفاق في الدين، لأن أرزاقهم وما به قوام أبدانهم إنما يحمل، ويمار من الآفاق. فيقولون : إنا إذا اتبعنا الهدى معك، وخالفناهم في الدين، فأهل الآفاق منعونا الميرة، فنهلك، ونموت جوعا، فذلك تخطفهم من الأرض.
والثاني : قالوا ذلك مخافة أن يغزوا، ويؤسروا، أو يقتلوا إذا خالفوا أهل الآفاق والأطراف في الدين، واتبعوا الهدى مخافة الأسر والقتل.
فأجابهم الله، ورد عليهم اعتلالهم في الوجهين.
فقال [ في الوجه الأول ]٢ ﴿ أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ﴾ يقول، والله أعلم : إنا جعلناهم في الحرم آمنين، وما يمتار إليهم من أنواع الثمرات باللطف، لا بموافقة الدين.
ألا ترى أنهم مع موافقة الدين كانوا يتخطفون الناس منهم حين٣ قال في آية أخرى :﴿ أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ﴾ ؟ [ العنكبوت : ٦٧ ] أخبر أنهم مع موافقتهم في الدين كانوا يتخطفون. دل أنه إنما جعل لهم الحرم مأمنا والميرة إليهم باللطف لا بالموافقة في الدين حتى [ لا يتعرض ]٤ لأهل الحرم في الحرم ولا خارجا منه، ولا يتعرض من دخل الحرم بشيء ليعلم أنه كان ذلك باللطف من الله لا بالموافقة.
[ وفي ]٥ الثاني : إنه مع ما كانوا يعبدون الأصنام دون الله فيه، لا يمنعهم الرزق، ويؤمنهم فيه ؛ فلأن يفعل ذلك بهم عند عبادتهم [ الله تعالى وتركهم عبادة ]٦ غيره أحق أن يرزقوا، ويأمنوا فيه.
وقوله تعالى :﴿ يجبى إليه ثمرات كل شيء ﴾ أي من كل جنس ونوع من الثمرات يجبى إليه. وظاهره أن يجبى إليه من كل شيء أرفعه وأنفعه ؛ وذلك [ ثمره، أن ثمر ]٧ كل شيء أرفعه وأنفعه. يقال : ثمرة الشيء كذا، وثمرة هذا الكلام كذا، أي ما ينتفع من هذا هذا، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾ أي ولكن أكثرهم لا يعلمون أن٨ أي ما يحمل إليهم من الآفاق، ويجبى إليهم من الثمرات والأطعمة إنما هو باللطف لا بموافقة الدين. وكذلك لا يعلمون أن أمنهم فيه باللطف لا بموافقة الدين، والله أعلم.
١ - في الأصل وم: حيث..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - في الأصل وم: حيث..
٤ - من م، في الأصل: يتعرضوا..
٥ - في الأصل وم: و..
٦ - من م، ساقطة من الأصل..
٧ - في الأصل وم: ثمرته لأن ثمرة..
٨ - في الأصل وم: أي..
[ الآية ٥٨ ] وقوله تعالى :﴿ وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها ﴾ قال بعضهم : كفرت معيشتها، لم ترض معيشتها. وفيه إضمار : في ؛ أي بطرت [ في ]١ معيشتها، فانتصب لانتزاع حرف : في. وتأويله٢، والله أعلم : أي : كم أهلكنا من قرية، بطر أهلها في معيشتهم٣ حتى صرفوا شكرهم [ إلى غير الذي ]٤ أنعم عليهم، وجعلوا عبادتهم٥ لغير الذي جعل لهم السعة والرخاء.
فأنتم يا أهل مكة إذا بطرتم، وأشرتم في سعتكم وخصبكم، تهلكون كما أهلك من كان قبلكم، وهو ما قال :﴿ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ﴾ الآية [ الأنعام : ٤٤ ].
وقوله تعالى :﴿ فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا ﴾ من القريات قريات إذا هلك أهلها أسكن غيرهم فيها نحو قريبات فرعون وغيره، جعل مساكنهم لبني إسرائيل حين٦ قال :﴿ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها ﴾ الآية [ الأعراف : ١٣٧ ] وقال٧ :﴿ وأورثنا بني إسرائيل ﴾ [ غافر : ٥٣ ].
ومن القريات ما جعلها خربة معطلة، لم يسكن غيرهم [ فيها ]٨ نحو قريات لوط وغيره.
وقوله تعالى :﴿ وكنا نحن الوارثين ﴾ أي الباقين. والوارث هو الباقي في اللغة على ما ذكرنا آنفا في غير موضع. وقوله :﴿ وكنا نحن الوارثين ﴾ يخرج على وجهين٩ :
أحدهما : إخبار عن هلاك أهل الأرض وفنائهم وبقائه١٠، وهو كقوله :﴿ إنا نحن نرث الأرض ﴾ [ مريم : ٤٠ ] [ وقوله ]١١ :﴿ إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ﴾ [ الأعراف : ١٢٨ ].
والثاني : إخبار عن هلاك أولئك وجعلها لغيرهم أي للمتقين كقوله١٢ :﴿ إن الأرض/ ٤٠٠- أ/ لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ﴾ والله أعلم.
قال أبو عوسجة :﴿ نتخطف من أرضنا ﴾ أي نؤخذ. وقوله :﴿ يجبى إليه ﴾ من الجباية، أي يجمع، يقال : جبيت، أجبي جباية و : جبا. وأجبى يجبي، أي حاز يحوز. [ وقوله ]١٣ :﴿ بطرت معيشتها ﴾ أي لم ترض بمعيشتها.
وقال القتبي : أي أشرت، وقالا :﴿ في أمها رسولا ﴾ [ القصص : ٥٩ ] أي [ في ]١٤ أكثرها وأعظمها قدرا، وهي مكة، والنبي منهم، والكتاب أنزل عليهم. وقالا : وإمها : كلمة لا يتكلم بها أحد، يعنون بالكسر١٥.
١ - من م، ساقطة من الأصل..
٢ - الواو ساقطة من الأصل..
٣ - في الأصل وم: معيشتها..
٤ - ساقطة من الأصل وم..
٥ - في الأصل وةم: عبادتها..
٦ - في الأصل وم: حيث..
٧ - في الأصل وم: وقوله..
٨ - من م، ساقطة من الأصل..
٩ - أدرج في الأصل بعدها: في هذا..
١٠ - في الأصل وم: ويبقي، في م: ويبقى..
١١ - ساقطة من الأصل وم..
١٢ - من م، في الأصل: لقوله..
١٣ - ساقطة من الأصل..
١٤ - من م، ساقطة من الأصل..
١٥ - انظر معجم القراءات القرآنية ج٥/٢٩..
[ الآية ٥٩ ] وقوله تعالى :﴿ وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا ﴾ [ يحتمل وجهين :
[ أحدهما ]١ : جائز أن تكون تلك القرى التي أخبر أنه غير مهلكها ﴿ حق يبعث في أمها رسولا ﴾ القريات التي هن حول مكة ؛ لا يهلك ﴿ القرى حتى يبعث في أمها رسولا ﴾ قيل في أعظمها، وهي مكة ﴿ يتلوا عليهم آياتنا ﴾.
فإن كان هذا فيكون الإهلاك لها الانتزاع من أيديهم وجعلها في أيدي أهل الإسلام على ما كان، لأن الله كان يفتح على رسوله قرية فقرية وبلدة فبلدة حتى جعل الكل في أيدي المسلمين، وهو ما قال :﴿ ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دراهم حتى يأتي وعد الله ﴾ [ الرعد : ٣١ ] وهو وعد فتح مكة. وذلك إهلاكهم.
والثاني : جائز أن يكون هذا [ في ]٢ كل القرى وجميع الرسل ؛ أنه كان لا يهلكها بالكفر نفسه حتى يبعث في أكبرها وأعظمها، وهي المصر ﴿ رسولا يتلوا عليهم آياتنا ﴾ وذلك يشبه قوله٣ :﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾ [ الإسراء : ١٥ ].
وإنما ذكر بعث الرسول في أمها لأنه بعث الرسول في أعظمها، وهو المصر، ينتشر، وينتهي في الآفاق والصغائر منها والقرى لما أنهم يدخلون المصر لحوائجهم، فيتهيأ للرسول تلاوة الآيات عليهم والدعاء لهم، وإذا كان بعض القرى لا يتهيأ لها٤ ذلك، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ﴾ أي معاندون مكابرون، لا نهلكهم إهلاك تعذيب بنفس الكفر في الدنيا حتى يكون منهم العناد والمكابرة، إنما يعذبون عذاب الكفر في الآخرة، وهو العذاب الأبد.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - في الأصل وم: كقوله..
٤ - في الأصل وم: لهم..
[ الآية ٦٠ ] وقوله تعالى :﴿ وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى ﴾إنهم كانوا يتفاخرون بما أتوا من السعة ومتاع الدنيا، وأهل الزهد والتقوى آثروا الباقي الموعود في الآخرة على متاع الدنيا وزينتها.
[ الآية ٦١ ] ولذلك قال :[ أفمن وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا } فجواب هذا أن يقال : بل الموعود الحسن الملاقي بالذي له عاقبة خير من المتاع الفاني الذي ليست له عاقبة. لكنه لم يذكر له عاقبة. فجوابه ما ذكرنا.
ثم كل استفهام كان من الله فهو على الإيجاب في الحقيقة، ليس على الاستفهام.
وقوله تعالى :﴿ ثم هو يوم القيامة من المحضرين ﴾ أي يحضر١ في النار. وقيل :﴿ من المحضرين ﴾ أي المعذبين، وكلاهما واحد.
١ - في الأصل وم: يحضر..
[ الآية ٦٢ ] وقوله تعالى :﴿ ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ﴾ قوله :﴿ شركائي الذين ﴾ في زعمكم أنهم شركائي حين١ أشركتموهم في العبادة وتسمية الألوهية. وإلا لم يكن لله شريك ﴿ فيقول أين شركائي الذين ﴾ زعمتم أنهم٢ شركائي ؟
ثم قوله :﴿ أي شركائي ﴾ إنما يقول٣ لهم لقولهم :﴿ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ﴾ [ الزمر : ٣ ] وقولهم :﴿ هؤلاء شفعاؤنا عند الله ﴾ [ يونس : ١٨ ] فيقول : أين شفاعة من زعمتم أنهم شفعاؤكم عند الله ؟ وأين قربتكم وزلفاكم بعبادتكم إياها٤ زعمتم أن عبادتكم إياها تقربكم إلى الله زلفى ؟ أين ذلك لكم منهم ؟
١ - في الأصل وم: حيث..
٢ - من م، في الأصل: أنتم..
٣ - في الأصل وم: يقال..
٤ - في الأصل وم: حيث..
[ الآية ٦٣ ] وقوله تعالى :﴿ قال الذين حق عليهم القول ﴾ يحتمل قوله :﴿ حق عليهم القول ﴾ القول الذي قال :﴿ لأملأن جهنم منكم أجمعين ﴾ [ الأعراف : ١٨ ].
وجائز أن يكون قوله :﴿ حق عليهم القول ﴾ أي وجب عليهم العذاب كقوله :﴿ وإذا وقع القول عليهم ﴾ [ النمل : ٨٢ ] أي وجب عليهم وكقوله :﴿ ووقع القول عليهم بما ظلموا ﴾ [ النمل : ٨٥ ] أي وجب العذاب عليهم بما ظلموا، ونحوه.
ثم اختلف في الذين حق عليهم القول : فمنهم من يقول : هم رؤساء الكفرة وأئمتهم الذين أضلوا أتباعهم، ودعوهم إلى الضلال. ومنهم من يقول : هم شياطين الجن. وللفريقين جميعا في الكتاب ذكر :
قال في أئمتهم :﴿ إذ تبرأ الذين من الذين اتبعوا ﴾ [ البقرة : ١٦٦ ] وقال :﴿ قال أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ] وأمثال هذا كثير.
وقال في شياطين الجن :﴿ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقبض له شيطانا فهو له قرين ﴾ [ الزخرف : ٣٦ ] وقال :﴿ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ﴾ الآية [ الصافات : ٢٢ ] ونحوه كثير أيضا.
وقوله تعالى :﴿ ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا ﴾ يعتذرون : أنه لم يكن منا إليهم إلا الدعاء والإشارة إلى الغواية، وهو قول إبليس اللعين وخطبته يومئذ حين١ قال :﴿ وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ﴾ الآية [ إبراهيم : ٢٢ ].
فعلى ذلك هؤلاء يقولون : لم يكن منا عليهم سوى الدعاء بلا برهان ولا حجة، فاتبعونا، فلا تلومونا، ولوموا أنفسكم حين٢ تركتم إجابة الرسل، ومعهم براهين وحجج، وأجبتمونا بلا حجة ولا برهان، فأغويناكم كما غوينا، ولو كنا على الهدى لهديناكم، كقولهم :﴿ لو هدانا الله لهديناكم ﴾ [ إبراهيم : ٢١ ].
وقوله تعالى :﴿ تبرأنا إليك ما كانا إيانا يعبدون ﴾ يتبرؤون : أنا لم نأمرهم بالعبادة لنا، وإلا كانوا عبدونا٣.
ثم إن للمعتزلة أدنى تعلق بهذه الآية لأنهم يقولون : إنما أضافوا الغواية إلى أنفسهم حين٤ قالوا :﴿ أغوينا أغويناهم كما غوينا ﴾ دل أن الله لا يغوي أبدا.
فيقال لهم : إنا لا نضيف، ولا نجيز إضافة الغواية إلى الله في ما يخرج مخرج الذم، وإنما نضيف في ما يخرج مخرج المدح له والثناء عليهم.
ثم قد أضاف إبليس الغواية إليه، ولم ينكر عليه حين٥ قال :﴿ رب بما أغويتني ﴾ [ الأعراف : ١٦ والحجر : ٣٩ ] في غير موضع، وقال :﴿ تضل بها من تشاء ﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ] ونحوه كثير في القرآن. فما خرج مخرج المدح له والثناء عليه يضاف إليه، وما خرج مخرج الذم فلا. وقد ذكرنا هذا في غير موضع، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ حق عليهم القول ﴾ يوم قال لإبليس :﴿ لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ﴾ [ ص : ٨٥ ]. ثم قالت الشياطين في الآخرة :﴿ ربنا هؤلاء الذين أغوينا ﴾ يعنون كفار بني آدم ؛ هؤلاء الذين أضللناهم هن الهدى كما ضللنا ﴿ تبرأنا إليك ﴾ منهم يا رب ﴿ ما كانوا إيانا يعبدون ﴾ تبرأت الشياطين ممن كان يعبدها فقالوا : لم نأمرهم بعبادتنا.
١ - في الأصل وم: حيث..
٢ - في الأصل وم: حيث..
٣ - في الأصل وم: عبدوهم..
٤ - في الأصل وم: حيث..
٥ - في الأصل وم: حيث..
[ الآية ٦٤ ] [ وقوله تعالى ]١ ﴿ وقيل ﴾ لكفار بني آدم :﴿ ادعوا شركاءكم ﴾ يقول : سلوا الآلهة التي سميتموها آلهة، ﴿ فدعوهم ﴾ أي سألوهم، فلم تجبهم٢ الآلهة بأنها آلهة، وقوله :﴿ أين شركائي الذين كنتم تزعمون ﴾ في الدنيا أن معي شركاء على ما ذكرنا من قبل، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وقيل ادعوا شركاءكم ﴾ [ يحتمل ]٣ ﴿ شركاءكم ﴾ في الخلقة، و﴿ شركاءكم ﴾ في العبادة : ادعوهم [ ليشفعوا لكم، ويقربوكم ]٤ إلى الله على ما زعمتم في الدنيا ﴿ فدعوهم فلم يستجبوا لهم ﴾ أي لم يشفعوا لهم، ولم يستجيبوا، لما لم يجعل في وسعهم الإجابة لهم واجبا كائنا في الآخرة.
وقوله تعالى :﴿ ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ﴾ تأويله [ في وجوه :
أحدهما : لو رأوا ]٥ العذاب في الدنيا لكانوا يهتدون، ولكن لم يروه. هذا وجه.
ووجه آخر : أنهم لم يصدقوا بالعذاب في الدنيا، ولو صدقوه لاهتدوا مخافة نزول العذاب بهم.
والثالث : لو أنهم كانوا مهتدين في الدنيا ما رأوا العذاب في الآخرة، والله أعلم.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - من م، في الأصل: يجيبوا..
٣ - من م، ساقطة من الأصل..
٤ - في الأصل وم: ليشفعوكم ويقربكم..
٥ - في الأصل: أي رأى، في م: أي رأوا..
الآيتان ٦٥ و٦٦ ] وقوله تعالى :﴿ ويوم/ ٤٠٠- ب/ يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ﴾ ﴿ فعميت عليهم الأنباء ﴾ اختلف فيه :
قال قائلون : إنما يسألون عن إجابتهم الرسل : ماذا أجبتموهم ؟ على علم منه أنهم ماذا أجابوهم ؟ ﴿ فعميت عليهم الأنباء ﴾ أي الإجابة، فلا تتهيأ لهم الإجابة لهول ذلك [ اليوم ]١ وفزعهم.
وقال بعضهم : إنما يسألون عن الحجة والعذر الذي به كانوا تركوا إجابة الرسل، فيقال لهم : لأي حجة وعذر تركتم إجابتهم.
[ وقوله تعالى ]٢ :﴿ فهم لا يتساءلون ﴾ قال بعضهم : لا يسأل بعضهم بعضا، بل يتبرأ بعضهم من بعض، ويكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا٣ على ما ذكر في الكتاب٤.
وقال بعضهم :﴿ فهم لا يتساءلون ﴾ بالأنساب يومئذ لما لا حجة لهم، ولا برهان ؛ أي لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج لأن الله أدحض حججهم، وكلل ألسنتهم.
وقال بعضهم :﴿ فهم لا يتساءلون ﴾ بالأنساب يومئذ كما كانوا يتساءلون في الدنيا كقوله :﴿ فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ﴾ [ المؤمنون : ١٠١ ] والله أعلم بذلك.
ثم إن بعض المعتزلة تكلموا فيه، وقالوا : لو كان الأمر على ما قاله القدريون والجبريون في المشيئة والإرادة لكان يسهل لهم الاحتجاج، ويهون لهم العذر، فيقولون : يا ربنا أجبنا من نفذ من مشيئتك وإرادتك وما مضى من قضائك وكتابك علينا إذ كنت أنت قضيت، وكتبت علينا، وشئت، وأردت، بما٥ كان منا من التكذيب لهم وترك الإجابة، فلم يكن لنا تخلص مما شئت أنت، وقضيت علينا.
إلى هذا الخيال يذهب جعفر بن حرب. وهذا منه٦ تعليم لأولئك الكفرة الحجاج بالباطل والكذب بين يدي رب العالمين للتكذيب الذي كان منهم.
ثم يقال : لو كان لهم ذلك الحجاج على زعمكم فلا يكون ذلك لهم بقولنا، ولكن إنما يكون بكتاب الله وسنة رسوله وقول المسلمين أجمعين حين٧ قالوا : ما شاء الله كان، وما٨ لم يشأ لم يكن.
وبكتاب الله ذكر٩ في غير آية من القرآن [ قوله ]١٠ :﴿ يهدي به من يشاء من عباده ﴾ [ الأنعام : ٨٨ ] وقوله :﴿ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ﴾ [ القصص : ٥٦ ] وقوله :﴿ ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ﴾ [ الأنعام : ٣٥ ] وقوله :﴿ ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم ﴾ الآية [ يونس : ٩٩ ] وأمثاله مما لا يحصى من الآيات. فإن كان لهم ذلك فإنما يكون بما ذكر لا بقولنا.
وأصله أنه لا يكون لهم هذا النوع من الاحتجاج لأنهم وقت لا يعقلون بأن الله شاء ذلك لهم، أو قضى، وكتب ذلك عليهم، وهم يودون، ويحبون وقت فعلهم أن يشاء الله ذلك منهم، ويرضى. فإن كانوا وقت فعلهم لا يعقلون ذلك فكيف يكون لهم الحجاج على ما كانوا يفعلون ذلك١١ ؟ لكن هذا منهم تعليم الكذب لهم ليكذبوا بين يدي رب العالمين على ما ذكر.
وأصل قولنا في هذا : أنا نقول : إنه شاء من كل ما علم أنه يكون منه ؛ إذ لا يجوز أن يشاء منه خلاف علمه١٢ أنه يكون لأن فيه أحد وجهين : إما الجهل بالعواقب وإما العجز فيه، وذلك من الله منفيان. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وأصله ما روي عن أبي حنيفة. رحمه الله، أنه قال : بيننا وبين القدرية حرفان :
هما١٣ : أنا نقول : إن الله أعلم ما يكون أنه يكون. فإن قالوا : لا كفروا لأنهم جهلوا الله، وإن قالوا : بلى، فيقال لهم : وشاء أن يكون. فإن١٤ قالوا : لا كفروا لأنهم يقولون : شاء أن يجهل ذلك، [ وإن قالوا : بلى ]١٥ لزمهم قولنا في المشيئة والإرادة لله في ذلك.
قال أبو عوسجة والقتبي :﴿ فعميت ﴾ بالتخفيف أي خفيت فعميت بالتشديد١٦ أي أخفيت.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - من م، في الأصل ببعض..
٤ - إشارة إلى قوله تعالى: ﴿ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا﴾ [العنكبوت: ٢٥]..
٥ - في الأصل وم: ما..
٦ - ساقطة من م..
٧ - في الأصل وم: حيث..
٨ - الواو ساقطة من الأصل..
٩ - أدرج قبلها في الأصل وم: ما..
١٠ - ساقطة من الأصل وم..
١١ - في الأصل وم: لا لذلك..
١٢ - في الأصل وم: علم..
١٣ - في الأصل: أحدهما، ولعل الحرفين: لا وبلى الآتيان..
١٤ - في الأصل وم: فإنه..
١٥ - من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
١٦ - انظر معجم القراءات القرآنية ج٥/ ٣٠..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:الآيتان ٦٥ و٦٦ ] وقوله تعالى :﴿ ويوم/ ٤٠٠- ب/ يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ﴾ ﴿ فعميت عليهم الأنباء ﴾ اختلف فيه :
قال قائلون : إنما يسألون عن إجابتهم الرسل : ماذا أجبتموهم ؟ على علم منه أنهم ماذا أجابوهم ؟ ﴿ فعميت عليهم الأنباء ﴾ أي الإجابة، فلا تتهيأ لهم الإجابة لهول ذلك [ اليوم ]١ وفزعهم.
وقال بعضهم : إنما يسألون عن الحجة والعذر الذي به كانوا تركوا إجابة الرسل، فيقال لهم : لأي حجة وعذر تركتم إجابتهم.
[ وقوله تعالى ]٢ :﴿ فهم لا يتساءلون ﴾ قال بعضهم : لا يسأل بعضهم بعضا، بل يتبرأ بعضهم من بعض، ويكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا٣ على ما ذكر في الكتاب٤.
وقال بعضهم :﴿ فهم لا يتساءلون ﴾ بالأنساب يومئذ لما لا حجة لهم، ولا برهان ؛ أي لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج لأن الله أدحض حججهم، وكلل ألسنتهم.
وقال بعضهم :﴿ فهم لا يتساءلون ﴾ بالأنساب يومئذ كما كانوا يتساءلون في الدنيا كقوله :﴿ فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ﴾ [ المؤمنون : ١٠١ ] والله أعلم بذلك.
ثم إن بعض المعتزلة تكلموا فيه، وقالوا : لو كان الأمر على ما قاله القدريون والجبريون في المشيئة والإرادة لكان يسهل لهم الاحتجاج، ويهون لهم العذر، فيقولون : يا ربنا أجبنا من نفذ من مشيئتك وإرادتك وما مضى من قضائك وكتابك علينا إذ كنت أنت قضيت، وكتبت علينا، وشئت، وأردت، بما٥ كان منا من التكذيب لهم وترك الإجابة، فلم يكن لنا تخلص مما شئت أنت، وقضيت علينا.
إلى هذا الخيال يذهب جعفر بن حرب. وهذا منه٦ تعليم لأولئك الكفرة الحجاج بالباطل والكذب بين يدي رب العالمين للتكذيب الذي كان منهم.
ثم يقال : لو كان لهم ذلك الحجاج على زعمكم فلا يكون ذلك لهم بقولنا، ولكن إنما يكون بكتاب الله وسنة رسوله وقول المسلمين أجمعين حين٧ قالوا : ما شاء الله كان، وما٨ لم يشأ لم يكن.
وبكتاب الله ذكر٩ في غير آية من القرآن [ قوله ]١٠ :﴿ يهدي به من يشاء من عباده ﴾ [ الأنعام : ٨٨ ] وقوله :﴿ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ﴾ [ القصص : ٥٦ ] وقوله :﴿ ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ﴾ [ الأنعام : ٣٥ ] وقوله :﴿ ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم ﴾ الآية [ يونس : ٩٩ ] وأمثاله مما لا يحصى من الآيات. فإن كان لهم ذلك فإنما يكون بما ذكر لا بقولنا.
وأصله أنه لا يكون لهم هذا النوع من الاحتجاج لأنهم وقت لا يعقلون بأن الله شاء ذلك لهم، أو قضى، وكتب ذلك عليهم، وهم يودون، ويحبون وقت فعلهم أن يشاء الله ذلك منهم، ويرضى. فإن كانوا وقت فعلهم لا يعقلون ذلك فكيف يكون لهم الحجاج على ما كانوا يفعلون ذلك١١ ؟ لكن هذا منهم تعليم الكذب لهم ليكذبوا بين يدي رب العالمين على ما ذكر.
وأصل قولنا في هذا : أنا نقول : إنه شاء من كل ما علم أنه يكون منه ؛ إذ لا يجوز أن يشاء منه خلاف علمه١٢ أنه يكون لأن فيه أحد وجهين : إما الجهل بالعواقب وإما العجز فيه، وذلك من الله منفيان. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وأصله ما روي عن أبي حنيفة. رحمه الله، أنه قال : بيننا وبين القدرية حرفان :
هما١٣ : أنا نقول : إن الله أعلم ما يكون أنه يكون. فإن قالوا : لا كفروا لأنهم جهلوا الله، وإن قالوا : بلى، فيقال لهم : وشاء أن يكون. فإن١٤ قالوا : لا كفروا لأنهم يقولون : شاء أن يجهل ذلك، [ وإن قالوا : بلى ]١٥ لزمهم قولنا في المشيئة والإرادة لله في ذلك.
قال أبو عوسجة والقتبي :﴿ فعميت ﴾ بالتخفيف أي خفيت فعميت بالتشديد١٦ أي أخفيت.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - من م، في الأصل ببعض..
٤ - إشارة إلى قوله تعالى: ﴿ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا﴾ [العنكبوت: ٢٥]..
٥ - في الأصل وم: ما..
٦ - ساقطة من م..
٧ - في الأصل وم: حيث..
٨ - الواو ساقطة من الأصل..
٩ - أدرج قبلها في الأصل وم: ما..
١٠ - ساقطة من الأصل وم..
١١ - في الأصل وم: لا لذلك..
١٢ - في الأصل وم: علم..
١٣ - في الأصل: أحدهما، ولعل الحرفين: لا وبلى الآتيان..
١٤ - في الأصل وم: فإنه..
١٥ - من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
١٦ - انظر معجم القراءات القرآنية ج٥/ ٣٠..

[ الآية ٦٧ ] وقوله تعالى :﴿ فأما من تاب وآمن وعمل صالحا ﴾ أي فأما من رجع عما كان فيه من الشرك والكفر ﴿ وآمن ﴾ بالذي دعاهم الرسل، وأجابهم ﴿ وعمل صالحا ﴾ في ما بينه وبين ريه ﴿ فعسى أن يكون من المفلحين ﴾ يحتمل رجوع ﴿ فعسى ﴾ إلى ذلك الرجل الذي نعته [ بقوله :﴿ فأما من تاب وآمن ﴾ الآية ]١ على رجاء القبول والفلاح ؛ يفعل ما يفعل من التوبة والعمل الصالح.
[ ويحتمل ]٢ أن يقال ما قال أهل التأويل : إن : عسى من الله واجب ؛ وهو ما ذكرنا أن كل استفهام كان من الله فهو على اللزوم والوجوب. فعلى ذلك حرف : لعل، وإن كان حرف شك في الظاهر، فهو من الله على الوجوب واليقين.
قال أبو معاذ : الفلاح في كلام العرب البقاء، ويقال : النجاة، وقد ذكرنا في غير موضع.
١ - من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: يقول..
٢ - في الأصل وم: أو..
[ الآية ٦٨ ] وقوله تعالى :﴿ وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخبرة ﴾ يقول، والله أعلم : وربك يختار للرسالة من يشاء، ويجتبيه لها، فيجعلهم رسلا ﴿ ما كان لهم الخبرة ﴾ يقول : لم يكن لهم أن [ يختاروا ويصطفوا من يشاؤون، ولكن الله ]١ يختار، ويصطفي، من يشاء، رد لقولهم :﴿ لولا نزل هذا القرآن ﴾ الآية [ الزخرف : ٣١ ] إلى هذا ذهب بعضهم.
وجائز أن يكون هذا في كل أمر، أي وربك يختار ما يشاء، ويأمر ﴿ ما كان لهم الخيرة ﴾ من أمره أي التخلص والنجاة من أمره كقوله :﴿ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ﴾ [ الأحزاب : ٣٦ ] والقضاء ههنا أمر، لكنه يحتمل وجهين :
أحدهما : على الوقف [ في ]٢ قوله :﴿ وربك يخلق ما يشاء ويختار ﴾ والابتداء من قوله :﴿ ما كان لهم الخيرة ﴾ من أمرهم. فإن كان على هذا فتكون ما ههنا : جحدا أي لم يكن لهم الخيرة من أمرهم.
والثاني : على الصلة ؛ ليس على الجحد، فيكون تأويله :﴿ وربك يخلق ما يشاء ﴾ ﴿ ويختار ﴾ الذي لهم الخيرة : أن يكون الوقف على هذا على قوله :﴿ وربك يخلق ما يشاء ﴾ ثم يقول :﴿ ويختار ﴾ الذي لهم الخيرة. قال أبو معاذ : قرئ : الخيرة بجزم الياء وبتحريكها :﴿ الخيرة ﴾٣.
ثم قوله :﴿ وربك يخلق ما يشاء ويختار ﴾ على المعتزلة من وجهين :
أحدهما : ما أجمعوا أن الله قد شاء جميع ما يفعله العباد من الخيرات والطاعات. فإذا جاز ذلك دل أنه خلقها إذ أخبر أنه ﴿ يخلق ما يشاء ﴾ [ آل عمران : ٤٧ و. . . ] وقد شاء الخيرات، فدل ذلك على خلق أفعال العباد. لكنهم يقولون [ في ]٤ قوله :﴿ يخلق ما يشاء ﴾ إذا خلقه٥ وكذلك يقولون في قوله :﴿ إن الله على كل شيء قدير ﴾ [ البقرة : ٢٠ و. . . ] إن خلقه٦ أو كلام نحو هذا. فئن جاز لهم هذا من الزيادة جاز لكل أحد مثله. فذلك بعيد.
[ والثاني ]٧ : على قولهم : أكثر الأشياء ليست بمخلوقة الله، وهو على أكثر الأشياء غير قدير، لأن أفعال الخلق، لا شك أنها أكثر من أنفسهم. فأخبر أنه ﴿ على كل شيء قدير ﴾ وأنه ﴿ يخلق ما يشاء ﴾ وأن هذا خرج منه مخرج الامتداح له والثناء عليه بما له من السلطان والقدرة على الخلق كلهم.
فلو كان على ما يقول المعتزلة : لم يكن هذا مدحا له ولا ثناء بالسلطان والقدرة إذ هو على قولهم : على أكثر الأشياء ليس بقادر على ما ذكرنا.
ثم نزه نفسه، وبرأها، عما قالوا فيه، وأشركوا غيره في ألوهيته وربوبيته وفي عبادته، فقال :﴿ سبحان الله وتعالى عما يشركون ﴾.
١ - في م: يختاروا هم ولكن الله، ساقطة من الأصل..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - انظر معجم القراءات القرآنية ج٥/٣٠ و٣١..
٤ - ساقطة من الأصل وم..
٥ - الضمير عود على خلق أفعال العباد..
٦ - الضمير عود على خلق أفعال العباد..
٧ - في الأصل وم: و..
[ الآية ٦٩ ] وقوله١ تعالى :﴿ وربك يعلم ما تكن صدروهم وما يعلنون ﴾ هذا يخرج على الوعيد لهم والتنبيه ليكونوا على حذر في ما يسرون وما يعلنون، والله أعلم.
١ - في الأصل وم: وقال..
[ الآية ٧٠ ] وقوله تعالى :﴿ وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم ﴾ قوله :﴿ وله الحكم ﴾ كقوله :﴿ ويختار ما كان هلم الخيرة ﴾ وقد ذكرنا أن قوله :﴿ يختار ما كان لهم الخير ﴾ /٤٠١- أ/ من أمرهم يخرج على وجهين :
أحدهما : له الاختيار في أمرهم، لا لهم الاختيار في أمرهم، ولا يملكون هم ما يختار لهم دفعه.
والثاني : هو يختار لهم الخيرة في أمرهم لأنه هو العالم بمصالح أمورهم، وما يرجع إلى الأوفق والأنفع، هم لا يعرفون ذلك. فعلى ذلك قوله :﴿ وله الحكم ﴾ في الدنيا والآخرة لأن أنفس الخلائق له دونهم، فله الحكم في أمورهم وأفعالهم كما له الحكم في أحوالهم، لأنه لا يلحقه الخطاب في حكمه ؛ إذ هو عالم بذاته، ولا تلحقه التهمة أيضا في دفع مضرة أو جر نفع [ لأنه غني بذاته ]١ فله الحكم في الدارين جميعا. والله الموفق.
وقوله تعالى :﴿ له الحمد في الأولى والآخرة ﴾ هذا يخرج على وجوه :
أحدهما : ما قاله أهل التأويل : إن أولياءه يحمدونه في الدنيا والآخرة ؛ [ حين يقولون ]٢ ﴿ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾ الآية [ فاطر : ٣٤ ] يقولون [ ذلك ]٣ إذا دخلوا الجنة.
والثاني : ما٤ قال بعضهم :﴿ في الأولى والآخرة ﴾ يقول : في السماوات والأرض. وتصديقه قول الله :﴿ وله الحمد في السماوات والأرض ﴾ [ الروم : ١٨ ] وقوله٥ :﴿ يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض ﴾ [ الجمعة : ١ ] وقوله :﴿ تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ].
والثالث :﴿ له الحمد في الأولى والآخرة ﴾ وهو أن جعل الدنيا مشتركة بين الأعداء والأولياء في نعيمها غير مفترقة ولا مختلفة، وأما في الآخرة فقد فرق فيها بين الأولياء والأعداء ؛ جعل للأولياء النعمة الدائمة وللأعداء العذاب الدائم، فله الحمد على ذلك.
والرابع :﴿ له الحمد في الأولى والآخرة ﴾ لما جعل الدنيا دار محنة والآخرة دار الجزاء، لم يجعلها دار المحنة.
[ والخامس ]٦ : أن يكون قوله :﴿ له الحمد في الأولى والآخرة ﴾ أي له الحمد من الخلق في كل حال وكل وقت كقوله :﴿ وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ﴾ [ يونس : ١٠ ] إنهم يحمدونه في بدء كل أمر وختمه أي٧ أن يكون له الحمد.
١ - من م، ساقطة من الأصل..
٢ - في الأصل وم: حيث قالوا..
٣ - ساقطة من الأصل وم..
٤ - في الأصل وم: و..
٥ - من م، في الأصل: وقول..
٦ - في الأصل وم: أو..
٧ - في الأصل وم: و..
[ الآيتان ٧١ و٧٢ ] وقوله تعالى :﴿ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة ﴾ [ وقوله ]١ :﴿ إن جعل الله عليكم النهار سرمدا ﴾ أي دائما ﴿ إلى يوم القيامة ﴾ لا ليل فيه إلى آخر ما ذكر من قوله :﴿ أفلا تسمعون ﴾ [ وقوله ]٢ :﴿ أفلا تبصرون ﴾ يخرج ذكره [ في وجهين ]٣ :
أحدهما : في تسفيههم في صرف العبادة والشكر إلى الأصنام التي كانوا يعبدونا على علم منهم أنها لا تملك شيئا مما ذكر من جعل الليل نهارا وجعل النهار ليلا وتركهم عبادة من يعرفون أنه يملك ذلك كله، وكذلك ما ذكر في آية أخرى حين٤ قال :﴿ قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره ﴾ الآية [ الزمر : ٣٨ ] فإذا٥ لا يملك ما تعبدون من دون الله دفع ضر أراده الله لهم٦ وجعله رحمة ولا دفع رحمة أرادها الله وجعلها٧ ضرا، فكيف تعبدونها، وتتركون عبادة من يملك جعل هذا هذا ودفع هذا بهذا ؟ فعلى ذلك يقول، والله أعلم : كيف تعبدون من لا يملك جعل الزمان كله ليلا دائما، لا نهار فيه، وجعل الزمان ٨ نهارا كله دائما، لا ليل فيه، وتتركون عبادة[ من ]٩ يملك ذلك كله ؟ يجعل وقت [ الراحة والسكون [ غير ]١٠ وقت الاكتساب والتعيش ووقت التعيش والكسب [ غير ]١١ وقت ]١٢ الراحة والقرار.
والثاني : يذكرهم عظيم نعمه ومننه حين١٣ أنشأ هذا العالم محتاجا إلى ما به قوام أنفسهم وأبدانهم في دينهم. ثم جعل ذلك كله على التعاون وتظاهر١٤ بعضهم بعضا ما لو جعل ذلك على غير ذلك لا تقوم أنفسهم وأبدانهم بذلك حين١٥ جعل الليل وقتا للراحة والسكون، والنهار وقتا للتقلب والتعيش.
ولو كان ذلك كله وقتا للراحة لا تقوم أنفسهم أبدا للتعيش والكسب. ولو كان كله وقتا للتقلب والكسب، لا راحة فيه، لا تقوم أيضا أنفسهم بذلك.
لكنه من رحمته وفضله جعل وقتا للراحة ؛ إنما جعله للكل لا لبعض دون بعض، وكذلك ما جعله وقت التقلب ؛ إنما جعله كذلك للكل لا لبعض دون بعض لتقوم لهم أسباب التعيش وما به قوام أنفسهم وأبدانهم. ولو كان ذلك كله وقتا لأحدهما لم تقم أنفسهم، ولا بقي هذا العالم إلى الوقت الذي جعل له البقاء إلى ذلك الوقت.
١ - في الأصل وم: و..
٢ - في الأصل وم: و..
٣ - في الأصل: لوجهين، في م: إلى وجهين..
٤ - في الأصل وم: حيث..
٥ - في الأصل وم: فإن..
٦ - في الأصل وم: له..
٧ - في الأصل وم: وجعله..
٨ في الأصل وم: النهار.
٩ -. من م، ساقطة من الأصل..
١٠ - ساقطة من نسخة الحرم المكي..
١١ - ساقطة من نسخة الحرم المكي..
١٢ - من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
١٣ - في الأصل وم: حيث..
١٤ - - في الأصل وم: والتظاهر.
١٥. في الأصل وم: حيث..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧١:[ الآيتان ٧١ و٧٢ ] وقوله تعالى :﴿ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة ﴾ [ وقوله ]١ :﴿ إن جعل الله عليكم النهار سرمدا ﴾ أي دائما ﴿ إلى يوم القيامة ﴾ لا ليل فيه إلى آخر ما ذكر من قوله :﴿ أفلا تسمعون ﴾ [ وقوله ]٢ :﴿ أفلا تبصرون ﴾ يخرج ذكره [ في وجهين ]٣ :
أحدهما : في تسفيههم في صرف العبادة والشكر إلى الأصنام التي كانوا يعبدونا على علم منهم أنها لا تملك شيئا مما ذكر من جعل الليل نهارا وجعل النهار ليلا وتركهم عبادة من يعرفون أنه يملك ذلك كله، وكذلك ما ذكر في آية أخرى حين٤ قال :﴿ قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره ﴾ الآية [ الزمر : ٣٨ ] فإذا٥ لا يملك ما تعبدون من دون الله دفع ضر أراده الله لهم٦ وجعله رحمة ولا دفع رحمة أرادها الله وجعلها٧ ضرا، فكيف تعبدونها، وتتركون عبادة من يملك جعل هذا هذا ودفع هذا بهذا ؟ فعلى ذلك يقول، والله أعلم : كيف تعبدون من لا يملك جعل الزمان كله ليلا دائما، لا نهار فيه، وجعل الزمان ٨ نهارا كله دائما، لا ليل فيه، وتتركون عبادة[ من ]٩ يملك ذلك كله ؟ يجعل وقت [ الراحة والسكون [ غير ]١٠ وقت الاكتساب والتعيش ووقت التعيش والكسب [ غير ]١١ وقت ]١٢ الراحة والقرار.
والثاني : يذكرهم عظيم نعمه ومننه حين١٣ أنشأ هذا العالم محتاجا إلى ما به قوام أنفسهم وأبدانهم في دينهم. ثم جعل ذلك كله على التعاون وتظاهر١٤ بعضهم بعضا ما لو جعل ذلك على غير ذلك لا تقوم أنفسهم وأبدانهم بذلك حين١٥ جعل الليل وقتا للراحة والسكون، والنهار وقتا للتقلب والتعيش.
ولو كان ذلك كله وقتا للراحة لا تقوم أنفسهم أبدا للتعيش والكسب. ولو كان كله وقتا للتقلب والكسب، لا راحة فيه، لا تقوم أيضا أنفسهم بذلك.
لكنه من رحمته وفضله جعل وقتا للراحة ؛ إنما جعله للكل لا لبعض دون بعض، وكذلك ما جعله وقت التقلب ؛ إنما جعله كذلك للكل لا لبعض دون بعض لتقوم لهم أسباب التعيش وما به قوام أنفسهم وأبدانهم. ولو كان ذلك كله وقتا لأحدهما لم تقم أنفسهم، ولا بقي هذا العالم إلى الوقت الذي جعل له البقاء إلى ذلك الوقت.
١ - في الأصل وم: و..
٢ - في الأصل وم: و..
٣ - في الأصل: لوجهين، في م: إلى وجهين..
٤ - في الأصل وم: حيث..
٥ - في الأصل وم: فإن..
٦ - في الأصل وم: له..
٧ - في الأصل وم: وجعله..
٨ في الأصل وم: النهار.
٩ -. من م، ساقطة من الأصل..
١٠ - ساقطة من نسخة الحرم المكي..
١١ - ساقطة من نسخة الحرم المكي..
١٢ - من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
١٣ - في الأصل وم: حيث..
١٤ - - في الأصل وم: والتظاهر.
١٥. في الأصل وم: حيث..

[ الآية ٧٣ ] وهو ما ذكر :﴿ ومن رحمته لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ﴾ وقوله تعالى :﴿ أفلا تسمعون ﴾ وقوله١ :﴿ أفلا تبصرون ﴾ إنما هو سمع عقل وقلب وبصر عقل وقلب ؛ كأنه يقول :﴿ أفلا تسمعون ﴾ هذا بالعقل، ويقول٢ :﴿ أفلا تبصرون ﴾ بالعقل، والله أعلم، كقوله :﴿ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ﴾ [ الحج : ٤٦ ].
١ - في الأصل وم: و..
٢ - في الأصل وم: و..
[ الآية ٧٤ ] وقوله تعالى :﴿ ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ﴾ قد ذكرناه. وهذه الآيات التي يكررها، ويعيدها١ مرة بعد مرة كقوله :﴿ ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتهم المرسلين ﴾ [ القصص : ٦٥ ] وقوله :﴿ ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ﴾ [ القصص : ٧٤ ] وقوله :﴿ ادعوا شركاءكم ﴾ [ الأعراف : ١٩٥ ] وأمثال ذلك مما يكثر على علم منه أنهم لا يصدقونها، ولا يقلبونها، ولا يسمعون إليها، وإن كررت، وأعيدت، غير مرة، فهو، والله أعلم على وجهين :
أحدهما : لزوم الحجة لما مكنوا من٢ الاستماع والسماع، وإن كانوا لا يسمعون إليها.
والثاني : يكون فيه عظة للمؤمنين من وجوه :
أحدها : ليشكروا على ما عصموا من عبادة غير الله، ووفقوا عبادة المستحق إليها، ليعرفوا عظيم نعمة الله عليهم.
والثاني : ليحذروا عاقبتهم في الرجوع إلى ما هم٣ عليه أولئك الكفرة على ما حذر٤ الرسل والأنبياء وأولي العصمة عاقبتهم في الرجوع إلى ذلك كقول إبراهيم :﴿ واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ﴾ [ إبراهيم : ٣٥ ] وأمثاله كثير.
والثالث : خوف المعاملة : لئلا يعاملوا معاملتهم٥ في العمل كما عامل أولئك في الاعتقاد، لأن المؤمنين، وإن خالفوا٦ أولئك الكفرة في الاعتقاد في إشراك غيره في العبادة فربما يوافقونهم في العمل، فكررت هذه الأنباء والآيات عليهم، وأعيدت مرة [ بعد مرة ]٧ وإن كان أولئك لا يستمعون إليها للوجوه التي ذكرها.
والرابع : كررت، وأعيدت، لئلا يقولوا : إنها لو أعيدت، وكررت، لقبلناها، والله أعلم.
١ - في الأصل وم: ويعيد..
٢ - في الأصل وم: أو..
٣ - من م، في الأصل: هو..
٤ - من م، في الأصل: حذروا..
٥ - في الأصل وم: لهم..
٦ - في الأصل وم: خالفوا هم..
٧ - من م، ساقطة من الأصل..
[ الآية ٧٥ ] وقوله تعالى :﴿ ونزعنا من كل أمة شهيدا ﴾ قيل : شهيدها رسولها كقوله :﴿ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ﴾ الآية [ النساء : ٤١ ] وقوله :﴿ ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ﴾ [ النحل : ٨٤ ] ونحوه.
سمى شهيدا لأنه شهد على ما عملوا، وحضر ما كان منهم، والله أعلم، من التكذيب والقبول والرد﴿ فقلنا هاتوا برهانكم ﴾ في تسميتكم الأصنام آلهة أو في استحقاقها١ العبادة أو في زعمكم :﴿ هؤلاء شفعاؤنا عند الله ﴾ [ يونس : ١٨ ] ونحو ذلك يقول : هاتوا برهانكم وحجتكم على ما زعمتم.
وقوله تعالى :﴿ فعلموا أن الحق لله ﴾ هذا أيضا يحتمل وجوها :
علموا أن الألوهية والربوبية لله، أو علموا أن الشفاعة لله للأصنام التي عبدوها وليكونوا شفعاء عند الله كقوله :﴿ قل لله الشفاعة جميعا ﴾ [ الزمر : ٤٤ ] وأن يكون الحق٢ الذي عليهم هو٣ العبادة لله، أو أن يكون ما جاء به الرسل/ ٤٠١- ب/ من الحق إنما جاؤوا من عند الله ﴿ وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾ [ أي ضل ]٤ عنهم ما كانوا يأملون من عبادتهم تلك الأصنام من الشفاعة والزلفى.
١ - في الأصل وم: استحقاق..
٢ - أدرج قبلها في الأصل وم: أن..
٣ - في الأصل وم: هي..
٤ - من م، ساقطة من الأصل..
[ الآية ٧٦ ] وقوله تعالى :﴿ إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم ﴾ كأنه كان١، والله أعلم، يخوف أهل مكة، ويوعدهم ببغيهم على الله وعلى رسوله بعذاب ينزل عليهم كما نزل بقارون ببغيه على موسى وقومه إذ لم تنفعه قرابته من موسى ولا صلته به لما ذكر أنه كان ابن عمه، وكان ختنه زوج أخته مريم.
فعلى ذلك يقول، والله أعلم : لا تنفعكم القرابة التي بينكم وبين رسول الله، ولا اتصالكم به من عذاب الله ومقته في الدنيا إذ٢ بغى عليه، وكما [ لم ]٣ تنفع أبوة أبي إبراهيم إذ بغى عليه، وترك اتباعه حين٤ تبرأ إبراهيم منه، وحين٥ قال :﴿ يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ﴾ الآية [ مريم : ٤٥ ] وحين٦ لم تنفع لا مرأة نوح ولوط الزوجية التي كانت بينهما وبين نوح ولوط من نزول [ عذاب بالله ومقته بهما إذ تركتا اتباعهما، وبغتا عليهما ]٧.
فعلى ذلك يا أهل مكة لا ينفعكم من عذاب الله ومقته قرابتكم لرسول الله، صلوات الله عليه، وصلته بكم، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ فبغى عليهم ﴾ اختلف أهل التأويل في بغيه عليهم : قال بعضهم : هو أن موسى طلب منه زكاة ما آتاه الله من المال، فمنعه، وأبى أن يعطيه. وقال بعضهم : بغيه عليهم، هو أن أعطى امرأة جعلا لتقذفه بنفسها، فأراد أن يفضحه على رؤوس الأخيار والملإ وأن يرجموه، فدفع الله [ ذلك ]٨ عنه، وبرأه منه.
وقال بعضهم : إنما بغى عليه بكثرة ماله وولده. هذا يشبه أن يكون كأنه بكثرة ماله ودفع عذاب الله ونقمته كقول أهل مكة :﴿ نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ﴾ [ سبإ : ٣٥ ].
وقال بعضهم : بغى عليه لأن النبوة جعلت في موسى والحبورة في هارون، ولم يجعل لقارون شيء، فاعتزل عن موسى، واتبعه ناس كثير، واعتدوا٩ عليه، ونحو هذا كثير مما قالوه.
والأشبه أن يكون بغيه الذي ذكر عليه كبغي فرعون وهامان عليه حين١٠ قال :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ﴿ إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب ﴾ [ غافر : ٢٣ و٢٤ ] وقال١١ :﴿ وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض ﴾ الآية [ العنكبوت : ٣٩ ] فكان منه ما كان من فرعون وهامان من التكذيب والرد لرسالته وتسميته ساحرا كذابا.
فذلك هو البغي عليه، لأنه ذكر البغي. أو لا يفسر البغي عليه لأنه ذكر البغي، ولم يبين ما ذلك البغي ؟ والله أعلم بذلك.
وقال قائلون : بغيه عليهم هو أن زاد في ثيابهم شبرا. فذلك أيضا لا نعلمه، فهو مثل الأول.
وقوله تعالى :﴿ وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصمة أولي القوة ﴾ قال بعضهم :﴿ مفاتحه ﴾ خزائنه. وقال بعضهم :﴿ مفاتحه ﴾ جمع مفتاح، وهو في الأصل مفاتيح.
وذكر أن كنوزه، كانت كذا كذا ألفا، وأن مفاتحه كان يحملها١٢ كذا وكذا بغلا، وأنها من جلود كذا أو من كذا قدر كذا. فذلك أيضا لا نعلم، ولا نفسره، ولا نذكره، إلا قدر ما ذكر في الكتاب : الكنوز والمفاتح.
وذكر أن العصبة تنوء بها، وذلك لكثرة١٣ ما ذكر. ولكن لا نعلم قدره وعدده ؛ ما هو ؟ ولا : كم هو ؟ وكذلك العصبة أيضا ؛ لا نعلم كم عددها ؟ إلا أن أهل التأويل : يقول بعضهم : من عشرة إلى أربعين، ويقول بعضهم : من عشرة إلى خمسة وسبعين. ويقول بعضهم : من عشرة إلى خمسة عشر، ونحن نفسره، ولا نذكر عدده سوى أنه اسم جماعة، يتعصب بعضهم ببعض١٤، ويعير بعضهم بعضا، يرجعون جميعا إلى أمر واحد.
وكذلك الشيعة : هي جماعة، يتشيع بعضهم ببعض١٥، ويتبع بعضهم بعضا. ولذلك قال إخوة يوسف لأبيهم :﴿ لئن أكله الذئب ونحن عصبة ﴾ [ يوسف : ١٤ ] أي يتعصب بعضنا ببعض١٦، لا ندعه يأكله، ولئن لم نفعل، ولم نحفظه ﴿ إنا إذا لخاسرون ﴾ [ يوسف : ١٤ ].
وقوله تعالى :﴿ لتنوء بالعصبة ﴾ اختلف فيه : قال بعضهم : تلك المفاتيح.
وقال القتبي :﴿ لتنوء ﴾ أي تميل بها العصبة إذا حملتها من ثقلها. وقال أبو عوسجة :﴿ لتنوء بالعصبة ﴾ أي لتعجز العصبة عن حملها. وقال بعضهم : تنوء تثقل، والعصبة الجماعة١٧.
قوله تعالى :﴿ إذ قال له قومه لا تفرح ﴾ قال بعضهم : لا تبطر، ولا تأشر، إن الله لا يحب البطرين الأشرين.
وجائز أن يكون قوله :﴿ لا تفرح ﴾ أي لا تفتخر على الناس بما آتاك الله من المال، ولا تتكبر عليهم، ولا تفرح : لا تسكن إليها، ولا تركن إلى ذلك، إن الله لا يحب من ذكر.
١ - في الأصل وم: قال..
٢ - في الأصل وم: إذا..
٣ - ساقطة من الأصل وم..
٤ - في الأصل وم: حيث..
٥ - في الأصل وم: حيث.
٦ - في الأصل وم: حيث.
٧ - من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: العذاب ومقته بهم إذا تركوا أتباعهم وبغوا عليهم..
٨ - ساقطة من الأصل وم..
٩ - في الأصل وم: واعتدى..
١٠ - في الأصل وم: حيث..
١١ - في الأصل وم: وكقوله..
١٢ - في الأصل وم: يحمل..
١٣ - من م، في الأصل: لكثرة..
١٤ - في الأصل وم: بعضا..
١٥ - في الأصل وم: بعضا..
١٦ - في الأصل وم: بعضا..
١٧ - في الأصل وم: جماعة..
[ الآية ٧٧ ] وقوله تعالى :﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ﴾ كأن كثرة ما آتاه من المال أنسته الآخرة، وشغلته عنها وعن العمل لها حتى حمله ذلك على الجحود والإنكار، فقال :﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ﴾ أي لا تنس [ نصيبك ]١ من مالك في الدنيا، ولكن قدم لآخرتك.
قال الحسن في قوله :﴿ ولا تنس نصيبك من الدنيا ﴾ إلى آخره ؛ قال : أمر أن يأخذ من ماله قدر عيشه، ويقدم ما سوى ذلك لآخرته. وكذلك قال في قوله :﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ﴾ أي قدم الفضل، وأمسك ما يبلغك ﴿ وأحسن كما أحسن الله إليك ﴾ قال : يكفيك ما أحل الله لك من الدنيا، فإن فيه غنى وكفاية.
وأصله ما روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( لك من الدنيا من أكلت ولبست وأفنيت وما قدمت ) [ مسلم ٢٩٥٨ ] جعل المقدم من الدنيا له، وأما خلفه فهو لغيره.
وهكذا [ الدنيا ؛ لم تخلق الدنيا ]٢ لتبقى لأهلها، أو يبقى أهلها فيها. ولكن إنما خلقت لتفنى هي، ويفنى٣ أهلها، وخلقت الآخرة للبقاء. فنصيبه من الدنيا ما قدّم، وأنفق في طاعة الله في سبيله، ليس ما خلفه في هذه الدنيا.
وقوله تعالى :﴿ وأحسن كما أحسن الله إليك ﴾ يحتمل قوله :﴿ وأحسن ﴾ إلى نفسك في العمل للآخرة ﴿ كما أحسن الله إليك ﴾ وأحسن إلى الخلق ﴿ كما أحسن الله إليك ﴾.
وقوله تعالى :﴿ ولا تبغ الفساد في الأرض ﴾ هذا يدل أنه كان ينفق ماله. إلا أنه كان ينفق في الصد عن سبيل الله حتى٤ قال :﴿ ولا تبغ الفساد في الأرض ﴾ ولو كان في ترك الإنفاق لم يكن في ذلك بغي الفساد في الأرض.
ثم الواجب على من حضر الملوك، وشهد مجالسهم من أهل العلم أن يخوفوا الملوك، ويوعدوهم٥ بما أوعد قوم موسى قارون وخوفوه، ويأمروهم بالصلاح في أنفسهم في رعيتهم كما أمر أولئك قارون، وينهوهم كما نهاه أولئك. فإن أجابوهم، وإلا امتنعوا عنهم، وكفوا أنفسهم عن الاختلاف إليهم. فإن لم يفعلوا فهم شركاؤهم في جميع ما يفعلون، والله أعلم.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - في الأصل وم: أو يفنى..
٤ - في الأصل وم: حيث..
٥ - في الأصل وم: يواعدوهم..
[ الآية ٧٨ ] وقوله تعالى :﴿ قال إنما أوتيته على علم عندي ﴾ اختلف فيه : قال بعضهم : إن قارون كان أقرأ الناس بالتوراة وأعلمهم بها، وسمي قارون لذلك، وذكر أنه سمي المنور لحسن صوته بالتوراة.
وقال بعضهم : قوله :﴿ إنما أوتيته على علم عندي ﴾ وهو الكيمياء ؛ ذكر أنه كان يعالج صنعة الذهب، ويحسنها. وقال بعضهم :﴿ إنما أوتيته على علم عندي ﴾ أي علم خبر /٤٠٢-أ/ عندي ؛ قال ذلك على إثر قول أولئك :﴿ ولا تنس نصيبك من الدنيا ﴾ [ إلى قوله تعالى ] :١ ﴿ إن الله لا يحب المفسدين ﴾ ] كأنهم أوعدوه بذهاب ذلك عنه وهلاكه. فقال، والله أعلم ﴿ إنما أوتيته على علم عندي ﴾ لم أوت جزافا بلا سبب، وكأنه، والله أعلم، نسي٢ الآخرة بما أوتي من المال والكنوز وترك الإنفاق في الخير، وكان عارفا بالله حين٣ قالوا له :﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ﴾ وقالوا له :﴿ إن الله لا يحب المفسدين ﴾ دل هذا منهم أنه كان عارفا بالله تعالى.
وقوله تعالى :﴿ أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ﴾ ذكر هذا، والله أعلم، لما أنه كان يفتخر، ويستكبر على الناس بما أوتي من الأموال والكنوز والأتباع.
ويحسب أنه يدفع العذاب الموعود في هذه الدنيا بذلك عن نفسه أو يظن [ أن من ]٤ أوتي ذلك لا يعذب كظن أولئك الكفرة حين٥ قالوا :﴿ نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ﴾ [ سبإ : ٣٥ ].
فجائز أن كان من قارون من الإعجاب بالكثرة والجمع ما ذكر [ أولئك، فقالوا ]٦ عند ذلك :﴿ أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ﴾ ثم لم يتهيأ لهم دفع ما نزل بهم من العذاب. فعلى ذلك أنت يا قارون، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ﴾ اختلف فيه : قال بعضهم : لا يسألون عن ذنوبهم [ لما يعرفون بسيماهم ]٧ كقوله :﴿ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ﴾ [ الرحمن : ٤١ ].
وقال بعضهم : لا تسأل هذه الأمة عن صنيع مجرمي الأمم الخالية. وجائز [ أنهم لا يسألون ]٨ عن ذنوبهم لأنهم لا يرون ما يعملون من الأعمال ذنوبا، ولكن إنما يسألون عن الدليل الذي به لا يرون تلك الأعمال ذنوبا٩، والله أعلم.
١ - في الأصل وم: ﴿ولا تبغ الفساد في الأرض﴾..
٢ - من م، في الأصل: لفني..
٣ - في الأصل وم: حيث..
٤ - في الأصل وم: إنه لما..
٥ - في الأصل وم: حيث..
٦ - في الأصل وم: بأولئك فقال..
٧ - من نسخة الحرام المكي، ساقطة من الأصل وم..
٨ - من نسخة الحرام المكي، ساقطة من الأصل وم: أن يسأل..
٩ - في الأصل وم: ذنبا..
[ الآية ٧٩ ] وقوله تعالى :﴿ فخرج على قومه في زينته ﴾ قال عامة أهل التأويل : إنه خرج [ وغلمانه ]١ على بغال شهب، ومعه كذا كذا من الجواري على كذا كذا بغال شهب، عليهن من الثياب كذا.
وقال بعضهم : إنه خرج على براذين كذا بيض مع كذا كذا غلمان وجوار٢ ونحو ما ذكر. ولكنا لا ندري على أي زينة خرج، ولكنا نعلم أنه خرج على الزينة التي يخرج [ بأمثالها الملوك ]٣ ولا نفسر أنه كذا على كذا، ولا نفسر العلم الذي ذكر أنه من المال، والكنز أنه كان عنده كذا من العلم، والله أعلم بذلك، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - في الأصل وم: وجواري..
٣ - في الأصل وم: أمثاله من الملوك..
[ الآية ٨٠ ] وقوله تعالى :﴿ وقال الذين أوتوا العلم ﴾ أي أوتوا منافع العلم، ربما [ يؤتى أحد العلم ]١ ولا يؤتى من الانتفاع له به ما أوتي هؤلاء حين٢ قالوا لأولئك ﴿ ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ﴾ لم يكن من أولئك إلا التمني أنه يؤتوا مثل ما أوتي قارون. ثم نهاهم الذين أوتوا منافع العلم والانتفاع به عن ذلك التمني. فدل ذلك أن التمني لا يسع في ما لا يسع الاشتغال به والطلب حين٣ قالوا لهم :﴿ ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ﴾.
[ وقوله تعالى ]٤ :﴿ ولا يلقّاها إلا الصابرون ﴾ كيف ذكره بالتأنيث ؟ وإنما تقدم له ذكر ﴿ ثواب الله خير ﴾ فألا قال : وما يلقاه٥ ؟ اختلف فيه.
قال بعضهم :﴿ ولا يلقاها ﴾ كناية عن تلك المقالة التي كانت من أولئك الذين أوتوا العلم لأولئك الذين يريدون الحياة الدنيا، أي لا يلقى تلك المقالة التي قالوها لأولئك إلا الصابرون.
وقال بعضهم : لا، ولكن ذلك كناية عن الأعمال [ أي وما يلقى تلك الأعمال ولا يوفق لها ]٦ إلا الصابرون.
قال أبو عوسجة والقتبي :﴿ ولا يلقاها ﴾ أي لا يوفق لها، ويقال : لا يرزق [ إلا ]٧ الصابرون.
[ وقوله تعالى ]٨ :﴿ الصابرون ﴾ يحتمل المؤمنين أنفسهم٩ كقوله تعالى :﴿ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾ [ إبراهيم : ٥ و. . . ] وقوله :﴿ إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات ﴾ [ هود : ١١ ] أي آمنوا.
ويحتمل ﴿ الصابرون ﴾ الذين صبروا أنفسهم، وحبسوها على أداء ما افترض الله عليهم ولم يؤتوا أنفسهم شهواتها١٠ وهواها، والله أعلم.
ثم كان في قوم موسى خصال ثلاث، لم تكن تلك، ولا مثلها في غيره من الأمم :
أحدها : ما ذكر من صلابة أولي العلم ويقينهم وطمأنينتهم في ما وعدوا في الآخرة من العذاب وصبرهم على أداء ما افترض الله عليهم وحبسهم أنفسهم عن مناهم وشهواتهم وصلابتهم في الدين وما وعظوا قارون حين١١ قالوا له :﴿ وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ﴾ إلى قوله :﴿ إن الله لا يحب المفسدين ﴾ [ القصص : ٧٦ و٧٧ ] وهو كان ملكا يومئذ [ وما ]١٢ قالوا لأولئك الذين يريدون الحياة الدنيا ﴿ ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ﴾.
والثاني : ما ذكر سحرة فرعون حين أوعدهم بالقطع والصلب والقتل بإيمانهم الذين آمنوا، فقالوا :﴿ لا ضير لنا إلى ربنا منقلبون ﴾ [ الشعراء : ٥٠ ] وقالوا :﴿ فاقض ما أنت قاض ﴾ [ طه : ٧٢ ] وأمثال ذلك مما لم ينالوا حلول ما أوعدهم، وخوفهم من أنواع العذاب.
والثالث : ما ذكر من الذين كان يكتم إيمانه حين١٣ قال :﴿ وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ﴾ [ غافر : ٢٨ ] وإنما ظهر ذلك حين قال ﴿ فرعون ذروني أقتل موسى وليدع به ﴾ [ غافر : ٢٦ ] كأنه هم أن يقتله. ألا ترى أن ذلك الرجل المؤمن الذي يكتم إيمانه قال لهم ﴿ أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ﴾ ؟ لم يبال بهلاك نفسه بإظهاره الإيمان بعد أن أعان نبي الله موسى، ونفع له بما [ قال، واستقبل فرعون وقومه بما استقبل ]١٤.
فهذه خصال لم تذكر عن قوم قط، من سوى قوم موسى مثلها. ولذلك وصفهم ونعتهم بفضل الهداية والعدالة، وهو ما قال تعالى :﴿ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ﴾.
وهكذا الواجب على كل مؤمن إذا أريد منه أخذ الإيمان، أو خاف على دينه أن يذهب به، أو أن يدخل فيه النقصان ألا يبدل ذلك، وإن خاف على نفسه تلفها وهلاكها وتعذيبها بأشد ما يكون من العذاب.
ألا ترى أن الله مدح أصحاب الأخدود بما احتملوا أشد العذاب وأسوأ القتل، ولم يتركوا الإيمان، ولم يعطوا لأولئك الكفرة ما أرادوا منهم ؟ فهكذا الاختيار١٥ على كل مسلم أن يختار ما ختار أولئك.
وهكذا الواجب على كل من يأتي الأمراء والسلاطين، ويحضر مجالسهم من العلماء أن يعظوهم، ويأمروهم بكل ما يؤتى، وينهوهم عن كل محظور حرام، ويدلوهم على كل خير ما هو طاعة لله كما فعل قوم موسى١٦ بقارون، وألا يحضروا١٧ مجالسهم، ولا يأتوهم١٨ طائعين. فإن فعلوا فإنهم يكونون شركاءهم.
وذكر عن بعض السلف أنه قال في عيسى وقارون عبرة لمن اعتبر أن عيسى، صلوات الله عليه، زهد في الدنيا زهدا حتى لم يتخذ لنفسه مسكنا يسكن [ فيه ]١٩ ولا مقرا يقر فيه، ولا اتخذ لنفسه ما يتعيش به، ولا اشتغل بشيء منها، فرفعه الله إلى السماء، فجعل عيشه ومقره فيها في كرامته وجواره، وقارون٢٠ كان يرغب في هذه الدنيا رغبة [ عظيمة ] ٢١ وجهد في طلبها طاقته ووسعه، وركن إليها ركونا حتى خسفه الله في الأرض، وأدخله فيها مع كنوزه وأتباعه، فيكون فيها إلى يوم القيامة.
ففي ذلك عبرة وآية لكل راغب وزاهد ؛ فيرغب الزاهد [ في الزهد ] ٢٢ فيها، وينزجر الراغب عن الرغبة فيها، والله أعلم.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - في الأصل وم: حيث..
٣ - في الأصل وم: حيث..
٤ - في الأصل وم: اختلف في قوله..
٥ - أدرج قبلها في الأصل وم: لكن..
٦ - من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: ولا وفق..
٧ - ساقطة من الأصل وم..
٨ - ساقطة من الأصل وم..
٩ - في الأصل وم: نفسه..
١٠ - في الأصل وم: شهواتهم..
١١ - في الأصل وم: حيث..
١٢ - في الأصل وم: ولما..
١٣ - في الأصل وم: حيث..
١٤ - من م، في الأصل: واستقبل..
١٥ - من م، في الأصل: اختيار..
١٦ - في الأصل وم: قارون..
١٧ - أدرج قبلها في الأصل وم: لم..
١٨ - في الأصل وم: أتوهم..
١٩ - ساقطة من الأصل وم..
٢٠ - معطوف على عيسى..
٢١ - ساقطة من الأصل وم..
٢٢ - من م، ساقطة من الأصل..
[ الآية ٨١ ] وقوله تعالى :﴿ فخسفنا به وبداره الأرض ﴾ بالبغي الذي بغى عليهم ؛ أعني على موسى وأصحابه.
وقوله تعالى :﴿ فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله ﴾ كأنه كان يفتخر بالمال والحواشي، ويتقوى بذلك في دفع عذاب الله ونقمته. لذلك قال :﴿ فما كان/٤٠٢- ب/ له من فئة ينصرونه من دون الله ﴾ أي لم تغنه١ في دفع عذاب الله عنه أتباعه وحواشيه، وهو كظن أولئك :﴿ نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ﴾ [ سبإ : ٣٥ ] وكان ظنهم ذلك. وقولهم إنا كان بوجهين :
[ أحدهما ] ٢ : أنهم ظنوا أن أموالهم وأتباعهم تدفع عنهم عذاب الله ونقمته كما تدفع نقمة بعضهم من بعض في ما بينهم كقول [ ابن نوح ] ٣ :﴿ سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ﴾ [ هود : ٤٣ ].
والثاني :[ أنهم ظنوا ] ٤ أنما أعطوا هذه الأموال والأتباع في هذه الدنيا لكرامة لهم عند الله، فلا يعذبون أبدا، والله أعلم.
١ - في الأصل وم: يغن..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - في الأصل وم: ذلك الرجل..
٤ - في الأصل وم: ظنوا أنهم..
[ الآية ٨٢ ] وقوله تعالى :﴿ وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس ﴾ كانوا تمنوا أن يعطوا مثل ما أعطي قارون١ ﴿ يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون ﴾.
[ قال بعض أهل الأدب : وي صلة، وإنما هو كأن وكأنه. وقال مقاتل : ويكأنه أي لكنه٢، وقال بعضهم :﴿ ويكأن الله ﴾ أي اعلموا ﴿ الله يبسط الرزق لمن يشاء ﴾ ﴿ ويكأن ﴾ ]٣ واعلموا أنه ﴿ لا يفلح الكافرون ﴾ لكن الله يبسط الرزق لمن يشاء، ولكنه لا يفلح الكافرون.
وقال بعضهم : ألم تر أن يبسط الرزق ؟ وألم تر أنه لا يفلح كذا ؟
وقال الزجاج : وي مقطوع من كأن، وهو حرف يفتتح به التندم. ثم ابتدأ بقوله : كأنه لا يفلح الكافرون.
ثم في الآية دلالة نقض قول المعتزلة في وجوب الأصلح على الله لأنهم منة الله في منعه إياهم ما تمنوا بالأمس مما أوتي قارون. فلو كان ما أعطي قارون أصلح له في دينه لم يكن في منعه عن هؤلاء منة.
دل أن ما أعطى قارون لم يكن أصلح له، وأن ليس على الله حفظ الأصلح للعباد في الدين.
١ - إشارة إلى قوله تعالى: ﴿يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون﴾ [القصص: ٧٩]..
٢ - أدرج بعدها في م: ويكأن..
٣ - من م، ساقطة من الأصل..
[ الآية ٨٣ ] وقوله تعالى :﴿ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ﴾ في [ ظاهر الآية ]١ أن كل من لا يريد العلو في هذه الدنيا ولا الفساد فيها يكون من أهل تلك الدار، وكذلك ما ذكر من دار الآخرة، وجهنم من دار الآخرة أيضا. لكن الآية تخرج على وجهين :
أحدهما : كأنها نزلت في رؤساء الكفرة، وفراعينهم هم الذين كانوا يريدون العلو في هذه الدنيا بالتكبر والتجبر على الرسل، والفساد فيها في صرف الناس عن دين الله للرسل، ودعا الناس إلى دين الله واتباع الرسل.
والثاني : تكون الآية في الذين كانوا يعملون بالخيرات والطاعات منهم من٢ نحو صلة الأرحام والصدقة على الفقراء والإنفاق في ذلك. فأخبر أنهم، وإن كانوا يعملون بتلك الأعمال، فإنما يعملون للدنيا والعلو فيها لا للآخرة. فتلك الدار الآخرة، ليست لهم. إنما هي للذين يعملون، ويريدون [ بأعمالهم ]٣ الدار الآخرة.
وقول تعالى :﴿ تلك الدار الآخرة ﴾ كأنه يقول : تلك الدار التي دعوا إليها ليست لمن ذكر [ وإنما ]٤ هي الدار التي قال الله تعالى :﴿ والله يدعوا إلى دار السلام ﴾ [ يونس : ٢٥ ] فالدار الآخرة، هي الدار التي دعوا إليها، وهي الجنة ؛ الدار الآخرة على الإطلاق : الجنة كالكتاب المطلق كتاب الله والدين المطلق دين الله ونحوه.
وقوله تعالى :﴿ والعاقبة للمتقين ﴾ أي تلك الدار الآخرة للمتقين.
١ - في الأصل وم: ظاهرها..
٢ - في الأصل وم: في..
٣ - في الأصل وم: بها..
٤ - في الأصل وم: و..
[ الآية ٨٤ ] وقوله تعالى :﴿ من جاء بالحسنة فله خير منها ﴾ يخرج على وجوه :
أحدها : ما قال أهل التأويل : على التقديم والتأخير، أي فله منها خير ؛ ومعناه أن ما يكون له في الآخرة من الخير إنما يكون بتلك الحسنة التي جاء بها في الدنيا، وهي التوحيد.
والثاني : قوله :﴿ فله خير منها ﴾ أي ما أعطوا في الآخرة من الخير والثواب خير مما يعطون في الدنيا بصبرهم وحبسهم أنفسهم عن شهواتها وأمانيها.
والثالث :﴿ فله خير منها ﴾ أي ثواب الله وما أكرموا به خير مما عملوا في الدنيا.
والرابع : أن توفيقه إياهم وإرشاده خير مما عملوا.
[ والخامس ]١ : أن يكون ذكر الله وحمده خير مما ذكر كقوله :﴿ ولذكر الله أكبر ﴾ [ العنكبوت : ٤٥ ].
وقوله تعالى :﴿ ومن جاء بالسيئة ﴾ قالوا جميعا : السيئة هي الشرك [ ﴿ فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون ﴾ ]٢.
١ - في الأصل وم: أو..
٢ - في الأصل وم. ﴿فلا يجزى إلا مثلها﴾ لكن مثلها هو التخليد في النار أبدا ﴿وهم لا يظلمون﴾ [الأنعام: ١٦٠] في ما يجزرون بها بل ظلموا أنفسهم..
[ الآية ٨٥ ] وقوله تعالى :﴿ إن الذين فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾ اختلف في قوله :﴿ فرض عليك القرآن ﴾ قال بعضهم :﴿ فرض ﴾ أي نزل عليك. وقال بعضهم :﴿ فرض عليك ﴾ العمل بالقرآن. وقال بعضهم :﴿ فرض ﴾ تبليغ ما أنزل عليك القرآن والرسالة إلى الناس.
واختلف أيضا في قوله :﴿ لرادك إلى معاد ﴾ قال بعضهم : المعاد [ مكة. وقال بعضهم : المعاد ]١ البعث والساعة، وقال بعضهم : المعاد الجنة، ويقال : الموت، وكلمة البعث والمعاد هو البعث في الظاهر.
وجائز أن تسمى مكة معادا لما يعود الناس إليها مرة [ بعد مرة ]٢ كما تسمى مثابة لما يثوب الناس إليها مرة بعد مرة. لكن من يقول : إن المعاد، هو مكة ؛ يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالهجرة إلى المدينة، فهاجر إليها، اشتاق إلى بلده ومولده ومولد آبائه، فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه الآية بشارة في العود إليها ظاهرا عليهم قاهرا فاتحا له مكة. هذا تأويل من يقول : إن المعاد، هو مكة.
وجائز أن يكون على غير هذا، وهو يخرج على وجهين :
أحدهما : كأنه حزن على الفراق منهم إشفاقا على هلاكهم لإخراجهم الرسول من بين أظهرهم لأن الأمم السالفة إذا أخرج من بينهم الرسل نزل بهم العذاب، فخاف لما٣ أخرجوه من بين أظهرهم، وأبوا إجابته أن يهلكوا، ويعذبوا، كقوله :﴿ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ﴾ [ الشعراء : ٣ ] وقوله :﴿ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ﴾ [ فاطر : ٨ ] فبشر بهذا أن ترد إليها، وستعود إليهم، فيتبعونك، ويؤمنون بك، وهم لا يهلكون إهلاك استئصال وتعذيب كسائر الأمم.
والثاني : يذكر على الامتنان عليه ؛ يقول : إن الذي أنزل عليك القرآن، وألقاه عليك بعد ما لم تكن ترجو إلقاءه عليك وإنزاله. ولكن برحمته ومنه ألقاه إليك، وأنزل عليك حين٤ قال :﴿ وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك ﴾ [ القصص : ٨٦ ].
فعلى ذلك يردك إلى مكة بعد ما لم تكن ترجو ردك وعودك إليها.
وإن كان لمعاد هو البعث، فهو يخرج أيضا على وجهين :
أحدهما : على البشارة ؛ كأنه يقول : إن الذي فرض عليك القرآن يردك ويبعثك، بمن كذبك وبمن صدقك، فينتقم من مكذبيك جزاء التكذيب، ويجزي من يصدقك جزاء التصديق.
والثاني : يذكره، ويخاطبه، وإنما يريد قومه، أي ستبعثون، وستعودون إليها، فيكون كالآيات التي يخاطب بها رسوله، والمراد بها قومه، فهو يخرج على الوعيد.
ألا ترى أنه قال :﴿ قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين ﴾ ؟ أي ﴿ ربي أعلم من جاء بالهدى ﴾ فيجزيه جزاء الهدى ﴿ ومن هو في ضلال مبين ﴾ فيجزيه [ جزاء الضلالة ]٥.
فيخرج ذكر هذا عند ادعاء أولئك الكفرة أنهم على الحق والهدى وأن آباءهم كانوا على الحق والهدى، وأنتم على ضلال، فيقول :﴿ ربي علم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين ﴾ نحن أو أنتم. فهو على التحاكم إلى الله أن يحكم بينهم، فيجزي كلا بما جاء به، والله أعلم.
١ - من م، في الأصل: قال بعضهم: المعاد هو..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - أدرج قبلها في الأصل وم: إنهم..
٤ - في الأصل وم: حيث..
٥ - في الأصل وم: ضلاله..
[ الآية ٨٦ ] وقوله تعالى :﴿ وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة ربك ﴾ فهو يخرج على وجهين :
أحدهما :﴿ وما كنت ترجوا ﴾ وإن كنت مطيعا أي خاضعا ﴿ أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك ﴾ أن ينزل عليك [ الكتاب ]١ وتصير رسولا، أي لم تكن تطمع ذلك. ولكن بفضه ورحمته جعلك رسولا نبيا.
والثاني :﴿ وما كنت ترجوا ﴾ أن تكون في قومك وقبيلتك رسالة فضلا أن ترجو، وتطمع في نفسك [ لأنه /٤٠٣- أ/ ليس ]٢ من بني إسرائيل ولا من أهل الكتاب. والرسول من قبل كانت لا تكون إلا في بني إسرائيل. ولكن الله جعل الرسالة في العرب في نفسك برحمته وفضله، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ فلا تكونن ظهيرا للكافرين ﴾ هذا يخرج على وجوه :
أحدهما : على النهي، أي لا تكن ظهيرا، وإن كان لا يكون [ ذلك النهي للعصمة ]٣ التي عصمه الله [ بها ]٤، لأن العصمة لا تمنع النهي والأمر. بل منفعة العصمة إنما تكون عند النهي والأمر.
والثاني : على الأمن له و الإياس أن يكون ظهيرا لهم، كأنه يخاف لعلة أن يكون ظهيرا لهم في وقت من الأوقات، فأمنه الله من ذلك، فقال : لا تخف، فإنك لا تكون ظهيرا لهم، وهو ما ذكرنا في قوله :﴿ ولا تحزن عليهم ﴾ [ النحل : ١٢٧ والنمل : ٧٠ ] وقوله :﴿ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ﴾ [ فاطر : ٨ ] على رفع الحزن والحسرة بتركهم الإيمان.
فعلى ذلك الأول.
والثالث : إن الخطاب، وإن كان له في الظاهر، فالمراد منه غيره على ما ذكرنا في غير آية٥ من القرآن أنه خاطب به رسوله، والمراد به غيره.
١ - ساقطة من الأصل وم..
٢ - في الأصل وم: لأنهم ليسوا..
٣ - من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: العصمة..
٤ - ساقطة من الأصل وم..
٥ - في الأصل وم: آي.
[ الآية ٨٧ ] وكذلك بهذا في قوله :﴿ ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين ﴾ في هذا ما في الأول من الوجوه التي ذكرنا.
[ الآية ٨٨ ] وكذلك بهذا في قوله :﴿ ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو ﴾.
وقوله تعالى :﴿ كل شيء هالك إلا وجهه ﴾ [ وقال بعضهم : قوله :﴿ كل شيء ﴾ ]١ ترجى منفعته وشفاعته من دون الله باطل ﴿ إلا وجهه ﴾ إلا ما ابتغي منه [ وجه الله ]٢ وعمل له.
وقال بعضهم :﴿ كل شيء هالك ﴾ وزائل إلا هو فإنه حي، لا يموت، دائم، لا يزول.
وقال بعضهم : كل أمر وجهة، يتوجه إليها، ويعمل به، هالك، إلا الجهة والوجه الذي أمر هو بالتوجه٣ إليه والعمل به. وهو قريب [ من الأول ]٤ والله أعلم.
١ - من م، ساقطة من الأصل..
٢ - ساقطة من الأصل وم..
٣ - في الأصل وم: بالتوجيه..
٤ - في الأصل وم: بالأول..
Icon