تفسير سورة سورة الحج من كتاب النكت والعيون
المعروف بـتفسير الماوردي
.
لمؤلفه
الماوردي
.
المتوفي سنة 450 هـ
سورة الحج
مدنية كلها، وقال ابن عباس إلا أربع آيات مكيات، من قوله سبحانه }وما أرسلنا من قبلك من رسول﴿ إلى آخر الأربع. وحكى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية إلا آيتين ومن قوله تعالى ﴾ومن الناس من يعبد الله على حرف﴿ وما بعدها، لأن ﴾يا أيها الذين آمنوا﴿ مدني و ﴾يا أيها الناس{ مكي.
مدنية كلها، وقال ابن عباس إلا أربع آيات مكيات، من قوله سبحانه }وما أرسلنا من قبلك من رسول﴿ إلى آخر الأربع. وحكى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية إلا آيتين ومن قوله تعالى ﴾ومن الناس من يعبد الله على حرف﴿ وما بعدها، لأن ﴾يا أيها الذين آمنوا﴿ مدني و ﴾يا أيها الناس{ مكي.
ﰡ
﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد﴾ قوله عز وجل: ﴿يأيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ في زلزلتها قولان: أحدهما: أنها في الدنيا، وهي أشراط ظهورها، وآيات مجيئها. والثاني: أنها في القيامة. وفيها قولان: أحدهما: أنها نفخ الصور للبعث
5
والثاني: أنها عند القضاء بين الخلق. ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا﴾ يعني زلزلة الساعة. ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ وفيه أربعة أوجه: أحدها: تسلو كل مرضعة عن ولدها، قاله الأخفش. والثاني: تشتغل عنه، قاله قطرب، ومنه قول عبد الله بن رواحة:
والثالث: تلهو عنه، قاله الكلبي، ومنه قول امرىء القيس:
والرابع: تنساه، قاله اليزيدي، قال الشاعر:
﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا﴾ قال الحسن: تذهل الأم عن ولدها لغير فطام، وتلقي الحامل ما في بطنها لغير تمام. ﴿وَتَرَى النَّاس سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى﴾ قال ابن جريج: هم سكارى من الخوف، وما هم بسكارى من الشراب.
(ضرباً يزيل الهام عن مقيله | ويذهل الخليل عن خليله) |
(أذاهِلٌ أنت عن سَلْماك لا برحت | أم لست ناسيها ما حنّت النيبُ) |
(تطاولت الأيام حتى نسيتها | كأنك عن يوم القيامة ذاهل) |
6
﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا ﴾ يعني زلزلة الساعة.
﴿ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ﴾ وفيه أربعة أوجه :
أحدها : تسلو كل مرضعة عن ولدها، قاله الأخفش.
والثاني : تشتغل عنه، قاله قطرب، ومنه قول١ عبد الله بن رواحة :
والثالث : تلهو عنه، قاله الكلبي، ومنه قول امرئ القيس :
والرابع : تنساه، قاله اليزيدي، قال الشاعر :
﴿ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ﴾ قال الحسن : تذهل الأم عن ولدها لغير فطام، وتلقي الحامل ما في بطنها لغير تمام.
﴿ وَتَرَى النَّاس سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى ﴾ قال ابن جريج : هم سكارى من الخوف، وما هم بسكارى من الشراب.
﴿ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ﴾ وفيه أربعة أوجه :
أحدها : تسلو كل مرضعة عن ولدها، قاله الأخفش.
والثاني : تشتغل عنه، قاله قطرب، ومنه قول١ عبد الله بن رواحة :
ضرباً يزيل الهام عن مقيله | ويذهل الخليل عن خليله |
أذاهِلٌ أنت عن سَلْماك لا برحت | أم لست ناسيها ما حنّت النيبُ |
تطاولت الأيام حتى نسيتها | كأنك عن يوم القيامة ذاهل |
﴿ وَتَرَى النَّاس سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى ﴾ قال ابن جريج : هم سكارى من الخوف، وما هم بسكارى من الشراب.
١ هذا من رجز ارتجزه وهو يقود ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة في عمرة القضاء. انظر سيرة ابن هشام.
﴿ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير﴾ قوله عز وجل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ فيه قولان: أحدهما: أن يخاصم في الدين بالهوى، قاله سهل بن عبد الله. والثاني: أن يرد النص بالقياس، قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث.
{يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة
6
ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور} قوله عز وجل: ﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنْتُم فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ﴾ يعني آدم. ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ يعني ولده. ﴿ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ﴾ يعني أن النطفة تصير في الرحم علقة. ﴿ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ﴾ يعني أن العلقة تصير مضغة، وذلك مقدار ما يمضع من اللحم. ﴿مُّخَلَّقَةٍ وَغِيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ فيه أربعه تأويلات: أحدها: أن المخلقة ما صار خلقاً، وغير مخلقة ما دفعته الأرحام من النطف فلم يصير خلقاً، وهو قول ابن مسعود. والثاني: معناه تامة الخلق وغير تامة الخلق، وهذا قول قتادة. والثالث: معناه مصورة وغير مصورة كالسقط، وهذا قول مجاهد. والرابع: يعني التام في شهوره، وغير التام، قاله الضحاك، قال الشاعر:
والثالث: معناه أن لن يمطر أرضه، ومنه قول رؤبة:
إني عبيدة: يقال للأرض الممطرة أرض منصورة. ﴿فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ والنصر في الدنيا بالغلبة، وفي الآخرة بظهور الحجة. ويحتمل وجهاً آخر أن يكون النصر في الدنيا علو الكلمة، وفي الآخرة علو المنزلة. ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسبَبٍ إِلَى السَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ فيه تأويلان: أحدهما: فليمدد بحبل إلى سماء الدنيا ليقطع الوحي عن محمد ثم لينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ أي يذهب الكيد منه ما يغيظه من نزول الوحي عليه، وهذا قول ابن زيد. والثاني: فليمدد بحبل إلى سماء بيته وهو سقفه، ثم لِيخْنقَ به نفسه فلينظر هل يذهب ذلك بغيظه من ألا يرزقه الله تعالى، وهذا قول السدي.
(أفي غير المخلقة البكاءُ | فأين العزم ويحك والحَياءُ) |
(قالت قتيلة ما لجسمك شاحباً | وأرى ثيابك باليات همَّدا) |
8
أحدهما: معناه أنبتت، وهو قول الكلبي. والثاني: معناه اهتز نباتها واهتزازه شدة حركته، كما قال الشاعر:
﴿وَرَبَتْ﴾ وجهان: أحدهما: معناه أضعف نباتها. والثاني: معناه انتفخت لظهور نباتها، فعلى هذا الوجه يكون مقدماً ومؤخراً وتقديره: فإذا أنزلنا عليها الماء رَبتْ واهتزت، وهذا قول الحسن وأبي عبيدة، وعلى الوجه الأول لا يكون فيه تقديم ولا تأخير. ﴿وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يعني من كل نوع، وهو قول ابن شجرة. والثاني: من كل لون لاختلاف ألوان النبات بالخضرة والحمرة والصفرة. ﴿بَهِيجٍ﴾ يعني حسن الصورة.
(تثني إذا قامت وتهتز إن مشت | كما اهتز غُصْن البان في ورق خضرِ) |
9
﴿ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد﴾ قوله عز وجل: ﴿... ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: لاَوِي عنقه إعراضاً عن الله ورسوله، وهذا قول مجاهد، وقتادة. الثاني: معناه لاَوِي عنقه كِبْرا عن الإِجابة، وهذا قول ابن عباس. قال المفضل: والعِطف الجانب، ومنه قولهم فلان ينظر في أعطافه أي في جوانبه. قال الكلبي: نزلت في النضر بن الحارث. ﴿لِيضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: تكذيبه للرسول وإعراضه عن أقواله.
9
والثاني: فإذا أراد أحد من قومه الدخول في الإسلام أحضره وأقامه وشرط له وعاتبه وقال: هذا خير لك مما يدعوك إليه محمد، حكاه الضحاك.
10
قوله عز وجل :﴿. . . ثَانِيَ عِطْفِهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لاَوِي عنقه إعراضاً عن الله ورسوله، وهذا قول مجاهد وقتادة.
الثاني : معناه لاَوِي عنقه كِبْرا عن الإِجابة١، وهذا قول ابن عباس.
قال المفضل : والعِطف الجانب، ومنه قولهم فلان ينظر في أعطافه أي في جوانبه. قال الكلبي : نزلت في النضر بن الحارث.
﴿ لِيضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تكذيبه للرسول وإعراضه عن أقواله.
والثاني٢ : فإذا أراد أحد من قومه الدخول في الإسلام أحضره وأقامه وشرط له وعاتبه وقال : هذا خير لك مما يدعوك إليه محمد، حكاه الضحاك.
أحدهما : لاَوِي عنقه إعراضاً عن الله ورسوله، وهذا قول مجاهد وقتادة.
الثاني : معناه لاَوِي عنقه كِبْرا عن الإِجابة١، وهذا قول ابن عباس.
قال المفضل : والعِطف الجانب، ومنه قولهم فلان ينظر في أعطافه أي في جوانبه. قال الكلبي : نزلت في النضر بن الحارث.
﴿ لِيضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تكذيبه للرسول وإعراضه عن أقواله.
والثاني٢ : فإذا أراد أحد من قومه الدخول في الإسلام أحضره وأقامه وشرط له وعاتبه وقال : هذا خير لك مما يدعوك إليه محمد، حكاه الضحاك.
١ عن إجابة الدعوة إلى الإسلام أي أنه مصر على كفره..
٢ ثلاث كلمات مطموسة بالأصل..
٢ ثلاث كلمات مطموسة بالأصل..
﴿ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير﴾ قوله عز وجل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني على وشك وهو قول مجاهد، لكونه منحرفاً بين الإِيمان والكفر. والثاني: على شرط، وهو قول ابن كامل. والثالث: على ضعف في العبادة كالقيام على حرف، وهو قول علي بن عيسى. ويحتمل عندي تأويلاً رابعاً: أن حرف الشي بعضه، فكأنه يعبد الله بلسانه ويعصيه بقلبه. ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ وهذا قول الحسن. الثاني: أن ذلك نزل في بعض قبائل العرب وفيمن حول المدينة من أهل القرى، كانوا يقولون: نأتي محمداً فإن صادفنا خيراً اتبعناه، وإلا لحقنا بأهلنا، وهذا قول ابن جريج، فأنزل الله تعالى: ﴿فإِنْ أَصَابَهُ خَيرٌ اطْمَأنَّ بِهِ﴾. ويحتمل وجهين آخرين:
10
أحدهما: اطمأن بالخير إلى إيمانه. الثاني: اطمأنت نفسه إلى مقامه. ﴿وَإِن أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ﴾ أي محنة في نفسه أو ولده أو ماله. ﴿انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ يحتمل عندي وجهين: أحدهما: رجع عن دينه مرتداً. الثاني: رجع إلى قومه فزعاً. ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا والآخرة﴾ خسر الدنيا بفراقه، وخسر الآخرة بنفاقه. ﴿ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانِ الْمُبِينُ﴾ أي البيِّن لفساد عاجله وذَهَاب آجله. قوله عز وجل: ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئسْ الْعَشِيرُ﴾ يعني الصنم، وفيه وجهان: أحدهما: أن المولى الناصر، والعشير الصاحب، وهذا قول ابن زيد. والثاني: المولى المعبود، والعشير الخليط، ومنه قيل للزوج عشير لخلطته مأخوذ من المعاشرة.
11
قوله عز وجل :﴿ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئسْ الْعَشِيرُ ﴾ يعني الصنم، وفيه وجهان :
أحدهما : أن المولى الناصر، والعشير الصاحب، وهذا قول ابن زيد.
والثاني : المولى المعبود، والعشير الخليط، ومنه قيل للزوج عشير لخلطته مأخوذ من المعاشرة.
أحدهما : أن المولى الناصر، والعشير الصاحب، وهذا قول ابن زيد.
والثاني : المولى المعبود، والعشير الخليط، ومنه قيل للزوج عشير لخلطته مأخوذ من المعاشرة.
﴿إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد﴾ قوله عز وجل: ﴿مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أن يرزقه الله، وهو قول مجاهد، والنصر الرزق، ومنه قول الأعشى.
11
(أبوك الذي أجرى عليّ بنصره | فأنصب عني بعده كل قابل) |
(إني وأسطار سطران سطرا | لقائل يا نصرَ نصرٍ نصرا) |
12
قوله عز وجل :﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن يرزقه الله، وهو قول مجاهد. والنصر الرزق، ومنه قول الأعشى :
والثالث١ : معناه أن لن يمطر أرضه، ومنه قول رؤبة :
وقال أبو عبيدة : يقال للأرض الممطرة أرض منصورة.
﴿ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ﴾ والنصر في الدنيا بالغلبة، وفي الآخرة بظهور الحجة.
ويحتمل وجهاً آخر أن يكون النصر في الدنيا علو الكلمة، وفي الآخرة علو المنزلة.
﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : فليمدد بحبل إلى سماء الدنيا ليقطع الوحي عن محمد ثم لينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ أي يذهب الكيد منه ما يغيظه من نزول الوحي عليه، وهذا قول ابن زيد.
والثاني : فليمدد بحبل إلى سماء بيته وهو سقفه، ثم لِيخْنقَ به [ نفسه ] فلينظر هل يذهب ذلك بغيظه من أن لا يرزقه الله تعالى، وهذا قول السدي.
أحدها : أن يرزقه الله، وهو قول مجاهد. والنصر الرزق، ومنه قول الأعشى :
أبوك الذي أجرى عليّ بنصره | فأنصب عني بعده كل قابل |
إني وأسطار سطرن سطرا | لقائل يا نصرَ نصرٍ نصرا |
﴿ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ﴾ والنصر في الدنيا بالغلبة، وفي الآخرة بظهور الحجة.
ويحتمل وجهاً آخر أن يكون النصر في الدنيا علو الكلمة، وفي الآخرة علو المنزلة.
﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : فليمدد بحبل إلى سماء الدنيا ليقطع الوحي عن محمد ثم لينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ أي يذهب الكيد منه ما يغيظه من نزول الوحي عليه، وهذا قول ابن زيد.
والثاني : فليمدد بحبل إلى سماء بيته وهو سقفه، ثم لِيخْنقَ به [ نفسه ] فلينظر هل يذهب ذلك بغيظه من أن لا يرزقه الله تعالى، وهذا قول السدي.
١ لم يذكر التأويل الثاني. وفي تفسير القرطبي: قال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل فيها أن المعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه، فليمدد... وبمثل هذا قال ابن عباس، فالضمير في ينصره يعود على محمد صلى الله عليه وسلم..
﴿ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء﴾ قوله عز وجل: ﴿وَمَن يُهِن اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكرمٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: ومن يهن الله فيدخله النار فما له من مكرم فيدخله الجنة. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ﴾ من ثواب وعقاب، وهذا قول يحيى بن سلام
12
والثاني: ومن يهن الله بالشقوة فما له من مكرم بالسعادة. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءَ﴾ من شقوة، وهذا قول الفراء وعلي بن عيسى. ويحتمل عندي وجهاً ثالثاً: ومن يهن الله بالإِنتقام فما له من مكرم بالإنعام، إن الله يفعل ما يشاء من إنعام وانتقام.
13
﴿هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق﴾ قوله عز وجل: ﴿هذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ﴾ والخصمان ها هنا فريقان، وفيهما أربعة أقاويل: أحدها: أنهما المسلمون والمشركون حين اقتتلوا في بدر، وهذا قول أبي ذر، وقال محمد بن سيرين: نزلت في الثلاثة الذين بارزوا يوم بدر ثلاثة من المشركين فقتلوهم. والثاني: أنهم أهل الكتاب قالوا: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم. ونحن خير منكم، فقال المسلمون كتابنا يقضي على كتابكم، ونبينا خاتم الأنبياء. ونحن أولى بالله منكم، وهذا قول قتادة. والثالث: أنهم أهل الإِيمان والشرك في اختلافهم في البعث والجزاء، وهذا قول مجاهد، والحسن، وعطاء. والرابع: هما الجنة والنار اختصمتا، فقالت النار: خلقني الله لنقمته، وقالت الجنة: خلقني الله لرحمته، وهذا قول عكرمة.
13
﴿فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعْتَ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ﴾ معناه أن النار قد أحاطت بها كإحاطة الثياب المقطوعة إذا لبسوها عليهم، فصارت من هذا الوجه ثياباً، لأنها بالإِحاطة كالثياب. ﴿يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ﴾ ها هنا هو الماء الحار، قال الشاعر:
وضم الحميم إلى النار وإن كانت أشد منه لأنه ينضج لحومهم، والنار بانفرادها تحرقها، فيختلف به العذاب فيتنوع، فيكون أبلغ في النكال. وقيل إنها نزلت في ثلاثة من المسلمين قتلوا ثلاثة من المشركين يوم بدر حمزة بن عبد المطلب قتل عتبة بن ربيعة، وعليّ بن أبي طالب قتل الوليد بن عتبة، وعبيدة بن الحارث قتل شيبة بن ربيعة. قوله تعالى: ﴿يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: يحرق به وهو قول يحيى بن سلام. والثاني: يقطع به، وهو قول الحسن. والثالث: ينضج به، وهو قول الكلبي ومنه قول العجاج:
٨٩ (شك السفافيد الشواء المصطهرْ} ٩
والرابع: يذاب به، وهو قول مجاهد، مأخوذ من قولهم: صهرت الألية إذا أذبتها، ومنه قول ابن أحمر:
﴿وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ﴾ والمقامع: جمع مقمعة، والمقمعة ما يضرب به الرأس لا يعي فينكب أو ينحط.
(كأن الحميم على متنها | إذا اغترفته بأطساسها) |
(جُمان يحل على وجنةٍ | علته حدائد دوّاسها) |
٨٩ (شك السفافيد الشواء المصطهرْ} ٩
والرابع: يذاب به، وهو قول مجاهد، مأخوذ من قولهم: صهرت الألية إذا أذبتها، ومنه قول ابن أحمر:
(تروي لقى ألقى في صفصفٍ | تصهره الشمس فما ينْصهِر) |
14
قوله تعالى :﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يحرق به وهو قول يحيى بن سلام.
والثاني : يقطع به، وهو قول الحسن.
والثالث : ينضج به، وهو قول الكلبي ومنه قول العجاج :
شك السفافيد الشواء المصطهرْ ***
والرابع : يذاب به، وهو قول مجاهد، مأخوذ من قولهم : صهرت الألية إذا أذبتها، ومنه قول ابن أحمر :
أحدها : يحرق به وهو قول يحيى بن سلام.
والثاني : يقطع به، وهو قول الحسن.
والثالث : ينضج به، وهو قول الكلبي ومنه قول العجاج :
شك السفافيد الشواء المصطهرْ ***
والرابع : يذاب به، وهو قول مجاهد، مأخوذ من قولهم : صهرت الألية إذا أذبتها، ومنه قول ابن أحمر :
تروي لقى ألقى في صفصفٍ | تصهره الشمس فما ينْصهِر١ |
١ يصف الشاعر فرخ قطاة. تروي: تسوق إليه الماء، واللقى: الشيء الملقى لهوانه. والصفصف: المستوى من الأرض..
﴿ وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ والمقامع : جمع مقمعة، والمقمعة [ ما ] يضرب به الرأس [ لا ] يعي فينكب أو ينحط.
﴿إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد﴾ قوله عز وجل: ﴿وَهُدُواْ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: أنه قول لا إله إلا الله، وهو قول الكلبي. والثاني: أنه الإِيمان، وهو قول الحسن. والثالث: القرآن، وهو قول قطرب. والرابع: هو الأمر بالمعروف. ويحتمل عندي تأويلاً خامساً: أنه ما شكره عليه المخلوقون وأثاب عليه الخالق. ﴿وَهُدُواْ إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ فيه تأويلان: أحدهما: الإِسلام، وهو قول قطرب. والثاني: الجنة. ويحتمل عندي تأويلاً ثالثاً: أنه ما حمدت عواقبه وأمنت مغبته.
قوله عز وجل :﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أنه قول لا إله إلا الله، وهو قول الكلبي.
والثاني : أنه الإِيمان، وهو قول الحسن.
والثالث : القرآن، وهو قول قطرب.
والرابع : هو الأمر بالمعروف.
ويحتمل عندي تأويلاً خامساً : أنه ما شكره عليه المخلوقون وأثاب عليه الخالق.
﴿ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : الإِسلام، وهو قول قطرب.
والثاني : الجنة.
ويحتمل عندي تأويلاً ثالثاً : أنه ما حمدت عواقبه وأمنت مغبته.
أحدها : أنه قول لا إله إلا الله، وهو قول الكلبي.
والثاني : أنه الإِيمان، وهو قول الحسن.
والثالث : القرآن، وهو قول قطرب.
والرابع : هو الأمر بالمعروف.
ويحتمل عندي تأويلاً خامساً : أنه ما شكره عليه المخلوقون وأثاب عليه الخالق.
﴿ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : الإِسلام، وهو قول قطرب.
والثاني : الجنة.
ويحتمل عندي تأويلاً ثالثاً : أنه ما حمدت عواقبه وأمنت مغبته.
﴿إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم﴾ قوله عز وجل: ﴿... وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه أراد المسجد نفسه، ومعنى قوله: ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ﴾ أي قبلة لصلاتهم ومنسكاً لحجهم. ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ﴾ وهو المقيم، ﴿وَالْبَادِ﴾ وهو الطارىء إليه، وهذا قول ابن عباس.
15
والقول الثاني: أن المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم، وعلى هذا في قوله: ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ وجهان: أحدهما: أنهم سواء في دوره ومنازله، وليس العاكف المقيم أولى بها من البادي المسافر، وهذا قول مجاهد ومَنْ منع بيع دور مكة كأبي حنيفة. والثاني: أنهما سواء في أن من دخله كان آمناً، وأنه لا يقتل بها صيداً ولا يعضد بها شجراً. ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ والإِلحاد: الميل عن الحق والباء في قوله: ﴿بِإِلْحَادٍ﴾ زائدة كزيادتها في قوله تعالى: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠] ومثلها في قول الشاعر:
أي نرجو الفرج، فيكون تقدير الكلام: ومن يرد فيه إلحاداً بظلم. وفي الإِلحاد بالظلم أربعة تأويلات: أحدها: أنه الشرك بالله بأن يعبد فيه غير الله، وهذا قول مجاهد، وقتادة. والثاني: أنه استحلال الحرام فيه، وهذا قول ابن مسعود. والثالث: استحلال الحرام متعمداً، وهذا قول ابن عباس. والرابع: أنه احتكار الطعام بمكة، وهذا قول حسان بن ثابت. قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله ﷺ عن عمرته عام الحديبية.
(نحن بنو جعدة أصحاب الفلج | نضرب بالسيف ونرجو بالفَرَجِ) |
16
﴿وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق﴾ قوله عز وجل: ﴿وَإِذْ بَوَّأنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: معناه وطأنا له مكان البيت، حكاه ابن عيسى. والثاني: معناه عرفناه مكان البيت بعلامة يستدل بها. وفي العلامة قولان: أحدهما: قاله قطرب، بعثت سحابة فتطوقت حيال الكعبة فبنى على ظلها. الثاني: قاله السدي، كانت العلامة ريحاً هبت وكنست حول البيت يقال لها الخجوج. ﴿أَن لاَّ تُشْرِكَ بِي شَيْئاً﴾ أي لا تعبد معي إلهاً غيري. ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: من الشرك وعبادة الأوثان، وهذا قول قتادة. الثاني: من الأنجاس والفرث والدم الذي كان طرح حول البيت، ذكره ابن عيسى. والثالث: من قول الزور، وهو قول يحيى بن سلام. ﴿لِلطَّآئِفِينَ وَالْقَآئِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ أما الطائفون فيعني بالبيت وفي ﴿الْقَائِمِينَ﴾ قولان: أحدهما: يعني القائمين في الصلاة، وهو قول عطاء. والثاني: المقيمين بمكة، وهو قول قتادة. ﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ يعني في الصلاة، وفي هذا دليل على ثواب الصلاة في البيت. وحكى الضحاك أن إبراهيم لما حضر أساس البيت وحد لَوْحاً، عليه
17
مكتوب: أنا الله ذو بكّة، خلقت الخير والشر، فطوبى لمن قَدَّرْتُ على يديه الخير، وويلٌ لمن قدرت على يديه الشر. وتأول بعض أصحاب الخواطر قوله: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ يعني القلوب. ﴿لِلطَّآئِفِينَ﴾ يعني حجاج الله، ﴿وَالْقَآئِمِينَ﴾ يعني الإِيمان، ﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ يعني الخوف والرجاء. قوله عز وجل: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ يعني أَعْلِمْهُم ونَادِ فيهم بالحق، وفيه قولان: أحدهما: أن هذا القول حكاية عن أمر الله سبحانه لنبيه إبراهيم، فروي أن إبراهيم صعد جبل أبي قبيس فقال: عباد الله إن الله سبحانه وتعالى قد ابتنى بيتاً وأمَرَكُمْ بحجه فَحُجُّوا، فأجابه من في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك داعي ربنا لبيك. ولا يحجه إلى يوم القيامة إلا من أجاب دعوة إبراهيم، وقيل إن أول من أجابه أهل اليمن، فهم أكثر الناس حجاً له. والثاني: أن هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد ﷺ أن يأمر الناس بحج البيت. ﴿يَأْتُوكَ رِجَالاً﴾ يعني مشاة على أقدامهم، والرجال جمع راجل. ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ أي جملٍ ضامر، وهو المهزول، وإنما قال ﴿ضَامِرٍ﴾ لأنه ليس يصل إليه إلا وقد صار ضامراً. ﴿يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ أي بعيد، ومنه قول الشاعر:
﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبهُا﴾ أي سقطت جنوبها على الأرض، ومنه وجب الحائط إذا سقط، ووجبت الشمس إذا سقطت للغروب، وقال أوس بن حجر:
﴿فَكُلُواْ مِنْهَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن أكله منها واجب إذا تطوع بها، وهو قول أبي الطيب بن سلمة. والثاني: وهو قول الجمهور أنه استحباب وليس بواجب، وإنما ورد الأمر به لأنه بعد حظر، لأنهم كانواْ في الجاهلية يحرمون أكلها على نفوسهم. ﴿وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ والْمُعْتَرَّ﴾ فيهم أربعة تأويلات: أحدها: أن القانع السائل، والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل، وهذا قول الحسن، وسعيد بن جبير، ومنه قول الشماخ:
أي من السؤال. والثاني: أن القانع الذي يقنع ولا يسأل، والمعتر الذي يسأل، وهذا قول قتادة، ومنه قول زهير:
والثالث: أن القانع المسكين الطوّاف، والمعتر: الصديق الزائر، وهذا قول زيد بن أسلم، ومنه قول الكميت:
٨٩ (إما اعتياداً وإما اعتراراً} ٩
والرابع: أن القانع الطامع، والمعتر الذي يعتري البُدْنَ ويتعرض للحم لأنه
(تلعب لديهن بالحريق | مدى نياط بارح عميق) |
(قضوا تفثاً ونحباً ثم سارواْ | إلى نجدٍ وما انتظروا علياً) |
20
والعمرة، ولا يجوز في الحج إلا بعد عرفة، وإن جاز السعي. وفي تسمية البيت عتيقاً أربعة أوجه: أحدها: أن الله أعتقه من الجبابرة، وهو قول ابن عباس. الثاني: لأنه عتيق لم يملكه أحد من الناس، وهو قول مجاهد. والثالث: لأنه أعتق من الغرق في الطوفان، وهذا قول ابن زيد.
21
قوله عز وجل :﴿ ثُمَّ لْيَقْضَوا تَفَثَهُمْ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : مناسك الحج، وهو قول ابن عباس وابن عمر.
والثاني : حلق الرأس وهو قول قتادة، قال أمية بن أبي الصلت.
والثالث : رمي الجمار، وهو قول مجاهد.
والرابع : إزالة قشف الإِحرام من تقليم ظفر وأخذ شعر وغسل واستعمال الطيب، وهو قول الحسن.
وقيل لبعض الصلحاء : ما المعنى في شعث المحرم ؟ قال : ليشهد الله تعالى منك الإِعراض عن العناية بنفسك فيعلم صدقك في بذلها لطاعته.
وسئل الحسن عن التجرد في الحج فقال : جرّد قلبك من السهو، ونفسك من اللهو، ولسانك من اللغو، ثم يجوز كيف شئت.
وقال الشاعر :
﴿ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ﴾ وهو تأدية ما نذروه في حجهم من نحر أو غيره.
﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ يعني طواف الإِفاضة، وهو الواجب في الحج والعمرة، ولا يجوز في الحج إلا بعد عرفة، وإن جاز السعي.
وفي تسمية البيت عتيقاً أربعة أوجه :
أحدها : أن الله أعتقه من الجبابرة، وهو قول ابن عباس.
الثاني : لأنه عتيق لم يملكه أحد من الناس، وهو قول مجاهد.
والثالث : لأنه أعتق من الغرق في الطوفان، وهذا قول ابن زيد٢.
أحدها : مناسك الحج، وهو قول ابن عباس وابن عمر.
والثاني : حلق الرأس وهو قول قتادة، قال أمية بن أبي الصلت.
حفوا رؤوسهم لم يحلقوا تفثاً١ | . . . . . . . . . . . . . . |
والرابع : إزالة قشف الإِحرام من تقليم ظفر وأخذ شعر وغسل واستعمال الطيب، وهو قول الحسن.
وقيل لبعض الصلحاء : ما المعنى في شعث المحرم ؟ قال : ليشهد الله تعالى منك الإِعراض عن العناية بنفسك فيعلم صدقك في بذلها لطاعته.
وسئل الحسن عن التجرد في الحج فقال : جرّد قلبك من السهو، ونفسك من اللهو، ولسانك من اللغو، ثم يجوز كيف شئت.
وقال الشاعر :
قضوا تفثاً ونحباً ثم ساروا | إلى نجدٍ وما انتظروا علياً |
﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ يعني طواف الإِفاضة، وهو الواجب في الحج والعمرة، ولا يجوز في الحج إلا بعد عرفة، وإن جاز السعي.
وفي تسمية البيت عتيقاً أربعة أوجه :
أحدها : أن الله أعتقه من الجبابرة، وهو قول ابن عباس.
الثاني : لأنه عتيق لم يملكه أحد من الناس، وهو قول مجاهد.
والثالث : لأنه أعتق من الغرق في الطوفان، وهذا قول ابن زيد٢.
١ عجزه: ولم يسلوا لهم قملا وصئبانا..
٢ لم يذكر الوجه الرابع، وقد ذكر القرطبي هذه الوجوه، ومنها أنه سمي عقيقا لأن الله يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب..
٢ لم يذكر الوجه الرابع، وقد ذكر القرطبي هذه الوجوه، ومنها أنه سمي عقيقا لأن الله يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب..
﴿ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق﴾ قوله عز وجل: ﴿ذلِكَ وَمَن يَعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه فعل ما أمر به من مناسكه، قاله الكلبي. والثاني: أنه اجتناب ما نهى عنه في إحرامه. ويحتمل عندي قولاً ثالثاً: أن يكون تعظيم حرماته أن يفعل الطاعة ويأمر بها، وينتهي عن المعصية وينهى عنها. ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ فيه قولان: أحدهما: إلا ما يتلى عليكم من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذُبحَ على النصب. والثاني: إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم. ﴿فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ﴾ فيه وجهان:
21
: أحدهما: أي اجتنبواْ من الأوثان الرجس، ورجس الأوثان عبادتها، فصار معناه: فاجتنبوا عبادة الأوثان. الثاني: معناه: فاجتنبواْ الأوثان فإنها من الرجس. ﴿وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: الشرك، وهوقول يحيى بن سلام. والثاني: الكذب، وهو قول مجاهد. والثالث: شهادة الزور. روى أيمن بن محمد أن النبي ﷺ قام خطيباً فقال: (أَيُّهَا النَّاسُ عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الشِّرْكَ بِاللَّهِ مَرَّتِينَ) ثم قرأ: ﴿فَاجْتَنِبُواْ الرّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ﴾. والرابع: أنها عبادة المشركين، حكاه النقاش. ويحتمل عندي قولاً خامساً: أنه النفاق لأنه إسلام في الظاهر زور في الباطن.
22
قوله عز وجل: ﴿حُنَفَآءَ لِلَّهِ﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: يعني مسلمين لله، وهو قول الضحاك، قال ذو الرمة:
والثاني: مخلصين لله، وهو قول يحيى بن سلام. والثالث: مستقيمين لله، وهو قول عليّ بن عيسى. والرابع: حجاجاً إلى الله، وهو قول قطرب. ﴿غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: غير مرائين بعبادته أحداً من خلقه. والثاني: غير مشركين في تلبية الحج به أحداً لأنهم كانواْ يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، قاله الكلبي.
(إذا حول الظل العشي رأيته | حنيفاً وفي قرن الضحى يتنصر) |
23
قوله عز وجل :﴿ حُنَفَاءَ لِلَّهِ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يعني مسلمين لله، وهو قول الضحاك، قال ذو الرمة :
والثاني : مخلصين لله، وهو قول يحيى بن سلام.
والثالث : مستقيمين لله، وهو قول عليّ بن عيسى.
والرابع : حجّاجاً إلى الله، وهو قول قطرب.
﴿ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : غير مرائين بعبادته أحداً من خلقه.
والثاني : غير مشركين في تلبية الحج به أحداً لأنهم كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، قاله الكلبي.
أحدها : يعني مسلمين لله، وهو قول الضحاك، قال ذو الرمة :
إذا حول الظلّ العشيّ رأيته | حنيفاً وفي قرن الضّحى يتنصّر١ |
والثالث : مستقيمين لله، وهو قول عليّ بن عيسى.
والرابع : حجّاجاً إلى الله، وهو قول قطرب.
﴿ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : غير مرائين بعبادته أحداً من خلقه.
والثاني : غير مشركين في تلبية الحج به أحداً لأنهم كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، قاله الكلبي.
١ أي الحرباء تستقبل القبلة بالعشي، والمشرق بالغداة وهي قبلة النصارى..
﴿ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق﴾ قوله عز وجل: ﴿ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: فروض الله. والثاني: معالم دينه، ومنه قول الكميت:
وفيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها مناسك الحج، وتعظيمها إشعارها، وهو مأثور عن جماعة. والثاني: أنها البُدن المشعرة، وتعظيمها استسمانها واستحسانها، وهو قول مجاهد. والثالث: أنها دين الله كله، وتعظيمها التزامها، وهو قول الحسن. ﴿فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ قال الكلبي والسدي: من إخلاص القلوب. ويحتمل عندي وجهاً آخر أنه قصد الثواب.
(نقتلهم جيلاً فجيلاً نراهم | شعائر قربان بهم يتقرب) |
23
ويحتمل وجهاً آخر أيضاً: أنه ما أرضى الله تعالى: قوله عز وجل: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن المنافع التجارة، وهذا قول من تأول الشعائر بأنها مناسك الحج، والأجل المسمى العود. والثاني: أن المنافع الأجر، والأجل المسمى القيامة، وهذا تأويل من تأولها بأنها الدين. والثالث: أن المنافع الركوب والدر والنسل، وهذا قول من تأولها بأنها الهَدْى فعلى هذا في الأجل المسمى وجهان: أحدهما: أن المنافع قبل الإِيجاب وبعده، والأجل المسمى هو النحر، وهذا قول عطاء. ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعتِيقِ﴾ إن قيل إن الشعائر هي مناسك الحج ففي تأويل قوله: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ وجهان: أحدهما: مكة، وهو قول عطاء. والثاني: الحرم كله محل لها، وهو قول الشافعي. وإن قيل إن الشعائر هي الدين كله فيحتمل تأويل قوله: ﴿ثم محلها إلى البيت العتيق﴾ أن محل ما اختص منها بالأجر له، هو البيت العتيق.
24
قوله عز وجل :﴿ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن المنافع التجارة، وهذا قول من تأول الشعائر بأنها مناسك الحج، والأجل المسمى العود.
والثاني : أن المنافع الأجر، والأجل المسمى القيامة، وهذا تأويل من تأولها بأنها الدين.
والثالث : أن المنافع الركوب والدر والنسل، وهذا قول من تأولها بأنها الهَدْي. فعلى هذا في الأجل المسمى وجهان :
أحدهما : أن المنافع قبل الإِيجاب وبعده، والأجل المسمى هو النحر، وهذا قول عطاء١.
﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعتِيقِ ﴾ إن قيل إن الشعائر هي مناسك الحج ففي تأويل قوله :﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ وجهان :
أحدهما : مكة، وهو قول عطاء.
والثاني : الحرم كله محل لها، وهو قول الشافعي.
وإن قيل إن الشعائر هي الدين كله فيحتمل تأويل قوله :﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾ أن محل ما اختص منها بالأجر له هو البيت العتيق.
أحدها : أن المنافع التجارة، وهذا قول من تأول الشعائر بأنها مناسك الحج، والأجل المسمى العود.
والثاني : أن المنافع الأجر، والأجل المسمى القيامة، وهذا تأويل من تأولها بأنها الدين.
والثالث : أن المنافع الركوب والدر والنسل، وهذا قول من تأولها بأنها الهَدْي. فعلى هذا في الأجل المسمى وجهان :
أحدهما : أن المنافع قبل الإِيجاب وبعده، والأجل المسمى هو النحر، وهذا قول عطاء١.
﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعتِيقِ ﴾ إن قيل إن الشعائر هي مناسك الحج ففي تأويل قوله :﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ وجهان :
أحدهما : مكة، وهو قول عطاء.
والثاني : الحرم كله محل لها، وهو قول الشافعي.
وإن قيل إن الشعائر هي الدين كله فيحتمل تأويل قوله :﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾ أن محل ما اختص منها بالأجر له هو البيت العتيق.
١ لم يذكر الوجه الثاني، وفي تفسير القرطبي: أن بعث الهدي هو الأجل المسمى..
﴿ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون﴾ قوله عز وجل: ﴿وَلِكُلِّ أَمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني حجاً، وهو قول قتادة.
24
والثاني: ذبحاً، وهو قول مجاهد. والثالث: عيداً، وهو قول الكلبي والفراء، والمنسك في كلام العرب هو الموضع المعتاد، ومنه تسمية مناسك الحج، لاعتياد مواضعها. ﴿لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ فيها وجهان: أحدهما: أنها الهدي، إذا قيل إن المنسك الحج. والثاني: الأضاحي، إذا قيل إن المنسك العيد. قوله عز وجل: ﴿... وَبَشِّر الْمُخْبِتينَ﴾ فيه تسعة تأويلات: أحدها: المطمئنين إلى ذكر إلههم، وهو قول مجاهد، ومنه قوله تعالى: ﴿فَتُخْبتْ لَهُ قُلُوبُهُم﴾ [الحج: ٥٤]. والثاني: معناه المتواضعين، وهو قول قتادة. والثالث: الخاشعين، وهو قول الحسن. والفرق بين التواضع والخشوع أن التواضع في الأخلاق والخشوع في الأبدان. والرابع: الخائفين، وهو معنى قول يحيى بن سلام. والخامس: المخلصين، وهو قول إبراهيم النخعي. والسادس: الرقيقة قلوبهم، وهو قول الكلبي. والسابع: أنهم المجتهدون في العبادة، وهو قول الكلبي ومجاهد. والثامن: أنهم الصالحون المطمئنون، وهو مروي عن مجاهد أيضاً. والتاسع: هم الذين لا يظلمون، وإذا ظلمواْ لم ينتصرواْ، وهو قول الخليل بن أحمد.
25
﴿والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون﴾
25
قوله عز وجل: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ في البدن ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها الإِبل، وهو قول الجمهور. والثاني: أنها الإِبل، والبقر، والغنم، وهو قول جابر، وعطاء. والثالث: كل ذات خُفٍّ وحافر من الإِبل، والبقر، والغنم، وهو شاذ حكاه ابن الشجرة، وسميت بُدْناً لأنها مبدنة في السمن، وشعائر الله تعالى دينه في أحد الوجهين، وفروضه في الوجه الآخر. وتعمق بعض أصحاب الخواطر فتأول البُدْن أن تطهر بدنك من البدع، والشعائر أن تستشعر بتقوى الله وطاعته، وهو بعيد. ﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ فيه تأويلان: أحدهما: أي أجر، وهو قول السدي. والثاني: منفعة فإن احْتِيجَ إلى ظهرها رُكبَ، وإن حُلِبَ لَبَنُها شُرِبَ، وهو قول إبراهيم النخعي. ﴿فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوآفَّ﴾ وهي قراءة الجمهور، وقرأ الحسن: صوافي، وقرأ ابن مسعود: صوافن. فتأول صواف على قراءة الجمهور فيه ثلاثة أوجه: أحدها: مصطفة، ذكره ابن عيسى. والثاني: قائمة لتصفّد يديها بالقيود، وهو قول ابن عمر. والثالث: معقولة، وهو قول مجاهد. وتأويل صوافي، وهي قراءة الحسن: أي خالصة لله تعالى، مأخوذ من الصفوة. وتأويل صوافن وهي قراءة ابن مسعود: أنها مصفوفة، وهو أن تَعقِل إحدى يديها حتى تقف على ثلاث، مأخوذ من صفن الفرس إذا ثنى إحدى يديه حتى يقف على ثلاث، ومنه قوله تعالى: ﴿الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾ وقال الشاعر:
26
(الف الصفون مما يزال كأنه | مما يقوم على الثلاث كسيراً) |
(ألم تكسف الشمس ضوء النهار | والبدر للجبل الواجب) |
(لمالُ المرء يصلحه فيغني | مفاقِرَه أعف من القُنُوع) |
(على مكثريهم رزق من يعتريهم | وعند المقلين السماحةُ والبذلُ) |
٨٩ (إما اعتياداً وإما اعتراراً} ٩
والرابع: أن القانع الطامع، والمعتر الذي يعتري البُدْنَ ويتعرض للحم لأنه
27
ليس عنده لحم، وهذا قول عكرمة، ومنه قول الشاعر:
(على الطارق المعتر يا أم مالك | إذا ما اعتراني بين قدري وصخرتي) |
(وتيماء لم يترك بها جذع نخلةٍ | ولا أطماً إلا مشيراً بجندل) |
(شاده مرمراً وجلله كل | ساً فللطير في ذراه وُكورُ) |
٨٩ (كحية الماء بين الطين والشيد} ٩
وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره: وقصر مشيد مثلها معطل، وقيل إن القصر والبئر بحضرموت من أرض اليمن معروفان، وقصرِ مشرف على قلة جبل ولا
31
يرتقى إليه بحال، والبئر في سفحه لا تقر الريح شيئاً سقط فيها إلا أخرجته، وأصحاب القصور ملوك الحضر، وأصحاب الآبار ملوك البوادي، أي فأهلكنا هؤلاء وهؤلاء. قوله عز وجل: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ هذا يدل على أمرين: على أن العقل علم، ويدل على أن محله القلب. وفي قوله: ﴿يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ وجهان: أحدهما: يعملون بها، لأن الأعين تبصر والقلوب تصير. ﴿أَوْءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ أي يفقهون بها ما سمعوه من أخبار القرون السالفة. ﴿فَإنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدورِ﴾ يحتمل عندي وجهين: أحدهما: أنها لا تعمى الأبصار عن الهدى ولكن تعمى القلوب عن الاهتداء. والثاني: فإنها لا تعمى الأبصار عن الاعتبار ولكن تعمى القلوب عن الادّكار. قال مجاهد: لكل إنسان أربع أعين: عينان في رأسه لدنياه، وعينان في قلبه لآخرته، فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه لم يضره عماه شيئاً، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه لم ينفعه نظره شيئاً. قال قتادة: نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم الأعمى وهو عبد الله بن زائدة.
32
قوله عز وجل :﴿ وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ ﴾ فيها ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني خالية من أهلها لهلاكهم.
والثاني : غائرة الماء.
والثالث : معطلة من دلائها وأرشيتها١.
﴿ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن المشيد الحصين وهو قول الكلبي، ومنه قول امرئ القيس :
والثاني : أن المشيد الرفيع، وهو قول قتادة، ومنه قول عدي ابن زيد :
والثالث : أن المشيد المجصص، والشيد الجص، وهو قول عكرمة ومجاهد، ومنه قول الطرماح :
كحية الماء بين الطين والشيد٣ ***
وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره : وقصر مشيد مثلها معطل، وقيل إن القصر والبئر بحضرموت من أرض اليمن معروفان، وقصرِ مشرف على قلة جبل ولا يرتقى إليه بحال، والبئر في سفحه لا تقر الريح شيئاً سقط فيها إلا أخرجته، وأصحاب القصور ملوك الحضر، وأصحاب الآبار ملوك البوادي، أي فأهلكنا هؤلاء وهؤلاء.
أحدها : يعني خالية من أهلها لهلاكهم.
والثاني : غائرة الماء.
والثالث : معطلة من دلائها وأرشيتها١.
﴿ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن المشيد الحصين وهو قول الكلبي، ومنه قول امرئ القيس :
وتيماء لم يترك بها جذع نخلةٍ | ولا أطماً إلا مشيداً بجندل |
شاده٢ مرمراً وجلّله كل | ساً فللطير في ذراه وُكورُ |
كحية الماء بين الطين والشيد٣ ***
وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره : وقصر مشيد مثلها معطل، وقيل إن القصر والبئر بحضرموت من أرض اليمن معروفان، وقصرِ مشرف على قلة جبل ولا يرتقى إليه بحال، والبئر في سفحه لا تقر الريح شيئاً سقط فيها إلا أخرجته، وأصحاب القصور ملوك الحضر، وأصحاب الآبار ملوك البوادي، أي فأهلكنا هؤلاء وهؤلاء.
١ وأرشيتها: الأرشية جمع رشاء وهو حبل الدلو أو الحبل عموما..
٢ شاده: رفعه..
٣ صدره: لا تحسبنّي وإن كنت امرأ غمرا. وهو في اللسان منسوب إلى الشماخ بن ضرار. والغمر بفتح الغين وكسر الميم لغة في الغمر بضم الغين وسكون الميم وهو الغر الذي لم يجرب الأمور..
٢ شاده: رفعه..
٣ صدره: لا تحسبنّي وإن كنت امرأ غمرا. وهو في اللسان منسوب إلى الشماخ بن ضرار. والغمر بفتح الغين وكسر الميم لغة في الغمر بضم الغين وسكون الميم وهو الغر الذي لم يجرب الأمور..
قوله عز وجل :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾ هذا يدل على أمرين : على أن العقل علم، ويدل على أن محله القلب.
وفي قوله :﴿ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾ وجهان :
أحدهما : يعلمون بها، لأن الأعين تبصر والقلوب تصبر.
﴿ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ أي يفقهون بها ما سمعوه من أخبار القرون السالفة.
﴿ فَإنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدورِ ﴾ يحتمل عندي وجهين :
أحدهما : أنها لا تعمى الأبصار عن الهدى ولكن تعمى القلوب عن الاهتداء.
والثاني : فإنها لا تعمى الأبصار عن الاعتبار ولكن تعمى القلوب عن الادّكار.
قال مجاهد : لكل إنسان أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه، وعينان في قلبه لآخرته، فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه لم يضره عماه شيئاً، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه لم ينفعه نظره شيئاً.
قال قتادة : نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم الأعمى وهو عبد الله بن زائدة.
وفي قوله :﴿ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾ وجهان :
أحدهما : يعلمون بها، لأن الأعين تبصر والقلوب تصبر.
﴿ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ أي يفقهون بها ما سمعوه من أخبار القرون السالفة.
﴿ فَإنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدورِ ﴾ يحتمل عندي وجهين :
أحدهما : أنها لا تعمى الأبصار عن الهدى ولكن تعمى القلوب عن الاهتداء.
والثاني : فإنها لا تعمى الأبصار عن الاعتبار ولكن تعمى القلوب عن الادّكار.
قال مجاهد : لكل إنسان أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه، وعينان في قلبه لآخرته، فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه لم يضره عماه شيئاً، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه لم ينفعه نظره شيئاً.
قال قتادة : نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم الأعمى وهو عبد الله بن زائدة.
{ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف
32
سنة مما تعدون وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير} قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ يستبطئون نزوله بهم استهزاء منهم. ﴿وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ ولن يؤخر عذابه عن وقته. ﴿وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفْ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يوماً من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض كألف سنة، قاله مجاهد. الثاني: أن طول يوم من أيام الآخرة كطول ألف سنة من أيام الدنيا في المدة. الثالث: أن ألم العذاب في يوم من أيام الآخرة كألف سنة من أيام الدنيا في الشدة وكذلك يوم النعيم.
33
﴿قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم﴾ قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِيءَآيِاتِنَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه تكذيبهم بالقرآن، قاله يحيى بن سلام. الثاني: أنه عنادهم في الدين، قاله الحسن. ﴿مُعَجِزِينَ﴾ قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقرأ الباقون ﴿مُعَاجِزِينَ﴾ فمن قرأ معجزين ففي تأويله أربعة أوجه: أحدها: مثبطين لمن أراد اتباع النبي ﷺ، وهو قول السدي.
33
الثاني: مثبطين في اتباع النبي ﷺ، وهو قول مجاهد. والثالث: مكذبين، حكاه ابن شجرة. الرابع: مَعَجِزِينَ لمن آمن بإظهار تعجيزة في إيمانه. ومن قرأ ﴿مُعَاجِزِينَ﴾ ففي تأويله أربعة أوجه: أحدها: مشاققين، قاله ابن عباس. والثاني: متسارعين، حكاه ابن شجرة. والثالث: معاندين، قاله قطرب. والرابع: مُعَاجِزِينَ يظنون أنهم يُعْجِزُونَ الله هرباً، قاله السدي.
34
قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيِاتِنَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه تكذيبهم بالقرآن، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : أنه عنادهم في الدين، قاله الحسن.
﴿ مُعَجِزِينَ ﴾ قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقرأ الباقون ﴿ مُعَاجِزِينَ ﴾ فمن قرأ معجزين ففي تأويله أربعة أوجه :
أحدها : مثبطين لمن أراد إتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول السدي.
الثاني : مثبطين في إتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول مجاهد.
والثالث : مكذبين، حكاه ابن شجرة.
الرابع : مَعَجِزِينَ لمن آمن بإظهار تعجيزه في إيمانه١.
ومن قرأ ﴿ مُعَاجِزِينَ ﴾ ففي تأويله أربعة أوجه :
أحدها : مشاققين، قاله ابن عباس.
والثاني : متسارعين، حكاه ابن شجرة.
والثالث : معاندين، قاله قطرب.
والرابع : مُعَاجِزِينَ يظنون أنهم يُعْجِزُونَ الله هرباً، قاله السدي.
أحدهما : أنه تكذيبهم بالقرآن، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : أنه عنادهم في الدين، قاله الحسن.
﴿ مُعَجِزِينَ ﴾ قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقرأ الباقون ﴿ مُعَاجِزِينَ ﴾ فمن قرأ معجزين ففي تأويله أربعة أوجه :
أحدها : مثبطين لمن أراد إتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول السدي.
الثاني : مثبطين في إتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول مجاهد.
والثالث : مكذبين، حكاه ابن شجرة.
الرابع : مَعَجِزِينَ لمن آمن بإظهار تعجيزه في إيمانه١.
ومن قرأ ﴿ مُعَاجِزِينَ ﴾ ففي تأويله أربعة أوجه :
أحدها : مشاققين، قاله ابن عباس.
والثاني : متسارعين، حكاه ابن شجرة.
والثالث : معاندين، قاله قطرب.
والرابع : مُعَاجِزِينَ يظنون أنهم يُعْجِزُونَ الله هرباً، قاله السدي.
١ حكاه ابن عيسى..
﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم﴾ قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلآَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِه﴾ فيه تأويلان: أحدهما: يعني أنه إذا حدّث نفسه ألقى الشيطان في نفسه، قاله الكلبي. الثاني: إذا قرأ ألقى الشيطان في قراءته، قاله قتادة ومجاهد، قال الشاعر:
(تمنى كتاب الله أول ليله | وآخره لاقى حمام المقادِرِ) |