ﰡ
٣٦٤- أنا قتيبة بن سعيدٍ، نا حمادٌ، عن ثابتٍ، قال: سمعتُ عبد الله بن الزُّبير وهو على المنبر يخطبُ يقولُ: قال مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم:" من لبس الحرير في الدُّنيا لم يلبسهُ في الآخرةِ ".
سورةُ (الحَجِّ) من السُّوَر المدنيَّة، ومع ذلك فإنها جاءت على ذِكْرِ كثيرٍ من موضوعات السُّوَر المكِّية؛ مثل: بيان مسائلِ الاعتقاد والتوحيد، وما يَتعلَّق بمَشاهِدِ يوم القيامة وحسابِ الله عز وجل للخَلْقِ، إلا أن مِحوَرَها الرئيس كان حول رُكْنِ (الحَجِّ)، وما يتعلق به من أحكامٍ تشريعية، ودَوْرِ هذا الرُّكن في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بأحكامٍ تشريعية تتعلق بالجهاد وقتال المشركين؛ فقد مزَجتِ السورةُ بين موضوعات السُّوَر المكِّية والمدنيَّة، إلا أن مِحوَرَها تشريعيٌّ؛ كما أشرنا.
* قوله تعالى: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ فَاْلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ اْلْحَمِيمُ} [الحج: 19]:
عن قيسِ بن عُبَادٍ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «أنا أوَّلُ مَن يجثو بين يدَيِ الرَّحمنِ للخُصومةِ يومَ القيامةِ».
قال قيسٌ: «وفيهم نزَلتْ: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ}، قال: هم الذين بارَزوا يومَ بَدْرٍ: عليٌّ، وحَمْزةُ، وعُبَيدةُ، وشَيْبةُ بنُ ربيعةَ، وعُتْبةُ بنُ ربيعةَ، والوليدُ بنُ عُتْبةَ». أخرجه البخاري (٤٧٤٤).
* قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا خرَجَ النبيُّ ﷺ من مكَّةَ، قال أبو بكرٍ: أخرَجوا نبيَّهم! إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون! لَيَهلِكُنَّ؛ فنزَلتْ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، قال: فعرَفْتُ أنَّها ستكونُ».
قال ابنُ عباسٍ: «فهي أوَّلُ آيةٍ نزَلتْ في القتالِ». أخرجه ابن حبان (٤٧١٠).
* سورة (الحَجِّ):
سُمِّيت سورة (الحَجِّ) بذلك؛ لأنها جاءت على ذِكْرِ رُكْنِ (الحَجِّ).
* فُضِّلتْ سورةُ (الحَجِّ) بأنها السورةُ الوحيدة من سُوَرِ القرآن الكريم التي جاء فيها سجدتانِ:
عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فُضِّلتْ سورةُ الحَجِّ بأنَّ فيها سجدتَيْنِ؟ قال: «نَعم، ومَن لم يسجُدْهما فلا يَقرَأْهما». أخرجه الترمذي (٥٧٨).
جاءت سورة (الحَجِّ) على ذِكْرِ الكثير من الموضوعات؛ وهي:
1. الأمر بالتقوى، والإيمان بالساعة (١-٢).
2. المجادلة بغير علم (٣-٤).
3. الأدلة على البعث (٥-٧).
4. المجادلة بغير علم (٨-١٦).
5. الفصل بين الأُمَم، والاعتبار (١٧-٢٤).
6. الصد عن سبيل الله والمسجدِ الحرام (٢٥-٣٧).
7. الإذن بالقتال والدفاع عن المؤمنين (٣٨-٤١).
8. الاعتبار بهلاك الأُمَم السابقة (٤٢-٤٨).
9. إحكام الوعيِ للنبي صلى الله عليه وسلم (٤٩ - ٦٠).
10. من دلائلِ قدرة الله تعالى (٦١-٦٦).
11. بطلان شريعة ومنهاج المشركين (٦٧-٧٦).
12. أوامر الله للمؤمنين (٧٧-٧٨). ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /87).
ويقول شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ: «سورة الحَجِّ فيها مكِّيٌّ ومدَنيٌّ، وليليٌّ ونهاريٌّ، وسفَريٌّ وحضَريٌّ، وشِتائيٌّ وصَيْفيٌّ.
وتضمَّنتْ منازلَ المسيرِ إلى الله؛ بحيث لا يكون منزلةٌ ولا قاطع يَقطَع عنها.
ويوجد فيها ذِكْرُ القلوبِ الأربعة: الأعمى، والمريض، والقاسي، والمُخبِتِ الحيِّ المطمئنِّ إلى الله.
وفيها من التوحيد والحِكَم والمواعظ - على اختصارها - ما هو بَيِّنٌ لمَن تدبَّرَه.
وفيها ذِكْرُ الواجبات والمستحَبَّات كلِّها؛ توحيدًا، وصلاةً، وزكاةً، وحَجًّا، وصيامًا؛ قد تضمَّنَ ذلك كلَّه قولُه تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْرْكَعُواْ وَاْسْجُدُواْۤ وَاْعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩} [الحج: 77]، فيدخُلُ في قوله: {وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ} كلُّ واجبٍ ومستحَبٍّ؛ فخصَّصَ في هذه الآيةِ وعمَّمَ، ثم قال: {وَجَٰهِدُواْ فِي اْللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ} [الحج: 78]، فهذه الآيةُ وما بعدها لم تترُكْ خيرًا إلا جمَعَتْهُ، ولا شرًّا إلا نفَتْهُ». "مجموع الفتاوى" (15 /266).
وهذه السورةُ مِن أعاجيبِ السُّوَرِ؛ كما ذكَر ابنُ سلامةَ البَغْداديُّ، وأبو بكرٍ الغَزْنويُّ، وابنُ حزمٍ الأندلسيُّ، وابنُ تيميَّةَ.
ومِن عجائبِ هذه السورةِ الكريمة: أنه اجتمَع فيها سجودانِ، وهذا لم يحدُثْ في سورةٍ أخرى، بل قال بعضُ العلماء: «إن السجودَ الثاني فيها هو آخِرُ سجودٍ نزَل في القرآنِ الكريم». انظر: "الناسخ والمنسوخ" للبغدادي (ص126)، و"الناسخ والمنسوخ" لابن حزم (ص46)، و"تفسير القرطبي" (21/1)، و"مجموع الفتاوى" (15/266)، و"بغية السائل" (ص548).
جاءت سورة (الحَجِّ) بمقصدٍ عظيم؛ وهو دورُ رُكْنِ (الحَجِّ) العظيمُ في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بالحثِّ على التقوى، وخطابِ الناس بأمرهم أن يتَّقُوا اللهَ ويَخشَوْا يومَ الجزاء وأهوالَه، والاستدلالِ على نفيِ الشرك، وخطابِ المشركين بأن يُقلِعوا عن المكابرة في الاعتراف بانفراد الله تعالى بالإلهية، وعن المجادلة في ذلك اتباعًا لوساوسِ الشياطين، وأن الشياطينَ لا تُغني عنهم شيئًا، ولا ينصرونهم في الدنيا ولا في الآخرة.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /296)، والتحرير والتنوير (17 /184).