ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ قال ابن عباس: يريد أهل مكة (١) ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ احذروا عقابه بطاعته (٢).قوله تعالى: ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ﴾ الزلزلة: شدة الحركة على الحال الهائلة، وكأنَّ أصله من قولهم: زلَّت (٣) قدمه، إذا (٤) زالت عن الجهة بسرعة، ثم ضُوعف فقيل: زَلْزَل الله قدمه، كما قيل: دكَّه ودَكْدَكَه (٥) (٦).
واختلفوا في هذه الزلزلة:
فقال علقمة، والشعبي: هي من أشراط (٧) الساعة، وهي في (٨) الدنيا
(٢) الطبري ١٧/ ١٠٩.
(٣) في (د)، (ع): (زلزت).
(٤) في (أ): (أي).
(٥) في (أ): (دكدك له)، وهو خطأ.
(٦) من قوله: الزلزلة: شدة... إلى ضوعف. نقلا عن الكشف والبيان للثعلبي ٣/ ٤٦ ب.
(٧) في (د)، (ع): (شرائط).
(٨) (في): ساقطة من (أ).
وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء لأنه قال: يريد النفخة الأولى (٣). يعني أن هذه الزلزلة تكون معها.
وقال الحسن والسدي: هذه الزلزلة تكون يوم القيامة (٤). ورويا بإسناديهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه الآية والتي بعدها، فقال له الناس: يا رسول الله أي يوم هذا؟ قال: "هذا يوم يقول الله لآدم يا آدم قم فأبعث بعث النار" (٥).
والحديث مشهور (٦).
(٢) رواه سفيان في "تفسيره" ص ٢٥٨، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٣/ ٤١٠، والطبري ١٧/ ١٠٩ عن علقمة.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٧ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
ورواه الطبري ١٧/ ١٠٩ عن الشعبي، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٧ وعزاه لابن جرير وابن المنذر.
(٣) ذكره القرطبي ١٢/ ٤، وأبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٤٩ من غير نسبة لأحد.
(٤) ذكره عنهما البغوي ٥/ ٣٦٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٤٠٣.
(٥) رواه سعيد بن منصور في "تفسيره" ١٥٥ أ، والترمذي في "جامعه" كتاب التفسير. ومن سورة الحج ٩/ ٩ - ١٠، والنسائي في "تفسيره" ٢/ ٨٢، والطبري ١٧/ ١١١، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٢٣٣ من طريق، عن الحسن البصري، عن عمران بن حصين، نحو ما ذكر هنا لكن في سائر الروايات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو القائل "أتدرون أيّ يوم ذلك". وليس الناس كما في الرواية التي ساقها الواحدي.
وأما رواية السدي لهذا الحديث فلم أجدها.
(٦) الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (كتاب التفسير -سورة الحج ٨/ ٤٤١)، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ- يوم القيامة: يا آدم، فيقول: لبيك ربنا وسعديك. فينادي بصوت: =
وهذا قول الكلبي، قال (٢): إن زلزلة الساعة قيام الساعة (٣) (٤).
يعني أن هذه الزلزلة تقارن قيام الساعة وتكون معها.
وهذا كما روي عن ابن عباس أنه قال في ﴿زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ﴾ قيام الساعة (٥).
قوله ﴿شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ يعني أنه لا يوصف لعظمه.
وهذه الآية بيانٌ عما يوجبه شدة أهوال القيامة من التأهّب لها.
٢ - قوله تعالى ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا﴾ يعني (٦): ترون (٧) تلك الزلزلة (٨).
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٩.
(٢) قال: ساقطة من (د)، (ع).
(٣) مثله في "تنوير المقباس" ص ٢٠٥.
(٤) في (د) زيادة بعد قوله الساعة: (يعني أن هذه الزلزلة الساعة قيام الساعة. وهو تكرار وخطأ من الناسخ.
(٥) ذكره عنه البغوي ٥/ ٣٦٣، وابن الجوزي ٥/ ٤٠٣.
(٦) في (ع): (معنى).
(٧) في (أ): (يرون).
(٨) استظهر هذا القول أبو حيان ٦/ ٢٤٩، والسمين الحلبي ٨/ ٢٢٢.
وقيل الضمير في قوله "ترونها" عائدٌ إلى الساعة، يعني: ترون الساعة.
وقال ابن كثير: هذا من باب ضمير الشأن، ولهذا قال مفسرًا له: "تذهل كل مرضعة... " ٣/ ٢٠٥. وانظر: القرطبي ١٢/ ٤، "البحر المحيط" ٦/ ٣٤٩ - ٣٥٠، "الدر المصون" ٨/ ٢٢٢.
قال الفرَّاء: ذَهَلْتُ عن كذا. وَذَهِلْتُ قليلة (٢) تذهل فيها جميعًا بفتح الهاء ليس غيره، وأذهلتُه: أنسيته (٣) إذْهالاً (٤).
ويقال: ذَهَلَ ذَهلاً وذُهولاً، إذا ترك الشيء وتناساه (٥) على عمد أو شغله عنه شغل. هذا معنى الذهول في اللغة (٦).
فأما تفسير قوله (٧) ﴿تَذْهَلُ﴾ فقال الليث (٨) والضحاك (٩) وابن قتيبة (١٠) وأبو عبيدة (١١): تَسْلو. وأنشدوا قول كثير (١٢):
(٢) (قليلة): ساقطة من (ع).
(٣) (أنسيته): ساقطة من (أ).
(٤) ليس في المطبوع من الفراء، وفي الطبري ١٧/ ١١٣ نحوه باختصار.
(٥) من قوله "وتناساه" يبدأ الموجود من نسخة الظاهرية [ظ].
(٦) انظر: "ذهل" في: "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٢٦١، "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٧٠٢، "لسان العرب" ١١/ ٢٥٩.
(٧) في (د)، (ع): (فأما التفسير في قوله).
(٨) قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٢٦١ (ذهل). وانظر: "العين" ٤/ ٤٩. (ذهل).
(٩) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٦ ب، وذكره ابن حجر في "الفتح" ٨/ ٤٤١ من رواية ابن المنذر عن الضحاك.
(١٠) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٠.
(١١) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٤٤.
(١٢) هو أبو صخر، كثير بن عبد الرحمن بن الأسود، الخزاعي، المدني. شاعر =
وقال الزجاج: تحير (٢).
وقال الكلبي: تلهى فلا تحرف ولدها صغيرًا كان أو كبيرًا، اشتغالًا بنفسها (٣).
وقال المفسرون: تنسى وتترك ولدها للكرب الذي نزل بها (٤).
وهذا قول مقاتل بن حيان (٥).
وقال ابن عباس: تُشْغل (٦).
وقوله: ﴿كُلُّ مُرْضِعَةٍ﴾ قال أبو إسحاق: مرضعة جاءت على الفعل على أرضعت، ويقال: امرأة موضع أي: ذات رضاع (٧).
(١) المنشد من قول كثير هو صدر بيت له من قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان، وعجزه:
وأضْحى يريد الصَّرمَ أو يتبدَّل.
وهو في "ديوانه" ص ٢٥٤، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٤٤، و"الكامل" للمبرد ٢/ ٢٩٩.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٩.
(٣) ذكره عنه الماوردي في النكت والعيون ٤/ ٦ مختصرًا.
(٤) هذا قول الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١١٣، والثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٦ ب.
(٥) ذكره عنه الثعلبي في الكشف والبيان ٣/ ٤٦ ب.
(٦) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٦ ب. قال القرطبي ١٢/ ٤ بعد ذكره للأقوال المتقدمة: والمعنى متقارب.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٩ - ٤١٠. وفي المطبوع: ومرضحة جَارٍ على المفعل على ما أرضعت، ويقال...
قال المبرد: ولما (٣) قال تبارك وتعالى ﴿عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ كان حق هذا مرضعه.
قوله: ﴿عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ قال الحسن في هذه الآية: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام (٤).
وعلى هذا -وهو قول جميع المفسرين (٥) - يكون التقدير: عمن أرضعت (ما) يكون بمعنى (من) (٦).
وقال المبرد: (ما) بمعنى المصدر أي: تذهل عن الإرضاع (٧). يعني لا ترضع ولدها الصغير. والأول الوجه (٨).
(٢) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣٥.
قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في "بدائع الفوائد" ٤/ ٢١ - ٢٢: المرضع: من لها ولد تُرضعه، والمرضعة من ألقمت الثدي للرضيع. وعلى هذا فقوله تعالى "يوم ترونها ذهل كل مرضعة عما أرضعت" أبلغ من موضع في هذا المقام؛ فإن المرأة قد تذهل عن الرضيع إذا كان غير مباشر للرضاعة، فإذا التقم الثدي واشتغلت برضاعه لم تذهل عنه إلا لأمر هو أعظم عندها من اشتغالها بالرَّضاع.
(٣) في (ظ): (لما).
(٤) رواه الطبري ١٧/ ١١٤.
(٥) انظر: الطبري ١٧/ ١١٤.
(٦) فتكون "ما" على هذا الوجه موصولة بمعنى: الذي. انظر "الأملاء" للعكبري ٢/ ١٣٩، "البحر المحيط" ٦/ ٣٥٠، "الدر المصون" ٨/ ٢٢٤.
(٧) ذكره عنه القرطبي ١٢/ ٤.
(٨) واستظهره أبو حيان ٦/ ٣٥٠ وقال: ويقويه تعدي "تضع" إلى المفعول به في قوله "حملها" لا إلى المصدر، وانظر: "الدر المصون" ٨/ ٢٢٤.
يعني: من هول ذلك اليوم، وهذا يدل على أن هذه الزلزلة تكون في الدنيا؛ لأنَّ بعد البعث لا يكون حبلى. وعند شدة الفزع تلقي المرأة جنينها، وقد ذكرت العرب هذا في أشعارها (١)، ووصفوا شدة [الفزع به قال مُزَرِّدُ (٢) أخو (٣) الشَّمَّاحْ في] (٤) مرثيّة عمر -رضي الله عنه-:
تضل [الحصان البكر تُلقي جنينها | نثا خبر فوق المُطيّ مُعلّق] (٥) (٦) |
(٢) هو مُزَرِّد بن ضرار بن حرملة، المازني، الذبياني، العطفاني يقال: اسمه يزيد، ومزرد لقبه. وهو فارس وشاعر جاهلي. وكان هجاء في الجاهلية، أدرك الإسلام فأسلم. وهو الأخ الأكبر للشماخ الشاعر.
"طبقات فحول الشعراء" ١/ ١٣٢، "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ص ١٩٥، "معجم الشعراء" للمرزباني ص ٤٨٣، "الاستيعاب" لابن عبد البر ٤/ ١٤٧٠، "أسد الغابة" ٤/ ٣٥١، "الإصابة" ٣/ ٣٨٥.
(٣) في (د)، (ع): (أخ).
(٤) ما بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٥) كشط في (ظ).
(٦) هذا البيت أحد أبيات قيلت في رثاء عمر -رضي الله عنه- كما قال الواحدي، وقد اختلف في نسبتها.
قال ابن أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة" ١٢/ ١٩٤: والأكثرون يروونها لمزرّد أخي الشَّمَّاخ، ومنهم من يرويها للشَّمَّاخ نفسه.
وقال التبريزي في "شرح ديوان الحماسة" ٣/ ٦٥ - معلقًا على قول أبي تمام: وقال الشَّمَّاخ يرثي عير بن الخطاب-: وقال أبو رياش: الذي عندي أنه لمزرّد أخيه، وقال أبو محمد الأعرابي: هو لُجزء بن ضرار أخيه.
والبيت في "ديوان الحماسة" لأبي تمام ١/ ٥٤١ منسوبًا للشماخ، وفي ملحق =
وقوله تعالى: ﴿وَتَرَى النَّاسَ﴾ قال صاحب النظم: خاطب] (١) جماعة الناس بقوله ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا﴾ ثم أفرد وترك مذهب الجمع في قوله ﴿وَتَرَى﴾ وذلك (٢) من فنون الخطاب كما جاز (٣) أن يخاطب عينًا ثم يترك مخاطبته إلى الحكاية عن غائب كقوله: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ [يونس: ٢٢] جاز أن ينادي جميعًا ويخاطبه (٤) ثم يرجع (٥) إلى واحد، ويجوز على الضد من هذا كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ (٦) [الطلاق: ١].
قال الحسن: ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى﴾ من الخوف ﴿وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾
فيقول: ترى الحامل يسقط حملها ما ينثى من خبر سار به الركبان وتقاذفته الأقطار استفظاعًا لوقوعه واستشعارًا لكل بلاءً وخوف منه. اهـ.
وذكر التبريزي مثل قول المرزوقي وزاد: و"نثا خبر" يجوز أن يكون مرفوعًا على أنه فاعل ومنصوبا على أنه مفعول به، وإذا كان منصوبًا يروى: تلقى -بالتاء، ومعلق نعت للخبر جعله.. لأنَّ الراكب أخبر بقتله.
(١) كشط في (ظ).
(٢) في (أ): (ذلك).
(٣) في (ظ)، (د): (أجاز).
(٤) في (د)، (ع): (وتخاطبه)، وفي (ظ): (مهملة).
(٥) في (د)، (ع): (ترجع).
(٦) النساء: ليست في (أ).
وقال أهل المعاني: وترى (٤) الناس كأنهم سكارى من ذهول عقولهم لشدة ما يمر بهم فيضطربون اضطراب السكران من (٥) الشراب (٦). يدل على صحة هذا قراءة من قرأ "وتُرَى (٧) الناس" بضم التاء (٨). أي: تَظُنّهم.
قال الفرّاء -في هذه القراءة-: وهو وجه جيّد (٩).
وحكى صاحب النظم عن بعض النحويين: أن قوله (ترى) كلمة موضوعة على الإفراد وتأويلها التشبيه، كأنَّه -عَزَّ وَجَلَّ- قال: وكأنَّ الناس سكارى. واحتج بقول: ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى﴾ [العلق: ١١] معنى ﴿أَرَأَيْتَ﴾ هاهنا للتنبيه على السؤال والإجابة، وكذلك قوله: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾ [الإسراء: ٦٢] وقد مرَّ. قال: ولا ينكر أن تكون "ترى" كلمة ضمنت
(٢) ذكره عنه الرازي في "تفسيره" ٢٣/ ٤.
(٣) انظر الطبري ١٧/ ١١٥، و"الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ٧ - ٨
(٤) وفي (ظ): (ويرى).
(٥) في (ظ): (في)، وهو خطأ.
(٦) ذكره الثعلبي في الكشف والبيان ٣/ ٥٤٦ باختصار، وعزاه لأهل المعاني.
(٧) في (ظ): (ويرى).
(٨) نُسبت هذه القراءة لأبي هريرة، وأبي زرعة بن عمرو بن جرير، وأبي نهيك وقراءة الجمهور: "وترى" بفتح التاء.
"الشواذ" لابن خالويه ص ٩٤، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٨٥، "الكشف والبيان"
للثعلبي ٣/ ٤٦ ب، القرطبي ١٢/ ٥، "البحر المحيط" ٦/ ٣٥٠، "الدر المصون" ٨/ ٢٢٤.
(٩) "معانى القرآن" للفراء ٢/ ٢١٥.
و ﴿سُكَارَى﴾ جمع سكران. وقرئ (سكرى) (٢).
قال أبو الهيثم: النعت (٣) [الذي على فعلان يجمع] (٤) على فُعالى (٥) وفَعالى مثل: غَيْرانَ وغُيَارَى وغَيارى (٦)، وسكران [وسكارى. وإنما قالوا سكرى، وأكثر] (٧) ما يجيء فَعلى جمعًا لفعيل بمعنى مفعول، [مثل قتيل وقتلى وجريح وجرحى وصريع وصرعى] (٨)؛ لأنه شبه بالنَّوكى (٩) والجمعى [والهلكى لزوال عقل السكران (١٠).
(٢) قرأ حمزة والكسائي: "سكرى" بفتح السين من غير ألف، وقرأ البافون: "سكارى" بضم السين وبألف بعد الكاف. "السبعة" ص ٤٣٤، "التبصرة" ص ٢٦٥، "التيسير" ص ١٥٦.
(٣) في (ظ): (البعث)، وهو خطأ.
(٤) ما بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٥) في (ظ): (فعال)، وهو خطأ.
(٦) غيارى: سا قطة من (ظ)، وفي (أ): (عبارى).
وغيارى: جمع غيران وهو فعلان من المغيرة وهي الحمية والأنفة. انظر: "لسان العرب" ٥/ ٤٢ "غير".
(٧) غيارى: ساقطة من (ظ)، وفي (أ): (عبارى).
وغيارى: جمع غيران وهو فعلان من المغيرة وهي الحمية والأنفة. انظر: "لسان العرب" ٥/ ٤٢ "غير".
(٨) ما بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٩) في (أ): (بالنكوى)، هو خطأ.
والنَّوْكى: جمع أنوك، وهو: الأحمق. "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٦١٣ (نوك).
(١٠) قول أبي الهيثم في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٥٧ (سكر).
قال أبو علي: ويجوز "سكرى" من وجه آخر وهو أن سيبويه حكى رسول سَكِرٌ (٣)، وقد جمعوا هذا البناء على فَعْلَى (٤) فقالوا: هَرِمٌ وهَرْمى وزَمِنٌ وزَمْنى وضَمِنٌ وضَمْنى (٥)؛ لأنه من باب الأدواء والأمراض التي ورصاب بها، فَفَعلى في هذا الجمع -وإن كان كعطشى- فليس يراد بها المفرد، إنّما يراد بها تأنيث الجمع كما أن الباضعة (٦) والطَّائفة (٧) وإن كان على لفظ الضّاربة والقائمة فإنّما لتأنيث الجمع دون تأنيث الواحد من المؤنث (٨).
(٢) "الكتاب" لسيبويه ٣/ ٦٤٩.
(٣) "الكتاب" لسيبويه ٣/ ٦٤٦.
(٤) في (أ): (فعل)، وهو خطأ.
(٥) زَمن: أي مبتلى بين الزَّمانة، والزمَّانة: العاهة. "لسان العرب" ١٣/ ١٩٩ (زمن). ضمن: هو الذي به ضمانة في جسده من زمانة أو بلاء أو كسر أو غيره. "الصحاح" للجوهري ٦/ ٢١٥٥، "لسان العرب" ١٣/ ٢٦٠ (ضمن).
(٦) (الباضعة): مهملة في (أ). والباضعة هي: الفرق من الغنم، أو القطعة التي انقطعت من الغنم. "الصحاح" للجوهري ٣/ ١١٨٦ (بضع)، "القاموس المحيط" للفيروزآبادي ٣/ ٥.
(٧) تصحفت في المطبوع من "الحجة" إلى: الطائعة.
والطائفة من الشيء: القطعة والجزء منه. ومنه الجماعة من الناس. "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٣٧ (طوف)، "لسان العرب" ٩/ ٢٢٦ (طوف).
(٨) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٦٦ - ٢٦٧.
وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤١٩، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٧٢، "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١١٦.
أضحت بنو عامر غَضْبَى أنُوفُهم | أنَّى عفوت (٤) فلا عارٌ ولا باس |
وقوله: ﴿وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ دليل على سكرهم من خوف العذاب.
٣ - قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ﴾ قال المفسرون: نزلت في النَّضْر بن الحارث، كان كثير (٦) الجدال، وكان ينكر أن الله قادرٌ على إحياء من بَلِيَ وصار ترابًا (٧).
وقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد الوليد بن المغيرة وعتبة بن
(٢) طه: ٥١، القصص: ٤٣.
(٣) في (ظ): (فجاز).
(٤) في (أ): (عفرت)، وهو خطأ.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٤ - ٢١٥. والبيت الذي أنشده الفراء قال عنه: وأنشدني بعضهم.
(٦) في (ظ): (كبير).
(٧) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٧ أ.
والمعني: أنه يخاصم (٢) في الله فيزعم أنه غير قادر على البعث.
﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ يعني أنه لا علم له في ذلك إنما (٣) [يقوله بإغراء من الشيطان وطاعته إياه] (٤). وهو قوله ﴿وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ﴾ أي يتبع ما يسول له الشيطان قال ابن عباس] (٥): والمريد الذي يتمرد على الله -عَزَّ وَجَلَّ- (٦).
وقال (٧) أهل اللغة في المريد قولين (٨):
أحدهما: أنه المتجرد للفساد.
والثاني: أنَّه العاري من الخير.
وذلك أن أصله في اللغة: الإملاس، والمريد (٩): المتملس من
والصواب أنه لم يثبت أنها نزلت في واحد من هؤلاء بعينه، بل هي نازلة فيمن جادل في الله بغير علم ومنهم هؤلاء المذكورون، ثم هي بعد عامة في كل من اتصف بهذه الصفة. انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية ١٠/ ٢٢٦، "البحر المحيط" ٦/ ٣٥١.
(٢) في (أ): (فخاصم).
(٣) في (ظ): (وإنّما).
(٤) ما بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٥) ما بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٦) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٦.
(٧) في (ظ): (قال).
(٨) انظر: (مرد) في: "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ١١٨ - ١١٩، "لسان العرب" لابن منظور ٣/ ٤٠٠ - ٤٠١.
(٩) في (ظ): (فالمريد).
٤ - قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾.
قال ابن عباس: قضى الله تعالى أن من أطاع إبليس أضله ولم يرشده وصيره إلى عذاب السعير (١).
والكناية في قوله ﴿عَلَيْهِ﴾ (٢) عائدة على (٣) الشيطان، وكذلك في قوله ﴿أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ﴾ (٤) (٥).
وهذه الآية دليل على أنَّ (٦) الله قد كتب في الأزل وقضى على الشيطان إضلال من تولاه، وأنَّ ذلك من الله تعالى حكم (٧) لا نكير (٨) عليه فيه.
(٢) (عليه): ساقطة من (ظ).
(٣) في (ظ): (إلى).
(٤) (فأنّه): ساقطة من (ظ).
(٥) وقيل الكناية في "عليه"، "أنّه"، تعود على "من" الأولى، أي المجادل. واستظهره أبو حيّان.
وقيل الضميران في "عليه"، "أنه" عائدان على "من" الأولى. والضمير في "فأنّه" ضمير الشأن.
وقال ابن عطية -بعد أن ذكر أن الضمير في "عليه" عائد على الشيطان ثم ذى احتمالاً أنه يعود على المتولي-: والذي يظهر لي أن الضمير في "أنّه" الأولى للشيطان، وفي الثانية لـ"من" الذي هو المتولي. "المحرر" لابن عطية ١٠/ ٢٧، "البحر المحيط" ٦/ ٣٥١، "الدر المصون" ٨/ ٢٢٩ - ٢٣٠.
(٦) (أن): ساقطة من (أ).
(٧) (حكم): ساقطة من (ظ).
(٨) في (ع): (لا يكبر)، وهو خطأ.
فبان بهذا أن الدين كله في الاستسلام للقدرة وتفويض الأمر إلى المشيئة من غير تحكم، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
قال (٤) أبو إسحاق: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ (أنَّه) في] (٥) موضع أرفع (فأنَّه] (٦) يضله) عطف عليه، والفاء الأجود فيها أن تكون [في معنى الجزاء، وجائز كسر إنَّ مع الفاء وتكون (٧) جزاءً] (٨) لا غير. والتأويل: كتب على الشيطان [إضلال متوليه (٩) وهدايتهم إلى عذاب السعير. وحقيقة
(٢) في (أ): (يقول)، وهو خطأ.
(٣) في (ظ): (فقال)، وهو خطأ.
(٤) في (ظ): (يزعمون).
(٥) في (أ): (وقال).
(٦) بين المعقوفين كشط من (ظ).
(٧) في المعاني: ويكون.
(٨) بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٩) في (أ): (متوالية)، وهو خطأ.
قال أبو علي: إعراب هذه الآية مشكل، وأنا أشرحه -إن شاء الله- وأبيّن موضع السَّهو فيه.
قوله ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ (أنه) في موضع رفع وهي توصل من الجمل (٣) بالابتداء والخبر. وخبر الابتداء معلومٌ وجوهه. وقوله ﴿مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ لا تخلو "مَن" مِن أن تكون (٤) بمنزلة "الذي" وتكون بمعنى الجزاء. [فإن كان بمعنى الجزاء] (٥) فالفاء في "فأنَّه" إنّما هو جواب الجزاء، ولا تكون العاطفة [لأنَّها إذا كانت جوابًا للجزاء لم يجز أن تكون العاطفة] (٦) كما أنها إذا كانت داخلة على خبر المبتدأ إذا كان المبتدأ موصولاً، وكانت جملته بمعنى الجزاء لم تكن العاطفة نحو قوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٤] فـ"من" على هذا الوجه في موضع رفع، و ﴿تَوَلَّاهُ﴾ في موضع جزم لكونه شرطًا، والفاء وما بعدها في موضع جزم لوقوعه موقع جزاء الشرط، و"أن" من قوله "فأنه يضله" موضعه رفع بإضمار مبتدأ بين الفاء و"إنّ"، لترتفع "أنَّ" على أنَّه (٧)
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١١.
(٣) في "الإغفال" ص ١٠٣١: وهي ما توصل بالجمل.
(٤) في "الإغفال" ص ١٠٣١: فلا يخلو "من" فيه من أن تكون...
(٥) ساقط من (ظ)، (د)، (ع) وليس موجودًا في الإغفال.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٧) (أنه): ساقطة من (ظ).
وإن كان "من" من قوله ﴿أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ بمعنى "الذي" (٥) فالتقدير: كتب على الشيطان أن الشيطان الذي تولاه. فاسم "أنَّ" الهاء التي هي ضمير الشيطان و"من" اسم مبتدأ وخبره ﴿فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ﴾ فالقول في ارتفاع "أنَّ" من قوله "فأنه" على هذا الوجه كالقول في الوجه الأول وما يقدر فيه من الإضمار الذي يكون "أنَّ" مبنيًّا عليه، وتقديره: الذي تولاه ﴿فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ﴾] (٦) فله إضلاله [أو"فشأنه إضلاله] (٧) وهدايته إياه إلى عذاب
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٣) فيها: ساقطة من (أ).
(٤) في "الإغفال" ص ١٠٣٥: على.
(٥) هذا هو شرح الاحتمال الثاني في معنى "من" من قول "من تولاه" الذي ذكره أبو علي في أول كلامه بقوله: وقوله "من تولاه" لا تخلو "من" من أن تكون بمنزلة الذي أو تكون بمعنى الجزاء.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
فإذا لم يخل من الوجهين اللذين ذكرنا، وكانت الفاء في كلا الوجهين متعلقة بها لا على جهة العطف لما بينا ثبت أنَّ قول أبي إسحاق: أنّ (١) "فأنه" عطف على "أنَّ" خطأ؛ إذ كانت الفاء لا تخلو: إما أن تكون مع ما بعدها في موضع جزم لوقوعه جزاء للشرط، واما أن تكون مع ما بعدها في موضع رفع لوقوعها خبرًا لمبتدأ واقع مع خبره موقع خبر "أنَّ" من قوله ﴿أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾.
وإذا بطل أن تكون الفاء للعطف بطل قول أبي إسحاق في "أنَّ" من قوله "فأنّه يضله" موضعها رفع أيضًا أن يكون مرفوعًا من الجهة التي ذكر وهو خطأ (٢) ثانٍ (٣) لزمه لجعله الفاء عاطفة و"أن" من قوله "فأنّه يضله" لا يجوز أن تكون معطوفة على الأولى (٤)؛ لأنه لا يخلو من أن يكون خبر مبتدأ، أو يكون جواب شرط، ومحال أن يعطف خبر المبتدأ على المبتدأ
(٢) في (أ): (التي ذكره)، هو خطأ.
(٣) في (أ): (فإن)، وهو خطأ.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع): (الأول)، والمثبت مش (أ). وهو الموافق لما في "الإغفال" ص ١٠٤٠.
٥ - قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ قال ابن عباس: يريد أهل مكة (٣) ﴿إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ﴾ قال: يريد إن كنتم في شك من القيامة ﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ زيد آدم (٤).
قال أبو إسحاق: قيل للذين جحدوا البعث وهم المشركون إن كنتم في شك من (٥) أن الله يبعث الموتى فتدبَّروا أمر خلقكم وابتدائكم فإنكم (٦) لا تجدون في القدرة فرقًا بين ابتداء الخلق وبين إعادته.
ثم بين لهم ابتداء خلقهم فأعلمهم (٧) أنَّهم خلقوا من تراب، وهو خلق آدم -عليه السلام-، ثم خُلِقَ ولده من نطفة، ثم من علقة ثم من مضغة، فأعلمهم أحوال خلقهم (٨).
وقال (٩): صاحب النظم: معنى الآية إن كنتم في ريب من البعث فإنا نخبركم أنا خلقناكم من تراب.
(٢) "الإغفال" لأبي علي الفارسي ٢/ ١٠٣١ - ١٠٤٠.
وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٨٦، "مشكل إعراب القرآن" لمكي بن أبي طالب ٢/ ٤٨٦، "البيان في غريب إعراب القرآن" للأنباري ٢/ ١٦٨ - ١٦٩، "البحر المحيط" ٦/ ٣٥١، "الدر المصون" ٨/ ٢٢٧ - ٢٢٨.
(٣) مثله في "تنوير المقباس" ص ٢٠٦، وذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٠٦ من غير نسبة لأحد.
(٤) مثله في "تنوير المقباس" ص ٢٠٦.
(٥)) من): ساقطة من (أ).
(٦) (فإنكم): ساقطة من (ظ).
(٧) في (ظ): (وعلَّمهم).
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٢.
(٩) في (أ): (قال).
ومعنى النطفة في اللغة: الماء القليل.
يقال: في الغدير نطفة زرقاء، أي بقية ماء صاف. وأصلها من النَّطف (٢) وهو: القطر، يقال: نطفت السحابة وهي تُنْطُفُ -بالضم- نَطْفًا. وليلةٌ نَطُوف: تمطر حتى الصباح، والذي يخلق منه الولد يسمى نطفة، لأنه ماء يقطر (٣).
وقوله: ﴿ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾ العلق الدم الجامد قبل أن ييبس، والقطعة علقة منه (٤) (٥)، ومنه قول القُطامي:
تَمجُّ عُروقُها عَلَقًا مُتَاعا (٦)
وذلك أن النطفة المخلوق منها الولد تصير دمًا غليظًا.
وقوله: ﴿ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ﴾ المضغة قطعة لحم، وقلب الإنسان مضغة من جسده وإذا صارت العلقة لحمة فهي مضغة.
(٢) في (ظ): (النطفة).
(٣) انظر: (نطف) في: "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٦٥ - ٣٦٦، "الصحاح" ٤/ ١٤٣٤، "لسان العرب" ٩/ ٣٣٥ - ٣٣٦.
(٤) منه: ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٥) انظر: "علق" في "تهذيب اللغة" ١١/ ٢٤٣، "الصحاح" ٤/ ١٥٢٩، "لسان العرب" ١٠/ ٢٦٧.
(٦) هذا عجز بيت للقطامي من قصيدة يمدح بها زفر بن الحارث الكلابي، وصدره:
وَظَلَّتْ تَعْبِطُ الأيدي كُلُوما
وهو في "ديوانه" ص ٣٣، "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ١٤٤ (تدع)، "لسان العرب" ٧/ ٣٤٨ (عبط).
والمتاع: القيء. "لسان العرب" ٨/ ٣٨ (تيع).
وهذا كله في الأطوار أربعة أشهر، وهذا معنى ما روي في الحديث: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم أربعين يومًا علقة، ثم أربعين يومًا مضغة، ثم يبعث الملك فينفخ فيها الروح" (٢).
قال ابن عباس: [ثم يصوّر] (٣) في العشر بعد الأربعة الأشهر، ثم ينفخ فيه الروح، فذلك عدة المُتوفَّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا، فإذا تحرَّك في جوفها علمت أن فيه ولدًا (٤) (٥).
قوله: ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ قال ابن الأعرابي: ﴿مُخَلَّقَةٍ﴾ قد بدا خلقه ﴿وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ بعد (٦) لم يصور (٧) (٨).
هذا الذي ذكره ابن الأعرابي: مخلقة قدرًا (٩) هو معنى المخلقة في اللغة.
وأما أهل التفسير: فإن مجاهدًا والسدي اتفقا (١٠) على أنَّ المخلقة
(٢) رواه البخاري كتاب "القدر" ١٢/ ٤٧٧، ومسلم كتاب "القدر" ٤/ ٢٠٣٦ من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق، فذكره.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٤) في (ظ)، (ع)، (د): (ولد)، وهو خطأ.
(٥) ذكره عنه القرطبي ١٢/ ٦ باختصار.
(٦) (بعد): ساقطة من (ظ)، (ع) وهي في (د): (قد).
(٧) في (أ): (يتصور). وغير واضحة في (د).
(٨) قول ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" للأزهري ٧/ ٢٨.
(٩) (مخلقة قدرًا): ساقطة من (أ). وسقط من (ع): (قدرا).
(١٠) (اتفقا): زيادة من (ظ).
قال (١) مجاهد -في رواية ابن نجيح- ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ قال: السقط مخلوق وغير مخلوق (٢).
وقد كشف السدي عن هذا المعنى الذي ذكره مجاهد فقال: هذا في السقط، المرأة تسقط النطفة بيضاء والعلقة، وتسقط اللحم لم يخلق، وتسقط قد صور [بعضه، وتسقط قد صور] (٣) كله (٤).
ويدل على أن هذا (٥) في السقط قوله ﴿وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ﴾ يعني ما يولد لتمام المدة ولم تسقطه (٦) المرأة (٧).
وذهب آخرون إلى أنَّ المخلقة في غير السقط، وغير المخلقة: هو السقط.
قال (٨) ابن عباس -في رواية عكرمة-: المخلقة ما (٩) كان حيًّا، وغير المخلقة ما كان من سقط (١٠).
ونحو هذا قال مجاهد -في رواية خُصَيف- قال: المخلقة: الولد،
(٢) رواه الطبري ١٧/ ١١٧ عن مجاهد من رواية ابن أبي نجيح.
(٣) ما بين المعقوفين في حاشية (ظ).
(٤) ذكره عنه ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٤٠٧.
(٥) العبارة في (ظ): (ويدل على هذا أنه).
(٦) في (أ): (ولم تسقط).
(٧) سيأتي بيان ضعف هذا القول مع القول الذي بعده.
(٨) في (ظ)، (د)، (ع): (وقال).
(٩) في (ظ): (ما قد كان حيًا).
(١٠) رواه ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ١٠.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: المخلقة: ما أخذ منه الميثاق، وغير المخلقة: ما لم يؤخذ منه الميثاق ولا يكون مخلوقًا.
ويدل على صحة هذا التفسير ما روى علقمة، عن عبد الله بن مسعود (٢): إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله -عَزَّ وَجَلَّ- ملكًا فقال: يا رب مخلقة أم غير مخلقة؛ فإن قال غير مخلقة مجّتها (٣) الأرحام، وإن قال مخلقة، قال: يا رب ما صفة هذه النطفة؟ أذكر أم أنثى؟ ما رزقها؟ ما أجلها؟ أشقيٌّ أم سعيدٌ؟ فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب فاستنسخ منه (٤) صفة هذه النطفة (٥).
وعلى هذا القول معنى (المخلقة): المخلوقة كما ذكره ابن عباس -في رواية عطاء- وهو: أنه أكمل خلقه بنفخ الروح فيه، فما أكمل خلقه بالروح ولد لتمام حيًّا، وما سقط كان غير مخلقة، أي: غير حي بإكمال خلقه بالروح (٦).
(٢) في (ظ): (ابن عباس)، وهو خطأ.
(٣) صحتها: رمتها. "الصحاح" ١/ ٣٤٠ (مجج).
(٤) (منه): ساقطة من (ظ).
(٥) رواه بهذا اللفظ الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١١٧، قال ابن حجر في "الفتح" ١/ ٤١٩: وإسناده صحيح. وهو موقوف لفظا، مرفوع حكمًا. اهـ.
ورواه بنحوه مطولاً ابن أبي حاتم (كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٠٧ و"الدر المنثور" ٦/ ٩)، والواحدي في "الوسيط" ٣/ ٢٥٩. والأثر لا يدل كما قال الواحدي على صحة هذا التفسير؛ لأنّ الأثر في النطفة: "إذا وقعت النطفة". وظاهر القرآن أن قوله تعالى "مخلقة وغير مخلقة" وصفٌ للمضغة لا للنطفة.
(٦) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٠٦ - ٤٠٧ عن ابن عباس.
وهذا القول مذهب أكثر أهل التفسير (٢)، وهو قول أبي عبيدة في
(٢) وهو اختيار الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" ١٧/ ١١٧.
قال الشنقيطي -رحمه الله- في "أضواء البيان" ٥/ ٢٢ - ٢٣ - بعد أن ذكر أن هذا القول اختيار الطبري. وغير واحد من أهل العلم-: هذا القول الذي اختاره الإمام الجليل الطبري -رحمه الله- لا يظهر صوابه، وفي الآية الكريمة قرينة تدل على ذلك وهي قوله -جل وعلا- في أول الآية "فإنا خلقناكم من تراب" لأنّه على القول المذكور الذي اختاره الطبري يصير المعنى: ثم خلقناكم من مضغة مخلقة وخلقناكم من مضغة غير مخلقة.
وخطاب الناس بأن الله خلق بعضهم من مضغة غير مصورة فيه من التناقض كما ترى. فافهم.
فإن قيل: في نفس الآية الكريمة قرينة تدل على أن المراد بغير المخلقة السقط، لأن قوله "ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى" يفهم منه أن هناك قسمًا آخر لا يقره الله في الأرحام إلى ذلك الأجل المسمى وهو السقط؟.
فالجواب: أنَّه لا تعين فهم السقط من الآية؛ لأن الله يقر في الأرحام ما يشاء أن يقرّه إلى أجل مسمّى، فقد يقره ستة أشهر، وقد يقره تسعة وقد يقره أكثر من ذلك كيف شاء.
أما السقط فقد دلت الآية على أنّه غير مراد بدليل قوله "فإنا خلقناكم" الآية؛ لأن السقط الذي تلقيه أمُّه ميتًا -ولو بعد التشكيل والتخطيط- لم يخلق الله منه إنسانًا واحداً من المخاطبين بقوله ﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ الآية، فظاهر القرآن يقتضي أن كلا من المخلقة وغير المخلقة يخلق منه بعض المخاطبين في قوله "يا أيها الناس.. " الآية اهـ.
وفي جواب الشنقيطي أيضًا ردّ على قول من قال السقط مخلوق وغير مخلوق.
وفي هذا مذهب ثالث وهو: أن المخلقة وغير المخلقة كلاهما (٢) من صفة الولد الذي يولد، وليسا ولا أحدهما من صفة السقط.
وهو مذهب قتادة، واختيار أبي إسحاق وثعلب.
قال قتادة في قوله ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾: تامة وغير تامة (٣).
وقال (٤) أبو إسحاق: وصف أحوال الخلق أنَّ منهم من يتم (٥) مضغته فيخلق له الأعضاء التي تكمل آلات الإنسان، ومنهم من لا يتمم الله (٦) خلقه (٧).
وقال أبو العباس (٨): الناس خلقوا على ضربين: منهم تام الخلق، ومنهم خَدِيخٌ ناقصٌ غيرُ تام (٩).
وعلى هذا القول معنى المخلقة: التام الخلقة والأعضاء (١٠). فحصل
(٢) في (أ): (كلاها).
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٢، والطبري ١٧/ ١١٧. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١١ وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير.
(٤) في (ظ): (قال).
(٥) في (ظ): (تتم)، وفي (د): (تتم)، مهملة، وفي (ع): (يتم)، وما أثبتنا هو الموافق لما في المعاني.
(٦) الاسم الجليل كتب في حاشية (ظ)، وعليه علامة التصحيح.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٢.
(٨) هو ثعلب.
(٩) ذكره عن أبي العباس الأزهري في "تهذيب اللغة" ٧/ ٢٨ (خلق).
(١٠) قال الشنقيطي في "أضواء البيان" ٥/ ٢٣ - ٢٤ عن هذا القول أنه أولى الأقوال في الآية وهو القول الذي لا تناقض فيه؛ لأن القرآن أنزل ليصدق بعضه بعضًا لا =
قوله تعالى: ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ اختلفوا في مفعول (١) التبيين (٢).
فقال (٣) ابن عباس: لنبين لكم ما تأتون وما تذرون (٤).
يعني أن الله تعالى خلق بني آدم ليبين لهم من أشدهم وما يحتاجون إليه في العبادة.
وقال الزجاج: أي. ذكرنا أحوال خلق الإنسان لنبين لكم قدرتنا على ما نشاء ونعرفكم ابتداءنا (٥) خلقكم (٦).
وعزاه إلى قتادة والضحاك. قال: واقتصر عليه الزمخشري ثم نقل الشنقيطي عن الزمخشري -وقول الزمخشري في "الكشاف" ٣/ ٥ - أنه قال: والمخلقة: المسوّاه الملساء من النقص والعيب، يقال: خلق السواك والعود: إذا سواه وملسه، من قولهم: صخرة ملساء، إذا كانت ملساء، كانَّ الله تعالى يخلق المضغ متفاوتة، منها ما هو كامل الخلقة أملس من الجوب ومنها ما هو على عكس ذلك، فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم. قال الشنقيطي: وهذا المعنى الذي ذكره الزمخشري معروف في كلام. ثم ذكر الشنقيطي شواهد من شعر العرب وكلامهم في هذا المعنى.
(١) في (ظ): (معنى).
(٢) في (د)، (ع): (لنبين).
(٣) في (ظ)، (د)، (ع): (قال).
(٤) ذكره البغوي ٥/ ٣٦٦، وابن الجوزي ٥/ ٤٠٧ من غير نسبة لأحد.
(٥) في (ظ): (ابتداء).
(٦) ليس في المطبوع من "معاني الزجاج" ٣/ ٤١٢ إلا قوله: أي ذكرنا أحوال خلق الإنسان.
وقال ابن مسلم: لنبين لكم كيف نخلقكم في الأرحام (٣).
وقال (٤) أهل المعاني: لندلكم على مقدورنا بتصريف ضروب الخلق (٥).
قوله تعالى: ﴿وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ﴾ أي (٦): نثبت (٧) في الأرحام ما نشاء فلا يكون سقطا ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ أي إلى أجل الولادة.
ويجوز أن يكون المعنى: ﴿وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ﴾ فلا يخرج (٨) الأجل المعتاد ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ سماه الله لذلك (٩) الولد في أم الكتاب،
(٢) ذكر ابن عطية في "المحرر" ١٠/ ٢٢٩، وابن الجوزي ٥/ ٤٠٧ هذا القول مختصرًا من غير نسبة لأحد.
(٣) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٠.
(٤) في (ظ): (قال).
(٥) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٧ أمن غير نسبة لأحد.
وانظر: "الكشاف" للزمخشري ٣/ ٥. حيث قال: ٣/ ٥: وورود الفعل غير معدى إلى المبيَّن إعلامٌ بأن أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وعلمه الا يكتنهه ولا يحيط به الوصف.
(٦) في (د): (أن)، وهو خطأ.
(٧) في (أ): (يثبت)، وفي (ظ): (يثيب)، ومهملة في (د)، وفي (ع): (نبت)، وما أثبتنا هو الصواب.
(٨) في (ظ)، (د)، (ع): (فلا يكون سقطا بخرج)، بزيادة: (يكون سقطا)، وهذه الزيادة تخل بالمعنى ويظهر لي أن ناسخ النسخة التي نسخت منها تلك النسخ رجع نظره إلى الجملة التي قبل هذه الجملة فهي مشابهة لها.
(٩) في (أ): (كذلك)، وهو خطأ.
والقراءة في "ونقرُّ" بالرفع، وروى المفضل (١)، عن عاصم: "ونقرَّ" بالنصب (٢).
قال أبو إسحاق: ولا يجوز فيه إلا الرفع، ولا يجوز أن يكون معناه فعلنا ذلك لنقر في الأرحام؛ لأنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- لم يخلق الأنام ليقرهم في الأرحام، وإنَّما خلقهم ليدلَّهم على رشدهم وصلاحهم (٣).
وقال (٤) صاحب النظم: انقطع الخبر عند قوله ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ ثم ابتدأ خبرًا آخر فقال (٥): ﴿وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ﴾ ولذلك ارتفع؛ لأنه منقطع مما قبله.
وقوله: ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ث﴾ قال الزجاج: "طفلًا" في معنى أطفال،
وقال أبو حاتم السجستاني: ثقة في الأشعار، غير ثقة في الحروف. توفي سنة ١٦٨ هـ. "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم ٨/ ٣١٨، "تاريخ بغداد" ١٣/ ١٢١، "إنباه الرواة" ٣/ ٢٩٨، "معرفة القراء الكبار" للذهبي ١/ ١٣١، "غاية النهاية" ٢/ ٣٥٧ "لسان الميزان" لابن حجر ٦/ ٨١.
(٢) ذكرها النحاس في "إعراب القرآن" ٣/ ٨٧ من رواية المفضل، عنه. وهي رواية شاذة لا تصح عن عاصم؛ لأنَّ المفضل متروك القراءة.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٢.
(٤) في (ظ): (قال).
(٥) في (ظ)، (د): (قال)، وفي (أ): (وقال)، والمثبت من (ع).
وقال المبرد: انتصب "طفلاً" على المصدر الذي هو في موضع الحال. وقد قال قوم: تمييز. والذي قال جائز في هذا الموضع كقوله: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾ [النساء: ٤] فهذا لا يكون إلا تمييزا، إلا أنّا قدمنا المصدر؛ لأنَّه قد استعمل مصدرًا كالرّضا والعدل الذي يقع على الواحد والجماعة، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾ [النور: ٣١] فهذا فيه دليل على أنه مصدر (٤).
وقال أبو عبيدة: طفلاً في موضع أطفال (٥). وأنشد (٦):
(٢) في (أ): (منهم).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٢.
(٤) ذكر هذا القول عن المبرد باختصار القرطبي ١٢/ ١٢، وأبو حيان ٦/ ٣٥٢ والسمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ٢٣٢.
(٥) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٤٤.
(٦) هذا الشطر من الرجز أنشده أبو عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ١٩٥ ونسبه للغنوي. وهو بلا نسبة في "الكتاب" ٩/ ٢٠١، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٤٣٧، المقتضب للمبرد ٢/ ١٧٢، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٣.
ونسبه السيرافي في شرح أبيات سيبويه ١/ ٢١٢، والشنتمري في "تحصيل عين الذهب" ١/ ١٠٧، وابن منظور في "لسان العرب" ١٤/ ٤٢٣ "شجا" للمسيب بن زيد بن مناة الغنوي يخاطب به حنظلة بن الأعرف الضبابي، وكان حنظلة قد غزا غَنيّ فأخذ غلامًا منتهم، فبيع ذلك الغلام، فخفي شأنه زمانًا، ثم وجدته غنيّ في بيت ختنٍ لحنظلة بن الأعراف فأخذوا الغلام وقتلوا ختن حنظلة، فبلغهم أن =
وقال أبو الهيثم: الصبي يدعى طفلا حين يسقط من بطن أمه إلى أن يحتلم.
قال: والعرب تقول: جاريةٌ طِفْلٌ، وجاريتان طِفْلٌ، وجَوارٍ طفلٌ وغلامٌ طفلٌ، وغلمان طفل (٢). [ويقال: طفل] (٣) وطفلة وطفلان وطفلتان في القياس وأطفال، ولا يقال: طفلات (٤) (٥).
وأطفلت المرأةُ والظبيةُ (٦)، إذا صارت ذات طفل (٧).
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ﴾ ذكر صاحب النظم منه وجهين:
مالك يا أعرف تبتغينا
إلى أن قال: في حلقكم عظمٌ وقد شجينا.
قال السيرافي: الشاهد فيه قوله "في حلقكم" فوحّد وهو يريد في حلوقكم، فوضع الواحد في موضع الجمع.... وقوله "في حلقكم عظم وقد شجينا" هو على طريق المثل، يعني أنهم بمنزلة من قد غصّ بشيء في حلقه لأجل قتل ختنهم، ونحن قد شجينا بشيء في حلوقنا من أجل العلام الذي قد سبي هنا. اهـ.
(١) في (أ)، (د)، (ع) خلقكم. والمثبت من (ظ) وباقي مصادر التخريج.
(٢) وغلمان طفل: ليست في المطبوع من "تهذيب اللغة" ٣/ ٣٤٨.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ)، (د)، (ع).
(٤) في "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٤٨ نقلاً عن أبي الهيثم: ويقال: طفلٌ، وطفلةٌ، وطفلان، وأطفال، وطفلتان، وطفْلات في القياس. وكذا في "اللسان" ١١/ ٤٠٢ (طفل).
وعند القرطبي ١٢/ ١٢: ويقال أيضًا: طفل وطفلة وطفلان وطفلتان وأطفال، ولا يقال: طفلات مثل ما عند الوحدي.
(٥) قول أبي الهثم في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٣/ ٣٤٨.
(٦) في (ظ): (الضبية).
(٧) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٣/ ٣٤٨ (طفل) نقلا عن الليث.
والوجه الآخر: أن تكون "ثم" في قوله ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا﴾ مقحمة (٣) [كما تقحم الواو؛ لأنها من حروف النسق ومعناه: ثم نخرجكم طفلاً لتبلغوا أشدكم (٤)] (٥).
قال ابن عباس: يريد ثماني عشرة سنة (٦).
قال الزَّجَّاج: وتأويله الكمال والقوة والتمييز وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين (٧). وهذا مما قد تقدم القول فيه.
قوله تعالى: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى﴾ قال ابن عباس: يريد من قبل ذلك. يعني من قبل بلوغ الأشد (٨).
﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ أي: أخسّه وأدونه، وهو الخرف،
(٢) ذكر ابن الجوزي ٥/ ٤٠ هذا الوجه، ولم ينسبه لأحد.
(٣) في (أ): (مفخمة، تفخّم).
(٤) ذكر القرطبي ١٢/ ١٢ هذا الوجه، وصدره بقوله: وقيل.
وهذا الوجه الذي ذكره الواحدي عن صاحب النظم -مردود؛ قال أبو حيان في البحر ٥/ ١١٠: وغير ثابت من "لسان العرب" زيادة "ثم".
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٦) ذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ١٤٩ عند قوله تعالى ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام: ١٥٣] عن ابن عباس -من رواية أبي صالح- أنه قال: ما بين ثماني عثمرة إلى ثلاثين سنة.
ثم ذكر قولاً آخر أنه: ثماني عشرة سنة، وعزاه لسعيد بن جبير ومقاتل.
(٧) "معاني القرآن" للز جاج ٣/ ٤١٣.
(٨) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٠٨ ولم ينسبه لأحد.
قال ابن عباس: يريد يبلغ من السن ما يتغير (١) عقله حتى لا يعقل شيئًا (٢).
قال: وليس ذلك إلا في أهل الشرك (٣).
وقال عكرمة: من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة، واحتجّ بقوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [التين: ٥، ٦] قال: إلا الذين قرأوا القرآن (٤).
قوله ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً﴾ قال الزَّجَّاج: ثم دلَّهم على إحيائه (٥)
(٢) في "الوسيط" ٣/ ٢٦٠ عن ابن عباس: يبلغ السن من بعد ما يتغير عقله حتي لا يعقل شيئا.
(٣) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٤/ ٤٦٨ عنه من رواية عطاء بمعناه. عند قوله تعالى ﴿لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ [النحل: ٧٠].
وهذه الرواية لا تصح عن ابن عباس، وكم شوهد من أهل الإسلام من ردّ إلى أرذل العمر، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: "وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر" رواه البخاري كتاب الدعوات، باب التعوذ من البخل ١١/ ١٧٨.
(٤) رواه الطبري ٣٠/ ٣٤٦ بنحوه، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٨/ ٥٥٨ وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير.
وقد روى سعيد بن منصور في تفسيره (ل ١٥٥ ب) وابن أبي شيبة في مصنفه ١٠/ ٤٦٨ عنه قال: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمل. ثم قرأ ﴿لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ [النحل: ٧٠].
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ١٤٦ وعزاه لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٥) في (أ): (إحياء).
وقال صاحب النظم: هذا فصل منقطع مما قبله؛ لأنَّ الأول مخاطبة جماعة وهذا مخاطبة واحد، وهو معطوف على ما قبله بمثل معناه لأنّه من تبيين وجوب البعث (٢).
قال الليث: أرض جامدة مقشعرةٌ لا نبات فيها إلاَّ يبيس (٣) مُتَحطّم (٤)، والهامد (٥) من الشجر: اليابس (٦).
وقال شمر: الهامد: الأرض المسنتة (٧)، وهمودها (٨) ألا يكون فيها حياة (٩) والرَّماد (١٠) الهامد: المتلبّد البالي بعضه فوق بعض. وهمد (١١) الثوب يهمد همودًا، إذا تناثر من البِلى (١٢).
(٢) ذكره القرطبي ١٢/ ١٣ بمعناه من غير نسبة لأحد.
(٣) في (أ): (مهملة). وفي (ظ): (يبس).
(٤) من (أ): (فيحكم)، وهو خطأ.
(٥) في (ظ): (والهادرة).
(٦) قول الليث في "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٢٢٨ "همد". وهو في "العين" ٤/ ٣١ "همد" بنصه.
(٧) في (أ): (المسننة)، وفي (ظ)، (د): (المسنة). وفي (ع): (المسه)، مهملة. والتصويب من "تهذيب اللغة" ٦/ ٢٢٨. وفي "تهذيب اللغة" ١٢/ ٣٨٥: قال ابن شميل: أرضٌ مسنته: لم يصبها مطرٌ فلم تُنبت.
(٨) في (أ): (وهودها)، وهو خطأ.
(٩) في جميع النسخ: (حيا)، والتصويب في "تهذيب اللغة" ٦/ ٢٢٨.
(١٠) في (ظ)، (د)، (ع): (والمراد)، وهو خطأ.
(١١) في (أ): (وهذا)، وهو خطأ.
(١٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٢٢٨ (همد).
قالت قُتَيْلةُ ما لجسمك شاحبًا | وأرى ثيابك باليات هُمَّدا (٥) (٦) |
وقال مجاهد: هالكة. يعني جافة (٧) يابسة؛ لأن هلاك الأرض يُبسها.
وقال قتادة: غبراء متهشمة (٨). [يعني متهشمة] (٩) النبت.
وقال أبو إسحاق: يعني جافة ذات تراب (١٠).
(٢) في (أ): (همت)، وهو خطأ.
(٣) ألبتة مهملة في (د).
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٢٢٨ "همد" من رواية أبي عبيد، عن الأصمعي.
(٥) همدا: ساقطة من (ظ).
(٦) البيت في "ديوانه" ص ٢٢٧، والرواية فيه (سايئا) في موضع (شاحبا)، والطبري ١٧/ ١١٩، و"الأضداد" لابن الأنباري ص ١٧٤، والقرطبي ١٢/ ١٣.
(٧) في (أ): (حاقة)، وهو خطأ.
(٨) قال السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١١: وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله "وترى الأرض هامدة" أي: غبراء متهشمة.
وهذه الرواية عن قتادة ليست موجودة في تفسير عبد الرزاق والطبري في هذا الموطن من سورة الحج كما عزى إليها السيوطي، وإنما موجودة في تفسير قوله تعالى "ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة" [فصلت: ٣٩] فروى عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ١٨٨ والطبري ٢٤/ ١٢٢ عن قتادة في قوله "ترى الأرض خاشعة" قال: غبراء متهشمة.
(٩) ساقط من (ظ)، (د)، (ع).
(١٠) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٣.
وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ قال المفسرون: تحركت بالنبات (٢).
والمعنى على هذا تحركت بالنبات عند وقوع الماء، وذلك أن الأرض ترتفع عن النبات إذا ظهر فذلك تحركها، وهو معنى قوله ﴿وَرَبَتْ﴾ أي: ارتفعت وزادت.
وقال الليث: يقال اهتزت الأرض (٣) إذا أنبتت (٤).
وقال المبرد: أراد (٥) اهتز نباتها (٦). وعلى هذا حذف المضاف الذي هو النبات [فقيل: اهتزت. والاهتزاز في النبات أظهر، ويقال: اهتز النبات] (٧) إذا طال (٨).
وقوله ﴿وَرَبَتْ﴾ أي زادت ونمت، أي الأرض أو نباتها على ما ذكرنا. ويقال: ربا الشيء، إذا زاد، ومنه الرَّبوة والرِّبا (٩).
(٢) الطبري ١٧/ ١١٩، "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٧ ب.
(٣) (الأرض): ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ٥/ ٣٥٠ (هزَّ) بنصِّه، لكن من غير نسبة لأحد. وكأنَّ في المطبوع سقطًا، وهو في العين ٢/ ٣٤٦ "هزّ" مع اختلاف يسير جدًّا.
(٥) أراد: ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٦) ذكره عن المبرد ابن الجوزي ٥/ ٤٠٨، والقرطبي ١٢/ ١٣.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ)، (د)، (ع).
(٨) انظر: "تهذيب اللغة" ٥/ ٣٥٠ (هز)، "لسان العرب" ٥/ ٤٢٤ (هزز).
وقال أبو حيان في البحر ٥/ ٣٥٣: واختزازها: تخلخلها واضطراب بعض أجسامها لأجل خروج النبات.
(٩) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ٥/ ٢٧٢ - ٢٧٤ (ربا).
قال المبرّد: هو الشيء المشرق الجميل (٣)، ومنه قوله: ﴿حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ [النمل: ٦٠].
وعلى هذا هو فعيل من بهج (٤)، وهو قول أبي زيد (٥)، قال: بهيج حسن (٦)، وقد (٧) بَهُج بَهاجة وبَهْجة (٨).
ويقال: تباهج الروض إذا كثر نواره (٩). وأنشد الليث (١٠):
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٦٤ "بهج" عن الليث، وهو في العين ٣/ ٣٩٤ (بهج).
(٣) ذكره الرازي ٢٣/ ٩ عن المبرّد.
(٤) في (أ): (بهيج)، وهو خطأ.
(٥) في جميع النسخ: (ابن زيد)، وهو تصحيف. والتصويب من "تهذيب اللغة" وغيره.
(٦) (حسن): ساقط من (ظ)، (د)، (ع).
(٧) في (ظ)، (د)، (ع): (قد).
(٨) قول أبي زيد في "تهذيب اللغة" ٦/ ٦٥ (بهج).
(٩) في "تهذيب اللغة" ٦/ ٦٤، "لسان العرب" ٢/ ٢١٦: نَوْرُهُ.
(١٠) هذا الشطر أنشده الليث في العين ٣/ ٣٩٤ من غير نسبة، والرواية فيه: "نوارها" في موضع "نواره". وقال: يصف الروضة.
وهو في "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٦٤ (بهج)، و"لسان العرب" ٢/ ٩٢١٦ (بهج)، وتاج العروس ٥/ ٤٣١ (بهج).
وفي "التكلمة" للصاغاني ١/ ٤٠٣ أن القائل هو أسد بن ناعصة، وصدره فيها:
في بَطْنِ وادٍ مُسْجَهرٍّ رَفْرَفِ
وأكثر أهل (١) النحو على أنَّ بهيج هاهنا (٢) فعيل بمعنى فاعل، وهو قول الأخفش وابن مسلم (٣).
٦ - قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ﴾ قال أبو إسحاق: المعنى الأمر ذلك. أي الأمر ما وصف لكم وبين بأن الحق هو الله [قال: ويجوز أن يكون نصبًا علي معنى: فعل الله ذلك بأنه هو الحق] (٤)، والأجود أن يكون موضع "ذلك" رفعًا (٥).
قال أبو علي: موضع "ذلك" من الإعراب لا يخلو من أحد وجهين: أحدهما (٦) رفع، أو نصب. أمَّا جهة النصب فعلى أن يكون مفعولاً بفعل مضمر يدل عليه ما قبله من الأفعال المذكورة كما ذكره أبو إسحاق.
وأمّا جهة الرفع فلا يخلو من أن يكون مبتدأً أو خبرًا، ولا يجوز أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف وهو الأمر والشأن على ما ذكره أبو إسحاق لأنه إذا قدر كذلك (٧) بقى الجار في (٨) قوله "بأنَّ الله" (٩) غير متعلق بشيء وذلك لأنَّ الجار إنّما يتعلق بقوله "ذلك" إذا قَدَّرته مبتدأ بتوسط (١٠) فعل مقدر
(٢) العبارة في (ظ)، (د)، (ع): (علي بهيج يقال هاهنا)، وهي عبارة ركيكة.
(٣) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص٢٩٠.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٣ مع تقديم وتأخير.
(٦) أحدهما: ساقطة من (أ).
(٧) في (أ): (ذلك)، وهو خطأ.
(٨) (في): ساقطة من (أ).
(٩) في (أ): (وقوله "أن الله")، وهو خطأ.
(١٠) في (أ): (يتوسط)، وهو خطأ.
وأما معنى الآية فهو أن يقول: فعل الله ذلك -يعني ما ذكر من ابتداء الخلق وإحياء الأرض، ذلك الذي ذكر فعله (٧) الله بأنه هو (٨) الحق أي: ذو الحق.
(٢) في (ظ): (بهما).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٤) في (ظ): (إذْ لا يتصل الفعل)، وفي (د): (إذ لا يتصل للفعل).
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٦) "الإغفال" لأبي علي الفارسي ٢/ ١٠٤٤ - ١٠٤٧.
(٧) ي (ظ)، (د)، (ع): (فعل الله).
(٨) هو: ليست في (ظ)، (د)، (ع).
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى﴾ أي: وبأنه يحي الموتى. والمعنى أحيا الأرض وفعل ما فعل بقدرته على إحياء الموتى وبأنه قادر على ذلك، وقادر على كل (١) ما أراد وهو قوله ﴿وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
٧ - قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ﴾ موضع "أنَّ" خفض فيِ الظاهر بالعطف على ما قبله من قوله (٢) ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ إلا أنه لا يصح في المعنى حمله بالعطف على ما قبله؛ لأنه لا يمكن أن يقال: فعل الله ما ذكر بأن الساعة آتية، ولكن يضمر لـ"أنَّ" فعلاً ينصبه، ودلَّ عليه ها تقدم، وهو أن يقول: المعنى: ولتعلموا أن الساعة آتية [أي بَدْءُ الخلق وإحياء الأرض بالماء دلالة لكم لتعلموا بها أن القيامة آتية] (٣) وأن البعث حق وهو قوله ﴿وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾.
٨ - قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ﴾ أي في قدرة الله على البعث والإعادة.
قال عطاء عن ابن عباس: يريد أبا جهل (٤).
وقال الكلبي: نزلت في النضر بن الحارث (٥).
(٢) من قوله: (ليست) في (ظ)، (د)، (ع).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ)، (د)، (ع).
(٤) ذكره عنه الزمخشري ٣/ ٦، والقرطبي ١٢/ ١٥، وأبو حيان ٦/ ٣٥٤.
(٥) ذكره عنه الماوردي في "النكت والعيون" ٤/ ٨. وذكره أبو حيان ٦/ ٣٥٤ وعزاه للجمهور. ولم يثبت من هذا شيء.
﴿وَلَا هُدًى﴾ قال ابن عباس: ليس معه من ربه رشاد ولا بيان ﴿وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ له نور (١).
٩ - وقوله: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ يقال: ثنيت الشيء، إذا حنيته (٢) وعطفته (٣).
ذكرنا ذلك في قوله: ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥].
والعِطْفُ: الجانب (٤). وعِطْفَا الرجل: ناحيتاه عن يمين وشمال، ومنكب الرجل: عطفه وإبطه.
قال ابن الإعرابي: عطف كل إنسان ودابة: شقاه من لَدُنْ رأسه إلى وركيه (٥).
وأصله من العطف، وهو: اللي، والعطف: الموضع الذي يعطفه الإنسان، أي: يلويه ويميله عند الإعراض والانحراف عن الشيء (٦).
(٢) في (أ): (حسه)، مهملة.
(٣) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ١٣٤ (ثنى) بنصِّه.
(٤) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٧ ب.
(٥) من قوله: وعطفا الرجل... إلى هنا، نقلاً عن "تهذيب اللغة" للأزهري ٢/ ١٨٠ (عطف).
(٦) انظر: (عطف) في: "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٤٠٥، "لسان العرب" ٩/ ٢٥٠ - ٢٥١، "القاموس المحيط" ٣/ ١٧٦.
قال ابن عباس: مستكبرًا في نفسه (٢).
وقال الضحاك: شامخًا (٣) بأنفه (٤).
وقال مجاهد وقتادة: لاويًا عنقه (٥).
وقال ابن زيد والعوفي: معرضًا عما يُدعى إليه كبرًا (٦).
ونحوه (٧). قال ابن جريج (٨).
وقال السدي: معرضًا من العظمة ينظر في جانب واحد (٩).
وهذه الألفاظ تعود إلى معنى واحد وهو الإعراض والتكبر.
(٢) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٧ ب.
ورواه الطبري ١٧/ ١٢١ وإسناده حسن، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٣ وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) في (ظ): (سافحًا)، وهو خطأ.
(٤) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٧ ب.
(٥) ذكره عنهما الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٧ ب. ورواه عن مجاهد الطبري ١٧/ ١٢١.
ورواه عن قتادة عبد الرزاق ٢/ ٣٣، والطبري ١٧/ ١٢١. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢ وعزاه لابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٦) ذكره عنهما الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٧ ب.
وعن ابن زيد رواه الطبري ١٧/ ١٢١، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢. وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
وعن العوفي رواه الطبري ١٧/ ١٢١ من طريق العوفي عن ابن عباس.
(٧) في (ظ): (ونحو ما قال)، وفي (د)، (ع): (ونحو قال).
(٨) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٧ ب. ورواه الطبري ١٧/ ١٢١.
(٩) ذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٢ عن قتادة مثل هذا القول.
وقال المبرد: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ عبارة عن التكبر والتهاون. تقول العرب: أتانا فلان ثاني عطفه وثاني جيده وشماخًا بأنفه. وأنشد (٣):
يَهْدِي إلى خَنَاهُ ثاني الجيد (٤)
أي: متهاونًا. قال: والعطف ما انعطف من العنق والمنكبين. وسمي الرداء العطاف؛ لأنه يقع في ذلك الموضع (٥).
وانتصب "ثاني" على الحال، والتنوين فيه مقدر، والإضافة في تقدير
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٤.
(٣) في (أ) زيادة: (فقال قوله وأنشد).
(٤) هذا عجز بيت للشمَّاخ من قصيدة يهجو بها الربيع بن علباء السلمي، وصدره:
نبئت أن ربيعًا إن رعى إبلا
وهو في "ديوانه" ص ١١٥، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٤٦، و"المعاني الكبير" لابن قتيبة ١/ ٤٩٦، و"الكامل" للمبرد ١/ ١٠، ٢/ ٤٠٣ و"الاقتضاب" للبطليوسي ٣/ ٤١١. قال ابن قتيبة في المعاني: أي صارت له إبل يرعاها، أرادك أن استغنى واستطال بذلك.
"ثاني الجيد" أي رخي البال غير مكنز.
وقال البطليوسي: يقول لما كثرت إبله وحسنت حاله أبطرته النعمة. وقيل معناه: أنا نغزوه في أيام الربيع حين يهيج الحيوان وطلب السفاد، وفي ذلك الوقت يغزو بعضهم بعضا.
(٥) انظر: "الكامل" للمبرّد ١/ ١٠، ٢/ ٤٠٣ ففيه نحو من هذا، وفيه البيت.
وفي "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٣٨٢ عن المبرد: العطف: ما انثنى من العنق... الموضع.
ومثل قوله ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ في المعنى قوله: ﴿لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ﴾ [المنافقون: ٥] الآية
وقوله ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [قال ابن عباس: عن طاعة الله (٣) (٤).
والمعنى: يجادل في الله بغير علم مستكبرًا لاويًا عنقه ليضل عن سبيل الله] (٥) ويذهب عنه لا (٦) أنّ له على ما يجادل فيه محجة أو دلالة (٧) أو لديه فيه بيانًا. ومثل هذا في المعنى قوله ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا﴾ (٨) [النحل: ٥٤. ٥٥] فيمن جعل اللام الجارة، أي أشركوا ليكفروا بما بيناه لهم، لا لأنَّ (٩) لهم على ذلك حجة وبيانًا.
وقوله: ﴿لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ قال ابن عباس: يريد الذي (١٠) أصابه يوم بدر (١١).
(٢) عند قوله تعالى ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النساء: ٩٧].
(٣) لفظ الجلالة لم يرد في (أ).
(٤) ذكره القرطبي ١٢/ ١٣ من غير نسبة لأحد.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٦) في (ظ): (إلا)، وهو خطأ.
(٧) (أو دلالة): ساقط من (أ).
(٨) في (ظ): (يكفرون) بدلا من (يشركون)، وهو خطأ.
(٩) في (أ): (أنَّ).
(١٠) بعد قوله: (الذي) يبدأ المفقود من نسخة الظاهرية (ظ) ومقداره صفحتان.
(١١) ذكره عنه الرازي ٢٣/ ١٢، وانظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٦.
وأبطل أبو علي أن يكون "ذلك" خبر الابتداء؛ لأنَّ الجار يبقى غير متعلق بشيء. والقول في هذه الآية كالقول في قوله ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ لا فصل بينهما وإذا بطل هذا بطل أن يكون موضع "أنَّ" في قوله ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ رفعًا؛ لأنه إذا لم يجز إضمار الأمر الذي يكون مبتدأ لقوله ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ لم يجز إضماره هاهنا، وإذا لم يجز ذلك كان موضعه جرًا بالعطف (٢) على "ما" المنجر بالباء (٣).
وأما معنى هذه الآية فهو مما ذكرناه في سورة الأنفال عند قوله ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [الأنفال: ٥١].
١١ - قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ أكثر المفسرين على أن المعنى: على شك (٤).
(٢) في (أ): (جوابًا لعطف).
(٣) كلام أبي علي في "الإغفال" ٢/ ١٠٤٨ - ١٠٤٩.
(٤) انظر الطبري ١٧/ ١٢٣، والدر المنثور ٦/ ١٤.
روى ابن اليزيدي (٤) عن أبي زيد: على حرف على شك (٥).
وقال ابن الأعرابي: [الحرف] (٦) الشك في قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
ورواه سعيد بن منصور في "تفسيره" ل ١٥٥ ب، والطبري ١٧/ ١٢٣.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٤ وعزاه لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٣، والطبري ١٧/ ١٢٣ عن قتادة، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٤ وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٤.
(٤) في (أ): (ابن الزيدي)، وهو خطأ.
وابن اليزيدي هو: إبراهيم بن يحيى بن المبارك بن المغيرة، أبو إسحاق بن أبي محمد العدوي مولاهم، المعروف بابن اليزيدي.
بصري سكن بغداد وسمع من أبيه وأبي زيد الأنصاري والأصمعي وغيرهم. وكان ذا قدر وعلم بالنحو واللغة والقراعة والأدب. له مصنفات كثيرة منها: "ما اتفق لفظه واختلف معناه" كبير جدًّا، و"مصادر القرآن" بلغ فيه إلى سورة الحديد. توفي سنة ٢٢٥ هـ.
واليزيدي: نسبة إلى يزيد بن منصور الحميري خال المهدي، وكان أبوه يحيى بن المبارك مؤدبًا، لأولاده منقطعًا إليه، فنسب إليه.
انظر: "تاريخ بغداد" ٦/ ٢٠٩، "إنباه الرواة" ١/ ٢٢٤ - ٢٢٦، "اللباب" لابن الأثير ٣/ ٤١١، "غاية النهاية" ١/ ٢٩، "طبقات المفسرين" للداود ١/ ٢٥ - ٢٧.
(٥) ذكره الأزهرى في "تهذيب اللغة" ٥/ ١٢ من رواية ابن اليزيدي، عن أبي زيد.
(٦) زيادة من "تهذيب اللغة".
وهذا الذي قالوا هو معنى "حرف" في هذه الآية لا تفسيره. وتفسير الحرف في اللغة: الطرف وهو منتهى الجسم، والحرف والطرف والجانب نظائر في اللغة.
والانحراف: الانعدال إلى الجانب وقلم محرف قد عدل بقطعة عن الاستواء والحرف منعدل إلى الجانب عن (٣) الوسط (٤).
وقال أبو الفتح الموصلي: أما الحرف فالقول فيه أن (ح ر ف) أينما وقعت في الكلام (٥) يراد به حد الشيء وحدته، من ذلك حرف الشيء إنما هو حده وناحيته، وطعام حريف: يراد به (٦) حدته. ورجل محارف: أي محدود عن الكسب والخير، ومثله محرف كأنَّ الخير قد حرف عنه ما يحرف القلم (٧).
وقولهم: انحرف فلان عني، من هذا، كأنّه جعل بيني وبينه حدًّا بالبعد والاعتزال. ومنه قولهم لهذه البقلة الحادة: الحُرْف (٨)، سمي بذلك
(٢) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ٥/ ١٥ من رواية أبي العباس -وهو ثعلب: أحمد ابن يحيى- عن ابن الأعرابي.
(٣) في (ع): (إلى)، وهو خطأ.
(٤) انظر: "حرف" في "تهذيب اللغة" للأزهري ٥/ ١٢، ١٤، "الصحاح" للجوهري ٤/ ١١٣٢، "لسان العرب" ٩/ ٤١ - ٤٣.
(٥) في (أ): (الكلاف)، وهو خطأ.
(٦) به: ساقطة من (د)، (ع).
(٧) العبارة في "سر صناعة الإعراب": ومثك مجرَّف ومجلَّف، كأنَّ الخير قد جُرِّف عن وجلف، كما يجلف القلم ونحوه.
(٨) الحُرْف: حبَّ الرشاد. "القاموس المحيط" ٣/ ١٢٧.
وعلى القول الأول أصل الحرف من الميل سمي الطرف حرفًا لميله عن (٢) الوسط، وعلى قول أبي الفتح أصله من الحدّة والطرف حرفٌ لحدته.
قال أبو إسحاق: وحقيقته أنه يعبد الله على حرف الطريقة في الدين، لا يدخل فيه دخول متمكن (٣).
وقال أبو عبيدة -في قوله: ﴿عَلَى حَرْفٍ﴾ -: أي لا يدوم. قال: وتقول (٤): إنَّما أنت على حرف (٥)، أي لا أثق بك (٦).
قال أبو الفتح: وهذا راجع إلى ما قدمناه لأن تأويله أنه قلق في دينه، على غير ثبات ولا طمأنينة ولا استحكام بصيرة، فكأنه معتمد (٧) على حرفٍ دينه غير واسط فيه، كالذي هو على حرف جبل ونحوه، يضطرب اضطرابا ويضعف قيامه، فهو يعرض أن يقع في أحد جانبي الطرف، فقيل للشاك في دينه أنه يعبد الله على حرف؛ لأنه لو عبده على يقين وبصيرة لم يكن في حرف يسقط عنه بأدنى شيء يصيبه. وهذا المعنى ظاهر في قوله: ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ﴾ الآية (٨).
(٢) في (أ)، (د): (على).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٤.
(٤) في (د)، (ع): (ويقولون).
(٥) هكذا في جميع النسخ و"سر صناعة الإعراب"، وفي مجاز القرآن: إنما أنت لي على حرف. بزيادة (لي).
(٦) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٤٦.
(٧) في (د)، (ع): (متعمّد).
(٨) "سر ساعة الإعراب" لأبي الفتح ابن جني ١/ ١٤.
وقال المبرد: والعرب تقول: فلان على حرف، إذا كان بين قوم يظهر الميل إلى أحدهم وفي نفسه من الآخرين شيء. ومعناه الشك وأصله من حرف الشيء، نحو: الحيل والدكان والحائط الذي القائم عليه غير مستقر.
هذا الذي ذكرناه كله يعود إلى معنى واحد.
وقال (٢) ابن قتيبة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ (٣) واحد (٤) أي: على وجه واحد ومذهب واحد (٥).
واختار الأزهري هذا القول فقال: كأنَّ الخير والخصب ناحية، والضر والشر والمكروه ناحية أخرى، فهما حرفان، وعلى العبد أن يعبد خالقه على الحالتين (٦).
أعني السَّرّاء والضراء، ومن عبد الله على السرَّاء وحدها دون أن
(٢) في (د)، (ع): (قال).
(٣) إلى هنا ينتهي المفقود من نسخة (ظ)، والموجود يبدأ من قوله: (يعبد الله).
(٤) هكذا في جميع النسخ، والأظهر حذفا فليس (واحد) عند ابن قتيبة.
(٥) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٠.
(٦) في (أ) زيادة بعد قوله (الحالتين): (فقد عبده عباده)، وهي زيادة ناشئة من انتقال نظر الناسخ إلى الكلام الذي بعده.
وليست في "تهذيب اللغة" للأزهري.
فعلى هذا معنى قوله (٣) ﴿عَلَى حَرْفٍ﴾ على وجه واحد، وهو إذا أصاب خيرًا عبده، وإن أصابه شر ترك عبادته، على ما ذكره الأزهري.
وقال الحسن: هو المنافق يعبد الله بلسانه دون قلبه (٤).
ويكون معنى ﴿عَلَى حَرْفٍ﴾ في هذا القول: على شك.
قوله: ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ﴾ إن أصابه رخاء (٥) وعافية وخصب، وكَثُر ماله اطمأن على عبادة الله بذلك الخير الذي أصابه.
والكناية في ﴿بِهِ﴾ تعود إلى الخير.
﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ﴾ اختبار بجدب وقلة مال ﴿انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ قال أبو إسحاق: رجع عن دينه إلى الكفر وعبادة الأوثان (٦).
وقال المبرد: تأويله قلب وجهه عمَّا كان عليه من الدين والعبادة. ويجوز أن يكون المعنى انقلب على وجهه الذي توجه (٧) منه، وهو الكفر.
ويكون معنى الوجه على هذا: طريقه الذي جاء منه (٨)، وهو الكفر.
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ٥/ ١٢ - ١٣ مع تصرف في العبادة.
(٣) في (ظ): (فعلى هذا المعنى في قوله).
(٤) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٤٨ أ، والبغوي ٥/ ٢٦٨ - ٢٦٩، والقرطبي ١٢/ ١٨.
(٥) في (أ): (رجاء). وهو تصحيف.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٤.
(٧) توجَّه: مهملة في (أ).
(٨) في (ظ)، (د)، (ع): (منهما).
(٢) (في): ليست في (ظ)، (د)، (ع).
(٣) في (ظ): (رماله).
ورماكه: جمع رمكه، والرمكة: الفرس والأنثى من البراذين. الصحاح للجوهري ٤/ ١٥٨٨ (رمك)، "لسان العرب" ١٠/ ٤٣٤ (رمك).
(٤) (له): ساقطة من (أ)، (ع).
(٥) ذكره بهذا اللفظ الثعلبي في الكشف والبيان ٣/ ٤٧ ب، ٤٨ أمن غير نسبة لأحد. وذكره عن الكلبي الرازي في "تفسيره" ٢٣/ ١٣.
وقد رواه بنحوه الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٢٢ من رواية العوفي عن ابن عباس. وروى البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة الحج، باب: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ ٨/ ٤٤٢ نحوه مختصرًا عن ابن عباس قال: كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلامًا ونتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله، قال: هذا دين سوء. وروى ابن أبي حاتم، كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٠٩ بإسناد حسن عن ابن عباس قال: كان ناس من الأعراب يأتون النبي -صلى الله عليه وسلم- فيسلمون. فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا: إن ديننا هذا لصالحٌ فتمسكوا به. وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط قالوا ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله على نبيه "ومن الناس.. " الآية.
١٢ - قوله: ﴿يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي: هذا المرتد يدعو (٢) راجعًا إلى الكفر يعبد سوى الله ﴿مَا لَا يَضُرُّهُ﴾ في معاش إن لم يعبده، ولا ينفعه إنْ أطاعه، يعني الحجارة التي كانوا يعبدونها، ذلك الذي فعل ﴿هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ أي: عن الحق والرشد.
١٣ - قوله: ﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ﴾ هذه الآية كثير (٣) الاختلاف في إعرابها، ووجه دخول اللام في قوله ﴿لَمَنْ﴾، وأذكر الأقوال التي حكاها أبو إسحاق، وأتبع كل قول منها ما ذكر عليه إن شاء الله.
قال أبو إسحاق: قد اختلف الناس في تفسير هذه (٤) اللام وفي ﴿يَدْعُو﴾ بأي شيء هي متعلقة، ونحن نفسر (٥) جميع ما قالوه وما أغفلوه
(١) في (أ): (أو ذلك).
(٢) (يدعو): ساقط من (أ).
(٣) هكذا في جميع النسخ.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع) في تفسير هذه الآية، في اللام وفي يدعو. وما أثبتنا من (أ) هو الموافق لمعاني الزجاج.
(٥) في (أ): (وعن تفسير)، وهو خطأ.
قال البصريون والكوفيون: اللام معناها (١) التأخير، المعنى: يدعو من لضره (٢) أقرب من نفعه. ولم يشبعوا الشرح ولا قالوا من أين جاز أن تكون اللام في غير موضعها (٣)؟ وشرح ذلك: أنَّ اللام لليمين والتوكيد، فحقها أن تكون أول الكلام، فقدِّمت لتُجعل في حقها وإن كان أصلها أن تكون في "لضرّه" (٤) كما أنَّ لام "إن" حقها أن تكون في الابتداء، فلمَّا لم يجز أن تلي "إنَّ" جعلت في الخبر في مثل قولك: إن زيدًا لقائم. ولا يجوز: إن لزيدًا قائم، فإذا أمكنك (٥) أن تكون في الاسم كان ذلك أجود في الكلام تقول (٦) إنَّ في ذلك لآية. فهذا قول (٧).
قال أبو علي: من زعم أنَّ هذه اللام في قوله "لمن ضره" كان حكمها أن تكون في المبتدأ الذي في صلة "من" وهو الضُرّ ثُمَّ قُدِّم (٨) إلى الموصول -وهو "من"- فهو مخطىء؛ لأنَّا قد أحاط علمنا بهذه اللام والمواضع التي (٩) يستعملونها فيها، وتلك المواضع:
(٢) في (أ): (يدعوا لمن يضره)، وهو خطأ.
(٣) في (ظ)، (د)، (ع): (موضع. وفي (د) علامة.. بعدها.
(٤) هكذا في (ظ)، (د)، (ع). والمعاني للزجاج. وفي (أ): (يضره)، ولعل الصواب في (ضره).
(٥) في المطبوع ص المعاني ٣/ ٤١٥: أمكن. وقد أشار المحقق في الحاشية إلى أنه في الأصل (أمكنك)، فقام بتغييرها.
(٦) في (ظ): (ويقول).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٥.
(٨) في جميع النسخ: (ثم أخر)، والتصوب من "الإغفال" للفارسي ٢/ ١٥٠٧.
(٩) في (ظ): (الذي).
ومنها "إنَّ" وهي تستعمل معها على ضربين أيضًا: إمَّا أن تدخل على اسم "أنّ" إذا فصل بينها وبين "إنَّ" نحو: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ (٢)، ولا تمنع "إنَّ" من أن تعمل في اسمها النصب؛ لأنَّ التقدير بها أول الكلام قبل "إنَّ". وإمَّا أنْ تدخل على خبرها، وهي تدخل على جميع أنواع خبر "أنَّ" من المفرد والجملة، نحو: إن زيدًا لأبوه منطلق، والفعل المضارع، ولا تدخل على الفعل الماضي إذا كان خبرًا لإنَّ، ومنها دخولها (٣) على خبر المبتدأ في الشذوذ والضرورة كقوله (٤):
أم الحليس لعجوز شهربة (٥)
(٢) (إنَّ): ساقطة من (أ).
(٣) في جميع النسخ: دخوله. وأشار محقق "الإغفال" ٢/ ١٠٦٠ إلى أنّها في الأصل: دخولها. وفي نسختين من الإغفال: دخوله. فأثبتنا ما في النسخة الأصل للإغفال.
(٤) هذا شطر من الرجز، وشطره الآخر:
ترضى من اللحم بعظم الرَّقَبة
وهو بلاد نسبة في: الطبري ١٦/ ١٨١، و"الصحاح" للجوهري ١/ ١٥٩ (شهرب)، و"اللسان" ١/ ٥١٠، "تاج العروس" ٣/ ١٦٩ (شهرب).
قال العيني في "المقاصد النحوية" ١/ ٥٣٥: قائلة رؤبة بن العجاج، ونسبة الصاغاني في "إيجاب" إلى عنترة بن عروس، وهو الصحيح. اهـ وهو في "ديوان رؤبة" ص ١٧٠.
قال العيني ١/ ٥٣٥ - ٥٣٦: والحُليس بضم الحاء المهملة وفتح اللام وآخره سين مهملة. والشهربة: العجوز الكبير. وانظر ما تقدم من مراجع في اللغة.
(٥) في (ظ). (شهرة).
فإذا كان حق هذه اللام أنْ تدخل على المبتدأ، أو على اسم "إن" وخبرها من حيث دخلت على المبتدأ، وكان دخولها على خبر المبتدأ ضرورة وشذوذًا (٣) مع أنَّ خبر المبتدأ في المعنى هو المبتدأ، أو راجع [في المعنى إلى ما هو المبتدأ فدخوله في الموصول والمراد به] (٤) الصلة ينبغي أن لا يجوز؛ لأن الصلة ليست بالموصول، كما أن خبر المبتدأ [هو] المبتدأ (٥).
فتبين بهذا أن قول من قال التقدير بها في الآية التأخير إلى الصلة خطأ، وأنّه تارك (٦) لمذهب العرب في تأويله إياها هذا (٧) التأويل.
ويفسد هذا القول أيضًا أن اللام إذا كان حكمه (٨) أن تكون في الصلة، ثم قدم إلى الموصول فغير سائغ، كما أن سائر ما يكون في الصلة لا يتقدم على الموصول.
وأما تشبيهه تقدّم هذه اللام في الآية بتأخرها عن الاسم إلى الخبر في "إنَّ" فلا يشتبهان، وهو بعيد من الصواب؛ لأنه لا شيء يجب ويلزم له أن تقدم هذه اللام إلى الموصول من الصلة، كما كان في اسم "إنّ" سبب
(٢) في (أ): (إن زيدًا لوجهه لحسن)، وهو خطأ.
(٣) في "الإغفال" ٢/ ١٠٥٦: أو شذوذًا.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٥) هو: زيادة من الإغفال.
(٦) في (أ): (لتارك).
(٧) في (ظ): (بهذا).
(٨) في الإغفال ٢/ ١٠٦٠: حكمها، وأشار المحقق إلى أنه في بعض النسخ: حكمه.
وأما قوله: ولا يجوز إنَّ لزيدا قائم، فتمثيل سوء فيه إيهام (١) أنَّ اللام التقدير بها أن تكون بعد "إنّ" وليس كذلك (٢)؛ لأنَّ تقدير اللام أن (٣) تكون قبل "إن" يدلك على ذلك تعليقه الفعل وَوَقْعُهُ (٤) به عن "إنَّ" في نحو علمت إنَّ زيدًا لمنطلق.
ولو (٥) كان التقدير بها (٦) الوقوع بعد "إن" لفتح الفعل [في] "إنَّ" (٧)؛ لأنّه لم يكن له كاف عن "إنّ" وفتحها، ويدل أيضًا (٨) على أن التقدير بها التقديم قوله ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ فلو لم يكن التقدير بها التقديم على "إن" لكفت "إنَّ" عن العمل كما كفت الفعل عن العمل في نحو: علمت لزيد خيرٌ منك. فلما لم تكفّ "إنَّ" عن أن تعمل في اسمها كما كف الفعل ولم يعلقه؛ علمنا أن التقدير بها التقديم على "إن"، ويقوّي ذلك من (٩) السمع
(٢) في (أ): (ذلك)، وهو خطأ.
(٣) في (أ): (بأن).
(٤) في (أ): (وومعه) مهملة، وفي (ظ): (ووقعه)، وفي (د)، (ع): (ووقفه)، ولعل الصواب ما أثبتنا، ففي "الإغفال" ٢/ ١٠٦٧: ووقوعه على "إنَّ" المكسورة في نحو قولك: علمت إنّ زيدًا لمنطلق.
(٥) في (ظ): (فلو)
(٦) في (ظ): (فيها).
(٧) زيادة من "الإغفال" ٢/ ١٦٠٧.
(٨) أيضًا: ليست في (ظ)، (د)، (ع).
(٩) من: ساقطة من (ط).
قال أبو إسحاق: وقالوا أيضًا: إنَّ "يدعو" معه هاء مضمرة وأنَّ "ذلك" من قوله ﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ﴾ في موضع رفع و"يدعو" في موضع الحال المعنى: ذلك هو الضلال البعيد يدعوه. المعنى في حال دعائه إياه، ويكون ﴿لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ﴾ مستأنفًا مرفوعًا بالابتداء، وخبره ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ﴾ (٤).
قال أبو علي: إنْ قال قائل: على هذا القول كيف يجوز هذا التأويل في التنزيل وحذف الهاء إنما يسوغ في الصلة والصفة، وليس هذا بصلة ولا صفة؟ والقول عندي أنَّ ذلك غير ممتنع لمضارعة الحال الصفة. ألا ترى أنَّك إذا قلت: جاء زيد راكبًا، فقد فصل راكب بين مجيئين أو أكثر كما أن قولك: جاءني رجل ظريف يفرق بين رجلين أو رجال والحال في هذا كالصفة، فتقدير قوله "ذلك هو الضلال البعيد" يدعو أشير إليه مدعوا (٥) (٦).
وزاد أبو الفتح الموصلي بيانا لهذا القول فقال: في "يدعو" من قوله ﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ﴾ هاء منصوبة بـ"يدعو" محذوفة، وتكون الجملة في موضع نصب على الحال من "ذلك" في قوله ﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ [التقدير: ذلك
(٢) (صدق): ساقطة من (أ).
(٣) "الإغفال" ٢/ ١٠٥١ - ١٠٦٨ مع تصرّف.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٥ - ٤١٦.
(٥) في "الإغفال" ٢/ ١٠٦٩: يدعو على هذا، أشير إليه مدعوًّا.
(٦) "الإغفال" لأبي علي ٢/ ١٠٦٨ - ١٠٦٩ مع تصرّف.
أبحتَ (٣) حِمَى تهامة بعد نجد | وما شيء حميت بمستباح (٤) |
لناموا فما إنْ مِنْ رقيب ولا صالي (٧)
(٢) في (أ) زيادة: (فقال)، بعد قوله: (الكتاب).
(٣) في (أ): (أبحب).
(٤) البيت في الكتاب ١/ ٨٧ منسوبًا لجرير، وهو في "ديوانه" ١/ ٨٩. وأمالي ابن الشجري ١/ ٥، و"المقاصد النحوية" ٤/ ٧٥.
قال الشنتمري في "تحصيل عين الذهب" ١/ ٤٥: يخاطب عبد الملك بن مروان فيقول: ملكت.. وأبحت حماها بعد مخالفتها لك، وما حميت لا يصل إليه من خالفك لقوة سلطانك، وتهامة ما تسفل من بلاد العرب ونجد ما ارتفع، وكنى بهما عن جميع بلاد العرب.
(٥) في (ظ)، (د)، (ع): (نظرت)، وهو خطأ.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ)، (د)، (ع).
(٧) البيت لامرئ القيس وأوله:
حَلَفتُ لها باللهِ حَلْفة فاجرٍ
وهو في "ديوانه" ص ٣٢، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٧٤، "شرح المفصل" =
قال الزجاج: وفيه وجه ثالث: يكون "يدعو" في معنى يقول. ويكون "من" في موضع رفع، وخبره محذوف. ويكون المعنى: يقول لمن ضره أقرب من نفعه هو مولاي.
ومثل يدعو (٣) في معنى يقول قول عنترة:
يدعون عنتر والرماح كأنها | أشطان بئر في لبان الأدهم (٤) |
وعندهم (حديث) مكان (رقيب).
والفاجر هنا: الكاذب. والصالي: الذي يصطلي بالنار.
(١) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٤٠٢ - ٤٠٣ مع تقديم وتأخير.
(٢) في (أ): (عين).
(٣) (يدعو): ساقطة من (أ).
(٤) البيت أنشده الزجاج لعنترة في "معاني القرآن" ٣/ ٤١٦.
وهو في ديوانه ص ٩٢١٦ من معلقته، وفي "لسان العرب" ١٣/ ٢٣٧ (شطن) قال الشنتمري في شرحه لديوان عنترة ص ٢١٦: (قوله: يدعون عنتر، أي: ينادونني يا ضتر يا عنتر،... والأشطان: الحبال، شبَّه الرماح بها في طولها واستقامتها. وقوله: في لبان الأدهم: يعني فرسه، واللبان: الصدر، أي: إذا نظر القوم إلى الرماح وقد كثرت وأشرعت في لبان الأدهم نادونني.
(٥) في (ظ)، (د)، (ع): (ابن الأحمر).
وهو عمرو بن أحمر بن العمّرد بن عامر، الباهلي، أبو الخطابى شاعر مخضرم، أسلم وغزى مغازي الروم، وعُمِّر تسعين سنة، ومات نحو ٦٥ هـ. =
أهوى لها مشقصا حشرًا (١) فشبرقها | وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا (٢) |
قال أبو علي: أقول إنَّ الدعاء بمعنى القول سائغ، وهذا الوجه الذي أجازه ممكن، أعني أن يصرف يدعو إلى معنى يقول فيحكى (٤) ما بعدها إذا (٥) كان في معنى القول وضربًا منه، واللام في "لمن" لام ابتداء،
(١) في (أ): (حش)، وفي (ظ): (فردا).
(٢) اليت أنشده الزجاج لابن أحمر في "معاني القرآن" ٣/ ٤١٦.
وهذا البيت ضمن أبيات قالها ابن أحمر لما رماه رجلٌ يقال له مخشي بسهم فذهبت عينه، فقال:
شلت أنامل مخشي فلا جبرت | ولا استعان بضاحي كفِّه أبدا |
وهو في "ديوانه" ص ٤٩، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ١٣، "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ص ٢٢٣، "المعاني الكبير" لابن قتيبة أيضًا ٢/ ٩٨٨، والطبري ١٦/ ١٣١.
والمشقص: نصل السهم، أو السهم الذي فيه نصل طويل أو عريض. حَشْر: لطيف القُذذ وهي الريش قد بُريت وحدّدت وسويت.
شبرقها: مزّقها، أدعو: أسمّي، الإثمد: الكحل، القرد: المتلبِّد.
انظر "لسان العرب" ٤/ ١٩٢ (حشر)، ١٠/ ١٧١ (شبرق)، ٣/ ٣٤٨ (قرد)، "تاج العروس" ١٨/ ١٥ - ١٦ (شقص)، ٧/ ٤٦٨ (ثمد).
قال ابن قتيبة في "المعاني الكبير" ٢/ ٩٨٨: يقول: كنت من إشفاقي عليها أسمي ما يصلحها -يعني الإثمد- قذى، فكيف ما يؤذيها؟ وقوله: أدعو: أسمِّي.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٦.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع): (فيحلى).
(٥) في "الإغفال" ٢/ ١٠٧١: إذْ.
وزاد أبو الفتح لهذا القول بيانًا فقال: "يدعو" بمنزلة (٢) يقول، أي يقول لمن ضره أقرب من نفعه إله (٣) أو رب، فتكون "من" (٤) مرفوعة بالابتداء، وخبرها محذوف مقدر، ويدل على أن "يدعو" بمنزلة يقول قول عنترة:
يدعون عنترة أي يقولون: يا عنترة، فدل يدعون عليها.
فإن قيل: فلم جعلوا خبر "من" محذوفا دون أن يكون قوله ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى﴾ كما أجزتم في القول الثاني؟ قيل: إنَّ الكفار ليسوا (٥) يقولون لمن يدعونه إلها: لبئس المولى، ولو قالوا ذلك لما عبدوه.
ومعنى ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى﴾ ذم لمعبودهم لا على الحكاية عنهم ولكن على الإخبار، أخبر الله تعالى أن من ضره أقرب من نفعه فإنَّه بئس المولى. فإنْ قيل: فإذا كان الأمر كذلك فكيف جاز أن يقول يدعو بمعنى يقول لمن ضره أقرب من نفعه إله، والكافر لا يقول ذلك؟ قيل: إنَّ ذلك على حكاية (٦) قولنا (٧) نحن فيه أي يقول لمن ضره أقرب من نفعه عندنا وفي قولنا إله عنده.
(٢) في (أ): (يميله).
(٣) إله: ساقطة من (ظ).
(٤) من: ساقطة من (أ).
(٥) (ليسوا): ساقطة من (ظ).
(٦) في (ظ)، (د)، (ع): (الحكايهَ).
(٧) في (ظ): (وقولنا).
وهذا القول -أنَّ "يدعو" بمعنى: يقول- هو قول الأخفش ذكره في كتابه (٣)، واختيار المبرّد.
قال المبرد: يدعو بمعنى: يقول، كقول (٤) القائل: ما يدعى فلان فيكم أي: ما يقال له. فمعناه: يقول لمن ضره أقرب من نفعه إله، فالخبر (٥) محذوف لما دل عليه من قوله "يدعو من دون الله".
قال أبو علي: فأما قوله: يجوز أن يكون يدعو (٦) في معنى يسمى، فقدل ممتنع غير جائز في الآية وقد أجاز سيبويه فقال: يقول دعوته زيدًا إذا أردت مني سميته فتعديه إلى مفعولين (٧). والذي منع من (إجازة ذلك في الآية دخول لام (٨) الابتداء في الكلام وإذا حمله على هذا التأويل لزمه
(٢) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٤٠٤ - ٤٠٦ مع تقديم وتأخير وتصرّف.
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣٥ - ٦٣٦.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع): (كما يقول القائل).
(٥) في (ظ): (والخبر).
(٦) في (أ): (يدعوه).
(٧) "الكتاب" ١/ ٣٧.
(٨) في (ظ)، (د)، (ع): (اللام).
وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا
أنه بمنزلة (١٠) "كنت أدعو أخاك زيدًا". فلا يجوز أن يكون يدعو
(٢) التعليق: هو إبطال عمل الفعل القلبي لفظًا لا محلاً لمانع، وسمي تعليقًا لأنه إبطال في اللفظ مع تعليق العامل بالمحل وتقدير إعماله.
انظر: "شرح التسهيل" لابن عقيل ١/ ٣٦٨ - ٣٦٩، و"همع الهوامع" للسيوطي ١/ ١٥٥، "معجم المصطلحات النحوية" لمحمد اللبدي ص ١٥٥.
(٣) في (ظ)، (د)، (ع): (فلا).
(٤) في (أ): (فيها)، وهو خطأ.
(٥) الإلغاء: هو إبطال العمل لفظًا ومحلاً لغير مانع لضعف العامل.
انظر: "شرح التسهيل" لابن عقيل ١/ ٣٦٤، "همع الهوامع" ١/ ١٥٣، "موسوعة النحو والصرف" لإميل بديع ص ٢٦١.
(٦) في (د)، (ع): (التعلق).
(٧) انظر: "الإغفال" ٢/ ١٠٧٨.
(٨) انظر: الكتاب ٣/ ١٤٩، "شرح المفصل" لا بن يعيش ٧/ ٨٦، "أوضح المسالك" لابن هشام ١/ ٣١٣ - ٣١٧، "همع الهوامع" للسيوطي ١/ ١٥٣ - ١٥٤.
(٩) في (ظ): (إلي).
(١٠) في (ظ)، (د)، (ع). (بمعنى كنت).
قال أبو إسحاق: وفيها وجه رابع -وهو الذي أغفله الناس-: أنَّ "ذلك" في موضع نصب بوقوع "يدعو" عليه، ويكون "ذلك" في تأويل الذي، ويكون المعنى: الذي هو الضلال البعيد يدعو، ويكون ﴿لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ﴾ مستأنفًا. وذا مثل قوله ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ [طه: ١٧] على معنى: ما التي بيمينك؟ (٤).
قال أبو علي: وهذا الوجه هو الحسن، أعني أن يتأوّل (٥) "ذلك" بمعنى "الذي"، ويجعل قوله "هو الضلالة البعيد" صلته، ويجعل (٦) الموصول في موضع نصب (٧)، فتكون اللام حينئذٍ داخلاً (٨) على اسم مبتدأ موصول، وقوله ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ﴾ في موضع رفع لوقوعه خبر المبتدأ، واللام التي في (٩) قوله ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى﴾ لام اليمين، وهي التي إذا دخلت على المضارع لزمته النون، وهذا ما يجب أن تحمل الآية عليه (١٠) (١١).
(٢) (في): ساقطة من (أ).
(٣) "الإغفال" للفارسي ٢/ ١٠٧٣ - ١٠٧٨ مع تصرف.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣٠/ ٤١٦.
(٥) في (أ): (تناول)، وهو خطأ.
(٦) في (ظ): (ويحتمل).
(٧) في "الإغفال": نصب بيدعو.
(٨) في (ظ)، (د)، (ع): (داخلٌ)، وهو خطأ، وفي الإغفال: فتكون اللام حينئذ داخلة.
(٩) (في): ساقطة من (ظ).
(١٠) في (ظ)، (د)، (ع): (ما يجب على الآية).
(١١) "الإغفال" للفارسي ٢/ ١٠٦٢ - ١٠٦٣ مع تصرف.
هذا الذي ذكرنا هو الأقوال التي ذكرها أبو إسحاق في كتابه، وكلام الإمامين أبي علي وأبي الفتح عليها.
ثم ذكر أبو علي -من عند نفسه- قولاً خامسًا وهو: أن تجعل يدعو في قوله ﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ﴾ تكرارًا للفعل الأول على جهة تكثير هذا الفعل الذي هو الدعاء من فاعله، ولا تعديه إذ قد عديته مرة. هذا كلامه (٥).
وشرحه أبو الفتح فقال: يجعل (٦) "يدعو" تكرارًا و"يدعو" الأولى وهو قوله ﴿يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، وترك إعمال الثاني؛ لأنَّها قد أعملت متقدمة، فاستغني فيها عن إعادة العمل، كما تقول: ضربت زيدًا ضربت. حكى ذلك
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٣) العبارة في "سر صناعة الإعراب": ثم يقدم المفعول الذي هو "الذي" فيصير التقدير: الذي هو الضلال البعيد يدعو، كما تقول: زيدًا يضرب. و"ذا"..
(٤) "سر صناعة الإعراب" لابن جني ١/ ٤٠٣.
(٥) "الإغفال" للفارسي ٢/ ١٠٦٢.
(٦) (يجعل): ساقط من (ظ)، (د)، (ع)،
وقال الفراء -في هذه الآية-: جاء التفسير: يدعو من ضره أقرب من نفعه، وكذا هو في قراءة عبد الله (٣) "يدعو من ضره" وقد حالت اللام بين الفعل والمفعول في قراءة العامة. ولم نجد العرب تقول: ضربت لأخاك، ولا رأيت لزيدًا. وترى أن جواز ذلك في الآية لأن "من" حرفٌ لا يتبين فيه (٤) الإعراب؛ فاستجيز الاعتراض باللام دون الاسم. وذكر عن العرب أنَّهم قالوا: عندي لما غيره خير منه، فحالوا باللام دون الرافع، وموقع اللام كان ينبغي أن يكون في "ضره" (٥) وفي قولك: عندي ما لغيره خير منه. فهذا وجه (٦).
واعتمد ابن الأنباري هذا فذكره في كتاب "الوقف والابتداء" (٧).
وأما معنى الآية: فقال السدي: ضره في الآخرة بعبادته (٨) إياه أقرب من النفع (٩).
(٢) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٤٠٢ - ٤٠٣.
(٣) انظر: الطبري ١٧/ ١٢٤، "الشواذ" لابن خالويه ص ٩٤، الثعلبي ٣/ ٤٨ أ، القرطبي ١٢/ ٢٠، "البحر المحيط" ٦/ ٣٥٧.
(٤) في (أ): (فيها).
(٥) في (ظ)، (د)، (ع): (خبره)، وهو خطأ.
(٦) "معاني القرآن" ٢/ ٢١٧. وتتمته: هذا وجه القراءة للاتّباع.
(٧) انظر: "إيضاح الوقف والابتداء" ٢/ ٨٧١.
(٨) في (أ): (بعبادة)، وهو خطأ.
(٩) رواه ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ١٥.
ومعنى هذا (٣): أنه لما كان يقال لما لا يكون هذا بعيد، فنفع الصنم بعيد؛ لأنه لا يكون، فلمَّا كان نفعه بعيدًا قيل لضره أنَّه (٤) أقرب من نفعه، على معنى أنَّه كائن (٥).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٥.
(٣) في (ظ)، (د)، (ع): (ومعنى الآية هذا).
(٤) أنه: ليست في (ظ)، (د)، (ع).
(٥) ذكر البغوي في "تفسيره" ٥/ ٣٦٩ أن هذه الآية -يعني قوله ﴿لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ﴾ من مشكلات القرآن ثم قال: وفيها أسئلة. أولها: قالوا: قد قال الله في الآية الأولى "يدعو من دون الله ما لا يضره" وقال -هاهنا- "لمن ضره أقرب من نفعه" فكيف التوفيق بينهما؟.
وللعلماء أجوبة أخرى أقربها جوابان:
الأول: ما ذكره أبو حيان في البحر ٦/ ٣٥٥ بقوله: ونفى هنا التفسير والنفع وأثبتهما في قوله "لمن ضره أقرب من نفعه" وذلك لاختلاف المتعلق، وذلك أن قول "ما لا ينفعه" هو الأصنام والأوثان ولذلك أتى التعبير عنها بـ"ما" التي لا تكون لآحاد من يعقل، وقوله "يدعو لمن ضره" هو من عبد باقتضاء وطلب من عابديه من المدعين الإلهية كفرعون وغيره من ملوك بني عبيد الذين كانوا بالمغرب ثم ملكوا مصر فإنهم كانوا يدعون الإلهية ويطاف بقصرهم في مصر وينادون مما ينادى به رب العالمين من التسبيح والتقديس، فهؤلاء -وإن كان منهم نفع مّا لعابديهم في دار الدنيا- فضررهم أعظم وأقرب من نفعهم إذْ هم في الدنيا مملوكون للكفّار وعابدون لغير الله، وفي الآخرة معذبون العذاب الدائم، ولهذا كان التعبير هنا بـ"من" التي هي لمن يعقل. =
ثم ذكر البغوي قول السدي وكلام الزجاج من غير نسبة لهما، واقتصر عليه.
الثاني: ما ذكره أبو العباس ابن تيمية في الفتاوى ١٥/ ٢٦٩ - ٢٧٥ وخلاصة جوابه: أن قوله تعالى: ﴿مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ﴾ هو نفي لكون المدعو المعبود من دون الله يملك نفعا أو خيرا، وهذا يتناول كل ما سوى الله من الملائكة والبشر والجن والكواكب والأوثان كلها، فما سوى الله لا يملك -لا لنفسه ولا لغيره- ضرا ولا نفعا، كما قال الله تعالى في سياق نهيه عن عبادة المسيح ﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [المائدة: ٧٦]. وقد قال لخاتم الرسل ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ [الأعراف: ١٨٨]. وقال على العموم ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر: ٣٨].
فالمنفي في قوله ﴿مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ﴾ هو قدرة من سوى الله على النفع والضر، فنفى الله فعلهم، وأما قوله "ضره أقرب من نفعه" فالمثبت اسم مضاف إليه فإنّه لم يقل: يضر أعظم مما ينفع، بل قال "لمن ضره أقرب من نفعه" والشيء يضاف إلى الشيء بأدنى ملابسه، فقد يضاف إلى محله وزمانه ومكانه وسبب حدوثه وإن لم يكن فاعلا كقوله ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [سبأ: ٣٣]، وكقول الخليل عن الأصنام ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ [إبراهيم: ٣٦] فنسب الإضلال إليه. ولا ريب أن بين المعبود من دون الله وبين ضرر عابديه تعلق يقتضي الإضافة. فما يدعى من دون الله هو لا ينفع ولا يضر، ولكن هو السبب في دعاء الداعي له وعبادته إياه. وعبادة ذلك ودعاؤه هو الذي ضره، فهذا الضر المضاف إليه غير الضر المنفي عنه. فضرر العابد له بعبادته يحصل في الدنيا والآخرة وإن كان عذاب الآخرة أشد. اهـ.
وقد ارتضى هذا الوجه في الجمع ابن عاشور في "التحرير والتنوير" ١٧/ ٢١٦ حيث قال: ولما كان الضُرّ الحاصل من الأصنام ليس ضرًا ناشئا عن فعلها بل هو =
قال المبرد: والعشير: المعاشر وهو المخالط. والعشيرة تأويلها: المجتمعة إلى أب واحد. وقولهم: بُرمة (١) أعشار، إنما هي كسور عن أصل واحد (٢).
ولما ذكر الشاك في الدين بالحيرة (٣) والرجوع إلى الكفر، وذمه بالخسران وعبادة ما لا ينفعه، ذكر (٤) ثواب المؤمنين فقال:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية.
١٤ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ قال ابن عباس: يريد أوليائه وأهل طاعته.
وقال غيره: ﴿يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ فيعطي ما شاء (٥) من كرامته أهل طاعته،
(١) في (أ): (تُرمه)، وهو خطأ. والبُرْمة: قدر من حجارة. "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٢٢٠ (برم).
وفي "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٤١١ (عشر): (والعرب تقول: بُرمة أعشار، أي متكسرة.
(٢) انظر (عشر) في: "تهذيب اللغة" ١/ ٤١١، "الصحاح" ٢/ ٧٤٧، "لسان العرب" ٤/ ٥٧٤.
(٣) في (ظ): (بالخير).
(٤) في (ظ): (وذكر).
(٥) في (ظ)، (د)، (ع): (وقوله).
وهذا يدل على تكذيب (٤) من (٥) زعم أن المؤمن يدخل الجنة باستيجابة (٦) ذلك على الله بطاعته (٧). وعلى تصديق قول (٨) الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لن يدخل الجنة أحدٌ إلا برحمة الله" (٩).
ورحمته: إرادته الخير (١٠).
١٥ - قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ أكثر أهل التفسير على أن الهاء في (ينصره) كناية عن محمد -صلى الله عليه وسلم- (١١).
(٢) في (ظ): (لأهل).
(٣) هذا قول الطبري ١٧/ ١٢٥ بنصه.
(٤) (تكذيب): ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٥) في (ظ)، (د)، (ع): (أن)، وهو خطأ.
(٦) (باستيجابة) مهملة في (أ)، (ظ)، (د)، والمثبت من (ع).
(٧) هذا قول المعتزلة. انظر: "الملل والنحل" للشهرستاني ١/ ٤٥.
(٨) (قول): ساقطة من (ظ).
(٩) روي هذا الحديث بعدة ألفاظ، أقربها إلى لفظ المصنف رواية الإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ٣٩٠ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ورواه البخاري في "صحيحه" كتاب: المرضى، باب: تمني المريض الموت ١٠/ ١٢٧، ومسلم في "صحيحه" كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم، باب: لن يدخل أحد الجنة بحمله، بل برحمة الله ٤/ ٢١٧٠ بلفظ: "لن يُدْخِل أحدًا منكم عمله الجنة" قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: "ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة".
(١٠) هذا تأويل. والصواب أن الرحمة صفة من صفات الله وصف بها نفسه، ووصفه بها رسوله. فنثبتها لله سبحانه من غير تعطيل ولا تحريف ولا تكييف ولا تمثيل.
(١١) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٨ ب وانظر الطبري ١٧/ ١٢٥ - ١٢٧.
وهو قول قتادة (٢)، والسدي، والكلبي (٣)، وابن زيد (٤)، واختيار الفراء والزجاج.
قال الزجاج: أي من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا حتى يظهره على الدين كله فليمت غيظًا، وهو تفسير قوله ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ﴾ (٥) فليشدد حبلاً في سقفه (٦) ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ أي: ليمد الحبل حتى ينقطع (٧) فيموت مختنقًا (٨).
وقال الفراء: من كان منكم يظن أن الله لن ينصر محمدًا (٩) بالغلبة حتى يظهر دين الله فليجعل في سماء بيته حبلاً ثم ليختنق، فذلك قوله ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ (١٠) أي: اختناقًا. وفي قراءة عبد الله (ثم ليقطعه) يعني السبب (١١).
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٣، والطبري ١٧/ ١٢٦.
(٣) ذكره عن السدي والكلبي الرازي ٢٣/ ١٥، وأبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٥٧.
(٤) رواه الطبري ١٧/ ١٢٦، وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٦/ ١٦.
(٥) في (ظ): (من)، وهو خطأ.
(٦) في (أ): (شقفه).
(٧) في (ظ) زيادة: (الحبل)، بعد قوله (ينقطع)، وليست عند الزجاج.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٧.
(٩) العبارة في (ظ)، (د)، (ع): (أن لن ينصر الله محمدا)، وما أثبتنا من (أ) هو الموافق لمعاني الفراء.
(١٠) في (ظ)، (د)، (ع) زيادة: (فذلك) بعد قوله: (ثم ليقط)، ولا معنى لها.
(١١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٨.
ومعنى (فليقطع) فليختنق في قول جميع المفسرين (١).
ووجه ما ذكره (٢) الزجاج والفراء أنه يقطعه بجذبه إياه حتى ينقطع، فيموت اختناقًا.
وذكر الأزهري وجها آخر فقال: أجمع المفسرون على أن تأويل قوله ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ ثم ليختنق، وهو محتاج إلى شرح يزيد في بيانه، ومعنى ﴿لْيَقْطَعْ﴾ ليمد الحبل مشدودًا على حلقه مدًا شديدًا حتى يقطع (٣) حياته ونفسه خنقًا (٤).
وعلى هذا معنى ﴿لْيَقْطَعْ﴾ ليقطع نفسه. والقول هو الأول، ويدل عليه قراءة عبد الله (ليقطعه) بالهاء الراجع إلى السبب.
قال الأزهري: والمعنى: فليختنق غيظًا حتى يموت، فإن الله (٥) مظهره ولا ينفعه غيظه (٦).
(٢) في (أ): (ذكرناه)، وهو خطأ.
(٣) في (ظ): (تنقطع).
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ١٨٨ (قطع).
(٥) لفظ الجلالة لم يرد في (د)، (ع). وفي (ظ): (فإنه مظهره).
(٦) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ١٦٠ (نصر) وفي المطبوع: ولا ينفعه موته خنقًا. وفي "اللسان" ٥/ ٢١٠: ولا ينفعه غيظه وموته خنقًا. فيظهر أن (غيظه) ساقطة من المطبوع.
والأول قول الفراء والزجاج (٣). ويقال: غظتُ فُلانًا أغيظُه غَيْظًا (٤).
وروى ثعلب عن ابن الأعرابي: غاظهُ وأغَاظَهُ وغَيَّظه بمعنى واحد (٥).
وشرح ابن قتيبة هذه الآية على هذا القول بأبلغ بيان فقال: كان قوم من المسلمين لشدة غيظهم وحنقهم على المشركين يستبطؤون ما وعد الله رسوله (٦) من النصر، وآخرون من المشركين يريدون اتباعه ويخشون أن لا يتم له أمره، فقال الله ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ﴾ يعني محمدًا -صلى الله عليه وسلم- على مذهب العرب في الإضمار لغير مذكور (٧)، وهو يسمعني أعده النصر والإظهار والتمكين، أو كان (٨) يستعجل به قبل الوقت الذي قضيت أن يكون ذلك فيه ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ﴾ أي: بحبل ﴿إِلَى السَّمَاءِ﴾ يعني سقف البيت، وكل شيء علاك (٩) وأظلك فهو سماء، والسحاب: سماء، يقول
(٢) "تفسير الطبري" ١٧/ ١٢٨، "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٨ ب.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٨، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٧.
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ١٧٣ (غاظ) نقلاً عن الليث. وهو في "العين" ٤/ ٤٣٩ (غيظ).
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ١٧٣ (غاظ) عن ثعلب، عن ابن الأعرابي.
(٦) في (أ): (ورسوله)، وما أثبتناه هو الموافق للمشكل ص ٣٥٨.
(٧) العبارة في (ظ)، (د)، (ع): (لغيره في الإضمار مذكور. وهي عبارة غير مفهومة.
(٨) في (ظ)، (د)، (ع): (إذ كان)، وفي "المشكل" ص ٣٥٨: (وإن كان.
(٩) في (أ): (وكل ما علاك)، والمثبت هو الموافق للمشكل ص ٣٥٨.
هُوَ المُدْخِلُ النُّعمانَ بيتًا سماؤه نُحورُ | الفُيول (٥) بعد بَيْتِ مُسَرْدَق (٦) |
(٢) هو: سلامة بن جندل بن عبد عمرو، من بني كعب بن سعدة التميمي، أبو مالك.
شاعر جاهلي قديم، وهو من فرسان تميم المعدودين، في شعره حكمة وجودة، وهو ممن يصف الخيل فيحسن.
"طبقات فحول الشعراء" ١/ ١٥٥، "الشعر والشعراء" ص ١٦٦، "خزانة الأدب" ٤/ ٢٩، "الأعلام" للزركلي ٣/ ١٠٦.
(٣) في (أ): (قبل)، وفي (د): (قبل): بإهمال ثانية. ومهملة في (ظ)، (ع).
(٤) هو: النعمان بن المنذر بن المنذر بن امرئ القيس اللخمي، أبو قابوس. من أشهر ملوك الحيرة في الجاهلية، ملك الحيرة بعد أبيه، وكانت متابعة للفرس، وهو صاحب إيفاد العرب على كسرى، نقم عيله كسرى أمرًا فعزله وسجنه حتى مات، وقيل ألقاه تحت أرجل الفيلة فوطئته، فهلك نحو ١٥ ق. هـ.
انظر: "الكامل" لابن الأثير ١/ ٢٤٦، "البداية والنهاية" ١/ ١٩٩، "الأعلام" للزركلي ٨/ ٤٣.
(٥) في (أ): (القبول).
(٦) البيت أنشده ابن قتيبة لسلامة في "مشكل القرآن" ص ٣٥٨.
وهو في "ديوانه" ص ١٨٤، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٩٩ ومنه (المولج) في موضع (المدخل)، و (صدور) في موضع (نحور). والطبري ١٥/ ٢٣٨ بمثل رواية أبي عبيدة، و"لسان العرب" ١٠/ ١٥٨ وفيه صدور).
وبيت مُسردق: هو أن يكون أعلاه وأسفله مشدود كله. "لسان العرب" ١٠/ ١٥٨ (سردق) "القاموس المحيط" ٣/ ٢٤٤.
وفعل هذا رجل وَعَدْتَه شيئًا مرة بعد مرة، ووكدت على نفسك الوعد (٥)، وهو يراجعك في ذلك، ولا تسكن نفسه إلى قولك، فتقول له: إن كنت لا تثق بما أقول، فاذهب فاختنق (٦). تريد: اجهد جهدك. هذا معنى قول المفسرين. انتهت الحكاية عنه (٧).
ومعنى ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ﴾ إلي آخر الآية إنما أمر بالخنق لا على وجه الإلزام، ولكن (٨) إشارة إلى أنه لا حيلة له، وليس يتوصل إلى تقديم النصر قبل وقته، وإخراج ما يظن من (٩) أن محمدًا -عليه السلام- لا ينصر عن قلبه فلم يبق له (١٠) إلا الخنق ليستريح (١١) من غيظه بتأخر النصر عن محمد -صلى الله عليه وسلم- كما قال الشاعر:
(٢) في (أ): (قوله).
(٣) من بعد (فلينظر) ساقط من (ظ)، (د)، (ع).
(٤) في (ظ): (مما).
(٥) في (ظ)، (د)، (ع): (الوعيد)، وهو خطأ.
(٦) في (أ): (واختنق).
(٧) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٣٥٨ - ٣٥٩ مع اختلاف يسير.
(٨) في (ظ)، (د)، (ع): (لكن).
(٩) (من): زيادة من (أ).
(١٠) (له): ليست في (ظ)، (د)، (ع).
(١١) في (أ): (لتستريح).
إنْ كنت لا ترضى بما قد ترى (١) | فدونك الحبل به فاختنق (٢) |
وذُكر أنَّ هذه الآية نزلت في قوم من أسد وغطفان (٤) تباطؤوا عن الإسلام، وقالوا نخاف أن لا ينصر محمد فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يميروننا (٥) ولا يؤوننا، فنزلت هذه الآية ذما لهم على هذا الظن واستعجالهم ما (٦) قد وعدهم (٧) الله (٨).
ولابن زيد طريق آخر في تفسير هذه الآية، وهو أن جعل السماء في
(٢) لم أهتد لهذا البيت.
(٣) مهملة في (أ).
(٤) أسد: قبيلة عظيمة، تنسب إلى أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهذه ذات بطون كثيرة.
انظر: "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم ص ١١، ٤٧٩، "نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب" للقلقشندي ص ٤٧ - ٤٨، "معجم قبائل العرب" لكحالة ١/ ٢١. وغطفان: بطن عظيم متسع كثير الأفخاذ، وهم بنو غطفان بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
انظر: "الجمهرة" ص ٢٤٨، "نهاية الأرب" ص ٣٤٨، "معجم قبائل العرب" لكحالة ٣/ ٨٨٨ - ٨٨٩.
(٥) يميروننا: يعني: يجلبوا لنا الطعام. "لسان العرب" ٥/ ١٨٨ (مير).
(٦) في (ظ): (بما).
(٧) في (أ): (وعده).
(٨) ذكره الطبري ١٧/ ١٢٨ من غير سند، وذكره ابن الجوزي ٥/ ٤١٢ عن مقاتل. وهو في "تفسير مقاتل" ٢/ ٢١ أ.
وهذا التفسير لا يوافق معنى قوله ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ﴾ (٥) لأن من ظن ذلك لا يقال له: إن كنت تظن أنه غير منصور فاقطع النصر عنه. ولو كان أول الكلام: من يغيظه أن ينصره الله، أو ما أشبه هذا؛ حج (٦) تفسير ابن زيد، وليس في أوائل (٧) الآية: من أراد أن يكايده، أو يقطع النصر عنه، أو شيء من هذا المعنى الذي بني ابن زيد تفسير باقي الآية عليه.
هذا الذي ذكرنا كله على قول من يقول الهاء في (ينصره) كناية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومذهب مجاهد والضحاك (٨): أن الهاء كناية عن (من) في قوله ﴿مَنْ كَانَ﴾.
(٢) في (أ): (لكابده).
(٣) في (أ): (ذهاب).
(٤) ذكر عنه بهذا اللفظ الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٨ ب. وقد رواه الطبري ١٧/ ١٢٦، وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٦/ ١٦ بنحوه.
(٥) في (أ): (بنصر الله): وهو خطأ.
(٦) في (أ): (أصح)، وهو خطأ.
(٧) في (ظ)، (د)، (ع): (أواخر).
(٨) يظهر أن الواحدي اعتمد في نسبة هذا القول على الطبري، فقد قال الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٢٧: وقال آخرون: الهاء في (ينصره) من ذكر (من)... ثم قال =
وهذا القول هو اختيار أبي عبيدة، قال: ﴿أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ﴾ أن لن يرزقه (٢). قال: ووقف علينا رجل من بني أبي بكر (٣) بن كلاب فقال: من ينصرني نصره الله. أي: من يعطيني أعطاه الله. وأنشد للراعي:
والنص -كما ترى- ليس فيه ما يدل على أن الضحاك يرى أن الهاء عائدة إلى (من). وقد جاء عن الضحاك ما يخالف ما نسب إليه، فقد روى عبد بن حميد وابن المنذر كما في "الدر المنثور" ٦/ ١٦ عنه في الآية قال: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا، فليجعل حبلاً في سماء بيته، فليختنق به، فلينظر هل يغيظ ذلك إلا نفسه؟.
(١) رواه الطبري ١٧/ ١٢٧، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٥ وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.
(٢) في (د)، (ع): (أن لن ينصره) أن لن يرزقه.
(٣) في المطبوع من "المجاز" ٢/ ٤٦، بني بكر، وأشار المحقق إلى أنه في نسخة: بني أبي بكر. وما ذكره الواحدي هنا من قوله (ابن كلاب) ليس في المجاز لأبي عبيدة فيحتمل أن يكون السائل من بني أبي بكر -كما وقع في إحدى نسخ المجاز وكما نسبه الواحدي إلى بني أبي بكر ابن كلاب- وهو كما قال ابن الأثير في تهذيب الأنساب ١/ ١٧٠ نسبة إلى أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، واسمه عبيد، ينسب إليه كثير. أهـ.
ويحتمل أن يكون السائل من بني بكر -كما وقع في بعض نسخ المجاز- وهو كما قال ابن الأثير (١٧٠٨) نسبة إلى بكر بن وائل، أبو بكر بن عبد مناة من كنانة بن خزيمة، أو بكر بن عوف بن النخع.
وقد وقع عند ابن الجوزي ٥/ ٤، والرازي ١٧/ ٢٣، وأبي حيان ٣/ ٣٥٧، والشنقيطي ٥/ ٥١، من بني بكر.
أبوك الذي أجْدى عليَّ بَنَصْرِهِ | فأنْصت عنّي بعده كُلَّ قائل (١) |
قال أبو عبيد: نُصَرت البلاد، فهي منصورة. ونُصِرَ القوم، إذا غِيثُوا (٣). وأنشد (٤):
من كان أخْطاه الربيع فإنّما | نُصرَ الحجاز بغَيث عبد الواحد (٥) |
وهو في "ديوانه" ص ٢٠٩ من أبيات يمدح بها يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وفيه (فأسكت) في موضع (فأنصت). و"الاشتقاق" لابن دريد ص ١١٠ وفيه (فأسكت).
وهو من غير نسبة في: "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ١٥٥، و"اللسان" ٢/ ٩٩، و"تاج العروس" ٥/ ١٢٣ (نصت).
(٢) انظر (نصر) في: "تهذيب اللغة" ١٢/ ١٦٠، "الصحاح" ٢/ ٨٢٩، "لسان العرب" ٥/ ٢١١.
(٣) هكذا في جميع النسخ و"اللسان" لابن منظور ٥/ ٢١١. وفي المطبوع من "تهذيب الأزهري": أعيثوا.
(٤) في (أ): (وأنشد الشاعر فقال).
(٥) قول أبي عبيد وإنشاده في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ١٥٩ - ١٦٠ منسوبًا إليه. والبيت لابن ميادة يمدح عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك. وهو في "ديوانه" ص ١١٢)، و"الوحشيات" (الحماسة الصغرى) لأبي تمام ص ٢٧٠، وفيه: (يجود) في موضع (يغيث). ومن غير نسبة في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ١٦٠ (نصر)، و"المخصص" لابن سيدة ٩/ ١٢١، و"اللسان" ٥/ ٢١١ (نصر).
(٦) في (أ): (ذكر).
وقوله: ﴿مَا يَغِيظُ﴾ يعني حنقه أن لا يرزق. وهذا ذم على سوء الظن بالله.
وفي قوله ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ قراءتان: كسر اللام وتسكينها (٢).
والأصل (٣) الكسر عند الابتداء، فإذا تقدمها الواو والفاء أو (ثم) (٤) فمن أسكن مع الفاء (٥) والواو فلأنهما (٦) يصيران كشيء من نفس الكلمة؛ لأن كل واحد منهما لا ينفرد بنفسه. فسكن اللام، كما ذكرنا فيمن سكن (وهي) (فهي) (٧) (٨). وأما (ثم) فإنه ينفصل بنفسه ويسكت عليه، فليس في هذا كالفاء والواو [ولهذا لم يسكن أبو عمرو بعد (ثم). ومن سكن بعده شبه الميم من (ثم) بالواو والفاء] (٩) وجعله كقولهم: (أراك (١٠) منتفخًا). وعلى
(٢) قرأ أبو عمرو، وابن عامر، وورش عن نافع: (ثم ليقطع) بكسر اللام، وقرأ الباقون بسكون اللام: (ثم ليقطع). "السبعة" ص ٤٣٤ - ٤٣٥، "التبصرة" ص ٢٦٥، "التيسير" ص ١٥٦، "الإقناع" ٢/ ٧٠٥.
(٣) في (ظ)، (د)، (ع): (فالأصل).
(٤) في (أ): (وثم)، والمثبت من باقي النسخ هو الموافق لما في الحجة.
(٥) في (أ): (مع الواو والفاء).
(٦) في (ظ): (فإنهما)، وهو خطأ.
(٧) في (أ): (وفي)، وهو خطأ.
(٨) في "الحجة" للفارسي ٥/ ٢٧٠: وقبل ذلك قولهم: ﴿وَهِىَ﴾ [هود: ٤٢]، ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ﴾ [البقرة: ٧٤].
(٩) ساقط من (ظ)، (د)، (ع).
(١٠) في (أ)، (د): (اذاك)، وفي (ظ)، (ع): (اداك)، والتصويب من "الحجة" ٥/ ٢٧٠.
فَبَاتَ مُنْتَصْبًا وما تكَرْدَسا (١) (٢)
وهذا مما تقدم الكلام فيه. ومن قرأ بعض هذا بالسكون وبعضه بالحركة (٣) من ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا﴾ ﴿وَلْيُوفُوا﴾ ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا﴾ [الحج: ٢٩] فإنه أخذ بالوجهين لاجتماعهما في الجواز (٤).
(٢) هذا الشطر من الرجز للعجاج بهذه الرواية (منتصبا) في "الحجة" للفارسي ١/ ٤٠٨، ٥/ ٢٧٠، و"الخصائص" لابن جني ٢/ ٣٣٨، وفي "اللسان" ١/ ٧٥٨ (نصب) من غير نسبة.
وروايته في "ديوان العجاج" ص ١٣٠، و"تهذيب اللغة" ١٠/ ٤٢٣ (كردس)، و"اللسان" ٦/ ١٩٥ (كردس): (فبات منتصا وما تكردسا. ولا شاهد فيه على هذه الرواية. وهو يصف فيها حمارًا وحشيًّا، وبعده: إذا أحس نبأة توجسا.
قال الأصمعي في "شرحه لديوان العجاج" ص ١٣٠: (قوله (منتصبا) أي منتصبًا. والمكردس: الذي قد رمى بنفسه.
(٣) قرأ بعض هذا بالسكون وبعضه بالحركة: أبو عمرو، وابن عامر في غير رواية ابن ذكران، وورث عن نافع، وابن كثير في رواية قنبل.
فقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وورش عن نافع: (ثم ليقطع)، (ثم ليقضوا) بكسر اللام، ووافقهم في (ليقضوا) وحدها ابن كثير في رواية قنبل.
ووافق هؤلاء المتقدمون بقية القراء في قراءة (وليوفوا)، (وليطوفوا) بإسكان اللام. أمَّا رواية ابن ذكوان عن ابن كثير فبالكسر في المواطن الأربعة.
"السبعة" ص ٤٣٤ - ٤٣٥، "المبسوط" لابن مهران ٢٥٧، "التبصرة" ص ٢١٥، "التيسير" ص ١٥٦، "النشر" ٢/ ٣٢٦.
(٤) من قوله: (والأصل) إلى هنا هذا كلام الفارسي في "الحجة" ٥/ ٢٦٩ - ٢٧٠ مع تصرف وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٢٠ - ٤٢١، "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٧٣، و"حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٧٣ - ٤٧٤.
﴿آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ قال ابن عباس: يريد لأهل التوحيد. ﴿وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ﴾ أي: وأنزلنا إليك أن الله يهدي. قال ابن عباس: يعني (٣) يرشد إلى دينه ﴿مَنْ يُرِيدُ﴾.
وهذا الآية دليل على أن مِلاك الهدى والضلالة منوط بالإرادة تكذيبًا للقدرية.
١٧ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية، تقدم الكلام في تفسير هؤلاء الفرق المذكورة (٤) إلى قوله ﴿وَالْمَجُوسَ﴾.
قال الأزهري: والمجوس معرب، أصله: منْج كُوش، وكان رجلاً صغير الأذنين، هو أول من دان بدين المجوس، ودعاهم إلى المجوسية، فعربته (٥) العرب فقالت: مجوس، وربما تركت العرب صرف مجوس تشبيهًا بالقبيلة وذلك أنه اجتمع فيه التأنيث والعجمة، ومنه قوله (٦):
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢١ أ.
(٣) في (ظ): (يريد).
(٤) انظر: "البسيط" ١/ ٧٥٦، ٥٧ أ، ب أزهرية.
(٥) في (ظ)، (د)، (ع): (فعربت).
(٦) هذا عجز بيت أنشده الأزهري في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٦٠٢ من غير نسبة وهو للتوأم اليشكري، أجاز به قال امرؤ القيس، وكان امرؤ القيس قد نازع التوأم وقال له: إن كنت شاعرًا فملط -التمليط: أن يقول الشاعر نصف بيت ويتمه الشاعر الآخر. "القاموس المحيط" ٢/ ٣٨٧ (ملط) - أنصاف ما أمول وأجزها، فقال =
وقد تمجَّس الرجل إذا دان (١) بدين المجوس، ومَجَّس غَيره إذا علَّمه دين المجوسية (٢).
وقال غير الأزهري: المجوس يقال إنهم سموا بذلك لأن الميم جُعلت بدلاً من النون، كان يقال لهم النجوس (٣) لنجاستهم وتدينهم باستعمال النجاسة، وقد تعتقب الميم النون مثل الغيم (٤) والغين والأيم والأين (٥).
أصاح أريك برقا هب وهنا
ويروى:
أحارِ ترى بُريقا هب وهنا
فقال التوأم:
كنَارِ مَجُوس تَسْتَعرُ اسِتْعَارا
وهذا البيت مع الخبر في "ديوان امرئ القيس" ص ١٧٤ من رواية الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، وفي "لسان العرب" ٦/ ٢١٣ (مجس)، و"تاج العروس" للزبيدي ٢٠/ ١٢٣ (ملط).
ونسب سبيويه في "الكتاب" ٣/ ٢٥٤، والجوهري في "الصحاح" ٣/ ٩٧٧ (مجس) البيت لامرئ القيس.
وهو من غير نسبة في: كتاب "ما ينصرف وما لا ينصرف" للزجاج ص ٨٢، "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري ٢/ ١٣٩، "تاج العروس" للزبيدي ١٦/ ٤٩٦ (مجس).
(١) في (أ): (كان)، وهو خطأ.
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٦٠١ - ٦٠٢ (مجس).
وانظر: "الصحاح" للجوهري ٣/ ٩٧٧ (مجس)، "لسان العرب" ٦/ ٢١٣، ٢١٥ (مجس).
(٣) في (ظ)، (ع)، (د): (المجوس)، وهو خطأ.
(٤) في (أ): (الغنم والغنن)، وهو خطأ.
(٥) لم أجد من ذكر هذا القول فيما وقفت عليه من المصادر اللغوية. وقد ذكره =
قوله ﴿وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ يعني مشركي العرب.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ قال أبو إسحاق: خبر (إن) الأولى جملة الكلام مع (إن) الثانية (١).
يعني قوله ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ﴾.
قال الفراء: وربما قالت العرب: إن أخاك إن الدين عليه لكثير. فيجعلون (إن) في خبره. وأنشد:
إن الخليفة إن الله سربله... البيت (٢)
انظر: "الإبدال والمعاقبة والنظائر" للزجاجي ص ١٠٥، "الإبدال" لأبي الطيب اللغوي ٢/ ٤٢٣، ٤٣٤.
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٧.
(٢) كلام الفراء وإنشاده في "معاني القرآن" له ٢/ ٢١٨. والبيت لجرير من قصيدة يمدح بها عبد العزيز بن عبد الوليد بن عبد الملك بن مروان، وتتمته:
سِرْبال ملك به تُرْجَى الخواتيمُ
وهو في "ديوانه" ٢/ ٦٧٢ وروايته فيه: يكفي الخليفة أن الله سربله، ولا شاهد فيه على ذلك.
و"خزانة الأدب" ١٠/ ٣٦٤ - ٣٦٨ وعجزه عنده: لباس ملك به تُرْجى الخواتيم. قال البغدادي ١٠/ ٣٦٤: سربله: ألبسه، يتعدى لمفعولين أولهما ضمير الخليفة، والثاني اللباس بمعنى الثوب.. وتُرجى -بالزاي والجيم- والإرجاء: السوق. والخواتيم: جمع خاتام لغة في الخاتم. يريد إن سلاطين الآفاق يرسلون إليهم خواتمهم خوفًا منه، فيضاف ملكهم إلى ملكه. ويروى (ترجى) بالراء المهملة من الرجاء. وهذه الرواية أكثر من الأولى.
قال الفراء: وإنما جاز هذا لأن الاسمين قد اختلفا، فحسن رفض الأول وجعل الثاني كأنه هو المبتدأ، فحسن لاختلاف اسمي (٢) (إن)، ولا يجوز: إنك إنك (٣) قائم، ولا: إن أباك إنه قائم؛ لاتفاق الاسمين (٤).
قال الزجاج: وليس بين البصريين خلاف في أن (إن) (٥) تدخل على كل ابتداء وخبر، تقول: إن زيدًا إنه قائم (٦).
فأجاز أبو إسحاق ما استقبحه الفراء ولم يجزه.
وقال صاحب النظم: لما قال ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وما تبع ذلك (٧) من الكلام وطال صارت (إن) كأنها مُلغاة لتباعدها عن خبرها (٨) فأعاد (٩) ذكرها عند الجواب؛ ليعلم أن الجواب متصل بالابتداء توكيدًا للشرح. قال: ويجوز أن يكون إنما وجب أن يقدم ذكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- في مبتدأ الخبر (١٠) على نظم: إن الله يفصل (١١) يوم القيامة بين الذين آمنوا والذين
(٢) في (أ): (إسم).
(٣) إنك (الثانية): ساقطة من (ظ).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٨ مع تصرف واختلاف في العبارة.
(٥) (إن): ساقطة من (ظ).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٨.
(٧) ذلك: ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٨) في (أ): (حيزها).
(٩) في (أ): (وأعاد).
(١٠) في (أ): (الخير). وهو تصحيف.
(١١) في (ظ) زيادة (بينهم) بعد قوله (يفصل).
ومعنى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ﴾ قال ابن عباس: يقضي بينهم يوم القيامة.
وفسر الزجاج هذا الفصل والقضاء بين هؤلاء الفرق بإدخال المؤمنين الجنة والآخرين النار، واحتج بقوله بعد هذا ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ﴾. وقوله ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ الآية.
وقوله ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ من أعمال هؤلاء الفرق.
قال ابن عباس: شهيد على ما في قلوبهم عالم به. وقال أهل المعاني: إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يفصل بين الخصوم في الدين يوم القيامة بما يضطر إلى العلم بصحة الصحيح فيبيض وجه المحق ويسود وجه المبطل (٢).
ومعنى الشهيد: العلم بما شاهده، والله -عَزَّ وَجَلَّ- يعلم كل شيء قبل أن يكون بأنه علام الغيوب.
١٨ - قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَر﴾ ألم تعلم؛ لأن المراد الرؤية بالقلب والفعل. وقد ذكرنا هذا في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا﴾ [البقرة: ٢٤٣] الآية.
وقوله: ﴿يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ قال الفراء: يعني أهل السموات ﴿وَمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ قال: يعني كل خلق [من الجبال ومن الجن وأشباه
(٢) انظر القرطبي ١٢/ ٢٣ فقد ذكر هذا القول مختصرًا بمعناه، وصدره بقول: قيل.
وقوله ﴿وَالشَّمْسُ﴾ إلى قوله ﴿وَالدَّوَابُّ﴾ وصف الله تعالى هذه الأشياء كلها] (٢) بالسجود واختلفوا في معنى سجود هذه الأشياء، والصحيح أن المراد بسجودها خضوعها وذلتها وانقيادها لمولاها فيما (٣) يريد منها (٤). وهذا القول هو اختيار الزجاج والنحاس.
قال الزجاج: السجود هاهنا الخضوع لله، وهو طاعة مما خلق الله من الحيوان والموات فالسجود هاهنا سجود طاعة واحتج بقوله تعالى: ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] (٥).
وقال النحاس: هذا القول صحيح بيّن، فكل شيء منقاد لله -عَزَّ وَجَلَّ- على ما خلقه، وعلى ما رزقه، وعلى ما أصحه وعلى ما أسقمه، وليس هذا سجود العبادة (٦).
وقال قوم: إن السجود من هذه الأشياء التي هو موات ومن الحيوان الذي لا يعقل إنما هو أثر الصنعة فيها والتسخير والتصوير الذي يدعو
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٣) في (أ): (بما).
(٤) بل الصحيح ما قاله الأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٠ بعد ذكره لهذه الآية: فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها لا نفقهها عنها كما لا نفقه تسبيحها. أهـ.
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٤١٨.
(٦) من قوله: وقال قوم.. إلى قوله: أثر الصنعة فيها. منقول عن "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٨.
ومن قوله: "والتسخير... إلخ" منقول عن "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٩ أ.
وهذا القول كالأول لأن تسخيرها وأثر الصنعة فيها لخضوعها وذلتها لخالقها ويدل على أن غير العاقل يوسف بسجود الخضوع قول الشاعر (٢):
ترى الأكْمَ فيها سُجَّدًا للحَوافِرِ
أي: خشعت من وطي الحوافر عليها. هذا الذي ذكرنا مذهب أرباب المعاني (٣).
(٢) هذا عجز بيت لزيد الخيل، وصدره:
بجيش تضلُّ البُلْق في حَجَراته
وهو في "ديوانه" ص ٦٦، وتأويل "مشكل القرآن" ص ٣٢٢، و"المعاني الكبير" ٢/ ٨٩٠ كلاهما لابن قتيبة، والطبري ٢/ ٢٤٢، و"الكامل" للمبرد ٢/ ٢٠١، والرواية عندهم: (منه) في موضع (فيها).
وهو من غير نسبة في: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٨، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٢٩٥، و"الصحاح" للجوهري ٢/ ٤٨٣ (سجد)، و"للسان" ٣/ ٢٠٦ (سجد). والرواية عندهما: فيها.
والبلق: جمع بلقاء، والبلقاء: هي الفرس التي يكون فيها بلق يعني: سواد وبياض. أو البلقاء: الفرس التي ارتفع التحجيل فيها إلى الفخذين. و (حجراته): نواحيه، والأكم: جمع أكمه: وهي التل أو الموضع يكون أشد ارتفاعًا مما حوله.
انظر: "لسان العرب" ١٠/ ٢٥ (بلق)، ٤/ ١٦٨ (حجر)، "القاموس المحيط" ٣/ ٢١٤، ٤/ ٧٥.
قال ابن قتيبة في "المعاني الكبير" ٢/ ٨٩: يقول: إذا ضلت البلق فيه مع شهرتها فلم تعرف فغيرها أحرى أن تضل، يصف كثرة الجيش، ويريد أن الأكم قد خشعت من وقع الحوافر.
(٣) نسب الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٩ أهذا القول لأرباب الحقائق.
قال أهل المعاني: كأنه يجعل ذلك لما فيه من العبرة بتصريف الشمس في دورها عليه سجودًا (٢).
وقال أبو العالية: ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع لله ساجدا حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيرجع إلى مطلعه (٣).
وعلى هذا فكل شيء مما خلقه (٤) الله تعالى يسجد لله حقيقة السجود ويدل عليه قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٤] وقوله: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ﴾ [الأنبياء: ٧٩] إلا أنا لا نعلم كيفية ذلك، وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: ٤٤].
وقال أرباب الأصول: الجمادات لا تعقل ولا يتميز فإن حدثت لها حالة (٥) في التمييز فذلك (٦) بأن الله تعالى يحدث لها في تلك الحالة عقلاً وتمييزًا، وإلا فالتمييز منها محال ما دامت على حقيقة صنعتها الأولى.
(٢) ذكره الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٦٨، والجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٧١ ب من غير نسبة لأحد.
(٣) ذكره الثعلبي ٣/ ٤٩ أ، ورواه الطبري ١٧/ ١٣٠. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ١٨ ونسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع): (خلق).
(٥) في (ظ)، (د)، (ع): (حال).
(٦) في (ظ)، (د)، (ع): (فذاك).
وقال قوم: تم الكلام في وصف الساجدين عند قوله ﴿وَالدَّوَابُّ﴾ ثم ابتدأ فقال: ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ (٢).
روى ابن الأنباري عن ابن عباس أنه قال: وكثير من الناس في الجنة (٣).
وقال في رواية عطاء: وكثير من الناس يوحده وليس كلهم وكثير حق عليه العذاب ممن لا يوحده (٤).
وعلى هذا يصح الوقف على ﴿وَالدَّوَابُّ﴾، ثم ابتدأ بذكر فريقي الجنة والنار والإيمان والكفر.
وقال آخرون؛ التمام عند قوله ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ وانقطع ذكر الساجدين ثم ابتدأ فقال ﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾ أي: بإبائه وامتناعه من السجود وهؤلاء غير داخلين في جملة الساجدين (٥).
(٢) انظر: "المكتفى في الوقف والابتدا" للداني ص ٣٩٣.
(٣) رواه ابن الأنباري في كتابه "إيضاح الوقف والابتداء" ٢/ ٨٧٢. وذكره القرطبي ١٢/ ٢٤ عن ابن عباس من رواية ابن الأنباري. وذكره أبو عمرو الداني في كتابه "المكتفى في الوقف والابتدا" ص ٣٩٣ عن ابن عباس.
(٤) ذكره الرازي ٢٣/ ٢٠ من رواية عطاء، عن ابن عباس.
(٥) انظر: "إيضاح الوقف والابتداء" لابن الأنباري ٢/ ٧٨٢، "القطع والائتناف" =
وهذا القول هو اختيار نافع والكسائي وأبي حاتم (٢) وهو أن الوقف على (الناس).
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ قال الفراء: يريد من يُشقْهِ الله فما له من مُسْعد (٣). وكذا روى عن ابن عباس (٤).
وقال في رواية عطاء: ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ﴾ يريد (٥): من تهاون بعبادة الله (٦).
يعني أن تهاونه بعبادة الله [من إهانة الله] (٧) إياه وطرده ﴿فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾ يريد أن مصيره إلى النار وليس إلى الكرامة كما يُكْرم أولياؤه (٨).
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ أي: في خلقه من الإهانة والكرامة والشقاء والسعادة.
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٩.
(٢) ذكره عنهم النحاس في "القطع والائتناف" ص ٤٨٨.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٩.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٧.
(٥) يريد: ساقطة من (ظ)، وفي (د)، (ع): (يريد: ومن يهن الله) من تهاون.
(٦) ذكره عنه القرطبي ١٧/ ٢٤.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٨) قال الطبري ١٧/ ١٣٠: (فما لي من مكرم) بالسعادة يسعده بها.
وزاد الفراء: وليسا برجلين، ولو قيل: اختصما كان صوابًا، ومثله: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩] يذهب إلى الجمع، ولو قيل: اقتتلتا لجاز (٢).
وذكرنا معنى الاختصام عند قوله: ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ [النساء: ١٠٥].
وقوله: ﴿فِي رَبِّهِمْ﴾ أي: في دين ربهم.
قال الكلبي: وذلك أن اليهود والنصارى قالوا نحن أولى بالله منكم يا معشر المسلمين؛ لأن نبينا قبل نبيكم وديننا قبل دينكم وكتابنا قبل كتابكم. فقال المسلمون: بل نحن أولى وأحق بالله، آمنا بكتابنا ونبينا ونبيكم، وكفرتم أنتم بنبينا حسدًا. فكان هذا خصومتهم في ربهم (٣).
هذا قول مجاهد والحسن (٤)، وابن عباس في رواية عطاء (٥)، وأكثر
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٢٠.
(٣) روى الطبري ١٧/ ١٣٢ عن عاصم والكلبي أنهما قالا: أهل الشرك والإسلام حين اختصموا أيهم أفضل. وذكر الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٩ أعن الكلبي قال: هم المؤمنون والكافرون.
(٤) رواه الطبري ١٧/ ١٣٢ عن مجاهد والحسن قالا: هم المؤمنون والكافرون.
(٥) لم أجد من ذكره من رواية عطاء، لكن رواه الطبري ١٧/ ١٣٢ من رواية العوفي =
وروي عن أبي ذر وعلي رضي الله عنهما أنهما قالا: نزلت هذه الآية في الذين بارزوا يوم بدر من الفريقين، وكان من المسلمين حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث (٤)، ومن الكفار عتبة وابنه الوليد وشيبة ابنا ربيعة (٥) وأقسم أبو ذر أن هذه الآية نزلت في هؤلاء الستة (٦).
(١) انظر: الطبري ١٧/ ١٣٢، " الكشف والبيان" ٣/ ٤٩ أ، و"الدر المنثور" ٦/ ٢٠.
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٤١٩ فقد ذكر نحو رواية الكلبي.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢١٩، فقد ذكره نحو رواية الكلبي.
(٤) هو: عبيدة بر الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، القرشي، المطلبي. أحد السابقين الأولين. أسلم قديما، وكان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة، ثم هاجر، وشهد بدرًا وبارز فيها وأصيب في المبارزة، فاحتمل وبه رمق، ثم توفي بالصفراء -قرية بين المدينة وينبع- في العشر الأخير من رمضان سنة اثنين من الهجرة رضي الله عنه. وكان ابن ثلاث وستين سنة.
"طبقات ابن سعد" ٣/ ٥٠، "الاستيعاب" ٣/ ١٠٢٠، "أسد الغابة" ٣/ ٣٥٦، "سير أعلام البنلاء" ١/ ٢٥٦، "الإصابة" ٢/ ٤٤٢.
(٥) هو: شيبة بن ربيعة بن عبد شمس، أحد زعماء قريش في الجاهلية، أدرك الإسلام ولم يسلم، وناصبه العداء، قتله حمزة رضي الله عنه يوم بدر بعد مبارزته.
"السيرة النبوية" لابن هشام ٢/ ٣٥٦، "البداية والنهاية" ٣/ ٢٧٧، "الأعلام" للزركلي ٣/ ١٨١.
(٦) روى البخاري كتاب: التفسير -سورة الحج- باب: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ ٨/ ٤٤٣، ومسلم كتاب: التفسير، باب: في قوله تعالى ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ ٤/ ٢٣٢٣ عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقسم قسمًا إن هذه =
وروي عن عكرمة أنه قال: الخصمان هما الجنة والنار (٢). وهذا ليس بالقوي ولا المرضي (٣).
ثم بيّن الله تعالى حال الفريقين فقال: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قال ابن عباس: يعني أهل الخمسة الأديان (٤).
﴿قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ﴾ قال الأزهري: أي (٥): خيطت وسويت وجعلت لبوسًا لهم (٦).
وروى البخاري كتاب: المغازي، باب: قتل أبي جهل ٧/ ٢٩٧، والنسائي في "تفسيره" ٢/ ٨٥ عن علي رضي الله عنه قال: فينا نزلت هذه الآية ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾.
(١) واختاره الطبري ١٧/ ١٣٣. قال ابن كثير ٣/ ٢١٢: وقول مجاهد وعطاء أن المراد بهذه الكافرون والمؤمنون يشمل الأقوال كلها، وينتظم فيه قصة بدر وغيرها، فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله -عَزَّ وَجَلَّ- والكافرون يريدون إطفاء نور إيمان وخذلان الحق وظهور الباطل، وهو اختيار ابن جرير وهن حسن، ولهذا قال "فالذين كفروا... أهـ.
(٢) رواه الطبري ١٧/ ١٣٢ - ١٣٣.
(٣) قال الألوسي في "روح المعاني" ١٧/ ١٣٤: وأما ما قيل من أن المراد بهذين الخصمين الجنة والنار فلا ينبغي أن يختلف في عدم قبوله خصمان أو ينتطح فيه كبشان.
(٤) ذكره القرطبي ١٢/ ٢٦ بمعناه من غير نسبة.
(٥) (أي): ساقط من (ظ)، (د)، (ع).
(٦) "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ١٨٨ (قطع).
وقال ابن عباس: لو سقطت منه نقطة على جبال الدنيا لأذابها (٥). والذي ذكر في الخبر هو معنى
٢٠ - قوله: ﴿يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ﴾.
قال الليث: الصهر: إذابة الشحم، والصهارة ما ذاب منه، ويقال صهرته فاصطهر، ويقال للحرباء (٦) إذا تلألأ ظهرها (٧) من شدة الحر قد صَهَرَهُ الحر واصطهر الحرباء (٨).
(٢) فيسلت: أي يقطع ويستأصل. "لسان العرب" ٢/ ٤٥ (سلت).
(٣) في (ظ)، (ع)، (د): زيادة (إلى).
(٤) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ٣٧٤ والترمذي أبواب صفة جهنم، باب: ما جاء في صفة شراب أهل النار ٧/ ٣٠٢ - ٣٠٣، والطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٣٣ - ١٣٤، وابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢١٢، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٨٧، وأبو نعيم في "الحلية" ٨/ ١٨٢ - ١٨٣ من طريق أبي السمح، عن أبي حجيرة، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، به. قال الألباني في "تخريج" أحاديث "مشكاة المصابيح" ٣/ ١٥٨١. وإسناده ضعيف.
(٥) ذكره عنه الزمخشري في "الكشاف" ٣/ ٩، والرازي في "تفسيره" ٢٣/ ٢٢.
(٦) في (أ): (للحوباء)، وهو خطأ.
والحِرْباء: دويبة ذات قوائم أربع، دقيقة الرأس، مخططة الظهر، تستقبل الشمس بنهارها. قال الأزهري في "تهذيب اللغة" ٥/ ٢٤ (حرب).
(٧) في "تهذيب اللغة": ظهره. ولعله أصوب لأن الحرباء ذكر أم حبين، انظر الأزهري.
(٨) "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ١٠٩ (صهر) نقلا عن الليث. =
وأنشد أبو عبيدة (٢) وغيره (٣) لابن أحمر (٤):
تروى (٥) لقى ألقي في صفصف | تصهره الشمس فما ينصهر (٦) |
ونحو هذا قال الكسائي في تفسير الصهر: أنه الإحراق
(١) "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ١٠٩ مادة (صهر) عن ابن السكيت.
(٢) "مجاز القرآن" ٢/ ٤٨.
(٣) الطبري ١٧/ ١٣٤. والثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٤٩ ب.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع): (ابن الأحمر).
(٥) في جميع النسخ: (تردي)، والتصويب من مجاز القرآن والطبري وغيرهما.
(٦) البيت أنشده أبو عبيدة لابن أحمر في "مجاز القرآن" ٢/ ٤٨.
وهو في ديوان ابن أحمر ص ٦٨، "الأضداد" لابن الأنباري ص ١٦٥، و"مقاييس اللغة" لابن فارس ٥/ ٢٦١ (لقى) وعنده: (تؤوي) في موضع (تروي)، و"الصحاح" للجوهري ٢/ ٧١٧ (صهر)، ٦/ ٢٣٦٤ (روى)، و"لسان العرب" ٤/ ٤٧٢ (صهر)، ومن غير نسبة في الطبري ١٧/ ١٣٤.
وهو من أبيات له يصف فيها فرخ قطاة. وقوله (تروى) تسقي، قال أبو عبيدة: تفسير له راوية.. كما رواية القوم عليهم. أهـ (لقى) قال ابن الأنباري: اللقى: الشيء الملقى لا يلتفت إليه، فشبه الفرخ به. أهـ
و (صفصف) الصفصف: المستوى من الأرض. قاله الفيروزآبادي ٣/ ١٦٣.
(تصهره الشمس فما ينصهر) قال الجوهري: أي تذيبه الشمس فيصبر على ذلك.
(٧) في (ظ): (النار).
(٨) في (أ): (نضجته)، وفي "تهذيب اللغة": أنضجته.
(٩) قول أبي زيد في "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ١٠٩ (صهر).
وهذا عبارة الفراء (٤)، وهو معنى الحديث الذي ذكرنا. وهو قول جاهد (٥). ولفظ ابن عباس في رواية نافع بن الأزرق (٦). وقال ابن عباس في رواية عطاء: ينضج.
وذكر (٧) الأزهري عن أهل التفسير: يُغلي به ما في بطونهم حتى يخرج من أدبارهم (٨).
وهذا هو اختيار الزجاج (٩). وهو من قولهم صهرته الشمس، إذا اشتد وقعها عليه.
فمعنى ﴿يُصْهَرُ﴾: يُنضج، وُيحرَّق، وُيذَاب، وُيغْلى. كل هذا صحيح مروي. والمعنى: أن أمعاءهم وشحومهم تذاب وتحرق بهذا الحميم، وتنشوي جلودهم فتتساقط من حره (١٠).
(٢) في (أ): (بدأت)، وهو خطأ.
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٤، والطبري ١٧/ ١٣٥.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٥.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ١٣٤، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢ وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٦) روى ابن الأنباري والطستي في "مسائله" كما في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢ عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله (يصهر) قال: يذاب.
(٧) في (أ): (وذكرنا)، وهو خطأ.
(٨) "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ١٠٩.
(٩) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٩.
(١٠) انظر: "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٩ ب.
قال شمر: المقطعات من الثياب كل ثوب يقطع ثم يخاط (٢).
وهذا القول هو الصحيح في تفسير المقطعات (٣).
قال أبو إسحاق: وجاء في التفسير أن الثياب التي من (نار) (٤) من نحاس قد أذيب (٥). وهذا الذي ذكره هو قول سعيد بن جبير (٦).
٢١ - وقوله ﴿يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ﴾ الحميم (٧) الماء الحار. وأحمَّ نفسه إذا غسلها بالماء الحار، ومثله استحم إذا اغتسل بالحميم. [والحمام مشتق من الحميم. والمحم: الإناء الذي يسخن فيه الماء.] (٨) والحميم عند ابن الأعرابي من الأضداد يكون الماء الحار والبارد (٩).
(٢) قول شمر في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ١٨٨ - ١٨٩ (قطع).
(٣) قال أبو حيان ٦/ ٣٦: والظاهر أن هذا المقطع من النار.
(٤) في (أ): (من النار)، والمثبت من باقي النسخ وهو الموافق لما في المعاني.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٩.
(٦) رواه الطبري ١٧/ ١٣٣، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢١ وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم.
(٧) (الحميم): قلادة من (ظ)، (د)، (ع).
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٩) "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ١٥ (حم) وبعضه عن الليث وبعضه عن الأصمعي. والقائل: والحميم عن ابن الأعرابي.. هو الأزهري.
وانظر: "العين" ٣/ ٣٣ (حم)، "الأضداد" لابن الأنباري ص ١٣٨)، "الصحاح" للجوهري ٥/ ١٩٠٥ (حمم)، "لسان العرب" ١٢/ ١٥٣ - ١٥٤ (حمم).
ويمشي معد حوله بالمقامع
وأصله من قولهم: قمعت رأسه إذا ضربته ضربًا عنيفًا.
قال أبو عبيد: يقال: قمعت الرجل وأقمعته، بمعنى واحد (٥).
قال الضحاك في قوله (٦) ﴿وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ﴾: هي المطارق (٧).
وقال ابن عباس: يريد أن زبانية جهنم تقمعهم بمقامع الحديد يضربونهم بها كلما أرادوا أن يخرجوا منها (٨).
والجُرْز (بالضم، وبضمتين كما قال الزبيدي في "تاج العروس" ١٥/ ٥٢ قال الأزهري في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٦٩ (جرز): (هو عمود من حديد).
ونقل الأزهري عن الليث قال: والجُرز من السلاح، والجميع: الجِرَزَة.
(٢) في (أ): (مقامع)، والمثبت من باقي النسخ والعين والتهذيب.
(٣) قول اليث في "العين" ١/ ١٨٩، وهو في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٩٣ (قمع) من غير نسبة.
(٤) هذا الشطر أنشده الليث في "العين" ١/ ١٨٥ (قمع) ولم ينسبه لأحد. وذكره الفيروزآبادي في "بصائر ذوي التمييز" ٤/ ٢٩٧ نقلاً عن اليث، ولم ينسبه. وفي المطبوع من البصائر: وتمشي معد.
(٥) قول أبي عبيد في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٩١ (قمع).
(٦) في جميع النسخ: (قولهم).
(٧) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٣/ ١٦٦. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٢ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٨) (منها): ساقطة من (أ).
٢٢ - فذلك قوله: ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ﴾ يعني: كلما حاولوا الخروج من النار لما يلحقهم من الغم والكرب الذي أخذ بأنفاسهم، حتى ليس لها مخرج ردوا إليها بالمقامع.
قال المفسرون: إن جهنم لتجيش (٣) بهم، فتلقيهم إلى أعلاها، فيريدون الخروج، فيردهم الخزان فيها (٤). وهذا كما قال الحسن.
ويقول لهم الخزنة: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ والحريق: الاسم من الإحتراق. قال أبو إسحاق: وهذا لأحد الخصمين.
٢٣ - وقال في الخصم الذين هم المؤمنون: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (٥) وهي مفسرة في سورة الكهف إلى قوله ﴿وَلُؤْلُؤًا﴾ وهو ما يستخرج من البحر من جوف الصدف، واللؤلؤ (٦) كباره، والمرجان صغاره. ويجوز فيه تخفيف الهمزتين (٧) ويجوز تخفيف إحداهما وتحقيق
(٢) ذكره عنه ابن الجوزي ٥/ ٤١٧، وذكره الزمخشري في "الكشاف" ٣/ ٩ والرازي ٢٣/ ٢٢ إلى قوله سبعين خريفًا.
(٣) تجيش: أي تغلي وترتفع، "لسان العرب" ٦/ ٢٧٧ (جيش).
(٤) انظر الطبري ١٧/ ١٣٥، و"الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٤٩ ب.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١٩.
(٦) في (ظ)، (د)، (ع): (فاللؤلؤ).
(٧) في (ظ)، (د)، (ع): (الهمزة).
والمعنى: أنهم يحلون أساور من ذهب ومن لؤلؤ. أي منهما؛ بأن يُرصع اللؤلؤ في الذهب. وقرئ (ولؤلؤا) بالنصب (٢) على: ويحلون لؤلؤا. ويجوز أن يحمل على موضع الجار والمجرور؛ لأن موضعهما نصب، ألا ترى أن معنى ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ﴾ [يحلون فيها أساور] (٣). فحمله على الموضع (٤).
وقوله ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ يعني أنهم يلبسون في الجنة ثياب (٥) الإبريسم (٦)، وهو الذي حرم لبسه في الدنيا على الرجال. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" (٧).
فقد ذكرا ذلك. قال ابن خالويه: والأصل الهمز.
قال ابن خالويه: العربية تحتمل همزتهما، وترك الهمز فيهما، وهمز إحداهما كل ذلك جائز، والأصل الهمز، وتركه تخفيف بالواو.
(٢) قرأ نافع وعاصم (ولؤلؤا) بالنصب، وقرأ الباقون (ولؤلؤ) بالخفض. "السبعة" ص ٤٣٥، "التبصرة" ص ٢٦٦، "التيسير" ص ١٥٧.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٤) من قوله: والمعنى: (أنهم يحلون أساور.. إلى هنا) نقلاً عن "الحجة" للفارسي ٥/ ٢٦٨ مع اختلاف يسير.
وانظر: "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٧٣، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٧٤.
(٥) في (أ): (لباب)، وهو خطأ.
(٦) الإبريسم: نوع من الحرير. "القاموسر المحيط" ٤/ ٧٩.
(٧) رواه البخاري كتاب. اللباس، باب: لبس الحرير للرجال ١٠/ ٢٨٤، ومسلم كتاب: =
قال ابن عباس: يريد لا إله إلا الله والحمد لله (١). وزاد ابن زيد: والله أكبر (٢).
وقال السدي: إلى القرآن (٣).
﴿وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ إلى الإسلام، وهو دين الله وطريقه (٤). والحميد: المحمود في أفعاله (٥).
ورواه البخاري في الموطن السابق ومسلم في الكتاب والباب السابقين ٣/ ١٦٤٥ من حديث أنس رضي الله عنه.
(١) ذكره عنه ابن الجوزي ٥/ ٤١٨، والقرطبي ١٢/ ٣٠، وأبو حيان ٦/ ٣٦١. وذكره البغوي عنه ٥/ ٣٧٦ بدون قوله الحمد لله. وذكره الرازي ٢٣/ ٢٢ عنه من رواية عطاء: هو قولهم ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾.
(٢) رواه الطبري ١٧/ ١٣٦، وذكره الثعلبي ٣/ ٥٠ أ.
(٣) ذكره عنه البغوي ٥/ ٣٧٦، وابن الجوزي ٥/ ٤١٨. والرازي ٢٣/ ٢٢، وأبو حيان ٩/ ٣٦١ بنفس عبارة الواحدي.
قال أبو حيان ٦/ ٣٦١: والطيب من القول إن كانت الهداية في الدنيا فهو قول لا إله إلا الله والأقوال الطيبة من الأذكار وغيرها، ويكون الصراط طريق الإسلام، وإن كان إخبارًا عما يقع منهم في الآخرة فهو قولهم (الحمد لله الذي صدقنا وعده) وما أشبه ذلك من محاورة أهل الجنة.
(٤) انظر الطبري ١٧/ ١٣٦، فعلى هذا القول معنى صراط الحميد، أي طريق الله تعالى الذي دعا عباده إليه.
(٥) والحميد: اسم من أسماء الله. واستظهر هذا القول أبو حيان ٦/ ٣٦١.
وقال ابن عطية ١٠/ ٢٥٣ - بعد ذكره للقول الأول: ويحتمل أنه يريد بالحميد نفس =
وهذا معنى قول الكسائي: إن الذين كفروا ويصدون ولم يقل وصدوا وهي هيئة (٦) يعني أنه بمعنى الماضي.
ونحو هذا قال الزجاج: لفظ المستقبل عطف به (٧) على الماضي، لأن معنى ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الذين هم كافرون، وكأنه قال: إن الكافرين والصادين (٨).
فهؤلاء جعلوا لفظ المستقبل هاهنا بمنزلة الماضي.
قال أبو علي: المعنى عندي إن الذين كفروا وصدوا [فلما كان
(١) أي عطف (يصدون) على (كفروا).
(٢) عند الفراء ٢/ ٢٢١: إن الذين كفروا [و] من شأنهم الصد. زيادة واو.
(٣) في (أ): (إن شئت).
(٤) (رد): ساقطة من (ظ).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٠ - ٢٢١ مع اختلاف.
(٦) (هيئ) ة: مهملة في (ظ)، (د)، (ع).
(٧) في (ظ)، (د): (به عطف).
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٠.
ولقد أمرُّ على اللئيم يسبني... فمضيت ثمت قلت: لا يعنيني (٣)
على معنى: ولقد مررت. انتهت الحكاية عن أبي علي (٤).
وذكرنا هذا وبيانه عند قوله: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ [البقرة: ١٠٢] الآية.
قوله تعالى: ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ﴾ [قال أبو إسحاق: ﴿جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ﴾ (٥)] وقف التمام، ومعنى {جَعَلْنَاهُ
(٢) في (أ): (وأنشد)، والمثبت من باقي النسخ.
(٣) البيت أنشده سيبويه في "الكتاب" ٣/ ٢٤ منسوبًا لرجل مولد من بني سلول، وذلك في "المقاصد النحوية" للعيني ٤/ ٥٨ وفيه. وأعف ثم أقول ما... ، و"تحصيل عين الذهب" للشنتمري ١/ ٤١٦.
ونسبه الأصمعي في "الأصمعيات" ص ١٢٦ لشمر بن عمرو الحنفي، وروايته فيها: (مررت) في موضع (أمر)، ولا شاهد فيهما على هذه الرواية.
والبيت بلا نسبة في: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٣٢٣، والطبري ٢/ ٣٥١ وروايته فيه: فمضيت عنه وقلت: لا يعنيني، و"الخصائص" لابن جني ٣/ ٣٣٠. وانظر: "الخزانة" ١/ ٣٥٧.
(٤) لم أجده بنصه. وانظر: "الحجة" ٣/ ٣٥.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ)
وهذا معنى قول الفراء: جعل الفعل -يعني جعلناه- واقعًا على الهاء واللام التي في الناس، ثم استأنف وقال: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾.
قال: ومن شأنِ العرب أن يستأنفوا بسواء (٢) إذا جاءت بعد حرف قد تم به الكلام، فيقولون: مررت برجل سواءٌ عنده الخير والشر. والخفض جائز. وإنما اختاروا الرفع لأن سواء بمعنى واحد. ولو قلت: مررت على رجل واحد عنده الخير والشر لرفعت (٣).
قال أبو علي: قوله ﴿جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ﴾ أي مستقرًا ومنسكًا (٤) ومتعبدًا. والمعنى على أنه نصبه لهم منسكًا ومتعبدًا (٥) كما قال ﴿وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾، وقوله ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ﴾ رفع على أنه خبر ابتداء مقدم، المعنى: العاكف والبادي فيه سواء. ومن نصب فقال (سواء (٦)) أعمل المصدر عمل (٧) اسم الفاعل فرفع (العاكف) (٨) [به كما يرفع بمستواه لو قال: مستويًا فيه العاكف
(٢) في (أ): (السواء)، وهو خطأ.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٢. والعبارة الأخيرة فيه: لأن سواء في مذهب واحد، كأنك قلت: مررتُ على رجل واحدُ عند الخير والشر. وليس فيه لرفعت.
(٤) في (أ): (أو منسكا).
(٥) في (أ): (كررت جملة: ، (والمعنى أنه نصب لهم منسكًا ومتعبدًا).
(٦) قرأ حفص عن عاصم: (سواء) نصبًا، وقرأ الباقون (سواء) رفعا. "السبعة" ص ٤٣٥، "التبصرة" ص ٢٦٦، "التيسير" ص ١٥٧.
(٧) في (ظ)، (ع): (على)، وهو خطأ.
(٨) في "الحجة" ٥/ ٢٧١: فرفع (العاكف فيه) كما يرفع.
قال المفسرون في قوله: ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ﴾ خلقناه وبنيناه (٣) للناس كلهم لم يخص به منهم بعضا دون بعض (٤).
﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ قال ابن عباس: يريد الحاضر، والبادي: الذي يأتيه من البلاد، هم فيه سواء (٥).
وقال سفيان: العاكف فيه: المقيم، والبادي: الذي ينتابه (٦).
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٧٠ - ٢٧٢. مع اختلاف يسير وتقديم وتأخير وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٢٣، "إعراب القراءات وعللها" لابن خالويه ٢/ ٧٤.
وذكر مكي بن أبي طالب وأبو شامة وجهاً آخر في قراءة النصب، قال أبو شامة: ويجوز أن يكون حالاً من الهاء في (جعلناه)، و (للناس) هو المفعول الثاني، أي جعلناه لهم في حال استواء العاكف والبادي فيه.
"الكشف عن وجوه القراءات السبع" لمكي ٢/ ١١٨، "إبراز المعاني" لأبي شامة ص ٦٠٤.
(٣) هكذا في جميع النسخ. وفي "الكشف والبيان" للثعلبي (جـ ٣ ل ٥٠ أ) المنقول منه النص، و"البسيط" ٣/ ٢٦٥: بنيناه.
(٤) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٥٠ أ، وانظر الطبري١٧/ ١٣٧.
(٥) روى ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٦/ ٢٤ من ابن عباس (العاكف) أهل مكة (والباد) من كان من غير أهلها.
(٦) انظر: "المحرر" لابن عطية ١٠/ ٢٥٦ عن سفيان الثوري.
وقال السدي: العاكف المقيم فيه من أهل البلد، والبادي الذي ينتابه] (٢) من غير أهله.
وقال عطاء: العاكف أهل مكة، والبادي من أتاه من أرض غربة (٣)
وقال الفراء: العاكف من كان من أهل مكة، والبادي من نزع إليه بحج أو عمرة (٤).
وقال الزجاج: العاكف المقيم بها، والبادي النازع إليها من أي بلد كان (٥).
وقال ابن قتيبة: البادي الطارئ من البدو (٦).
ومعنى البادي: النازع إليه من غربة. من قولهم: قد بدا القوم إذا خرجوا من الحضر إلى الصحراء والمسافر باد وهو خلاف الحاضر (٧).
واختلفوا في أن العاكف والباد في إيش (٨) يستويان؟.
فذهب (٩) الأكثرون إلى أنهما يستويان في سكنى مكة والنزول بها، فليس أحدهما بأحق بالمنزل يكون فيه من الآخر.
(٢) ما بين المعقوفبن ساقط من (ظ).
(٣) رواه الطبري ١٧/ ١٣٨ بمعناه.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢١.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢١.
(٦) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩١.
(٧) انظر: "لسان العرب" ١٤/ ٦٧ (بدا).
(٨) غير منقوطة في (أ). ومعنى إيشٍ: أي شيء.
(٩) في (ظ): (فذكر).
وهذا قول ابن عباس، وقتادة، وسعيد بن جبير، وابن زيد، وأبي صالح (٢).
ومن مذهب هؤلاء: أن كراء دور مكة وبيعها حرام لقوله تعالى ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ فجعل الطارئ كالمقيم فيه فليس أحد أحق بمنزلة من أحد إلا أن يكون سبق إلى منزل.
قال أبو علي: واستواء العاكف والبادي فيه دلالة على أن (٣) أرض الحرم لا تملك، ولو ملكت لم يستويا فيه وصار العاكف فيها (٤) أولى بها من البادي لحق ملكه، ولكن سبيلها كسبيل المساجد الذي من سبق إليها كان أولى [بالمكان لسبقه، وسبيل المباح الذي من سبق إليه كان أولى] (٥) به (٦).
وهذا مذهب ابن عمر، قال: سواء أكلت مُحرّمًا أو كراء دار مكة (٧).
وعلى قول هؤلاء المسجد الحرام في هذه الآية معناه الحرم كله كقوله: ﴿الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الإسراء: ١] وقد مر.
وقال آخرون (٨): معنى ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ في تفضيله وتعظيم
(٢) روى الطبري ١٧/ ١٣٧ هذا القول عن هؤلاء جميعًا.
وذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٠ أعنهم سوى قتادة.
(٣) أن: ساقطة من (ظ)، (د).
(٤) في (ظ): (فيه).
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٦) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٧١.
(٧) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" (جـ٣ل ٥٠أ)
(٨) في (ظ): (وقال آخرون) مكررة مرتين.
وهو مذهب مجاهد (٢) والحسن (٣)، وقول من أجاز بيع (٤) دور مكة.
وعلى قول هؤلاء المراد بالمسجد الحرام عين المسجد الذي يصلي فيه اليوم.
قال إسماعيل بن إسحاق القاضي: فظاهر القرآن يدل على أن المسجد الذي يكون فيه قضاء النسك وقضاء الصلاة، وكان المشركون يمنعون المسلمين عن الصلاة في المسجد الحرام والطواف فيه، ويدعون أنهم أربابه وولاته (٥)، وفي هذا نزل قوله تعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ١٩] الآية. فأما المنازل فلم تزل (٦) لأهل مكة الدور والمساكن، غير أن المواساة تجب في أيام الموسم.
وجرت في هذه المسألة مناظرة بين الشافعي وإسحاق الحنظلي -رحمهما الله- بمكة (٧)، وكان إسحاق (٨) لا يرخص في كراء بيوت مكة، فاحتج الشافعي عليه بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ [الحج: ٤٠] فنسب الديار إلى مالكيها، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة: "من أغلق بابه فهو
(٢) رواه الطبري ١٠/ ١٣٧ - ١٣٨.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) بيع: ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٥) في (أ): (وولاه).
(٦) في (ط)، (د)، (ع): (يزل غير منقوط أوله.
(٧) انظر خبر هذه المناظرة مفصلًا في: "آداب الشافعي ومناقبه" لابن أبي حاتم ص ١٨٠ - ١٨١، "مناقب الشافعي" للبيهقي ١/ ٢١٣ - ٢١٥، "طبقات الشافعية" للسبكي ٢/ ٨٩ - ٩٠.
(٨) في (ظ)، (د): (أبو إسحاق)، وهو خطأ.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ جميع أهل المعاني قالوا في (بإلحاد) زيادة (٣)، معناه: ومن يُرِدْ فيه إلحادًا بظلم، وهو قول الفراء (٤)، والأخفش (٥)، والمبرد (٦)،
(٢) رواه البخاري كتاب: الحج، باب: توريث دور مكة وبيعها وشرائها ٣/ ٤٥٠، ومسلم كتاب: الحج، باب: النزول بمكة للحاج وتوريث دورها ٢/ ٩٨٤ من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
والربع: الدار. الصحاح للجوهري ٣/ ١٢١١ (ربع).
(٣) قال ابن العربي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٢٧٦: تكلم الناس في دخول الباء (هاهنا)، فمنهم من قال: إنها زائدة. وهذا مما لا يحتاج إليه في سبيل العربية؛ لأن حمل المعنى على الفعل أولى من حمله على الحرف، فيقال المعنى: ومن يهم فيه بميل يكون ذلك الميل ظلمًا؛ لأن الإلحاد هو الميل في اللغة، إلا أنه قد صار في عرف الشريعة ميلا مذمومًا، فرفع الله الإشكال، وبين أن الميل بالظلم هو المراد هنا.
وقال أبو حيان في "البحر المحيط" ٦/ ٣٦٣ - بعد ذكره لقول من قال إن الباء زائدة: والأولى أن تُضَمَّن (يرد) معنى (يتلبس) فيتعدى بالباء.
وقال ابن كثير ٣/ ٢١٤: والأجود أنه ضمن الفعل هاهنا معنى (يهم)، ولذا عداه بالباء فقال (ومن يرد فيه بإلحاد) أي يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار (بظلم) أي عامدًا قاصدًا أنه ظلم ليس بمتأول.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٣.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣٦.
(٦) في نسبة هذا القول للمبرد والزجاج لظر.
فإن أبا جعفر النحاس في كتابه "معاني القرآن" ٤/ ٣٩٥ بعد أن حكى عن الأخفش القول بأن الباء زائدة قال: وهذا عند أبي العباس خطأ؛ لأنه لا يزاد شيء لغير =
قال الفراء: سمعت أعرابيًّا من ربيعة (٢) -وسألته عن شيء- فقال: أرجو بذاك (٣). يريد أرجو ذاك (٤) قال: ودخلت الباء في ﴿بِإِلْحَادٍ﴾ لأن تأويله: ومن يرد بأن (٥) يلحد فيه. ودخول الباء في (أن) أسهل منه في الإلحاد؛ لأن (أن) تُضمر (٦) الخافض (٧) معها كثيرًا، فاجتمعت (٨) [دخول
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما | تَمثّلُ لي ليلى بكل سبيل |
ثم ذكر الزجاج بيتين من الشعر. ثم قال: والذي يذهب إليه أصحابنا أن الباء ليست بملغاة، المعنى عندهم: ومن إرادته فيه بأن يلحد بلظم، وهو مثل قوله: أريد لأنسى ذكرها. البيت.
(١) المرجع السابق.
(٢) ربيعة اسم لقبائل كثيرة. ولم يتميز لي المراد بهاهنا. انظر: "اللباب" لابن الأثير ٢/ ١٥ - ١٦، "معجم قبائل العرب" لكحالة ٢/ ٤٢٠ - ٤٢٦.
(٣) في جميع النسخ: بذلك. وأثبتنا ما في كتاب الفراء ٢/ ٢٢٣.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع): (بذلك)، وهو خطأ.
(٥) في (ظ): (أن).
(٦) في (د)، (ع): (يضم)، وهو خطأ.
(٧) عند الفراء في "المعاني" ٢/ ٢٢٣: "الخوافض" وكذا الطبري ١٧/ ١٣٩ حيث نقل نص الفراء من غير تصريح باسمه.
(٨) عند الفراء في "المعاني": فاحتملت، وكذا الطبري ١٧/ ١٣٩ حيث نقل نص الفراء من غير تصريح باسمه.
ألا هل أتاها والحوادث جَمَّة | بأنَّ أمرأ القيس بن تَمْلِك بيقرا (٤) |
وقال المبرد: قال آخرون: إنما يحمل هذا على مصدره. والمعنى: من كانت إرادته واقعة بالإلحاد (٦)، فدخلت الباء للمصدر.
(٢) عن الفراء في "المعاني": لتبين الخفض والرفع فيها.
(٣) في (أ) قلا دة: (الشاعر)، بعد قوله: وأنشد. والأولى حذفها.
(٤) البيت أنشده الفراء٢/ ٢٢٢ لامرئ القيس، وهو في "ديوانه" ٣٩٢ من رواية السكري وغيره، والطبري ١٧/ ١٣٩، و"الصحاح" للجوهري ٢/ ٥٩٥ (بقر)، "لسان العرب" ٤/ ٧٥ (بقر)، و"خزانة الأدب" ٩/ ٥٢٤ - ٥٢٧.
وهذا البيت من قصيدة طويلة قالها بعد أن ذهب إلى الروم مستنجدًا بقيصر للأخذ بثأر أبيه.
قال البغدادي في "الخزانة" ٩/ ٥٢٦. قوله: (ألا هل أتاها) الضمير لحبيبته، وقوله (والحوادث جمة) أي كثيرة، جملة اعتراضية بين الفعل وفاعله... ، وفائدة الاعتراض: الإخبار بأن هجرته عن بلاده حادئة من الحوادث، والعرب تتمدح بالإقامة في البدو.. و"تملك" -بفتح المثناة الفوقية: اسم امرأة. فمنهم يعني من الشراح- من قال: أمه تَمْلك، ومنهم من قال جدته، ويحتمل أن تكون جدته من قبل أمه أو أمهاتها. والله أعلم. أهـ
و (بيقرا): (قيل: بَيْقَرا لرجل بيقرة، إذا هاجر من أرض إلى أرض، وقيل: بَيْقر الرجل أقام بالحضر وترك قومه بالبادية. وقيل: بيقر الرجل إذا خرج من الشام إلى العراق. "الصحاح" للجوهري ٢/ ٥٩٥، "لسان العرب" ٤/ ٧٥.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٢ - ٢٢٣.
(٦) في (ظ)، (د)، (ع): (على الإلحاد).
أُريد لأنْسى ذكرها... البيت
قال: والمعنى: إرادتي لهذا، ومعنى الإلحاد في اللغة: العدول عن القصد (٢). وذكرنا ذلك في سورة النحل (٣).
واختلفوا في المراد بالإلحاد بالظلم المتوعد عليه بالعذاب الأليم:
فقال مجاهد وقتادة: هو الشرك وعبادة غير الله (٤).
وهو قول عطاء (٥)، وهو قول حبيب بن أبي ثابت، والكلبي.
وذكر هو سبب نزوله قال (٦): نزل في عبد الله بن خطل (٧) حين قتل
أريد لأنسى ذكرها فكأنَّما... تمثل لي ليلى بكل سبيل
وهو في "ديوان كثير" ص ١٠٨، "الكامل" للمبرد ٣/ ٩٧، و"أمالي القالي" ٢/ ٦٣، "لسان العرب" ٣/ ١٨٨ (رود)، و"المقاصد النحوية" للعيني ٢/ ٢٤٩، و"خزانة الأدب" ١٠/ ٣٢٩.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢١.
(٣) عند قوله تعالى: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ﴾ [النحل: ١٠٣].
(٤) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٠ ب عنهما. ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٤، والطبري ١٧/ ١٤٠ عن قتادة.
(٥) رواه سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٥ ب) من طريق حبيب بن أبي ثابت، عنه قال: القتل والشرك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٩ وعزاه لسعيد وعبد ابن حميد وابن المنذر.
وقال النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٣٩٤: وروى هشيم، عن الحجاج، عن عطاء (ومن يرد فيه بإلحاد) قال: من عبد غير الله عز وجل. وقد تقدم أن الرواية عن عطاء هي من طريقه. وجاء عنه تفسير آخر، فروى الطبري ١٧/ ١٤١ عنه قال: هم المحتكرون الطعام بمكة.
(٦) في (ظ): (وقال).
(٧) هو: عبد الله بن هلال بن خطل، وقيل: غالب بن هلال بن خطل، اسم خطل:=
وقال آخرون: هو كل شيء كان منهيا عنه، حتى قال ابن مسعود: لو أن رجلًا بـ (عدن أبين) (٣) همَّ أن (٤) يعمل بسيئة عند البيت أذاقه الله عذابًا أليما (٥). وقال الضحاك: إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة وهو بأرض أخرى،
"السيرة النبوية" لابن هشام ٤/ ٢٩، "الكامل في التاريخ" لابن الأثير ٢/ ١٦٩، "البداية والنهاية" ٤/ ٢٩٧، "فتح الباري" لابن حجر ٤/ ٦١.
(١) المصادر السابقة.
(٢) ذكره الرازي ٢٣/ ٢٥ عن مقاتل. وقد روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢١٥ من طريق ابن لهيعة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله (ومن يرد فيه بإلحاد): (نزلت في عبد الله بن أنيس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثه مع رجلين أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد الله بن أنيس، فقتل الأنصاري ثم ارتد عن الإسلام، ثم هرب إلى مكة، فنزلت فيه ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾. وسنده ضعيف، لضعف ابن لهيعة.
(٣) في (أ): (بعدان أيبن)، وهو خطأ. و (عدن أبين) مدينة مشهورة على ساحل بحر اليمن، ويقال لها (عدن أبين) للتمييز بينها وبين (عدن لاعة) في بلاد حجة باليمن. انظر: "معجم البلدان" لياقوت ٦/ ١٢٦ - ١٢٧، "مراصد الاطلاع" للبغدادي ٢/ ٩٢٣، "معجم المدن والقبائل اليمنية" للمقحفي ص ٢٧٩.
(٤) (أن): ساقطة من (ج)، (د)، (ع).
(٥) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٦/ ٦٥ - ٦٦ وإسحاق بن راهويه في "مسند =
وهذا قول السدي (٢)، وابن زيد (٣)، ومجاهد في رواية عثمان بن الأسود (٤).
وقال ابن عباس: هو استحلال ما حرم الله (٥). وهذا قول ابن جريج (٦).
قال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢١٥ - بعد أن ذكر سند ابن أبي حاتم ورواية الإمام أحمد: هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٧٠: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح.
وقال ابن حجر في "المطالب العالية" ٣/ ٣٥٢ والمسندة ص ٥١٥: (قوي الإسناد).
وقال البوصيري في "إتحاف المهرة" ٣/ ٩٠ ب بعد ذكره لرواية إسحاق: هذا إسناد موقوف صحيح.
(١) رواه الطبري ١٧/ ١٤١، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٩ وعزاه لابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر.
(٢) انظر الطبري ١٧/ ١٤٠ - ١٤١.
(٣) في الطبري ١٧/ ١٤١ عنه قال: الإلحاد: الظلم في الحرم.
(٤) روى عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٤ عن الثوري، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ٥٥ ب) عن ابن المبارك كلاهما يعني الثوري وابن المبارك عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: بيع الطعام بمكة إلحاد.
ورواه سعيد بن منصورل ٥٥ ب عن إسماعيل بن زكريا عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: احتكار الطعام بمكة إلحاد، وليس الجالب كالمقيم.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ١٤٠ عنه من رواية العوفي.
(٦) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٠
وعلى هذا القول هذا الإلحاد والظلم يختص باستحلال محظورات الإحرام وركوبها (٢).
وقوله ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ قال أبو إسحاق (٣): هو خبر (إن) للمذكور في أول الآية. قال: والمعنى أن الكافرين والملحدين (٤) في المسجد الحرام نذيقهم (٥) من عذاب أليم. قال: ويجوز أن يكون محذوفا فيكون المعنى: إن الذين هذه صفتهم هلكوا (٦).
والعرب ربما تحذف الخبر إيجازا واختصارا كما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم-
(٢) قال الطبري ١٧/ ١٤١: وأولى الأقوال: التي ذكرناها في تأويل ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود وابن عباس من أنه معني بالظلم في هذا الموضع: كل معصية لله، وذلك لأن الله عم بقوله (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) ولم يُخصص به ظلم دون ظلم في خبر ولا عقل، فهو على عمومه.
وقال النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٣٩٤: وأبين ما قيل فيه أن معنى (بإلحاد بظلم) لكل معصية؛ لأن الآية عامة. وقال أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٦٣ - بعد ذكره للأقوال: والأولى حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على الحصر، إذ الكلام يدل على العموم. وقال ابن كثير ٣/ ٢١٥: وهذا الآثار وإن دلت على أن هذه الأشياء من الإلحاد ولكن هو أعم من ذلك، بل فيها تنبيه على ما هو أغلظ منها.
(٣) (إسحاق): مكان بياض في (أ). ثم (أ) بعد ذلك (وعلى هذا القول) وقد ضرب عليه الناسخ، لأنه مكرر بسبب إنتقال نظره إلى السطر الذي قبله.
(٤) (والملحدين): ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٥) عند الزجاج: (نُذقُهم).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٠ مع تصرف يسير.
قال أبو إسحاق: والأول الوجه (٢) (٣).
٢٦ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ الكلام في (بوأنا) قد سبق في مواضع منها قوله: ﴿تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٢١] وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ﴾ [يونس: ٩٣].
وقوله ﴿لِإِبْرَاهِيمَ﴾ أدخل اللام ولم يدخلها في ﴿بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ (٤). وذكر الفراء فيه وجهين:
قال الهيثمي في "المجمع" ٩/ ٢٤٦: ورجاله رجال الصحيح إلا أن مجاهدًا أرسله. تنبيه: وقع في المطبوع من "مجمع الزوائد": (إن عبد الله رجل صالح) ولفظ (رجل صالح) زادها المعلق على المجمع كما نبه هو على ذلك في الحاشية حيث قال: (رجل صالح) مستدركة من "شذرات الذهب".
وهذا خطأ من المعلق، فإن حديث (إن عبد الله رجل صالح) بزيادة (رجل صالح) حديث آخر رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: التعبير، باب: الاستبرق ودخول الجنة في المنام ١٢/ ٤٠٣ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت في المنام كأن في يدي سرقة من حرير، لا أهوي بها إلى مكان في الجنة إلا طارت بي إليه، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إن أخاك رجل صالح)، أو قال: (إن عبد الله رجل صالح) أهـ.
(٢) في (أ): (أوجه)، وهو خطأ.
(٣) "معاني القرآن" للز جاج ٣/ ٤٢٠.
(٤) في (أ): (بوأنا بني إسرائيل).
قال أبو إسحاق: جعلنا] (٥) مكان البيت مُبوَأً لإبراهيم (٦).
وقال مقاتل بن حيان: هيأنا (٧). وعلى هذا اللام من صلة معنى (بوأنا) لا من صلة لفظه (٨).
الوجه الثاني (٩): أن اللام صلة للتأكيد كقوله: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ [النمل: ٧٢] (١٠).
وقال بعض أهل اللغة: تفسير ﴿بَوَّأْنَا﴾ هاهنا: بيّنا له مكان البيت، يدل على هذا ما ذكره السدي: أن الله لما أمره ببناء البيت لم يدر أين يبنى، فبعث الله ريحا خجوجا (١١)، فكنست له ما حول الكعبة عن الأساس الأول
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٣.
(٣) في (أ): (ولذلك)، وهو خطأ.
(٤) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥١ أ.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٢.
(٧) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥١ أ.
(٨) في (ظ)، (د)، (ع): (لفظ).
(٩) (الثاني): ساقط من (ظ)، (د)، (ع).
(١٠) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٣، وفيه: وإن شئت كان بمنزلة قوله: (قل عسى أن يكون ردف لكم) معناه: ردفكم.
(١١) عند الطبري: يقال لها ريح الخجوج. والخجوج: هي الريح الشديدة المرأ والملتوية في هبوبها. "القاموس المحيط" ١/ ١٨٤.
وقال الكلبي: بعث الله سحابة على قدر البيت في العرض والطول فيها رأسٌ يتكلم له لسان وعينان، فقامت بحيال (٣) البيت، وقالت: يا إبراهيم ابن علي قدري. فذلك قوله: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ (٤).
وقال بعض أهل المعاني: ﴿بَوَّأْنَا﴾ أصله من (باء) إذا رجع (٥)، وتفسير ﴿بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ جعلنا مكان البيت له مبوأ يرجع إليه بعلامة، [وتلك العلامة] (٦) ما ذكره السدي والكلبي.
قوله تعالى ﴿أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾ [قال الكلبي: لما فرغ إبراهيم من البيت، وطاف به أسبوعًا، أوحى الله إليه: أن يا إبراهيم لا تشرك بي شيئًا] (٧).
وعلى هذا في الكلام محذوف وهو: وأوحينا إليه، أو: وعهدنا إليه.
﴿أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾ أي لا تعبد معي غيري. قال ابن عباس:
(٢) رواه الطبري ١٧/ ١٤٣ عنه دون قوله: الذي مكان البيت.. الطوفان.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٣١ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل. والله أعلم بصحة ذلك فهو من الإسرائيليات.
(٣) بحيال: أي بإزاء. "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٦٧٩ (حيل).
(٤) انظر: "الدر المنثور" ٦/ ٣٠. والله أعلم بصحة ذلك.
(٥) ذكرهذا المعنى الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٧٤، والجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٧٣ من غير نسبة لأحد.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٧) ساقط من (ظ).
وقال المبرد: معنى لا تشرك باللهِ شيئًا: وحد الله كأنه قيل له (٣): وحدني في هذا البيت.
قوله ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ قال قتادة: من الشرك وعبادة الأوثان (٤).
وقال عبيد بين عمير: من الآفات والريب (٥). وهذا مما سبق تفسيره في سورة البقرة (٦).
قوله: ﴿وَالْقَائِمِين﴾ يعني: المصلين (٧) الذين هم قيام في صلاتهم.
٢٧ - قوله تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ معنى التأذين: النداء والتصويت للإعلام (٨) وذكرنا ذلك عند قوله: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٤] وقوله: ﴿ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ﴾ [يوسف: ٧٠] وقوله: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣].
(٢) في (ظ): (وأوحي).
(٣) (له): ساقطة من (أ).
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٤، والطبري ١٧/ ١٤٣.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ١٤٣.
(٦) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ [البقرة: ١٢٥].
(٧) في (ظ): (والمصلين).
(٨) انظر: (أذن) في: "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ١٧ - ١٨، "الصحاح" للجوهري ٥/ ٢٠٦٨، "لسان العرب" ١٣/ ٩، ١٢.
هذا الذي ذكرنا هو (٦) قول جماعة المفسرين إلا الحسن، فإنه قال: هذا الأمر بالتاذين للنبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع، ففعل ذلك حيث قال: يا أيها الناس كتب عليكم الحج (٧).
وإنما قال: ﴿يَأْتُوكَ﴾ (٨) وإن كانوا يأتون الكعبة، لأن المنادي كان
(٢) في (ظ): (يخرجكم)، وهو خطأ.
(٣) في (ظ): (فمن).
(٤) (فذلك): ساقطة من (أ).
(٥) ذكر نحو هذا ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢١٦ ثم قال: هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف والله أعلم. أهـ. وانظر الطبري ١٧/ ١٤٤ - ١٤٥، و"الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٥١ أ، و"الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ٣٢ - ٣٥.
(٦) (هو): ساقطة من (ط).
(٧) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥١ أوصدره بقوله: وزعم الحسن. أهـ. وهذا القول المروي عن الحسن خلاف الظاهر.
(٨) (رجالا): في (أ): (يأتوك رجالا).
ورجال: جمع راجل، مثل: صَاحِب وصِحَاب، وقَائِم (١) وقِيَام (٢). وبُدئ بذكرهم تشريفًا لهم لزيادة تعبهم.
وقوله: ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ أي: وركبانًا. والضمور: الهزال، ومثله الضُّمْرُ (٣)، ضَمُرَ يَضْمُرُ ضُمُورًا (٤).
قال ابن عباس: يريد الإبل وغيره (٥). قال الكلبي: لا يدخل بعير ولا غيره الحرم إلا وقد ضمر.
وقوله ﴿يَأْتِينَ﴾ جمع الفعل لمعنى (٦) كل، ولو قال يأتي على اللفظ صح (٧).
قوله ﴿مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ أي: طريق بعيد. قاله الجميع (٨).
وذكرنا الكلام في الفج عند قوله: ميه ﴿فِجَاجًا سُبُلًا﴾ [الأنبياء: ٣١]. والعميق: البعيد. قال الليث: الفج: المضرب البعيد (٩).
(٢) من قوله: (ورجال) إلى هنا منقول عن "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٢ بنصه.
(٣) الضُّمْر: بالضم وبضمتين. و (ضمر) كنصر وكرم. قال الفيروزآبادي في "القاموس المحيط" ٢/ ٧٦ (ضمر).
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٣٦ مادة (ضمر) نقلا عن الليث.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ١٤٦ دون قوله (وغيره).
(٦) في (ظ): (بمعنى).
(٧) صح: ساقطة من (أ).
(٨) انظر الطبري ١٧/ ١٤٦، وابن كثير ٣/ ٢١٦، و"الدر المنثور" ٦/ ٣٦.
(٩) "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٩٠ (عمق) نقلا عن الليث. وانظر: "العين" ١/ ١٨٦ - ١٨٧ (عمق)، (معق).
قال الفراء لغة أهل الحجاز عميق، وبنو تميم تقول (٣): معيق (٤).
وتقول العرب (٥):
بئر عميقة ومعيقة، [وقد] (٦) أعمقتها وأمعقتها، وقد عمُقَت ومَعُقَت مَعَاقَةَ، وإنها لبعيدة العَمْق والمَعْق (٧). والأمْعَاق والأعْمَاق: أطراف المفازة البعيدة (٨). قال رؤبة (٩):
(٢) يعني الليث كما في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٩٠ (عمق)، انظر: "العين" ١/ ١٨٦ - ١٨٧.
(٣) تقول: ساقطة من (ظ).
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٩٥ (عمق)، وليس هذا النص موجودًا في معاني الفراء انظر ٢/ ٢٢٤.
(٥) في (ظ)، (د)، (ع): (والعرب تقول).
(٦) زيادة من "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٢٩٠.
(٧) "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٩٠ (عمق) غير منسوب لأحد.
(٨) "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٩٠ (عمق) منسوبًا لليث. وهو في كتاب "العين" ١/ ١٨٧ (عمق) مع اختلاف يسير، ومعه بيت رؤية كاملا منسوبا إليه.
(٩) هذا شطر من أرجوزة لرؤبة في وصف مفازة، وهو في ديوانه ص ١٠٤، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١/ ٣٨٠، والطبري ١٥/ ٨٨، و"تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٩٠ (عمق)، و"اللسان" ١٠/ ٢٧١ (عمق)، "خزانة الأدب" ١٠/ ٢٥ - ٢٦.
قال البغدادي في "الخزانة" ١٠/ ٢٥، ١/ ٨١: (وقاتم) مجرور بـ (رب) المحذوفة بعد الواو. وهو صفة لموصوف محذوف، أي: رب بلد قاتم. قال الأصمعي: القُتْمةُ: الغبُرة. وأسود قاتم أي رب بلد مُغْبَرّ. والأعمال: جمع عمق بفتح العين وضمها، وهو ما بعد من أطراف المفاوز. والخاوي: الخالي. و"المخترق" بفتح الراء: مكان الاختراق، من الخرق وهو الشق، استعمل في قطع المفازة.
٢٨ - قوله: ﴿لِيَشْهَدُوا﴾ أي: ليحضروا مشاهد مكة ومشاعرها. يعني: الناس الذين ذكروا في قوله ﴿يَأْتُوكَ﴾.
قولى: ﴿مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ قال ابن عباس في رواية أبي رزين: هي الأسواق (١).
وهو قول سعيد بن جبير والسدي: يعني التجارة (٢). واختيار ابن قتيبة (٣).
وعلى هذا المنافع تختص بمنافع الدنيا.
وقال في رواية عطاء: منافع لهم في الدنيا والآخرة (٤).
وهو قول مجاهد: يعني التجارة، وما يرضي الله سبحانه من عمل الدنيا والآخرة (٥).
والمنافع على هذا القول شائعة في الأجر والتجارة (٦).
(٢) ذكره عن سعيد الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥١ ب، ورواه عنه الطبري ١٧/ ١٤٦.
وذكره عن السدي ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٤٢٤.
(٣) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٢.
(٤) رواه ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٦/ ٣٧ عنه، وذكره ابن كثير ٣/ ٢١٦ عنه رضي الله عنه ولم يبين من رواه عنه.
(٥) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٦، والطبري ١٧/ ١٤٧.
(٦) قال ابن الجوزي ٥/ ٤٢٥: وهو أصح.
وهذا القول اختيار أبي إسحاق، قال: ليشهدوا ما ندبهم الله إليه مما فيه النفع لهم في آخرتهم (٣).
قوله: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد أيام الحج، وهي يوم عرفة والنحر وأيام التشريق (٤).
(٢) ذكره عنهم جميعًا الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥١ ب. وعن الباقر رواه الطبري ١٧/ ١٤٧.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٣ قال الطبري -رحمه الله- في "تفسيره" ١٧/ ١٤٧: وأولى الأقوال بالصواب: قول من قال: عني بذلك ليشهدوا منافع لهم من العمل الذي يرضي الله والتجارة، وذلك أن الله عم لهم منافع جميع ما يشهد له الموسم ويأتي له مكة أيام الموسم من منافع الدنيا والآخرة ولم يخصص من ذلك شيئا من منافعهم بخبر ولا عقل، فذلك على العموم في المنافع التي وصفت.
(٤) ذكره عن ابن عباس من رواية عطاء البغوي في "تفسيره" ٥/ ٣٧٨. وذكره الرازي ٢٣/ ٢٩ عنه من رواية عطاء لكن ليس فيها ذكر يوم عرفة.
وهذه الرواية التي ذكرها الواحدي هنا عن ابن عباس ضعيفة.
وقد جاء عن ابن عباس روايات في المراد بالأيام المعلومات أصحها أن الأيام المعلومات هي أيام العشر. رواه البخاري عنه تعليقًا بصيغة الجزم كتاب: العيدين، باب: فضل العمل في أيام التشريق ٢/ ٤٥٧، ووصله ابن حجر في "الفتح" ٢/ ٤٥٨، و"تغليق التعليق" ٢/ ٣٧٧ من رواية عبد بن حميد في "تفسيره" من طريق عمرو بن دينار: سمعت ابن عباس -وفيه: والأيام المعلومات أيام العشر.
ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" ٥/ ٢٢٨ من طريق هُشيم، حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: المعلومات: العشر. وإسناده صحيح.
وذكره ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢١٦ من رواية شعبة وهشيم، عن أبي بشر، عن=
وإنما قيل لهذه معدودات لأنها قليلة، وقيل لتلك معلومات للحرص على علمها (٣) بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها (٤).
وقال مقاتل: المعلومات: أيام التشريق (٥). وهذا قول القرظي، لأنه
وذكر هذا القول عن ابن عباس السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٥٦٢ فقال: وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والمروزي في العيدين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في "الشعب والضياء" في "المختاره" من طرق، عن ابن عباس قال: الأيام المعلومات أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق.
(١) اختار أبو إسحاق الزجاج في كتابه "معاني القرآن" ٣/ ٤٢٣ أن الأيام المعلومات هي يوم النحر والأيام التي بعده ينحر فيها -قال: لأن الذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر لقوله: (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام).
فلم يذكر الزجاج يوم عرفة؛ لأن يوم عرفة ليس من أيام النحر، فقول الواحدي: وهذا القول -يعني قول ابن عباس في رواية عطاء- اختيار أبي إسحاق. خطأ.
(٢) رواه عن قتادة عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٧، والطبري ١٧/ ١٤٨. وذكره عن الحسن الزمخشري ٣/ ١١، وابن الجوزي ٥/ ٤٢٥، وابن كثير ٣/ ٢١٦. وهذا القول هو أصح الروايات عن ابن عباس كما قدمنا. وهو قول أكثر المفسرين كما قال الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥١ ب.
وقال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢١٦ - بعد ذكره هذا القول عن ابن عباس: وروى مثله عن أبي موسى الأشعري، ومجاهد، وقتادة، وعطاء، وسعيد بن حبير، والحسن والضحاك، وعطاء الخراساني، وإبراهيم النخعي، وهو مذهب الشافعي، والمشهور عن أحمد بن حنبل. أهـ.
(٣) في (أ): (عملها)، وهو خطأ.
(٤) هذا قول الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان" (جـ ٣ ل ٥١ ب).
(٥) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٥١ ب.
قال أبو إسحاق: لأن الذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر لقوله ﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ (٢).
[يعني أن هذه الأيام يجب أن تختص بأيام الذبح، لأن قوله ﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ (٣) المراد به التسمية عند الذبح.
قال قتادة: كان (٤) يقال: إذا ذبحت نسيكتك فقل: بسم الله والله أكبر، اللهم منك عن فلان (٥). ونحو هذا ذكر الكلبي.
وأول وقت الذبح يوم النحر إذا طلعت الشمس، ومضى من اليوم مقدار صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمن ذبح قبل هذا لم يحتسب من الضحايا، وآخر أيام الذبح إذا غربت الشمس يوم الثالث عشر، فهي أربعة أيام، والليالي في خلال هذه الأيام وقت (٦) ذبح (٧).
ومن فسر المعلومات بالعشر من ذي الحجة قال: لما كان يقع هذا النوع من الذكر في آخر يوم منها جاز أن يوصف الذكر بأنه فيها كلها، لأن هذا اليوم وهو اليوم العاشر من جملة العشر فالذكر واقع في العشر، والعشر
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٣.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٤) (كان): ساقطة من (أ).
(٥) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٣٧ وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٦) في (ظ): (للذبح).
(٧) انظر: "الأم" ٢/ ١٨٧، "الحاوي الكبير" للماوردي ٤/ ٣٧٨، "المغني" لابن قدامة ٥/ ٣٠٠ - ٣٠١، "روضة الطالبين" للنووي ٣/ ١٩٩ - ٢٠٠، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ٤٢ - ٤٤.
قوله: ﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ﴾ أي: على ذبح ما رزقهم من بهيمة الأنعام.
قال ابن عباس: يريد البدن من الإبل والبقر والضأن والمعز، كل ذلك يريدون بها الله سبحانه وتعالى.
و ﴿بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ هي الأنعام، وذكرنا الكلام في هذا مستقصى في أول سورة المائدة.
وفي هذا دليل على أن الضحايا والهدايا مختصة بالأنعام، وتفسيرها ما ذكره ابن عباس، وذكرناه في مواضع (١).
قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ قال ابن عباس: أجاز الله تعالى الأكل مما أهديت، وأما الكفارة فلا يأكل منها أصحابُها.
قال أبو إسحاق: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ ليس بأمر لازم، من شاء أكل من أضحيته ومن شاء لم يأكل، وإنما هو إباحة كما قال: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]، وإنما قال ﴿فَاصْطَادُوا﴾ لأنه قد كان حظر عليهم الصيد وهم محرمون، فأباح لهم الصيد، وكذلك هذا الأمر هاهنا بعد حظرهم كان (٢) على أنفسهم أكل الأضاحي، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا لم يستحلوا أن يأكلوا من نسائكهم شيئًا، فأعلم الله عز وجل أن ذلك جائز (٣).
هذا معنى قول ابن عباس: أجاز الله الأكل بما أهديت. وقوله (٤) (أما الكفارة فلا يأكل منها أصحابها): كل هدي كان صاحبه متطوعًا به جاز له
(٢) كان: ليست عند الزجاج، وهي في جميع النسخ.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٣.
(٤) يعني ابن عباس.
والذي ذكرنا في قوله ﴿فَكُلُوا﴾ أنه أمر إباحة هو قول جميع المفسرين (٦).
(٢) في (ظ): (دم).
(٣) انظر: "الأم" ٢/ ١٨٤، "أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٣٣٧، "الحاوي" ٤/ ١٨٧، "المغني" ٥/ ٤٤٤ - ٤٤٦، "روضة الطالبين" ٣/ ٢٢١ - ٢٢٢، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ٤٤.
(٤) روى مسلم في "صحيحه" كتاب: الحج، باب: حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- ٢/ ٨٩٢ من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
(٥) الصواب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قارنًا للأحاديث الصحيحة الصريحة، ومن ذلك ما رواه مسلم في "صحيحه" كتاب: الحج، باب: جواز التحلل بالإحصار وجواز القرآن ٢/ ٩٠٤ عن ابن عمر أنه أوجب حجا مع عمرته، وطاف لهما طوافًا واحدًا، ثم قال: هكذا فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وانظر بسط القول في هذا الأمر وتحقيقه في "زاد المعاد" لابن القيم ٢/ ١٠٧ - ١٢٢.
(٦) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٢٣٥.
قوله ﴿وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ قال ابن عباس: البائس: الذي ظهر بؤسه في ثيابه ووجهه، وبان البؤس عليه. والفقير الذي لم يظهر بؤسه، وثيابه نقيه، ووجهه وجه غني (٢).
وهذا الذي ذكره يوجب الفرق بينهما، وحينئذ فيجب أن يكون (والفقير) بواو العطف، وإذا ذكر معه (٣) بغير حرف العطف فهو من صفة البائس.
والبائس: الذي ناله (٤) بؤس، وهو شدة الفقر. يقال: قد بؤس وبئس، إذا صار ذا بؤس. ذكر ذلك الزجاج (٥).
وروي عن ابن عباس: أنه فسر البائس هاهنا بالزَّمِن (٦).
وذكره ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢١٧ عن إبراهيم بنحو ما ذكره الواحدي مع تقديم وتأخير.
وذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٣٧ بلفظ (كان المشركون لا يأكلون ذبائح نسائكهم) فأنزل الله (فكلوا..) فرخص للمسلمين فمن شاء..
وعزاه لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وعن مجاهد رواه الطبري ١٧/ ١٤٨ دون قوله: وكان المشركون.
(٢) ذكره عنه الرازي ٢٣/ ٢٩.
(٣) (معه): ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٤) في (أ): (يناله).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٣.
(٦) رواه الطبري ١٧/ ١٤٨ من رواية العوفي عنه.
قال أصحابنا: من أهدى أو ضحى فحسن أن يأكل النصف ويتصدق بالنصف لقوله: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا﴾ فتقسم الأضحية على هذين الأمرين (٣)، ومنهم من قال: يقسمها أثلاثًا لما روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحي لأجل الدافة التي دفت، ألا فكلوا (٤) وادخروا (٥) وائتجروا" (٦) أي: اطلبوا الأجر بالإطعام. فيقسمها أثلاثًا على الأوامر الثلاثة (٧).
الدافة: الجماعة التي (٨) يدفون أي: يسيرون سيرًا ليس بالشديد (٩).
(٢) رواه الطبري ١٧/ ١٤٩. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٣٨. وعزاه لعبد بن حميد.
(٣) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي ٤/ ٣٨٥، "روضة الطالبين" للنووي ٣/ ٢٢٣.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع): (كلوا).
(٥) في (أ): (فادخروا).
(٦) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٦/ ٥١، ومسلم في "صحيحه" كتاب: الأضاحي ٣/ ١٥٦١، وأبو داود في "سننه" كتاب: الأضاحي باب: حبس لحوم الأضاحي ٨/ ٧ - ٨، والنسائي في "سننه" كتاب: الضحايا، باب: الادخار من الضحايا ٧/ ٢٣٥ من حديث عائشة رضي الله عنها باللفظ المذكور هنا، لكن في روايتهم (وتصدقوا) بدل (وائتجروا).
وقد وردت هذه اللفظة في الحديث الذي رواه أبو داود في "سننه" كتاب: الأضاحي، باب: حبس لحوم الأضاحي ٨/ ٩ من حديث نبيشة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنا كنا نهيناكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم، فقد جاء الله بالسعة، فكلوا وادخروا وائتجروا".
(٧) انظر: "الحاوي الكبير" ٤/ ٣٨٠، "روضة الطالبين" ٣/ ٢٢٣.
(٨) (التي): ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٩) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ١٤/ ٧٢ (دف) من رواية أبي عبيد، عن أبي عمرو.
٢٩ - قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ قال أبو إسحاق: أهل اللغة لا يعرفون التفث إلا من التفسير (٢).
وقال النضر: التفث: النسك من مناسك الحج، رجل تَفِث: أي: مُغْبرٌّ (٣) شعث، لم يدَّهن ولم يستحد (٤).
قال الأزهري: لم يفسر أحد من اللغويين التفث كما فسره ابن شميل، جعل التفث الشعث، وجعل قضاءه إذهاب الشعث بالحلق وما أشبهه (٥).
وقال ابن الأعرابي في قوله ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ قال: قضاء حوائجهم من الحلق والتنظيف (٦).
وقال المبرد: التفث هاهنا فضول الشعر والأظفار من شعر الإبطين والعانة، وأصل التفث في كلام العرب: فعل قاذورة تلحق الإنسان فيجب عليه نقضها و ﴿لْيَقْضُوا﴾ أي: ليحكموا (٧) الأمر فيه (٨).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٢٣.
(٣) في (أ): (مغير).
(٤) قول النضر بن شميل في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ٢٦٦ (تفث).
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ٢٦٦ (تفث).
(٦) قول ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٢٦٧ (تفث).
(٧) في (أ): (فيحكموا).
(٨) ذكره الرازي ٢٣/ ٣٠ عن المبرد.
قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد الذبح، وحلق الرأس والشعر كله، وقص الأظفار (٤).
وقال في رواية الوالبي: هو وضع الإحرام بحلق الرأس، وقص الأظفار، ولبس الثياب، ونحوها (٥).
(٢) في (ظ): (ويدل).
(٣) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥١ ب. ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٨٤، والطبري ١٧/ ١٤٩.
(٤) روى سعيد بن منصور في "تفسيره" ١٥٦ أ، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٨٥، الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٤٩، والأزهري في "تهذيب اللغة" ١٤/ ٢٦٦ من طريق عبد الملك بن أبي سيمان، عن عطاء، عن ابن عباس قال في التفث: حلق الرأس، والأخذ من العارضين، ونتف الإبط، وحلق العانة، والموقف بعرفة، والسعي بين الصفا والمروة، ورومي الجمار، وقص الأظفار وقص الشارب والذبح. هذه رواية سعيد بن منصور وليس في رواية ابن أبي شيبة ذكر الموقف بعرفة أو السعي، ورواية الطبري نحو رواية سعيد، ورواية الأزهري نحو رواية ابن أبي شيبة.
(٥) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥١ ب من رواية الوالبي. ووراه الطبري ١٧/ ١٥٠ من رواية الوالبي، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٠ وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وهو قول ابن عمر (٢)، ومجاهد (٣)، والقرظي (٤) أنه: مناسك الحج: من الوقوف والطواف، والسعي، ورمي الجمار، وأخذ الشارب، ونتف الإبط وحلق العانة، وقص الأظفار.
قال أبو إسحاق: كأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال (٥).
قال أصحابنا: ذكر الله تعالى النحر في الآية الأولى في قوله: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ ثم عقب ذلك بقضاء التفث؛ فدل على أن ترتيب أفعال يوم النحر: أن يبدأ الحاج بنحو الهدي بعد رمي الجمار ثم بالحلق وهذا من طريق الندب بالسنة لا من طريق الوجوب (٦).
وأفعال يوم النحر أربعة: الرمي، والنحر، والحلق، والطواف، وهو طواف القرض. ويسعى بين الصفا والمروة إن لم يكن سعى على إثر طواف
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٨٥، والطبري ١٧/ ١٤٩. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٣٩ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٨٥، والطبري ١٧/ ١٤٩. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٠ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٨٥، والطبري ١٧/ ١٤٩. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٠ وعزاه لابن أبي شيبة.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٤.
(٦) انظر: "الحاوي" ٤/ ١٨٦، "المغني" ٥/ ٣٢٠، "روضة الطالبين" ٣/ ١٠٢.
والقراءة في تسكين لام ﴿لْيَقْضُوا﴾ وتحريكها ذكرنا وجهها عند قوله ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ (٨).
وقوله: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ قال ابن عباس: هو نحو ما نذروا من البدن (٩). وقال مجاهد: يعني نذر الحج والهدي، وما نذر الإنسان من
(٢) انظر: "الحاوي" ٤/ ١٥٧، "المغني" ٥/ ٢٤٠، "روضة الطالبين" ٣/ ٩٠.
(٣) وهذا قول جمهور العلماء. وقال أبو حنيفة: إن قدم الحلق على الرمي أو على النحر فعليه دم. والحديث الآتي ذكره دليل عليه.
انظر: "الأم" ٢/ ١٨٣، "الحاوي" ٤/ ١٨٦ - ١٨٧، "المغني" ٥/ ٣٢٠، "روضة الطالبين" ٣/ ١٠٢.
(٤) في (د)، (ع): (ومما)، وهو خطأ.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٦) في (ظ): (عن شيء يوم النحر)، تقديم وتأخير.
(٧) رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: الحج، باب: الفتيا على الدابة عند الجمرة ٣/ ٥٦٩، ومسلم في "صحيحه" كتاب: الحج، باب: من حلق قبل النحر أو نحو قبل الرمي ٢/ ٩٤٨ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(٨) في (أ): (ثم ليقضوا)، وهو خطأ.
(٩) رواه الطبري ١٧/ ١٥٠ من رواية علي بن أبي طلحة، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٠ وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وقال بعضهم: يعني الذين نذروا أعمال البر في أيام حجهم أمرهم الله بالوفاء بها (٣). وربما ينذر الرجل أن يتصدق إن رزقه الله لقاء الكعبة (٤). وإن كان على الرجل نذور مطلقة لا يتقيد بأهل بلدة (٥) مخصوصة فالأفضل (٦) أن يتصدق ويهدي إلى الكعبة وأهلها فذلك قوله ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ أي: وليتموها بقضائها، ولذلك لم يقل بنذورهم كما قال ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١١١] وقال ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ﴾ [الفتح: ١٠]؛ لأن المراد به الإتمام. والإتمام لا يقتضي الجارة.
قوله: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ يعني الطواف الواجب ويسمى (٧) طواف الإفاضة، لأنه يكون بعد الإفاضة من عرفات، ويُسمى طواف الزيارة لأنه يزور البيت (٨) بعد الوقوف (٩). ويكون هذا الطواف في يوم النحر أو بعده.
(٢) في (أ): (مما).
(٣) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٢٧ من غير نسبة لأحد.
(٤) يعني رؤية الكعبة.
(٥) في (ظ)، (د)، (ع): (بلد).
(٦) في (أ): (والأفضل).
(٧) في (أ): (وسمي).
(٨) في (أ): (إليها)، وهو خطأ.
(٩) في (أ): (الطواف)، وهو خطأ.
قال أصحابنا: الآية تدل على وجوب الطواف بالبيت. فلو طاف فدخل (٤) الحجر أو مشى على جدار الحجر لم يحسب طوافه؛ لأنه طاف في البيت (٥)، وذلك أن الحجر من البيت (٦).
وقوله ﴿الْعَتِيقِ﴾ روى (٧) ابن الزبير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما سَمَّى الله (٨) البيت العتيق؛ لأن الله أعتقه من الجبابرة، فلم يظهر عليه جبار قط" (٩).
(٢) (لم): ساقطة من (ظ).
(٣) في (د)، (ع): (ولا).
(٤) في (ظ): (ودخل)، وفي (د)، (ع): (أو دخل).
(٥) في (ظ): (بالبيت).
(٦) انظر: "الأم" ٢/ ١٥٠ - ١٥١، "الحاوي الكبير" للماوردي ٤/ ١٤٩، "روضة الطالبين" للنووي ٣/ ٨٠ - ٨١.
(٧) في (أ): (وروى).
(٨) في (د)، (ع): (إنما سمي البيت العتيق).
(٩) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" ١/ ٢٠١، والترمذي في "سننه" كتاب: التفسير، سورة الحج ٩/ ١٤، والبزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار" ٢/ ٤٥، والطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٥١ - ١٥٢، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٨٩، والواحدي في "الوسيط" ٣/ ٢٦٨ - ٢٦٩ كلهم من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث، عن ابن خالد بن مسافر، عن الزهري، عن ابن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير، به.
وضعفه الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٣/ ٢٩٦، بعبد الله بن صالح كاتب الليث. وضعف هذا الحديث الألباني كما في "ضعيف الجامع" ٢/ ٢١٠.
وهذا القول أكثر ما جاء في التفسير (٢). وقال سفيان بن عيينة: سمي بذلك لأنه لم يملك قط (٣).-هو قول مجاهد- في رواية عبيد المكتب (٤) - قال: ليس لأحد فيه شيء (٥).
فعلى هذا يُسمي العتيق؛ لأنه لم يدعه أحد من الناس.
قال الزجاج: وقيل ﴿بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ الذي أعتق من الغرق أيام الطوفان (٦)، ودليل هذا القول ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾
(٢) انظر: الطبري ١٧/ ١٥١، و"الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٥١ ب.
(٣) ذكره عن ابن عيينة الثعلبي في "الكشف والبيان" (جـ ٣ ل ٥٢ أ). والبغوي ٥/ ٣٨٢، وابن الجوزي ٥/ ٤٢٨.
(٤) هو عبيد بن مهران المكتب، الكوفي، مولى لبني ضَبَّة. روى عن مجاهد والشعبي وغيرهما. وهو ثقة قليل الحديث.
"طبقات ابن سعد" ٦/ ٣٤٠، "الكشاف" للذهبي ٢/ ٢٣٩، "تهذيب التهذيب" ٧/ ٧٤، "تقريب التهذيب" ١/ ٥٤٥.
(٥) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٢ أ.
ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٧ - وقد تصحف فيه المكتب إلى المكتري- والطبري ١٧/ ١٥١ عن مجاهد من رواية عبيد المكتب.
(٦) وهو قول سعيد بن جبير وعكرمة. انظر ابن كثير ٣/ ٢١٨، و"الدر المنثور" ٦/ ٤١.
وعلى هذه الأقوال العتيق بمعنى: المعتق.
يقال: أعتقت المملوك فهو معتق وعَتِيقٌ (٢). فالبيت (٣) مُعتقٌ من الجبابرة ومن ملك الناس ومن الغرق.
وقال الحسن: ﴿بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾: البيت القديم (٤).
وهو قول ابن زيد (٥) ودليل هذا التأويل قوله ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ٩٦] الآية. وعلى هذا القول ﴿الْعَتِيقِ﴾: فعيل من عتق يعتق إذا صار عتيقًا قديمًا (٦). وقول من قال إن العتيق: بمعنى الكريم من قولهم: فرس عتيق ليس بشيء؛ لأن معنى العتيق في الخيل: السابق، يقال عتقت الفرس إذا سبقت الخيل فنجت (٧) (٨).
وليس يحسن هذا المعنى في البيت.
٣٠ - قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ﴾ قال أبو إسحاق: موضع (ذلك) رفع. المعنى: الأمر ذلك (٩).
(٢) هذا قول الزجاج بنصه ٣/ ٤٢٤.
(٣) في (أ): (قال فالبيت).
(٤) ذكره عنه الزجاج ٣/ ٤٢٤. وذكره السيوطي بمعناه في "الدر المنثور" ٦/ ٤١ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ١٥١.
(٦) انظر (عتق) في: "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢١٠، "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٢٥٠.
(٧) (فنجت): ساقطة من (أ).
(٨) "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢١٠ من رواية أبي عبيد عن الأصمعي.
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٤.
وقوله: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ قال الليث: الحرمة ما لا يحل انتهاكه، وتقول: فلان له حُرمة، أي تحرم منا لصحبة (١) أو حق (٢).
وقال الزجاج: الحرمة: ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه (٣).
وأما معنى الحرمات -هاهنا- فقال عطاء: هي معاصي الله (٤).
وعلى هذا الحرمات: هي ما نهي عنها، ومنع من الوقوع فيها وانتهاكها، وتعظيم حرمات الله ترك ما حرمه الله.
وقال مجاهد: الحرمة مكة والحج والعمرة، وما نهى الله عنه من معاصيه (٥).
فزاد مجاهد المناسك والمأمور بقيامها، وقد جمع في هذا القول المأمور به والمنهي عنه [فالمأمور به من مناسك الحج حرم التفريط فيه] (٦) والمنهي عنه من المعاصي حرم ملابستها فهي كلها حرمات.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد فرائض الله عز وجل وسننه (٧).
وهذا القول هو أجمع الأقوال لأنه يجمع المأمور به والمنهي عنه.
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ٥/ ٤٤ (حرم) نقلا عن الليث، وهو في "العين" ٣/ ٢٢٣ وفيه: بصحبة وبحق.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٤.
(٤) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٤ عنه، وعزاه لعبد بن حميد.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ١٥٣، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٤ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٧) ذكره القرطبي ١٢/ ٥٤ من غير نسبة.
يعني أن تفسير الحرمات في هذه الآية ما ذكر، ويجوز أن يسمى الفرائض كلها حرمات الله؛ لأنها مما يحرم التفريط فيها.
وقال ابن قتيبة: يعني رمي (٢) الجمار، والوقوف بجمع، وأشباه ذلك، وهي شعائر الله (٣).
وهذه كلها (٤) من المناسك. وعلى هذا تعظيم المناسك: القيام بها.
وخص ابن زيد الحرمات بما يقع عليه اسم الحرام، فقال: الحرمات: هي خمس: البيت الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام، والإحرام (٥) (٦).
ويدل على هذا التأويل قوله تعالى: ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤] وقد مر.
(٢) (رمي): ساقطة من (ظ).
(٣) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٢.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع): (وهذا كله).
(٥) (والإحرام): ساقطة من (أ).
(٦) رواه الطبري ١٧/ ١٥٣ وليس في روايته هي خمس، والإحرام وكذا ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٢ أبمثل رواية الطبري.
وذكره البغوي ٥/ ٣٨٣ بمثل رواية الواحدي دون قوله: هي خمس. وذكره أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٦٦ بمثل رواية الواحدي لكن بدل الإحرام: المحرم حتى يحل.
وقال ابن عباس: فإن ذلك زيادة له في طاعة الله والمخافة منه.
وقوله: ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ﴾ يعني: الإبل والبقر والغنم ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ أي: تحريمه يعني في سورة المائدة من الميتة والمنخنقة. الآية (٢).
قوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ الرجس: الشيء القذر. وكل قذر رجس (٣). وذكرنا الكلام فيه عند قوله: ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ [المائدة: ٩٠] وقوله: ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ﴾ [الأنعام: ١٢٥].
والأوثان: جمع وثن. قال شمر: الأوثان عند العرب: كل تمثال من خشب أو حجارة أو ذهب أو فضة أو نحاس ونحوها، وكانت العرب تنصبها وتعبدها، وكانت النصارى تنصب الصليب وتعظمه، وهو كالتمثال، ولذلك سماه الأعشى وثنًا، فقال:
تطوف (٤) العُفاة بأبوابه | كطوف النصارى ببيت الوثن (٥) |
(٢) وهي الآية الثالثة من سورة المائدة.
(٣) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٥٨١ (رجس).
(٤) في (ظ)، (ع): (تطوف): وفي (د): (يطوف) وفي (أ): (بطوف)، وفي "تهذيب اللغة" (تطوف).
(٥) البيت في "ديوانه" ص ٢١ ص قصيدة يمدح بها قيس بن معد يكرب، و"الأضداد" لابن الأنباري ص ٨٨، و "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ٢٢٤ (عفا)، ١٥/ ١٤٤ (وثن)، و"اللسان" ١٣/ ٤٤٣ (وثن).
واشتقاق هذا اللفظ من قولهم: وَثَن الشيء، إذا قام في مكانه وثبت. والواثن: الشيء المقيم الراكد في مكانه. قال رؤبة:
على أخلاء الصَّفاء الوُثَّن (٤)
(١) قوله: وسمى.. الأعشى. هذا من كلام الواحدي. أما شِمْر فإنه بعد أن فسَّر الوثن في البيت بالصليب قال: وقال عدي بن حاتم: قدمت.
(٢) أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" ٧/ ١٠٦، والترمذي في "جامعه" كتاب: التفسير، سورة براءة ٨/ ٤٩٢، والطبري في "تفسيره" ١٤/ ٢١٠ (شاكر)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ٤٢ ب، والطبراني في "الكبير" ١٧/ ٩٢، والبيهقي في "سننه" ١٠/ ١١٦.
وقد حسن هذا الحديث أبو العباس بن تيمية في كتابه "الإيمان" ص ٦٤، وحسنه الألباني في كتاب "غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام" ص ١٩، ٢٠.
(٣) قول شمر في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ١٤٤ (وثن).
(٤) هذا الشطر من الرجز لرؤبة أنشده الأزهري في "تهذيب اللغة" ١٠/ ١٤٥ في سياق كلام نقله عن الليث، ثم قال الأزهري: قال الليث: يروى بالثاء والتاء.
قال الأزهري: المعروف: وتَنَ يَتِنُ وتونا، بالتاء.. ولم أسمع (وثن) بهذا المعنى لغير الليث، ولا أدري أحفظه عن العرب أم لا؟ أهـ.
وهذا الشطر في "لسان العرب" ١٣/ ٤٤٢ (وتن، وثن). وهو في "ديوان رؤبة" ص ١٦٣ ضمن أرجوزة يمدح بها بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وروايته في الديوان (الوُتَّنِ).
فسمى الصنم وثنًا، لأنَّه ينصب ويركز في مكان فلا يبرح عنه. والمعنى: كونوا على جانب من الأوثان فإنها رجس.
قال ابن عباس: يريد عبادة الأوثان (٤). وعلى هذا فالرجس عبادة الأوثان، لأنها سبب الرجس، وهو المأثم في قول الكلبي (٥).
وقال عطاء عن ابن عباس: الرجس: العذاب (٦). وهو قول ابن زيد (٧).
وقال الزجاج: الرجس: اللعنة في الدنيا، والعذاب في الآخرة (٨).
وهذا الأقوال ذكروها في قوله: ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ﴾ [الأنعام: ١٢٥].
قال الأخفش في هذه الآية: المعنى: فاجتنبوا الرجس الذي يكون منها. أي: عبادتها (٩).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٣) من قوله: الواثن: الشيء.. إلى هنا. نقلا عن "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ١٤٥ (وثن) وهو منسوب فيه إلى الليث.
(٤) روى الطبراني ١٧/ ١٥٤ من طريق العوفي، عن ابن عباس قال: فاجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان.
(٥) ذكره عنه البغوي في "تفسيره" ٣/ ١٨٧.
(٦) ذكره البغوي٣/ ١٨٧، وابن الجوزي ٣/ ١٢١ عن عطاء.
(٧) رواه عنه الطبري ١٢/ ١١١ (شاكر).
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٢٩٠.
(٩) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣٨.
وقال أبو إسحاق: (من) هاهنا تخليص (٢) جنس من أجناس (٣)، المعنى: فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن (٤).
وهذا قول أكثر أهل التأويل جعلوا (من) هاهنا تبيينًا للجنس. وعلى هذا الرجس: الوثن، سمي رجسًا كما سمي عبادتها (٥) رجسًا في القول الأول. وليس الرجس في هذه الآية من القذارة والاستقذار في شيء.
وقال المبرد: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ والأوثان كلها رجس، وتأويله -والله أعلم: فاجتنبوا الرجس (٦) المضاف إلى هذا الاسم، كما قال -عز وجل- في وصف أصحاب نبيه - ﷺ - ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ٢٩] وكلهم مؤمن، ولكن تأويله -والله أعلم-: المضافين إلى هذا الوصف. قال: ومن ذلك قول سيبويه في أول كتابه: هذا باب علم ما الكلم من العربية (٧)، أي: ما الكلم المضاف
(٢) عند الزجاج في "معانيه": لتخليص.
(٣) هو أن تذكر شيئًا تحته أجناس، والمراد أحدها، فإذا أردت واحدًا منها بينته، كهذه الآية. فلو اقتصر على الرجس لم يعلم المراد، فلما صرح بذكر الأوثان علم أنها المراد من حسن الرجس. وقرنت بـ (من) للبيان.
انظر: "شرح المفصل" لابن يعيش ٨/ ١٢، "مغني اللبيب" لابن هشام ١/ ٣٤٩ - ٣٥٠، "البرهان" للزركشي ٤/ ٤١٧.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٥.
(٥) في (أ): (عادتها).
(٦) (الرجس): ساقط من (أ).
(٧) "الكتاب" لسيبويه ١/ ١٢.
وهذا هو معنى ما ذكره الزجاج.
قوله تعالى: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ الزور (٢): الباطل والكذب (٣).
واختلفوا في معنى قول الزور -هاهنا- فذهب قوم إلى أنه الشرك بالله. وهو أن أهل الجاهلية كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك (٤) هو لك (٥) يريدون الصنم.
وقال عطاء عن ابن عباس: يريد قولهم: الملائكة بنات الله. وروى خريم بن فاتك (٦): أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام خطيبًا، فقال: "عدلت شهادة الزور بالشرك بالله". مرتين، ثم قرأ هذه الآية (٧). يريد أنه قد جمع في النهي بين
(٢) (الزور): ساقطة من (أ). ومكانها: (حنفاء لله).
(٣) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٣/ ٢٣٨ نقلاً عن ابن السكيت.
(٤) هكذا في جميع النسخ. وفي "البسيط"، وعند الثعلبي: إلا شريكًا.
(٥) هذا قول مقاتل بن حيان رواه عنه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ٤٥.
(٦) هو: خُريم بن فَاتِك بن الأخْرم -ويقال: خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن فاتك- الأسدي أسد خزمة، أبو أيمن، ويقال: أبو يحيى. له صحبة. قيل إنه شهد بدرًا، وقيل لم يشهدها وإنما شهد الحديبية، وقيل إنما أسلم يوم الفتح، توفي في عهد معاوية.
"طبقات ابن سعد" ٦/ ٣٨، "الاستيعاب" ٢/ ٤٦، "أسد الغابة" ٢/ ١١٢، "الإصابة" ١/ ٤٢٣.
(٧) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٤/ ٣٢١، وأبو داود في "سننه" كتاب: القضاء، باب: في شهادة الزور ١٠/ ٧، وابن ماجه في "سننه" كتاب: الأحكام، شهادة =
وهذا قول عبد الله بن مسعود (٢)، ووائل بن ربيعة (٣).
ورواه الطبري ١٧/ ١٥٤ مختصرًا. ورواه الطبراني في "الكبير" ٤/ ٢٠٩ بمثل رواية أبي داود وابن ماجة.
قال الزيلعي في كتابه "تخريج أحاديث الكشاف" ٢/ ٣٨٣ - ٣٨٤: قال ابن القطان في كتابه "الوهم والإيهام": حديث خريم -وتصحف في المطبوع- إلى خزيم -بن فاتك لا يصح؛ لأنه من رواية زياد العُصفري وهو مجهول، عن حبي بن النعمان الأسدي ولا يعرف بغير هذا ولا يعرف حاله. أهـ.
وضعفه أيضًا الألباني في تعليقه على كتاب الإيمان لأبي عبيد ص ١٠٠، وأعله بالجهالة والاضطراب.
(١) قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه "الإيمان" ص ١٠٠ معلقًا على الحديث والآية: نهى الله عنهما معًا في مكان واحد، فهما في النهي متساويان، وفي الأوزار والمأثم متفاوتان.
(٢) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٩٣٢٧، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٧/ ٢٥٧، والطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٥٤، والطبراني في "الكبير" ٩/ ١١٤.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٤/ ٢٠١. وإسناده حسن.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٥ وعزاه لعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والخرائطي في "مكارم الأخلاق"، والبيهقي.
(٣) وائل بن ربيعة، روى عن ابن مسعود، يُعَدّ في الكوفيين، روى عنه المسيب بن رافع وشمر بن عطية. هذا مجموع ما قاله عنه ابن سعد في "طبقاته" ٦/ ٢٠٤، والبخاريَ في "التاريخ الكبير" ٨/ ١٧٦٠، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" ٩/ ٤٣، وابن حبان في "الثقات" ٥/ ٤٩٥. =
٣١ - وقوله: ﴿حُنَفَاءَ﴾ قال ابن عباس: يريد موحدين. وهذا كقول من قال: مسلمين مستقيمين على الدين (٥). والحنيف: المائل عن الأديان كلهاه
(١) تصحفت في المطبوع من "معاني الزجاج" إلى: نحرهم.
(٢) البحيرة: هي الناقة التي كان أهل الجاهلية يشقون في أذنها شقًا، والبحر في كلام العرب: الشق.
والسائبة: هي المسيبة المُخَلاة. وكان أهل الجاهلية يفعل ذلك أحدهم ببعض مواشيه، فيحرم الانفاع به على نفسه، أو يجعله لبعض آلهته.
وبين أهل التفسير خلاف في صفة البحيرة والسائبة وكيفية عمل أهل الجاهلية فيها والسبب الذي من أجله كانوا يفعلون ذلك.
انظر: "تفسير الطبري" ١١/ ١١٦ - ١٣٤، "تهذيب اللغة" للأزهري ٥/ ٣٧ - ٣٨ (بحر)، ١٣/ ٩٩ (سيب)، تفسير ابن كثير ٢/ ١٠٧ - ١٠٨.
(٣) في (أ): (الكذب)، والمثبت من باقي النسخ هو الموافق لما في معاني الزجاج.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٥. قال النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤٦ - بعد ذكره للأقوال في معنى الزور: والمعاني متقاربة، وكل كذب وزور، وأعظم ذلك الشرك.
ثم قال: والذي يوجب حقيقة المعنى. فذكر قول أبي إسحاق من غير نسبة.
(٥) ذكر الماوردي في "النكت" ٤/ ٢٣ عن الضحاك قال: مسلمين لله.
وهذا القول اختيار الزجاج؛ لأنه قال: تأويله: مسلمين لا يميلون إلى دين غير (٢) الإسلام (٣).
وقال مجاهد: ﴿حُنَفَاءَ﴾ (٤) متبعين (٥). والحنيفية عند مجاهد إتباع الحق. وقال السدي والحسن: حَجَّاجًا (٦).
والحنيفية عند العرب: حج البيت (٧). وذكرنا الكلام في هذا عند قوله ﴿بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [البقرة: ١٣٥].
قوله: ﴿غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ قال الكلبي: غير مشركين بالله في التلبية،
(٢) دين: زيادة من (أ).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٥.
(٤) في (أ): (حنيفًا)، وهو خطأ.
(٥) رواه الطبري ٣/ ١٠٧ (شاكر)، عند قوله: ﴿بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [البقرة: ١٣٥].
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٦ وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٦) روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٩٦ - ٣٩٧ عن ابن عباس في قوله (حنيفا) يقول: حاجا. ثم قال ابن أبي حاتم: وروى الحسن، والضحاك، وعطية، والسدي، نحو ذلك.
وروى الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠٤، ١٠٦ عن كثير بن زياد قال: سألت الحسن عن الحنيفية قال: هو حج هذا البيت.
وروى الأزهري في "تهذيب اللغة" ٥/ ١١٠ بإسناده عن مرزوق قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (حنفاء لله غير مشركين به) قال: حجاجًا. وكذلك قال السدي قال. حنفاء: حجاحًا.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ٥/ ١١٠ (حنف)، "لسان العرب" ٩/ ٥٧ (حنف).
وقال عبد الله بن القاسم (٢) مولى أبي بكر -رضي الله عنه-: كان الناس يحجون وهم مشركون، وكانوا يُسمون الحنفاء، لأن العرب تسمى الحاج: الحنيف، فلما أسلموا نزلت ﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ (٣).
أي: كما أنهم كانوا حنفاء مشركين فأنتم حنفاء غير مشركين بالله.
ثم ضرب لمن أشرك مثلا، فقال: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ﴾ [أي سقط] (٤) ﴿مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ﴾ يقال: خَطِفَ يَخْطَفُ، إذا أخذ بسرعة (٥). وخَطَفَ يَخْطِفُ أيضًا (٦). وذكرنا الكلام فيه عند قوله ﴿يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٠].
وقرأ نافع (فتخطِّفه الطير) بالتشديد (٧). وإنما هو فتتخطِفه فحذف تاء
(٢) هو: عبد الله بن القاسم، التيمي، البَصري، مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه. رأى عمر، وروى عن جابر وابن عباس وغيرهما. وثقه ابن حبان، وقال ابن القطان: مجهول. وقال ابن حجر: مقبول.
"التاريخ الكبير" للبخاري ٥/ ١٧٣، "الثقات" لابن حبان ٥/ ٤٦، "الكاشف" للذهبي ٢/ ١١٨، "تهذيب التهذيب" ٥/ ٣٥٩، "تقريب التهذيب" ١/ ٤٤١.
(٣) رواه الطبري ٣/ ١٠٦ (شاكر) بنحوه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٥ بنحوه وعزاه لابن أبي حاتم.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٥.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" الأزهري ٧/ ٢٤١ - ٢٤٣ (خطف).
(٧) "السبعة" ص ٤٣٦، "التبصرة" ص ٢٦٦، "التيسير" ص ١٥٧. وقرأ الباقون بإسكان الخاء وتخفيف الطاء.
وقوله: ﴿أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ﴾ أي: تسقطه. يقال: هوى إذا سقط من أعلى إلى أسفل (٣). وقد مر (٤).
قوله ﴿فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ قال ابن عباس وغيره: بعيد (٥).
والسحق: البُعد. يقال: سحقًا له وبعدًا، وأسحقه الله سحقًا، وإنه لسحيق: بعيد (٦). والفعل منه (٧) سَحُقَ يَسْحَقَ (٨).
قال قتادة: هذا مثل ضربه الله لمن أشرك به (٩) في بعده من الهدى
(٢) هذا كلام أبي علي الفارسي في "الحجة" ٥/ ٢٧٦.
وقال أبو منصور الأزهري في "علل القراءات" ٢/ ٤٢٤: من قرأ (فتخطفه) والأصل (فتختطفه) فأدغم التاء في الطاء، وألقيت حركة التاء على الخاء ففتحت. وبنحوه قال ابن خالويه في "إعراب القراءات السبع وعللها" ٢/ ٧٧.
وانظر أيضًا: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٧٦، "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١١٩.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٤٨٨ (هو ى).
(٤) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾ [طه: ٨١].
(٥) انظر الطبري ١٧/ ١٥٥، و"الدر المنثور" ٦/ ٤٦.
(٦) "تهذيب اللغة" للأزهري ٤/ ٢٤ (سحق) عن الليث مع اختلاف يسير. وانظر:
"العين" ٣/ ٣٧ (سحق).
(٧) في (أ): (به).
(٨) قال الفيروزآبادي في "القاموس المحيط" ٣/ ٢٤٤: والسحق -بالضم وبضمتين-: البعد، وقد سَحُق -ككرم وعلم- سُحقا بالضم.
(٩) (به): ساقطة من (ظ).
وذكر أهل المعاني قول قتادة، فقال الزجاج: هذا مثل ضربه الله للكافر في بُعده من الحق، فأعلم أن بُعد من أشرك به من الحق كبعد من خر من السماء، فذهبت به الطير أو هوت به الريح في مكان بعيد (٢). ونحو هذا قال ابن قتيبة (٣).
وقال غيره: شبه حال المشرك (٤) بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع حيث تسقطه الريح، فهو هالك لا محالة إما باستلاب الطير لحمه وإما بسقوطه في المكان السحيق، كذلك الكافر لا يملك لنفسه شيئًا ولا دفع ضر يوم القيامة حتى يقع في النار، فهو هالك لا محالة (٥).
وقال أبو علي الفارسي: المعنى في هذا (٦) أنه قوبل به قوله ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ﴾ [البقرة: ٢٥٦] فكما كان المؤمن في إيمانه متمسكًا بالعروة الوثقى] (٧)،
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٥.
(٣) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٣.
(٤) في (أ)، (د)، (ع): (الشرك).
(٥) ذكر الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٢ أنحو هذا المعنى باختصار، ونسبه إلى أهل المعاني. وذكره البغوي ٥/ ٣٨٤ إلى قوله: المكان السحيق. ولم ينسبه لأحد.
(٦) في (ظ): (هذه). وفي (ع): (ذلك).
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ)، (د)، (ع).
٣٢ - قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ﴾ أي: الأمر ذلك، كما قلنا في قوله ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ ذكره المبرد عن سيبويه في هذه الآية (٣).
قوله: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ قال مجاهد في رواية الحكم وابن أبي نجيح يعني استعظام البدن، واستسمانها، واستحسانها (٤).
وقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد الهدي إذا أشعر وقلد، ثم نحر حتى يسيل دمه، ثم وقف في موقف عرفة.
فعلى هذا يعني بتعظيم شعائر الله: استعظام الهدايا والضحايا.
والشعائر: جمع شعيرة، وهي البدن يقال: أشعر الرجل بدنته، إذا جعل عليها علامة ليعلم أنه أوجبها بدنة (٥) وهو مذهب الشافعي (٦) رحمه
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٧٦.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" القسم الأول من الجزء الرابع ص ٢٩٥ من رواية الحكم، ولكن ليس فيها: واستسمانها.
ورواه عبد بن حميد في "تفسيره" كما في "تغليق التعليق" لابن حجر ٣/ ٨٧،
والطبري ١٧/ ١٥٦ من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد، به.
(٥) انظر: (شعر) في: "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٤١٧، "الصحاح" للجوهري ٢/ ٦٩٨ "لسان العرب" ٤/ ٤١٣.
(٦) انظر: "الأم" ٢/ ١٨٣، "الحاوي الكبير" ٤/ ٣٧٢ - ٣٧٣، "روضة الطالبين" ٣/ ١٨٩.
وعلى هذا القول المُهْدِي مندوب إلى طلب الأسمن والأعظم من الهدايا لقوله تعالى ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ ومن الشعائر التي أريد بها الضحايا قول الكُميت:
نُقَتِّلهُم جيلًا فجيلاً نَرَاهُمُ... شَعَائِر قُرْبَانٍ بِهِم يُتَقَرَّبُ (١)
وهذا القول اختيار الزجاج؛ لأنه قال: والذي يعني به هاهنا البُدن (٢).
وقوله: ﴿فَإِنَّهَا﴾ قال الفراء: يريد: فإن الفعلة كما قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأعراف: ١٥٣] ومن بعده جائز. ولو قيل: فإنه من تقوى القلوب كان جائزًا. هذا كلامه (٣).
قال أبو رياش القيسي في "شرحه لهاشميات الكميت" ص ٦٧: (جيلًا فجيلا: جيشًا وخلقًا بعد خلق. يقول: نجعل قتل الخوارج قربة إلى الله كما تُقرب الشعائر إلى الله.
(٢) "معانى القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٦.
(٣) "معانى القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٥.
قال ابن عباس: يريد من التقوى الذي اتقاه المتقون.
وأضاف التقوى إلى القلوب لأن حقيقة التقوى تقوى القلوب (٢)، كما روي في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "التقوى هاهنا" وأشار إلى صدره (٣).
٣٣ - قوله تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا﴾ أي: في الشعائر ﴿مَنَافِعُ﴾ أكثر أهل التفسير على أن المراد بهذا: أن (٤) في الهدايا منافع لصاحبها إلى أن يسميها هديا ويشعرها، فله منافع رسلها (٥) ونسلها وأصوافها وأوبارها وركوب ظهورها (٦) ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ وهو أن يسميها هديًا فتنقطع المنافع بعد ذلك.
(٢) انظر: القرطبي ١٢/ ٥٦.
(٣) هذا قطعة من حديث رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ٢٧٧، ومسلم في "صحيحه" كتاب: البر والصلة، باب: تحريم ظلم المسلم ٤/ ١٩٨٦ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) أن: ساقطة من (أ).
(٥) رسلها: أي لبنها. "لسان العرب" ١١/ ٢٨٢ (رسل).
(٦) في (أ): (ظهرها).
وهؤلاء لا يرون الانتفاع بلبنها ولا بوبرها ولا بظهرها بعد أن سُميت هديًا، ويقولون: لا ينتفع بها غير أهل الله (٢)، إلا عند الضرورة المخوف معها الموت.
وروى ابن أبي نجيج، عن عطاء بن أبي رباح في قوله: ﴿لَكُمْ فِيهَا﴾ أي: في الهديا منافع، قال: هو ركوبها وشرب لبنها إن احتاج ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ إلى أن تنحر (٣).
وهذا مذهب الشافعي (٤) رحمه الله، وعنده أن المُهْدِي لو ركب هديه ركوبًا غير فادح (٥) فلا بأس، لما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر برجل يسوق بدنة،
ورواه الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٥٧ - ١٥٨ عنهم إلا الكلبي.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٦ عن مجاهد، وعزاه لابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير. وابن أبي حاتم.
ورواه سعيد بن منصور في "تفسيره" ل ١٥٦ أعن عطاء والضحاك، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٦ عنهما، وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) يعني: فقراء الحرم.
(٣) رواه الطبري ١٧/ ١٥٨ عن عطاء من طريق ابن أبي نجيح إلى قوله: إن احتاج. أما قوله (إلى أجل مسمى) إلى أن تنحر، فرواه الطبري ١٧/ ١٥٨ من رواية ابن جريج قال: قال عطاء: فذكره.
(٤) انظر: "الأم" ٢/ ١٨٣، "الحاوي" للماوردي ٤/ ٣٧٦ - ٣٧٧، "فتح الباري" ٣/ ٥٣٧.
(٥) غير فادح: غير مثقل. "لسان العرب" ٢/ ٥٤٠ (فدح).
وله أن يحلب لبنها، والآية تدل على هذا؛ لأن قوله ﴿لَكُمْ فِيهَا﴾ أي: في الشعائر، فالكناية عنها، ولا تسمى شعائر قبل إيجابها وتسميتها (٢). وهذا يدل على إباحة الانتفاع بها وهي تسمى شعائر (٣).
وعلى هذا القول المراد بالأجل المسمى: نحرها وذبحها.
وقوله ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا﴾ أي: حيث يحل [نحرها. وذكرنا هذا عند قوله ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦].
وقوله ﴿إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ يعني عند البيت العتيق. وهو] (٤) الحرم كله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ فِجاج مكة منحرٌ ومَذبح، وكلُّ فِجاجِ مِنى مَنْحر ومَذْبح" (٥).
ورواه بنحوه البخاري في "صحيحه" كتاب: الحج، باب: ركوب البدين ٣/ ٥٣٦، ومسلم كتاب: الحج، باب: جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها ٢/ ٩٦٠ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه لكن عندهما (بدنه) بدل (هدى) و (ويلك) بدل (ويحك).
(٢) في (أ): (تسمينها)، وهو خطأ.
(٣) انظر: "الأم" ٢/ ١٨٣، "الحاوي" للماوردي ٤/ ٣٧٦، "أحكام القرآن" للكيا الهراسي ٣/ ٢٨٢، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١٢/ ٥٦ - ٥٧.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٥) رواه أبو داود في "سننه" كتاب: الحج، باب: الصلاة بجمع ٥/ ٤١٣، وابن ماجه في "سننه" كتاب. المناسك، باب. الذبح ٢/ ١٨٦ من حديث جابر رضي الله =
وهذا وَهْمٌ لا يعبر عن الحرم بالبيت العتيق ولا يفهم ذلك منه؛ لأن البيت اسم للبنية المعروفة، فلا يقع على الحرم كله.
واحتج من قال بهذا بقول ﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨] يعني الحرم كله.
وهذا لا يُشبه قوله ﴿بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ لأن الحرم كله مسجد، على معنى أنه يجوز الصلاة فيه (٢) كما روي في الحديث: "جُعِلت لي الأرضُ مسجدًا" (٣).
فسماها كلها مسجدًا على المعنى الذي ذكرنا. والبيت لا يقع على الحرم كله، لو كان الأمر على ما قالوا لقيل: ثم محلها البيت العتيق، أي: الحرم، فلما قيل ﴿إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ (٤) دل على أن المعنى: عند البيت
وحسن هذا الحديث الزيلعي في "نصب الراية" ٣/ ١٦٢. ومعنى فجاج: جمع فج وهو الطريق الواسع بين الجبلين. "الصحاح" للجوهري ١/ ٣٣٢ (فجج).
(١) انظر: الطبري ١٧/ ١٦٠، و"الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٥٢ ب.
(٢) (فيه): ساقطة من (أ).
(٣) هذا قطعة من حديث رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: الصلاة، باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" ١/ ٥٣٣ ومسلم في "صحيح" كتاب: المساجد، ومواضع الصلاة ١/ ٣٧ من حديث جابر رضي الله عنه، وأوله: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي".
(٤) (العتيق): زيادة من (أ).
هذا الذي ذكرنا كله على قوله من يقول: الشعائر: الهدايا.
وقال آخرون: الشعائر المناسك (٢) كلها، ومشاهد (٣) مكة. وهي المعالم التي أمر الله بالقيام بها، وندب إليها منها: عرفة، والجمار، والصفا والمروة، والمشعر الحرام.
وهذا قول ابن زيد (٤)، ورواية أبي رزين عن ابن عباس (٥).
وعلى هذا معنى تعظيم الشعائر: توقيرها، وترك الاستهانة بها.
قوله ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ أي: بالتجارة والأسواق، قال ابن عباس: لم يذكر منافع إلا للدنيا (٦) ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ إلى أن يخرج من مكة (٧).
وقيل: ﴿مَنَافِعُ﴾ بالأجر والثواب لإقامة المناسك وتعظيم الشعائر ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ إلى انقضاء أيام الحج (٨).
وقوله: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا﴾ المحل (٩) على هذا القول مصدر أضيف إلى
(٢) في (ع): (الهدايلك).
(٣) في (ظ): (أي مشاهد).
(٤) رواه الطبري ١٧/ ١٥٦، ١٥٩.
(٥) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٢ ب من رواية أبي رزين، عن ابن عباس.
(٦) في (أ): (الدنيا).
(٧) رواه الطبري ١٧/ ١٥٩ عنه من طريق أبي رزين إلى قوله: للدنيا. وذكر باقيه الثعلبى في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٢ ب عنه من رواية أبي رزين.
(٨) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٥٢ ب وصدره بقوله: وقال بعضهم.
(٩) (المحل). ساقط من (ظ)، (د)، (ع).
وهذا معنى قول محمد بن أبي (١) موسى (٢): محل المناسك الطواف بالبيت (٣).
٣٤ - قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ أي: جماعة مؤمنة. يعني من الذين سلفوا وتقدموا ﴿جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ المنسك هاهنا: المصدر من نَسَك يَنْسُك، إذا ذبح القربان (٤) (٥). وذكرنا معنى النسك في سورة البقرة (٦). قال مجاهد في قوله ﴿مَنْسَكًا﴾: يريد إهراقة الدماء (٧).
(٢) محمد بن أبي موسى. روى عن زياد الأنصاري عن أبي بن كعب، وروى عنه داود ابن أبي هند. وهو مجهول.
انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري ١/ ٢٣٦، "تهذيب التهذيب" ٩/ ٤٨٣.
(٣) رواه الطبري ١٧/ ١٦٠ من طريق داود بن أبي هند، عنه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٧، وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) في (أ): (القران)، وهو خطأ.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٧٤ (نسك).
(٦) عند قوله تعالى: ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ [البقرة: ١٢٨].
(٧) رواه الطبري ١٧/ ١٦١ وذكره السيوطي "الدر المنثور" ٦/ ٤٧ وعزاه لعبد بن حميد وابن، أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وقراءة العامة بفتح السين، وقرأ حمزة والكسائي بكسرها (٣).
قال أبو علي (٤): الفتح أولى لأنه لا يخلو من أن يكون مصدرًا أو مكانًا، وكلاهما مفتوح العين إذا كان الفعل على: فَعَل يَفْعُل، نحو: قَتَل يَقْتُلُ مَقْتَلا، وهذا مَقْتَلُه. ووجه الكسر: أنه قد يجيء اسم المكان على المَفْعِل من هذا النحو، نحو: المَطْلِع من طَلَع يَطْلُع، والمسجد من سجد يسجد، فيمكن أن يكون هذا بما شذَّ عن قياس الجمهور، فجاء اسم المكان على غير القياس، ولا يقدم على هذا إلا بالسمع، ولعل الكسائي سمع ذلك. هذا كلامه (٥).
(٢) ذكر الماوردي في "النكت والعيون" ٤/ ٢٤، والقرطبي ١٢/ ٥٨ عن قتادة أنه قال: (منسكا) حجًّا.
(٣) "السبعة" ص ٤٣٦، "التبصرة" ص ٢٦٦، "التيسير" ص ١٥٧، "الإقناع" لابن الباذش ٢/ ٦٠٧.
(٤) في (أ): (أبو الفتح) سقطت لفظة (على)، فتحرفت الكلمة إلى (أبو الفتح).
(٥) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٧٨، وقوله: (الفتح أولى) لا وجه له، لأن القراءة سنة متبعة. وقوله. (ولعل الكسائي سمع ذلك) ذكره نحوه السمينُ الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ٢٧٤ عن ابن عطية، ثم تعقبه بقوله: وهذا الكلام منه غير مرضي، كيف يقول: ويشبه أن يكون الكسائي سمعه. الكسائي يقول: قرأت به فيكف يحتاج إلى سماع مع تمسكه بأقوى السماعات، وهو روايته لذلك قرآنًا متواترًا؟
وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٢٤، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٧٧، "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١١٩.
و"منسكا" لغتان، كل (٢) قد قرئ بها (٣).
وقال عطاء عن ابن عباس: ﴿مَنْسَكًا﴾ يريد شريعة. يعني الذبح لأنه من جملة ما شرع.
وقال الكلبي: عيدًا (٤).
يعني وقتًا للذبح. فعلى هذا المنسك، اسم لزمان الذبح.
قال (٥) أبو إسحاق: المنسك في هذا الموضع يدل على معنى النحر، فكأنه قال: لكل أمة أن تتقرب بأن تذبح الذبائح لله، ويدل على ذلك قوله ﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ المعنى: ليذكروا اسم الله على نحو ما رزقهم من بهيمة الأنعام (٦).
وخص بهيمة الأنعام، لأنَّ البهيمة من غير الأنعام لا يحل ذبحها وأكلها كالخيل والبغال والحمير (٧)، فالبهيمة من الأنعام هي التي يجوز أن تُذبح في المناسك.
في هذه الآية دليل على أنَّ الذبائح ليست من خصائص هذه الأمة بل
(٢) كل: زيادة من (أ).
(٣) انظر: "إعراب القراءات وعللها" لابن خالويه ٢/ ٧٧.
(٤) ذكره عنه الماوردي ٤/ ٢٥.
(٥) في (أ) بعد قوله قال: (فومله)، وليست في باقي النسخ، ولا معنى لها.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٦.
(٧) الطبري ١٧/ ١٦٠، "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٥٢ ب.
قوله تعالى: ﴿فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ قال أبو إسحاق: أي لا ينبغي أن تذكروا على ذبائحكم (١) إلا الله وحده (٢).
وقوله ﴿أَسْلِمُوا﴾ أي: انقادوا وأطيعوا. وقال ابن عباس: أخلصوا (٣).
وقوله: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ قال ابن عباس، وقتادة، والضحاك: المتواضعين (٤). وقال مجاهد: المطمئنين إلى الله سبحانه (٥). وقال الأخفش: الخاشعين (٦). وقال ابن جرير: الخاضعين (٧).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٧.
(٣) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٨ عن مقاتل بن حيان، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٤) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٢ ب عن ابن عباس وقتادة.
ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٨ والطبري ١٧/ ١٦١ عن قتادة.
ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٣/ ٥٨٠ عن الضحاك، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٩ عنه وعزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٥) ذكره عنه بهذا اللفظ الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٢ ب.
ورواه الطبري ١٧/ ١٦١ مقتصرًا على أدلة. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٨ بمثل رواية الطبري وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٦) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٢ ب. ولم أجده في كتابه "معاني القرآن".
(٧) قوله في "تفسيره" ١٧/ ١٦١ بأطول من هذا حيث قال: الخاضعين لله بالطاعة، المذعنيق له بالعبودية، المنيبين إليه بالتوبة.
فكل مخبت (٢) متواضع (٣). وذكرنا معنى الإخبات عند قوله ﴿وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [هود: ٢٣].
٣٥ - قوله تعالى ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد: خافت.
قال مقاتل بن حيان: ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ عندما يخوّفون (٤).
وهذا على أنهم إنما توجل قلبوهم إذا خوفوا بالله، ليس (٥) أنهم يخافونه حتى لا يرجونه.
وقوله ﴿وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ﴾ يعني من البلاء والمصائب في طاعة الله. قاله ابن عباس ومقاتل (٦).
﴿وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ﴾ في أوقاتها، يؤدونها كما استحفظهم الله.
قال أبو إسحاق في قوله] (٧) ﴿وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ﴾: القراءة الخفض وإسقاط النون، والخفض على الإضافة. [ويجوز: والمقيمين الصلاة (٨)، إلا أنه بخلاف المصحف] (٩). ويجوز أيضًا -على بعد-: والمقيمي
(٢) في (أ): (الخبت، مخبث)، وهو خطأ.
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ٤٢٧. مع اختلاف يسير.
(٤) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٩ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٥) في (أ): (وليس).
(٦) ذكره عن مقاتل السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٤٩ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٧) ساقط من (أ).
(٨) هذه القراءة مروية عن ابن مسعود. "الشواذ" لابن خالويه ص ٩٥. وانظر: "تعليل القراءات الشواذ" للعكبري ص ٢٦٧.
(٩) ساقط من (ظ).
(٢) قال أبو الفتح عثمان بن جني في "المحتسب" ٢/ ٨٠: أراد "المقيمين" فخذف النون تخفيفا، لا لتعاقبهما الإضافة.
وقال العكبري في "تعليل القراءات الشواذ" ص ٢٦٧: (والنون محذوفة للتخفيف لطول الكلمة، مثل قولهم: الحافظو..
(٣) ذكر الزجاج في "معاني القرآن" ٣/ ٤٢٧ إنشاد سيبويه لهذا البيت، لكن في المعاني "نطف" في موضع "وكف".
والبيت أنشده سيبويه في الكتاب ١/ ١٨٥ - ١٨٦ ونسبه لرجل من الأنصار وروايته فيه:
والحافظو... من ورائنا نطف.
وهو في "شرح شواهد الإيضاح" للقيسي ١٢٧، و"خزانة الأدب" ٤/ ٢٧٢ - وفيه: من ورائنا نطف، ٤/ ٢٧٥ - ٢٧٩ وفيه:- من ورائنا وكف) منسوبًا لعمرو بن امرئ القيس الخزرجي، وفي الاقتضاب للبطليوسي ٣/ ٢٠٧ منسوبًا لقيس بن الخطيم، وهو في ديوان قيس ١١٥، وفي "لسان العرب" ٩/ ٣٦٣ "وكف" منسوبًا لعمرو بن امرئ القيس أو قيس بن الخطيم.
ومن غير نسبة في "الإيضاح العضدي" للفارسي ص ١٧٥، "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٣٩٣ "وكف".
قال البطليوسي في "الاقتضاب" ٣/ ٢٠٧: العورة: المكان الذي نخاف منه العدو، والوكف هاهنا- العيب، ويروى: نطف وهو نحو الوكف. يقول: نحن نحفظ عورة عشيرتنا فلا يأتيهم من ورائنا شيء يعابون به من بيع ثغرهم وقلة رعايته، هذا على رواية من روى من ورائنا، ومن روى من ورائهم أخرج الضمير مخرج الغيبة على لفظ الألف واللام؛ لأن معنى "الحافظو العشيرة" نحن الذين يحفظون عورة العشيرة، كما تقول: أنا الذي قام، فيخرج الضمير مخرج الغيبة وإن كنت تعني نفسك؛ لأن معناه: أنا الرجل الذي قام، وقد يقولون: أنا الذي قمت، فعلى هذا رواية من روى: من ورائنا. اهـ.
وانظر: "الخزانة" ٤/ ٢٧٤ - ٢٧٥.
والحافظو عورة العشيرة لا | يأتيهم من ورائهم وكف |
ويحتاج هاهنا إلى أن نذكر طرفًا (٢) من شرح باب الإضافة مع الألف واللام.
قال أبو علي في كتاب "الإيضاح": إذا ألحقت الألف واللام اسم الفاعل قلت: هذا الضارب زيدًا، ولا يجوز إضافة الضارب إلى زيد. فإن ثنيت (٣) قلت: الضاربان زيدًا، فإن حذفت النون قلت: الضاربا زيد، وكذلك الجميع، وقد يجوز إذا حذفت النون من اسم الفاعل في الاثنين والجميع إذا ألحقته (٤) الألف واللام أنْ تنصب فتقول: الضاربو زيدًا، وهكذا أنشدوا:
الحافظو عورة العشيرة
قال: والأكثر الجر كما قال تعالى: ﴿وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ﴾ هذا كلامه (٥).
ومعنى الضارب زيدًا أي: الذي ضرب زيدًا، ولا تجوز الإضافة في هذا، ويجوز في التثنية والجمع (٦) نحو: الضاربا زيد والضاربو زيد، وذلك لأنَّ زيدًا في التثنية والجمع يعاقب نون التثنية والجمع، والنون قد تكون مع الألف واللام، وزيد في الضارب زيد لا يعاقب تنوينًا، لأنه لا يكون
(٢) العبارة في (ظ): (ويحتاج إلى أن يذكرها هنا طرفا).
(٣) في (أ): (نسيت)، وهو خطأ.
(٤) في (ظ): (ألحقتهما)، وفي باقي النسخ: (لحقته)، والتصويب من كتاب "الإيضاح".
(٥) "الإيضاح العضدي" لأبي علي الفارسي ١/ ١٧٥.
(٦) في (ظ)، (د)، (ع). (الجميع).
(٢) موضع (لم) بياض في (ظ).
(٣) تأثيرًا ليست واضحة في (ظ).
(٤) في (ظ). (أصل).
(٥) البيت في "الكتاب" ١/ ١٨٦ منسوبًا للأخطل.
وهو في "ديوانه" ص ٣٨٧ أو ص ٤٤، و"سر صناعة الإعراب" ٢/ ٥٣٦ و"أمالي ابن الشجري" ٢/ ٣٠٦، و"شرح المفصل" لابن يعيش ٣/ ١٥٤، "المقاصد النحوية" للعيني ١/ ٣٢٤، و"خزانة الأدب" ٦/ ٦ - ٧.
قال البغدادي في الخزانة ٦/ ٧:
البيت من قصيدة للأخطل يفتخر بقومه ويهجو جريرًا، والألف للنداء، وبنو كليب ابن يربوع: رهط جرير. فخر الأخطل على جرير بمن اشتهر من قوله من بني تغلب وساد كعمرو بن كلثوم التغلبي قاتل عمرو بن هند ملك العرب، وعضم أبي حنش قاتل شرحبيل بن عمرو بن حجر وغيرهم من سادات تغلب. والأغلال جمع غل =
أراد اللذان فحذف النون لطول الاسم بالصلة، إذ قد اجتمع الذي والفعل والفاعل والمفعول، لأن جميع ما يتعلق بالموصول واصل في جملته وجار مجرى الجزء (٢) من الاسم، ألا ترى أن تقديمه ممتنع، والأحسن إذا حذفت النون الكسر، لأجل أن النون إذا حذف وجب أن يكون له أثر في اللفظ، وإذا قصد النصب وجب أن تبقى النون لفظًا، غير أن الذي ينصب مع الحذف لا يعتد بالحذف (٣) حرصًا على إبقاء لفظ (٤) النصب.
هذا الذي ذكرنا شرح ما ذكره أبو إسحاق مجملًا وهو مذهب البصريين (٥).
وقال الفراء: إنَّما جاز النصب مع حذف النون؛ لأنَّ العرب لا تقول في الواحد إلا بالنصب. فيقولون: هو الآخذ حقه، ينصبون الحق، لا يقولون إلا
قال السكري في "شرح ديوان الأخطل" ١/ ١٠٨ - ١٥٩، أحد عميه أبو حنش عصم بن النعمان قاتل شرحبيل بن الحارث بن عمرو آكل المراء يوم الكلاب الأول، والآخر دوكس بن الفدوكس بن مالك بن جشم.
وانظر الخلاف في أسماء عميه في "الخزانة" ٦/ ٨ - ٩.
(١) (إن): ساقطة من (أ).
(٢) في (ظ)، (ع): (الجرّ).
(٣) في (أ): (الحرف).
(٤) في (أ): (اللفظ).
(٥) انظر: "شرح المفصّل" لابن يعيش ٢/ ١٢٢ - ١٢٣، "الفوائد الضيائية" للجامي ٢/ ١٤.
وهو كما ذكرنا من مذهب البصريين إلا في إضافة الواحد، فإنه يجوزه وعندهم لا يجوز ذلك.
وقوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ قال ابن عباس والكلبي: يريد يتصدقون من الواجب وغيره. وقال مقاتل: يؤذون الزكاة في طاعة ربهم (٥).
٣٦ - قوله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ﴾ قال الزجاج: البدن بتسكين الدال وضمها، بَدَنَةٌ وبُدْنٌ وبُدُنٌ، مثل قولك: ثَمَرَةٌ وثُمْر وثُمُرٌ قال: وإنما سميت بدنة لأنها تبدن أي: تسمن (٦).
(٢) في (ظ)، (د)، (ع): (وأنتم).
(٣) في (ظ): (الضاربان).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٦.
(٥) أنظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٥ ب.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٨.
قال ابن السكيت: يقال: بدن (٢) الرجل يبدن بَدْنًا وبدانة فهو بادن إذا ضخم، وهو رجل بَدَنٌ إذا كان كبيرًا، وأنشد (٣):
أمْ (٤) ما بكاءُ البدن الأشيب (٥)
وقال ابن الأنباري: يجوز أن يكون سميت بدنة لعظمها وضخامتها.
ويجوز أن يكون سميت لسنّها، رجل بدن إذا كان كبير السنن، وبدنت أي أسنت، وبدنت أي: سمنت وضخمت (٦).
والمفسرون يقولون في تفسير البدنة: إنّها الإبل والبقر. وهو قول عطاء
(٢) (بدن): ساقطة من (ظ)، (د)، (ع). وبدن كبصر وكرم. قاله الفيروزآبادي في "القاموس المحيط" ٤/ ٢٠٠.
(٣) البيت أنشده ابن السكيت في "إصلاح المنطق" ص ٣٣٠، للأسود بن يعفر، وأوله:
هل لشباب فَاتَ من مَطلْبِ
هو في "ديوان الأسود" ص ٢١ وروايته فيه: "البائس" في موضع "البدن"، و"أدب الكاتب" لابن قتيبة ص ٢٦٥، و"تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ١٤٤ (بدن)، وفيه: "بقاء" في موضع "بكاء"، و"لسان العرب" ١٣/ ٤٨ (بدن).
قال البطليوسي في "الاقتضاب" ٣/ ٢٠٩: يقول: هل يمكن طلب الشباب الغائب واسترجاعه، بل كيف يبكي الرجل الأشيب شوقًا إلى أحبته؟. وذلك لا يليق به.
(٤) في (أ)، (ظ): (أمّا).
(٥) قول ابن السكيت وإنشاده في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ١٤٤، وهو في "إصلاح المنطق" ص ٣٣٠.
(٦) لم أجد من ذكره عنه. وانظر: "بدن" في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ١٤٤، "الصحاح" للجوهري ٥/ ٢٠٧٧، "لسان العرب" ١٣/ ٤٨ - ٤٩.
وقوله تعالى: ﴿جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ أي: من أعلام دينه. والمعنى: جعلنا لكم فيها عبادة لله -عز وجل-، من سوقها إلى البيت، وتقليدها، وإشعارها، ونحرها، والإطعام منها. ومضى الكلام في تفسير الشعائر (٢).
ورواه الطبري ١٧/ ١٦٣ عن عطاء بلفظ: البقرة والبعير.
وللمفسرين في البدن قول آخر وهو أنها الإبل خاصّة، ذكره الماوردي ٤/ ٢٦ وعزاه للجمهور. وحكاه القرطبي ١٢/ ٦١ عن ابن مسعود وعطاء والشافعي. وحكى القول الأول عن مالك وأبي حنيفة.
ثم قال القرطبي: والصحيح ما ذهب إليه الشافعي وعطاء، لقوله عليه السلام في الحديث الصحيح في يوم الجمعة: "من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة" الحديث. فتفريقه -عليه السلام- بين البقرة والبدنة يدل على أن البقرة لا يقال لها بدنة. والله أعلم. وأيضًا قوله تعالى: "فإذا وجبت جنوبها" يدل على ذلك، فإن الوصف خاصٌ بالإبل، والبقر يضجع ويذبح كالغنم. انتهى من القرطبي ١٢/ ٦١.
والحديث الذي أشار إليه القرطبي رواه البخاري في صحيحه (كتاب الجمعة -باب فضل الجمعة ٢/ ٣٦٦، ومسلم في صحيحه (كتاب الجمعة -باب الطيب والسواك يوم الجمعة ٢/ ٥٨٢ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وصحح ابن كثير ٣/ ٢٢١ أنَّ البقرة يطلق عليها بدنة شرعًا.
ونقل ابن الجوزي ٥/ ٤٣٢ عن القاضي أبي يعلى أنه قال: البدنة اسمٌ يختص الإبل في اللغة، والبقرة تقوم مقامها في الحكم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. اهـ.
والذي يظهر أن البدن في الآية هي الإبل للتعليل الذي ذكره القرطبي، والبقرة تدخل في مسمى البدن من حيث اتحاد الحكم بينهما.
(٢) في (ظ): (الشعيرة).
قال المفسرون: يعني النفع في الدنيا والأجر في العقبى (٢).
وذكرنا هذا (٣) المعنى (٤) مستقصىً عند قوله ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ إلا أن المراد بتلك المنافع الدنيا لقوله ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ والمراد بالخير هاهنا خير الدنيا والآخرة، كما ذكر ابن عباس.
قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ أي: على نحرها، لأنَّ السنة أن يذكر الله عند نحرها.
قال ابن عباس: هو أن يقول: بسم الله، والله أكبر لا إله إلا الله، اللهم منك ولك (٥).
وقوله ﴿صَوَافَّ﴾ جمع صافّة، وهي فاعلة من الصَفّ، وهو جعل الأجسام يلي أحدها الآخر على منهاج واحد (٦).
قال ابن عباس في رواية ابن أبي مليكة: قيامًا (٧).
وقال ابن عمر: قيامًا مقيدة، سنة محمد -صلى الله عليه وسلم- (٨).
(٢) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٥٢ ب، ٥٣ أ.
(٣) (هذا): ساقطة من (أ).
(٤) في (ع): (الكلام).
(٥) هذا مجموع روايات رواها الطبري ١٧/ ١٦٤ من طريق أبي ظَبيان، عن ابن عباس.
(٦) انظر: "لسان العرب" ٩/ ١٩٤ (صفف)، "القاموس المحيط" ٣/ ١٦٢ - ١٦٣.
(٧) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ٤/ ٨٣ عنه من رواية ابن أبي مليكة.
(٨) رواه البخاري في صحيحه كتاب الحج -باب نحر الإبل مقيَّدة ٣/ ٥٥٣، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الحج- باب نحر البدن قيامًا، مقيّدة ٢/ ٩٥٦).
وعلى هذا هي صواف، لأنها قد صفت أيديها وأرجلها إذا وقفن على منهاج واحد، كما روى ليث، عن مجاهد قال (٤): يسوى بين أوظافها (٥) (٦).
يعني لئلا يتقدم بعضها على بعض فلا تكون صواف.
وفي هذا دليل على أنها تُنْحر قائمة واقفة مصفوفة، لأنها إن كانت باركة أو ماشية لا تكون صافة، ولا يتصور الصف في البدنة الواحدة إلا أن يقال إنها إذا وقفت صفت يديها أو رجليها (٧) إذا لم يعقل إحداهما، ولكن يتصور في البدن إذا وقفن فصففن أيديهن معقولة وغير معقولة، والدليل على أنها تعقل إحدى يديها قراءة عبد الله: "صوافن" (٨) وهي القائمة على ثلاث
(٢) في (أ): (ثلاثة).
(٣) ذكره عنه الثعلبي في الكشف والبيان ٣/ ٥٣ أ.
وفيه:
إذا عقلت رجلها اليسرى وقامت | كذلك. وبنحوه مختصرًا رواه الطبري ١٧/ ١٦٤. |
(٥) في (ظ)، (د)، (ع): (أوطانها. والصواب ما في (أ). وأوظافها: جمع وَظيف، قال الجوهري في الصحاح ٤/ ١٤٣٩ "وظف": الوظيف: مستدق الذراع والساق من الخيل والإبل ونحوها.
(٦) رواه الطبري ١٧/ ١٦٤ من رواية ليث، عن مجاهد.
(٧) في (ظ)، (د)، (ع): (رجليها أو يديها).
(٨) انظر الطبري ١٧/ ١٦٥، "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٩٩، "الشواذ" لابن خالوية ص ٩٥، "المحتسب" لابن جني ٢/ ٨١.
وقال أبو إسحاق -في قوله: ﴿صَوَافَّ﴾ -: أي قد صفت قوائمها (١).
وقال أبو عبيدة: تصفّ بين أيديها (٢).
وقال ابن قتيبة: أي: قد صُفَّت أيديها (٣).
وقال ابن عباس في رواية أبي ظبيان في قوله ﴿صَوَافَّ﴾ قال: معقولة (٤).
ونحوه قال عطاء، والفرَّاء (٥). وهو معنى وليس بتفسير، وذلك أنها إذا عقلت إحدى يديها وقفت فصفت يدها مع يد التي إلى جنبها.
وكثير من الصحابة قرؤوا "صوافي" (٦) على معنى: خالصة لله، جمع صافية، أي: لا يشركوا في التسمية على (٧) نحرها أحدًا. وإلى هذا ذهب كثير من المفسرين (٨). ويدل من الآية على أنها تُنْحر قيامًا.
(٢) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٥٠.
(٣) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٣.
(٤) رواه الطبري ١٧/ ١٦٤، والبيهقي في "السنن" ٥/ ٢٣٧ من طريق أبي ظبيان.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٦.
(٦) رويت هذه القراءة عن أبي بن كعب وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما. ونسبت إلى الحسن ومجاهد وزيد بن أسلم وسليمان التيمي وجماعة.
انظر: الطبري ١٧/ ١٦٣، "الشواذ" لابن خالويه ص ٩٥، "المحتسب" لابن جني ٢/ ٨١، "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٥٣ أ، "البحر المحيط" ٦/ ٣٦٩.
(٧) في (ظ)، (د)، (ع): (إلي).
(٨) وهو ومروي عن الحسن وطاووس والزهري وابن زيد. انظر الطبري ١٧/ ١٦٥، وابن كثير ٣/ ٢٢٢.
يقال: وجب الحائط يجب وَجْبَةَ إذا سقط، وسمعت له وجْبَةً، أي. وقعة، ووجبت الشمس إذا وقعت للغروب في المغيب، ووجب الشيء إذا (وقع لازمًا، ووجب القلب وجيبًا إذا] (٤) وقع وتحرك باضطراب (٥)، وأنشدوا لأوس بن حجر يرثي (٦):
ألم تكسف الشمس والبدر | والكواكب للجبل الواجب (٧) |
ألم ترني لقيت ضباء (٨) أنس | بخيف مني ولم تجب الجنوب (٩) (١٠) |
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٨.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ١١/ ٢٢٢ (وجب)، "لسان العرب" ١/ ٧٩٤ (وجب).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (د)، (ع).
(٥) انظر "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٨، "تهذيب اللغة" للأزهري ١١/ ٢٢٢ - ٢٢٣ مادة "وجب"، "لسان العرب" ١/ ٧٩٤ "وجب".
(٦) يرثي: ساقطة من (أ).
(٧) البيت في "ديوانه" ص ١٠، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٥١، والطبري ١٧/ ١٦٦، و"التعازي والمراثي" للمبرد ص ٣٣، و"السمط اللآلي" ص ٤٦٦. وهو من أبيات يرثي بها فضالة بن كلدة، وبعده:
لفقد فضالة لا تستوي الـ | فُقُود ولا خُلّة الذَّاهب |
(٩) في (و)، (ع): (الجبوب)، وهو خطأ.
(١٠) هذا البيت والذي بعده أثبتها المعلق على "مجاز القرآن" ٢/ ٥١ في الهامش، =
حلفت برب مكة والهدايا | غداة النحر واجبة الجنوب (١) |
وذلك عند نزف دمها وخروج الروح منها، ولذلك قال ابن زيد في تفسيرها: فإذا ماتت (٣). لأنها تقف ما دامت الروح تبقى فيها، فإذا سقطت إلى الأرض فذلك حين تهدأ (٤) وتسكن حركتها، وهو وقت الأكل منها، ولذلك عقَّب الله تعالى هذه الحالة بالأمر بالأكل منها فقال: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ وهذا يدل على أنّه لا ينبغي للمرء أن يعجل فيقطع منها ليأكل قبل أن يتم نحرها، ولكن يصبر حتى تسكن حركتها وكذلك السلخ يُبْتدأ بعد السكون، وهذا معنى قول عمر -رضي الله عنه-: لا تعجلوا الأنفس أن تزهق (٥) (٦).
واعتمد جامع ديوان الكميت على هذه الحاشية فأورد الأول في "ديوانه" ١/ ٨١، والثاني في ١/ ١٢٥ وأحال على حاشية المجاز.
(١) في (د)، (ع): (الجبوب)، وهو خطأ.
(٢) ذكره عن ابن عباس السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٣ بلفظ: سقطت على جنبها. وعزاه لابن أبي حاتم. ورواه الطبري ١٧/ ١٦٦ عن مجاهد بلفظ سقطت على الأرض.
(٣) رواه الطبري ١٧/ ١٦٦.
(٤) في (أ): (يهدى)، وهو خطأ.
(٥) في (ظ): (قبل أن تزهق).
(٦) رواه الثوري في جامعه (كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٢، ومسند عمر بن الخطاب له أيضًا ١/ ٣٣٥، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٩/ ٢٧٨ عن عمر رضي الله عنه، به). ورواه عنه عبد الرزاق "المصنف" ٤/ ٤٩٥، وابن أبي شيبة في مصنفه ٥/ ٢٩٢ - ٢٩٣ عنه بلفظ: وذر، وعند ابن أبي شيبة: وأقرّوا الأنفس حتى تزهق.
وذكرنا وجه هذا الأمر فيما تقدم من هذه السورة.
قوله تعالى: ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ القانع في الآية بمعنيين:
أحدهما: أنه من القُنُوع بمعنى المسألة. يقال: قنع (٤) يقنع قنوعًا، إذا سأل.
والقانع: السائل. ومنه الحديث في ذكر من لا تجوز شهادته: "ولا شهادة القانع مع أهل البيت" (٥).
وانظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ١٦٧ ففيه: وفي الحديث: "ألا لا تنخعوا الذبيحة حتى تجب".
ومثله في "الفائق في غريب الحديث" للزمخشري ٣/ ٤١٤، و"غريب الحديث" لابن الجوزي ٢/ ٣٨٩. ولم أجد هذا الحديث.
(٢) الأوداج: جمع ودج، والودج: عرق في العنق، وهما ودجان. الصحاح للجوهري ١/ ٣٤٧ (ودج).
(٣) انظر: (نخع) في "تهذيب اللغة" ١/ ٦٧، "الصحاح" للجوهري ٣/ ١٢٨٨، "القاموس المحيط" ٣/ ٨٧.
والفقار: جمع فقرة -بالكسر- وفقرة وفقارة -بفتحهما- وهو: ما انتضد من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العجب. "لسان العرب" ٥/ ٦١ (فقر)، "القاموس المحيط" ٢/ ١١١.
(٤) كمنع. قاله الفيروزآبادي في "القاموس" ٣/ ٧٦.
(٥) هذا طرف حديث رواه أبو عبيد في "غريب الحديث" ٢/ ١٥٦، والترمذي في "جامعه" كتاب الشهادات ٦/ ٥٨٠ - ٥٨١، والدراقطني في "سننه" ٤/ ٢٤٤، =
لمالُ المرء يُصلِحُه فيغني | مَفَاقِرَةُ أعفُّ من القُنُوع |
ومن هذا قول لبيد:
وإعطائي المَوْلَى على حين فقره | إذا قال أبْصِرْ خَلَّتي وقُنُوعي (٤) |
وضَعّف هذا الحديث بيزيد: الدارقطني والبيهقيُ.
(١) في (ظ)، (د)، (ع): (أبو عبيدة)، وهو خطأ.
(٢) البيت أنشده أبو عبيد في "غريب الحديث" ٢/ ١٥٦ للشمَّاخ.
وهو في "ديوانه" ص ٥٦، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٥١، و"المعاني الكبير" لابن قتيبة ١/ ٤٨٩ - ٤٩٩، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٨، والطبري ١٧/ ٦٨، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٦٦ - ٦٧.
(٣) قول أبي عبيد وإنشاده في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٥٩ "قنع" كتاب "غريب الحديث" لأبي عبيد ٢/ ١٥٦ لكن فيه: هو الرجل يكون مع الرجل يطلب فضله ويسأل معروفه.
وهو في كتاب "غريب الحديث" لأبي عبيد ٢/ ١٥٦، والكلام مفسر فيه مثل ما نقله الأزهري عنه.
(٤) البيت في "ديوانه" ص ٧١، وفيه "خشوعي" في موضع "قنوعي".
وفي "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٥٢، والطبري ١٧/ ١٧٠ بمثل الرواية هنا. قال الطوسي في شرحه لديوان لبيد ص ٧١: (المولى: ابن العم، الخلّة. الحاجة، خلَّتي وقنوعي: الاستكانه وسوء الحالة.
قال ابن السكيت: ومن العرب من أجاز القُنُوع بمعنى القناعة، وكلام العرب الجيد هو الأول (٤).
قال أبو زيد: قال بعضهم: القانع: السائل، وقال بعضهم: المتعفف؛ وكلُّ يصلح (٥). فذكر الوجهين.
وكقول أبي زيد ذكر أبو عبيدة (٦) والزَّجَّاج (٧) الوجهين.
وأما المعتر: فقال الأزهري: قال أهل اللغة: المعتر: الذي يُطِيف بك يطلب ما عندك سألك أو سكت عن السؤال (٨).
وقال ابن الأعرابي: عررت (٩) فلانًا واعتررته وعروته (١٠) واعتريته (١١)، إذا أتيته تطلب معروفه (١٢).
(٢) في (ظ): (وقناعًا)، وفي (د)، (ع): (وقناعًا).
(٣) انظر: "قنع" في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٥٩، "الصحاح" للجوهري ٣/ ١٢٧٣، "لسان العرب" ٨/ ٢٩٨.
(٤) قول ابن السكيت في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٥٩ (قنع).
(٥) قول أبي زيد في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٥٩ (قنع).
(٦) انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٥١ - ٥٢.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٨.
(٨) "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٩٩ (عَرَّ).
(٩) في المطبوع من "تهذيب اللغة" ١/ ٩٩: عروت.
(١٠) في المطبوع من "تهذيب اللغة" ٣/ ٩٩: وعررته.
(١١) في (د)، (ع): (واعتروته).
(١٢) قول ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٩٩ (عرَّ)
لعمرك ما المعتر يأتي بيوتنا | لنمنعه بالضّايع المتهضم (٢) |
وعلى هذين الوجهين كلام المفسرين. منهم من يقول: القانع: الذي يسأل والمعتر الذي يأتيك بالسلام ويريك وجهه ولا يسأل، وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء (٣)، وزيد بن أسلم (٤)، وابنه (٥)، وسعيد بن جبير (٦)، والكلبي (٧)، والحسن (٨)، وبكر بن عبد الله.
(٢) البيت أنشده أبو عبيدة لحسان في "مجاز القرآن" ٢/ ٥٢، وروايته عنده:
لعمرك ما المعترُّ يأتي بلادنا... لنمنعه..............
(٣) ذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٥ هذا القول عن ابن عباس من غير ذكر من رواه عنه، وعزاه لابن المنذر.
وذكر هذا القول عن ابن عباس النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤١٣. وذكره ابن الجوزي وعزاه لابن المنذر.
وذكر هذا القول عن ابن عباس النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤١٣. وذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٣٣ وقال: رواه بكر بن عبد الله عن ابن عباس.
وذكره ابن كثير في تفسيره ٣/ ٢٢.
(٤) وقوله ذكره عنه بنحوه الثعلبي في "الكشف" ٣/ ٥٣ أ. ورواه الطبري ١٧/ ١٦٩ بنحوه.
(٥) ذكره عنه بنحوه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٣ أ.
(٦) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٨، والطبري ١٧/ ١٦٨، والبيهقي في "سننه" ٩/ ٢٩٤.
(٧) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٣ أ، والطبري ١٧/ ١٦٨
(٨) رواه سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٦ ب)، وابن أبي شيبة في مصنّفه =
وهو قول ابن عباس في رواية الوالبي (١)، وعكرمة، وقتادة (٢)، وإبراهيم، ومجاهد (٣)، قالوا: القانع الذي يقنع ويجلس، والمعتر الذي يعتريك ويسأل.
وروي عن ابن عباس قول ثالث وهو: أن كلاهما الذي لا يسأل، وهو رواية العوفي عنه، قال: القانع الذي يرضى بما عنده ولا يسأل، والمعتر الذي يتعرض لك ولا يسألك (٤).
ونحو هذا روى ليث عن مجاهد قال: القانع: جارك وإن كان موسرًا، والمعتر: الذي يعتريك ولا يسألك (٥). وهذا أيضًا رواية خصيف عنه (٦).
وعلى هذا إنما يُطْعم القانع بأن يرسل إليه، كما روى قابوس، عن أبيه (٧)، عن ابن عباس قال: القانع من أرسلت إليه في بيته (٨).
(١) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٣ أمن رواية الوالبي. ورواه الطبري ١٧/ ١٦٧.
(٢) رواه الطبري ١٧/ ١٦٧ عن عكرمة - وقتادة.
(٣) رواه الطبري ١٧/ ١٦٨، والبيهقي في "السنن" ٩/ ٢٩٤.
(٤) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٣ أمن رواية العوفي. ورواه الطبري ١٧/ ١٦٧.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ١٦٧ من رواية ليث، عنه.
(٦) روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٤/ ٧٢، والطبري ١٧/ ١٦٧ من طريق خصيف، عن مجاهد قال: القانع: أهل مكة، والمعتر الذي يعتريك فيسألك.
(٧) هو: أبو ضبيان حصين بن جندب.
(٨) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" ٩/ ٢٩٤ من طريق قابوس، عن أبيه، عن ابن =
قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ﴾ كذلك أي: مثل ما وصفنا من نحرها قيامًا، والإطعام منها ﴿سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ﴾ نعمة منا عليكم لتتمكنوا من نحرها على الوجه المسنون.
﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد لكي تطيعوني. وشكر الله طاعة له واعتراف بإنعامه.
٣٧ - قوله تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا﴾ قال الكلبي: كان أهل الجاهلية إذا نحروا البدن نضحوا دماءها حول البيت قربة إلى الله، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك، فأنزل الله هذه الآية (١).
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٤ - ٥٥ بمثل لفظ البيهقي، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في "سننه".
واختار الطبري ١٧/ ١٧٠ أن القانع: السائل، والمعتر هو الذي يأتيك معترًا بك لتعطيه وتطعمه، وعّلل ذلك بقوله: لأنه لو كان المعني بالقانع -في هذا الموضع: المكتفى بما عنده والمستغني به- لقيل: وأطعموا القانع والسائل، ولم يقل "وأطعموا القانع والمعتر" وفي اتباع ذلك قوله "والمعتر" الدليل الواضح على أن القانع معني به السائل..
وقال النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤١٣ عن القول بأن القانع هو السائل والمعتر الذي يتعرض لك ولا يسألك، إنه أحسن ما قيل في هذا وهو الصحيح في اللغة. واستظهر هذا القول الشنقيطي في "أضواء البيان" ٥/ ٦٩٥.
(١) ذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٥ - ٥٦ نحوه عن ابن عباس، وعزاه لابن المنذر وابن مردويه. =
والمعنى: لن يصل إلى الله اللحوم ولا الدماء أي: لن يتقرب إليه بها.
وقال مقاتل بن حيّان: لن يُرفع إلى الله لحومها ولا دماؤها، ولكن يرفع إلى الله منكم الأعمال الصالحة والتقوى (٢).
والمعنى لن يتقبل الله اللحوم ولا الدّماء، ولكن يتقبل التقوى فيها وفي غيرها بإيجاب الثواب عليها.
وقيل: لن يبلغ رضا الله لحومها ولا دماؤها، ولكن يبلغه التقوى منكم (٣).
وقال الأزهري: لن يصل إلى الله ما يُنيلكم به ثوابه غير التقوى، دون اللحوم والدماء (٤).
قوله: ﴿وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد النيّات.
وقال إبراهيم: التقوى ما أُريد به وجهه (٥).
وذكر ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٢٥ نحوه من رواية ابن أبي حاتم عن ابن جريج. ولم يثبت في سبب نزول هذه الآية شيء صحيح.
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٩.
(٢) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٦، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٣) ذكر هذا القول الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٨٤، والحاكم الجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٧٩ ب، ولم ينسباه لأحد.
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٣٧٢ دون قوله: دون اللحوم والدماء.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ١٧٠. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٦، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم بلفظ: ما التمس به وجه الله تعالى.
وحقيقة معنى هذا الكلام يعود إلى القبول. وذلك أنّ (٢) ما يقبله الإنسان يقال: قد ناله ووصل إليه. فخاطب الله تعالى الخلق كعادتهم في تخاطبهم والمعنى. لن يقبل الله اللحوم ولا الدماء إذا كانت من غير تقوى الله، وإنما يقبل منكم ما تتقونه به. وهذا دليل على أن شيئًا من العبادات لا يصح إلا بالنية، وهو أن ينوي بها التقرب إلى الله وأداء (٣) أمره واتقاء عقابه.
وقوله: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ﴾ تقدم تفسيره قبيل.
﴿لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد على ما بين لكم وأرشدكم لمعالم (٤) دينه (٥) ومناسك حجه. وهو أن يقول: الله أكبر على ما هدانا (٦) ﴿وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال: يريد الموحّدين (٧) (٨).
٣٨ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قال المفسرون: يعني غائلة المشركين (٩).
وقال أبو إسحاق: هذا يدل على النصر من عنده، أي: فإذا فعلتم هذا
(٢) أن: ساقطة من (د)، (ع).
(٣) في (أ)، (ع): (وإذا)، وهو خطأ.
(٤) في (أ): (إلى دينه).
(٥) في (د)، (ع): (دينكم).
(٦) ذكره البغوي ٥/ ٣٨٨ من غير نسبه.
(٧) في (أ): (المحدين).
(٨) ذكره عنه البغوي ٥/ ٣٨٨، وأبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٧٠.
(٩) الطبري ١٧/ ١٧١، والثعلبي ٣/ ٥٣ ب.
وقُرئ: "إنَّ الله يدافع" (٢). من دافع. وهو بمعنى دفع، وإن كان من المفاعلة، مثل: طارقت النعل، وعاقبت اللص، وعافاه الله (٣).
قال الأخفش: أكثر الكلام "إن الله يدفع" بغير ألف. قال: ويقولون دفع الله عنك. قال: ودافع عربية إلا أن الأولى (٤) أكثر (٥).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ قال ابن عباس: يريد: خانوا الله، وجعلوا معه شريكًا، وكفروا نعمه (٦).
وقال أبو إسحاق: إنَّ من ذكر غير اسم الله، وتقرب إلى الأصنام بذبيحة؛ فهو خوان كفور (٧).
(٢) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو (يدفع) بغير ألف. وقرأ الباقون (يدافع) بالألف. "السبعة" ص ٤٣٧، "التبصرة" ص ٢٦٦، "التيسير" ص ١٥٧.
(٣) "الحجة" للفارسي ٥/ ٢٧٩ مع اختلاف يسير.
وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٢٥، "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٧٩، "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١٢٠.
وذكر ابن زنجلة في "حجة القراءات" ص ٤٧٨ وجها آخر في توجيه قراءة (يدافع) فقال: وحجتهم أنَّ "يدافع" عن مرات متواليات. اهـ
وبينه مكي في "الكشف" ٢/ ١٥ بقوله: وقد تكون "فاعل" للتكرير، أي: يدفع عنهم مَرَّة بعد مرة.
(٤) في "الحجة": الأول.
(٥) قول الأخفش في "الحجة" للفارسي ٥/ ٢٧٩. ولم أجده في "معاني القرآن" للأخفش.
(٦) ذكره عنه البغوي ٥/ ٣٨٨.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٩.
٣٩ - وقوله: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ قال ابن عباس فيما روى عنه سعيد بن جبير (٣)، وقتادة (٤)، والزهري (٥): هذه أول آية نزلت في القتال. وقال سعيد بن جبير: لما أخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيَّهم ليهلكن.
فنزلت هذه الآية. قال أبو بكر: فعرفت أنه سيكون قتال (٦).
قال المفسرون: كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا يزالون يجيئون من بين مضروب ومشجوج، ويشكون ذلك فيقول لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اصبروا فإنّي لم أؤمر بالقتال"، حتى هاجر فأنزل الله هذه الآية (٧).
(٢) هذا قول الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٣ أ.
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٩، والإمام أحمد في "مسنده" ٣/ ٢٦١ - ٢٦٢، والنسائي في "التفسير" ٢/ ٨٨، والطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٧٢، والحاكم في "مستدركه" ٢/ ٦٦ كلهم من طريق سفيان الثوري، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. قال أحمد شاكر في تعليقه على المسند ٣/ ٢٦١: إسناده صحيح.
(٤) رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٩، والطبري ١٧/ ١٧٣.
(٥) رواه عنه النسائي في "تفسيره" ٢/ ٨٩ - ٩٠.
(٦) رواه الترمذي في جامعه (كتاب التفسير -باب ومن سورة الحج ٩/ ١٥) من رواية سعيد بن جبير، عن ابن عباس. ثم قال: وقد رواه غير واحد عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير مرسلا وليس فيه عن ابن عباس.
(٧) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٣ ب بنصَّه.
قال الزيلعي في كتابه "تخريج أحاديث الكشاف" ٢/ ٣٨٨ - بعد ذكره لما ساقه الزمخشري من وهو مثل الرواية هنا-: غريب جدًّا، وعزاه للواحدي في الوسيط. =
وعلى هذا القول الآية نازلةٌ في قوم مخصوصين بأعيانهم. والقول الأول عليه أهل التفسير.
قال مقاتل بن حيان: إن مشركي مكة كانوا يؤذون المسلمين بمكة، فاستأذنوا النبي -صلى الله عليه وسلم- في قتالهم، فنهاهم فلما خرج إلى المدينة أنزل عليه بالمدينة هذه الآية، وهي أول آية نزلت عليهم (٢) في القتال (٣).
وقرئ "أذن" بفتح الألف وبضمها (٤). فمن فتح الألف بني الفعل
(١) رواه الطبري ١٧/ ١٧٣ عنه من رواية ابن أبي نجيح، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٧ وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في "الدلائل".
(٢) (عليهم): ساقطة من (ط)، وفي (د)، (ع): (نزلت في القتال عليهم).
(٣) تقدم في كلام ابن حجر أنَّ ابن أبي حاتم أخرجه عنه.
(٤) قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وابن عامر: "أذن" مفتوحة الألف، وقرأ =
وقوله: "يقاتِلون" أي: الذين يقاتلون عدوهم الظالمين لهم بإخراجهم عن ديارهم. وهم المؤمنون.
وقرئ "يقاتَلون" بفتح التاء (٤)، أي: الذين يقاتلهم المشركون، وهم المؤمنون، ويقوي هذه القراءة أن الفعل الذي بعده مسند إلى المفعول به وهو قوله: "ظلموا" (٥).
"السبعة" ص ٤٣٧، "التَّبصرة" ص ٢٦٦، "التيسير" ص ١٥٧، "الإقناع" ٢/ ٧٠٦.
(١) في (ظ): (علي ما تقدّم)، وفي "الحجة" للفارسي: فلما تقدم.
(٢) يعني أنَّه قرب من قوله -قبلها-: "إن الله لا يحب كل خوان كفور"، فأسندوا الفعل إلى الله لتقدم اسمه وأنَّ الفعل قرب منه. قاله ابن زنجلة في "حجة القراءات" ص ٤٧٨.
(٣) من قوله: من فتح الألف إلى هنا. هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٥/ ٢٨٠ - ٢٨١ مع تقديم وتأخير.
وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٢٦، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٧٨، "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١٢٠.
(٤) قرأ نافع، وحفص عن عاصم، وابن عامر: "يقاتلون" بفتح التاء، وقرأ الباقون بكسر التاء.
"السبعة" ص ٤٣٧، "التبصرة" ص ٢٦٦: "التيسير" ص ١٥٧، "الإقناع" ٢/ ٧٠٦.
(٥) من قوله: الذين يقاتلون عدوهم... إلى هنا. هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٥/ ٢٨٠ - ٢٨١ مع تقديم وتأخير. =
قال الفراء (١) والزجاج (٢): المعنى: أذن لهم أن يقاتلوا.
وقال أبو علي: المعنى فيه: أذن للذين يقاتَلون بالقتال. قال (٣): وحذف مثل هذه من الكلام للدلالة (٤) عليه حسن كثير (٥).
وقوله: ﴿بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ قال المبّرد: أي من أجل أنّهم ظلموا.
وقال أبو إسحاق: بسبب ما ظلموا (٦).
قال ابن عباس: اعتدوا عليهم وظاهروا عليهم وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم.
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ قال مقاتل: يعني نصر أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فنصرهم عليهم (٧).
وقال أبو إسحاق: هذا وعبد من الله بالنَّصر (٨).
٤٠ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ ["الذين" في
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٧.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٠.
(٣) (قال): ساقطة من (ظ).
(٤) في (ظ): (بالدلالة).
(٥) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٨١.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٠.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٦ أ.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٠ بنحوه.
قوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ قال الفراء (٣)، والزجاج (٤): أي لم يخرجوا إلا بأن وحَّدُوا الله، فأخرجتهم (٥) عبدة الأوثان لتوحيدهم. وعلى هذا: "لم يخرجوا" مضمر في الآية، ودل عليه ذكر الإخراج في أول الآية والاستثناء المذكور (٦).
(٢) هذا كلام الزجاج في "معاني القرآن" ٣/ ٤٣٠.
ويكون "الذين" في موضع خفض؛ لأنه بدل من "الذين" الأولى، أو صفة له.
وجوز أبو البقاء في الإملاء ٢/ ١٤٥ أن يكون "الذين" في موضع نصب بأعْني، أو في موضع رفع على إضمار مبتدأ تقديره: هم الذين.
وتبعه في ذلك أبو حيّان ٦/ ٣٧٤، والسمين الحلبي ٨/ ٢٨٢.
وانظر أيضًا: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٠٠، "البيان في غريب إعراب القرآن" للأنباري ٢/ ١٧٦ - ١٧٧.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٧.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٠.
(٥) في (ظ): (فأخرجهم).
(٦) وعلى قول الفراء والزجَّاج يكون الاستثناء في قوله: "إلا أن يقولوا". متصلاً، ويكون "أن يقولوا" في محل جر على البدل.
وتبع الفراء والزجاج في هذا الزمخشري ٣/ ١٦ فقال: أي لغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإفراج والتيسير. ومثله ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [المائدة: ٥٩].
وذكر أبو حيان ٦/ ٣٧٤ قول الزجاج والزمخشري وتعقبهما بقوله: وما أجازاه من البدل لا يجوز؛ لأنَّ البدل لا يكون إلا إذا سبقه نفي أو نهي أو استفهام في معنى النفي.. وأما إذا كان الكلام موجبًا أو أمرًا فلا يجوز البدل.. ولو قلت في غير القرآن: أخرج الناس من ديارهم إلا بأن يقولوا لا إله إلا الله، لم يكن كلاما. وانظر: "الدر المصون" ٨/ ٢٨٢ - ٢٨٣، "فتح القدير" للشوكاني ٣/ ٤٥٧.
والمعنى: ولكن أخرجوهم بتوحيدهم.
وذكر الفرَّاء هذا القول أيضًا، فقال: وإن شئت جعلت "أنْ" مستثناة كما قال: ﴿إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى﴾ [الليل: ٢٠] (٢).
وحكى المبرد عن بعضهم قولاً آخر، وهو: أنَّ المعنى أخرجوا من ديارهم بأن جعل الحق في إخراجهم، أي: الذين استحقوا به الإخراج قولهم: ربنا الله، كما تقول: ما غبت علي إلا أنّي منصفٌ، أي: جعلت سبب غضبك إنصافي. أي: عدوانًا وظلمًا (٣). هذا كلامه (٤).
وعلى هذا الاستثناء متصل، واستثنى التوحيد من الباطل لضرب من المبالغة كقول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أنَّ سيوفَهم | بهن فلول (٥) من قِرَاعِ الكتائب (٦) |
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٧.
(٣) في (ظ)، (د)، (ع): (ظلمًا وعدوانا).
(٤) لم أقف عليه.
(٥) في (ظ): (كلول).
(٦) البيت في "ديوانه" ص ٤٤، و"الكتاب" ٢/ ٣٢٦، "المعاني الكبير" لابن قتيبة ١/ ٣٦٠، "الكامل" للمبرد ١/ ٥١، "همع الهوامع" للسيوطي ١/ ١٣٢، "شرح أبيات مغني اللبيب" للبغدادي ٣/ ١٦.
قال البغدادي ٣/ ١٩: وهو من قصيدة يمدح بها عمرو بن الحارث الأصغر من ملوك الشام الغسَّانيين، ويقال نهم: بنو جفنه.
قال السيرافي في "شرح أبيات سيبويه" ٢/ ٥١: يمدح آل جفنه الغسانيين. والفلول =
وقوله: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ وقرئ: "ولولا دفاع الله" (١).
ومضى الكلام في هذا في الآية السابقة.
قال أبو علي: ويجوز أن يكون الدفاع من دفع، كالكتاب من كتب، ولا يراد به مصدر فاعل، ولكن مصدر الثلاثة مثل: الكتاب والقيام والغياث (٢) (٣).
وقوله: ﴿لَهُدِّمَتْ﴾ الهَدَم: مصدر هدمت البناء، إذا نقضته. يقال: هدمته فانهدم. والهدم: المهدوم (٤).
(١) قرأ نافع: "ولولا دفاع الله" بالألف وكسر الدال، وقرأ الباقون "ولولا دفع الله" بغير ألف وفتح الدال.
"السبعة" ص ٤٣٧، "المبسوط" لابن مهران ص ٢٥٨.
(٢) في "الحجة": العتاب.
(٣) "الحجة" للفارسي ٥/ ٢٧٨.
(٤) انظر: (هدم) في "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ٢٢٢، "الصحاح" للجوهري ٥/ ٢٠٥٧، "لسان العرب" ١٢/ ٦٠٣.
وقوله: ﴿صَوَامِعُ﴾ جمع صومعة، وهي مُتَعبّد الراهب.
قال الأزهري: الصومعة من البناء سميت صومعة لتلطيف أعلاها. يقال: صَمَّع الثريدة، إذا رفع رأسها وحدَّده (٣)، وكذلك صعنبها (٤). وسُميت الثريدة إذا سويت كذلك صومعة. ومن هذا يقال: رجل أصمع إذا كان حادّ الفطنة (٥).
قال مجاهد، والضحاك (٦): يعني صوامع الرهبان.
"السبعة" ص ٤٣٨، "التبصرة" ص ٢٦٧، "التيسير" ص ١٥٧، "الإقناع" ٢/ ٧٠٦.
(٢) من قوله: فالتخفيف يكون... إلى هنا هذا كلام أبي علي الفارسي في "الحجة" ٥/ ٢٧٩. وانظر: "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٧٨، "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١٢١.
(٣) في (ظ)، (د)، (ع): (وحدده)، وفي (أ): (وحدّده)، وهو الموافق لما في "تهذيب اللغة".
(٤) في (أ)، (ع): (وصعسها) مهملة، وفي (ظ): (وصعبتها)، وفي (د): (وصعنبها)، وهو الموافق لما في "تهذيب اللغة".
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ٢/ ٦١ (صمع)، وقوله "ومن هذا يقال: رجل... في ٢/ ٦٠.
(٦) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٣ ب عنهما. ورواه الطبري ١٧/ ١٧٥ عنهما.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٠ وعزه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
وقال مقاتل بن حيان: هي البيوت التي على الطرق (٢).
وقوله: ﴿وَبِيَعٌ﴾ [جمع بِيعة] (٣)، وهي كنيسة النصارى في قول أهل اللغة (٤) والمفسرين (٥).
وقوله: ﴿وَصَلَوَاتٌ﴾ قال أبو إسحاق وأبو العباس (٦). هي كنائس اليهود، وهي بالعبرانية صلوتا (٧).
وهذا قول ابن عباس، وقتادة، والضحاك (٨)،
ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٩، والطبري ١٧/ ١٧٦. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٠ وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) ذكره عنه ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٢٦.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٤) انظر: (بيع) في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٣٩، "الصحاح" للجوهري ٣/ ١١٨٩.
(٥) هذا قول أبي العالية وقتادة والضحاك ومقاتل بن حيان وخصيف وغيرهم. قال ابن كثير ٣/ ٢٢٦.
وقيل "بيع" كنائس اليهود، حكاه ابن جرير ١٧/ ١٧٦ والثعلبي ٣/ ٥٣ ب عن مجاهد وابن زيد.
وأما في اللغة فإن ابن منظور قال في "لسان العرب" ٨/ ٢٦ (بيع): والبيعة -بالكسر- كنيسة النصارى، وقيل: كنيسة اليهود.
(٦) قول أبي إسحاق في كتابه "معاني القرآن". وقول أبي العباس -ثعلب- في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٢/ ٢٣٩ (صلى).
(٧) في (أ): (صلاتا)، وهو خطأ.
(٨) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٣ ب عن ابن عباس والضحاك وقتادة.
وعن ابن عباس رواه الطبري ١٧/ ١٧٦ من طريق العوفي بلفظ: الكنائس. وليس فيه تقييدها باليهود، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٩ عن ابن =
وقوله: ﴿وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ يعني مساجد المسلمين من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في قول ابن عباس وغيره (٢).
وأما معنى الآية: فقال أبو إسحاق: تأويل هذا: لولا أن الله دفع بعض الناس ببعض لهُدّم في كل شريعة نبي (٣) المكان الذي يصلى فيه، فكان لولا الدفع لهدم في زمن موسى -عليه السلام- الكنائس التي كان يصلى فيها في شريعته، وفي زمن عيسى (٤) -عليه السلام- الصوامع والبيع، وفي زمن محمد -صلى الله عليه وسلم- المساجد (٥).
وقال الأزهري: أخبر الله جل ثناؤه أنه لولا دفعه الناس (٦) عن الفساد
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٩ عن ابن عباس رواية أن الصلوات: كنائس النصارى. وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
وعن قتادة رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٩، والطبري ١٧/ ١٧٦، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٠ وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم. وعن الضحاك رواه الطبري ١٧/ ١٧٦، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦ وعزاه لابن أبي حاتم.
(١) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٦ أ.
وفي الصلوات قول آخر أنَّها مساجد للمسلمين وأهل الكتاب. رواه الطبري ١٧/ ١٧٧ وغيره عن مجاهد وابن زيد.
(٢) ذكره عن ابن عباس السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٩ وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٣) في المعاني: لهم في شريعة كل نبيّ.
(٤) (عيسى) ساقطة من (أ).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣١.
(٦) في (ظ): (للناس).
وهذا مذهب أكثر أهل التأويل في هذه الآية.
وقال ابن زيد: الصَّلوات: صلوات أهل الإسلام تنقطع إذا دخل عليهم العدو (٣).
وقال الأخفش: وعلى هذا فالصلوات لا تهدم، ولكن يحمل على فعل آخر كأنه قال: وتركت صلوات (٤).
وقال أبو عبيدة: إنَّما يعني مواضع الصلوات (٥).
والقول هو الأول.
وقال الحسن: يدفع عن هدم (٦) مصليات أهل الذمة بالمؤمنين (٧).
وعلى هذا القول لا يحتاج إلى التفسير (٨) الذي ذكرنا في القول
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ٢٣٩.
قال ابن كثير ٣/ ٢٢٦: وقال بعض العلماء: هذا ترق من الأقل إلى الأكثر إلى أن انتهى إلى المساجد، وهي أكثر عمارًا وأكثر عبادًا وهم ذوو القصد الصحيح.
(٣) رواه الطبري ١٧/ ١٧٧، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٠ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٤) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣٦.
(٥) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٥٢ وعبارته: مجازه مصليات.
(٦) في (أ): (هم).
(٧) ذكره عنه الثعلبي ٥٤/ ٣ أ.
(٨) في (د)، (ع). (تفسير).
وقوله: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ أي: ينصر (٢) دينه وشريعته ونبيه.
قال ابن عباس: يريد ينصر محمدًا -صلى الله عليه وسلم-.
قال مقاتل: وقد فعل، نَصر محمدًا (٣) ونَصر أهل دينه (٤).
وقال أبو إسحاق: أي: من أقام شريعة من شرائعه نصر على إقامة ذلك (٥).
وهذا وعد من الله بنصر من ينصر دينه وشريعته.
وقوله ﴿إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ﴾ قال ابن عباس: على خلقه ﴿عَزِيزٌ﴾ منيع في سلطانه وقدرته (٦).
وقال مقاتل: ﴿عَزِيزٌ﴾ في انتقامه من عدوه (٧).
٤١ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ﴾ ذهب بعض النحويين (٨) إلى أن هذا بدل من قوله ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ﴾
(٢) في (أ): (لينصر).
(٣) في (أ): (محمد)، وهو خطأ.
(٤) "تفسير مقاتل" ٣/ ٢٦ أ.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣١
(٦) انظر: الطبري ١٧/ ١٧٨، وابن كثير ٣/ ٢٢٦.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٦ أ
(٨) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٠١.
وعلى هذا ذكر الله تعالى المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم، ثم ذكر أنه كان ينصر في كل زمان أهل دينه، ويدفع عنهم بالغزاة، ولولا ذلك لغلب عدوهم حتى تخرب (٢) متعبداتهم، وكذا يفعل بهذه الأمة، ينصرهم حتى يأمنوا في مساجدهم وديارهم، ثم عاد إلى وصفهم فقال: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ﴾.
وقال أبو إسحاق: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ﴾ من صفة ناصِريه (٣).
يعني قوله ﴿مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ وعلى هذا هو في محل النصب (٤). ومعنى ﴿مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ نصرناهم على عدوهم حتى يتمكنوا من البلاد غير مقهورين.
وقوله: {أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ
انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٠١، "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٤٥، "البيان في إعراب غريب القرآن" للأنباري ٢/ ١٧٧.
(٢) في (ظ): (تحرب)، وفي (د): (بحرب)، وفي (ع): (نحرب).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣١.
(٤) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٠١، "مشكل إعراب القرآن" لمكي ٢/ ٤٩٤، "البيان في غريب إعراب القرآن" للأنباري ٢/ ١٧٧.
وذكر أبو البقاء العكبري في "الإملاء" ٢/ ١٤٥ أن إعراب: "الذين إن مكناهم" مثل إعراب "الذين أخرجوا" واستظهره أبو حيان ٦/ ٣٧٦، وجوَّز ذلك السمين ٨/ ٢٨٦، ٨/ ٢٨٦ وقال: ويزيد هذا عليه -يعني: "الذين إن مكناهم"- بأن يجوز أن يكون بدلاً من "من ينصره" ذكره الزجَّاج، أي: ولينصرن الله الذين إن مكناهم في الأرض.
وقال قتادة: هم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- (٢).
ونحو هذا قال مقاتل (٣).
وقال محمد بن كعب: هم الولاة (٤).
وقال أبو العالية: هم هذه الأمة (٥). وهذا قول الحسن (٦). وعكرمة: أهل الصلوات الخمس (٧).
وهذه الآية تدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ قرنا بالصلاة والزكاة.
وقوله: ﴿وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ كقوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [البقرة: ٢١٠]. والمعنى: أنه يبطل كل ملك سوى ملكه، فتصير الأمور إليه بلا منازع ولا مُدَّع.
٤٢ - ٤٤ - ثم عزى نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن تكذيبهم إياه، وخوف مخالفيه بذكر من كذَّب نبيه فأُهلك (٨) بقوله: ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ﴾ إلى قوله: ﴿وَكُذِّبَ مُوسَى﴾
(٢) ذكره عنه الثعلبى ٣/ ٥٤ أ.
(٣) انظر: "تفسيره" ٣/ ٢٦ أ.
(٤) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٠ وعزاه لابن أبي حاتم.
(٥) ذكره عنه الثعلبى ٣/ ٥٤ أ.
وذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٠ عنه أنه قال: أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وكذا ذكره ابن كثير ٣/ ٢٢٦.
(٦) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٤ أ، والنحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤١٩.
(٧) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ١٥٤ أ.
(٨) في (ظ): (وأهلك).
وقوله: ﴿فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أي: أخَّرت العقوبة عنهم وأمهلتهم (٤).
يقال: أمْلى الله لفلان في العمر، إذا أخَّر عنه أجله (٥). وأصل هذا من المَلَوين (٦).
وذكرنا هذا عنِد قوله ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦].
وقوله: ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ﴾ أي: بالعذاب.
قال ابن عباس: يريد: فعذبتهم (٧).
﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ استفهام معناه التقرير، والنكير اسم من الإنكار. يقول: كيف أنكرت عليهم بالعقوبة. ألم أبدلهم بالنعمة نقمة،
(٢) في (أ): (ذكره).
(٣) ذكر القرطبي ١٢/ ٧٣ وأبو حيان ٦/ ٣٧٦ هذا المعنى، ولم ينسباه لأحد.
(٤) انظر الطبري ١٧/ ١٧٩، والثعلبي ٣/ ٥٤ أ.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٤٠٥ (ملا)، "الصحاح" للجوهري ٦/ ٢٤٩٧ (ملا).
(٦) الملوان: اللفعل والنهار، أو طرفاهما. انظر: "الصحاح" للجوهري ٦/ ٢٤٩، (ملا)، و"لسان العرب" لابن منظور ١٥/ ٢٩١ "ملا".
(٧) في (أ): (تعذيبهم).
وقال أبو إسحاق: أي: ثم أخذتهم، فأنكرت أبلغ إنكار (٣).
٤٥ - ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ (٤) أي: وكم من قرية. ومعنى وكم من قرية: عدد كثير (٥). يعني القرى المهلكة بظلم أهلها حين كذبوا نبيهم. وذكرنا الكلام في "كأين" في سورة آل عمران (٦).
وقوله (٧): "أهلكتها" وقرئ "أهلكناها" (٨) والاختيار التاء؛ لقوله ﴿فَأَمْلَيْتُ﴾ ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ﴾ (٩). ومن قرأ بالنون ذهب إلى أمثاله مما ذكر بلفظ الجمع كقوله: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ﴾ [الأنبياء: ١١] و ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ [الأعراف: ٤] و ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ﴾ [يونس: ١٣] (١٠).
(٢) هذا كلام الطبري ١٧/ ١٧٩ مع تصرف.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣١.
(٤) في (أ)، (ظ)، (د): (وكأيّن)، وهو خطأ.
(٥) هذا من كلام الزجاج. انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٤٣١.
(٦) عند قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٤٦].
(٧) (وقوله): ليست في (أ).
(٨) قرأ أبو عمرو: "أهلكتها" بالتاء مضمومة من غير ألف على لفظ التوحيد، وقرأ الباقون: "أهلكناها" بالنّون بلفظ الجمع.
انظر: "السبعة" ص ٤٣٨، "التبصرة" ص ٢٦٧، "التيسير" ص ١٥٧.
(٩) قال مكي في الكشف ٢/ ١٢١ - ١٢٢: وحجة من قرأ بالتاء أنه حمله على لفظ التوحيد الذي أتى بالتاء قبله وهو قوله: "فأمليت للكافرين ثم أخذتهم"، وحمله أيضًا على لفظ التوحيد بعده في قوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [الحج: ٤٨] فكان حيل الكلام على ما قبله وما بعده أحسن وأليق.
(١٠) هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٥/ ٢٨١ - ٢٨٢ مع تصرف. =
وقوله: ﴿وَبِئْرٍ﴾ ذكر الفراء في كسره ثلاثة أوجه:
أحدها: العطف على العروش (٢).
والثاني: الإتباع كقراءة من قرأ ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ [الواقعة: ٢٢] بالخفض.
الثالث: العطف على ﴿مِنْ قَرْيَةٍ﴾ (٣).
وهذا هو المختار (٤)، والأولان خلفٌ (٥)؛ لأن المعنى وكم من بئر معطلة وقصر مشيد تركوها بعد إهلاكهم (٦).
قوله تعالى: ﴿مُعَطَّلَةٍ﴾ أي: متروكة من العمل والاستقاء. ومعنى
وانظر "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٨٠.
(١) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩].
(٢) قال أبو حبان ٦/ ٣٧٧: وجعل "وبئر معطلة وقصر مشيد" معطوفين على "عروشها" جهل بالفصاحة، وقال السمين الحلبي ٨/ ٢٨٧ عن هذا القول، وليس بشيء. وكذا قال الألوسي ١٧/ ١٦٦.
(٣) انظر كلام الفراء في "معاني القرآن" ٢/ ٢٢٨.
(٤) وقال عنه السمين الحلبي ٨/ ٢٨٧، هذا هو الوجه. وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٠٢، "البحر المحيط" ٦/ ٣٧٧.
(٥) أي خطأ. قال الجوهري: الخلف: الرديء من القول. يقال سكت ألفًا وتكلم خلفًا، أي: سكت عن ألف كلمة ثم تكلم بخطأ. الصحاح ٤/ ١٣٥٤ (خلف).
(٦) في (ط)، (د)، (ع): (هلاكهم).
قال المبرد: والمعطل: المتروك على هيئته، وأصله مأخوذ من العطل، وهو: الجسم. وكأنها متروكة كما هي (٣).
قل ابن عباس: يريد: بئر لا يستقى منها (٤).
قوله: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ فيه قولان:
أحدهما: أنه بمعنى المشيَّد، وهو المطول (٥) المرفوع، وذكرنا ذلك في قوله: ﴿بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨]. وهو قول قتادة، والضحاك، ومقاتل (٦).
والثاني: أنه المجصص يقال: شاده يشيده، إذا بناه بالشِّيد وهو
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ٢/ ١٦٦ (عطل) نقلا عن الليث. وفي "العين" ٢/ ٩ (عطل): وبئر معطلة: أي لا تورد ولا يستقى منها.
(٣) لم أجد من ذكره عنه.
(٤) روى الطبري ١٧/ ١٨٠ عن ابن عباس "وبئر معطلة" قال: التي قد تركت وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦١ وعزاه لابن جرير وابن المنذر.
(٥) في (أ): (المطلول)، وهو خطأ.
(٦) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٤ أعنهم جميعًا.
وعن قتادة رواه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٤٠، والطبري ١٧/ ١٨١ بلفظ: كان أهله شيدوه وحصنوه.
وعن الضحاك رواه الطبري ١٧/ ١٨١ بلفظ: طويل.
وهو في "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٦ ب.
شماده مرمرًا وجلله كِلْسًا | فللطير في ذراه وكور (٣) |
والنورة بالضم: الهناءُ، وهو من الحجر يُحرق ويسوّى منه الكلس. "لسان العرب" ٥/ ٢٤٤ "نور"، "تاج العروس" للزبيدي ١٤/ ٣٠٦ "نور".
(٢) في (د)، (ع): (أبو عبيد)، والصواب ما في (أ)، (ظ).
(٣) البيت أنشده أبو عبيدة لعدي بن زيد في كتابه "مجاز القرآن" ٢/ ٥٣. وهو في ديوان عدي بن زيد ص ٨٨، "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ص ١٣، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩٤، "الكامل" ١/ ٩٠، والطبري ١٧/ ١٨٢، "الجمهرة" لابن دريد ٣/ ٤٥ "كلس"، "لسان العرب" ٦/ ١٩٧ "كلس". والرواية عندهم "جلله" إلا الديوان والجمهرة فإن الرواية فيهما: "خلله"، ثم قال ابن دريد بعد روايته للبيت:
هكذا رواه الأصمعي بالخاء معجمة، وقال: ليس جلله -بالجيم- بشيء -وروى غيره بالجيم- وقال الأصمعي: إنَّما هو "خلله" أي: صير الكلس في خلل الحجارة، وكان يضحك من هذا ويقول: متى رأوا حصنًا مصهرجًا.
المرمر: الرخام. "الصحاح" للجوهري ٢/ ٨١٤ (مرر).
و"الكلس" -بالكسر-: ما طلبي به حائط أو باطن قصر شبه الجص من غير آجر، وقيل هو الصاروج -يعني النورة وأخلاطها التي تطلى بها النزل، فارسي معرب- أو مثل الصاروج.
انظر: "لسان العرب" ٦/ ١٩٧ (كلس)، ٢/ ٣١٠ (صرج)، "تاج العروس" للزبيدي ١٦/ ٤٤٨ (كلس).
(ذراه): أعلاه. الصحاح للجوهري ٦/ ٢٣٤٥ (ذرا).
(كُور): جميع وكر، وهو العش. "لسان العرب" ٥/ ٢٥٢ "وكر".
وهذا قول عطاء، وعكرمة، وأبي صالح، والسّدي، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأكثر المفسرين (٢).
ومن المفسرين من يخصص البئر المذكورة في هذه الآية -وهو قول الضحاك، والسدي- قالا: كانت هذه البئر باليمن (٣).
وليس بالوجه.
٤٦ - ثم حث على الاعتبار بحال من مضى من الأمم المكذبة فقال: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس: يريد: أفلم يسر قومك في أرض
(٢) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٤ أعن عطاء وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير.
ورواه عن هؤلاء الأربعة الطبري ١٧/ ١٨٠ - ١٨١.
ورواه عن عطاء وعكرمة عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٩.
ولم أجده من ذكره عن أبي صالح والسدي.
قال ابن كثير ٣/ ٢٢٧ بعد ذكره للأقوال: والأقوال متقاربة، ولا منافاة بينهما، فإنه لم يحمل أهله شدة بنائه ولا ارتفاعه ولا إحكامه ولا حصانته عن حلول بأس الله بهم كما قال تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨].
وقال العلامة عبد الرحمن بن سعدي في "تيسير الكريم الرحمن" ٣/ ٣٢٧ - ٣٢٨: وكم من قصر تعب عليه أهله، فشيدوه ورفعوه وحصنوه وزخرفوه، فحين جاءهم الأمر لم يغن عنهم شيئا، وأصبح خاليًا من أهله.
(٣) ذكره الثعلبي ٥٤/ ٣ أعن الضّحاك. وذكر فيها قصّة.
وذكره القرطبي ١٢/ ٧٥ عن الضحاك وغيره، وساق عنه قصّة طويلها في خبر هذه البتر وأصحابها. الله أعلم بصحة هذا الخبر.
(والمعنى: أفلم يسيروا فيعقلوا بقلوبهم ما نزل بمن كذب قبلهم. والتأويل: فتكون لهم قلوبٌ عاقلة [عالمة؛ لأن قوله) (١) ﴿يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ صفة للنكرة، وقبل أن يسيروا لهم قلوب ولكن غير عاقلة، فإذا ساروا واعتبروا كانت لهم قلوب عاقلة] (٢) وعلى هذا النحو قوله ﴿أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾.
قال ابن عباس: يريد من يسمع فلم يجب فلم يسمع.
يعني أنهم غير سامعين إذا صمُّوا عن دعائك، أفلا يسيرون فيسمعوا (٣) أخبار الأمم المكذبة فيعتبروا.
قال ابن قتيبة -في هذه الآية والتي قبلها-: وهل شيء أبلغ في العظة والعبرة من هذه الآية؟ لأن الله تعالى أراد (٤): أفلم يسيروا في الأرض، فينظروا إلى آثار قوم أهلكهم الله بالعتو، وأبادهم بالمعصية، فيروا من تلك الآثار بيوتًا خاوية قد سقطت على عروشها، وبئرًا لشُرب أهلها قد عُطّلت (٥) (٦)، وقصرًا بناه ملكها (٧) بالشيد قد خلا من السكن وتداعى
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٣) في (أ): (فيسمعون)، وهو خطأ.
(٤) (أراد): موضعه بياض في (ظ).
(٥) في (أ): (غلطت)، وهو خطأ.
(٦) العبارة عند ابن قتيبة: وبئرًا كانت لشُرب أهلها قد عطل رشاؤها وغار معينها، وقصرًا.
(٧) عند ابن قتيبة: ملكه.
ثم ذكر الله تعالى أنَّ (٣) أبصارهم الظاهرة لم تعم عن النظر، وإنما عميت أبصار (٤) قلوبهم فقال: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾.
قال الفراء: الهاء هاء عماد يوفى (٥) بها "إنَّ" ويجوز مكانها "إنَّه"، وكذلك هي في قراءة عبد الله (٦).
وقال غيره: هي إضمار على شريطة التفسير. والمعنى: فإنَّ الأبْصار لا تعمى. ويجوز أن تكون الهاء لإضمار القصة. وذكرنا هذه الأقوال مشروحة في تفسير قوله ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنبياء: ٩٧].
وقوله: ﴿الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ ذكر الفراء وأبو إسحاق (٧): أن هذا من التوكيد الذي تزيده العرب في الكلام، كقوله ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٦]. وقوله: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧]، وقوله ﴿يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨]. والتوكيد جار في الكلام مبالغ في الإفهام.
وقال غيرهما: هذا التوكيد فائدته أنه يمنع من ذهاب الوهم إلى غير
(٢) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ١٠.
(٣) (أن): ساقطة من (أ).
(٤) (أبصار): ساقطة من (أ).
(٥) عند الفراء. تُوَفّى.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٨.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٨، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٢.
٤٧ - قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ قال ابن عباس: كانوا يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، فأنزل الله هذه الآية (٢).
والمعنى: يسألونك أن تأتي بعذابهم عاجلًا غير مؤخّر.
وقوله: ﴿وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ أي: في أن ينزل بهم العذاب (٣) في الدنيا. قاله الفراء (٤).
وقال ابن عبَّاس: يريد بهذا يوم بدر (٥).
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ قال مجاهد وعكرمة وابن زيد: هو من أيَّام الآخرة (٦).
ويدل على هذا ما روي في الحديث: "أن الفقراء يدخلون الجنة قبل
(٢) في "تنوير المقباس" ص ٢٠٩: (استعجله النضر بن الحارث قبل أجله. وذكر الثعلبي ٣/ ٥٤ ب، والبغوي ٥/ ٣٩١، والقرطبي ١٢/ ٨٨ أنها نزلت في النضر بن الحارث. ذكروا ذلك من غير سند ولا نسبة لأحد.
قال القرطبي: وقيل نزلت في أبي جهل بن هشام.
وجميع ما ذكر لا يثبت بمثله سبب في نزول الآية، والله أعلم.
(٣) في (د)، (ع): (في نزول العذاب بهم).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٩.
(٥) ذكر هذا القول الثعلبي ٥٤٣ ب ولم ينسبه لأحد.
(٦) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٤ ب عن مجاهد وعكرمة، ورواه عنهما الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٨٣. وذكره البغوي ٥/ ٣٩٢ عن ابن زيد.
وعلى هذا معنى الآية أنَّهم يستعجلون بالعذاب (٢) وإنّ يومًا من أيّام عذابهم في الآخرة ألف سنة.
قال الفراء: ففي هذه الآية وعبد لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة (٣)
وقال (٤) أبو إسحاق: الذي تدل عليه الآية (٥) أنهم استعجلوا العذاب، فأعلم الله أنه لا يفوته شيء، وأن يومًا عنده وألف سنة في قدرته واحد، ولا فرق بين وقوع ما يستعلجون به (٦) من العذاب وتأخره في القدرة، إلا أنَّ الله تفضَّل بالإمهال، فالفرق بين التأخير والتقديم تفضل الله بالنَّظرة (٧) (٨).
وهذا الذي ذكره معنى قول ابن عباس في رواية عطاء (٩).
قال المنذري: ورواته محتج بهم في الصحيح.
وقال ابن القيم في "حادي الأرواح" ص ١١٠: (ورجال إسناده احتج بهم مسلم في "صحيحه".
(٢) في جميع النسخ: يستعلجون العذاب إنّ. والتصويب من "الوسيط" للواحدي ٣/ ٢٧٥.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٩ بمعناه.
(٤) في (أ): (قال).
(٥) في (ظ): (الآخرة)، وهو خطأ.
(٦) به: ساقطة من (أ).
(٧) في (أ): (بالنظر).
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٣ مع اختلاف يسير.
(٩) ذكر البغوي ٥/ ٣٩٢ أن هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء.
وذُكر وجه ثالث (٣) في تفسير هذه الآية وهو: أنَّ المعنى: وإنَّ يومًا عند ربك من أيَّام عذابهم في الآخرة كألف سنة في الثِّقل والاستطالة، فكيف يستعجلون بالعذاب لولا جهالتهم.
وهذا الوجه لأصحاب المعاني، ذكره الأخفش وغيره (٤).
قال أبو علي: وقد جاء في كلامهم وصف اليوم ذي الشدائد والجهد بالطول، وجاء وصف (٥) خلافه بالقصر. أنشد أبو زيد (٦):
تطاولت أيام معن بنا | فيومٌ كشهرين إذ يُسْتَهل (٧) |
يطول اليوم لا ألْقاك فيه | وحَوْلٌ (٨) نلتقي فيه (٩) قصير (١٠) |
(٢) (بيان): ساقطة من (ظ).
(٣) هكذا في (ظ)، (د)، (ع). وفي (أ): (وذكر وجهًا ثالثًا)، فيعود على أبي إسحاق. والصواب ما أثبتنا؛ لأنه أبا إسحاق لم يذكر هذا الوجه، ولقول الواحدي بعد ذلك: وهذا الوجه لأصحاب المعاني..
(٤) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣٨. وقد ذكر هذا الوجه الثعلبي ٣/ ٥٤ ب وعزاه لأهل المعاني.
(٥) في (ظ): (وجه)، وهو خطأ.
(٦) البيت ذكره أبو علي في "الحجة" ٥/ ٢٨٣ من إنشاد أبي زيد ومن غير نسبة لأحد، ولم أهتد لقائله.
(٧) في (أ): (يسهل).
(٨) في "الحجة": ويوم.
(٩) في (ظ)، (د). (ع)، (حول).
(١٠) البيت في "الحجة" ٥/ ٢٨٣ من غير نسبة لأحد.
ويومٌ كإبْهام الحُبارى لَهَوتُه (١) (٢)
وهذا كما يقال: أيّام الهُموم طوال، وأيام السرور قصار (٣).
فهذه أوجه ثلاثة (٤) في تأويل هذه الآية.
وروي عن ابن عباس أنه قال -في قوله ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ﴾ الآية: هو من الأيَّام التي خلق الله فيها السَّموات والأرض (٥).
وهذا لا يتوجّه في معنى الآية؛ لأن تلك الأيام قد مضت، إلا أن يُحمل على أن (٦) المراد أنّ أيّام الآخرة بمقدار هذه المدة فيعود المعنى إلى القول الأول.
روى (٧) ابن أبي مليكة: أنّ ابن عباس سئل عن هذا وعن قوله (٨) ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: ٤] فقال: يومان ذكرهما الله
وإبهام الحُبارى يضرب به المثل، فقال: أقصر من إبهام الحبارى. انظر مجمع الأمثال للميداني ٢/ ٥٣٦.
(٢) قول أبي علي، والأبيات في "الحجة" ٥/ ٢٨٣.
(٣) قوله: وهذا كما يقال... هذا كلام الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٤ ب.
(٤) في (ظ): (ثلاث)، وهو خطأ.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ١٧٣، وابن أبي حاتم (كما في تفسير ابن كثير ٣/ ٢٢٨). وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٢ وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٦) أن: ساقطة من (ظ).
(٧) في (ظ): (وروى).
(٨) في (ظ): (وعن قوله يوم كان...)، وفي (د)، (ع): (وعن قوله كان مقداره...).
وقرئ "مما يعدّون" و"تعدّون" (٣). فمن قرأ بالياء فوجهه قوله ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ﴾ فيكون الكلام من وجه واحد، ومن قرأ بالتاء فوجهه أنه أعمّ، ألا ترى أنه يجوز أن يُعنى به المستعجلون وغيرهم من المسلمين (٤).
٤٨ - ٥١ - ثم أعلم الله أنه قد أخذ قومًا بعد الإملاء والتأخير فقال: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا﴾ الآية وهي مفسرة فيما سبق قبيل. وما بعدها ظاهر التفسير إلى قوله ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا﴾ أي: عملوا في إبطالها ﴿مُعَاجِزِينَ﴾ قال ابن عباس: مشاقين معاندين مغالبين (٥).
وقال الأخفش: مسابقين (٦).
ومعنى المعاجزة في اللغة: محاولة عجز المغالب (٧).
قال أبو أسحاق وأبو علي: ﴿مُعَاجِزِينَ﴾ ظانين ومُقدرين أن
(٢) رواه عبد الرزاق ٢/ ١٠٨، والطبري ٢٩/ ٧٢.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٣٧ وعزاه لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف والحاكم.
(٣) قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي: "مما يعدون" بالياء. وقرأ الباقون بالتاء. "السبعة" ص ٤٣٩، "التبصرة" ص ٢٦٧، "التيسير" ص ١٥٨.
(٤) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٨٣ مع اختلاف يسير. وانظرة "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٨٠، "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١٢٢.
(٥) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٤ ب دون قوله معاندين.
ورواه الطبري ١٧/ ١٨٥ بلفظ: مشاقين.
(٦) ذكره عنه الثعلبي ٥٤٣ ب.
(٧) انظر: "عجز" في: "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٣٤٠، "لسان العرب" ٥/ ٣٦٩ - ٣٧٠.
وهذا معنى قول قتادة: ظنوا أنهم يعجزون الله فلا يقدر عليه، ولن يعجزوه (٣). وهذا [في المعنى] (٤) كقوله: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ [العنكبوت: ٤].
ومن قرأ "مُعجِّزين" (٥) فالمعنى أنهم كانوا يُعجزون من اتبع النبي -صلى الله عليه وسلم-، أي: ينسبونهم إلى العجز، كقولهم: جهلته وفسقته. وهذه قراءة مجاهد، وزعم (٦) في تفسير معجزين: مثبطين، أي: يئبطون الناس عن الإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم- (٧) (٨).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٣، "الحجة" للفارسي ٥/ ٢٨٤.
(٣) ذكره بهذا اللفظ الثعلبي ٣/ ٥٤ ب. وقد رواه عبد الرزاق ٢/ ٤٠، والطبري ١٧/ ١٨٥ دون قوله: فلا يقدر عليهم. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٤ وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ع).
(٥) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: "معجِّزين" بتشديد الجيم من غير ألف. وقرأ الباقون: "معاجزين" بألف بعد العين وتخفيف الجيم. "السبعة" ص ٤٣٩، "التبصرة" ص ٢٦٧، "التيسير" ص ١٥٨.
(٦) في "الحجة": وزعموا أن مجاهدًا فسَّر.
(٧) تفسير مجاهد رواه الطبري ١٧/ ١٧٨٦: مبطئين، يبطئون الناس عن اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٤ مثل لفظ الطبري وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٨) من قوله: وهذا في المعنى.. إلى هنا. هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٥/ ٢٨٤ مع تصرّف.
وانظر أيضًا في توجيه القراءة: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٢٨ - ٤٢٩، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٨١، "الكشف" لمكي بن أبي طالب ٢/ ١٢٣.
ثم أخبر عن هؤلاء أنّهم أصحاب النار بقوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾.
٥٢ - قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾ الرسول: الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل إليه عيانًا، ومحاورته إيَّاه (٢) شفاهًا. والنبي: الذي (٣) تكون نبوته إلهامًا أو منامًا. فكلّ رسول نبيّ، وليس كل نبي رسولاً (٤).
(٢) في (أ): (ومجاورته إياها)، وهو خطأ.
(٣) في (ظ): (التي).
(٤) هذا كلام الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٥ أمع اختلاف يسير. وقد اختلف في الفرق بين الرسول والنبي على أقوال:
أحدها: ما ذكره المؤلف.
الثاني: أن النبي الرسول هو من أنزل عليه كتاب وشرع مستقل يدعو الناس إليه، والنبي المرسل -الذي هو غير الرسول- هو من لم ينزل عليه كتاب وإنما أوحي إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يرسلون ويؤمرون بالعمل بما في التوراة كما قال تعالى: ﴿يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ [المائدة: ٤٤].
الثالث: أن الرسول هو الذي أرسله الله تعالى، وهو مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه، والنبي هو المنبأ عن الله، فالله ينبئه بالغيب، وهو ينبئ الناس بالغيب. وقريب من هذا القول قول من قال: النبي هو من أوحي إليه وحي ولم يؤمر بتبليغه، والرسول هو النبي الذي أوحي إليه وأمر بتبليغ ما أوحي إليه.
وهذا الأخير أضعف الأقوال، قال الشنقيطي ٥/ ٧٣٥ معللًا عدم صحة هذا القول-: لأن قوله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾ الآيه يدل على أن=
قوله: ﴿إِلَّا إِذَا تَمَنَّى﴾ قال ابن عباس -في رواية عطاء- إلا إذا قرأ (٣) وهذا معنى قول المفسرين: تلا (٤) وقال مجاهد: إذا قال (٥).
وذكرنا التَّمنّي بمعنى التلاوة والقراءة مستقصى بذكر الحجج (٦) في سورة البقرة عند قوله: ﴿إِلَّا أَمَانِيَّ﴾ [البقرة: ٧٨].
قوله: ﴿أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ أي: تلاوته.
قال المفسرون -بألفاظ مختلفة ومعاني متفقة-: إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان حريصًا على إيمان قومه أشد الحرص، فجلس يومًا في ناد من أنديتهم (٧)، وقرأ عليهم سورة النجم (٨)، فلما أتى على قوله ﴿أَفَرَأَيْتُمُ
وانظر: "النكت والعيون" للماوردي ٤/ ٣٦، "تفسير الرازي" ٢٣/ ٤٦، "فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" ١٨/ ٧، "روح المعاني" للألوسي ١٧/ ١٧٢ - ١٧٣، "أضواء البيان" للشنقيطي ٥/ ٧٣٥.
(١) المحدث: هو الملهم. "لسان العرب" ٢/ ١٣٤ (حدث).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٩.
وقوله عن النبي أنه الذي لم يرسل يردُّه كما تقدم قوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾ الآية.
(٣) روى البخاري في "صحيحه" ٨/ ٤٣٨ تعليقًا، والطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٩٠ من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله (إذا تمنى) إذا حدث.
(٤) انظر: الطبري ١٧/ ١٩٠، الثعلبي ٣/ ٥٥ أ، "الدر المنثور" ٦/ ٦٩.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ١٩٠.
(٦) في جميع النسخ: (الحج)، والصواب ما أثبتناه.
(٧) في (أ): (أيديهم)، وهو خطأ.
(٨) في (د)، (ع): (سورة والنجم).
(٢) في (د)، (ع): (فأتى).
(٣) ورد هذا القول عن ابن عباس من طرق، وكلها لا تخلو من مقال.
الطريق الأول: طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس: رواه أبو بكر البزار في "مسنده" (كما في "كشف الأستار عن زوائد البزار" للهيثمي ٣/ ٧٢)، والطبراني في "الكبير" ١٢/ ٥٣ من طريق أميَّة بن خالد، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -فيما أحسب، أشك في الحديث-: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان بمكة، فقرأ سورة النجم حتى انتهى إلى قوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ فجرى على لسانه -وفي رواية الطبراني: ألقى الشيطان على لسانه- تلك الغرانيق العلي فذكره بنحوه مختصرًا.
ثم قال البزار: لا نعلمه يروى بإسناد متصل يجوز ذكره إلا بهذا الإسناد، وأميّة بن خالد ثقة مشهور، وإنما يعرف هذا من حديث الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس. اهـ.
وذكره السيوطي في "الدر" ٦/ ٦٥ وزاد نسبته لابن مردويه، وقال: بسند رجاله ثقات.
وتعقَّب الألباني في "نصب المجانيق" ص ٦، قول السيوطي: "بسند رجاله ثقات"، فقال ذلك يوهم أنَّه ليس بمعلول، وهذا خلاف الواقع، فإنَّه معلول بتردَّد الراوي في وصله. اهـ.
وذكر ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٢٩ رواية البزار، وقبل أن يسوقها قال: ولم أرها -يعني قصة الغرانيق- مسندة من وجه صحيح.
وجاءت هذه الرواية عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس دون شك من الراوي في وصله، رواها ابن مردويه في "تفسيره" (كما في تخريج "أحاديث الكشاف" للزيلعي ٢/ ٣٩٤، من طريق أبي بكر محمد بن علي المقرئ البغدادي، ثنا عثمان بن الطيالسي، ثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة، ثنا أبو عاصم النبيل، ثنا عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ. فساق الحديث. قال الألباني في "نصب المجانيق" ص ٨ - ٩: (وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، وكلهم من رجال "التهذيب" إلا من دون ابن عرعرة، ليس فيهم من ينبغي النظر فيه غير أبي بكر محمد بن علي المقرئ البغدادي. وقد أورده الخطيب في "تاريخ بغداد"... ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلا، فهو علة هذا الإسناد الموصول.
ثم ذكر الألباني أن الصواب عن عثمان بن الأسود إنما هو عن سعيد بن جبير مرسلاً كما رواه الواحدي في "أسباب النزول" ص ٢٥٦ - ٢٥٧، خلافا لرواية ابن مردويه عنه. ثم قال الألباني: وبالجملة، فالحديث مرسل، ولا يصح عن سعيد بن جبير موصولا بوجه من الوجوه. اهـ.
وقد تقدَّم كلام ابن كثير أنه لم ير هذه القصة مسندة من وجه صحيح.
الطريق الثاني: طريق العوفي، عن ابن عباس:
رواه من هذا الطريق الطبري ١٧/ ١٨٩ قال: حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، فذكره بمعناه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٦ من طريق العوفي، عن ابن عباس، =
قال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "الطبري" ١/ ٢٦٣ عن هذا الإسناد: وهو إسناد مسلسل بالضعفاء. وقال الألباني: وهذا إسناد ضعيف جدًا، مسلسل بالضعفاء. "نصب المجانيق" ص ١٧.
الطريق الثالث والرابع والخامس:
فرواه ابن مردويه كما في "تخريج أحاديث الكشاف" ٢/ ٣٩٤، "فتح الباري" ٨/ ٤٣٩، "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ٦٦ من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، ومن طريق أبي بكر الهذلي وأيوب عن عكرمة عن ابن عباس، ومن طريق سليمان التيمي عمن حدثه عن ابن عباس رضي الله عنه: أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قرأ سورة النجم. وساق الحديث.
قال ابن حجر في "الفتح" ٨/ ٤٣٩ بعد سوقه لهذه الطرق الثلاث ورواية سعيد بن جبير المرسلة -وستأتي- وغيرها: وكلّها سوى طريق سعيد بن جبير إمَّا ضعيف أو منقطع. وقال الألباني في "نصب المجانيق" ص ١٧ عن هذه الطرق الثلاث: وكلها ضعيفة.
(١) رواه ابن أبي حاتم (كما في "الدر المنثور" ٦/ ٦٩ عن السدي قال:
خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد ليصلي، فقرأ | وساق الحديث بمعناه، وهو مرسل. |
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٠، والطبري ١٧/ ١٩١.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٨٦ وعزاه لابن أبي حاتم فقط.
قال الألباني في "نصب المجانيق" ص ١٢: وهو صحيح إلى قتادة، ولكنه مرسل أو معضل.
(٤) رواه ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٢٩ - ٢٣٥، و"الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ٦٦ عن الزهري مطولاً.
قال الألباني في "نصب المجانيق" ص ٩: فهو مرسل، بل معضل. اهـ
ورواه الطبري ١٧/ ١٨٩ عن ابن شهاب: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فذكره مختصرًا. =
وقال السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٦ - بعد عزوه هذه الرواية لعبد بن حميد وابن جرير: مرسل صحيح الإسناد.
قال الألباني في "نصب المجانيق" ص ٩: وإسناده إلى أبي بكر بن عبد الرحمن صحيح كما قال السيوطي تبعًا للحافظ، لكن علته أنّه مرسل.
(١) رواه الطبري ١٧/ ١٨٩ قال: حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي..) الآية: أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة، فذكره بنحوه. قال الألباني في "نصب المجانيق" ص ١٥: (وهذا إسناد ضعيف منقطع مرسل).
(٢) رواه الطبري ١٧/ ١٨٨ - ١٨٩، وابن أبي حاتم وابن المنذر كما في "فتح الباري" ٨/ ٤٣٩، "الدر المنثور" ٦/ ٦٥ - ٦٦ من طرق عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد ابن جبير. وقد صحح إسناده ابن حجر في "الفتح" والسيوطي في "الدر المنثور"، وقال الألباني في "نصب المجانيق" ص ٥: (وهو صحيح الإسناد إلى ابن جبير كما قال الحافظ. اهـ. ورواه الواحدي في "أسباب النزول" ص ٢٥٧ من طريق يحيى القطان، عن عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير، بنحوه مختصرًا.
(٣) رواه الطبري ١٧/ ١٨٧ - ١٨٨ من طريق ابن إسحاق، عن يزيد بن زياد المدني، عن محمد بن كعب القرظي، فذكره مطولاً.
قال الألباني في "نصب المجانيق" ص ١٢: ويزيد هذا ثقة، لكن الراوي عنه ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه. اهـ.
وقد رواه الطبري ١٧/ ١٨٦ - ١٨٧ من طريق أبي معشر، عن محمد بن كعب ومحمد بن قيس قالا... فذكره بنحوه.
قال الألباني ص ١١: وأبو معشر ضعيف كما قال الحافظ في "التقريب".
(٤) ورد هذا القول أيضًا عن أبي العالية، وعروة بن الزبير.
فأمّا قول أبي العالية فرواه الطبري ١٧/ ٤٣٩، وذكره السيوطي في "الدر المنثور": =
وقال الألباني في "نصب المجانيق" ص ١١: وإسناده صحيح إلى أبي العالية، لكن علته الإرسال.
ورواية عروة بن الزبير رواها الطبراني في "المعجم الكبير" ٩/ ٢٣ وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٧٢: فيه ابن لهيعة، ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة.
وهذه الرواية المعروفة بقصّة الغرانيق اختلف العلماء فيها، وهم فريقان:
الفريق الأول: القائلون بثبوتها؛ وهم على قولين:
القول الأول: أن الشيطان ألقى على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك الكلمات، ثم إنَّ الله أحكم آياته ودحر الشيطان ولقَّن نبيه حجته.
وممن صحت عنه الرواية ممن قال بهذا القول من المفسرين: سعيد بن جبير وقتادة وأبي العالية. وبهذه القصة فسر هؤلاء آيات الحجّ.
وتبعهم في ذلك طائفة من المفسرين ذكروا هذه القصة في كتبهم ولم ينكروها، وبها فَسَّروا الآيات، منهم: الطبري، والثعلبي، والواحدي، والزمخشري.
وحكى الآلوسي ١٧/ ١٧٨ هذا القول عن بعض المتأخرين، فقال: وذهب إلى صحة القصّة أيضًا خاتمة المتأخرين الشيخ إبراهيم الكوراني ثم المدني.
القول الثاني: أنَّ هذه القصّة ثابتة، لكنَّ فيها ما يستنكر وهو قوله: ألقى الشيطان على لسانه.. فيتعين تأويله.
قال الآلوسي ١٧/ ١٨٦: وتوسَّط جمع في أمر هذه القصّة فلم يثبتوها كما أثبتها الكوراني -عفا الله تعالى عنه- من أنَّه -صلى الله عليه وسلم- نطق بما نطق عمدًا معتقدًا للتلبيس أنه وحي حاملاً له على خلاف ظاهره، ولم ينفوها بالكلية كما فعل أجلة أثبات وإليه أميل، بل أثبتوها على وجه غير الوجه الذي أثبته الكوراني، واختلفوا فيه على أوجه.... ثم ذكر الآلوسي هذه الأوجه، وخلاصة ما ذكره -وذكره قبله البغوي ٥/ ٩٤، والقاضي عياض في الشفا ٤/ ١٦٣ - ١٧٧، وابن حجر في "الفتح" ٨/ ٤٣٩ - ٤٤٠:-
قيل: جرف ذلك على لسانه -صلى الله عليه وسلم- حين أغفى إغفاءه وهو لا يشعر. وقد ردَّ هذا القول القاضي عياض.
وقيل: لعل النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله أثناء تلاوته على تقدير التقريع والتوبيخ للكفّار، وأنَّه ليس =
وقيل: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما وصل إلى قوله (ومناة الثالثة الأخرى) خشي المشركون أن يأتي بعدها بشئ يذم الهتهم به، فبادروا إلى ذلك الكلام فخلطوه في تلاوة النبي -صلى الله عليه وسلم- على عادتهم في قولهم: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) ونسب ذلك إلى الشيطان لأنه الحامل لهم على ذلك، أو المراد بالشيطان شيطان الإنس، وأن المشركين أشاعوا ذلك وأذاعوه وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله، فحزن لذلك من كذبهم وافترائهم عليه، فسلاه الله بقوله: "وما أرسلنا من قبلك.... " الآية، وبين للناس الحق من ذلك الباطل.
وقيل: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرتل القرآن، ارتصده الشيطان في سكته من السكتات، ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها.
وقال ابن حجر من هذا الوجه أنه أحسن الوجوه.... اهـ.
ولا يخفى أن هذه أوجه متكلفة تحتاج إلى دليل، ولذا قال الألوسي عنها ٧/ ١٨٦: وكلها عندي مما لا ينبغي أن يلتفت إليها.
وممن ذهب إلى هذا القول -يعني تصحيح القصة من تأويل ما يستنكر فيها- الحافظ ابن حجر، وتبعه السيوطي، والمناوي في الفتح السماوي ٢/ ٤٨٣ - ٨٤٧.
قال ابن حجر في "فتح الباري" ٨/ ٤٣٩ - بعد أن ذكر روايات القصّة عن ابن عباس وسعيد بن جبير-: وكلها سوى طريق سعيد بن جبير -يعني المرسل- إما ضعيف وإمَّا منقطع، لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصّة أصلا، مع أن لها طريقين آخرين مرسلين رجالهما رجال الصحيح.
ثم ذكر الحفاظ ابن حجر رواية الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن ورواية أي العالية، ثم نقل كلامًا لأبي بكر بن العربي والقاضي عياش في إبطال هذه القصّة، ثم قال: "وجميع ذلك لا يتمشّى على القواعد؛ فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دَلَّ ذلك على أنَّ لها أصلاً، وقد ذكرت أن تلاوته أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها ممن يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، وإذا تقرَّر ذلك تعيَّن تأويل ما وقع فيها مما يستنكر".
وقد ردَّ الألباني في كتابه "نصب المجانيق" ص ١٩ - ٢٤ على الحافظ ابن حجر اعتماده في تصحيحه لهذه الرواية على كثرة الطرق عن ابن عباس إضافة إلى ما =
أولاً: أنَّ قاعدة تقوية الحديث بكثرة الطرق ليست على إطلاقها، كما نبه على ذلك غير واحد من علماء الحديث المحققين منهم الحافظ أبو عمرو من الصلاح حيث بين أنّه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت فمن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهمًا بالكذب، أو كون الحديث شاذًا.
قال الألباني ص ٢١: ومن هذا القبيل حديث ابن عباس في هذه القصّة، فإن طرقه كلها ضعيفة جدًا، فلا تقوى بها أصلاً.
ثانيًا: أن الحديث المرسل، ولو كان المرسل ثقة، لا يحتج به عند أئمة الحديث كما بينه ابن الصلاح واختاره الخطيب وابن حجر وغيرهم، وسبب عدم احتجاج المحدثين بالمرسل من الحديث هو جهالة الواسطة التي روي عنها المرسلُ الحديث، فقد يكون المحذوف صحابيًا، ويحتمل أن يكون تابعيًا، وعلى الاحتمال الثاني يحتمل أن يكون ضعيفًا ويحتمل أن يكون ثقة، وعلى الاحتمال الثاني يحتمل أن يكون حمل على صحابي ويحتمل أن يكون حمل عن تابعي آخر، وعلى الثاني يعود الاحتمال السابق ويتعدد. وأكثر ما وجد بالاستقراء من رواية بعض التابعين عن بعض ستة أو سبعة.
لكن بعض العلماء كالشافعي رحمه الله وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية قبل المرسل إذا اعتضد بمجيئه من وجه آخر بشرط أن يكون مُرْسلة آخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول، وكأن ذلك ليغلب على الظن أنَّ المحذوف في أحد المرسلين هو غيره في المرسل الآخر.
قال الألباني ص ٢٣: ومع أن التحقق من وجود هذا الشرط في كل مرسل من هذا النوع ليس بالأمر الهين، فإنه لو تحققنا من وجوده، فقد يرد إشكال آخر، وهو أنه يحتمل أن يكون كل من الواسطتين أو أكثر ضعيفًا، وعليه يحتمل أن يكون ضعفهم من النوع الذكر ينجبر بمثله الحديث... ويحتمل أن يكون من النوع الآخر الذي لا يقوى الحديث بكثرة طرقه... إلى أن قال ص ٢٤: إننا لو ألقينا النظر على روايات هذه القصة، ألفيناها كلها مرسلة، حاشى حديث ابن عباس ولكن طرقه كلها واهية شديدة الضعف لا تنجبر بها تلك المراسيل، فينبغي النظر في هذه =
فمع هذه الاحتمالات لا يمكن أن تطمئن النفس لقبول حديثهم هذا، لا سيما في مثل هذا الحدث العظيم الذي يمسَّ المقام الكريم، فلا جرم تتابع العلماء على إنكارها، بل التنديد ببطلانها. اهـ
الفريق الثاني: القائلون ببطلانها.
وهؤلاء قالوا: هذه الرواية معلولة بالضعف والإرسال، فليس في رواياتها ما يصلح للاحتجاج، ثم أن مما يؤكد ضعفها وبطلانها ما في متنها من النكارة مما لا يليق بمقام النبوة والرسالة، فقد جاء في تلك الروايات أن الشيطان تكلَّم على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- بتلك الكلمات التي تمدح آلهة المشركين.
وهذا الأمر قد دل الكتاب والسنّة والنظر على بطلانه.
فأما القرآن فدل على بطلانه من جهتين:
الجهة الأولى: دلالة آيات القرآن على وجه العموم على بطلان هذا القول، فقد قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]، وقال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤١ - ٤٢]، وقال تعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ [الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٢]، وقال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: ٣ - ٤].
فهذه الآيات وغيرها دالة على بطلان القول بإلقاء الشيطان على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك المقالة.
وقال الشنقيطي -رحمه الله- في "أضواء البيان" ٥/ ٧٢٩: قد دلَّت آيات قرآنية على بطلان هذا القول، وهي الآيات الدالة على أن الله لم يجعل للشيطان سلطانًا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وإخوانه من الرسل وأتباعهم المخلصين كقوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ =
الثانية: أن سياق آيات النجم على وجه الخصوص يدل على بطلان هذا القول: قال القاضي عياض ٤/ ١٥٣ - ١٥٤: هذا الكلام لو كان كما روي لكان بعيد الالتئام، متناقض الأقسام، ممتزج المدح بالذم، متخاذل التأليف والنظم، ولما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا من بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين ممن يخفى عليه ذلك، وهذا مما لا يخفى على أدنى متأمِّل، فكيف بمن رجح حُلمه، واتّسع في باب البيان ومعرفة الكلام علمه؟.
وقد بين الشنقيطي ٥/ ٧٢٩ هذا الوجه بقوله: وهذا القول الذي زعمه كثير من المفسرين وهو أن الشنقيطي ٥/ ٧٢٩ هذا الوجه بقوله: وهذا القول الذي زعمه كثير من المفسرين وهو أن الشيطان ألقى على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الشرك الأكبر والكفر البواح -الذي لا شك في بطلانه- في نفس سياق آيات النجم التي تخللها إلقاء الشيطان المزعوم قرينة واضحة على بطلان هذا القول؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ بعد موضع الإلقاء المزعوم بقليل: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ وليس من المعقول أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يسب آلهتهم هذا السب العظيم في سورة النجم متأخرًا عن ذكره لها بخير المزعوم إلا وغضبوا، ولم يسجدوا؛ لأن العبرة بالكلام الأخير. اهـ.
وأما السنة فقد روى الدارمي ١/ ١٢٥، وأبو داود في العلم -باب كتابة العلم ١٠/ ٧٩ عن عبد الله بن عمرو قال: "كنت أكتب كلَّ شيء سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشر يتكلم في الغضب والرضى، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال: أكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق" ولا شك أن تلك الكلمات من أعظم الباطل المنافي للحق.
وأما النظر، فقال ابن العربي في أحكام القرآن ٣/ ١٣٠٠: النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أرسل إليه الملك بوحيه، فإنّه يخلق له العلم به، حتى يتحقق من أنه رسول من عنده، ولولا ذلك =
وأنا من أدنى المؤمنين منزلة وأقلهم معرفة بما وفقني الله وآتاني من علمه، لا يخفى علي وعليكم أن هذا كفر لا يجوز وروده من عند الله، ولو قاله أحدٌ لكم لتبادر الكلّ إليه قبل التفكير بالإنكار والرَّدع والتقريب والتشنيع، فضلاً عن أن يجهل النبي -صلى الله عليه وسلم- حال القول، ويخفى عليه قوله، ولا بتفطن لصفة الأصنام بأنها الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتجى، وقد علم علمًا ضروريًا أنها جمادات لا تسمع ولا تبصر، ولا تنطق ولا تضر، ولا تنفع ولا تنصر ولا تشفع، بهذا كان يأتيه جبريل الصباح والمساء، وعليه انبنى التوحيد، ولا يجوز نسخُه.. فكيف يخفى هذا على الرسول؟. ونذكر هنا بعض العلماء والمفسرين قديما وحديثا الذين ردوا هذه الرواية، فمنهم: -محمد بن إسحاق بن خزيمة. الإمام المعروف، قال الرازي في "تفسيره" ٢٣/ ٥٠:
روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنَّه سئل عن هذه القصّة؟ فقال: هذا وضع من الزنادقة. وصنف فيه كتابًا.
- ابن حزم فقد قال في "الفصل في الملل والأهواء والنحل" ٤/ ٤٨: وأما الحديث الذي فيه: "وإنّهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" فكذب بحت موضوع، لأنه لم يصح قط من طريق النقل.
- أبو بكر البيهقي صحب كتاب "السنن الكبري" وغيرها، فقد نقل عنه الرازي في تفسيره ٢٣/ ٥٠ أنَّه قال: هذه القصّة غير ثابتة من جهة النقل. =
- القاضي عياض في كتابه "الشفا في حقوق المصطفى" ٤/ ١٣٩ - ١٧٧ حيث بين بطلانها سندًا، ثم شرع في بيان بطلانها متنا.
- الرازي في "تفسيره" ٢٣/ ٥٠ - ٥٤ فقد ذكر أنَّ القرآن والسنَّة والمعقول يدل على بطانها، ثم شرع في بيان بطلانها.
- القرطبي في "أحكام القرآن" ١٢/ ٨٠ - ٨٥.
- أبو حيان في "البحر المحيط" ٦/ ٣٨١ - ٣٨٢ حيث قال: وذكر المفسرون في كتبهم: ابن عطية والزمخشري، فمن قبلها ومن بعدهما ما لا يجوز وقوعه من آحاد المؤمنين منسوبا إلى المعصوم صلوات الله عليه. ثم ذكر بعض أقوال العلماء في ردّه ووجوب اطراحه، ثم قال: ولذلك نزهت كتابي عن ذلك فيه ثم ردَّ ذلك بالقرآن والنظر.
- الحافظ ابن كثير، فقد قال في "تفسيره" ٣/ ٢٢٩: قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة، ظنَّا منهم أنَّ مشركي قريش قد أسلموا، ولكنَّها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح.
- البيضاوي فقد قال في "تفسيره" ٢/ ٩٦: وهو مردود عند المحققين.
- وردها من شرَّاح صحيح البخاري: العيني في كتابه "عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري" ١٩/ ٦٦.
وردّها أيضًا الشوكاني في "فتح القدير" ٣/ ٤٦٢ فقال: "ولم يصح شيء من هذا، ولا يثبت بوجه من الوجوه، ومع عدم صحته، بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله". ثم شرع في ردّه
وعلى هذا القول، فمعنى نسخ ما يلقي الشيطان: إزالته وإبطاله، وعدم تأثيره في المؤمنين الذين أتوا العلم. لأن النسخ هنا هو النسخ اللغوي، ومعناه: الإبطال والإزالة من قولهم: نسخت الشمس الظل، ونسخت الريح الأثر.
ومعنى "يحكم آياته": يتقنها بالإحكام، فيظهر أنها وحي منزل منه بحق، ولا يؤثر في ذلك محاولة الشيطان صد الناس عنها بإلقائه المذكور، وما ذكره هنا من أنه يسلط الشيطان فيلقي في قراءة الرسول والنبي، فتنة للناس ليظهر مؤمنهم من =
وقد نقل العلامة القاسمي في "محاسن التأويل" ١٢/ ٤٦ - ٥٦ عن الشيخ محمد عبده مفتي مصر في هذه الآيات كلاما جيدًا، ومما قاله: "لا يخفى على كل من يفهم اللغة العربية، وقرأ شيئًا من القرآن، أن قوله تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾ الآيات، يحكي قدرًا قدر للمرسلين كافة، لا يعدونه ولا يقفون دونه،. ويصف شنشنة عرفت فيهم، وفي أممهم. فلو صح ما قال أولئك المفسرون لكان المعنى: أن جميع الأنبياء والمرسلين قد سلط الشيطان عليهم فخلط في الوحي المنزل إليهم، ولكنه بعد هذا الخلط ينسخ الله كلام الشيطان ويحكم الله آياته إلخ، وهذا من أقبح ما يتصور متصور في اختصاص الله تعالى لأنبيائه، واختيارهم من خاصة أوليائه!.. ذكر الله لنبيه حالا من أحوال الأنبياء والمرسلين قبله، ليبين له سنته فيهم. وذلك بعد أن قال: ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ﴾ [الحج: ٤٢] إلى آخر الآيات، ثم قال: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (٥١) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾ إلخ، فالقصص السابق كان في تكذيب الأمم لأنبيائهم. ثم تبعه إلاَّمر الإلهي بأن يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لقومه: إنني لم أرسل إليكم إلا لأنذركم =
فعلى هذا المعنى الذي يتفق مع ما لقيه الأنبياء جميعًا، يجب أن تفسر الآية وذلك يكون على وجهين:
الأول: أن يكون (تمنَّى) بمعنى (قرأ) و (الأمنية) بمعنى (القراءة) وهو معنى قد يصح. وقد ورد استعمال اللفظ فيه؛ قال حسان بن ثابت في عثمان رضي الله عنهما:
تمنى كتاب الله أول ليله | وآخره لاقى حمام المقادر |
تمنى كتاب الله أول ليله | تمنى داود الزبور على رسل |
وكأن إحدى الطائفتين من القرآن شرح للأخرى. فالذين في قلوبهم زيغ هم الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم. والراسخون في العلم هم الذين أتوا العلم، وهؤلاء هم الذين يعلمون أنه الحق من ربهم. فيقولون آمنا به كل من عند ربنا، فتخبت له قلوبهم، وإن الله لهاديهم إلى صراط مستقيم. وأولئك هم الذين يفتتنون بالتأويل، ويشتغلون بقال وقيل بما يلقي إليهم الشيطان، ويصرفهم عن رامي البيان، ويميل بهم عن محجة الفرقان. وما يتكئون عليه من الأموال والأولاد، لن يغني عنهم من الله شيئًا. فستوافيهم آجالهم، وتستقبلهم الأنباء مع أممهم، وسبيل الحق مع الباطل من يوم أن رفع الله الإنسان إلى منزلة يميز فيها بين سعادته وشقائه، وبين ما يحفظه وما يذهب ببقائه. وكما لا مدخل لقصة الغرانيق في آيات آل عمران، لا مدخل لها في آيات سورة الحج، هذا هو الوجه الأول في تفسير آيات (وما أرسلنا) إلى آخرها، على تقدير أن (تمنَّى) بمعنى (قرأ) وأن (الأمنية) بمعنى (القراءة) والله أعلم".
ثم ذكر الشيخ محمد عبده وجهًا ثانيًا في تفسير الآيات مبنيًّا على أن التمني هو على معناه المعروف من الأمنية. واقتصرنا على الوجه الأول؛ لأن عامّة المفسرين على أن التمني هنا بمعنى القراءة.
(١) في (ظ)، (ع): (وإنّهن).
(٢) ذكره الرازي ٢٣/ ٥٣ من روايه عطاء عن ابن عباس، وذكره القرطبي ١٢/ ٨٤ عن ابن عباس، وذكره البغوي ٥/ ٣٩٤ من غير نسبه.
وهذا قول لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنه.
وعلى هذا (تمنى) في قوله ﴿إِلَّا إِذَا تَمَنَّى﴾ من الأمنية، لا بمعنى قرأ، ويكون المعنى إذا أحب شيئًا ألقى الشيطان في محبته.
وهذا دليل على جواز الخطأ والنسيان على الرسل، ثم لا يقارُّون على ذلك (٧).
(٢) في (أ)، (ظ): (نبيًّا).
(٣) في (ع): (يتمنى).
(٤) لم: ساقطة من (أ).
(٥) في جميع النسخ: (قومه قوله "فينسخ...) بزيادة قوله، وهي زيادة يختل بها المعنى فحذفناها، وهي ليست موجودة في الوسيط ٣/ ٢٧٧.
(٦) لم أجد هذه الرواية عن السدي عن أصحابه. وقد ذكرها البغوي ٥/ ٣٩٤ عن ابن عباس بأخصر مما هنا.
والرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأمة.
أما ما سوى ذلك فيجوز عليهم الخطأ والنسيان لكن لا يقارّون على ذلك. وعلى ذلك دل الكتاب والسنة.
انظر: "فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" ١٠/ ٢٩٠، ٢٩٥ وما بعده.
(٧) حكي القرطبي ٢١/ ٨٦ هذا القول عن الثعلبي ثم قال: ولكن إنَّما يكون الغلط على حسب ما يغلط أحدنا، فأمَّا أنَّ يضاف إليه من قولهم: "تلك الغرانيق العلى" =
قال أبو إسحاق: وذلك محنة من الله -عز وجل-، وله أن يمتحن بما شاء (٢)، فألقى الشيطان على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا من صفة الأصنام فافتتن بذلك أهل الشقاق والنفاق ومن في قلبه مرض (٣).
وروي عن الحسن أنه قال في هذه الآية: أراد (٤) بالغرانيق العلى الملائكة (٥).
وهذا غير مرضي من القول؛ لأن الله تعالى قال: ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ [أن (٦) يبطله، وشفاعة الملائكة غير باطلة، ثم وإنْ أُخذَ] (٧) بهذا (٨) فليس يمنع هذا القول من أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قد سمع منه ما ليس بقرآن (٩).
(١) قد تقدم بيان بطلان هذا القول.
(٢) في (د)، (ع): (يشاء).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٣ - ٤٣٤.
(٤) في (د)، (ع): زيادة إنّه قبل (أراد).
(٥) ذكره عنه الماوردي ٤/ ٣٥، والقرطبي ١٢/ ٨٥
(٦) هكذا في جميع النسخ، ولعلها: أي.
(٧) ساقط من (ظ).
(٨) في (ظ). (فهذا).
(٩) انظر الثعلبي ٣/ ٥٥ أ - ب.
وهذا في البعد، كما روي عن الحسن؛ لأن هذا التأويل لا يمنع من سماع هذا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما بين القرآن.
فإذًا (٢) الصحيح في هذا أن يقال: إنّه من السهو الذي لا يعرى منه بشر، ثم لا يلبث أن ينبهه الله (٣) عليه، وإما أن يقال إنَّه كان من الشيطان فتنة للناس كما ذكرنا.
وقوله: ﴿أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ [إن قلنا] (٤) أن الشيطان تكلم بهذا على لسانه فهو ظاهر، وإن قلنا إنّه سهى وغلط (٥)؛ فإن ذلك السهو من جهة الشيطان ووسوسته فهو من إلقائه. ومفعول ﴿أَلْقَى﴾ غير مذكور في اللفظ لأنه كان معلومًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولأصحابه حين نبه على غلطه ألا ترى أنه نقل نقلًا مستفيضًا.
وقوله ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ أي: يرفعه ويبطله بتنبيه
(٢) في (أ): (فإذن).
(٣) لفظ الجلالة ليس في (ظ).
(٤) ساقط من (أ).
(٥) في (د)، (ع): (سهو وغلط).
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بما أوحى إليه نبيه ﴿حَكِيمٌ﴾ في خلقه. قاله ابن عباس (١).
٥٣ - قوله تعالى: ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ هذه اللام تتعلق بقوله: ﴿أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ (٢) أي: ليجعل الله ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض.
قال ابن عباس: شك ونفاق، وذلك أنهم افتتنوا لما سمعوا ذلك، ثم نسخ ورفع، وازدادوا تحيرًا، وظنوا أن محمدًا يقول الشيء من عند نفسه ثم يندم فيبطله، وكذلك المشركون ازدادوا شرًّا وضلالة وتكذيبًا (٣)، وهو قوله ﴿وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾. قال ابن عباس: يريد المشركين، وهم الذين لا تلين قلوبهم لأمر الله (٤).
وهذا صريح في أن الله تعالى أراد فتنتهم وضلالتهم (٥).
(٢) في معلّق اللام في قوله "ليجعل" ثلاثة أوجه:
أحدها: ما ذكره المؤلف وهو أنها متعلقه بـ"ألقى"، واستظهره الشنقيطي ٥/ ٧٣٣.
الثاني: أنها متعلّقة بـ"يحكم" أي: يحكم الله آياته ليجعل. وهذا القول: عزاه أبو حيان ٦/ ٣٨٢ للحوفي، واستظهره السمين الحلبي في "الدر المصون" ٨/ ٢٩٨.
الثالث: أنها متعلقة بـ"ينسخ" وإليه ذهب ابن عطية ١٠/ ٣٠٨.
(٣) ذكره البغوي ٥/ ٣٩٥ هذا القول إلى قوله: فيبطله. من غير نسبة لأحد. وانظر "النكت" للماوردي ٤/ ٣٦، و"البحر" لأبي حيان ٦/ ٣٨٢.
(٤) روى الطبري ١٧/ ١٩١ عن ابن جريج هذا القول مختصرًا. وذكر الماوردي ٤/ ٣٦، والبغوي ٥/ ٣٩٥ هذا القول من غير نسبة.
(٥) في (ظ): (وضلالهم).
﴿لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ قال ابن عباس: لفي اختلاف شديد (١).
وقال الزجاج: الشقاق غاية العداوة (٢).
٥٤ - قوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ هذه اللام تتعلق بقول ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ﴾ في المعنى لقوله (٣): ﴿أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ يعني: نسخ ذلك وإبطاله ورفعه وأحكام الله آياته من الباطل حق من الله.
والمراد بالذين أوتوا العلم المؤمنون، الذين أوتوا التوحيد والقرآن. قاله ابن عباس، والكلبي، وغيره (٤).
وقال السدي: صدقوا بما نسخ الله (٥). وهو معنى قوله ﴿فَيُؤْمِنُوا بِهِ﴾.
وقوله: ﴿فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ قال الكلبي: ترق (٦) للقرآن قلوبهم.
ثم بين أنَّ (٧) هذا (٨) الإيمان والتصديق والإخبات إنما هو بلطف الله
وذكر الماوردي ٦/ ٣٦ في الآية وجهين: أحدهما: لفي ضلال بعيد. وعزاه للسدي، والثاني: لفي فراق للحق بعيد إلى يوم القيامة. وعزاه ليحيى بن سلام.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٤.
(٣) في (ظ): (كقوله).
(٤) ذكره هذا القول البغوي ٥/ ٣٩٥، وابن الجوزي ٥/ ٤٤٣ من غير نسبة لأحد.
(٥) ذكره عنه البغوي ٥/ ٣٩٥، وابن الجوزي ٥/ ٤٤٣.
(٦) في (ظ): (يرق القرآن).
(٧) (أنَّ): ساقطة من (أ).
(٨) في (ع): (هذه).
٥٥ - قوله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قال ابن عباس: يريد المشركين.
﴿فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ﴾ المِرية والمُرية -بالكسر والضم- لغتان (١) (٢) معناها: الشك. ومنه الامتراء والتماري (٣).
وقوله ﴿مِنْهُ﴾ أي: مما ألقى الشيطان على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. يقولون: ما باله ذكرها بخير ثم ارتد عنها؟ قاله السدي عن أصحابه (٤).
وقال ابن جريج: من القرآن (٥).
﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ﴾ يعني: القيامة ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة. وهذا وعيد لهم بالقيامة، وهم لم يدركوها (٦) في حياتهم، ولكن الله تعالى أوعدهم وذكر
(٢) انظر: "الصحاح" للجوهري ٩/ ٢٤٩١ (مرا)، "لسان العرب" ١٥/ ٢٧٧ (مرا).
(٣) قوله: "الشك ومنه الامتراء والتَّماري" في "تهذيب اللغة" ١٥/ ٢٨٥ (مري) منسوبًا إلى الليث.
(٤) ذكره البغوي ٥/ ٣٩٧، والقرطبي ١٢/ ٨٧ من غير نسبة.
(٥) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٥ ب. ورواه الطبري ١٧/ ١٩٢. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٦٩ - ٧٠ وعزاه لابن المنذر.
واختار هذا القول الطبري ١٧/ ١٩٢ - ١٩٣ وقال: وذلك أن ذلك من ذكر قوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ أقرب منه من ذكر قوله: ﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ والهاء من قوله (أنّه) أي من ذكر القرآن وإلحاق الهاء في قوله: ﴿فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ﴾ بالهاء من قوله: ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ أولى من إلحاقها بما التي في قوله: ﴿مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ مع بعد ما بينهما.
(٦) في (ظ): (يذكروها).
قال أبو إسحاق: أصل [العقم] (٢). العقم في الولادة. قال: هذه امرأة عقيم، كما قال الله -عز وجل-: ﴿عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ [الذاريات: ٢٩] وكذلك: رجل عقيم، إذا كان لا يولد له (٣).
الأصمعي: يقال: عَقَامٌ وعَقيم (٤) مثل بَجَال وبَجيل (٥).
وجمعها: عقمٌ، ويقال: عقمت المرأة فهي معقومة وقد عقم الله رحمها وأعقمها (٦).
وروى عمرو (٧)، عن أبيه: عَقِمَت المرأة تَعْقَمُ عَقْمًا، وعَقَمَت تَعْقُم عُقْمًا، وعَقُمَت تَعْقُم عَقَمًا (٨)، وهي عقيم إذا كانت لا تحمل (٩).
(٢) زيادة من "معاني القرآن" للزجاج.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٤.
(٤) كسحاب وأمير. قاله الفيروزآبادي ٤/ ١٥٢.
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٨٨ (عقم) من رواية أبي عبيد، عن الأصمعي.
قال ابن منظور: رجل بجال وبجيل: يبجله الناس. وقيل: هو الشيخ الكبير العظيم السيد مع جمال ونبل. "لسان العرب" ١١/ ٤٤ (بجل).
(٦) من قوله: (وجمعها...) إلى هنا، هذا كلام أبي الهيثم كما في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٨٨ (عق)، دون قوله: وأعقمها.
(٧) هو: عمرو بن إسحاق بن مرار، الشيباني، اللغوي.
(٨) كفرح ونصر وكرم. قاله الفيروزابادي ٤/ ١٥٢.
(٩) "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٨٩ (عقم) من رواية عمرو عن أبيه.
وأنشد أبو إسحاق (٢):
عقم النساء فما يلدن | شبيهه إن النساء بمثله عُقْم |
وعلى هذا العقيم: التي قطعت ولادتها.
وقال أبو عبيد: العقم: الشَّد (٤). يقال للمرأة: معقومة الرحم كأنَّها مشدودتها، ومنه الحديث: "وتعقم أصلاب المنافقين فلا يقدرون على السجود" (٥) أي: تشد وتيبس مفاصلهم.
(٢) البيت أنشده أبو إسحاق الزجاج في "معاني القرآن" ٣/ ٤٣٤ ولم ينسبه لأحد. ووقع في المطبوع: عقيم)، وهو خطأ.
والبيت ذكره أبو عمرو الشيباني في روايته لديوان أبي دهْبل الجمحي ص ٦٦، قال: حدثني موسى بن يعقوب قال: أنشدني أبو دهبل قوله في مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ثم ساق أبياتًا ومنها هذا البيت.
ونسب البيت أيضًا لأبي دهبل في: "عيون الأخبار" لابن قتيبة ١/ ٢٧٩، و"نسب قريش" لأبي عبد الله المصعب الزبيري ص ٣٣١، لكن عنده قالها في مدح عبد الله الأزرق بن عبد الرحمن بن الوليد بن عبد شمس، و"الحماسة" لأبي تمام ص ٢٥٧، و"شرح ديوان الحماسة" للتبريزي ٤/ ٧٥، وقال: قالوا يمدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
والبيت نسبه ابن منظور في "لسان العرب" ١٢/ ٤١٢ (عقم) لأبي دهبل -وروايته فيه "نسبه" في موضع (ما) - ثم قال: وقيل: هو للحزين الليثي.
(٣) قول أبي عمرو الشيباني في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٨٩ "عقم". وانظر: "لسان العرب" ١٢/ ٤١٣ (عقم).
(٤) في (أ). (السدَّ).
(٥) هذا قطعة من حديث رواه أبو عبيد في كتابه "غريب الحديث" ٤/ ٧١ عن عبد الله =
ورواه الطبري في "تفسيره" ٢٩/ ٣٩ من حديث عبد الرحمن، به موقوفاً بلفظ: ويبقى المنافقون ظهورهم طبق واحد كانَّما فيها السَّفافيد.
ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٥/ ١٩١ - ١٩٥، والحاكم في "مستدركه" ٤/ ٥٩٨ - ٦٠٠ والطبراني في الكبير ٩/ ٤١٣ - ٤١٦ من حديث سفيان به، مطولاً جدًا، موقوفا، بمثل لفظ الطبري.
وقال الحاكم بعد إخراجه ٤/ ٦٠٠: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه.
وقال الذهبي -متعقبًا قول الحاكم-: قلت: ما احتجا بأبي الزعراء. أهـ.
وهذا الخبر عن المنافقين رواه من وجه آخر عن ابن مسعود مرفوعا إسحاقُ بن راهوية في مسنده (كما في المطالب العالية لابن حجر ٤/ ٣٦٥ - ٣٦٧)، والطبراني في الكبير ٩/ ٤١٦ - ٤٢١، والحاكم في "مستدركه" ٤/ ٥٩٠ ولفظ إسحاق: "وتدمج أصلاب المنافقين، فتكون عظمًا واحدا، كأنها صياصي البقر، ويخرّون على أقفيتهم".
قال ابن حجر في "المطالب" ٤/ ٣٦٧ بعد ذكره لرواية إسحاق: هذا إسناد صحيح متصل، ورجاله ثقات.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ١٠/ ٣٤٣: رواه كله الطبراني في طرق، ورجال أحدهما رجال الصحيح غير أبي خالد الدالاني وهو ثقة.
وقال الذهبي في "تلخيص المستدرك" ٤/ ٥٩٢ - ٥٩٣ ما أنكره حديثًا على جودة إسناده، وأبو خالد -يعني الدالاني- شيعي منحرف. اهـ.
وذكر هذا الحديث السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٥٧ وعزاه لإسحاق بن راهويه وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا والطبرابي والآجري في "الشريعة" والدارقطني في "الرؤية" والحاكم وابن مردويه والبيهقي في "البعث".
وأما التفسير: فقال ابن عباس: يريد يوم بدر (٣).
وهو قول قتادة (٤)، ومجاهد (٥)، والسدي (٦)، وأبيّ بن كعب (٧).
واختلفوا: لم سُمِّي يوم بدر عقيمًا.
فقال ابن عباس: لأنّه ليس ليوم بدر نظير من الأيام لا قبله ولا بعده، لم تقاتل الملائكة مع نبيّ قط إلاّ مع محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولم تقاتل مع محمد إلا يوم بدر.
وعلى هذا سمي عقيمًا، لأنه لا نظير له في عِظَمِه بقتال الملائكة فيه، فكأنَّ الدهر عقيم عن مثل ذلك اليوم.
وقال الكلبي: يوم عقيم لا فرج (٨) فيه وهو يوم بدر.
(٢) انظر: (عقم) في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٢٨٨، "الصحاح" للجوهري ٥/ ١٩٨، "لسان العرب" ١٢/ ٤١٣.
(٣) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٧٠ وعزاه لابن مردويه والضياء في المختارة.
(٤) رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤١، والطبري ١٧/ ١٩٣.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ١٩٣.
(٦) ذكره عنه ابن الجوزي ٥/ ٤٤٤.
(٧) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤١ عن قتادة قال: بلغني أن أبيّ بن كعب كان يقول: أربع آيات أنزلت في بدر. هذه إحداهن "يوم عقيم" يوم بدر.
وهو منقطع. ورواه الطبري ١٧/ ١٩٣ من هذا الوجه مختصرًا.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٧٠ وعزاه لابن مردويه.
(٨) في (أ)، (ظ)، (د): (لا فرح)، والمثبت من (ع).
وقال ابن جريج: لأنهم لم ينظروا فيه إلى الليل، بل قتلوا قبل المساء (٢). وعلى هذا القول سُمّي عقيمًا لانقطاع أعمارهم وفناء آجالهم، فلم يروا بعد ذلك اليوم ليلاً ولا نهارًا، فكأنَّ ذلك اليوم عليهم يومًا لا ليل لهم بعده.
وروي عن عكرمة والضحاك في قوله ﴿عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾: إنه القيامة (٣).
والوجه القول الأول (٤)؛ لأن ذكر القيامة قد تقدّم في قوله ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾.
٥٦ - ٥٧ - قوله تعالى: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ يعني يوم القيامة لله وحده يحكم بينهم بما ذكر من قوله ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلى قوله ﴿عَذَابٌ مُهِينٌ﴾.
٥٨ - ثم ذكر فضل المهاجرين وقال: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ قال الكلبي: من مكة إلى المدينة في طاعة الله.
(٢) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٥ ب بهذا اللفظ، ورواه الطبري ١٧/ ١٩٣.
(٣) ذكره عنهما الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٥ ب. ورواه عنهما الطبري ١٧/ ١٩٣. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٧٠ عن الضحاك، وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٤) وهو اختيار الإمام الطبري ١٧/ ١٩٣ قال: وذلك أنَّ الساعة هي يوم القيامة، فإن كان اليوم العقيم أيضًا هو يوم القيامة فإنما معناه ما قلنا من تكرير ذكر الساعة مرتين باختلاف الألفاظ، وذلك لا معنى له.
قوله تعالى: ﴿لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا﴾ قال ابن عباس: يريد لا انقطاع له (٣).
وقال السدي: هو رزق الجنة (٤).
وقرئ قوله ﴿ثُمَّ قُتِلُوا﴾ بالتخفيف والتشديد (٥). فالتخفيف يكون للكثير (٦) والقليل، والتشديد حسن؛ لأنهم قد أكثر فيهم القتل في وجوه توجهوا إليها (٧).
ولي الغزو لمعاوية، ثم ولي له قضاء دمشق، وكان ينوب عن معاوية في الإمرة إذا غاب. توفي سنة ٥٣ هـ، وقيل بعدها.
"طبقات ابن سعد" ٧/ ٤٠١، "الاستيعاب" ٣/ ١٢٦٢، "أسد الغابة" ٤/ ١٨٢، "سير أعلام النبلاء" ٣/ ١١٣، "البداية والنهاية" ٨/ ٧٨، "الإصابة" ٣/ ٢٠١.
(٢) رواه الطبري ١٧/ ١٩٤ - ١٩٥ وابن أبي حاتم (كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢٣٢) عن فضالة.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٧١ وعزاه لا بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) ذكر البغوي ٥/ ٣٩٦ هذا القول ولم ينسبه لأحد.
(٤) انظر: "الدر المنثور" ٦/ ٧١.
(٥) قرأ ابن عامر: "قتلوا" مشددة التاء، وقرأ الباقون: "قتلوا" خفيفة التاء. "السبعة" ص ٤٣٩، "المبسوط" لابن مهران ص ٢٥٨، "النشر" ٢/ ٣٢٧.
(٦) في (د)، (ع): (للكثرة).
(٧) هذا كلام أبي على في "الحجة" ٥/ ٢٨٤. وانظر: "إعراب القراءات وعللها" لابن خالويه ٢/ ٨٣، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٨١.
وقرىء: ﴿مُدْخَلًا﴾ بضم الميم وفتحها (١)، فالضمّ (٢) يجوز أن يراد به الإدخال، ويكون المعنى أنهم إذا أدخلوا أكرموا، فلم يكونوا كمن ذكر في قوله ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ﴾ [الفرقان: ٣٤]. ويجوز أن يعني به الموضع، ويرضونه لأن لهم فيه ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، فهو خلاف المدخل الذي قيل فيه ﴿إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾ [غافر: ٧١] الآية. والفتح يجوز أن يكون الدخول (٣)، ويجوز أن يكون موضعه كالمدخل. ودل ﴿لَيُدْخِلَنَّهُمْ﴾ على الدخول؛ لأنَّهم إذا أدخلوا دخلوا، فكأنه قال: ليُدْخلنهم فيَدخلون مَدْخلًا (٤).
وقوله: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ قال ابن عباس: عليم بنياتهم، حليم عن عقابهم (٥).
٦٠ - قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ﴾ قال أبو إسحاق: "ذلك" في موضع رفع،
(٢) في "الحجة": المدخل يجوز أن يراد به الإدخال.
(٣) في "الحجة": وحجة من قال مدخلا أن المدخل يجوز أن يكون الدخول.
(٤) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٨٤ - ٢٨٥ مع تقديم وتأخير.
وانظر: "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه ٢/ ٨٣، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٨١ - ٤٨٢.
(٥) ذكره عنه القرطبي ١٢/ ٨٩. وذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٤٦ والبغوي ٥/ ٣٩٧ من غير نسبة.
ثم قال: ﴿وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ﴾ أي: من جازى الظالم بمثل ما ظلمه. وسمي جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين في جنس المكروه كقوله ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠]، فالأول سيئة والمجازاة عليها سميت سيئة بأنها وقعت إساءة بالمفعول به، لأنه فعل [به] (٣) ما يسوؤه (٤). وذكرنا هذا في قوله ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥].
قال الحسن: ﴿وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ﴾ يعني: قاتل المشركين كما قاتلوه (٥).
﴿ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ﴾ أي: ظلم بإخراجه من منزله.
قيل: إنها نزلت في قوم من المسلمين قاتلوا قومًا من المشركين غير مبتدئين بالقتال بل دفعًا لهم عن أنفسهم، ثم أخرجوا من ديارهم (٦).
قال الضحاك، عن ابن عباس في قوله ﴿ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ﴾: يعني ما أتاه المشركون من البغي على المسلمين حين أحوجوا (٧) إلى مفارقة أوطانهم (٨).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٥.
وعلى هذا "ذلك" خبر مبتدأ مُضمر، وانظر "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٤٦، "الدر المصون" ٨/ ٢٩٦.
(٣) زيادة من معاني الزجاج يستقيم بها المعنى.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣٠/ ٤٣٥ مع اختلاف يسير.
(٥) ذكره عنه البغوي ٥/ ٣٩٧.
(٦) انظر: "التهذيب في التفسير" للجشمي ٦/ ١٨٦ ب.
(٧) في (أ): (حين أخرجوا)، وفي (ظ): (حتى أخرجوا).
(٨) ذكره البغوي ٥/ ٣٩٧ من غير نسبة لأحد.
قال ابن جريج: يعني نصرته محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه (١).
﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ قال ابن عباس: يريد عفى عن المؤمنين مساوءهم، وغفر لهم ذنوبهم (٢).
وذكر مقاتل بن سليمان السَّبب في نزول هذه الآية وتفسيرها فقال: إنَّ مشركي مكة لقوا المسلمين في ليلتين بقيتا من المحرم، فقال بعضهم لبعض: إنَّ أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم، فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر الحرام، فأبى المشركون إلا القتال، فبغوا على المسلمين، فقاتلوهم وحملوا عليهم، وثبت المسلمون فنصر الله المسلمين عليهم، فوقع في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام فأنزل الله هذه الآية (٣).
فالمعني بـ"من" (٤) في قوله ﴿وَمَنْ عَاقَبَ﴾ المؤمنون، جازوا الكفار وقاتلوهم كما قاتلوهم، وبغيهم عليهم: أنَّهم لم يرتدعوا ولم يكفوا عن القتال بمناشدتهم إياهم.
٥٩ - وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ﴾ قال مقاتل: عنهم ﴿غَفُورٌ﴾ لقتالهم في الشهر الحرام (٥).
(٢) ذكره البغوي ٥/ ٣٩٧ من غير نسبة.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٧ ب. وهذا القول غير معتمد في سبب نزول هذه الآية لأن مقاتل بن سليمان كذّبوه. انظر: "تقريب التهذيب" ٢/ ٢٧٢.
(٤) في (أ): (مَّمن).
(٥) "تفسيره مقاتل" ٢/ ٢٧ ب.
قوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ قال ابن عباس: ﴿سَمِيعٌ﴾ لدعاء محمد ومن معه من المؤمنين ﴿بَصِيرٌ﴾ بهم حيث جعل فيهم البرَّ (٢) والتقوى والدين (٣).
٦٢ - قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ﴾ أي: ذلك الذي فعل من نصر المؤمنين بأنّه (٤) ﴿هُوَ الْحَقُّ﴾ أي: ذو الحق في قوله وفعله، فدينه حق وعبادته حق، كل ما يصدر عنه من أمر ونهي حق، والمؤمنون الذين آمنوا به وصدقوا رسوله هم المحقون؛ فيستحقون من الله النصر.
﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ أي: الذي ليس بشيء ولا ينفع عبادته. قاله مقاتل (٥).
﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ﴾ العالي على كل شيء بقدرته، والعالي عن الأشباه والأشكال (٦) ﴿الْكَبِيرُ﴾ الذي كل شيء سواه يصغر مقداره.
(٢) في (د)، (ع): (البر والفاجر)، بزيادة (والفاجر)، وهو خطأ.
(٣) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٤٧ مختصرًا من غير نسبة.
(٤) في (أ): (وأنَّه).
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٧ أ.
(٦) الحق أنَّ "العلي" يتضمن ثلاثة أمور، وهي علو الذات وعلو القدر وعلو القهر. وكلام المؤلف هنا حيدة منه عن إثبات علو الذات. وانظر بيان ذلك في قسم الدراسة عند الكلام على عقيدة المؤلف.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٦.
(٣) انظر: "الكتاب" ٣/ ٣٦.
(٤) في (أ): (الآية)، وهو خطأ.
(٥) في (أ): (وكان).
(٦) إنشاد الخليل لبيتي النابغة في "الكتاب" ٣/ ٣٦ ورواية البيت الأول فيه:
ولا زال قبرٌ بين تُبْنى وجاسم | عليه من الوَسْمِى جَوْدٌ ووابل |
وهما في: "ديوان النابغة" ص ١٢١ من قصيدة يرثي بها النعمان بن الحارث الغَسَّاني مع اختلاف ففيه:
سقى الغيث قبرا بين بصري وجاسم | بغيث من الوسمي قطر ووابل |
قال الشنتمري في "شرحه لديوان النابغة" ص ١٢١ - ١٢٢: ("بُصْرى وجاسم" هما موضعان بالشام، والوسمي: أول المطر؛ لأنه بسم الأرض بالنبات،.... والوابل: أشد المطر، وينبت حوذانًا: أي ينبت هذا المطر الذي دعا للقبر به، والحوذان والعوف: ضربان من النبت طيب الرائحة، وقوله "سأتبعه" أي: سآتي عليه بخير القول وأذكره بأجمل الذكر. اهـ.
والسَّح: الصَبّ المتتابع. "لسان العرب" ٢/ ٤٧٦ (سحح).
فلا زال قبرٌ بين بصرى وجاسم | عليه من الوسمي سح ووابل |
فينبتُ حوذانًا وعوفًا مُنورًا | سأتبعه من خير ما قال قائل |
ونحو هذا قال الفراء -في هذه الآية- فقال: (ألم تر) معناه خبر، كأنَّك قلت في الكلام: اعلم أنَّ الله يُنزل من السماء ماء فتصبح الأرض.
وهو مثل قول الشاعر (٢):
ألم تسأل الربع القديم فينطقُ (٣)
(٢) البيت أنشده الفراء في "معاني القرآن" ٢/ ٢٢٩ من غير نسبة، وتتمته:
وهل تُخْبرَنْكَ اليوم بيداءُ سملقُ
وهو بلا نسبة في الكتاب ٣/ ٣٧ وفيه: (القواء) في موضع (القديم)، والطبري ١٧/ ١٩٧ بمثل رواية الفرّاء. والبيت لجميل بن معمر، وهو في "ديوانه" ص ١٤٤، "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي ٢/ ٢٠١، "شرح المفصل" لابن يعيش ٧/ ٣٦، ٣٧، "شرح شواهد المغني" للسيوطي ١/ ٤٧٤، "لسان العرب" ١٠/ ١٦٤ (سملق)، "خزانة الأدب" ٨/ ٥٢٤، ٥٢٦ - ٥٢٧، وروايتهم جميعًا: القواء.
قال الشنتمري في "تحصيل عين الذهب" ١/ ٤٢٢: الشاهد فيه رفع "ينطق" على الاستئناف والقطع، على معنى: فهو ينطق.. والرَبْع المنزل، والقواء: القفر. وجعله ناطقًا للاعتبار بدروسه وتغيره. ثم حقق أنه لا يجيب ولا يخبر سائله لعدم القاطنين به. والبيداء: القفر. والسملق: التي لا شيء بها. اهـ
وعند السيرافي ٢/ ٢٠١: البيداء: الصحراء الواسعة.
قال البغدادي ٨/ ٥٢٨: وقوله: (وهل تخبرنك) إلخ ردَّ على نفسه بأن مثله لا ينطق فيجيب.
(٣) "معانى القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٩.
وعند النحويين (٢) يجوز الرفع في الجواب بالفاء على تقدير الاستئناف، كقراءة من قرأ ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ﴾ [البقرة: ٢٤٥] بالرفع (٣)، أي: فهو يضاعفه (٤) وكما رفع في هذه الآيات. وذكرنا عند قوله ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٤٣] أن (٥) ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ تكون بمعنى التنبيه.
فحصل في هذه الآية وجهان: أحدهما: أن قوله [فتصبح] ليس بجواب الاستفهام؛ لأنَّ هذا استفهام معناه التنبيه.
والثاني: أنه جواب الاستفهام بالرفع على ما ذكره النحويون.
قال ابن عباس وغيره: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ يعني المطر (٦) ﴿فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ بالنبات (٧) ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ﴾
(٢) انظر: "الكتاب" ٣/ ٣١، "ارتشاف الضرب" لأبي حبان ٢/ ٤٠٨ - ٤٠٩، "شرح المفصل" لابن يعيش ٧/ ٣٦ - ٣٧.
(٣) قرأ أبو عمرو، ونافع، وحمزة، والكسائي: "فيضاعفه" بالألف ورفع الفاء.
وقرأ ابن كثير: "فيضعّفُه" بغير ألف وتشديد العين ورفع الفاء.
وقرأ ابن عامر: "فيضعّفَه" بغير ألف وتشديد العين ونصب الفاء.
وقرأ عاصم: "فيضاعفه" بألف ونصب الفاء.
"السَّبعة" ص ١٨٤ - ١٨٥، "التبصرة" ص ١٦١، "التيسير" ص ٨١.
(٤) أو يكون معطوفًا على "يقرض الله"، انظر "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ١٣٩، "إبراز المعاني" لأبي شامة ٣٦٣.
(٥) أنّ: ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٦) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٤٧ من غير نسبة لأحد.
(٧) ذكره البغوي ٥/ ٣٩٧، وابن الجوزي ٥/ ٤٤٧ من غير نسبة لأحد.
وقال مقاتل: باستخراج النبات من الأرض (٢).
﴿خَبِيرٌ﴾ قال ابيت عباس: خبير بما في قلوب العباد من القنوط (٣). يعني عند تأخر المطر.
وقال غيره: خبير بما يحدث من ذلك الماء ومن ذلك النبت (٤) (٥).
٦٤ - قوله تعالى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ قال مقاتل: عبيده وفي ملكه (٦).
﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ﴾ عن عباده ﴿الْحَمِيدُ﴾ إلى أوليائه وأهل طاعته. قاله ابن عباس.
٦٥ - قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس: يريد البهائم التي تركب وتؤكل (٧).
قوله: ﴿وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ﴾ "الفلك" بالنصب نسق على "ما"
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٧ ب.
(٣) ذكره عنه الرازي ٢٣/ ٦٢، والقرطبي ١٢/ ٩٢.
(٤) في (أ): (النبات)، والمثبت من باقي النسخ هو الموافق لما عند الطبري.
(٥) هذا قول الطبري ١٧/ ١٩٦.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٧ ب.
(٧) ذكره البغوي ٥/ ٣٩٨، وابن الجوزي ٥/ ٤٤٨ من غير نسبة.
قال ابن كثير -رحمه الله- في "تفسيره" ٣/ ٢٣٣: أي من حيوان وجماد وزروع وثمار كما قال: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية: ١٣].
﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ﴾ قال الزجاج: المعنى: كراهة (٢) أن تقع، [وموضع "أنْ" نصب بيمسك، وهو مفعول له، المعنى: لكراهة أن تقع] (٣) (٤).
وقال مقاتل: لئلا تقع (٥). وهذا على مذهب الكوفيين (٦). وذكرنا الكلام في هذه المسألة في مواضع (٧).
قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ قال مقاتل: يعني لرفيق رحيم بهم فيما سخر لهم وحبس عنهم السماء فلا تقع عليهم فيهلكوا (٨).
٦٦ - قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ﴾ بعد أن كنتم نطفًا ميتة. ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ عند آجالكم.
وجوَّز أبو البقاء في الإملاء ٢/ ١٤٦ أن يكون انتصاب "الفلك" عطفًا على لفظ الجلالة على تقدير: وأن الفلك تجري في البحر، و"تجري" خبرٌ على هذا.
وتبع السمين الحلبي ٨/ ٣٠٢ أبا البقاء في هذا.
واستظهر أبو حيان ٦/ ٣٨٧ ما قاله الزجاج، واستبعد ما جوزه أبو البقاء، وقال: وهو إعراب بعيدٌ عن القصاحة.
(٢) في (أ): (كراهية)، والمثبت هو الموافق لما في كتاب الزجاج.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٧.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٧ ب.
(٦) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٣١].
(٧) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦].
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٧ ب.
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ﴾ قال ابن عباس: يعني جماعة من المشركين (٢).
قال الكلبي: هو الكافر (٣).
﴿لَكَفُورٌ﴾ قال مقاتل: لكفور لنعم الله في حسن خلقه حين لا يوحده (٤).
٦٧ - قوله: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ أي: لكل قرن مضى ﴿جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ قال ابن عباس: يريد شريعة هم عاملون بها (٥).
وقال مقاتل وغيره: يعني ذبيحة في عيدهم هم ذابحوه (٦).
وهذا ممَّا (٧) تقدم الكلام فيه في هذه السورة (٨).
(٢) ذكر الرازي ٢٣/ ٦٣ والقرطبي ١٢/ ٩٨ وأبو حيان ٦/ ٣٨٧ عنه أنه قال: هو الأسود بن عبد الأسد وأبو جهل والعاص وأبي بن خلف.
قال الرازي: والأولى تعميمه في جميع المنكرين. وقال أبو حيان بعد ذكره لقول ابن عباس-: وهذا على طريق التمثيل.
وقيل: هذا وصفٌ للجنس؛ لأن الغالب على الإنسان كفر النّعم كما قال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٣]. انظر: القرطبي ١٢/ ٩٣.
(٣) ذكر الرازي ٢٣/ ٦٣، وأبو حيان ٦/ ٣٨٧ هذا القول عن ابن عباس.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٨ أ.
(٥) ذكره عنه البغوي ٥/ ٣٩٨. وروى عنه الطبري ١٧/ ١٩٨ - من طريق الوالبي، قال: عيدا.
(٦) انظر: تفسير مقاتل ٢/ ٢٨ أ. وجاء نحوه عن عكرمة. انظر: "الدر المنثور" للسيوطي ٦/ ٧٣.
(٧) في (أ): (ما).
(٨) عند قوله: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: ٣٤].
قال الكلبي ومقاتل: نزلت في بديل بن ورقاء الخزاعي (١) وبشر بن سفيان الخزاعي (٢)، ويزيد بن خنيس وغيرهم من كفار قريش وخزاعة، خاصموا النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين في أمر الذبيحة، فقالوا: ما قتل الله لكم أحق أن تأكلوه أو ما قتلتم أنتم بسكاكينم؟ (٣).
قال أبو إسحاق: معنى قوله ﴿فَلَا يُنَازِعُنَّكَ﴾ لا تنازعهم ولا تجادلهم، والدليل على ذلك قوله: ﴿وَإِنْ جَادَلُوكَ﴾، وكان هذا قبل القتال. فإن قيل (٤): فلم قيل: فلا ينازعنك في الأمر وهم قد نازعوه؟ فالمعنى: إنَّ هذا نهيٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم- عن منازعتهم كما تقول: لا يخاصمنّك فلان في هذا أبدًا، أي: لا تخاصمه.
وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون إلا من اثنين؛ لأنَّ المجادلة
(٢) هو: بشر -قال ابن هشام: ويقال: بسر- بن سفيان بن عمر بن عويمر الكعبي الخزاعي، كتب إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأسلم سنة ست، وبعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- عينًا إلى قريش إلى مكة، وشهد الحديبية، وله ذكر في حديث الحديبية، وسكن مكة.
"طبقات ابن سعد" ٤/ ٤٥٨، "السيرة النبوية" لابن هشام ٣/ ٣٥٦، "الاستيعاب" ١/ ١٦٦، "الإصابة" ١/ ١٥٣.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٨ أ.
(٤) في (أ) زيادة: (لهم) بعد قوله: (قيل)، وهو خطأ.
وقوله: ﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ﴾ قال مقاتل بن سليمان: يعني إلى معرفة ربك وهو التوحيد (٤).
وقال ابن عباس: يريد قم بشرائع الحنيفية. والمعنى على هذا: ادع إلى الإيمان به وإعمال ما شرع من الشريعة.
قوله: ﴿إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى﴾ دين ﴿مُسْتَقِيمٍ﴾ وهو قال ابن عباس: لم يخلق دينًا أقوم ولا أفضل منه ولا أحب إلى الله -عز وجل-
٦٨، ٦٩ - قوله: ﴿وَإِنْ جَادَلُوكَ﴾ قال الكلبي: خاصموك في أمر الذبيحة (٥).
وقال مقاتل: جادلوك في أمر الذبائح (٦). يعني هؤلاء النفر.
﴿فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد من تكذيبهم
(٢) (لكان): ساقط من (ظ).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٧. مع اختلاف يسير.
وقيل معنى "فلا ينازعنك في الأمر": فلا تتأثر بمنازعتهم لك ولا يصرفك ذلك عمّا أنت عليه من الحق. وهذا كقوله ﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ﴾ [القصص: ٨٧] أشار إليه ابن كثير ٣/ ٣٣٤.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٨ أ.
(٥) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٤٩ ولم ينسبه لأحد.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٨ أ.
وقال مقاتل: الله أعلم بما تعملون وما نعمل، فذلك قوله: ﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ (٢).
وعلى هذا في الآية محذوف حذف لدلالة الباقي عليه. والمعنى: أيضًا يحكم بيننا وبينكم. يعني: أنَّه عالم بأعمالنا فهو يحكم بيننا وبينكم يوم القيامة ﴿فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ أي: تذهبون فيه إلى خلاف ما نذهب. وهو معنى قول ابن عباس: يريد في خلافكم إيّاي (٣).
قال الكلبي ومقاتل: نسختها آية السيف (٤).
وهذا النسخ الذي قالا لا يرجع إلى الحكم، لأنَّ الله يحكم يوم القيامة بين المحق والمبطل فيدخل المحق الجنة والمبطل النار، ولكن النسخ يعود إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أمر بالقتال كان يقاتل من خالفه ولم يصدقه، ولا يدفع بالقول والمداراة كما أمر في هذه الآية بأن يقول إذا جادلوه:
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٨ أ.
(٣) ذكره القرطبي ١٢/ ٩٤ من غير نسبة، وفيه: آياتي بدل إيّاي.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٨ أ.
وانظر: "الناسخ والمنسوخ" لهبة الله بن سلاهه ص٦٦، "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" لابن البارزي ص ٤١.
والمراد بآية السيف هي قوله: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥].
وقيل: في قوله: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦]. وقيل هما معًا.
انظر: الإتقان للسيوطي ٢/ ٦٧، "روح المعاني" للألوسي ١٠/ ٥٠.
والقول بالنسخ محل نظر؛ لأنه لا دليل على النسخ، ولا تعارض بينها وبين آية السيف.
٧٠ - قوله: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحج: ٧٠].
[قال ابن عباس] (١): يريد قد علمت وأيقنت أني أعلم ما في السماء والأرض.
وهذا استفهام يراد (٢) به التقرير كقوله:
ألستم خير من ركب المطايا
قوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ﴾ يعني ما يجري في السماء والأرض، كلّ ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، وذلك أن الله تعالى خلق القلم واللوح، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة (٣).
قوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ أي: علمه بجميع ذلك ﴿عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ أي: سهل. فلا يخفى عليه شيء يتعذر العلم به.
وقال ابن جريج: إنَّ الحكم بين المختلفين في الدنيا يوم القيامة على
(٢) في (أ): (يريد).
(٣) روى أبو يعلى في مسنده ٤/ ٢١٧، والطبراني في "المعجم الكبير" ١٢/ ٨ - ٩٦ واللفظ له عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لما خلق الله القلم قال له: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى قيام الساعة".
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ١٩٠: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
وروى مسلم في "صحيحه" (كتاب القدر ٤/ ٢٠٤٤) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء".
٧١ - قوله تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ قال الكلبي: يعني أهل مكة (٢).
﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ قال ابن عباس: يريد حجة (٣).
﴿وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ أنها آلهة ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ وما للمشركين من مانع من العذاب.
٧٢ - قوله: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ قال ابن عباس: يريد: بان لهم ما هم فيه من الضلالة وما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من الهدى.
﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ﴾ قال مقاتل: ينكرون القرآن أن يكون من الله (٤).
والمنكر بمعنى: الإنكار، والتأويل: أثر الإنكار من الكراهية والعبوس.
وذهب بعضهم (٥) إلى أنَّ المنكر هاهنا مفعول الإنكار وليس بمعنى المصدر وقال: وتأويله: يتبين في وجوههم ما ينكره أهل الإيمان من تغيّرها (٦) عند سماع القرآن.
واختار الأول لأنَّه أقرب مذكور إلى قوله: "يسير"، هو وقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ﴾.
(٢) ذكر ابن الجوزي ٥/ ٩٤٥١، والقرطبي ١٢/ ٩٥ هذين القولين من غير نسبة لأحد.
(٣) ذكر ابن الجوزي ٥/ ٩٤٥١، والقرطبي ١٢/ ٩٥ هذين القولين من غير نسبة لأحد.
(٤) "تفسيرمقاتل" ٢/ ٢٨ أ.
(٥) هو: الإمام الطبري رحمه الله. وقوله هذا في "تفسيره" ١٧/ ٢٠١.
(٦) في (أ): (تغييرها)، وهو خطأ.
وقال أبو زيد والفراء: كادوا يبطشون بهم (٢).
ومنه يقال: الأيدي السواطي، التي تتناول الشيء. والساطي من الرجال الذي يسطو بقرنه فيبطش به ويتناوله. والله ذو سطوات أي: أخذات شديدة. ويقال: سطوت به وسطوت عليه (٣).
وقال المبرد: يقال سطا زيد على عمرو وبعمرو. إذا تطاول عليه ليضع منه. وقال أبو إسحاق: يكادون يبطشون (٤).
وقال مجاهد (٥) ومقاتل (٦): يكادون يقعون بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وهو قوله: ﴿بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ أي: يبسطون إليهم أيديهم بالسوء.
قوله: ﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ﴾ قال المفسرون: قل يا محمد لهم: أفأنبئكم بشر لكم وأكره إليكم من هذا القرآن الذي تسمعون (٧). ثم
وهو في "العين" ٧/ ٢٧٧ مادة (سطا).
وطروقته: أنثاه. "لسان العرب" ١٠/ ٢١٦ (طرق).
(٢) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٣/ ٢٤ عن الفراء وأبي زيد. وقول الفراء في "معاني القرآن" له ٢/ ٢٣٠.
(٣) انظر: (سطا) في "تهذيب اللغة" للأزهري ١٣/ ٢٤، "الصحاح" للجوهري ٦/ ٢٣٧٦،
"أساس البلاغة" للزمخشري ص ٤٣٩، "لسان العرب" ١٤/ ٣٨٤.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٨.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ٢٠٢ عن مجاهد مختصرًا.
(٦) "تفسيرمقاتل" ٢/ ٢٨ أ.
(٧) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٥٦ ب.
قال أبو إسحاق: أي هو النار أو هي النار، كأنهم (٢) قالوا: ما ذلك الذي هو شر؟ فقيل: النارُ. قال: ويجوز الخفض على البدل من (شر) والنصب على أعني (٣). قال: والرفع أثبت في النحو (٤).
ونحو هذا قال الفراء: سواء ترفع (النار) لأنها معرفة فسرت الشر وهو نكرة، كما تقول: مررت برجلين: أبوك وأخوك. ولو نصبتها بما عاد من ذكرها ونويت بها الاتصال بما قبلها كان وجهًا. ولو خفضتها على الباء: أنبئكم بشر من ذلكم [بالنار، كان صوابًا. والوجه الرفع (٥).
وذهب مقاتل في تفسير قوله: ﴿بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ﴾] (٦) إلى غير ما ذكرنا وهو أنه قال: إن المشركين لما سمعوا القرآن قالوا: ما شأن محمد وأصحابه أحق بهذا الأمر منا والله إنهم لشر خلق الله، فأنزل الله ﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ﴾ من النبي وأصحابه من وعده الله النار وصار إليها يعني الكافر فهم أشرار الخلق (٧).
وهذا تعسف وتفسير لا يساعده اللفظ.
وقال بعض أهل المعاني: معنى الآية: بشر عليكم مما يلحق التالي
(٢) في (ط)، (د)، (ع): (وكأنهم)، والمثبت من (أ) هو الموافق لما في المعاني.
(٣) في (أ): (أعلى) والعبارة عند الزجاج: فهو على معنى: أعني النار.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٨.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣٠.
(٦) ما بين المعقوفين كرره ناسخ (أ) مرتين.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٨ ب.
٧٣ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ قال أبو إسحاق: لما عبدوا من دون الله ما لا يسمع ولا يبصر وما لم ينزل به حجة، أعلمهم الله الجواب فيما جعلوه له مثلاً، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ يعني الأصنام (٢).
قال ابن عباس، والكلبي، ومقاتل (٣): ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ وهو يعني كفار مكة ﴿ضُرِبَ مَثَلٌ﴾ يعني ذكر شبه الصنم ﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾. ثم أخبر عنه فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ يعني: تعبدون من دون الله من الأصنام، وكانت ثلاثمائة وستين صنمًا حول الكعبة ﴿لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا﴾ لن يستطيعوا أن يخلقوا ذبابًا في صغره وقلته.
وقال الأخفش في هذه الآية: إن قيل فأين (٤) المثل الذي ذكره الله في قوله ﴿ضُرِبَ مَثَلٌ﴾؟ قلت: ليس هاهنا مثل؛ لأن المعنى أن الله تعالى قال: ضرب لي مثل، أي: شبه بي الأوثان، ثم قال: فاستمعوا لهذا المثل الذي جعلوه مثلي في قولهم، إنهم لن يقدروا على خلق ذباب ولو اجتمعوا له، أي: فكيف تُضرب هذه الآلهة في ضعفها وعجزها مثلاً لله وهو رب كل شيء ليس له شبه ولا مثل (٥).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٨.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٨ ب.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع): (أين).
(٥) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣٧ مع تصرف. وقول الأخفش هذا محل نظر، فإن =
والذُّبَاب اسم واحد للذكر والأنثى، وجمعه القليل: أذِبَّة، والكثير: ذِبَّان مثل غُراب وأغْرِبَة وغِرْبان (١).
قال الزجاجي (٢): وسُمي هذا الطائر ذبابًا لكثرة حركته واضطرابه وسرعة انتقاله إلى الموضع الذي يُذَبّ عنه وينحى (٣).
(١) هذا كلام الطبري ١٧/ ٢٠٣ والثعلبي ٣/ ٥٦ ب لكن ليس عندهما للذكر والأنثى. وانظر: "تهذيب اللغة" للأزهري ٤٥١/ ١٤ (ذب)، "الصحاح" للجوهري ١/ ١٢٦ (ذبب)، "لسان العرب" ١/ ٣٨٢ (ذبب).
(٢) في (أ): (الزجاج)، والأظهر ما في باقي النسخ لأن هذا الكلام ليس موجودًا في كتاب "معاني القرآن". والزجاجي هو: عبد الرحمن بن إسحاق، أبو القاسم الزجاجي، أحد أئمة العربية. لزم أبا إسحاق الزجاج -وإليه ينسب- حتى برع في النحو، وأخذ عن أبي بكر بن السراج وعلي بن سليمان الأخفش وغيرهما. صنف "الجمل في النحو" الكتاب المشهور -وبه يعرف- وغيره من المصنفات. توفي سنة ٣٣٩ هـ وقيل ٣٤٠ هـ. "طبقات النحويين واللغويين" ص ١٢٩، "نزهة الألباء" ص ٣٠٦، "إنباه الرواة" ٢/ ١٦٠، "سير أعلام النبلاء" ١٥/ ٤٧٥، "بغية الوعاة" ٢/ ٧٧.
(٣) لم أجده.
قوله: ﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ أي: إن سلبهم الذباب شيئًا مما عليهم لا يقدرون أن يستردوا وينزعوا ذلك من الذباب. ومعنى الاستنقاذ والإنقاذ: التخليص (٥). وذكرنا ذلك عند قوله ﴿فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ [آل عمران: ١٠٣].
قال ابن عباس: كانوا يطلون أصنامهم الزعفران فيجف، ويأتي الذباب فيختلسه (٦)، فقال الله تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا﴾ يريد من العطر ﴿لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ يريد الذباب.
وقال السدي عن أصحابه: كانوا يجعلون للأصنام طعامًا فيقع عليه
(٢) في (أ): (موضع)، وهو ساقط من (ظ).
(٣) (في): ساقطة من (أ).
(٤) انظر (ذبب) في: "تهذيب اللغة" للأزهري ١٤/ ٤١٤، "الصحاح" للجوهري ١/ ١٢٦ - ١٢٧، "مقاييس اللغة" لابن فارس ٢/ ٣٤٨ - ٣٤٩ (ذب)، "لسان العرب" ١/ ٣٨٤ (ذبب).
(٥) انظر (نقذ) في "تهذيب اللغة" للأزهري ٩/ ٧٤، "الصحاح" للجوهري ٢/ ٥٧٢، "لسان العرب" ٣/ ٥١٦.
(٦) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤٠٠، وابن الجوزي ٥/ ٤٥٢، والقرطبي ١٢/ ٩٧.
وقال مقاتل: أي فكيف (٢) يعبدون من لا يخلق ذبابًا، ولا يمتنع من الذباب (٣).
وقال أبو إسحاق: أعلم الله أن الذين عُبدوا من دونه لا يقدرون على خلق واحد قليل ضعيف من خلقه ولا على استنقاذ تافه حقير منه (٤).
قوله: ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ قال ابن عباس: ﴿الطَّالِبُ﴾: الصنم، ﴿وَالْمَطْلُوبُ﴾: الذباب. هذا قوله في رواية عطاء (٥).
وهو قول الكلبي، وابن زيد (٦)، ومقاتل (٧)، قالوا: ﴿الطَّالِبُ﴾ هو (٨) الصنم الذي سلبه الذباب ولم يمتنع منه، ﴿وَالْمَطْلُوبُ﴾ هو الذباب.
وعلى هذا معنى الآية: ضعف ﴿الطَّالِبُ﴾ الذي هو الصنم فلم يطلب ما سلب منه، وضعف المطلوب منه وهو الذباب السالب.
وهذا القول اختيار الفراء، فقال: ﴿الطَّالِبُ﴾: الآلهة، ﴿وَالْمَطْلُوبُ﴾
(٢) في (أ): (كيف).
(٣) "تفسيرمقاتل" ٢/ ٢٨ ب.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٨.
(٥) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٥٢ عن عطاء، عن ابن عباس. ورواه الطبري ١٧/ ٢٠٣ هذا القول عن ابن عباس من طريق ابن جريج قال: قال ابن عباس. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٧٥ وعزاه لابن جرير وابن المنذر.
(٦) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٦ ب.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٨ ب.
(٨) (هو): ساقطة من (ظ).
وروى عن ابن عباس: ﴿الطَّالِبُ﴾: الذباب، ﴿وَالْمَطْلُوبُ﴾: الصنم (٢). وذلك أن الذباب يطلب ما يسلب الصنم من طيب أو طعام والصنم المطلوب منه السلب.
وقال الضحاك: يعني العابد والمعبود (٣). وهذا معنى قول السدي: الطالب: الذي يطلب إلى هذا الصنم بالتقرب إليه، والصنم المطلوب إليه (٤) (٥).
٧٤ - قوله: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ قال ابن عباس (٦)، ومقاتل (٧)، والزجاج (٨): ما عظموا الله حق عظمته حيث جعلوا هذه الأصنام شركاء له.
وقال أبو عبيدة: ما عرفوا الله حق معرفته ولا وصفوه حق صفته (٩).
(٢) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٦ ب.
(٣) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٦ أ.
(٤) (إليه): ساقطة من (ظ).
(٥) رواه ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٦/ ٧٥. قال الإمام ابن القيم في "إعلام الموقعين" ١/ ١٨٢ - بعد ذكره للأقوال المتقدمة في معنى الطالب والمطلوب-: والصحيح أن اللفظ يتناول الجميع فضعف العابد والمعبود والمُستلِب والمُستلَب.
(٦) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٥٣، والقرطبي ١٢/ ٩٨ من غير نسبة لأحد.
(٧) "تفسيرمقاتل" ٢/ ٢٨ ب.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٨.
(٩) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٥٤. وفيه: مبلغ صفته.
ثم أعلم الله -بعد ذكره ضعف المعبودين- قوته فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ قال ابن عباس: على خلقه ﴿عَزِيزٌ﴾ في ملكه.
وقال مقاتل: إن الله لقوي في أمره منيع في ملكه، والصنم لا قوة له ولا منعة (٣).
وقال الكلبي: نزلت هذه الآية في جماعة من يهود المدينة قالوا: فرغ الله من خلق السموات والأرض فأعيا فاستلقى فاستراح، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، وكذب أعداء الله فنزل قوله: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ (٤).
٧٥ - قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ قال ابن عباس والمفسرون: يريد إسرافيل وجبريل وميكائيل وملك الموت ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ يريد النبيين (٥).
(٢) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٩١].
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٨ ب.
(٤) ذكره الرازي ٢٣/ ٦٩ عن الكلبي. وذكره الماوردي ٤/ ٤٠ وعزاه لابن عباس. وهذا القول في سبب نزول هذه الآية لا يصح قال الآلوسي ١٧/ ٢٠٣: الظاهر أن قوله (ما قدروا) إلخ إخبار عن المشركين وذم لهم. وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" ١/ ١٨٢: فمن جعل هذا -يعني الذي قال الله فيه ضعف الطالب والمطلوب- إلها مع القوي العزيز فما قدره حق قدره.
(٥) انظر الطبري ١٧/ ٢٠٤، والثعلبي ٣/ ٥٧ أ.
٧٦ - قوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ قال ابن عباس: يريد ما قدموا، ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ يريد ما خلفوا (٥).
وقال الحسن: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ ما عملوه ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ وما (٦) هم عاملون مما لم يعلموا بعد (٧).
وقال مقاتل: يعلم ما كان قبل خلق الملائكة ويعلم ما يكون بعد خلقهم (٨).
٧٧ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ قال المفسرون: أي: صلوا، لأن الصلاة لا تكون إلا بالركوع والسجود (٩).
﴿وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ﴾ قال مقاتل: يقول: وحّدوا ربكم (١٠).
(٢) ذكره الطبري ١٧/ ٢٠٤ وصدره بقوله: قيل. والثعلبي ٣/ ٥٧ أ، وصدره بقوله: ويقال. ولا يعتمد على هذا في سبب نزول هذه الآية.
(٣) في (أ): (أنزل).
(٤) الطبري ١٧/ ٢٥٤، الثعلبي ٣/ ٥٧ أ.
(٥) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤٠١.
(٦) في (ظ): (مما)، وفي (ع): (ما).
(٧) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤٠١.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٨ ب.
(٩) الطبري ١٧/ ٢٠٤. وانظر البغوي ٥/ ٤٠١.
(١٠) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ أ.
وقال أبو إسحاق: أي: اقصدوا بركوعكم وسجودكم الله -عز وجل- وحده (٢).
﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ قال مقاتل: الخير الذي أمرتم به (٣). كأنه بمعنى (٤) الصلاة.
وقال ابن عباس: يريد صلة الرحم ومكارم الأخلاق (٥).
وقال الزجاج: الخير كل ما أمر الله به ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ قال: لترجوا أن تكونوا على فلاح (٦).
وقال ابن عباس: يريد: كي تسعدوا وتبقوا في الجنة (٧).
وذكرنا قديمًا هذين المذهبين في ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ أينما كان في القرآن (٨).
٧٨ - قوله: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ قال ابن عباس -في رواية عطاء: بنية صادقة (٩) - وعلى هذه حق الجهاد أن يكون بنية صادقة خالصة لله تعالى.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٩.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ أ.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع): (يعني).
(٥) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤٠١، والزمخشري ٣/ ٢٣، وأبو حيان ٦/ ٣٩١.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٩.
(٧) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤٠١، وذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٥٤ من غير نسبة لأحد.
(٨) انظر: "البسيط" ظهر قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ٢١].
(٩) ذكر هذا القول البغوي ٥/ ٤٠٢، وعزاه لأكثر المفسرين.
وقال السدي: هو أن يطاع فلا يعصى (٣).
وقال مقاتل بن سليمان: يقول اعملوا لله بالخير حق عمله، نسختها الآية التي في التغابن ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] (٤).
ونحو هذا قال الضحاك (٥) سواء. واختاره الزجاج (٦).
(٢) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" ٦/ ٧٨.
(٣) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" ٦/ ٧٨.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ أ.
(٥) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٧ أ، وذكر الطبري ١٧/ ٢٠٥ هذا القول ثم قال: وهذا قول ذكره عن الضحاك عن بعض من في روايته نظر.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٩.
والقول بنسخ هذه الآية لا دليل عليه، ولا تعارض بين هذه الآية وآية التغابن، ولهذا قال أبو عثمان النحاس في "الناسخ والمنسوخ" ص ٥٧٧: وهذا لا نسخ فيه. وقال مكي بن أبي طالب في "إيضاح ناسخ القرآن ومنسوخه" ص ٣١٠: والقول في هذا أنه محكم، ومعناه: جاهدوا في الله بقدر الطاقة، إذ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
وقال ابن عطية ١٠/ ٣٢٦: ومعنى الاستطاعة في هذه الأوامر هو المراد من أول الأمر، فلم يستقر تكليف بلوغ الغاية شرعًا ثابتًا فيقال إنه نُسِخ بالتخفيف، وإطلاقهم النسخ في هذا غير محدق.
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" ٣/ ٨: ولم يصب من قال إن الآيتين -يعني هذه الآيهَ وقوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران: ١٠٢]- منسوختان لظنه أنهما تضمنتا الأمر بما لا يطاق، وحق تقاته وحق جهاده. هو ما يطيقه كل عيد في نفسه، وذلك يختلف باختلاف أحوال المكلفين في القدرة والعجز والعلم والجهل. فحق =
وقال عبد الله بن المبارك: حق الجهاد مجاهدة النفس والهوى (٥).
قوله: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾ أي: اختاركم واصطفاكم واستخلصكم لدينه ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ قالوا جميعًا: من ضيق (٦).
واختلفوا في وجه رفع الحرج. فروي عن ابن عباس أنه قال: جعل الله (٧) الكفارات مخرجًا (٨).
يعني أن (٩) من أذنب ذنبًا جعل له منه مخرجًا (١٠)، إما بالتوبة، أو بالقصاص، أو برد المظلمة، أو بنوع كفارة فلم يُبتل المؤمن بشيء من
(١) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٧ أ.
(٢) في (ظ): (عن ابن عباس).
(٣) في (أ)، (ظ)، (د): (تخاف. والمثبت من (ع) هو الموافق لما عند الطبري والثعلبي.
(٤) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٧ أ. ورواه الطبري ١٧/ ٢٠٥.
(٥) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٧ أ.
(٦) انظر: الطبري ١٧/ ٢٠٦، "الدر المنثور" ٦/ ٧٩ - ٨٠.
(٧) لفظ الجلالة زيادة من (أ).
(٨) سيأتي تخريجه.
(٩) (أن): ساقطة من (ظ)، (ع).
(١٠) في (د)، (ع): (مخرج).
وروي عنه قول آخر، قال: هذا في هلال شهر رمضان إذا شك فيه الناس، وفي الحج إذا شكوا في الهلال، وفي الفطر (٢) وأشباهه حتى يتيقنوا (٣).
وعلى هذا رفع الحرج يعود إلى أنا أمرنا بالأخذ باليقين عند الاشتباه.
وروي عن أبي هريرة أنه قال لابن عباس: أما علينا في الدين من حرج أن نسرق أو نزني؟ قال: بلى. قال (٤): قوله: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٧٩ وعزاه لمحمد بن يحيى الذهلي في "الزهريات" وابن عساكر. وروى ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٦/ ٧٨ - ٧٩ من طريق ابن شهاب، أن ابن عباس كان يقول في قوله ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾: توسعة الإسلام، وما جعل الله من التوبة ومن الكفارات.
(٢) في (أ): (الفطرة).
(٣) رواه سعيد بن منصور في "تفسيره" ل ١٥٦ ب، والطبري ١٧/ ٢٠٧ وابن أبي حاتم وابن المنذر كما في "الدر المنثور" ٦/ ٧٩ من طريق عثمان بن يسار -وتصحف في المطبوع من الطبري والدر المنثور إلى: بشار، والصواب يسار كما في "التاريخ الكبير" للبخاري ٦/ ١٧٣، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم ٦/ ٢٥٧ - عن ابن عباس.
وليس قوله (حتى يتيقنوا) في رواية أحد منهم، وإنما أدخلها الواحدي من كلام الثعلبي ٣/ ٥٧ ب، حيث ذكر الثعلبي هذا القول ولم ينسبه لأحد.
(٤) (قال): ساقطة من (ظ).
وقال مقاتل بن حيان: يعني إباحة الرخص عند الضرورات، كالقصر في الصلاة، والتيمم، وأكل الميتة، والإفطار عند المرض والسفر (٣).
وهو قول الكلبي (٤)، واختيار الزجاج (٥).
قوله تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ قال أكثر النحويين (٦): (ملة) منصوب على الأمر، معناه: اتبعوا ملة أبيكم.
وقال المبرد: أي عليكم ملة أبيكم (٧).
(٢) رواه ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٦/ ٧٨ عن محمد قال: قال أبو هريرة لابن عباس، فذكره.
(٣) ذكره السيوطي عنه في "الدر المنثور" ٦/ ٨٠ بأطول من هذا، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٤) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤٠٣.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٤٠. وما ذكر هنا من الأقوال داخل في معنى الآية، وكل ذكر مثلا على رفع الحرج. قال ابن العربي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٣٠٥ - بعد أن ذكر وجوهًا من رفع الحرج: ولو ذهبت إلى تعديد نعم الله في رفع الحرج لطال المرام.
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" ٣/ ٨ - ٩: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ والحرج: الضيق، بل جعله واسعًا يسع كل أحد،.. ، وما جعل على عبده في الدين من حرج بوجه ما.. وقد وسع الله -سبحانه وتعالى- على عباده غاية التوسعة في دينه ورزقه وعفوه ومغفرته..
ثم ذكر -رحمه الله- أمثلة لذلك.
(٦) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٠٦، "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٤٧، "البحر المحيط" ٦/ ٣٩١، "الدر المصون" ٨/ ٣٠٩.
(٧) لم أجده.
قال الفراء: ويجوز أن يكون المعنى كملة أبيكم فإذا ألقيت (٤) الكاف نصبت (٥).
وقال أبو إسحاق: وجائز أن يكون منصوبًا بقوله: (٦) ﴿وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ فعل أبيكم إبراهيم (٧).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٣١ وفيه: وقد تنصب (ملة إبراهيم) على الأمر بها.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٤٠.
(٤) في (أ): (الغيت).
(٥) عبارة الفراء في "معانيه" ٢/ ٢٣١ هي: وقوله: (ملة أبيكم) نصبتها على: وسع عليكم كملة إبراهيم؛ لأن قوله ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ يقول: وسعة وسمحه كملة إبراهيم، فإذا ألقيت الكاف نصبت. وقد تنصب (ملة إبراهيم) على الأمر بها؛ لأن أول الكلام أمر كأنه قال: اركعوا والزموا ملة إبراهيم. انتهى كلامه. فليس في عبارة الفراء: ويجوز، بل إنه ذكر هذا القول ثم ذكر قولا آخر وصدره بقوله: وقد -وهو القول الذي ذكر الواحدي أنه قول الفراء- فعكس الواحدي الأمر. والله أعلم.
وهذا الوجه الذي ذكره الفراء استبعده مكي في "مشكل إعراب القرآن" ٢/ ٤٩٥، والأنباري في "البيان في غريب إعراب القرآن" ٢/ ١٧٩.
(٦) في (أ)، (ظ): (اعبدوا)، وهو هكذا في "معاني الزجاج".
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣٠/ ٤٤٠. ونحو هذا قال الزمخشري ٣/ ٢٤: كأنه قال: وسع عليكم دينكم توسعة ملة أبيكم. ثم حذف المضاف -يعني توسعة- وأقيم المضاف إليه -يعني ملة- مقامه. وعلى هذا القول انتصاب (ملة) على أنها مفعول مطلق لفعل محذوف. واستظهر هذا الوجه السمين الحلبي ٨/ ٣١٠.
وقيل (ملة) منصوبة على الاختصاص، أي: أعني بالدين ملة أبيكم. =
وقوله: ﴿أَبِيكُمْ﴾ إن حمل الكلام على تخصيص العرب (٢) بالخطاب في هذه الآية، فإبراهيم أبو العرب قاطبة، وإن حمل (٣) على التعميم فهو أبو المسلمين كلهم؛ لأن حرمته على المسلمين كحرمة الوالد كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما أنا لكم مثل الوالد" (٤). وكقوله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: ٦]. وهذا معنى قول الحسن (٥).
قال المفسرون: وإنما أمرنا باتباع ملة إبراهيم، لأنها داخلة في ملة محمد عليهما (٦) السلام (٧).
انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ١٠٦، "الإملاء" للعكبري ٢/ ١٤٧، "البحر المحيط" ٦/ ٣٩٠، "الدر المصون" ٨/ ٣٠٩ - ٣١٠.
(١) في (ظ): (شرعه).
(٢) (العرب): ساقطة من (أ). فأصبحت العبارة في (أ): (على تخصيص الخطاب).
(٣) في (أ): (عمل)، وهو خطأ.
(٤) هذا قطعة من حديث رواه الدارمي في "مسنده" ١/ ١٧٢، الإمام أحمد في "مسنده" ١٣/ ١٠٠، والنسائي في "سننه" كتاب: الطهارة، باب: النهي عن الاستطابة بالروث ١/ ٣٨، وابن ماجة في "سننه" كتاب: الطهارة، باب: الاستنجاد بالحجارة والنهي عن الروث والرمة ١/ ٣ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال العلامة أحمد شاكر في "قعليقه على المسند" ١٣/ ١٠٠: إسناده صحيح.
(٥) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٧ ب.
(٦) عليهما السلام: في حاشية (أ) وعليها علامة التصحيح. وفي (ظ): (عليهم السلام)، وفي (د)، (ع): (صلى الله عليهما وسلم)، وأثبتنا ما في (أ) لأنه الموافق لما عند الثعلبي. فالنص منقول منه.
(٧) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٥٧ ب.
وقال مقاتل بن حيان: ﴿مِنْ قَبْلِ﴾ وهو يعني [في أم الكتاب (٣). ﴿وَفِي هَذَا﴾ قالوا (٤): يعني القرآن.
وقال ابن زيد: هو كناية عن إبراهيم (٥).
(٢) في (ظ): (أن).
(٣) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٤٥٧ ولم ينسبه لأحد.
(٤) قالوا: يعني جماعة المفسرين وأهل المعاني. وانظر فقرة (٣).
(٥) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٧ ب، ورواه الطبري ١٧/ ٢٠٨، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٨١ وعزاه لابن أبي حاتم.
قال الطبري ١٧/ ٢٠٨: ولا وجه لما قال ابن زيد من ذلك؛ لأنه معلوم أن إبراهيم لم يُسم أمة محمد مسلمين في القرآن؛ لأن القرآن أُنزل من بعده بدهر طويل، وقد قال الله تعالى ذكره ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾ ولكن الذي سمانا مسلمين من قبل نزول القرآن وفي القرآن الله الذي لم يزل ولا يزال. أهـ.
وقال الشنقيطي ٥/ ٧٥٠ وفي هذه الآيات قرينتان تدلان على أن قول عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم غير صواب، ثم ذكر الشنقيطي الأولى وهو مثل ما قال الطبري، وأشار إلى أن ابن جرير نبه عليها. ثم قال: القرينة الثانية. أن الأفعال كلها في السياق المذكور راجعة إلى الله لا إلى إبراهيم، فقوله (هو اجتباكم) أي الله ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ﴾ أي الله. أهـ.
فظهر بذلك أن القول الأول هو الصحيح، وصوبه ابن كثير ٣/ ٢٣٦ وغيره.
وذكر أبو إسحاق القولين، وقال في القول الثاني: أي حكم إبراهيم أن كل من آمن بمحمد موحدًا لله فقد سماه إبراهيم مسلمًا (٣).
قوله: ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ﴾ أي: اجتباكم وسماكم المسلمين ليكون محمد (٤) عليه السلام ﴿شَهِيدًا عَلَيْكُمْ﴾ يوم القيامة بالتبليغ ﴿وَتَكُونُوا﴾ أنتم ﴿شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ أن الرسول قد بلغهم.
وهذا قول ابن عباس، وقتادة (٥)، وجميع المفسرين (٦).
وقد سبق الكلام في هذا عند قوله ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣]. الآية.
وقوله ﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ﴾ قال ابن عباس: سلوا ربكم أن يعصمكم من كل ما يسخط ويكره (٧). وقال الحسن: تمسكوا بدين الله (٨).
(٢) الثعلبي ٣/ ٥٧ ب مع تصرف.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٤٠.
(٤) في (ظ)، (ع): (محمدًا)، وهو خطأ.
(٥) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٤٢، والطبري ١٧/ ٢٠٨. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٨١ وعزاه لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٦) انظر: الطبري ١٧/ ٢٠٨، الثعلبي ٣/ ٥٧ ب، "الدر المنثور" ٦/ ٨١.
(٧) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤٠٤، وابن الجوزي ٥/ ٤٥٧.
(٨) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٥٧ ب.
ثم مدح نفسه فقال: ﴿فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ قال مقاتل: يقول: نعم المولى هو لكم، ونعم النصر هو لكم (٤) (٥).
(٢) انظر البغوي ٥/ ٤٠٤، وابن كثير ٣/ ٢٣٧.
(٣) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٠].
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٩ أ.
(٥) هنا ينتهي الموجود من نسخة (د). وكتب في ختامها: انتهت. العاشر، ويتلوه في الحادية عشر سورة المؤمنون -عليهم السلام- وهو قوله -عز وجل- ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ قال الليث: (قد) حرف، وفي آخر الأصل: (والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم).
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ قال الليث: (قد) حرف يُوجَبُ به الشيء (٢)، كقولك: قد كان كذلك (٣). والخبر (٤) أن تقول: كان كذا، فأدخل (قد) توكيدًا لتصديق ذلك (٥).وقال النحويون (٦): قد تقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه، ألا تراهم يقولون: قد قامت الصلاة. قبل حال قيامها. وعلى هذا قول الشاعر:
(٢) في (أ) زيادة: (الحال)، بعد قوله: (الشيء)، وليست في باقي النسخ ولا في "تهذيب اللغة" ولا "لسان العرب". فلعله انتقال نظر من الناسخ إلى السطر الذي بعده
(٣) في "تهذيب اللغة": قد كان كذا أو كذا.
(٤) هكذا في (د) و"لسان العرب"، وفي (أ) و"تهذيب اللغة": والخير. وفي (ظ): (والخبر).
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ٢٦٧ (قد) عن الليث. والنص في "لسان العرب" ٣/ ٣٤٦ (قد) منسوبًا إلى "التهذيب".
والنص في "العين" ٥/ ١٦ (قد): (وأما قد فحرف يوجب الشيء، كقولك: قد كان كذا وكذا، والخبر أن تقول: كان كذا وكذا، فأدخل (قد) توكيدًا لتصديق ذلك.
(٦) انظر: "شرح المفصل" لابن يعيش ٨/ ١٤٧ "ارتشاف الضرب" لأبي حيان ٣/ ٢٥٦، "مغني اللبيب" لابن هشام ١/ ١٩٥، "الجنى الداني في حروف المعاني" للمرادي ص ٢٥٥.
كأنه قال: حَاب أو دَارج.
قال الفراء: الحال (٢) في الفعل الماضي لا يكون إلا بإضمار (قد) أو بإظهارها، كقوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ [النساء: ٩٠] لا يكون حصرت حالاً إلا بإضمار قد (٣).
طَيْفُ خَيَالٍ من سُلَيْمى هائجي
إلى أن قال:
ياليتني كلَّمت غير حَارجِ
قبل الرَّواح ذاتَ لون باهجِ
أم صَبي...
وقيل إن الرَّجز للشمَّاخ نفسه، وهو في "ديوانه" ص ٣٦٣.
وهذا الشطر بلا نسبة في: "شرح القصائد السبع" لابن الأنباري ص ٣٧، "سر صناعة الإعراب" لابن جني ٢/ ٦٤١، "تهذيب اللغة" للأزهري ١٠/ ٦٤٣ (درج)، أمالي ابن الشجري ٢/ ١٦٧، "أوضح المسالك" لابن هشام ٣/ ٦١.
وحَاب: يقال حبا الصبي حَبْوًا: مشى على أسته وأشرف بصدره. وقال الجوهري: وحبا الصبي على أسته حبوّا: إذا زحف. "الصحاح" للجوهري ٦/ ٢٣٠٧ (حبا)، "لسان العرب" ١٤/ ١٦١ (حبا).
ودارج: قال الأزهري في "تهذيب اللغة" ١٠/ ٦٤٣ (درج): (يقال للصبي إذا دب وأخذ في الحركة: درج يدرج درجانًا، فهو دارج.
(٢) (الحال): ساقطة من (ظ).
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٤. وقوله: لا يكون حصرت حالا. ذكرها الواحدي بالمعنى وهي في المعاني: يريد -والله أعلم- جاءوكم قد حصرت صدورهم. =
قال ابن عباس في هذه الآية: يريد قد سعد المصدقون وبقوا في الجنة (١).
وقال أبو إسحاق: أي قد نالوا البقاء الدائم (٢).
وروى (٣) حميد، عن أنس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خلق الله جنة عدن وغرس أشجارها بيده، وقال لها (٤): تكلمي. فقالت: قد أفلح المؤمنون" (٥).
وذهب الكوفيين إلى أن الفعل الماضي يجوز أن يقع حالاً من غير تقدير. وإليه ذهب أبو الحسن الأخفش من البصريين.
وصحح أبو حيان قول الكوفيين معللا ذلك بكثرة وروده في "لسان العرب" كثرة توجب القياس وتمنع التأويل، لأن تأويل الكثير ضعيف جدًا.
انظر: "الإنصاف" للأنباري ١/ ٢٥٣ - ٢٥٨، "شرح المفصل" لابن يعيش ٢/ ٦٦ - ٦٧، "التبيين عن مذاهب النحويين" للعكبري ص ٣٨٦ - ٣٩٠، "البحر المحيط" لأبي حيان ٣/ ٣١٧، ٧/ ٤٩٣، "ارتشاف الضرب" ٢/ ٣٧٠.
(١) ذكره عنه البغوي ٥/ ٤٠٨، وروى الطستي في مسائله كما في "الدر المنثور" ٦/ ٨٣ عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ فقال: فازوا وسعدوا.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥.
(٣) من هنا يبدأ خرم في نسخة (ظ)، ومقداره صفحتان.
(٤) (لها): ساقطة من (أ).
(٥) أخرجه الحاكم في "مستدركه" ٢/ ٣٩٢، وابن عدي في "الكامل" ٥/ ٨٣٧، =