تفسير سورة القصص

تفسير الماوردي
تفسير سورة سورة القصص من كتاب النكت والعيون المعروف بـتفسير الماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ
سورة القصص
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء، وقال ابن عباس وقتادة إلا آية منها نزلت بين مكة والمدينة، وقيل بالجحفة وهي :﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾الآية.

﴿طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون﴾ قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: ببغيه في استعباد بني إسرائيل وقتل أولادهم، قاله قتادة. الثاني: بكفره وادعاء الربوبية. الثالث: بملكه وسلطانه.
233
وهذه الأرض أرض مصر لأن فرعون ملك مصر، ولم يملك الأرض كلها، ومصر تسمى الأرض ولذلك قيل لبعض نواحيها الصعيد. وفي علوه وجهان: أحدهما: هو لظهوره في غلبته. الثاني: كبره وتجبره. ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً﴾ أي فرقاً. قاله قتادة: فَرّق بين بني إسرائيل والقبط. ﴿يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ﴾ وهم بنو إسرائيل بالاستعباد بالأعمال القذرة. ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ﴾ قال السدي: إن فرعون رأى في المنام أن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فسأل علماء قومه عن تأويله، فقالوا: يخرج من هذا البلد رجل يكون على يده هلاك مصر، فأمر بذبح أبنائهم واستحياء نسائهم، وأسرع الموت في شيوخ بني إسرائيل فقال القبط لفرعون: إن شيوخ بني إسرائيل قد فنوا بالموت وصغارهم بالقتل فاستبقهم لعملنا وخدمتنا أن يستحيوا في عام ويقتلوا في عام فولد هارون في عام الاستحياء وموسى في عام القتل. وطال بفرعون العمر حتى حكى النقاش أنه عاش أربعمائة سنة وكان دميماً قصيراً. وكان أول من خضب بالسواد. وعاش موسى مائة وعشرين سنة. قوله: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ﴾ فيهم قولان: أحدهما: بنو إسرائيل، قاله يحيى بن سلام. الثاني: يوسف وولده، قاله علي رضي الله عنه. ﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمََّةً﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: ولاة الأمر، قاله قتادة. الثاني: قادة متبوعين، قاله قتادة. الثالث: أنبياء لأن الأنبياء فيما بين موسى وعيسى كانوا من بني إسرائيل أولهم موسى وآخرهم عيسى وكان بينهما ألف نبي، قاله الضحاك. ﴿وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنهم بعد غرق فرعون سبَوا القبط فاستعبدوهم بعد أن كانوا عبيدهم فصاروا وارثين لهم، قاله الضحاك.
234
الثاني: أنهم المالكون لأرض فرعون التي كانوا فيها مستضعفين. والميراث زوال الملك عمن كان له إلى من صار إليه، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
235

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى :﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ببغيه في استعباد بني إسرائيل وقتل أولادهم، قاله قتادة.
الثاني : بكفره وادعاء الربوبية.
الثالث : بملكه وسلطانه.
وهذه الأرض أرض مصر لأن فرعون ملك مصر ولم يملك الأرض كلها. ومصر تسمى الأرض ولذلك قيل لبعض نواحيها الصعيد.
وفي علوه وجهان :
أحدهما : هو لظهوره في غلبته.
الثاني : كبره وتجبره.
﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾ أي فرقاً. قاله قتادة : فَرّق بين بني إسرائيل والقبط.
﴿ يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ ﴾ وهم بنو إسرائيل بالاستعباد بالأعمال القذرة.
﴿ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ قال السدي : إن فرعون رأى في المنام أن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فسأل علماء قومه عن تأويله، فقالوا : يخرج من هذا البلد رجل يكون على يده هلاك مصر، فأمر بذبح أبنائهم واستحياء نسائهم، وأسرع الموت في شيوخ بني إسرائيل فقال القبط لفرعون : إن شيوخ بني إسرائيل قد فنوا بالموت وصغارهم بالقتل فاستبقهم لعملنا وخدمتنا [ فأمر ] أن يستحيوا في عام ويقتلوا في عام فولد هارون في عام الاستحياء وموسى في عام القتل. وطال بفرعون العمر حتى حكى النقاش أنه عاش أربعمائة سنة وكان دميماً قصيراً، وكان أول من خضب بالسواد. وعاش موسى مائة وعشرين سنة.
قوله :﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : بنو إسرائيل، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : يوسف وولده، قاله علي رضي الله عنه.
﴿ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمََّةً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ولاة الأمر، قاله قتادة.
الثاني : قادة متبوعين، قاله ابن شجرة.
الثالث : أنبياء لأن الأنبياء فيما بين موسى وعيسى كانوا من بني إسرائيل أولهم موسى وآخرهم عيسى وكان بينهما ألف نبي، قاله الضحاك.
﴿ وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنهم بعد غرق فرعون سبَوا القبط فاستعبدوهم بعد أن كانوا عبيدهم فصاروا وارثين لهم، قاله الضحاك.
الثاني : أنهم المالكون لأرض فرعون التي كانوا فيها مستضعفين. والميراث زوال الملك عمن كان له إلى من صار إليه، ومنه قول عمرو بن كلثوم :
(ورثنا مجد علقمة بن سيف أباح لنا حصون المجد دينا)
ورثنا مجد علقمة بن سيف١ أباح لنا حصون المجد دينا
١ ويروى علقمة بن عمرو، كما يروى حينا بدلا من دينا..
﴿وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون﴾ ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه إلهام من الله قد قذفه في قلبها وليس بوحي نبوة، قاله ابن عباس وقتادة. الثاني: أنه كان رؤيا منام، حكاه ابن عيسى. الثالث: أنه وحي من الله إليها مع الملائكة كوحيه إلى النبيين، حكاه قطرب. ﴿أَنْ أَرْضِعِيه﴾ قال مجاهد: كان الوحي بالرضاع قبل الولادة، وقال غيره بعدها. ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾ يعني القتل الذي أمر به فرعون في بني إسرائيل ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ واليم: البحر وهو النيل.
235
﴿وَلاَ تَخافِي﴾ فيه وجهان: أحدهما: لا تخافي عليه الغرق، قاله ابن زيد. الثاني: لا تخافي عليه الضيعة، قاله يحيى بن سلامة. ﴿وَلاَ تَحْزَنِي﴾ فيه وجهان: أحدهما: لا تحزني على فراقه، قاله ابن زيد. الثاني: لا تحزني أن يقتل، قال يحيى بن سلام. فقيل: إنها جعلته في تابوت طوله خمسة أشبار وعرضه خمسة أشبار وجعلت المفتاح مع التابوت وطرحته في البحر بعد أن أرضعته أربعة أشهر وقال آخرون ثمانية أشهر في حكاية الكلبي. وحكي أنه لما فرغ النجار من صنعه التابوت أتى إلى فرعون يخبره فبعث معه من يأخذه فطمس الله على عينه وقلبه فلم يعرف الطريق فأيقن أنه المولود الذي تخوف فرعون منه فآمن من ذلك الوقت وهو مؤمن آل فرعون. قال ابن عباس: فلما توارى عنها ندَّمها الشيطان وقالت في نفسها لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب أليّ من إلقائه بيدي إلى دواب البحر وحيتانه، فقال الله: ﴿إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ... ﴾ الآية، حكى الأصمعي قال: سمعت جارية أعرابية تنشد:
(استغفر الله لذنبي كله قبلت إنساناً بغير حلّه)
(مثل الغزال ناعماً في دَله فانتصف الليل ولم أُصله)
فقلت: قاتلك الله ما أفصحك! فقالت: أوَيعد هذا فصاحة مع قوله تعالى ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ... ﴾ الآية، فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين. قوله ﴿فَالتْقَطَهُءَآلُ فِرْعَوْنَ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه التقطه جواري امرأته حين خرجن لاستسقاء الماء فوجدن تابوته فحملنه إليها، قاله ابن عباس. الثاني: أن امرأة فرعون خرجت إلى البحر وكانت برصاء فوجدت تابوته فأخذته فبرئت من برصها فقالت: هذا الصبي مبارك، قاله عبد الرحمن بن زيد. ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدوّاً وََحَزَناً﴾ أي ليكون لهم عَدُوّاً وحزناً في عاقبة أمره ولم يكن
236
لهم في الحال عدوّاً ولا حزناً لأن امرأة فرعون فرحت به وأحبته حباً شديداً فذكر الحال بالمآل كما قال الشاعر:
(وللمنايا تربي كل مرضعةٍ ودورنا لخراب الدهر نبنيها.)
﴿وَقَالَتِ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أصحاب فرعون لما علموا بموسى جاءوا ليذبحوه فمنعتهم وجاءت به إلى فرعون وقالت: قرة عين لي ولك. ﴿لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً﴾ فقال فرعون: قرة عين لك فأما لي فلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَونُ بِأَنَّهُ يَكُونُ لَهُ قُرَّةُ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّت امْرَأَتُهُ لَهَدَاهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا هَدَاهَا وََلَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُ ذلِكَ) وفي قرة العين وجهان: أحدهما: أنه بردها بالسرور مأخوذ من القر وهو البرد. الثاني: أنه قر فيها دمعها فلم يخرج بالحزن مأخوذ من قر في المكان إذا أقام فيه. ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أنّ هلاكهم على يديه وفي زمانه.
237
قوله ﴿ فَالتْقَطَهُ َآلُ فِرْعَوْنَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه التقطه جواري امرأته حين خرجن لاستسقاء الماء فوجدن تابوته فحملنه إليها، قاله ابن عباس.
الثاني : أن امرأة فرعون خرجت إلى البحر وكانت برصاء فوجدت تابوته فأخذته فبرئت من برصها فقالت : هذا الصبي مبارك، قاله عبد الرحمن بن زيد.
﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدوّاً وََحَزَناً ﴾ أي ليكون لهم عَدُوّاً وحزناً في عاقبة أمره، ولم يكن لهم في الحال عدوّاً ولا حزناً ؛ لأن امرأة فرعون فرحت به وأحبته حباً شديداً، فذكر الحال بالمآل كما قال الشاعر :
وللمنايا تربّي كل مرضعةٍ ودورنا لخراب الدهر نبنيها.
﴿ وَقَالَتِ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ﴾ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أصحاب فرعون لما علموا بموسى جاءوا ليذبحوه فمنعهم وجاءت به إلى فرعون وقالت : قرة عين لي ولك.
﴿ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ﴾ فقال فرعون : قرة عين لك فأما لي فلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَونُ بِأَنَّهُ يَكُونُ لَهُ قُرَّةُ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّت امْرَأَتُهُ لَهَدَاهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا هَدَاهَا وََلَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُ ذلِكَ "
وفي قرة العين وجهان :
أحدهما : أنه بردها بالسرور مأخوذ من القر وهو البرد.
الثاني : أنه قر فيها دمعها فلم يخرج بالحزن مأخوذ من قر في المكان إذا أقام فيه.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ أنّ هلاكهم على يديه وفي زمانه.
﴿وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ قوله ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مَوسَى فَارِغاً﴾ فيه ستة أوجه:
237
أحدها: فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى، قاله ابن عباس وقتادة. الثاني: فارغاً من وحينا بنسيانه، قاله الحسن وابن زيد. الثالث: فارغاً من الحزن لعلمها أنه لم يغرق، قاله الأخفش. الرابع: معنى فارغاً أي نافراً، قاله العلاء بن زيد. الخامس: ناسياً، قاله اليزيدي. السادس: معناه والهاً، رواه ابن جبير. وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري وهو صحابي: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَزِعاً﴾ من الفزع وفي قوله ﴿وَأَصْبَحَ﴾ وجهان: أحدهما: أنها ألقته ليلاً فأصبح فؤادها فارغاً في النهار. الثاني: أنها ألقته نهاراً ومعنى أصبح أي صار، قال الشاعر:
(مضى الخلفاء بالأمر الرشيد وأصبحت المدينة للوليد)
﴿إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن تصيح عند إلقائه وا إبناه، قاله ابن عباس. الثاني: أن تقول لما حملت لإرضاعه وحضانته هو ابني، قاله السدي لأنه ضاق صدرها لما قيل هو ابن فرعون. الثالث: أن تبدي بالوحي، حكاه ابن عيسى. ﴿لَوْلاَ أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ فيه قولان: أحدهما: بالإيمان، قاله قتادة. الثاني: بالعصمة، قاله السدي. ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال السدي: قد كانت من المؤمنين ولكن لتكون من المصدقين بأنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين. قوله تعالى: ﴿وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ أي استعلمي خبره وتتبّعي أثره. قال الضحاك، واسم أخته كلثمة. ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ﴾ وفيه ثلاثة أقاويل:
238
أحدها: عن جانب، قاله ابن عباس. الثاني: عن بعد، قاله مجاهد ومنه الأجنبي قال علقمة بن عبدة:
(فلا تحرمنّي نائلاً عن جنابةٍ فإني امرؤ وسط القباب غريب)
الثاني: عن شوق، حكاه أبوعمرو بن العلاء وذكر أنها لغة جذام يقولون جنبت إليك [أي اشتقت]. ﴿َوَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أنها أخته لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى رأتهم قد أخذوه. قوله: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ﴾ قال ابن عباس: لا يؤتى بمرضعة فيقبلها وهذا تحريم منع لا تحريم شرع كما قال امرؤ القيس:
(جالت لتصرعني فقلت لها اقصِري إني امرؤ صرعي عليك حرام)
أي ممتنع: ﴿مِن قَبْلُ﴾ أي من قبل مجيء أخته وفي قوله: ﴿مِن قَبْلُ﴾ وجهان: أحدهما: ما ذكرناه. الثاني: من قبل ردّه إلى أمه. ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ الآية. وهذا قول أخته لهم حين رأته لا يقبل المراضع فقالوا لها عند قولها لهم: ﴿وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ وما يُدْريك؟ لعلك تعرفين أهله، فقالت: لا ولكنهم يحرصون على مسرة الملك ويرغبون في ظئره. قوله تعالى: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمَّهِ﴾ قال ابن عباس انطلقت أخته إلى أمه فأخبرتها فجاءت فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصَّه حتى امتلأ جنباه رياً وانطلق بالبشرى إلى امرأة فرعون قد وجدنا لابنك ظئراً، قال أبو عمران الجوني: وكان فرعون يعطي أم موسى في كل يوم ديناراً. وروي أنه قال لأم موسى حين ارتضع منها: كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك؟ فقالت: لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني.
239
فكان من لطف الله بموسى أن جعل إلقاء موسى في البحر وهو الهلاك سبباً لنجاته وسخر فرعون لتربيته وهو يقتل الخلق من بني إسرائيل لأجله وهو في بيته وتحت كنفه. ﴿وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ في قوله: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكَ﴾ الآية. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ﴾ يعني من قوم فرعون. ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: لا يعلمون ما يراد بهم، قاله الضحاك. الثاني: لا يعملون مثل علمها.
240
قوله تعالى :﴿ وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ ﴾ أي استعلمي خبره وتتبّعي أثره. قال الضحاك، واسم أخته كلثمة.
﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ ﴾ وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : عن جانب، قاله ابن عباس.
الثاني : عن بعد، قاله مجاهد ومنه الأجنبي قال علقمة١ بن عبدة :
فلا تحرمنّي نائلاً عن جنابةٍ فإني امرؤ وسط القباب غريب
الثاني : عن شوق، حكاه أبو عمرو بن العلاء وذكر أنها لغة جذام يقولون جنبت إليك [ أي اشتقت ].
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ أنها أخته لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى رأتهم قد أخذوه.
١ في الأصول عكرمة، والتصويب من القرطبي. وعلقمة هنا يخاطب الحارث بن جبلة يمدحه وكان قد أسر أخاه شاسا، وأراد بالنائل إطلاق أخيه شاس من سجنه، فأطلقه ومن معه من أسرى تميم..
قوله :﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ ﴾ قال ابن عباس : لا يؤتى بمرضعة فيقبلها وهذا تحريم منع لا تحريم شرع كما قال امرؤ القيس :
جالت لتصرعني فقلت لها اقصِري إني امرؤ صرعي عليك حرام١
أي ممتنع :
وقوله :﴿ مِن قَبْلُ ﴾ أي من قبل مجيء أخته وفي قوله :﴿ مِن قَبْلُ ﴾ وجهان :
أحدهما : ما ذكرناه.
الثاني : من قبل ردّه إلى أمه.
﴿ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ﴾ الآية. وهذا قول أخته لهم حين رأته لا يقبل المراضع فقالوا لها عند قولها لهم :
﴿ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾ وما يُدْريك ؟ لعلك تعرفين أهله، فقالت : لا ولكنهم يحرصون على مسرة الملك ويرغبون في ظئره.
١ يتحدث الشاعر عن ناقة كادت لنشاطها أن تلقيه فلم تقدر على ذلك لخبرته بالركوب ومعرفته به. وقد جاء هذا البيت في الأصول محرفا وصوبناه من تفسير القرطبي..
قوله تعالى :﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمَّهِ ﴾ قال ابن عباس انطلقت أخته إلى أمه فأخبرتها فجاءت فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصَّه حتى امتلأ جنباه رياً وانطلق بالبشرى إلى امرأة فرعون قد وجدنا لابنك ظئراً، قال أبو عمران الجوني : وكان فرعون يعطي أم موسى في كل يوم ديناراً.
وروي أنه قال لأم موسى حين ارتضع منها : كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك ؟ فقالت : لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني. فكان من لطف الله بموسى أن جعل إلقاء موسى في البحر وهو الهلاك سبباً لنجاته وسخر فرعون لتربيته وهو يقتل الخلق من بني إسرائيل لأجله وهو في بيته وتحت كنفه.
﴿ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ في قوله :﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكَ ﴾ الآية.
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ يعني من قوم فرعون.
﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا يعلمون ما يراد بهم، قاله الضحاك.
الثاني : لا يعملون مثل علمها.
﴿ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين﴾ قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ فيه تسعة أقاويل: أحدها: أربعون سنة، قاله الحسن. الثاني: أربع وثلاثون سنة، قاله سفيان. الثالث: ثلاث وثلاثون سنة، قاله ابن عباس. الرابع: ثلاثون سنة، قاله السدي. الخامس: خمس وعشرون سنة، قاله عكرمة. السادس: عشرون سنة، حكاه يحيى بن سلام. السابع: ثماني عشرة سنة، قاله ابن جبير. الثامن: خمس عشرة سنة، قاله محمد بن قيس. التاسع: الحلم. قاله ربيعة ومالك.
240
والأشد جمع واختلف هل له واحد أم لا، على قولين: أحدهما: لا واحد له، قاله أبو عبيدة. الثاني: له واحد وفيه وجهان: أحدهما: شد، قاله سيبويه. الثاني: شدة، قاله الكسائي. ﴿وَاسْتَوَى﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: اعتدال القوة، قاله ابن شجرة. الثاني: خروج اللحية، قاله ابن قتيبة. الثالث: انتهى شبابه، قاله ابن قتيبة. الرابع: أربعون سنة، قاله ابن عباس. ﴿آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً﴾ في الحكم أربعة أقاويل: أحدها: أنه العقل، قاله عكرمة. الثاني: النبوة، قاله السدي. الثالث: القوة، قاله مجاهد. الرابع: الفقه، قاله ابن اسحاق. قوله: ﴿وَدَخَل الْمَدِينَةَ﴾ فيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها مصر، قاله ابن شجرة. الثاني: منف، قاله السدي. الثالث: عين الشمس، قاله الضحاك. ﴿عَلَى حِينٍ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: نصف النهار والناس قائلون، قاله ابن جبير. الثاني: ما بين المغرب والعشاء، قاله ابن عباس. الثالث: يوم عيد لهم وهم في لهوهم، قاله الحسن. الرابع: لأنهم غفلوا عن ذكره لبعد عهدهم به، حكاه ابن عيسى. ﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ وفيه قولان: أحدهما: من شيعته إسرائيلي ومن عدوه قبطي، قاله ابن عباس. الثاني: من شيعته مسلم ومن عدوه كافر، قاله ابن إسحاق.
241
﴿فاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ حكى ابن سلام أن القبطي سخّر الإسرائيلي ليحمل له حطباً لمطبخ فرعون فأبى عليه فاستغاث بموسى. قال سعيد بن جبير: وكان خبازاً لفرعون ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى﴾ قال قتادة: بعصاه وقال مجاهد: بكفه أي دفعه، الوكز واللكز واحد والدفع. قال رؤبة:
٨٩ (بعدد ذي عُدَّةٍ ووكز} ٩
إلا أن الوكز في الصدر واللكز في الظهر. فعل موسى ذلك وهو لا يريد قتله وانما يريد دفعه. ﴿فَقَضَى عَلَيهِ﴾ أي فقتله. و ﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ أي من إغوائه. ﴿إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُّبِينٌ﴾ قال الحسن: لم يكن يحل قتل الكافر يومئذٍ في تلك الحال لأنها كانت حال كف عن القتال. قوله: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ فيه وجهان: أحدهما: من المغفرة. الثاني: من الهداية. ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ أي عوناً. قال ابن عباس: قال ذلك فابتلي لأن صاحبه الذي أعانه دل عليه.
242
قوله :﴿ وَدَخَل الْمَدِينَةَ ﴾ فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها مصر، قاله ابن شجرة.
الثاني : منف، قاله السدي.
الثالث : عين الشمس، قاله الضحاك.
﴿ عَلَى حِينٍ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : نصف النهار والناس قائلون، قاله ابن جبير.
الثاني : ما بين المغرب والعشاء، قاله ابن عباس.
الثالث : يوم عيد لهم وهم في لهوهم، قاله الحسن.
الرابع : لأنهم غفلوا عن ذكره لبعد عهدهم به، حكاه ابن عيسى.
﴿ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ وفيه قولان :
أحدهما : من شيعته إسرائيلي ومن عدوه قبطي، قاله ابن عباس.
الثاني : من شيعته مسلم ومن عدوه كافر، قاله ابن إسحاق.
﴿ فاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ حكى ابن سلام أن القبطي سخّر الإسرائيلي ليحمل له حطباً لمطبخ فرعون فأبى عليه فاستغاث بموسى. قال سعيد بن جبير : وكان خبازاً لفرعون ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى ﴾ قال قتادة : بعصاه وقال مجاهد : بكفّه أي دفعه، الوكز واللكز واحد والدفع.
قال رؤبة :
بعدد ذي عُدَّةٍ ووكز١ ***
إلا أن الوكز في الصدر واللكز في الظهر.
فعل موسى ذلك وهو لا يريد قتله وإنما يريد دفعه.
﴿ فَقَضَى عَلَيهِ ﴾ أي فقتله.
و ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ أي من إغوائه.
﴿ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُّبِينٌ ﴾ قال الحسن : لم يكن يحل قتل الكافر يومئذٍ في تلك الحال لأنها كانت حال كف عن القتال.
١ ورد هذا البيت في اللسان (وشن) فقال:
وإن حبت أو شاز كل نشز بعدد ذي عدة وركز
والوشز رفع رأس الشيء وكذا الأمر الشديد فأوشاز بمعنى شدائد. والمعنى: فإن سألت بأعداد كثيرة. انظر اللسان – وشز..

قوله :﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من المغفرة.
الثاني : من الهداية.
﴿ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾ أي عوناً. قال ابن عباس : قال ذلك فابتلي لأن صاحبه الذي أعانه دل عليه.
﴿فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين﴾
242
قوله تعالى: ﴿فَأَصْبَحَ في الْمَدِينَةِ خَائِفَاً يَتَرَقَّبُ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: خائفاً من قتل النفس أن يؤخذ بها. الثاني: خائفاً من قومه. الثالث: خائفاً من الله. ﴿يَتَرَقَّبُ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يتلفت من الخوف، قاله ابن جبير. الثاني: ينتظر. وفيما ينتظر فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: ينتظر الطلب إذا قيل إن خوفه كان من قتل النفس. الثاني: ينتظر أن يسلمه قومه إذا قيل إن خوفه منهم. الثالث: ينتظر عقوبة الله إذا قيل إن خوفه كان منه. ﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾ يعني الإسرائيلي الذي كان قد خلصه بالأمس ووكز من أجله القبطي فقتله، استصرخه واستغاثه على رجل آخر من القبط خاصمه. ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه قال ذلك للإسرائيلي لأنه قد أغواه بالأمس حتى قتل من أجله رجلاً ويريد أن يغويه ثانية. الثاني: أنه قال ذلك للقبطي فظن الإسرائيلي أنه عناه فخافه، قاله ابن عباس. ﴿فلَمَّآ أَنْ أَرادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا... ﴾ وهو القبطي لأن موسى أخذته الرقة على الإسرائيلي فقال الإسرائيلي: ﴿قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ﴾ فيه قولان: أحدهما: أن الإسرائيلي رأى غضب موسى عليه وقوله إنك لغوي مبين، فخاف أن قتله فقال: ﴿أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ﴾. الثاني: أن الإسرائيلي خاف أن يكون موسى يقتل القبطي فيقتل به الإسرائيلي فقال ذلك دفعاً لموسى عن قتله، قاله يحيى بن سلام: قال يحيى: وبلغني أن هذا الإسرائيلي هو السامري.
243
وخلى الإسرائيلي القبطي فانطلق القبطي وشاع أن المقتول بالأمس قتله موسى. ﴿... إلاَّ تَكُونَ جَبَّارا فِي الأَرْضِ﴾ قال السدي: يعني قتالاً. قال أبو عمران الجوني: وآية الجبابرة القتل بغير [حق]. وقال عكرمة: لا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين [بغير حق]. ﴿وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ﴾ أي وما هكذا يكون الإصلاح.
244
﴿ فلَمَّا أَنْ أَرادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا. . . ﴾ وهو القبطي لأن موسى أخذته الرقة على الإسرائيلي فقال الإسرائيلي :
﴿ قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الإسرائيلي رأى غضب موسى عليه وقوله إنك لغوي مبين فخاف أن قتله فقال :﴿ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ ﴾.
الثاني : أن الإسرائيلي خاف أن يكون موسى يقتل القبطي فيقتل به الإسرائيلي فقال ذلك دفعاً لموسى عن قتله، قاله يحيى بن سلام. قال يحيى : وبلغني أن هذا الإسرائيلي هو السامري.
وخلى الإسرائيلي القبطي فانطلق القبطي وشاع أن المقتول بالأمس قتله موسى.
﴿. . . إلاَّ أن تَكُونَ جَبَّارا فِي الأَرْضِ ﴾ قال السدي : يعني قتالاً.
قال أبو عمران الجوني : وآية الجبابرة القتل بغير [ حق ].
وقال عكرمة : لا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين [ بغير حق ].
﴿ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ ﴾ أي وما هكذا يكون الإصلاح.
﴿وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين﴾ قوله: ﴿وََجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾ قال الضحاك: هو مؤمن آل فرعون. وقال شعيب: اسمه شمعون. وقال محمد بن اسحاق: شمعان. وقال الضحاك والكلبي: اسمه حزقيل بن شمعون. قال الكلبي: هوابن عم فرعون أخي أبيه. ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقتُلُوكَ﴾ فيه تأويلان: أحدهما: يتشاورون في قتلك، قاله الكلبي، ومنه قول النمر بن تولب:
(أرى الناس قد أحدثوا شيمة وفي كل حادثة يؤتمر)
الثاني: يأمر بعضهم بعضاً بقتلك ومنه قوله ﴿وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُم بِالْمَعْرُوفِ﴾ [الطلاق: ٦] أي ليأمر بعضكم بعضاً وكقول امرىء القيس:
{فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان
244
قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ﴾ قال عكرمة: عرضت لموسى أربع طرق فلم يدر أيتها يسلك. ﴿قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السَّبِيلِ﴾ وفيه وجهان: أحدهما: أنه قال ذلك عند استواء الطرق فأخذ طريق مدين، قاله عكرمة. الثاني: أنه قال ذلك بعد أن اتخذ طريق مدين فقال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل أي قصد الطريق إلى مدين، قاله قتادة والسدي. قال قتادة: مدين ماء كان عليه قوم شعيب. قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ﴾ قال ابن عباس: لما خرج موسى من مصر إلى مدين وبينه وبينهما ثماني ليل ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر وخرج حافياً فما وصل إليها حتى وقع خف قدميه. ﴿وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ﴾ أي جماعة. قال ابن عباس: الأمة أربعون. ﴿يَسْقُونَ﴾ يعني غنمهم ومواشيهم. ﴿وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: تحبسان، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر:
(أحارِ بن عمرٍو كأني خَمِرْ ويعدو على المرء ما يأتمر)
(أبيتُ على باب القوافي كأنما أذود بها سِرباً من الوحش نُزَّعا)
الثاني: تطردان. قال الشاعر:
(لقد سلبت عصاك بنو تميم فما تدري بأيِّ عصى تذود)
وفيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهما تحبسان غنمهما عن الماء لضعفهما عن زحام الناس. قاله أبو مالك والسدي. الثاني: أنهما تذودان الناس عن غنمهما، قاله قتادة.
245
الثالث: تمنعان غنمهما أن تختلط بغنم الناس، حكاه يحيى بن سلام. ﴿قَالَ مَا خَطْبَكُمَا﴾ أي ما شأنكما، وفي الخطب تضخيم الشيء ومنه الخطبة لأنها من الأمر المعظم. ﴿قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ﴾ والصدور الانصراف، ومنه الصّدر لأن التدبير يصدر عنه، والمصدر لأن الأفعال تصدر عنه. والرعاء جمع راع. وفي امتناعهما من السقي حتى يصدر الرعاء وجهان: أحدهما: تصوناً عن الاختلاط بالرجال. الثاني: لضعفهما عن المزاحمة بماشيتهما. ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ وفي قولهما ذلك وجهان: أحدهما: أنهما قالتا ذلك اعتذاراً إلى موسى عن معاناتهما سقي الغنم بأنفسهما. الثاني: قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعاونهما. ﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه زحم القوم عن الماء حتى أخرجهم عنه ثم سقى لهما، قاله ابن إسحاق. الثاني: أنه أتى بئراً عليه صخرة لا يقلها من أهل مدين إلا عشرة فاقتلعها بنفسه وسقى لهما. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ولم يستق إلا ذنوباً واحداً حتى رويت الغنم. ﴿ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ﴾ قال السدي: إلى ظل الشجرة وذكر أنها سَمْرة. ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ قال ابن عباس: قال موسى ذلك وقد لصق بطنه بظهره من الجوع وهو فقير إلى شق تمرة ولو شاء إنسان لنظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع. قال الضحاك: لأنه مكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً إلاّ بقل الأرض؛ فعرض لهما بحاله فقال ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ فيه قولان: أحدهما: شبعة من طعام، قاله ابن عباس. الثاني: شبعة يومين، قاله ابن جبير.
246
قوله تعالى :﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ ﴾ قال عكرمة : عرضت لموسى أربع طرق فلم يدر أيتها يسلك.
﴿ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ وفيه وجهان :
أحدهما : أنه قال ذلك عند استواء الطرق فأخذ طريق مدين، قاله عكرمة.
الثاني : أنه قال ذلك بعد أن اتخذ طريق مدين فقال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل أي قصد الطريق إلى مدين، قاله قتادة والسدي. قال قتادة : مدين ماء كان عليه قوم شعيب.
قوله تعالى :﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ﴾ قال ابن عباس : لما خرج موسى من مصر إلى مدين وبينه وبينها ثماني ليل ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر وخرج حافياً فما وصل إليها حتى وقع خف قدميه.
﴿ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ ﴾ أي جماعة. قال ابن عباس : الأمة أربعون.
﴿ يَسْقُونَ ﴾ يعني غنمهم ومواشيهم.
﴿ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تحبسان، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر١ :
أبيتُ على باب القوافي كأنّما أذود بها سِرباً من الوحش نُزَّعا
الثاني : تطردان. قال الشاعر٢ :
لقد سلبت عصاك بنو تميم فما تدري بأيِّ عصى تذود
وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهما تحبسان غنمهما عن الماء لضعفهما عن زحام الناس، قاله أبو مالك والسدي.
الثاني : أنهما تذودان الناس عن غنمهما، قاله قتادة.
الثالث : تمنعان غنمهما أن تختلط بغنم الناس، حكاه يحيى بن سلام.
﴿ قَالَ مَا خَطْبَكُمَا ﴾ أي ما شأنكما، وفي الخطب تضخيم الشيء ومنه الخطبة لأنها من الأمر المعظم.
﴿ قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ﴾ والصدور الانصراف، ومنه الصّدر لأن التدبير يصدر عنه، والمصدر لأن الأفعال تصدر عنه. والرعاء جمع راع.
وفي امتناعهما من السقي حتى يصدر الرعاء وجهان :
أحدهما : تصوّناً عن الاختلاط بالرجال.
الثاني : لضعفهما عن المزاحمة بماشيتهما.
﴿ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ وفي قولهما ذلك وجهان :
أحدهما : أنهما قالتا ذلك اعتذاراً إلى موسى عن معاناتهما سقي الغنم بأنفسهما.
الثاني : قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعاونهما.
١ البيت لسويد بن كراع يذكر تنقيحه شعره..
٢ هو جرير يهجو الفرزدق..
﴿ فَسَقَى لَهُمَا ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه زحم القوم عن الماء حتى أخرجهم عنه ثم سقى لهما، قاله ابن إسحاق.
الثاني : أنه أتى بئراً عليه صخرة لا يقلها من أهل مدين إلا عشرة فاقتلعها بنفسه وسقى لهما. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ولم يستق إلا ذنوباً واحداً حتى رويت الغنم.
﴿ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ قال السدي : إلى ظل الشجرة وذكر أنها سَمْرة.
﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ قال ابن عباس : قال موسى ذلك وقد لصق بطنه بظهره من الجوع وهو فقير إلى شق تمرة ولو شاء إنسان لنظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع.
قال الضحاك : لأنه مكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً إلاّ بقل الأرض فعرّض لهما بحاله فقال ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : شبعه من طعام، قاله ابن عباس.
الثاني : شبعة يومين، قاله ابن جبير.
﴿فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل﴾ قوله تعالى: ﴿فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَآءٍ﴾ قال ابن عباس: فاستبكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حُفّلا بطاناً فقال لهما: إن لكما اليوم لشأناً فأخبرتاه بما صنع موسى فأمر إحداهما أن تدعوه فجاءته تمشي على استحياء، وفيه قولان: أحدهما: أنه استتارها بكم درعها، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الثاني: أنه بعدها من النداء، قاله الحسن. وفي سبب استحيائها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها دعته لتكافئه وكان الأجمل مكافأته من غير عناء. الثاني: لأنها كانت رسولة أبيها. الثالث: ما قاله عمر لأنها ليست بسلفع من النساء خَرَّاجة ولاّجة. ﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ﴾ وفي أبيها قولان: أحدهما: أنه شعيب النبي عليه السلام. الثاني: أنه يثرون ابن أخي شعيب، قاله أبو عبيدة والكلبي. وكان اسم التي دعت موسى وتزوجها: صفوريا. واسم الأخرى فيه قولان:
247
إحدهما: ليا، قاله ابن اسحاق. الثاني: شرفا، قاله ابن جرير. ﴿لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ أي ليكافئك على ما سقيت لنا فمشت أمامه فوصف الريح عجيزتها فقال لها: امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت. ﴿فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ﴾ أي أخبره بخبره مع آل فرعون. ﴿قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ قال ابن عباس: يعني أنه ليس لفرعون وقومه عليّ سلطان ولسنا في مملكته. قوله تعالى: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَآ أَبَتِ أَسْتَأْجِرْهُ﴾ والقائلة هي التي دعته وهي الصغرى يعني استأجره لرعي الغنم. ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ فيه قولان: أحدهما: القوي فيما ولي، الأمين فيما استودع، قاله ابن عباس. الثاني: القوي في بدنه، الأمين في عفافه. وروي أن أباها لما قالت له ذلك دخلته الغيرة فقال لها: وما علمك بقوته وأمانته؟ قالت: أما قوته فأنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان ولا يكشفها دون عشرة، وأما أمانته فإنه خلفني خلف ظهره حين مشى. قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾ فروى عبد الرحمن بن زيد أن موسى قال: فأيهما تريد أن تنكحني؟ قال: التي دعتك، قال: لا إلا أن تكون تريد ما دخل في نفسك عليها فقال: هي عندي كذلك فزوجه وكانت الصغيرة واسمها صفوريا. ﴿عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حَجَجٍ﴾ يعني عمل ثماني حجج فأسقط ذكر العمل واقتصر على المدة لأنه مفهوم منها، والعمل رعي الغنم. واختلف في هذه الثماني حجج على قولين: أحدهما: أنها صداق المنكوحة. الثاني: أنها شرط الأب في إنكاحها إياه وليس بصداق.
248
﴿فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرَاً فَمِنْ عِنْدِكَ﴾ قال ابن عباس كانت على نبي الله موسى ثماني حجج واجبة وكانت سنتان عِدة منه فقضى الله عنه عِدته فأتمها عشراً. ﴿وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ فيه قولان: أحدهما: من الصالحين في حسن الصحبة. قاله ابن إسحاق. الثاني: فيما وعده به. حكى يحيى بن سلام أنه جعل لموسى كل سخلة توضع على خلاف شبه أمها فأوحى الله إلىموسى أن ألق عصاك في الماء فولدت كلهن خلاف شبههن. وقال غير يحيى: بل جعل له كل بلقاء فولدن كلهن بُلْقاً. قوله تعالى: ﴿فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ قال السدي: لا سبيل عليّ. ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: قول السدي: شهيد. الثاني: حفيظ، قاله قتادة. الثالث: رقيب، قاله ابن شجرة. فروي أن النبي ﷺ قال: (إِنَّ مُوسَى أَجَّرَ نَفْسَهُ بِعِفَّةِ فَرْجِهِ وَطُعْمَةِ بَطْنِهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَيُّ الأَجَلَيْنِ قَضَى؟ فَقَالَ أَبَرُّهُمَا وَأَوفَاهُمَا).
249
قوله تعالى :﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يا أَبَتِ أستأجره ﴾ والقائلة هي التي دعته وهي الصغرى يعني استأجره لرعي الغنم.
﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت الْقَوِيُّ الأَمِينُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : القوي فيما ولي، الأمين فيما استودع، قاله ابن عباس.
الثاني : القوي في بدنه، الأمين في عفافه. وروي أن أباها لما قالت له ذلك دخلته الغيرة فقال لها : وما علمك بقوته وأمانته ؟ قالت : أما قوته فأنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان ولا يكشفها دون عشرة، وأما أمانته فإنه خلفني خلف ظهره حين مشى.
قوله تعالى :﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ﴾ فروى عبد الرحمن بن زيد أن موسى قال : فأيهما تريد أن تنكحني ؟ قال : التي دعتك، قال : لا إلا أن تكون تريد ما دخل في نفسك عليها فقال : هي عندي كذلك فزوجه وكانت الصغيرة واسمها صفوريا.
﴿ عَلَى أَن تأجرني ثَمَانِيَ حَجَجٍ ﴾ يعني عمل ثماني حجج فأسقط ذكر العمل واقتصر على المدة لأنه مفهوم منهما. والعمل رعي الغنم.
واختلف في هذه الثماني حجج على قولين :
أحدهما : أنها صداق المنكوحة.
الثاني : أنها شرط الأب في إنكاحها إياه وليس بصداق.
﴿ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرَاً فَمِنْ عِنْدِكَ ﴾ قال ابن عباس كانت على نبي الله موسى ثماني حجج واجبة وكانت سنتان عِدة منه فقضى الله عنه عِدته فأتمها عشراً.
﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : من الصالحين في حسن الصحبة، قاله ابن إسحاق.
الثاني : فيما وعده به.
حكى يحيى بن سلام أنه جعل لموسى كل سخلة توضع على خلاف شبه أمها فأوحى الله إلى موسى أن ألق عصاك في الماء فولدت كلهن خلاف شبههن. وقال غير يحيى : بل جعل له كل بلقاء فولدن كلهن بُلْقاً.
قوله تعالى :﴿ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ ﴾ قال السدي : لا سبيل عليّ.
﴿ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : قول السدي : شهيد.
الثاني : حفيظ، قاله قتادة.
الثالث : رقيب، قاله ابن شجرة.
فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إِنَّ مُوسَى أَجَّرَ نَفْسَهُ بِعِفَّةِ فَرْجِهِ وَطُعْمَةِ بَطْنِهِ، فَقِيلَ لَهُ : أَيُّ الأَجَلَيْنِ قَضَى ؟ فَقَالَ أَبَرُّهُمَا وَأَوفَاهُمَا١ ".
١ رواه البخاري ٥/ ٢١٣، ٢١٤ شهادات. باب من أمر بإنجاز الوعد (جامع الأصول ٢/ ٢٩٥).
{فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من
249
النار لعلكم تصطلون فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين} قوله: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ﴾ يعني العمل الذي شُرِطَ عليه. ﴿وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾ أي بزوجته. ﴿ءانَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً﴾ أي رأى، وقد يعبر عن الرؤية بالعلم. ﴿قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُواْ إِنِّيءَانَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيءَاتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: بخبر الطريق الذي أراد قصده هل هو على صوبه أو منحرف عنه. الثاني: بخبر النار التي رأها هل هي لخير يأنس به أو لشر يحذره. ﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ﴾ فيها أربعة أوجه: أحدها: الجذوة أصل الشجرة فيها نار، قاله قتادة. الثاني: أنها عود في بعضه نار وليس في بعضه نار، قاله الكلبي. الثالث: أنها عود فيه نار ليس له لهب، قاله زيد بن أسلم. الرابع: أنها شهاب من نار ذي لهب، قاله ابن عباس. قال الشاعر:
(وألقي على قبس من النار جذوة شديدٌ عليها حميها والتهابها.)
﴿لَعلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ أي تستدفئون. قوله تعالى: ﴿فَلَمَّآ أَتَاهَا﴾ يعني النار أي قرب منها. ﴿نُودِيَ مِن شَاطِيءِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارََكَةِ﴾ وهي البقعة التي قال الله فيها لموسى ﴿اخلَعْ نَعْلَيكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طَوًى﴾.
250
واحتمل وصفها بالبركة وجهين: أحدهما: لأن الله كلم فيها موسى وخصه فيها بالرسالة. الثاني: أنها كانت من بقاع الخصب وبلاد الريف. ثم قال تعالى: ﴿مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ فأحل الله كلامه في الشجرة حتى سمعه موسى منها، لأنه لا يستطيع أن يسمعه من الله وهذه أعلى منازل الأنبياء أن يسمعوا كلام الله من غير رسول مبلغ وكان الكلام مقصوراً على تعريفه بأنه الله رب العالمين إثباتاً لوحدانيته ونفياً لربوبية غيره، وصار بهذا الكلام من أصفياء الله من رسله لأنه لا يصير رسولاً إلا بعد أمره بالرسالة، والأمر بها إنما كان بعد هذا الكلام. فإن قيل: فكيف أضاف البركة إلى البقعة دون الشجرة والشجرة بالبركة أخص لأن الكلام عنها صدر ومنها سُمِعَ؟ قيل: عنه جوابان: أحدهما: أن الشجرة لما كانت في البقعة أضاف البركة إلى البقعة لدخول الشجرة فيها ولم يخص به الشجرة فتخرج البقعةوصار إضافتها إلى البقعة أعم. الثاني: أن البركة نفذت من الشجرة إلى البقعة فصارت البقعة بها مباركة فلذلك خصّها الله بذكر البركة، قاله ابن عباس، والشجرة هي العليق وهي العوسج. قوله تعالى: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ... ﴾ الآية وإنما أمره بإلقاء عصاه في هذا الحال ليكون برهاناً عنده بأن الكلام الذي سمعه كلام الله ثم ليكون برهاناً له إلى من يرسل إليه من فرعون وملئه. فإن قيل: فإذا كانت برهاناً إليه وبرهاناً له فلم ولَّى منها هارباً؟ قيل لأمرين: أحدهما: رأى ما خالف العادة فخاف. الثاني: أنه يجوز أن يظن الأمر بإلقائها لأجل أذاها فولَّى هارباً حتى نودي فعلم. ﴿... ولَمْ يُعَقِّبْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: ولم يثبت، اشتقاقاً من العقب الذي يثبت القدم.
251
الثاني: ولم يتأخر لسرعة مبادرته. ويحتمل ثالثاً: أي لم يلتفت إلى عقبه لشدة خوفه وسرعة هربه. ﴿يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مَنَ الآمِنِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: الآمنين من الخوف. الثاني: من المرسلين لقوله تعالى: ﴿إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ قال ابن بحر: فصار على هذا التأويل رسولاً بهذا القول. وعلى التأويل الأول يصير رسولاً بقوله: ﴿فَذَانِكَ بُرْهَاناَنِ مِنَ رَبِّكَ إلَى فِرْعَونَ وَمَلإِئْهِ﴾ والبرهانان اليد والعصا. وفي قوله تعالى: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ وجهان: أحدهما: أن الجناح الجيب جيب القميص وكان عليه مدرعة صوف. الثاني: أن الجيب جنب البدن. ﴿مِنَ الرَّهْبِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن الرهب الكُمّ، قاله مورق. الثاني: أنه من الخوف.
252
قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا ﴾ يعني النار أي قرب منها.
﴿ نُودِيَ مِن شاطئ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارََكَةِ ﴾ وهي البقعة التي قال الله فيها لموسى ﴿ اخلَعْ نَعْلَيكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴾.
واحتمل وصفها بالبركة وجهين :
أحدهما : لأن الله كلم فيها موسى وخصّه فيها بالرسالة.
الثاني : أنها كانت من بقاع الخصب وبلاد الريف.
ثم قال تعالى :﴿ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ فأحل الله كلامه في الشجرة حتى سمعه موسى منها، لأنه لا يستطيع أن يسمعه من الله وهذه أعلى منازل الأنبياء أن يسمعوا كلام الله من غير رسول مبلغ وكان الكلام مقصوراً على تعريفه بأنه الله رب العالمين إثباتاً لوحدانيته ونفياً لربوبية غيره، وصار بهذا الكلام من أصفياء الله لا من رسله لأنه لا يصير رسولاً إلا بعد أمره بالرسالة، والأمر بها إنما كان بعد هذا الكلام.
فإن قيل : فكيف أضاف البركة إلى البقعة دون الشجرة والشجرة بالبركة أخص لأن الكلام عنها صدر ومنها سُمِعَ ؟
قيل : عنه جوابان :
أحدهما : أن الشجرة لما كانت في البقعة أضاف البركة إلى البقعة لدخول الشجرة فيها ولم يخص به الشجرة فتخرج البقعة وصار إضافتها إلى البقعة أعم.
الثاني : أن البركة نفذت من الشجرة إلى البقعة فصارت البقعة بها مباركة فلذلك خصّها الله بذكر البركة، قاله ابن عباس، والشجرة هي العلّيق وهي العوسج.
قوله تعالى :﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ. . . ﴾ الآية وإنما أمره بإلقاء عصاه في هذا الحال ليكون برهاناً عنده بأن الكلام الذي سمعه كلام الله ثم ليكون برهاناً له إلى من يرسل إليه من فرعون وملئه.
فإن قيل : فإذا كانت برهاناً إليه وبرهاناً له فلم ولَّى منها هارباً ؟
قيل لأمرين :
أحدهما : رأى ما خالف العادة فخاف.
الثاني : أنه يجوز أن يظن الأمر بإلقائها لأجل أذاها فولَّى هارباً حتى نودي فعلم.
﴿. . . ولَمْ يُعَقِّبْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ولم يثبت، اشتقاقاً من العقب الذي يثبت القدم.
الثاني : ولم يتأخر لسرعة مبادرته.
ويحتمل ثالثاً : أي لم يلتفت إلى عقبه لشدة خوفه وسرعة هربه.
﴿ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مَنَ الآمِنِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الآمنين من الخوف.
الثاني : من المرسلين لقوله تعالى :﴿ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾. قال ابن بحر : فصار على هذا التأويل رسولاً بهذا القول. وعلى التأويل الأول يصير رسولاً بقوله :﴿ فَذَانِكَ بُرْهَاناَنِ مِنَ رَبِّكَ إلَى فِرْعَونَ وَمَلإئْهِ ﴾ والبرهانان اليد والعصا.
وفي قوله تعالى :﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ﴾ وجهان :
أحدهما : أن الجناح الجيب جيب القميص وكان عليه مدرعة صوف.
الثاني : أن الجيب جنب البدن.
﴿ مِنَ الرَّهْبِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الرهب الكُمّ، قاله مؤرج.
الثاني : أنه من الخوف.
﴿قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون﴾ قوله تعالى: ﴿رِدْءاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: عوناً، قاله مجاهد.
252
الثاني: زيادة، والردء الزيادة وهو قول مسلم بن جندب وأنشد قول الشاعر:
253
قوله تعالى :﴿ رِدْءاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عوناً، قاله مجاهد.
الثاني : زيادة، والردء الزيادة وهو قول مسلم بن جندب وأنشد قول الشاعر١ :
(وأسمر خطيّاً كأن كعوبه نوى القسب قد أردى ذِراعاً على العشر)
وأسمر خطيّاً كأن كعوبه نوى القسب قد أردى ذِراعاً على العشر٢
١ هو النواح الكلابي كما في معجم شواهد العربية للأستاذ عبد السلام هارون..
٢ وروى أرمى وأربى وهما بمعنى زاد ومثلهما أردى. والقسب التمر اليابس والشاعر يصف رمحا..
﴿وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين﴾ قوله: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ قال ابن عباس: كان بينها وبين قوله ﴿أنا ربكم الأعلى﴾ أربعون سنة. ﴿فأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانَ عَلَى الطِّينِ﴾ قال قتادة: هو أول من طبخ الآجر. ﴿فَاجْعَلَ لِّي صَرْحاً﴾ الصرح القصر العالي. قال قتادة: هو أول من صنع له الصرح. ﴿لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾ الآية. فحكى السدي أن فرعون صعد الصرح ورمى نشابه نحو السماء فرجعت إليه متلطخة دماً: قد قتلت إِله موسى. قوله تعالى: ﴿فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ قال قتادة: بحر يقال له أساف من وراء مصر غرقهم الله فيه. قوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً﴾ يعني فرعون وقومه، وفيه وجهان: أحدهما: زعماء يُتْبَعُونَ على الكفر. الثاني: أئمة يأتم بهم ذوو العبر ويتعظ بهم أهل البصائر.
253
﴿يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يدعون إلى عمل أهل النار. الثاني: يدعون إلى ما يوجب النار. قوله: ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ فيه وجهان: أحدهما: يعني خزياً وغضباً. الثاني: طرداً منها بالهلاك فيها. ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: من المقبحين بسواد الوجوه وزرقة الأعين، قاله الكلبي. الثاني: من المشوهين بالعذاب، قاله مقاتل. الثالث: من المهلكين، قاله الأخفش وقطرب. الرابع: من المغلوبين، قاله ابن بحر.
254
قوله تعالى :﴿ فنبذناهم في اليمّ ﴾ قال قتادة : بحر يقال له أساف من وراء مصر غرقهم الله فيه.
قوله :﴿ وجعلناهم أئمة ﴾ يعني فرعون وقومه، وفيه وجهان :
أحدهما : زعماء يتبعون على الكفر.
الثاني : أئمة يأتم بهم ذوو العبر ويتعظ بهم أهل البصائر.
﴿ يدعون إلى النار ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يدعون إلى عمل أهل النار.
الثاني : يدعون إلى ما يوجب النار.
قوله :﴿ وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني خزيا وغضبا.
الثاني : طردا منها بالهلاك فيها.
﴿ ويوم القيامة هم من المقبوحين ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : من المقبحين بسواد الوجوه وزرقة الأعين، قاله الكلبي.
الثاني : من المشوهين بالعذاب، قاله مقاتل.
الثالث : من المهلكين، قاله الأخفش وقطرب.
الرابع : من المغلولين، قاله ابن بحر.
{ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى
254
بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون} قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنها ست من المثاني التي التي أنزلها الله على رسوله محمد صلىالله عليه وسلم، قاله ابن عباس ورواه مرفوعاً. الثاني: أنها التوراة، قاله قتادة. قال يحيى بن سلام: هو أول كتاب نزل فيه الفرائض والحدود والأحكام. ﴿مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى﴾ قال أبو سعيد الخدري: ما أهلك الله أمة من الأمم ولا قرناً من القرون ولا قرية من القرى بعذاب من السماء ولا من الأرض منذ أنزل الله التوراة على وجه الأرض غير القرية التي مسخهم الله قردة، ألم تر إلى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابِ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى﴾. ومعنى قوله: ﴿بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ﴾ أي بينات. ﴿وَهُدًى﴾ أي دلالة ﴿وَرَحْمَةً﴾ أي نعمة. ﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ أي ليذكروا هذه النعمة فيقيموا على إيمانهم في الدنيا ويثقوا بثوابهم في الآخرة.
255
﴿وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين﴾ قوله: ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِب الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا﴾ هذا خطاب للنبي ﷺ، وما كنت يا محمد ﴿بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا﴾ وفيه وجهان: أحدهما: نودي يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني، قاله أبو هريرة. الثاني: أنهم نودوا في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بُعِثْتَ، قاله مقاتل. ﴿وَلَكِن رَّحْمَةَ مِّن رَّبِّكَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن ما نودي به موسى من جانب الطور من ذكرك نعمة من ربك. الثاني: أن إرسالك نبياً إلى قومك نعمة من ربك. ﴿لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ يعني العرب.
قوله :﴿ وَمَا كُنتَ بِجَانِب الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا ﴾ هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وما كنت يا محمد ﴿ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا ﴾ وفيه وجهان :
أحدهما : نودي يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني، قاله أبو هريرة.
الثاني : أنهم نودوا في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بُعِثْتَ، قاله مقاتل.
﴿ وَلَكِن رَّحْمَةَ مِّن رَّبِّكَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن ما نودي به موسى من جانب الطور من ذكرك نعمة من ربك.
الثاني : أن إرسالك نبياً إلى قومك نعمة من ربك.
﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ يعني العرب.
{فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون
255
قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون} قوله تعالى: ﴿... قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ قرأ الكوفيون سحران، فمن قرأ ساحران ففيه ثلاثة أقاويل: أحدها: موسى ومحمد عليهما السلام، وهذا قول مشركي العرب، وبه قال ابن عباس والحسن. الثاني: موسى وهارون عليهما السلام وهذا قول اليهود لهما في ابتداء الرسالة، قاله ابن جبير ومجاهد وأبو زيد. الثالث: عيسى ومحمد ﷺ، وهذا قول اليهود اليوم، وبه قال قتادة. ومن قرأ سحران ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنها التوارة والقرآن، قاله عاصم الجحدري والسدي. الثاني: التوراة والإنجيل، قاله إسماعيل وأبو مجلز. الثالث: الإنجيل والقرآن، قاله قتادة. ﴿قَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ يعني بما ذكره على اختلاف الأقاويل وفي قائل ذلك قولان: إحداهما: اليهود. الثاني: قريش. قوله: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمْ الْقَوْلَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: معناه بيَّنا لهم القول، قاله السدي. الثالث: أتبعنا بعضه بعضاً، قاله علي بن عيسى. وفي ﴿الْقَوْلَ﴾ وجهان: أحدهما: أن الخبر عن الدنيا والآخرة، قاله ابن زيد.
256
الثاني: إخبارهم بمن أهلكنا من قوم نوح بكذا وقوم صالح بكذا وقوم هود بكذا. ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يتذكرون محمداً فيؤمنوا به، قاله ابن عباس. الثاني: يتذكرون فيخافون أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم، قاله ابن عيسى. الثالث: لعلهم يتعظون بالقرآن عن عبادة الأوثان، حكاه النقاش.
257
قوله :﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمْ الْقَوْلَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه بيَّنا لهم القول، قاله السدي.
الثاني : أتممنا كصلتك الشيء بالشيء، قاله الأخفش.
الثالث : أتبعنا بعضه بعضاً، قاله علي بن عيسى.
وفي ﴿ الْقَوْلَ ﴾ وجهان :
أحدهما : أن الخبر عن الدنيا والآخرة، قاله ابن زيد.
الثاني : إخبارهم بمن أهلكنا من قوم نوح بكذا وقوم صالح بكذا وقوم هود بكذا.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يتذكرون محمداً فيؤمنوا به، قاله ابن عباس.
الثاني : يتذكرون فيخافون أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم، قاله ابن عيسى.
الثالث : لعلهم يتعظون بالقرآن عن عبادة الأوثان، حكاه النقاش.
﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين﴾ قوله تعالى: ﴿الَّذِينَءَآتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يعني الذين آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل القرآن هم بالقرآن يؤمنون، قاله يحيى بن سلام. الثاني: الذي آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل محمد هم بمحمد يؤمنون، قاله ابن شجرة. وفيمن نزلت قولان: أحدهما: نزلت في عبد الله بن سلام وتميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي أسلموا فنزلت فيهم هذه الآية والتي بعدها، قاله قتادة. الثاني: أنها نزلت في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل كانوا مسلمين بالنبي ﷺ قبل مبعثه، اثنان وثلاثون رجلاً من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب وقت قدومه وثمانية قدموا من الشام. منهم بحيراً وأبرهة والأشراف وعامر وأيمن وإدريس ونافع فأنزل الله فيهم هذه الآية، والتي بعدها إلى قوله ﴿أُوْلَئِكَ يُؤْتُوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ﴾ قال قتادة: [بإيمانهم] بالكتاب الأول وإيمانهم بالكتاب الآخر.
257
وفي قوله بما صبروا ثلاثة أوجه: أحدها: بما صبروا على الإيمان، قاله ابن شجرة. الثاني: على الأذى، قاله مجاهد. الثالث: على طاعة الله وصبروا عن معصية الله، قاله قتادة. ﴿... وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ فيه خمسة أوجه: أحدها: يدفعون بالعمل الصالح ما تقدم من ذنب، قاله ابن شجرة. الثاني: يدفعون بالحلم جهل الجاهل، وهذا معنى قول يحيى بن سلام. الثالث: يدفعون بالسلام قبح اللقاء، وهذا معنى قول النقاش. الرابع: يدفعون بالمعروف المنكر، قاله ابن جبير. الخامس: يدفعون بالخير الشر، قاله ابن زيد. ويحتمل سادساً: يدفعون بالتوبة ما تقدم من المعصية. ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُفِقُونَ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يؤتون الزكاة احتساباً، قاله ابن عباس. الثاني: نفقة الرجل على أهله وهذا قبل نزول الزكاة، قاله السدي. الثالث: يتصدقون من أكسابهم، قاله قتادة. قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنهم قوم من اليهود أسلموا فكان اليهود يتلقونهم بالشتم والسب فيعرضون عنهم، قاله مجاهد. الثاني: أنهم قوم من اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غَيّره اليهود من التوراة وبدلوه من نعت محمد ﷺ وصفته أعرضوا عنه وكرهوا تبديله، قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. الثالث: أنهم المؤمنون إذا سمعوا الشرك أعرضوا عنه، قاله الضحاك ومكحول. الرابع: أنهم أناس من أهل الكتاب لم يكونوا يهوداً ولا نصارى وكانوا على دين أنبياء الله وكانوا ينتظرون بعثة رسول الله ﷺ فلما سمعوا بظهوره بمكة قصدوه، فعرض عليهم القرآن وأسلمواْ.
258
وكان أبو جهل ومن معه من كفار قريش يلقونهم فيقولون لهم: أفٍّ لكم من قوم منظور إليكم تبعتم غلاماً قد كرهه قومه وهم أعلم به منكم فإذا ذلك لهم أعرضوا عنهم، قاله الكلبي. ﴿قَالُواْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: لنا ديننا ولكم دينكم، حكاه النقاش. الثاني: لنا حلمنا ولكم سفهكم. ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ رَدّوا خيراً واستكفوا شراً، وفيه تأويلان: أحدهما: لا نجازي الجاهلين، قاله قتادة. الثاني: لا نتبع الجاهلين، قاله مقاتل.
259
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٢:قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ َآتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني الذين آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل القرآن هم بالقرآن يؤمنون، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : الذي آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل محمد هم بمحمد يؤمنون، قاله ابن شجرة.

وفيمن نزلت قولان :

أحدهما : نزلت في عبد الله بن سلام وتميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي أسلموا فنزلت فيهم هذه الآية والتي بعدها، قاله قتادة.
الثاني : أنها نزلت في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل كانوا مسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، اثنان وثلاثون رجلاً من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب وقت قدومه وثمانية قدموا من الشام. منهم بحيراً وأبرهة والأشراف وعامر وأيمن وإدريس ونافع فأنزل الله فيهم هذه الآية، والتي بعدها إلى قوله ﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْتُوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ﴾ قال قتادة :[ بإيمانهم ] بالكتاب الأول وإيمانهم بالكتاب الآخر.

وفي قوله بما صبروا ثلاثة أوجه :

أحدها : بما صبروا على الإيمان، قاله ابن شجرة.
الثاني : على الأذى، قاله مجاهد.
الثالث : على طاعة الله وصبروا عن معصية الله، قاله قتادة.
﴿... وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : يدفعون بالعمل الصالح ما تقدم من ذنب، قاله ابن شجرة.
الثاني : يدفعون بالحلم جهل الجاهل، وهذا معنى قول يحيى بن سلام.
الثالث : يدفعون بالسلام قبح اللقاء، وهذا معنى قول النقاش.
الرابع : يدفعون بالمعروف المنكر، قاله ابن جبير.
الخامس : يدفعون بالخير الشر، قاله ابن زيد.
ويحتمل سادساً : يدفعون بالتوبة ما تقدم من المعصية.
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يؤتون الزكاة احتساباً، قاله ابن عباس.
الثاني : نفقة الرجل على أهله وهذا قبل نزول الزكاة، قاله السدي.
الثالث : يتصدقون من أكسابهم، قاله قتادة.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٢:قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ َآتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني الذين آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل القرآن هم بالقرآن يؤمنون، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : الذي آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل محمد هم بمحمد يؤمنون، قاله ابن شجرة.

وفيمن نزلت قولان :

أحدهما : نزلت في عبد الله بن سلام وتميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي أسلموا فنزلت فيهم هذه الآية والتي بعدها، قاله قتادة.
الثاني : أنها نزلت في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل كانوا مسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، اثنان وثلاثون رجلاً من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب وقت قدومه وثمانية قدموا من الشام. منهم بحيراً وأبرهة والأشراف وعامر وأيمن وإدريس ونافع فأنزل الله فيهم هذه الآية، والتي بعدها إلى قوله ﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْتُوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ﴾ قال قتادة :[ بإيمانهم ] بالكتاب الأول وإيمانهم بالكتاب الآخر.

وفي قوله بما صبروا ثلاثة أوجه :

أحدها : بما صبروا على الإيمان، قاله ابن شجرة.
الثاني : على الأذى، قاله مجاهد.
الثالث : على طاعة الله وصبروا عن معصية الله، قاله قتادة.
﴿... وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : يدفعون بالعمل الصالح ما تقدم من ذنب، قاله ابن شجرة.
الثاني : يدفعون بالحلم جهل الجاهل، وهذا معنى قول يحيى بن سلام.
الثالث : يدفعون بالسلام قبح اللقاء، وهذا معنى قول النقاش.
الرابع : يدفعون بالمعروف المنكر، قاله ابن جبير.
الخامس : يدفعون بالخير الشر، قاله ابن زيد.
ويحتمل سادساً : يدفعون بالتوبة ما تقدم من المعصية.
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يؤتون الزكاة احتساباً، قاله ابن عباس.
الثاني : نفقة الرجل على أهله وهذا قبل نزول الزكاة، قاله السدي.
الثالث : يتصدقون من أكسابهم، قاله قتادة.

قوله تعالى :﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنهم قوم من اليهود أسلموا فكان اليهود يتلقونهم بالشتم والسب فيعرضون عنهم، قاله مجاهد.
الثاني : أنهم قوم من اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غَيّره اليهود من التوراة وبدلوه من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته أعرضوا عنه وكرهوا تبديله، قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
الثالث : أنهم المؤمنون إذا سمعوا الشرك أعرضوا عنه، قاله الضحاك ومكحول.
الرابع : أنهم أناس من أهل الكتاب لم يكونوا يهوداً ولا نصارى وكانوا على دين أنبياء الله وكانوا ينتظرون بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعوا بظهوره بمكة قصدوه، فعرض عليهم القرآن وأسلموا.
وكان أبو جهل ومن معه من كفار قريش يلقونهم فيقولون لهم : أفٍّ لكم من قوم منظور إليكم تبعتم غلاماً قد كرهه قومه وهم أعلم به منكم. فإذا ذلك لهم أعرضوا عنهم، قاله الكلبي.
﴿ قَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لنا ديننا ولكم دينكم، حكاه النقاش.
الثاني : لنا حلمنا ولكم سفهكم.
﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ رَدّوا خيراً واستكفوا شراً، وفيه تأويلان :
أحدهما : لا نجازي الجاهلين، قاله قتادة.
الثاني : لا نتبع الجاهلين، قاله مقاتل.
﴿إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: من أحببت هدايته. الثاني: من أحببته لقرابته، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن: نزلت في أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم. وروى أبو هريرة أن النبي قال لعمه أبي طالب (قُل لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِندَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ) فقال: لولا أن تعيرني بها قريش لأقررت عينيك بها. وروى مجاهد أنه قال: يا ابن أخي ملة الأشياخ، فنزلت الآية تعني أبا طالب. ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ قاله قتادة: يعني العباس.
259
﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ قال مجاهد: يعني بمن قدر له الهدى والضلالة. قوله تعالى: ﴿وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ﴾ قيل إن هذه الآية نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف القرشي قال للنبي ﷺ إنا لنعلم أن قولك حق ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك ونؤمن بك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا يعني بمكة فإنما نحن أكلة رأس العرب ولا طاقة لنا بهم، فأجاب الله عما اعتل به فقال: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماًءَامِناً﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه جعله آمناً بما طبع النفوس عليه من السكون إليه حتى لا ينفر منه الغزال والذئب والحمام والحدأة. الثاني: أنه جعله آمناً بالأمر الوارد من جهته بأمان من دخله ولاذ به، قاله يحيى بن سلام. يقول كنتم آمنين في حرمي تأكلون وتعبدون غيري أفتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي. ﴿يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي تجمع إليه ثمرات كل أرض وبلد. وحكى مجاهد أن كتاباً وجد عند المقام فيه: إني أنا الله ذو بكة، وضعتها يوم خلقت الشمس والقمر، وحرمتها يوم خلقت السموات والأرض، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، مبارك لأهلها في الماء واللحم، أول من يحلها أهلها. ﴿رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا﴾ أي عطاء من عندنا. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: لا يعقلون، قاله الضحاك. الثاني: لا يتدبرون، قاله ابن شجرة.
260
قوله تعالى :﴿ وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ ﴾ قيل إن هذه الآية نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف القرشي قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لنعلم أن قولك حق ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك ونؤمن بك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا يعني بمكة فإنما نحن أكلة١ رأس العرب ولا طاقة لنا بهم، فأجاب الله عما اعتل به فقال :
﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه جعله آمناً بما طبع النفوس عليه من السكون إليه حتى لا ينفر منه الغزال والذئب والحمام والحدأة.
الثاني : أنه جعله آمناً بالأمر الوارد من جهته بأمان من دخله ولاذ به، قاله يحيى بن سلام.
يقول كنتم آمنين في حرمي تأكلون رزقي وتعبدون غيري أفتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي.
﴿ يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أي تجمع إليه ثمرات كل أرض وبلد. وحكى مجاهد أن كتاباً وجد عند المقام فيه : إني أنا الله ذو بكة، وضعتها يوم خلقت الشمس والقمر، وحرمتها يوم خلقت السموات والأرض، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، مبارك لأهلها في الماء واللحم، أول من يحلها أهلها.
﴿ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا ﴾ أي عطاء من عندنا.
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا يعقلون، قاله الضحاك.
الثاني : لا يتدبرون، قاله ابن شجرة.
١ أكلة رأس: أي قليلون. انظر تفسير الزمخشري في هذه الآية..
﴿وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون﴾
260
قوله: ﴿بَطِرَتْ مَعَيشَتَهَا﴾ والبطر الطغيان بالنعمة. وفيه وجهان: أحدها: يعني بطرت في معيشتها، قاله الزجاج. الثاني: أبطرتها معيشتها، قاله الفراء. قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلَكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمَّهَا رَسُولاً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: في أوائلها، قاله الحسن. الثاني: في معظم القرى من سائر الدنيا، حكاه ابن عيسى. الثالث: أن أم القرى مكة، قاله قتادة.
261
قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلَكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمَّهَا رَسُولاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : في أوائلها، قاله الحسن.
الثاني : في معظم القرى من سائر الدنيا، حكاه ابن عيسى.
الثالث : أن أم القرى مكة، قاله قتادة.
﴿وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين﴾ قوله: ﴿أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ﴾ فيه قولان: أحدهما: هو حمزة بن عبد المطلب والوعد الحسن الجنة و ﴿لاَقِيهِ﴾ دخولها، قاله السدي. الثاني: هو النبي ﷺ والوعد الحسن النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، قاله الضحاك. ﴿كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال السدي والضحاك: هو أبو جهل. ﴿ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: من المحضرين للجزاء، قاله ابن عباس. الثاني: من المحضرين في النار، قاله يحيى بن سلام. الثالث: من المحضرين: المحمولين، قاله الكلبي.
قوله :﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : هو حمزة بن عبد المطلب والوعد الحسن الجنة و ﴿ لاَقِيهِ ﴾ دخولها، قاله السدي.
الثاني : هو النبي صلى الله عليه وسلم والوعد الحسن النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، قاله الضحاك.
﴿ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ قال السدي والضحاك : هو أبو جهل.
﴿ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : من المحضرين للجزاء، قاله ابن عباس.
الثاني : من المحضرين في النار، قاله يحيى بن سلام.
الثالث : من المحضرين : المحمولين، قاله الكلبي.
{ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا
261
العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين} قوله: ﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَآءُ يَوْمَئِذٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: الحجج، قاله مجاهد. الثاني: الأخبار، قاله السدي. ﴿فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: لا يسألون بالأنساب، قاله مجاهد. الثاني: لا يسأل بعضهم بعضاً أن يحتمل من ذنوبه، حكاه ابن عيسى. الثالث: لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله، حكاه ابن شجرة. الرابع: لا يسأل بعضهم بعضاً عن الحجة، وهذا قول الضحاك.
262
قوله :﴿ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الحجج، قاله مجاهد.
الثاني : الأخبار، قاله السدي.
﴿ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءَلُونَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : لا يسألون بالأنساب، قاله مجاهد.
الثاني : لا يسأل بعضهم بعضاً أن يحتمل من ذنوبه، حكاه ابن عيسى.
الثالث :١ لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله، حكاه ابن شجرة.
الرابع : لا يسأل بعضهم بعضاً عن الحجة، وهذا قول الضحاك.
١ سقط من ك الوجه الثالث..
﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون﴾ قوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن قوماً كانوا يجعلون خير أموالهم لأهليهم في الجاهلية فقال ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ من خلقه ﴿وَيَخْتَارُ﴾ من يشاء لطاعته، وهو معنى قول ابن عباس. الثاني: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ من الخلق ﴿وَيَخْتَارُ﴾ من يشاء لنبوته، قاله يحيى بن سلام. الثالث: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾ النبي محمداً ﷺ ﴿َوَيَخْتَارُ﴾ الأنصار لدينه حكاه النقاش.
262
﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ وفيه وجهان: أحدهما: معناه ويختار للمؤمنين ما كان لهم فيه الخيرة فيكون ذلك إثباتاً. الثاني: معناه ما كان للخلق على الله الخيرة، فيكون ذلك نفياً. ومن قال بهذا فلهم في المقصود به وجهان: أحدهما: أنه عنى بذلك قوماً من المشركين جعلوا لله ما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فنزل ذلك فيهم، قاله ابن شجرة. الثاني: أنها نزلت في الوليد بن المغيرة حين قال ما حكاه الله عنه في سورة الزخرف ﴿وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ﴾ الآية [الزخرف: ٣١] يعني نفسه وعروة بن مسعود الثقفي فقال الله: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ أن يتخيروا على الله الأنبياء.
263
﴿قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون﴾ قوله: ﴿وَنَزَعْنَا مِن كُلَّ أُمَّةٍ شَهِيداً﴾ فيه وجهان: أحدهما: أخرجنا من كل أمة رسولاً مبعوثاً إليها. الثاني: أحضرنا من كل أمة رسولاً يشهد عليها أن قد بلغ رسالة ربه إليها، قاله قتادة. ﴿فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ﴾ فيه وجهان:
263
أحدهما: حجتكم، قاله أبو العالية. الثاني: بينتكم، قاله قتادة. ﴿فَعَلِمُواْ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن العدل لله، قاله ابن جبير. الثاني: التوحيد لله، قاله السدي. الثالث: الحجة لله. ﴿وَضَلَّ عَنْهُم﴾ يعني في القيامة. ﴿مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ في الدنيا من الكذب.
264
قوله :﴿ ونزعنا من كل أمة شهيدا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أخرجنا من كل أمة رسولا مبعوثا إليها.
الثاني : أحضرنا من كل أمة رسولا يشهد عليها أن قد بلغ رسالة ربه إليها، قاله قتادة.
﴿ فقلنا هاتوا برهانكم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : حجتكم، قاله أبو العالية.
الثاني : بينتكم، قاله قتادة.
﴿ فعلموا أن الحق لله ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن العدل لله، قاله ابن جبير.
الثاني : التوحيد لله، قاله السدي.
الثالث : الحجة لله.
﴿ وضلّ عنهم ﴾ يعني في القيامة.
﴿ ما كانوا يفترون ﴾ في الدنيا من الكذب.
﴿إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين﴾ قوله تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى﴾ قال ابن عباس: كان ابن عمه، قاله قتادة: ابن عم موسى أخي أبيه وكان قطع البحر مع بني إسرائيل وكان يسمى: المنور، من حسن صوته بالتوراة، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري. ﴿فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ فيه ستة أقاويل: أحدها: بغيه عليهم أنه كفر بالله، قاله الضحاك. الثاني: أنه زاد في طول ثيابه شبراً، قاله شهر بن حوشب. الثالث: أنه علا عليهم بكثرة ماله وولده، قاله قتادة. الرابع: أنه صنع بغياً، حين أمر الله موسى برجم الزاني فعمد قارون إلى امرأة بغي فأعطاها مالاً وحملها على أن ادعت عليه أنه زنى بها وقال: فأنت قد زنيت. وحضرت البغي فادّعت ذلك عليه فعظم على موسى ما قالت وأحلفها بالله الذي فلق
264
البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلاّ صدقت فقالت: أشهد أنك بريء وأن قارون أعطاني مالاً وحملني على أن قلت وأنت الصادق وقارون الكاذب فكان هذا بغيه، قاله ابن عباس، قال السدي: وكان اسم البغي شجرتا وبذلك لها قارون ألفي درهم. الخامس: أنه كان غلاماً لفرعون فتعدى على بني إسرائيل وظلمهم، قاله يحيى بن سلام. السادس: أنه نسب ما آتاه الله من الكنوز إلى نفسه بعلمه وحيلته، قاله ابن بحر. ﴿وَءَآتَيْنَهُ مِنَ الْكُنُوزِ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه أصاب كنزاً من كنوز يوسف عليه السلام، قاله عطاء. الثاني: أنه كان يعمل الكيمياء، قاله الوليد.
265
﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: خزائنه، قاله السدي وأبو رزين. الثاني: أوعيته، قاله الضحاك. الثالث: مفاتيح خزائنه وكانت من جلود يحملها أربعون بغلاً. الرابع: أن مفاتيح الكنوز إحاطة علمه بها، حكاه ابن بحر لقول الله ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ﴾ [الأنعام: ٥٩]. ﴿لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لتثقل العصبة، قاله ابن عباس وأبو صالح والسدي. الثاني: لتميل بالعصبة، قاله الربيع بن أنس مأخوذ من النأي وهو البعد قال الشاعر:
(ينأوْن عنا وما تنأى مودتهم والقلب فيهم رهين حيثما كانوا)
الثالث: لتنوء به العصبة كما قال الشاعر:
(إنّا وجدنا خلفَاً بئس الخلف عبداً إذا ما ناء بالحمل خضف)
والعصبة الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض واختلف في عددهم على سبعة أقاويل: أحدها: سبعون رجلاً، قاله أبو صالح. الثاني: أربعون رجلاً، قاله الحكم وقتادة والضحاك. الثالث: ما بين العشرة إلى الأربعين، قاله السدي. الرابع: ما بين العشرة إلى الخمسة عشر، قاله مجاهد. الخامس: ستة أو سبعة. قاله ابن جبير. السادس: ما بين الثلاثة والتسعة وهم النفر، قاله عبد الرحمن بن زيد. السابع: عشرة لقول إخوة يوسف ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ [يوسف: ٨] قاله الكلبي ومقاتل. وزعم أبو عبيدة أن هذا من المقلوب تأويله: إن العصبة لتنوء بالمفاتح. ﴿أوْلِي الْقُوَّةِ﴾ قال السدي أولي الشدة.
266
﴿إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه قول المؤمنين منهم، قاله السدي. الثاني: قول موسى، قاله يحيى بن سلام. ﴿لاَ تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا تبغ إن الله لا يحب الباغين، قاله مجاهد. الثاني: لا تبخل إن الله لا يحب الباخلين، قاله ابن بحر. الثالث: لا تبطر إن الله لا يحب البطرين، قاله السدي، وقال الشاعر:
(ولست بمفراحٍ إذا الدهر سَرَّني ولا جازعٍ من صرفه المتغلب)
قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: طلب الحلال في كسبه، قاله الحسن. الثاني: أنه الصدقة وصلة الرحم، قاله السدي. ويحتمل ثالثاً: وهو أعم أن يتقرب بنعم الله إليه، والمراد بالدار الآخرة الجنة. ﴿وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ فيه ثلاثة تأويلات. أحدها: لا تنس حظك من الدنيا أن تعمل فيها لآخرتك، قاله ابن عباس. الثاني: لا تنس استغناك بما أحل الله لك عما حرمه عليك، قاله قتادة. الثالث: لا تنس ما أنعم الله عليك أن تشكره عليه بالطاعة وهذا معنى قول ابن زيد. الثاني: وأحسن فيما افترض الله عليك كما أحسن في إنعامه عليك، وهذا معنى قول يحيى بن سلام. الثالث: أحسن في طلب الحلال كما أحسن إليك في الإحلال. ﴿وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ﴾ يحتمل وجهين:
267
أحدهما: لا عمل فيها بالمعاصي. الثاني: لا تقطع. ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: لا يحب أعمال المفسدين، قاله ابن عباس. الثاني: لا يقرب المفسدين، قاله ابن قتيبة.
268
قوله تعالى :﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : طلب الحلال في كسبه، قاله الحسن.
الثاني : أنه الصدقة وصلة الرحم، قاله السدي.
ويحتمل ثالثاً : وهو أعم أن يتقرب بنعم الله إليه. والمراد بالدار الآخرة الجنة.
﴿ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ فيه ثلاثة تأويلات.
أحدها : لا تنس حظك من الدنيا أن تعمل فيها لآخرتك، قاله ابن عباس.
الثاني : لا تنس استغناءك بما أحل الله لك عما حرمه عليك، قاله قتادة.
الثالث : لا تنس ما أنعم الله عليك أن تشكره عليه بالطاعة وهذا معنى قول مجاهد ويكون معناه : لا تنس شكر نصيبك.
﴿ وأحسن كما أحسن الله إليك ﴾ فيه ثلاث تأويلات :
أحدها : اعط فضل مالك كلما زاد على قدر حاجتك، وهذا معنى قول ابن زيد.
الثاني : وأحسن فيما افترض الله عليك كما أحسن في إنعامه عليك، وهذا معنى قول يحيى بن سلام.
الثالث : أحسن في طلب الحلال كما أحسن إليك في الإحلال.
﴿ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لا تعمل فيها بالمعاصي.
الثاني : لا تقطع١.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا يحب أعمال المفسدين، قاله ابن عباس.
الثاني : لا يقرب المفسدين، قاله ابن قتيبة.
١ كلمة مطموسة بالأصول. ولعسل المقصود: لا تقطع الطريق.....
﴿قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون﴾ قوله: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمِ عِنْدِي... ﴾ فيه خمسة أوجه: أحدها: أي بقوتي وعلمي، قاله يحيى بن سلام. الثاني: علىخير وعلم عندي، قاله قتادة. الثالث: لرضا الله عني ومعرفته باستحقاقي، قاله ابن زيد. الرابع: على علم بوجه المكاسب، قاله ابن عيسى. الخامس: العلم بصنعة الكيمياء. حكى النقاش أن موسى عليه السلام علّم قارون الثلث من صنعة الكيمياء، وعلم يوشع بن نون الثلث، وعلم ابني هارون الثلث فخدعهما قارون وكان على إيمانه حتى علم ما عندهما وعمل الكيمياء فكثرت أمواله. وفي قوله تعالى: ﴿... وَلاَ يُسأُلَ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ أربعة تأويلات: أحدها: يعذبون ولا يحاسبون، قاله قتادة. الثاني: لا يسألون عن إحصائها ويعطون صحائفها فيعرفون ويعترفون بها، قاله الربيع.
268
الثالث: لأن الملائكة تعرفهم بسيماهم فلا تسأل عنهم، قاله مجاهد. الرابع: أنهم لا يُسألون سؤال استعتاب: لمَ لَمْ يؤمنوا، قاله ابن بحر كما قال ﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [الروم: ٥٧].
269
﴿فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون﴾ قوله: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: في حشمه، قاله قتادة. الثاني: في تَبَعه في سبعين ألفاً عليهم المعصفرات وكان أول يوم رؤيت فيه المعصفرات قاله ابن زيد، قال أبو لبابة: أول من صبغ بالسواد قارون. الثالث: خرج في جوارٍ بيض على بغال بيض بسروج من ذهب على قطف أرجوان، قاله السدي. ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونَ﴾ تمنوا ماله رغبة في الدنيا. ﴿إنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: لذو درجة عظيمة، قاله الضحاك. الثاني: لذو جد عظيم، قاله السدي.
﴿فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون﴾
269
قوله تعالى: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ﴾ قال ابن عباس: لما شكا موسى إلى الله أمْر قارون أمر الله الأرض أن تطيع موسى، ولما أقبل قارون وشيعته قال موسى: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم، ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى أوساطهم ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم، ثم قال: خذيهم فخسف الله بهم وبدار قارون وكنوزه. روى يزيد الرقاشي أن قارون لما أخذته الأرض إلى عنقه أخذ موسى نعليه فخفق بهما وجهه فقال قارون: يا موسى ارحمني، قال الله تعالى ﴿يَا مُوسَى مَا أَشَدَّ قَلْبَكَ، دَعَاكَ عَبْدِي وَاسْتَرْحَمَكَ فَلَمْ تَرْحَمْهُ: وَعِزَّتِي لَو دَعَانِي عَبْدِي لأَجَبْتُهُ﴾ روى سمرة بن جندب أنه يخسف بقارون وقومه في كل يوم بقدر قامة فلا يبلغ إلى الأرض السفلى إلى يوم القيامة. قال مقاتل لما أمر موسى الأرض فابتلعته قال بنو إسرائيل: إنما أهلكه ليرث ماله لأنه كان ابن عمه أخي أبيه فخسف الله بداره وبجميع أمواله بعد ثلاثة أيام. قوله تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنُّواْ مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ﴾ فيه ثمانية أوجه: أحدها: معناه أو لا يعلم أن الله؟ رواه معمر عن قتادة. الثاني: أو لا يرى؟ رواه سعيد عن قتادة. الثالث: ﴿وَلكِنَّ اللَّهَ﴾ بلغة حمير، قاله الضحاك. الرابع: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ﴾ والياء، والكاف صلتان زائدتان، حكاه النقاش. الخامس: ﴿وَكَأَنَّ اللَّهَ﴾ والياء وحدها صلة زائدة. وقال ابن عيسى بهذا التأويل غير أنه جعل الياء للتنبيه. السادس: معناه ويك أن الله ففصل بين الكاف والألف وجعل ويك بمعنى ويح فأبدل الحاء كافاً ومنه قول عنترة:
(ولقد شفى نفسي وأبْرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدامِ)
السابع: ويلك إن الله فحذف اللام إيجازاً، حكاه ابن شجرة. الثامن: وي منفصلة على طريق التعجب ثم استأنف فقال كأن الله، قاله الخليل.
270
﴿يَبْسُطُ الرِّزْقُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: معنى يقدر أن يختار له، قاله ابن عباس. الثاني: ينظر له فإن كان الغنى خيراً له أغناه وإن كان الفقر خيراً له أفقره، قاله الحسن. الثالث: يضيق، وهذا معنى قول ابن زيد.
271
قوله تعالى :﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنُّوا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ ﴾ فيه ثمانية أوجه :
أحدها : معناه أو لا يعلم أن الله ؟ رواه معمر عن قتادة.
الثاني : أو لا يرى ؟ رواه سعيد عن قتادة.
الثالث :﴿ وَلكِنَّ اللَّهَ ﴾ بلغة حمير، قاله الضحاك.
الرابع :﴿ وَإِنَّ اللَّهَ ﴾ والياء، والكاف صلتان زائدتان، حكاه النقاش.
الخامس :﴿ وَكَأَنَّ اللَّهَ ﴾ والياء وحدها صلة زائدة. وقال ابن عيسى بهذا التأويل غير أنه جعل الياء للتنبيه.
السادس : معناه ويك أن الله ففصل بين الكاف والألف وجعل ويك بمعنى ويح فأبدل الحاء كافاً ومنه قول عنترة :
ولقد شفى نفسي وأبْرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدمِ
السابع : ويلك إن الله فحذف اللام إيجازاً، حكاه ابن شجرة.
الثامن : وي منفصلة على طريق التعجب ثم استأنف فقال كأن الله، قاله الخليل.
﴿ يَبْسُطُ الرِّزْقُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معنى يقدر أن يختار له، قاله ابن عباس.
الثاني : ينظر له فإن كان الغنى خيراً له أغناه وإن كان الفقر خيراً له أفقره، قاله الحسن.
الثالث : يضيق، وهذا معنى قول ابن زيد.
﴿تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون﴾ قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ﴾ أي الجنة نجعلها. ﴿عُلُوّاً﴾ فيها ستة أوجه: أحدها: يعني بغياً، قاله ابن جبير. الثاني: تكبراً، قاله مسلم. الثالث: شرفاً وعزاً، قاله الحسن. الرابع: ظلماً، قاله الضحاك. الخامس: شركاً، قاله يحيى بن سلام.
271
السادس: لا يجزعون من ذلها ولا يتنافسون على عزها، قاله أبو معاوية. ويحتمل سابعاً أن يكون سلطاناً فيها على الناس. ﴿وَلاَ فَسَاداً﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أنه الأخذ بغير حق، قاله مسلم. الثاني: أنه العمل بالمعاصي، قاله عكرمة. الثالث: أنه قتل الأنبياء والمؤمنين، قاله يحيى بن سلام. ويحتمل رابعاً: أنه سوء السيرة. ﴿وَاْلعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: والثواب للمتقين، قاله يحيى بن سلام. الثاني: معناه والجنة للمتقين، قاله ابن شجرة.
272
﴿إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون﴾ قوله تعالى: ﴿إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ﴾ فيه خمسة تأويلات: أحدها: أنزل عليك القرآن، قاله يحيى ابن سلام والفراء. الثاني: أعطاكه، قاله مجاهد. الثالث: أوجب عليك العمل به، حكاه النقاش. الرابع: حمّلك تأديته وكلفك إبلاغه، حكاه ابن شجرة. الخامس: بينه على لسانك، قال ابن بحر. ويحتمل سادساً: أي قدر عليك إنزاله في أوقاته لأن الفرض التقدير. ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ فيه خمسة أوجه: أحدها: إلى مكة، قاله مجاهد والضحاك وابن جبير، والسدي. الثاني: إلى بيت المقدس، قاله نعيم القاري. الثالث: إلى الموت، قاله ابن عباس وعكرمة. الرابع: إلى يوم القيامة، قاله الحسن. الخامس: إلى الجنة، قاله أبو سعيد الخدري. وقيل: إن هذه الآية نزلت في الجحفة حين عسف به الطريق إليها فليست مكية ولا مدنية. قوله تعالى: ﴿... كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلاَّ وَجْهُهُ﴾ فيه ستة تأويلات:
272
أحدها: معناه إلا هو، قاله الضحاك. الثاني: إلا ما أريد به وجهه، قاله سفيان الثوري. الثالث: إلا ملكه، حكاه محمد بن إسماعيل البخاري. الرابع: إلا العلماء فإن علمهم باق، قاله مجاهد. الخامس: إلا جاهه كما يقال لفلان وجه في الناس أي جاه، قاله أبو عبيدة. السادس: الوجه العمل ومنه قولهم: من صلى بالليل حسن وجه بالنهار أي عمله. وقال الشاعر:
(أستغفر الله ذنباً لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل)
﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾ فيه وجهان: أحدهما: القضاء في خلقه بما يشاء من أمره، قاله الضحاك وابن شجرة. الثاني: أن ليس لعباده أن يحكموا إلا بأمره، قاله ابن عيسى. ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ يوم القيامة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء، والله أعلم.
273
سورة العنكبوت
مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. ومدنية كلها في أحد قولي ابن عباس وقتادة. وفي القول الثاني لهما وهو قول يحيى بن سلام مكية كلها إلا عشر آيات من أولها مدنية إلى قوله ﴿وليعلمن المنافقين﴾ وقال علي رضي الله عنه نزلت بين مكة والمدينة. بسم الله الرحمن الرحيم
274
قوله تعالى :﴿. . . كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلاَّ وَجْهُهُ ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : معناه إلا هو، قاله الضحاك.
الثاني : إلا ما أريد به وجهه، قاله سفيان الثوري.
الثالث : إلا ملكه، حكاه محمد بن إسماعيل البخاري.
الرابع : إلا العلماء فإن علمهم باق، قاله مجاهد.
الخامس : إلا جاهه كما يقال لفلان وجه في الناس أي جاه، قاله أبو عبيدة.
السادس : الوجه العمل ومنه قولهم : من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار أي عمله. وقال الشاعر :
أستغفر الله ذنباً لست محصيه ربّ العباد إليه الوجه والعمل
﴿ لَهُ الْحُكْمُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : القضاء في خلقه بما يشاء من أمره، قاله الضحاك وابن شجرة.
الثاني : أن ليس لعباده أن يحكموا إلا بأمره، قاله ابن عيسى.
﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ يوم القيامة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء، والله أعلم.
Icon