وفيها من الأحكام والنسخ ٤.
٢ قال ابن عطية: وهذا هو الأصح والله أعلم. راجع م. س. ، ن. ص..
٣ وذكر القرطبي عن الغزنوي أنه قال: وهي من أعاجيب السور نزلت ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، مكيا ومدنيا، سلميا وحربيا، ناسخا ومنسوخا، محكما ومتشابها، مختلف العدد. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ١. والحديث أورده ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ١٧٣..
٤ أوصلها ابن الفرس إلى تسعة عشر آية..
ﰡ
اختلف في الزلزلة المذكورة هل تكون في الدنيا على من تقوم عليه القيامة أم هي يوم القيامة على جميع العالم. فقال الجمهور هي في الدنيا، والضمير في ﴿ ترونها ﴾ عائد على الزلزلة وقال هؤلاء إن الرضاع والحمل لا يكون إلا في الدنيا، وعضدوا به مذهبهم. وقال قوم هي في يوم القيامة، والضمير في :﴿ ترونها ﴾ عائد على الساعة أي يوم ترون ابتداءها في الدنيا، وإن لم يعيدوا الضمير على الزلزلة لئلا يلزمهم أن يكون الحمل والرضاع في يوم القيامة. وقال بعضهم بل هي في يوم القيامة والضمير في ﴿ ترونها ﴾ عائد على الزلزلة، وزعموا أن المراد بكل ذات حمل من مات من الإناث وولدها في جوفها ١ ويجعلون المرضعة – والله تعالى أعلم – من كانت مرضعة في الدنيا، واحتج بهذا التأويل من يقول أن المرأة إذا ماتت بجنين في بطنها لم يبقر عليه، وهو قول ابن القاسم، خلاف قول أشهب.
قال ابن مسعود : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو الصادق المصدق – يقول : " يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة أربعين يوما ثم يكون مضغة أربعين ثم يبعث الله ملكا فيقول اكتب عمله ورزقه وأجله واكتب شقيا أو سعيدا.... " الحديث ١. وقوله :﴿ من تراب ﴾، يريد آدم من تراب، فأنتم من تراب لأنكم من نسله، ومن كان أصله تربا فهو ترب. وقوله تعالى :﴿ ثم من نطفة ﴾ يريد المني الذي يكون منه الخلق وخصه بعضهم ببني آدم ٢. وقوله تعالى :﴿ ثم من علقة ﴾ يريد الدم الذي تعود النطفة إليه، والعلق الدم العبيط. وقيل ٣ العلق الشديد الحمرة فسمي الدم بذلك. وقوله تعالى :﴿ من مضغة ﴾ يريد مضغة على قدر ما يمضغ. قال زهير ٤ :
تلجلج مضغة فيها أنيص | أطلت فهي تحت الكشح داء |
وقال أشهب لا تكون أم ولد بالعقة- يريد والله تعالى أعلم- أنها تكون أم ولد بالمضغة فأعلى، وهو قول الأوزاعي وغيره ٨.
وذهب الشافعي إلى أنها لا تكون أم ولد حتى يتم شيء من خلقه، عين أو ظفر أو ما أشبه ذلك، وهو قول أبي حنيفة. والأظهر مذهب مالك رحمه الله تعالى لأن الله تعالى قد جعل درجات خلقه من نطفة إلى علقة إلى مضغة، والنطفة لما كانت المني لم يجب أن تكون الجارية بها أم ولد لأنها بعد لم يحدث فيها الرحم شيئا لم يكن قبل، فإذا صار علقة فقد أحدث الرحم فيها ٩ شيئا لم يكن وتغير اسم النطفة واستعدت للتخليق، فمن حينئذ ينبغي أن تكون الجارية أم ولد. وذكر إسماعيل القاضي عن مالك أن الأمة تكون أم ولد بالمضغة التي يعلم أنها مضغة، واحتج بهذه الآية :﴿ مخلقة وغير مخلقة ﴾ قال : وبذلك تخرج المرأة من العدة وبه تعتق أم الولد إذا أسقطته بعد موت سيدها. قال : وأما النطفة والعلقة فهي دم فليس ذلك براءة، وأما ١٠ إذا تبين من الخلق شيء – وإن قل – فهذا يكفن ويغسل إذا تبين الرأس إلى عجب الذنب، وإن لم يتم الخلق، وهذا قول مالك والحجة فيه القرآن. وقوله عز وجل :﴿ مخلقة وغير مخلقة ﴾ أخبرنا أن غير المخلقة لها حكم المخلقة بأن يحكم للأمة بحكم أم الولد ولذلك ما جعل في أخلاص المرأة غير عبد أو وليدة إذا تبين بعض الخلق ١١. وذكر أبو الحسن أن الآية تقتضي أن لا تكون المضغة إنسانا كما اقتضت ذلك في العلقة والنطفة والتراب لأن الله تعالى نبهنا بهذه الآية على كمال قدرته بأن خلق الإنسان من غير إنسان وهي النطفة والمضغة التي لا تخطيط فيها ولا تركيب. فإذا لم يكن إنسانا جاز أن يقال فيه إنها ليست بحمل كالنطفة. ويحتمل أن يقال إنه أصل الإنسان الذي انعقد واشتمل عليه الرحم وصار حملا وليس كالنطفة. وزعم إسماعيل بن إسحاق أن قوما زعموا أن السقط لا تنقضي به العدة ولا تصير به الأمة أم ولد، وزعم أن هذا غلط لأنه تعالى أعلمنا أن المضغة التي هي غير مخلقة قد دخل فيما ذكر من خلق الإنسان. كما ذكر المخلقة ودل على أن كل ما يكون من ذلك إلى خروج الولد من بطن أمه فهو حمل، وقد قال تعالى :﴿ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ﴾ [ الطلاق : ٤ ] قال وهذا لا حجة فيه فإن الله تعالى لم يذكر أنه حمل وإنما نبه على قدرته بأن خلقها مما ذكر فلم تدخل النطفة ولا العلقة ولا المضغة المخلقة في اسم الإنسان، فليس بشيء من ذلك ولدا.
وقوله تعالى :﴿ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ﴾ [ الطلاق : ٤ ] فالمراد به ما سمي ولدا. واستدل إسماعيل بن إسحاق أيضا على أنه يرث بهذا، وهو قول غلط لأنه إنما يعتبر ميراثه عند الولادة حتى لو طلقها منذ أربع سنين وأتت بولد وعلم أنه في تلك الحالة نطفة ورث أيضا. ولو انفصل عنها وقد تكامل خلقه لم يرث وانقضت به العدة. فهما حكمان متباينان ١٢ وأحكام الجنين كثيرة وليس هذا موضع ذكرها، وإن كان بعضهم قد ذكر في هذا الموضع من أحكامه كثيرا كاختلاف الناس في الصلاة عليه ما لم يستهل، إلى غير ذلك ١٣ فأعرضت عنها لما ذكرته، وسائر الآيات قد مر الكلام على أحكامها في مواضعها.
٢ قاله ابن عطية فراجعه في المحرر الوجيز ١١/ ١٧٧..
٣ في (ح): "وقال"..
٤ زهير: هو زهير بن أبي سلمى، ربيعة بن رباح. أحد شعراء الجاهلية المشهورين بمعلقاتهم. انظر الأغاني للأصفهاني ١٠/ ٢٩٨. والبيت من البحر الوافر..
٥ راجع أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٢٦٠..
٦ "به" ساقط في (ج)، (ح)، (د)، (هـ)..
٧ قال ابن عطية: وعن مالك أنها تكون أم ولدها بالمضغة. راجع المحرر الوجيز ١١/ ١٧٨..
٨ "ومالك". راجع المحرر الوجيز ١١/ ١٧٨، والجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٩..
٩ في (ح): "فيه"..
١٠ "وأما" ساقط في (أ)..
١١ راجع حكم ذلك بأكثر تفصيلا في أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٥٨، ٥٩..
١٢ راجع قول أبي الحسن في أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٢٧٧، ٢٧٨. وراجع الرد عليه في أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٥٨، ٥٩..
١٣ راجع ذلك في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٩..
نزلت هذه الآية عام الحديبية حين صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام. وقد اختلف في المراد بقوله :﴿ والمسجد الحرام ﴾ فقيل نفس المسجد خاصة، وهو الذي ذهب إليه إسماعيل القاضي واحتج له بنص الآية ١ وقال جماعة : المسجد الحرام أراد به مكة كلها، لكن القصد بالذكر المهم المقصود من ذلك ٢ وقد اتفق العلماء على أن ٣ الناس سواء في نفس المسجد الحرام لنص الآية، واختلفوا في سائر مكة. فذهب عمر بن الخطاب وابن عباس وغيرهما إلى الأمر في ذلك كالأمر في المسجد الحرام وأن القادم فيها له النزول حيث وجد وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أو أبى، وعلى هذا كان الأمر في الصدر الأول، قاله ابن سابط ٤ وكانت دورهم بغير أبواب حتى كثرت السرقة فاتخذ رجل منهم بابا فأنكر عليه عمر وقال : أتغلق بابا في وجه حاج بيت الله ؟ فقال إنما أردت حفظ متاعهم من السرقة، فتركه ٥ فاتخذ الناس أبوابا ٦. وقال علقمة بن ثعلبة ٧ : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعي رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى لم يسكن، وحجة هذا القول ظاهر الآية. وقال الجمهور- منهم مالك وغيره- ليس ذلك كالمسجد الحرام، ولأهلها الامتناع بها والاستبداد، وعلى هذا العمل اليوم. ورجح هذا القول إسماعيل القاضي وقال : لم تزل الدور لأهل مكة غير أن المواساة تجب إذا كانت الضرورة. ولعل عمر رضي الله تعالى عنه فعل ذلك على هذا الطريق. وهذا الخلاف متركب على الخلاف في فتح مكة هل كان عنوة أم غير عنوة ؟ فذهب مالك وأبو حنيفة والثوري إلى أنه كان عنوة. وذهب الشافعي وغيره إلى أنه كان أمانا والأمان كالصلح. والذين ذهبوا إلى أنه عنوة اختلفوا فقال بعضهم : من على أهلها بها فلم تقسم ولا يسبى أهلها لما عظم الله تعالى من حرمتها. وقال بعضهم إنما أقرت للمسلمين وهذا الخلاف في مذهب مالك، وعلى هذا يأتي الخلاف في بيع دور مكة وكراءها. فمن رأى فتحها عنوة وأنها أقرت للمسلمين لم يجز شيئا من ذلك ومنعه. وعلى هذا يأتي قول عمر رضي الله عنه ومن تابعه، وهو أحد أقوال مالك رحمه الله تعالى. ومن رأى أنها مؤمنة أو فتحت عنوة إلا أنها من بها على أهلها أجاز ذلك كله، وهو ظاهر مذهب ابن القاسم وأحد أقوال مالك. وعن مالك في المسألة قولان آخران : أحدهما الكراهية لذلك مطلقا ٨ والثاني الكراهية له في أيام الموسم خاصة ٩ فتحصل عن مالك في ذلك أربع روايات : المنع والإجازة والكراهية والكراهية في أيام الموسم خاصة ١٠. وقال إسماعيل القاضي : وتلول قوم في بيوت مكة ما ذكرناه، يعني ما من كون العكف والبادي فيها سواء. قال : والقرآن يوجب أنه المسجد الذي يكون فيه قضاء النسك ١١.
وقد حكي أن عمرا اشترى دار صفوان بن أمية بأربعة آلاف وجعلها سجنا، فهذا منه إجازة للبيع. وظاهر قوله عليه الصلاة والسلام : " وهل ترك لنا عقيل منزلا ١٢ " يقتضي أن لا اشتراك وأنها متملكة على التأويلين في ذلك. إذ قيل معناه أنه ورث جميع منازل أبي طالب وغيره. وقيل معناه باع منازل بني هاشم حين هاجروا. والعاكف المقيم بمكة، والبادي أهل البادية ومن سلكها من أهل العراق وسائر الأمصار ١٣.
قوله تعالى :﴿ ومن يرد فيه بإلحاد ﴾ :
قال بعضهم التقدير : من يرد فيه إلحادا بظلم، والباء زائدة ١٤. ويحتمل أن يقدر : يرد فيه بمعنى فعل يصل بحرف جر كأنه قال : ومن يأت فيه بإلحاد بظلم، ولا تكون الباء فيه زائدة. وأصل الإلحاد الميل. وقد اختلف في المراد به، فقيل جميع ما يقال فيه ظلم لأن كل ظلم ميل، حتى ذكر أن عبد الله بن عمر كان يتوقى معاتبة أحد بمكة حتى يخرج إلى الحل. وقيل الإلحاد جميع المعاصي ولعظم حرمة المكان توعد الله تعالى علانية السيئة فيه ومن نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب بذلك إلا بمكة. إلى هذا ذهب جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وغيره ١٥ وقال ابن مسعود : الإلحاد في الآية الشرك. وقال أيضا هو استحلال الحرام وحرمته. وقال مجاهد هو العمل السيئ ١٦ فيه. وقال عبد الله بن عمر : وقول لا والله وبلى والله بمكة من الإلحاد. وروي عن عمر أنه قال : هم المحتكرون للطعام بمكة. والإلحاد بالظلم يعم جميع المعاصي فينبغي أن يحمل على عمومه ولا يخصص به شيء دون شيء إلا على جهة المثال ١٧.
٢ وهو قول ابن عطية أيضا فراجعه في المحرر الوجيز ١١/ ١٩٠..
٣ "أن" ساقط في (ح)..
٤ ابن سابط: هو عبد الرحمن بن سابط بن أبي حميضة بن عمرو بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي. روى عن أبيه. انظر الاستيعاب ٤/ ١٢٦..
٥ "فتركه" كلمة ساقطة في (أ)..
٦ راجع الأثر في المحرر الوجيز ١١/ ١٩٠..
٧ علقمة بن ثعلبة: لعله علقمة بن خالد بن الحرث بن أبي أسيد بن رفاعة بن ثعلبة بن هوازن بن أسلم. انظر الإصابة ٢/ ٤٩٥..
٨ "مطلقا" كلمة ساقطة في غير (أ)، (ز)..
٩ "خاصة" كلمة ساقطة في غير (أ)، (ز)..
١٠ من قوله: "فتحصل عن مالك.... إلى: خاصة" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
١١ "النسك" كلمة ساقطة في (ب)..
١٢ الحديث أخرجه البخاري في صحيحه. كتاب المغازي، باب: أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح ٨/ ١٣. ومسلم في صحيحه أيضا كتاب الحج، باب: النزول بمكة للحاج ٢/ ٩٨٥..
١٣ راجع كل ذلك في أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٢٦٣، ١٢٦٤، وفي أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٢٧٩، وفي أحكام القرآن للجصاص، باب: بيع أراضي مكة وإجارة بيوتها ٥/ ٦١، ٦٢، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٣٣..
١٤ نسبه ابن عطية إلى أبي عبيدة. راجع المحرر الوجيز ١١/ ١٩١..
١٥ أضاف القرطبي الضحاك وابن زيد. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٣٥..
١٦ "السيئ" كلمة ساقطة في (أ)، (ز)..
١٧ راجع كل ذلك في أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٢٦٤، ١٢٦٥. وفي أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٦٢، ٦٣، وفي المحرر الوجيز ١١/ ١٩٢..
القائمين هنا المصلون. وذكر تعالى من أركان الصلاة الركوع والسجود خاصة إذ هما أعظم أركانها. وربما استدل بعضهم بهذه الآية على جواز صلاة الفريضة في الكعبة. وقد مر الكلام على المسألة.
وقوله تعالى :﴿ وأذن في الناس بالحج ﴾ ظاهره أنه خطاب لإبراهيم عليه السلام لأنه مسوق على قوله :﴿ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ﴾ الآية وروي عن ابن عباس في ذلك أن إبراهيم عند هذا الأمر نادى يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا وأمر أن تحجوه. فلم يبق إنس ولا جن إلا قال : لبيك اللهم لبيك. وروي عن علي مثل ذلك. وعلى هذا يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج قبل الهجرة حجتين، فسقط الفرض عنه بذلك، وهذا بعيد فإنه قد ورد في شرعه :﴿ و لله على الناس حج البيت ﴾ [ آل عمران : ٩٧ ] فلا بد من وجوبه عليه بحكم الخطاب في شرعه. وإن قيل إنما خاطب من لم يحج كان تحكما وتخصيصا بلا دليل ويلزم عليه أن لا يجب في هذا الخطاب على من حج على دين إبراهيم. وهذا في غاية البعد. وفي تقديمه تعالى ذكر الرجال – جمع راجل – على الراكبين دليل على أن المشي في ذلك أفضل من الركوب، وقد قاله ابن عباس وإسحاق. والذي يذهب إليه مالك والشافعي أن الركوب أفضل ١. وقد استدل ٢ بعضهم بهذه الآية على أن فرض الحج على طريق ٣ البحر ساقط إذ لم يذكره الله تعالى في الآية. وقد قال مالك في الموازية : لا أسمع للبحر ذكرا ٤. وهذا الاستدلال ليس بلازم في الآية لأنه لا بد لمن أتى مكة من إحدى هاتين الحالتين : الترجل والركوب، لأنها ليست على ضفة البحر، فالآية جارية على ظاهرها، وقد مر الكلام أيضا على هذه المسألة. واختلف في المنافع في الآية، فقال أكثرهم هي التجارة، وقال بعضهم : وفي هذا دليل على إباحة التجارة في الحج. وقال قوم أراد بالمنافع الأجر وسائر الآخرة. وقال قوم بعموم الوجهين ٥ وقال إسماعيل القاضي المنافع أعمال الحج مثل شهود عرفة والمزدلفة ومنى وطواف الإفاضة ونحو ذلك لأن الله تعالى إنما قال :﴿ وأذن في الناس بالحج ﴾ ولا يصح أن تكون إجابة هذه الدعوة إلا للحج، فلو كانت منافع التجارة لكانوا قد أجابوا لغير ما دعوا إليه، فإنما دعوا لمنافع خاصة لله عز وجل ثم رخص لهم بعد ذلك في التجارة حين توقى الناس أن يتشاغلوا بها في الحج فأنزل الله تعالى :﴿ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ﴾ [ البقرة : ١٩٨ ] فأرخص لهم في ذلك. وقد كانت الجاهلية لا يستحلون التجارة في الحج ٦. واختلف في ذكر اسم الله ما هو. فقيل هو بمعنى حمده وشكره على نعمته في الرزق ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام : " إنها أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى " ٧ وقيل المراد ذكر اسم الله على النحر والذبح. واستدل بعضهم من ذكره تعالى في هذه الآية الأيام دون الليالي على أن الذبح في الليل لا يجوز وهو مشهور مذهب مالك، وأجاز ذلك الشافعي وغيره، وقد مر الكلام على هذه المسألة وعلى الأيام المعلومات والمعدودات بما أغنى ذكره هنا ٨.
٢ في (ج)، (ح): "أخذ"..
٣ "طريق" كلمة ساقطة في غير (ج)، (ح)..
٤ ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ١٩٤. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٤٠..
٥ قال ابن العربي: والدليل عليه عموم قوله: منافع، فكل ذلك يشتمل عليه هذا القول وهذا يعضده ما تقدم في البقرة في تفسير قوله: ﴿ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم﴾، وذلك هو التجارة بإجماع من العلماء. راجع أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٢٦٩..
٦ راجع نحو ذلك في أحكام القرآن للجصاص، باب: التجارة في الحج ٥/ ٦٦..
٧ الحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن خالد الحذاء، كتاب الصيام، باب: تحريم صوم أيام التشريق ١/ ٨٠٠..
٨ راجع أحكام القرآن لابن العربي ١/ ١٣١ و ٣/ ١٢٦٩. المحرر الوجيز ١١/ ١٩٥. أحكام القرآن للجصاص، باب: الأيام المعلومات ٥/ ٦٦. الجامع لأحكام القرآن ٣/١ و ١٢/ ٤١، ٤٢..
القائمين هنا المصلون. وذكر تعالى من أركان الصلاة الركوع والسجود خاصة إذ هما أعظم أركانها. وربما استدل بعضهم بهذه الآية على جواز صلاة الفريضة في الكعبة. وقد مر الكلام على المسألة.
وقوله تعالى :﴿ وأذن في الناس بالحج ﴾ ظاهره أنه خطاب لإبراهيم عليه السلام لأنه مسوق على قوله :﴿ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ﴾ الآية وروي عن ابن عباس في ذلك أن إبراهيم عند هذا الأمر نادى يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا وأمر أن تحجوه. فلم يبق إنس ولا جن إلا قال : لبيك اللهم لبيك. وروي عن علي مثل ذلك. وعلى هذا يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج قبل الهجرة حجتين، فسقط الفرض عنه بذلك، وهذا بعيد فإنه قد ورد في شرعه :﴿ و لله على الناس حج البيت ﴾ [ آل عمران : ٩٧ ] فلا بد من وجوبه عليه بحكم الخطاب في شرعه. وإن قيل إنما خاطب من لم يحج كان تحكما وتخصيصا بلا دليل ويلزم عليه أن لا يجب في هذا الخطاب على من حج على دين إبراهيم. وهذا في غاية البعد. وفي تقديمه تعالى ذكر الرجال – جمع راجل – على الراكبين دليل على أن المشي في ذلك أفضل من الركوب، وقد قاله ابن عباس وإسحاق. والذي يذهب إليه مالك والشافعي أن الركوب أفضل ١. وقد استدل ٢ بعضهم بهذه الآية على أن فرض الحج على طريق ٣ البحر ساقط إذ لم يذكره الله تعالى في الآية. وقد قال مالك في الموازية : لا أسمع للبحر ذكرا ٤. وهذا الاستدلال ليس بلازم في الآية لأنه لا بد لمن أتى مكة من إحدى هاتين الحالتين : الترجل والركوب، لأنها ليست على ضفة البحر، فالآية جارية على ظاهرها، وقد مر الكلام أيضا على هذه المسألة. واختلف في المنافع في الآية، فقال أكثرهم هي التجارة، وقال بعضهم : وفي هذا دليل على إباحة التجارة في الحج. وقال قوم أراد بالمنافع الأجر وسائر الآخرة. وقال قوم بعموم الوجهين ٥ وقال إسماعيل القاضي المنافع أعمال الحج مثل شهود عرفة والمزدلفة ومنى وطواف الإفاضة ونحو ذلك لأن الله تعالى إنما قال :﴿ وأذن في الناس بالحج ﴾ ولا يصح أن تكون إجابة هذه الدعوة إلا للحج، فلو كانت منافع التجارة لكانوا قد أجابوا لغير ما دعوا إليه، فإنما دعوا لمنافع خاصة لله عز وجل ثم رخص لهم بعد ذلك في التجارة حين توقى الناس أن يتشاغلوا بها في الحج فأنزل الله تعالى :﴿ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ﴾ [ البقرة : ١٩٨ ] فأرخص لهم في ذلك. وقد كانت الجاهلية لا يستحلون التجارة في الحج ٦. واختلف في ذكر اسم الله ما هو. فقيل هو بمعنى حمده وشكره على نعمته في الرزق ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام :" إنها أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى " ٧ وقيل المراد ذكر اسم الله على النحر والذبح. واستدل بعضهم من ذكره تعالى في هذه الآية الأيام دون الليالي على أن الذبح في الليل لا يجوز وهو مشهور مذهب مالك، وأجاز ذلك الشافعي وغيره، وقد مر الكلام على هذه المسألة وعلى الأيام المعلومات والمعدودات بما أغنى ذكره هنا ٨.
٢ في (ج)، (ح): "أخذ"..
٣ "طريق" كلمة ساقطة في غير (ج)، (ح)..
٤ ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ١٩٤. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٤٠..
٥ قال ابن العربي: والدليل عليه عموم قوله: منافع، فكل ذلك يشتمل عليه هذا القول وهذا يعضده ما تقدم في البقرة في تفسير قوله: ﴿ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم﴾، وذلك هو التجارة بإجماع من العلماء. راجع أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٢٦٩..
٦ راجع نحو ذلك في أحكام القرآن للجصاص، باب: التجارة في الحج ٥/ ٦٦..
٧ الحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن خالد الحذاء، كتاب الصيام، باب: تحريم صوم أيام التشريق ١/ ٨٠٠..
٨ راجع أحكام القرآن لابن العربي ١/ ١٣١ و ٣/ ١٢٦٩. المحرر الوجيز ١١/ ١٩٥. أحكام القرآن للجصاص، باب: الأيام المعلومات ٥/ ٦٦. الجامع لأحكام القرآن ٣/١ و ١٢/ ٤١، ٤٢..
قوله :﴿ فكلوا منها ﴾ : أمر إباحة بالأكل من الهدايا. وقد اختلف العلماء فيما يؤكل من الهدي الواجد مما لا يؤكل. فذهب مالك إلى أنه يؤكل منها كلها إذا بلغت محلها إلا من ثلاثة أنواع : جزاء الصيد ونسك الأذى ونذر المساكين ١. وذهب أحمد وغيره إلى أنه يؤكل منها إذا بلغت محلها ٢ إلا من جزاء الصيد والنذر، وروي عن الحسن مثله. وذهب الحسن أيضا في رواية عنه إلى أنه يؤكل من جزاء الصيد ونذر المساكين.
وروي عن الشافعي أنه لا يؤكل من الواجب شيء. وقال أبو حنيفة : يؤكل من هدي القران والتمتع ولا يؤكل سوى ذلك ٣ واحتج ابن القصار لمالك : بقوله تعالى :﴿ فكلوا منها ﴾ ولم يخص واجبا من واجب ولا تطوع، فهو عام في جواز الأكل إلا ما قام الدليل عليه من الثلاثة الأشياء المذكورة لأنها وجبت للمساكين فلا يجوز له الرجوع ولا الأكل منها كالكفارات. واختلفوا في هدي التطوع، فعند أصحاب مالك أنه إن لم يبلغ محله لم يؤكل وإن بلغ أكل. وذهب جابر بن زيد إلى أنه لا يؤكل وإن بلغ محله، وإن أكل غرم. وذهب قوم إلى جواز أكله وإن عطب قبل محله، وقاله ابن عمر وعائشة. ومن حجة من يجيز الأكل عموما عموم الآية، وما عطب من هدي واجب قبل بلوغ محله جاز أكله لأن عليه بدله فلا فائدة في منعه أكله. وقد اختلف الناس في الأكل من الأضاحي ومما ٤ يجوز أكله من الهدايا. فاستحب قوم الأكل منها، وهو قول مالك والليث وغيرهما، وخير قوم من غير استحباب، منهم عطاء ومجاهد. وذهب قوم إلى أن من لم يأكل فقد عصى ويأتي على هذا أن الأكل منها واجب. وكان من تأول هذا يحمل أمره تعالى بالأكل على الإيجاب ومن استحب ذلك حمله على الندب ومن خير فيه رآه على الإباحة. ويؤيده أنه قد روي أن المشركين كانوا يأكلون ضحاياهم فرخص للمسلمين في ذلك. فإذا قلنا إنه يستحب له الأكل من أضحيته فماذا يأكل منها ؟ فوسع الجمهور أن يأكل ما شاء ومما شاء من أضحيته من غير تفصيل. وذهب قوم إلى استحباب الأكل من الكبد. قال الزهري : من السنة أن يأكل أولا من الكبد ٥ وروي عن علي أنه ذبح أضحيته فشوى كبدها وتصدق بسائرها ثم أخذ رغيفا بيده والكبد بيده الأخرى فأكل. وقال قوم يستحب أن يأكل من أضحيته الثلث هو وأهل بيته ٦. والقول الأول أظهر لعموم الآية.
– قوله تعالى :﴿ وأطعموا البائس الفقير ﴾ :
أمر بأن يطعم منها المساكين. وقد اختلف في التصدق منها، فرأى قوم أن من لم يفعل ذلك فقد عصى، ويأتي على هذا أن التصديق منها واجب. وذهب قوم إلى أن التصديق منها مستحب، وكأن من ذهب إلى القول الأول حمل قوله تعالى :﴿ وأطعموا البائس الفقير ﴾ أمرا على الإيجاب، ومن ذهب إلى القول الثاني حمله على الندب. وما الذي يستحب الصدقة منها ؟ ذهب الأكثر إلى استحباب من غير تحديد. وذهب ابن مسعود وابن عمر وغيرهما إلى أنه يستحب أن يتصدق بالثلث ويأكل الثلث ويطعم جيرانه الثلث. واستحب قوم الصدقة بالأكثر ٧. والقول الأول أظهر لعدم التحديد في شيء من الآية. قال أبو الحسن : قوله :﴿ فكلوا منها وأطعموا ﴾ يدل على أنه لا يجوز أكل الجميع ولا التصدق بالجميع ٨. وقد اختلف العلماء في الأكل من الهدايا والأضاحي بعد ثلاث. فحرمه قوم واحتجوا بما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث ٩. قال بعضهم وإليه ذهب ابن عمر وعلي. وذهب الجمهور إلى إجازة أكلها وادخارها. واحتج بعضهم بأن أحاديث النهي في ذلك منسوخة بأحاديث الإباحة. وقال بعضهم ليس في الأحاديث في ذلك ناسخ ولا منسوخ وأن ذلك مفسر في الحديث لأنه قال : " إنما نهيتكم من أجل الدافة " ١٠ وكان نظرا منه عليه الصلاة والسلام لمعنى، فإذا زال المعنى سقط الحكم، ومتى رأى ذلك الإمام نظرا عهد ١١ بمثل ما عهد به النبي صلى الله عليه وسلم توسعة على المحتاجين ١٢وقال بعضهم قوله تعالى :﴿ فكلوا منها ﴾ ناسخ لفعلهم من ترك الادخار ١٣ واختلف في العقيقة، فذهب الحسن البصري وأهل الظاهر إلى أنها واجبة وتأولوا قوله عليه الصلاة والسلام : " على الغلام عقيقة " ١٤ وذهب قوم إلى أنها سنة ندب إليها وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما ١٥ وعليه يتأولون أحاديث العقائق كلها. وذهب قوم إلى أنها مباحة، وذهب قوم إلى أنها بدعة لا تجوز وينسب إلى أبي حنيفة، وأصحابه ينكرونه ١٦. ومن الناس من رأى هذه الآية – وهي آية الأضحى-. ناسخة للعقيقة وهو قول محمد بن الحسن ١٧. وقال بعضهم ذبح الضحايا ناسخ لكل ذبح ١٨ وقال بعضهم كانت ذبائح الإسلام أربعة : أضحية وهدي وعقيقة ورجبية – وهي ذبيحة كانت تذبح في رجب – وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " على أهل كل بيت في كل عام أضحية وعتيرة " وقال جماعة أهل العلم هي منسوخةبقوله صلى الله عليه وسلم : " لا فرع ولا عتيرة. أتدرون ما العتيرة ؟ هي الرجبية " ١٩ وأجمعت طائفة على نفيها.
٢ "إذا بلغت محلها" كلام ساقط في غير (أ)، (ز)..
٣ راجع كل ذلك في أحكام القرآن للجصاص، باب: في أكل لحوم الهدايا ٥/ ٦٩ – ٧٢، أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٢٨١. الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٤٥. التحرير والتنوير ١٧/ ٢٦٥..
٤ في (أ)، (ز): "وفيما"..
٥ من قوله: "قال الزهري.... إلى: الكبد" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٦ راجع نحو ذلك في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٤٦..
٧ راجع ذلك في م. س. ١٢/ ٤٧..
٨ في أحكام القرآن للكيا الهراسي: يدل على أنه لا يجوز بيع جميعه ولا التصدق بجميعه. فراجعه في ٤/ ٢٨١..
٩ جاء في الموطأ: حدثني يحيى عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيام ثم قال بعد: "كلوا وتصدقوا وتزودوا وادخروا". وفي حديث آخر: وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن واقد أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة، قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمان، فقالت: صدق، سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي" انظر الموطأ، كتاب الضحايا، باب: ادخار لحوم الضحايا ١/ ٣١٨..
١٠ وهو جزء من حديث طويل ذكر في الموطأ فراجعه في ن. ص. وقد جاء في نفس المصدر أن الدافة: قوم مساكين قدموا المدينة..
١١ في (أ)، (ز): "عمل"..
١٢ قال القرطبي: وقد يكون المنع والإباحة معا... وروى أبو داود عن نبيشة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا كنا نهيناكم عن لحومها فوق ثلاث لكي لا تسمعكم، جاء الله بالسعة فكلوا وادخروا واتجروا، ألا وأن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل" قال أبو جعفر النحاس: وهذا القول أحسن ما قيل في هذا حتى تتفق الأحاديث ولا تتضاد... وقال الشافعي: من قال بالنهي عن الادخار بعد ثلاث لم يسمع الرخصة، ومن قال بالرخصة مطلقا لم يسمع النهي عن الادخار، ومن قال بالنهي والرخصة سمعهما جميعا فعمل بمقتضاهما. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٤٨..
١٣ راجع الإيضاح ص ٣٠٨..
١٤ الحديث ذكره الباجي في المنتقى بلفظ: مع الغلام عقيقة. انظر المنتقى: كتاب العقيقة ٣/ ١٠١..
١٥ قال مالك: وليست العقيقة بواجبة ولكنها يستحب العمل بها وهي من الأمر الذي لم يزل عليه الناس. راجع الموطأ، كتاب العقيقة ١/ ٣٣٨..
١٦ قال الباجي: وقال أبو حنيفة ليست بمشروعة. راجع المنتقى، كتاب العقيقة ٣/ ١٠١..
١٧ راجع الإيضاح ٣٠٨..
١٨ "وقال بعضهم ذبح الضحايا ناسخ لكل ذبح" كلام ساقط في (ح)..
١٩ جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا فرع ولا عتيرة" كتاب الأضاحي، باب: الفرع والعتيرة ٦/ ٨٣. وقال النووي: والفرع بفتح الراء أول ولد الناقة كانوا يذبحونها لآلهتهم.... وأما العتيرة في غير الإسلام فقد فسرها في الحديث الشريف بأنها شاة تذبح في رجب يتقربون بها لآلهتهم ويصبون دمها على رأس الصنم فلما جاء الإسلام صاروا يذبحونها لله تعالى كما فسر الحديث ثم نسخ ذلك. راجع شرح النووي لصحيح مسلم بذيل صحيح مسلم ٦/ ٨٣..
التفث ما يأتيه المحرم بعد حله مما كان محظورا عليه كالحلق والتقصير وإزالة الشعث ونحوه من إقامة الخمس من الفطرة التي جاءت في الحديث، وفي مقتضى ذلك قضاء جميع المناسك إذ لا يكون قضاء التفث إلا بعد ذلك. وقد اختلف في غير الحاج هل عليه أن يترك إلغاء التفث عن نفسه أيام الحج أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى أنه لا يحرم عليه تقليم الأظافر ولا قص الشارب ونحو ذلك. وقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يهدي في المدينة فافتلوا قلائد هديه ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم ١ ومذهب ربيعة وأحمد وإسحاق وابن المسيب المنع من ذلك أخذا بقوله عليه الصلاة والسلام : " من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا أظفاره شيئا حتى يضحي " ٢ والحديث في مسلم. وفيه أيضا : " فإن كنا في الحمام فأطلي بعضهم ". فقال بعضهم إن ابن المسيب يكره هذا وينهى عنه في الأضحى. فلقيت ابن المسيب فذكرت ذلك له. فقال يا ابن أخي : هذا حديث نسي وترك حدثتني أم سلمة قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرت الحديث ٣ ومذهب الشافعي أن ترك التقليم والقص مندوب إليه وحمل الحديث على ذلك وحكي أيضا عن مالك ورخص فيه أصحاب الرأي.
وقوله تعالى :﴿ وليوفوا نذورهم ﴾ : قال مجاهد : يعني الحج والعمرة، وما نذر الإنسان من شيء يكون فيهما. وقال ابن عباس : هو نحر ما نذروا من البدن ٤ وقال القشيري ٥ : هو رمي الجمار، وأصله من رمي جمرة العقبة خاصة إذ بها يتحلل من الإحرام. وقد يجوز أن يدخل في معناها غيرها. وقال : قوله تعالى :﴿ وليوفوا نذورهم ﴾ يدل على وجوب إخراج النذر وإن كان دما أو هديا أو غيره. ويدل ذلك على أن النذر لا يجوز أن يؤكل منه ٦. وقوله تعالى :﴿ وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾ اختلف في هذا الطواف ما هو، فقيل هو طواف الإفاضة الذي هو من واجبات الحج. قال الطبري : ولا خلاف بين المتأولين في ذلك وقيل هو طواف الوداع ذكره الطبري ٧. وقوله :﴿ ومن يعظم حرمات الله ﴾ : الحرمات٨ المقصودة هنا هي الأفعال المشار إليها في الآية قبل :﴿ ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ( ٢٩ ) ﴾ ويدخل في ذلك تعظيم المواضع المحترمة، قاله ابن زيد وغيره ٩.
٢ رواه مسلم عن أبي هريرة في كتاب الأضاحي، باب: نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئا ٦/ ٨٤..
٣ راجع م. س. ، ن. ص..
٤ راجع أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٧٣..
٥ القشيري: لعله محمد بن سعيد بن عبد الرحمن القشيري، مؤرخ، من حفاظ الحديث، من أهل حران. توفي سنة ٣٣٤ هـ/ ٩٤٥م. انظر الأعلام ٧/ ٩..
٦ قال ابن العربي: وقال مالك في رواية ابن وهب وابن القاسم وابن بكير أنه رمي الجمار لأن النذر هو العقل فهو رمي الجمار لأجل النذر يعني بالعقل الدية. راجع أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٢٧١..
٧ عن عمرو بن أبي سلمة عن زهير. ذكر ذلك ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ١٩٦..
٨ "الحرمات" كلمة ساقطة في (ح)..
٩ وابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ١٩٧..
وقد مر الكلام عليه فيما تقدم.
وقوله تعالى :﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان ﴾ اختلف فيمن هذه. فقيل هي لبيان الجنس، فيكون على هذا القول رجس الأوثان فقط هو المنهي عنه في هذه الآية وتبقى سائر الأرجاس منهيا عنها في غير هذا الموضع. وقيل هي لابتداء الغاية كأنه تعالى قد نهاهم عن جميع الرجس ثم بين لهم مبدأه الذي منه يلحقهم إذ عبادة الأوثان جامعة لكل رجس وفساد. ويظهر أن الإشارة إلى ما كانوا يذبحونه لأوثانهم ١.
قوله تعالى :﴿ واجتنبوا قول الزور ﴾ الزور لفظ عام في كل باطن من كذب وكفر وغيرهما. وروي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عدلت شهادة الزور بالشرك " ثم تلا هذه الآية ٢ وهذا يرد على طائفة من أهل الظاهر يقال لهم الخطابية يجيزون شهادة الزور.
٢ الحديث أورده الجصاص في أحكام القرآن، باب: شهادة الزور ٥/ ٧٧..
الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء أشعر الله به تعالى وأعلم. وقد اختلف ما المراد بها في الآية. فقيل الهدي والأنعام المشعرة. ومعنى تعظيمها التسمين والاهتبال بها والمغالاة في ثمنها، وإليه ذهب ابن عباس وغيره ١ وقد أنكر القاضي أبو إسحاق هذا القول وإنما هي جميع الشعائر. قال : ومما يبين ذلك قوله تعالى :﴿ والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ﴾ [ الحج : ٣٦ ] فأخبر تعالى أن البدن من الشعائر. ومن قال بالقول الأول يريد أن يجعل البدن جميع الشعائر، قال ومما يبين ذلك قوله تعالى :﴿ لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ﴾ وذلك يقتضي أن يكون أجلا مؤقت كالوقوف بعرفة والمبيت بالمزدلفة ورمي الجمار. وقيل الشعائر مواضع الحج ومعالمه كالبيت والصفا والمروة ومنى وعرفة والمزدلفة وغير ذلك، وإليه ذهب ابن عمر وغيره ٢. وقد روي عن زيد بن أسلم ٣ أنه قال : الشعائر ست : الصفا والمروة والجمار والمشعر الحرام وعرفة والركن. والحرمات خمس : الكعبة الحرام والبيت الحرام والشهر الحرام والمسجد الحرام والمحرم حتى يحل. واختلف الذين ذهبوا إلى القول الأول في المنافع المذكورة في الآية ما هي، فقال مجاهد وغيره ٤ : أراد أن للناس في أنعامهم منافع من الصوف واللبن وغير ذلك ما لم يبعثها ربها هديا، وإذا بعثها لم يحل له شيء من ذلك. وبعثها هو الأجل المسمى. وقال عطاء وغيره : لكم في الهدي المبعوث منافع من الركوب والاحتلاب لمن اضطر، والأجل نحرها. ولأجل هذا الخلاف في التفسير يختلف الفقهاء في مسائل. فمن ذلك ركوب الهدي، أجازه مالك من غير فدح ولم يجزه أبو حنيفة إلا عند الضرورة. قال : فإن نقصها للركوب تصدق بمقدار ما نقصها. فأجازه أهل الظاهر جملة من غير تفصيل وبه يقول أحمد وإسحاق. وأوجب بعضهم ركوبها لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور لسائق البدنة : " اركبها " ٥. ومن ذلك لبن الهدي، كرهه مالك ولا يعذر في فعيلها، وأجازه بعضهم عند الضرورة وأجازه بعضهم من غير تفصيل. وقال أبو حنيفة إن نقصها الشرب فعليه قيمة ذلك، وقد نسبه بعضهم للشافعي. والآية على هذا التأويل الواحد حجة لمن أجاز شيئا من ذلك. واختلف الذين ذهبوا إلى القول الثاني في المنافع أيضا ما هي، فقالت فرقة : المنافع التجارة وطلب الرزق. وقالت فرقة المنافع كسب الأجر والمغفرة، والأجل على هذا القول الرجوع إلى مكة لطواف الإفاضة.
وقوله تعالى :﴿ ثم محلها ﴾ معناه ثم أخر هذا كله إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق. فالبيت على هذا التأويل مراد بنفسه فاقتضى هذا أن الحاج بعد هذا الطواف قد حل له كل شيء من ممنوعات الحج. وقد اختلف فيما أبيح للحاج بعد رمي جمرة العقبة قبل طواف الإفاضة. فقال الشعبي وأبو حنيفة يحل له كل شيء إلا النساء. وقال إسحاق ٦ في أحد قوليه يحل له كل شيء إلا النساء والصيد. وقال مالك ٧ يحل له كل شيء إلا النساء والصيد والطيب، وهذا أليق بظاهر الآية لأنها تقتضي أن الذي يتم به الحج الطواف وتلك الأشياء لا تجوز قبل تمام الحج فينبغي أن لا تحل إلا بعد الطواف. واحتج مالك رحمه الله تعالى في الموطأ ٨ بهذه الآية على صحة قول عمر رضي الله تعالى عنه في طواف الوداع : لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن أخر النسك الطواف بالبيت. قال القاضي أبو إسحاق وقوله تعالى :﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾ فإذا طاف الحاج بعد هذه المشاعر فقد حل بالبيت. قال الباجي : وهذا الذي قاله يحتاج إلى تأمل لأنه يحتمل أن يريد به حل من الإحلال، ويحتمل أن يريد حل من الحلول وهو الوصول. وظاهر اللفظ إنما يقتضي أن الشعائر تنتهي إلى البيت العتيق، أما أن يكون الطواف به أحد الشعائر وأما أن يكون نهايتها وتمامها ٩ فثبت بهذا أن طواف الوداع مستحب خلافا لأبي حنيفة أنه واجب.
٢ أضاف ابن عطية ابن زيد والحسن ومالك. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٠٠..
٣ زيد بن أسلم العدوي العمري، فقيه، مفسر، كان له حلقة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم. توفي سنة ١٣٦ هـ/ ٧٥٨م. انظر تهذيب التهذيب ٣/ ٣٩٥..
٤ أضاف ابن عطية: قتادة. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٠٠..
٥ راجع ذلك في أحكام القرآن للجصاص، باب: في ركوب البدنة ٥/ ٧٨، ٧٩، والجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٥٧..
٦ في (أ): "سحنون" وفي (ب): "الشافعي"..
٧ من قوله: "يحل له.... إلى: وقال مالك" كلام ساقط في (هـ)..
٨ راجع الموطأ، كتاب الحج، باب: وداع البيت ١/ ٢٤٨، ٢٤٩..
٩ راجع القول في المنتقى للباجي، كتاب الحج، باب: وداع البيت ٢/ ٢٩٢، ٢٩٣..
الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء أشعر الله به تعالى وأعلم. وقد اختلف ما المراد بها في الآية. فقيل الهدي والأنعام المشعرة. ومعنى تعظيمها التسمين والاهتبال بها والمغالاة في ثمنها، وإليه ذهب ابن عباس وغيره ١ وقد أنكر القاضي أبو إسحاق هذا القول وإنما هي جميع الشعائر. قال : ومما يبين ذلك قوله تعالى :﴿ والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ﴾ [ الحج : ٣٦ ] فأخبر تعالى أن البدن من الشعائر. ومن قال بالقول الأول يريد أن يجعل البدن جميع الشعائر، قال ومما يبين ذلك قوله تعالى :﴿ لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ﴾ وذلك يقتضي أن يكون أجلا مؤقت كالوقوف بعرفة والمبيت بالمزدلفة ورمي الجمار. وقيل الشعائر مواضع الحج ومعالمه كالبيت والصفا والمروة ومنى وعرفة والمزدلفة وغير ذلك، وإليه ذهب ابن عمر وغيره ٢. وقد روي عن زيد بن أسلم ٣ أنه قال : الشعائر ست : الصفا والمروة والجمار والمشعر الحرام وعرفة والركن. والحرمات خمس : الكعبة الحرام والبيت الحرام والشهر الحرام والمسجد الحرام والمحرم حتى يحل. واختلف الذين ذهبوا إلى القول الأول في المنافع المذكورة في الآية ما هي، فقال مجاهد وغيره ٤ : أراد أن للناس في أنعامهم منافع من الصوف واللبن وغير ذلك ما لم يبعثها ربها هديا، وإذا بعثها لم يحل له شيء من ذلك. وبعثها هو الأجل المسمى. وقال عطاء وغيره : لكم في الهدي المبعوث منافع من الركوب والاحتلاب لمن اضطر، والأجل نحرها. ولأجل هذا الخلاف في التفسير يختلف الفقهاء في مسائل. فمن ذلك ركوب الهدي، أجازه مالك من غير فدح ولم يجزه أبو حنيفة إلا عند الضرورة. قال : فإن نقصها للركوب تصدق بمقدار ما نقصها. فأجازه أهل الظاهر جملة من غير تفصيل وبه يقول أحمد وإسحاق. وأوجب بعضهم ركوبها لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور لسائق البدنة :" اركبها " ٥. ومن ذلك لبن الهدي، كرهه مالك ولا يعذر في فعيلها، وأجازه بعضهم عند الضرورة وأجازه بعضهم من غير تفصيل. وقال أبو حنيفة إن نقصها الشرب فعليه قيمة ذلك، وقد نسبه بعضهم للشافعي. والآية على هذا التأويل الواحد حجة لمن أجاز شيئا من ذلك. واختلف الذين ذهبوا إلى القول الثاني في المنافع أيضا ما هي، فقالت فرقة : المنافع التجارة وطلب الرزق. وقالت فرقة المنافع كسب الأجر والمغفرة، والأجل على هذا القول الرجوع إلى مكة لطواف الإفاضة.
وقوله تعالى :﴿ ثم محلها ﴾ معناه ثم أخر هذا كله إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق. فالبيت على هذا التأويل مراد بنفسه فاقتضى هذا أن الحاج بعد هذا الطواف قد حل له كل شيء من ممنوعات الحج. وقد اختلف فيما أبيح للحاج بعد رمي جمرة العقبة قبل طواف الإفاضة. فقال الشعبي وأبو حنيفة يحل له كل شيء إلا النساء. وقال إسحاق ٦ في أحد قوليه يحل له كل شيء إلا النساء والصيد. وقال مالك ٧ يحل له كل شيء إلا النساء والصيد والطيب، وهذا أليق بظاهر الآية لأنها تقتضي أن الذي يتم به الحج الطواف وتلك الأشياء لا تجوز قبل تمام الحج فينبغي أن لا تحل إلا بعد الطواف. واحتج مالك رحمه الله تعالى في الموطأ ٨ بهذه الآية على صحة قول عمر رضي الله تعالى عنه في طواف الوداع : لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن أخر النسك الطواف بالبيت. قال القاضي أبو إسحاق وقوله تعالى :﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾ فإذا طاف الحاج بعد هذه المشاعر فقد حل بالبيت. قال الباجي : وهذا الذي قاله يحتاج إلى تأمل لأنه يحتمل أن يريد به حل من الإحلال، ويحتمل أن يريد حل من الحلول وهو الوصول. وظاهر اللفظ إنما يقتضي أن الشعائر تنتهي إلى البيت العتيق، أما أن يكون الطواف به أحد الشعائر وأما أن يكون نهايتها وتمامها ٩ فثبت بهذا أن طواف الوداع مستحب خلافا لأبي حنيفة أنه واجب.
٢ أضاف ابن عطية ابن زيد والحسن ومالك. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٠٠..
٣ زيد بن أسلم العدوي العمري، فقيه، مفسر، كان له حلقة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم. توفي سنة ١٣٦ هـ/ ٧٥٨م. انظر تهذيب التهذيب ٣/ ٣٩٥..
٤ أضاف ابن عطية: قتادة. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٠٠..
٥ راجع ذلك في أحكام القرآن للجصاص، باب: في ركوب البدنة ٥/ ٧٨، ٧٩، والجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٥٧..
٦ في (أ): "سحنون" وفي (ب): "الشافعي"..
٧ من قوله: "يحل له.... إلى: وقال مالك" كلام ساقط في (هـ)..
٨ راجع الموطأ، كتاب الحج، باب: وداع البيت ١/ ٢٤٨، ٢٤٩..
٩ راجع القول في المنتقى للباجي، كتاب الحج، باب: وداع البيت ٢/ ٢٩٢، ٢٩٣..
الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء أشعر الله به تعالى وأعلم. وقد اختلف ما المراد بها في الآية. فقيل الهدي والأنعام المشعرة. ومعنى تعظيمها التسمين والاهتبال بها والمغالاة في ثمنها، وإليه ذهب ابن عباس وغيره ١ وقد أنكر القاضي أبو إسحاق هذا القول وإنما هي جميع الشعائر. قال : ومما يبين ذلك قوله تعالى :﴿ والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ﴾ [ الحج : ٣٦ ] فأخبر تعالى أن البدن من الشعائر. ومن قال بالقول الأول يريد أن يجعل البدن جميع الشعائر، قال ومما يبين ذلك قوله تعالى :﴿ لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ﴾ وذلك يقتضي أن يكون أجلا مؤقت كالوقوف بعرفة والمبيت بالمزدلفة ورمي الجمار. وقيل الشعائر مواضع الحج ومعالمه كالبيت والصفا والمروة ومنى وعرفة والمزدلفة وغير ذلك، وإليه ذهب ابن عمر وغيره ٢. وقد روي عن زيد بن أسلم ٣ أنه قال : الشعائر ست : الصفا والمروة والجمار والمشعر الحرام وعرفة والركن. والحرمات خمس : الكعبة الحرام والبيت الحرام والشهر الحرام والمسجد الحرام والمحرم حتى يحل. واختلف الذين ذهبوا إلى القول الأول في المنافع المذكورة في الآية ما هي، فقال مجاهد وغيره ٤ : أراد أن للناس في أنعامهم منافع من الصوف واللبن وغير ذلك ما لم يبعثها ربها هديا، وإذا بعثها لم يحل له شيء من ذلك. وبعثها هو الأجل المسمى. وقال عطاء وغيره : لكم في الهدي المبعوث منافع من الركوب والاحتلاب لمن اضطر، والأجل نحرها. ولأجل هذا الخلاف في التفسير يختلف الفقهاء في مسائل. فمن ذلك ركوب الهدي، أجازه مالك من غير فدح ولم يجزه أبو حنيفة إلا عند الضرورة. قال : فإن نقصها للركوب تصدق بمقدار ما نقصها. فأجازه أهل الظاهر جملة من غير تفصيل وبه يقول أحمد وإسحاق. وأوجب بعضهم ركوبها لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور لسائق البدنة :" اركبها " ٥. ومن ذلك لبن الهدي، كرهه مالك ولا يعذر في فعيلها، وأجازه بعضهم عند الضرورة وأجازه بعضهم من غير تفصيل. وقال أبو حنيفة إن نقصها الشرب فعليه قيمة ذلك، وقد نسبه بعضهم للشافعي. والآية على هذا التأويل الواحد حجة لمن أجاز شيئا من ذلك. واختلف الذين ذهبوا إلى القول الثاني في المنافع أيضا ما هي، فقالت فرقة : المنافع التجارة وطلب الرزق. وقالت فرقة المنافع كسب الأجر والمغفرة، والأجل على هذا القول الرجوع إلى مكة لطواف الإفاضة.
وقوله تعالى :﴿ ثم محلها ﴾ معناه ثم أخر هذا كله إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق. فالبيت على هذا التأويل مراد بنفسه فاقتضى هذا أن الحاج بعد هذا الطواف قد حل له كل شيء من ممنوعات الحج. وقد اختلف فيما أبيح للحاج بعد رمي جمرة العقبة قبل طواف الإفاضة. فقال الشعبي وأبو حنيفة يحل له كل شيء إلا النساء. وقال إسحاق ٦ في أحد قوليه يحل له كل شيء إلا النساء والصيد. وقال مالك ٧ يحل له كل شيء إلا النساء والصيد والطيب، وهذا أليق بظاهر الآية لأنها تقتضي أن الذي يتم به الحج الطواف وتلك الأشياء لا تجوز قبل تمام الحج فينبغي أن لا تحل إلا بعد الطواف. واحتج مالك رحمه الله تعالى في الموطأ ٨ بهذه الآية على صحة قول عمر رضي الله تعالى عنه في طواف الوداع : لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن أخر النسك الطواف بالبيت. قال القاضي أبو إسحاق وقوله تعالى :﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾ فإذا طاف الحاج بعد هذه المشاعر فقد حل بالبيت. قال الباجي : وهذا الذي قاله يحتاج إلى تأمل لأنه يحتمل أن يريد به حل من الإحلال، ويحتمل أن يريد حل من الحلول وهو الوصول. وظاهر اللفظ إنما يقتضي أن الشعائر تنتهي إلى البيت العتيق، أما أن يكون الطواف به أحد الشعائر وأما أن يكون نهايتها وتمامها ٩ فثبت بهذا أن طواف الوداع مستحب خلافا لأبي حنيفة أنه واجب.
٢ أضاف ابن عطية ابن زيد والحسن ومالك. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٠٠..
٣ زيد بن أسلم العدوي العمري، فقيه، مفسر، كان له حلقة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم. توفي سنة ١٣٦ هـ/ ٧٥٨م. انظر تهذيب التهذيب ٣/ ٣٩٥..
٤ أضاف ابن عطية: قتادة. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٠٠..
٥ راجع ذلك في أحكام القرآن للجصاص، باب: في ركوب البدنة ٥/ ٧٨، ٧٩، والجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٥٧..
٦ في (أ): "سحنون" وفي (ب): "الشافعي"..
٧ من قوله: "يحل له.... إلى: وقال مالك" كلام ساقط في (هـ)..
٨ راجع الموطأ، كتاب الحج، باب: وداع البيت ١/ ٢٤٨، ٢٤٩..
٩ راجع القول في المنتقى للباجي، كتاب الحج، باب: وداع البيت ٢/ ٢٩٢، ٢٩٣..
اختلف في البدن ما هي، فقيل هي ما أشعر من إبل وبقر، قاله عطا، وغيره، سميت بذلك لأنها تبدن أي تسمن. وقيل بل هذا اسم خاص بالإبل ولا تكون البدن إلا منها وهو قول مالك، وهو أظهر لأن عرف هذا اللفظ أن يكون للإبل. واختلف هل تقع على الإناث منها خاصة أو على الذكور والإناث، فذهب مالك إلى أنه يقع على الذكور والإناث واحتج بعموم الآية. وذهب غيره إلى أنها لا تكون إلا في الإناث، وتعجب مالك منه.
وقوله تعالى :﴿ صواف ﴾ جمع صافة أي قياما مصطفة. وقرئ صوافي جمع صافية أي خالصة لوجه الله تعالى. وقرئ صوافن جمع صافنة وهي التي قد رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب. والصوافن من الخيل الرافع أحد يديه فراهية، وقيل أحد رجليه. واختلف في البدن كيف تنحر. فقيل تنحر قياما وهو قول مالك، قال إلا أن تصعب. وروي عن ابن عمر أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته قال : ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم، ويشهد لهذا القول دليل الآية لقوله تعالى :﴿ فإذا وجبت جنوبها ﴾ أي سقطت إلى الأرض، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم. وقيل تنحر قائمة وباركة وهو قول أبي حنيفة والثوري. وقيل تنحر باركة وهو الذي استحب عطاء ١. واختلف هل تعقل أيضا عند النحر أم لا ؟ فذهب ابن عمر وغيره إلى أنها تعقل يدها الواحدة وتقوم على الثلاث. وذهب عطاء إلى أنها تنحر معقولة وهي باركة. وذهب مالك إلى أنها لا تعقل إلا أن تمتنع، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما. ومن حجة من يرى العقل قراءة من قرأ صوافن بالنون ٢ ومن حجة من لا يراه القراءة المشهورة صواف أي قياما. والذين رأوا العقل اختلفوا أي يد تعقل فقال قتادة : معقولة اليد اليمنى، وقال مجاهد اليسرى وحجة هذا القول ما جاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليد اليسرى قائمة على ما بقي من قوامها٣.
وقوله تعالى :﴿ فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ﴾ قد مر الكلام على معناه. واختلف في القانع والمعتر، فقال ابن عباس القانع الذي يقنع بما أعطيه وهو في بيته، والمعتر هو الذي يعترض لك أن تطعمه شيئا ولا يسألك. وقال أيضا القانع الذي يقنع بما أعطيه والمعتر الذي يعتر بك فيسألك. وقيل القانع السائل والمعتر المعترض من غير سؤال ٤ وقيل بعكس هذا القول. وقيل القانع الجار وإن كان غنيا والمعتر الذي يعترض ولا يسألك ٥ وقيل القانع الفقير والمعتر الزائر ٦ قال مالك وهو أحسن ما سمعت. وفيها أقول غير هذه وأكثرها تتداخل فلذلك أعرضت عن جلبها. وقد أقام بعضهم ٧ من هذه الآية ومن الآية التي قبلها :﴿ فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ﴾ أن الهدي أثلاث. قال جعفر بن محمد ٨عن أبيه أطعم القانع والمعتر ثلثا وأهلي ثلثا والبائس الفقير ثلثا. وأقام بعضهم منها أن الهدي أرباع. قال ابن المسيب : ليس لصاحب الهدي منه إلا الربع. وهو الله تعالى أعلم ممن يقول ذلك على جهة الاستحسان ٩.
٢ "بالنون" كلمة ساقطة في (ج)، (ح)..
٣ راجع الأثر في أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٨٠، ٨١، وفي أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٢٧٧..
٤ نسبه ابن عطية إلى محمد بن كعب القرظي ومجاهد وإبراهيم والكلبي والحسن بن أبي الحسن. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٠٣..
٥ نسبه ابن عطية إلى مجاهد. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٠٣..
٦ نسب ابن العربي هذا القول إلى ابن وهب وابن القاسم. راجع أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٢٨١..
٧ نسبه ابن عطية إلى ابن مسعود. راجع المحرر الوجيز ١١/ ٢٠٣. راجع مختلف هذه الأقوال في أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٨٢..
٨ جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله الهاشمي المدني الملقب بالصادق. أحد الأعلام، روى عن أبيه وعطاء وعروة وابن المنكدر، وعنه أبو حنيفة ومالك. قال ابن معين: ثقة مأمون. توفي سنة ١٤٨هـ/ ٧٧٠م. انظر إسعاف المبطأ ٢/ ٣٠٧..
٩ راجع نحو ذلك في المحرر الوجيز ١١/ ٢٠٣..
هذه الآية ناسخة للمنع من القتال. وروي عن ابن عباس أنه قال : هي أول آية نزلت في القتال ١ وروي عنه أنها نزلت عند هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وقال أبو بكر الصديق : لما سمعتها علمت أنه سيكون قتال ٢. واختلف في الآية هل هي ناسخة لقوله تعالى :﴿ وذروا الذين يلحدون في أسمائه ﴾ [ الأعراف : ١٨٠ ] أم لا ؟ قال ابن زيد هي ناسخة لها. وأنكر ذلك غيره. وقال إنها تهديد ووعيد بمنزلة قوله عز وجل :﴿ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ﴾ [ الحجر : ٣ ] وقوله :﴿ ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ﴾ [ الأنعام : ٩١ ] وليس فيه نسخ، وهذا قول حسن ٣.
٢ ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ١١/ ٢٠٥..
٣ وقال ابن زيد الآية منسوخة نسخها: ﴿وذروا الذين يلحدون في أسمائه﴾. راجع الإيضاح ص ٣٠٨..
استدل جماعة العلماء بهذه الآية على أن العقل في القلب وردوا بذلك قول من زعم١ أنه في الدماغ، وهو قول مالك ٢ وليس في الآية ٣ حجة واضحة لأنه لا ينكر أن يكون العقل لا يدرك شيئا إلا بسلامة القلب. فمن شروط إدراكه صحته. فعلى ذلك يكون إضافة العقل إليه مع أن هذه المسألة مما يصعب الاحتجاج على تصحيحها بالسمع لأنها معقولة.
٢ "مالك" كلمة ساقطة في غير (ج)، (ح)..
٣ "الآية" كلمة ساقطة في (أ)، (ح)..
استدل بعض الناس بقوله تعالى :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ﴾ على أن كل نبي رسول وكل رسول نبي لأنه تعالى أطلق الرسالة عليهما جميعا. فقال :﴿ وما أرسلنا ﴾ ١والذي عليه الجمهور أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول ورأوا أن الرسالة فيهما تختلف وأنها جاءت في الآية مبهمة. ورسالة الرسول الوحي ورسالة النبي إيقاع الشيء في نفسه دون وحي. وقوله تعالى :﴿ إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ﴾ اختلف في معنى تمنى فقيل أراد، والأمنية الإرادة، والمعنى أن الشيطان ألقى ألفاظه بسبب ما تمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم من معاينة قومه وكونهم متبعين له. قالوا فلما تمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ما لم يقضه الله تعالى وجد الشيطان السبيل فألقى ما ألقى من اللفظ. وسيأتي تفسيره. وقيل تمنى : تلا، والأمنية التلاوة. وقال تمنى/ كتاب الله تعالى أول ليلة وآخره لاقى حمام المقدر. وقيل تمنى والأمنية الحديث. ومعنى ألقى في حديثه أي في تطوره وخاطره ما توهمه أنه صواب ثم نبهه الله تعالى على ذلك. والذي ألقاه الشيطان في أمنيته صلى الله عليه وسلم أنه حين قرأ :﴿ والنجم ﴾ [ النجم : ١ ] في مسجد مكة قد حضر المسلمون والمشركون حتى بلغ إلى قوله تعالى :﴿ أفرأيتم اللات والعزى ( ١٩ ) ومناة الثالثة الأخرى ( ٢٠ ) ﴾ [ النجم : ١٩، ٢٠ ] فألقى الشيطان : تلك الغرانقة الأولى وأن شفاعتهم لترتجى. فقال الكفار هذا محمد قد ذكر آلهتها بما يزيد وفرحوا بذلك فلما انتهى إلى السجدة سجد الناس أجمعون إلا أمية بن خلف ٢ فإنه أخذ قبضة من تراب فرفعها إلى جبهته وقال : يكفيني هذا. وقيل هو الوليد بن المغيرة ٣ وقيل هو أبو أحيحة سعيد بن العاص. ثم اتصل الخبر ٤ بمهاجرة الحبشة ٥ أن أهل مكة اتبعوا محمدا ففرحوا بذلك. فأقبل بعضهم فوجد ألقية الشيطان قد نسخت وأهل مكة قد وقعوا في فتنة. واختلف في صورة الإلقاء، فالذي عليه الأكثر أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بتلك الألفاظ وأن الشيطان أوهمه حتى خرجت على لسانه. وروي أن جبريل عليه السلام نزل بعد ذلك فدارسه ﴿ والنجم ﴾ فلما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له جبريل : لم آتك بهذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " افتريت على الله وقلت ما لم يقل " فتفجع واغتم، فنزلت الآية. وذهب قوم إلى أن هذا لا يجوز عليه صلى الله عليه وسلم قالوا : وإنما الأمر أن الشيطان نطق بلفظ أسمعه الكفار عند قوله :﴿ أفرأيتم اللات والعزى ( ١٩ ) ومناة الثالثة الأخرى ( ٢٠ ) ﴾ وقرب صوته من صوت النبي صلى الله عليه وسلم حتى التبس الأمر على المشركين وقالوا قرأها محمد، ونحو هذا قد روي عن أبي المعالي ٦. وقال ابن حزم ٧ : الحديث الذي فيه : " وأنهن لهن الغرانيق العلا وأن شفاعتهم لترتجى " كذب بحت لم يصح نقله فلا معنى للاشتغال به. وقوله تعالى :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ﴾ الآية، فإن المراد به الأماني الواقعة في النفس. وقد تمنى النبي صلى الله عليه وسلم إسلام عمه أبي طالب ولم يرد الله عز وجل أن يسلم. وتمنى غلبة العدو يوم أحد ولم يرد الله تعالى ذلك. فهذه هي الأماني التي ذكرها الله تعالى ٨.
قلت وقد احتج بالآية والحديث من يجيز وقوع المعاصي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا حجة فيه لضعفه وما تحمل الآية من التأويل، والنسخ في هذا الموضع الإزالة.
٢ أمية بن خلف بن وهب بن حذافة، من سادات قريش وزعمائهم، زمن الذين نصبوا العداوة للرسول صلى الله عليه وسلم. توفي مشركا يوم بدر. انظر البداية والنهاية ٣/ ٤٣..
٣ الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن لؤي، أبو خالد من الذين أظهروا العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. توفي بمكة في السنة الأولى للهجرة. انظر سيرة ابن هشام ١/ ٢٧٠..
٤ "الخبر" كلمة ساقطة في غير (ج)، (ح)..
٥ في غير (ج)، (ح): "الجيش"..
٦ أبو المعالي هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد، أبو المعالي الملقب بإمام الحرمين من أصحاب الشافعي عالم وفقيه. توفي سنة ٤٧٨ هـ/ ١٠٨٥م. انظر وفيات الأعيان ١/٢٨٧..
٧ ابن حزم: هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم القرطبي. أحد أئمة الإسلام. كان له أتباع في الأندلس يدعون بالحزمية. انظر وفيات الأعيان ١/ ٧٢٨، والصلة ص ٤٠٨..
٨ راجع القصة ومختلف الأقوال فيها خاصة في التفسير الكبير ٢٣/ ٤٨ – ٥١، أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٨٣، ٨٤، أسباب النزول للواحدي ص ٢٣٢، ٢٣٣، المحرر الوجيز ١١/ ٢١٠ – ٢١٣، الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٧٩ – ٨٦..
سببها أنه لما مات بالمدينة عثمان بن مظعون ١ وأبو سلمة بن عبد الأسد ٢ اختلف الناس في المقتول والميت في سبيل الله. فقال بعضهم المقتول أفضل. فنزلت الآية مسوية بينهم في الفضل. وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب قوم إلى أنهما سواء في الفضل واحتجوا بالآية. قال بعضهم وظاهر الشريعة أن المقتول أفضل وليست الآية قاضية بتساويهم في الفضل. وقال بعضهم هما شهيدان ولكن للمقتول مزية ما أصابه في ذات الله تعالى. ومما يعضد القول الأول أن فضالة ٣ كان أميرا برودس على ربع من الأرباع فخرج بجنازتي رجلين أحدهما قتيل والآخر متوفى فرأى ميل الناس مع جنازة القتيل فقال أراكم أيها الناس تميلون مع القتيل وتفضلونه، فوالذي نفسي بيده ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت اقرأوا قوله تعالى :﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ﴾ ٤.
٢ أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي. وهو الذي أرضعته حليمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم. استخلفه الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة في غزوة ذي العشيرة. انظر طبقات ابن سعد ١/ ١٠٨..
٣ فضالة: غير منسوب، جد، بنوه بطن من القحطانية. كانت مساكنهم بلاد منفلوط بمصر. انظر نهاية الأرب لشهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري ص ٣١٨..
٤ راجع الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٨٨، ٨٩..
هذه الآية مهادنة خالصة نسختها آية السيف.
أمر الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بعبادته وخص الركوع والسجود بالذكر تشريفا للصلاة. واستدل به بعضهم على أن من نسي ركعة أو سجدة وجب عليه أن يجبرها. واختلف الناس هل في هذه الآية سجدة أم لا ؟ ومذهب مالك أن لا يسجد فيها.
– قوله تعالى :﴿ وافعلوا الخير ﴾ :
ندب إلى فعل المعروف جملة من غير تخصيص شيء. وصيغة قوله تعالى :﴿ وافعلوا الخير ﴾ صيغة يظن بها العموم وهي إلى الإجمال ١ أقرب، فالذي يظن به العموم يتمسك في إيجاب الوتر بها مصيرا إلى أن ظاهر الأمر من الوجوب. والخير اسم عام والأظهر أنه لا حجة فيه وأنه أقرب إلى الاحتمال لكثرة ما أخرج بالأدلة المخصصة عنه. وأشباه هذا في القرآن والحديث كثير.
اختلف في الجهاد هنا ما هو، فقيل هو قتال الكفار، وقيل بل أعم من هذا بل جهاد النفس وجهاد الظلم وجهاد الكفار وغير ذلك. أمر الله تعالى عباده أن يفعلوا ذلك في ذات الله تعالى حق فعله. واختلف في قوله تعالى :﴿ حق جهاده ﴾ هل هو منسوخ أم لا ؟ فقال بعض العلماء في ذلك وفي قوله تعالى :﴿ حق تقاته ﴾ هو منسوخ بقوله تعالى :﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ [ التغابن : ١٦ ] وذهب قوم إلى أنه ليس بمنسوخ وذلك أن المراد بهذه الأوامر فعل ما استطيع عليه. فقوله في الآية الأخرى ﴿ ما استطعتم ﴾ إنما هو تبيين لما أهمل في غيرها وقد تقدم الكلام على قوله تعالى :﴿ حق تقاته ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ] في موضعه ١.