تفسير سورة سورة الحج من كتاب تفسير السمعاني
المعروف بـتفسير السمعاني
.
لمؤلفه
أبو المظفر السمعاني
.
المتوفي سنة 489 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الحجقال ابن عباس في أظهر الروايتين : هي مكية إلا قوله تعالى :( هذان خصمان اختصموا في ربهم )( ١ ) وآيتين بعد هذه الآية، وقوله تعالى :( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا. . ) ( ٢ ) الآية، وعن ابن عباس في رواية أخرى : أن هذه السورة مدنية إلا آيات فيها نزلت بمكة.
١ - الحج: ١٩..
٢ - الحج: ٣٩..
٢ - الحج: ٣٩..
ﰡ
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم﴾ أَي: احْذَرُوا عَن عُقُوبَته بِطَاعَتِهِ، وَيُقَال: اتَّقوا ربكُم أَي: اتَّقوا جَمِيع المناهي: وفيهَا الشّرك وَغَيره.
وَقَوله: ﴿إِن زَلْزَلَة السَّاعَة﴾ الزلزلة شدَّة الْحَرَكَة على حَال هائلة، وَاخْتلف القَوْل فِي هَذِه الزلزلة، فَذكر عَلْقَمَة وَالشعْبِيّ: أَنَّهَا قبل يَوْم الْقِيَامَة، وَذكر ابْن عَبَّاس الْحسن وَقَتَادَة وَالسُّديّ وَغَيرهم: أَنَّهَا عِنْد قيام السَّاعَة، وَهَذِه القَوْل أصح الْقَوْلَيْنِ لما نذكرهُ من الْخَبَر من بعد.
وَقَوله: ﴿شَيْء عَظِيم﴾ أَي: أَمر عَظِيم.
وَقَوله: ﴿إِن زَلْزَلَة السَّاعَة﴾ الزلزلة شدَّة الْحَرَكَة على حَال هائلة، وَاخْتلف القَوْل فِي هَذِه الزلزلة، فَذكر عَلْقَمَة وَالشعْبِيّ: أَنَّهَا قبل يَوْم الْقِيَامَة، وَذكر ابْن عَبَّاس الْحسن وَقَتَادَة وَالسُّديّ وَغَيرهم: أَنَّهَا عِنْد قيام السَّاعَة، وَهَذِه القَوْل أصح الْقَوْلَيْنِ لما نذكرهُ من الْخَبَر من بعد.
وَقَوله: ﴿شَيْء عَظِيم﴾ أَي: أَمر عَظِيم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَوْم ترونها﴾ يَعْنِي: السَّاعَة.
وَقَوله: ﴿تذهل﴾ أَي: تغفل وتشتغل، وَفِيه تسهو وتنسى، قَالَ الشَّاعِر فِي الذهول.
وَقَالَ عبد الله بن رَوَاحَة بَين يَدي النَّبِي:
وَقَوله: ﴿تذهل﴾ أَي: تغفل وتشتغل، وَفِيه تسهو وتنسى، قَالَ الشَّاعِر فِي الذهول.
(أَطَالَت بك الْأَيَّام حَتَّى نسيتهَا | كَأَنَّك عَن يَوْم الْقِيَامَة ذاهل) |
416
﴿مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت وتضع كل ذَات حمل حملهَا وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد (٢) ﴾
وَقَوله: ﴿كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت﴾ يَعْنِي: كل أم عَن وَلَدهَا.
وَقَوله: ﴿وتضع كل ذَات حمل حملهَا﴾. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ تضع الْمَرْأَة حملهَا يَوْم الْقِيَامَة؟ الْجَواب: قُلْنَا: أما على قَوْلنَا إِن الزلزلة قبل قيام السَّاعَة، فَمَعْنَى وضع الْحمل على ظَاهره، وَإِن قُلْنَا إِن الزلزلة عِنْد قيام السَّاعَة، فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن المُرَاد من الْآيَة النِّسَاء اللواتي متن وَهن حبالى، وَالْوَجْه الثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَح: أَن هَذَا على وَجه تَعْظِيم الْأَمر وَذكر شدَّة الهول، لَا على حَقِيقَة وضع الْحمل، وَالْعرب تَقول: أَصَابَنَا أَمر يشيب فِيهِ الْوَلِيد، وَهَذَا على طَرِيق عظم الْأَمر وشدته، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَوْمًا يَجْعَل الْوَالِدَان شيبا﴾ وَالْمرَاد مَا بَينا.
وَقَوله: ﴿وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى﴾ وقرىء: " سكرى " بِغَيْر الْألف، وَالْمعْنَى وَاحِد، وَالَّذِي عَلَيْهِ أهل التَّفْسِير: أَن المُرَاد من الْآيَة سكرى من الْفَزع وَالْخَوْف، وَلَيْسوا سكارى من الشَّرَاب وَقَالُوا أَيْضا: فِي صُورَة السكارى، وَلَيْسوا بسكارى، وَالْقَوْل الأول أحسن؛ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد﴾.
وَفِي الْآيَة خبر صَحِيح أوردهُ البُخَارِيّ وَغَيره، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي قَرَأَهَا بَين الْآيَتَيْنِ ثمَّ قَالَ: " إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول الله تَعَالَى لآدَم: قُم يَا آدم، فَابْعَثْ من ذريتك بعث النَّار فَيَقُول آدم: لبيْك وَسَعْديك، وَالْخَيْر فِي يَديك، وَمَا بعث النَّار؟ فَيَقُول الله تَعَالَى: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين إِلَى النَّار، [وَوَاحِد] إِلَى الْجنَّة، فَقَالَ أَصْحَاب رَسُول الله: وأينا ذَلِك الْوَاحِد؟ فَقَالَ النَّبِي: " سددوا وقاربوا وَأَبْشِرُوا، فَإِن مَعكُمْ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ قوم إِلَّا كَثرَتَاهُ: يَأْجُوج وَمَأْجُوج وكفرة الْجِنّ وَالْإِنْس من قبلكُمْ "، وَفِي رِوَايَة
(ضربا يزِيل الْهَام عَن مقِيله | وَيذْهل الْخَلِيل عَن خَلِيله) |
وَقَوله: ﴿وتضع كل ذَات حمل حملهَا﴾. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ تضع الْمَرْأَة حملهَا يَوْم الْقِيَامَة؟ الْجَواب: قُلْنَا: أما على قَوْلنَا إِن الزلزلة قبل قيام السَّاعَة، فَمَعْنَى وضع الْحمل على ظَاهره، وَإِن قُلْنَا إِن الزلزلة عِنْد قيام السَّاعَة، فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن المُرَاد من الْآيَة النِّسَاء اللواتي متن وَهن حبالى، وَالْوَجْه الثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَح: أَن هَذَا على وَجه تَعْظِيم الْأَمر وَذكر شدَّة الهول، لَا على حَقِيقَة وضع الْحمل، وَالْعرب تَقول: أَصَابَنَا أَمر يشيب فِيهِ الْوَلِيد، وَهَذَا على طَرِيق عظم الْأَمر وشدته، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَوْمًا يَجْعَل الْوَالِدَان شيبا﴾ وَالْمرَاد مَا بَينا.
وَقَوله: ﴿وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى﴾ وقرىء: " سكرى " بِغَيْر الْألف، وَالْمعْنَى وَاحِد، وَالَّذِي عَلَيْهِ أهل التَّفْسِير: أَن المُرَاد من الْآيَة سكرى من الْفَزع وَالْخَوْف، وَلَيْسوا سكارى من الشَّرَاب وَقَالُوا أَيْضا: فِي صُورَة السكارى، وَلَيْسوا بسكارى، وَالْقَوْل الأول أحسن؛ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد﴾.
وَفِي الْآيَة خبر صَحِيح أوردهُ البُخَارِيّ وَغَيره، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي قَرَأَهَا بَين الْآيَتَيْنِ ثمَّ قَالَ: " إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول الله تَعَالَى لآدَم: قُم يَا آدم، فَابْعَثْ من ذريتك بعث النَّار فَيَقُول آدم: لبيْك وَسَعْديك، وَالْخَيْر فِي يَديك، وَمَا بعث النَّار؟ فَيَقُول الله تَعَالَى: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين إِلَى النَّار، [وَوَاحِد] إِلَى الْجنَّة، فَقَالَ أَصْحَاب رَسُول الله: وأينا ذَلِك الْوَاحِد؟ فَقَالَ النَّبِي: " سددوا وقاربوا وَأَبْشِرُوا، فَإِن مَعكُمْ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ قوم إِلَّا كَثرَتَاهُ: يَأْجُوج وَمَأْجُوج وكفرة الْجِنّ وَالْإِنْس من قبلكُمْ "، وَفِي رِوَايَة
417
﴿وَمن النَّاس من يُجَادِل فِي الله بِغَيْر علم وَيتبع كل شَيْطَان مُرِيد (٣) كتب عَلَيْهِ أَنه من تولاه فَأَنَّهُ يضله ويهديه إِلَى عَذَاب السعير (٤) ﴾ قَالَ: " تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين من يَأْجُوج وَمَأْجُوج، وَوَاحِد مِنْكُم، ثمَّ قَالَ: " إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة، فكبرنا، ثمَّ قَالَ: إِنِّي أَرْجُو أَن تَكُونُوا ثلث أهل الْجنَّة، فكبرنا، ثمَّ قَالَ: إِنِّي أَرْجُو أَن تَكُونُوا نصف أهل الْجنَّة مَا أَنْتُم فِي ذَلِك الْيَوْم بَين النَّاس إِلَّا كالشعرة الْبَيْضَاء فِي الثور الْأسود، أَو كالشعرة السَّوْدَاء فِي الثور الْأَبْيَض " وَفِي رِوَايَة: " مَا أَنْتُم فِي النَّاس إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جنب الْبَعِير، وكالرقمة فِي ذِرَاع الدَّابَّة ". قَالَ الشَّيْخ الإِمَام: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث الْمَكِّيّ بن عبد الرَّزَّاق، قَالَ: أخبرنَا جدي أَبُو الْهَيْثَم، قَالَ الْفربرِي، قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ عمر بن حَفْص بن غياث قَالَ: أخبرنَا أبي، عَن الْأَعْمَش... الْخَبَر.
418
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمن النَّاس من يُجَادِل فِي الله بِغَيْر علم﴾ الْأَكْثَرُونَ على أَن الْآيَة نزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث، وَكَانَ يُنكر الْبَعْث ويجادل فِيهِ، وَعَن سهل بن عبد الله فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: هُوَ من يُجَادِل فِي آيَات الله بالهوى، وَعَن غَيره قَالَ: هُوَ الَّذِي يرد النَّص بِالْقِيَاسِ.
وَقَوله: ﴿وَيتبع كل شَيْطَان مُرِيد﴾ المريد المتمرد، والمتمرد هُوَ المستمر فِي الشَّرّ، يُقَال: حَائِط ممرد أَي: مطول، وَقيل: المريد هُوَ العاري عَن الْخَيْر، يُقَال صبي أَمْرَد إِذا كَانَ عَارِيا خَدّه من الشّعْر.
وَقَوله: ﴿وَيتبع كل شَيْطَان مُرِيد﴾ المريد المتمرد، والمتمرد هُوَ المستمر فِي الشَّرّ، يُقَال: حَائِط ممرد أَي: مطول، وَقيل: المريد هُوَ العاري عَن الْخَيْر، يُقَال صبي أَمْرَد إِذا كَانَ عَارِيا خَدّه من الشّعْر.
وَقَوله: ﴿كتب عَلَيْهِ﴾ أَي: على الشَّيْطَان.
وَقَوله: ﴿أَنه من تولاه فَأَنَّهُ يضله﴾ أَي: كتب على الشَّيْطَان أَن يضل من تولاه.
وَقَوله: ﴿ويهديه إِلَى عَذَاب السعير﴾ أَي: إِلَى عَذَاب جَهَنَّم.
وَقَوله: ﴿أَنه من تولاه فَأَنَّهُ يضله﴾ أَي: كتب على الشَّيْطَان أَن يضل من تولاه.
وَقَوله: ﴿ويهديه إِلَى عَذَاب السعير﴾ أَي: إِلَى عَذَاب جَهَنَّم.
418
﴿يَا أَيهَا النَّاس إِن كُنْتُم فِي ريب من الْبَعْث فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ من تُرَاب ثمَّ من نُطْفَة ثمَّ من علقَة ثمَّ من مُضْغَة مخلقة وَغير مخلقة﴾
419
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا النَّاس إِن كُنْتُم فِي ريب من الْبَعْث﴾ ذكر الله تَعَالَى فِي هَذِه الْآيَة الدّلَالَة على منكري الْبَعْث، وَالْخطاب للْمُشْرِكين.
وَقَوله: ﴿إِن كُنْتُم فِي ريب من الْبَعْث﴾ أَي: فِي شكّ من الْبَعْث.
وَقَوله: ﴿فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ من تُرَاب﴾ ذكر التُّرَاب هَاهُنَا؛ لِأَن آدم خلق من تُرَاب، وَهُوَ الأَصْل.
وَقَوله: ﴿ثمَّ من نُطْفَة﴾ النُّطْفَة هِيَ المَاء النَّازِل من الصلب.
وَقَوله: ﴿ثمَّ من علقَة﴾ الْعلقَة هِيَ الدَّم المتجمد، وَقيل: المنعقد.
وَقَوله: ﴿ثمَّ من مُضْغَة﴾ المضغة هِيَ قِطْعَة لحم كَأَنَّهَا مضغت.
وَقَوله: ﴿مخلقة وَغير مخلقة﴾. قَالَ ابْن عَبَّاس ﴿مخلقة﴾ تَامّ الْخلق ﴿وَغير مخلقة﴾ نَاقص الْخلق، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المخلقة هُوَ الْوَلَد الَّذِي تَأتي بِهِ الْمَرْأَة لوقته، وَغير المخلقة هُوَ السقط، وَفِي هَذَا الْموضع أَخْبَار: مِنْهَا مَا روى عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود أَنه إِذا اسْتَقَرَّتْ النُّطْفَة فِي الرَّحِم أَخذهَا الْملك بِيَدِهِ فَيَقُول: أَي رب، مخلقة أَو غير مخلقة؟ فَإِن قَالَ: غير مخلقة قَذفهَا الرَّحِم دَمًا، وَلم تخلق مِنْهَا نسمَة، وَإِن قَالَ: مخلقة، قَالَ الْملك: أشقي أَو سعيد؟ أذكر أَو أُنْثَى؟ مَا رزقه؟ مَا عمله؟ مَا أَجله؟ وَأَيْنَ الْموضع الَّذِي يقبض فِيهِ؟ فَيَقُول الله تَعَالَى لَهُ: اذْهَبْ إِلَى أم الْكتاب فَفِيهِ كل ذَلِك، فَيذْهب إِلَى أم الْكتاب فيجد فِيهِ أَنه شقي أَو سعيد، ذكر أَو أُنْثَى، فَيكْتب ذَلِك، فيسعى الرجل فِي عمله، وَيَأْكُل رزقه، ويمضي فِي أَجله حَتَّى يتوفاه الله تَعَالَى فِي الْمَكَان الَّذِي قدر أَيْن يقبض فِيهِ.
وَقد ورد خبران صَحِيحَانِ عَن النَّبِي فِي هَذَا، أَحدهمَا مَا روى الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: أَخْبرنِي الصَّادِق المصدوق أَبُو الْقَاسِم: أَن خلق أحدكُم يجمع فِي رحم أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة، ثمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا علقَة،
وَقَوله: ﴿إِن كُنْتُم فِي ريب من الْبَعْث﴾ أَي: فِي شكّ من الْبَعْث.
وَقَوله: ﴿فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ من تُرَاب﴾ ذكر التُّرَاب هَاهُنَا؛ لِأَن آدم خلق من تُرَاب، وَهُوَ الأَصْل.
وَقَوله: ﴿ثمَّ من نُطْفَة﴾ النُّطْفَة هِيَ المَاء النَّازِل من الصلب.
وَقَوله: ﴿ثمَّ من علقَة﴾ الْعلقَة هِيَ الدَّم المتجمد، وَقيل: المنعقد.
وَقَوله: ﴿ثمَّ من مُضْغَة﴾ المضغة هِيَ قِطْعَة لحم كَأَنَّهَا مضغت.
وَقَوله: ﴿مخلقة وَغير مخلقة﴾. قَالَ ابْن عَبَّاس ﴿مخلقة﴾ تَامّ الْخلق ﴿وَغير مخلقة﴾ نَاقص الْخلق، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المخلقة هُوَ الْوَلَد الَّذِي تَأتي بِهِ الْمَرْأَة لوقته، وَغير المخلقة هُوَ السقط، وَفِي هَذَا الْموضع أَخْبَار: مِنْهَا مَا روى عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود أَنه إِذا اسْتَقَرَّتْ النُّطْفَة فِي الرَّحِم أَخذهَا الْملك بِيَدِهِ فَيَقُول: أَي رب، مخلقة أَو غير مخلقة؟ فَإِن قَالَ: غير مخلقة قَذفهَا الرَّحِم دَمًا، وَلم تخلق مِنْهَا نسمَة، وَإِن قَالَ: مخلقة، قَالَ الْملك: أشقي أَو سعيد؟ أذكر أَو أُنْثَى؟ مَا رزقه؟ مَا عمله؟ مَا أَجله؟ وَأَيْنَ الْموضع الَّذِي يقبض فِيهِ؟ فَيَقُول الله تَعَالَى لَهُ: اذْهَبْ إِلَى أم الْكتاب فَفِيهِ كل ذَلِك، فَيذْهب إِلَى أم الْكتاب فيجد فِيهِ أَنه شقي أَو سعيد، ذكر أَو أُنْثَى، فَيكْتب ذَلِك، فيسعى الرجل فِي عمله، وَيَأْكُل رزقه، ويمضي فِي أَجله حَتَّى يتوفاه الله تَعَالَى فِي الْمَكَان الَّذِي قدر أَيْن يقبض فِيهِ.
وَقد ورد خبران صَحِيحَانِ عَن النَّبِي فِي هَذَا، أَحدهمَا مَا روى الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: أَخْبرنِي الصَّادِق المصدوق أَبُو الْقَاسِم: أَن خلق أحدكُم يجمع فِي رحم أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة، ثمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا علقَة،
419
﴿لنبين لكم﴾ ثمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُضْغَة، ثمَّ يُؤمر الْملك بِأَرْبَع كَلِمَات؛ فَيكْتب رزقه، وَعَمله، وأجله، وشقي أَو سعيد، ثمَّ ينْفخ فِيهِ الرّوح ". وَالْخَبَر مُتَّفق على صِحَّته.
وَالْخَبَر الثَّانِي: هُوَ مَا روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: سَمِعت عبد الله بن مَسْعُود يَقُول: الشقي من شقي فِي بطن أمه، والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ. قَالَ أَبُو الطُّفَيْل: فَقلت ثكلتني! أنشقى وَلم نعمل؟ فَأتيت حُذَيْفَة بن أسيد، فَذكرت لَهُ قَول ابْن مَسْعُود، فَقَالَ: أَلا أخْبرك بِأَعْجَب من هَذَا، سَمِعت رَسُول الله يَقُول: " إِذا مكثت النُّطْفَة فِي رحم الْأُم أَرْبَعِينَ يَوْمًا - أَو خَمْسَة وَأَرْبَعين - جَاءَ الْملك فَيَقُول: يَا رب، أذكر أَو أُنْثَى؟ فَيَقُول الرب، وَيكْتب الْملك، فَيَقُول: أشقي أَو سعيد؟ فَيَقُول الرب، وَيكْتب الْملك، فَيَقُول: مَا رزقه، مَا عمله، مَا أَجله، مَا أَثَره، مَا مصيبته؟ فَيَقْضِي الله مَا شَاءَ، وَيكْتب الْملك، ثمَّ يطوي الصَّحِيفَة، فَلَا يُزَاد وَلَا ينقص إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو عَليّ الشَّافِعِي بِمَكَّة حرسها الله تَعَالَى، قَالَ: أَبُو الْحسن بن [فراس] قَالَ: أخبرنَا أَبُو جَعْفَر الديبلي قَالَ سعيد بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي، قَالَ سُفْيَان... الْخَبَر. أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح.
وأنشدوا فِي المخلقة:
(أَفِي غير المخلقة الْبكاء... فَأَيْنَ الْعَزْم وَيحكم وَالْحيَاء)
وَقَوله: ﴿لنبين لكم﴾ أَي: نبين لكم أَمر الْخلق فِي الِابْتِدَاء؛ لتستدلوا (بقدرة
وَالْخَبَر الثَّانِي: هُوَ مَا روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: سَمِعت عبد الله بن مَسْعُود يَقُول: الشقي من شقي فِي بطن أمه، والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ. قَالَ أَبُو الطُّفَيْل: فَقلت ثكلتني! أنشقى وَلم نعمل؟ فَأتيت حُذَيْفَة بن أسيد، فَذكرت لَهُ قَول ابْن مَسْعُود، فَقَالَ: أَلا أخْبرك بِأَعْجَب من هَذَا، سَمِعت رَسُول الله يَقُول: " إِذا مكثت النُّطْفَة فِي رحم الْأُم أَرْبَعِينَ يَوْمًا - أَو خَمْسَة وَأَرْبَعين - جَاءَ الْملك فَيَقُول: يَا رب، أذكر أَو أُنْثَى؟ فَيَقُول الرب، وَيكْتب الْملك، فَيَقُول: أشقي أَو سعيد؟ فَيَقُول الرب، وَيكْتب الْملك، فَيَقُول: مَا رزقه، مَا عمله، مَا أَجله، مَا أَثَره، مَا مصيبته؟ فَيَقْضِي الله مَا شَاءَ، وَيكْتب الْملك، ثمَّ يطوي الصَّحِيفَة، فَلَا يُزَاد وَلَا ينقص إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو عَليّ الشَّافِعِي بِمَكَّة حرسها الله تَعَالَى، قَالَ: أَبُو الْحسن بن [فراس] قَالَ: أخبرنَا أَبُو جَعْفَر الديبلي قَالَ سعيد بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي، قَالَ سُفْيَان... الْخَبَر. أخرجه مُسلم فِي الصَّحِيح.
وأنشدوا فِي المخلقة:
(أَفِي غير المخلقة الْبكاء... فَأَيْنَ الْعَزْم وَيحكم وَالْحيَاء)
وَقَوله: ﴿لنبين لكم﴾ أَي: نبين لكم أَمر الْخلق فِي الِابْتِدَاء؛ لتستدلوا (بقدرة
420
﴿ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء إِلَى أجل مُسَمّى ثمَّ نخرجكم طفْلا ثمَّ لتبلغوا أَشدّكُم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إِلَى أرذل الْعُمر لكيلا يعلم من بعد علم شَيْئا﴾ الله) فِي الِابْتِدَاء على قدرته على الْإِعَادَة.
وَقَوله: ﴿ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء﴾ أَي: نثبت فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء ﴿إِلَى أجل مُسَمّى﴾ أَي: إِلَى وَقت الْولادَة:
وَقَوله: ﴿ثمَّ نخرجكم طفْلا﴾ أَي: أطفالا، وَاحِد بِمَعْنى الْجمع.
وَقَوله: ﴿ثمَّ لتبلغوا أَشدّكُم﴾ قد بَينا معنى الأشد.
وَقَوله: ﴿ومنكم من يتوفى﴾ وَحكى أَبُو حَاتِم أَن فِي قِرَاءَة بَعضهم: " ومنكم من يتوفى " بِفَتْح الْيَاء، وَمَعْنَاهُ يسْتَوْفى أَجله، وَالْمَعْرُوف ﴿يتوفى﴾ بِالرَّفْع يَعْنِي: يتوفى قبل بُلُوغ الْكبر.
وَقَوله: ﴿ومنكم من يرد إِلَى أرذل الْعُمر﴾ أَي: إِلَى أخس الْعُمر، وَالْمرَاد مِنْهُ حَالَة الخرف والهرم، قَالَ عِكْرِمَة: من قَرَأَ الْقُرْآن لم يخرف.
وَقَوله: ﴿لكيلا يعلم من بعد علم شَيْئا﴾ أَي: لَا يعقل من عبد عقله شَيْئا.
وَقَوله: ﴿وَترى الأَرْض هامدة﴾ وَهَذَا ذكر دَلِيل آخر على إحْيَاء الْمَوْت.
وَقَوله: ﴿هامدة﴾ أَي: جافة يابسة لَا نَبَات فِيهَا، وَقَالَ قَتَادَة: (هامدة) غبراء منهشمة، وَقيل: هامدة: دارسة، قَالَ الشَّاعِر:
وَقَالَ آخر:
وَقَوله: ﴿ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء﴾ أَي: نثبت فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء ﴿إِلَى أجل مُسَمّى﴾ أَي: إِلَى وَقت الْولادَة:
وَقَوله: ﴿ثمَّ نخرجكم طفْلا﴾ أَي: أطفالا، وَاحِد بِمَعْنى الْجمع.
وَقَوله: ﴿ثمَّ لتبلغوا أَشدّكُم﴾ قد بَينا معنى الأشد.
وَقَوله: ﴿ومنكم من يتوفى﴾ وَحكى أَبُو حَاتِم أَن فِي قِرَاءَة بَعضهم: " ومنكم من يتوفى " بِفَتْح الْيَاء، وَمَعْنَاهُ يسْتَوْفى أَجله، وَالْمَعْرُوف ﴿يتوفى﴾ بِالرَّفْع يَعْنِي: يتوفى قبل بُلُوغ الْكبر.
وَقَوله: ﴿ومنكم من يرد إِلَى أرذل الْعُمر﴾ أَي: إِلَى أخس الْعُمر، وَالْمرَاد مِنْهُ حَالَة الخرف والهرم، قَالَ عِكْرِمَة: من قَرَأَ الْقُرْآن لم يخرف.
وَقَوله: ﴿لكيلا يعلم من بعد علم شَيْئا﴾ أَي: لَا يعقل من عبد عقله شَيْئا.
وَقَوله: ﴿وَترى الأَرْض هامدة﴾ وَهَذَا ذكر دَلِيل آخر على إحْيَاء الْمَوْت.
وَقَوله: ﴿هامدة﴾ أَي: جافة يابسة لَا نَبَات فِيهَا، وَقَالَ قَتَادَة: (هامدة) غبراء منهشمة، وَقيل: هامدة: دارسة، قَالَ الشَّاعِر:
(قَالَت قتيلة مَا لجسمك شاحبا | وَأرى ثِيَابك باليات همدا) |