تفسير سورة الحج

الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه
تفسير سورة سورة الحج من كتاب الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

﴿ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ ﴾

قولُه تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِير﴾.
وقال تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وأَطْعِمُوا القَانِعَ والمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦].
حضّ الله - جلَّ ذكره - المسلمينَ في هذه الآية على ذبح الهداياوالأكل منها، وإطعام الفقراء منها.
فهذا عند محمد بن الحسن وغيره ناسخٌ لذبح العقيقة، قال: كانت العقيقة تُفْعَل في الجاهلية وفي أَوَّل الإِسلام، ثم نُسِخَت بذبحالضحايا.
وقيل: إِنَّ قولَه: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ ناسخٌ لِفِعْلِهِم في الجاهلية لأنهم كانوا لا يأكلونَ مِن لُحوم ضحاياهم، ولا يَدَّخِرون منها.
قال أبو محمد: "وكانَ يَجِبُ أَلاَّ يُدْخَلَ هذا في الناسخِوالمنسوخِ"؛ لأنه لم يَنْسَخ قرآناً إنما نَسَخَ ما كانوا عليه، وأكثرُ القرآنعلى ذلك.

﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾

قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾:
أَعْلَمَنا الله - تعالى - أنه أَذِنَ للمؤمنين في قتالِ الظَّالمين لهم منالمشركين فَنَسَخَ بذلك المنعَ من القتالِ المذكورِ في البقرة وغيرها، وهذايدُلُّ على أن الآيةَ أو السورةَ مدنيةٌ، إذ لا يجوزُ أن يَنْسَخَ مكيٌّ مدنياً.
قال ابنُ عَبَّاس: هي أول آيةٍ نزلت في إباحة القتال المذكور.
وقال ابنُ زيد: الآيةُ منسوخةٌ، نسخها: ﴿وذَرُوا الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىأَسْمَائِه﴾ [الأعراف: ١٨٠].
فهذا يَدُلُّ على أَنَّ السورةَ مكيةً نَسَخَها مكيٌّ، ولا يحسن أن تكونمدنية - على قول ابن زيد - لأن الناسخَ لِْلآيةِ عندَه مكيٌّ.
وقد قيل: إن الآيةَ محكمةٌ، وهي تَهَدُّدٌ ووعيدٌ بمنزلة قوله:﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا﴾ [الحجر: ٣]، وقولِه: ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا﴾ [الزخرف: ٨٣]، فلا نسخَ في هذا على هذا التأويل.
قال أبو محمد: وفي حمل قولِه تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بأَنَّهُمْظُلِمُوا﴾، - على التهديد - بُعْد، إلا أن تحمله على أن يكون بمعنىالمستقبل بمعنى على ﴿يُؤْذَن لهم بذلك﴾ فتحتمل التهديدوالوعيد.
وقد تقدم ذكر قولِه تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلاَنَبِيٍّ﴾ [الحج: ٥٢] - الآية - وليس فيها ناسخٌ ولا منسوخ، إنما هي دالّة على جوازِالنَّسخِ لما ليس من القرآن مما يُلْقيه الشيطانُ على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -.

﴿ وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ ﴾

قوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حقَّ جِهَادِه﴾:
قال بعض العلماء:
هذا منسوخٌ مُخَفَّفٌ بقوله: ﴿فاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] بمنزلةِ قولِه:﴿اتَّقُوا اللهَ حقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران: ١٠٢]، [والقَوْلُ في هذا أَنهُ مُحْكَمٌ، ومعناه، جاهدوافي الله بقدر الطاقة؛ إذْ لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إلاَّ وُسْعَها، فهو مثلُ قوله: ﴿اتَّقُوااللهَ حقَّ تُقَاتِه﴾] وقد مضى القولُ في ذلك.

Icon