تفسير سورة النساء

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة النساء من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
سورة النساء١
هذه سورة مدنية، وفيها٢ من الأحكام٣ والناسخ والمنسوخ مواضع.
١ "سورة النساء"، هذا العنوان ساقط في (ج)..
٢ في غير (ج) و(د): "فيها" بدون واو العطف..
٣ من"الأحكام" الجار والمجرور ساقط في (هـ)..

١ - قوله تعالى :﴿ واتقوا١ الله الذي تساءلون به والأرحام ﴾ :
يدل على تأكيد٢ الأمر بصلة الرحم والمنع من قطيعتها، والرحم اسم لكافة القرابة من غير فرق بين المحرم وغيره.
[ وأبو حنيفة يعتبر ] في الرحم المحرم من منع الرجوع في الهبة٣ فلا يجوز الرجوع في الهبة لهم٤، ويجوز الرجوع لغيرهم من الأقارب والأجنبيين مع أن القطيعة موجودة والقرابة حاصلة، ولذلك تعلق بحق بني الأعمام الميراث والولاية وغيرهما من الأحكام، واعتبار المحرم زيادة على ما في الكتاب من غير مستند. وهم يرون ذلك نسخا صحيحا. والشافعي يجوز في أحد أقواله الرجوع من حق الأبوين والأجداد دون غيرهم من الأقارب والأجانب.
وأما مالك٥ فلا يجيزه إلا من حق الأبوين.
قوله تعالى :﴿ وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ﴾ :
اختلف في الخنثى هل يكون مشكلا أم لا ؟ فذهب بعضهم إلى أنه لا يكون مشكلا، وأنه لا بد إما أن يكون٦ ذكرا أو أنثى. وأما أن ٧ يكون٨ مشكلا حتى يقال فيه : ليس٩ بذكر١٠ ولا أنثى١١، فلا.
وذهب أكثرهم إلى أنه يكون مشكلا، لا يكون١٢ ذكرا١٣ ولا أنثى، وعلى هذا الاختلاف ينبني اختلافهم في توريثه، وذلك إذا تكافأت١٤ فيه دلائل الذكورة والأنوثة، وإن لم يتكافأ كان الحكم للدليل الغالب١٥ وذلك أن بعضهم قال : يورث١٦ نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى.
وهذا القول١٧ يأتي على القول بأنه١٨ مشكل١٩ وقيل : يعطى نصيب٢٠ أنثى ثم يقسم له ما بقي٢١ من حظ ذكر بينه وبين من ينازعه من الورثة على وجه التداعي، وقيل : يعطي الحظين، حظ الأنثى وحظ الذكر أيهما٢٢ كان٢٣ أقل له أخذه وهذه أقوال تنبني على القول بأنه لا يكون مشكلا.
١ في (هـ): "واسألوا" والصواب ما أثبتناه..
٢ في غير (ج):"تأكيد"، وهذه الكلمة ساقطة في (هـ)..
٣ في (و): "... وغيره في الرحم المحرم من منع..."، وفي (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "... وأبو حنيفة يعتبر الرحم المحرم" والذي في (أ) هو ما أثبتناه طبقا لمذهب الحنفية راجع في ذلك أحكام القرآن للجصاص، ج ٢، ص ٣٣٧..
٤ "لهم" هذه الكلمة ساقطة في (ج) و(هـ)..
٥ في (د) و(هـ): "مالك رحمه الله"..
٦ "أن يكون" هذه الكلمة ساقطة في (د)..
٧ (أن) ساقطة في (هـ)..
٨ في (هـ): "كونه"..
٩ "فيه ليس" هذه الكلمة ساقطة في (هـ)..
١٠ في (هـ): "أنه لا ذكر"..
١١ في (د): "بأنثى"..
١٢ "لا يكون" هذه الكلمة ساقطة في (هـ) وكتب فيها "ليس"..
١٣ في (هـ): "بذكر"..
١٤ في (هـ) "إذا تكافأت"..
١٥ جملة "وذلك إذا تكافأت فيه... للدليل الغالب" ساقطة في (د).
١٦ في (د) و(هـ): "يرث"..
١٧ "القول" كلمة ساقطة في (هـ)..
١٨ في (ج): "لأنه"..
١٩ في (ج): "بأنه مشكل وقيل: يورث توريث الأنثى خاصة"، وفي (د) "بأنه مشكل وقيل: يرث ميراث الأنثى خاصة"، وفي (هـ): "بأنه مشكل وقيل: يرث ميراث أنثى خاصة"، هذا الكلام الذي ورد في (ج) و(د) و(هـ) ساقط في (أ) و (و) باستثناء "بأنه مشكل"..
٢٠ في (ج) و(د) و(هـ): "نصف"..
٢١ في (د) و(هـ): "ثم يقسم ما بقي له"..
٢٢ في (د): "أنهما"..
٢٣ في (د): "كانا"..
٢ - قوله تعالى :﴿ وآتوا اليتامى أموالهم ﴾ إلى قوله :﴿ وإن خفتم ﴾ الآية :
روي عن الحسن أنه قال : لما نزلت هذه الآية كرهوا أن يخالطوهم فجعلوا يعزلون مال اليتيم من أموالهم فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل ما يدخل على الأيتام من فساد أموالهم، فأنزل الله تعالى :﴿ ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ] الآية١.
فمعنى قوله :﴿ وآتوا اليتامى أموالهم ﴾، أي : آتوا اليتامى الذين لم يبلغوا أموالهم للأكل والشرب واللباس والسكنى، فالآية على هذا يحتمل أن تكون مبنية، ويحتمل أن يقال فيها أنها ناسخة. ويجوز أن يكون قوله تعالى :﴿ وآتوا اليتامى أموالهم ﴾ يعني به البالغ وسماه يتيما لقرب عهده بالبلوغ، والظاهر منه٢ أنهم يؤتون أموالهم بمعنى التسليط عليها، لا بمعنى الإطعام والكسوة ونهى الولي عن إمساك ماله بعد البلوغ عنه، ولذلك لم يشترط الرشد هنا واشترط إيناس٣ الرشد والابتلاء في قوله : " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح " [ النساء : ٦ ] الآية، فكان ذلك مطلقا وهذا مقيد. وذكر الرازي في أحكام القرآن أنه لما٤ لم يقيد بالرشد في موضع وقيد في موضع وجب استعمالهما والجمع بينهما فأقول : إذا بلغ خمسا وعشرين سنة، وهو سفيه لم يؤنس منه الرشد وجب دفع المال إليه، وإن كان دون ذلك لم يجب عملا بالآيتين. وهذا في٥ غاية البعد ؛ لأن اليتيم إنما يطلق عليه قبل البلوغ حقيقة وقرب العهد بالبلوغ مجازا، فأما أن يقال : أنه يتناول ابن خمس وعشرين سنة فصاعدا إلى مائة فهو جهل عظيم. والعجب أن٦ أبا حنيفة إنما أطلقه من الحجر٧ لأنه قد بلغ رشده وصار يصلح أن يكون جدا، فإذا صار يصلح أن يكون جدا فكيف يصح إعطاؤه المال بعلة اليتم أو باسم٨ اليتيم، وهل ذلك إلا في غاية البعد.
قوله تعالى :/ ﴿ ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ﴾ :
قال مجاهد وأبو صالح : أي لا تبدلوا الحرام بالحلال.
وقال ابن المسيب والزهري وغيرهما : لا تعطوهم زيوفا بجياد ولا مهزولا بسمين.
وقوله تعالى :﴿ ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ﴾ :
قيل معناه لا تخلطوا أموالهم إلى أموالكم لتأكلوا الجميع، يروى٩ عن مجاهد وغيره. وقال الحسن : هي منسوخة بقوله١٠ :﴿ وإن تخالطوهم فإخوانكم ﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ]، وقد تقدم١١. وقيل١٢ : المعنى لا تربح على يتيمك في١٣ شيء تهواه١٤ عندك وهو جاهل به. و ﴿ إلى ﴾ على بابها. والمعنى : لا تضموها في الأكل إلى أموالكم، وقيل : هي بمعنى " مع ".
١ في غير (هـ) بدون "الآية".
٢ في (أ): "منهم"..
٣ في (د): "استئناس"..
٤ "لما" كلمة ساقطة في (ج) و(د) و(هـ)، والصواب ما أثبتناه..
٥ حرف الجر "في" ساقط في (ج) و(د)..
٦ في (ج) و(د): "من"، وفي (هـ): "من أبي حنفية"..
٧ وفي نسخة "أطلق الحجر"..
٨ في (ب) و(د): "وباسم"..
٩ "يروي" كلمة ساقطة في (ج) و(هـ) وفي (د): "روى"..
١٠ في (د): "بقوله تعالى"..
١١ "وقد تقدم" ساقط في (هـ)..
١٢ في (هـ): "وقد قيل"..
١٣ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "على شيء"..
١٤ في (هـ): "هواه"..
٣ ٥ قوله تعالى :﴿ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ﴾ إلى قوله :﴿ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ﴾ الآية :
اختلف في تأويل هذه الآية، فقال ابن عباس وابن جبير وغيرهما : المعنى : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء وقالت عائشة رضي الله عنها١ هي اليتيمة تكون٢ في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها فيعطيها أدنى من سنة صداقها٣ فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا فيهن فيكملوا الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. قالت : ثم استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية، فأنزل الله تعالى :﴿ ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب ﴾ [ النساء : ١٢٧ ]، أي : والذي/ يتلى عليكم في الكتاب قوله تعالى٤ :﴿ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ﴾ الآية، قالت عائشة : قوله تعالى٥ :﴿ وترغبون أن تنكحوهن ﴾ [ النساء : ١٢٧ ]، رغبة أحدكم عن يتيمته التي في حجره حين تكون قليلة المال والجمال.
وروي عن مجاهد أن المعنى، وإن تحرجتم من أكل أموال اليتامى فتحرجوا٦ من الزنا وانكحوا النساء نكاحا طيبا. وفي تفسير عائشة رضي الله عنها٧ الآية من الفقه ما قال به مالك في صداق المثل، والرد إليه فيما فسد صداقه أو وقع الغبن في مقداره لقولها : من سنة صداقها، فوجب أن يكون الصداق معروفا لكل طبقة من الناس على قدر أحوالهم. وإذا كان الله تعالى قد نهى عن نكاح اليتيمة حتى تبلغ صداق مثلها، فواجب أن لا يكون نكاح بقبضة تبن ولا بما لا٨ خطر له، كما قال جماعة من العلماء منهم ابن وهب٩. وفيه أن اليتيمة ذات الوصي لا يجوز أن يزوجها الوصي بأقل من صداق مثلها، وهذا مذهب مالك. خلاف مذهب ابن القاسم في أن ذلك جائز له على وجه النظر : إلا أنه شرط١٠ رضاها، وفي ذلك نظر. واختلف في اليتيمة١١ التي لها ولي وليس بوصي هل يجوز رضاها بأقل من صداقها أم لا ؟ على قولين منصوصين. والأظهر أن ليس لها ذلك لأنها يتيمة فهي على تفسير عائشة١٢ داخلة تحت قوله تعالى :﴿ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ﴾. وفيه أن المرأة غير اليتيمة جائز أن تنكح بأدنى من صداق مثلها، لأنه إنما حرم١٣ ذلك في اليتامى وأباحه١٤ في غيرهن، كذات الأب لأبيها أن يزوجها بأقل من مهر مثلها، خلافا للشافعي في قوله : ليس لأبيها ذلك، وكالثيب التي لا حجر عليها، جائز لها أن ترضى بأقل من مهر١٥ مثلها، وليس للولي في ذلك قول خلافا لأبي حنيفة في قوله : أن مهر المثل من الكفاءة. وفيه أن ولي١٦ اليتيمة له أن ينكحها من نفسه إذا عدل في صداقها، وهو قول مالك وأبي حنيفة وغيرهما.
وقال الشافعي وغيره : لا يجوز أن يزوجها هو من نفسه، وقد جاء عن مالك١٧ الكراهية في١٨ أن يزوج الرجل وليته من نفسه أو من ابنه. وقع ذلك في " الواضحة ". وفي الآية دليل على١٩ أن الولي شرط في النكاح خلافا لمن يجيز النكاح بغير ولي جملة، دنية كانت المرأة أو شريفة، لأن الله تعالى خاطب٢٠ بإنكاح اليتامى والأولياء، ولولا أن أمر نكاحهن إليهم٢١ لما خاطبهم بذلك، ومثل هذا في الكتاب العزيز كثير، كقوله تعالى :﴿ فلا تعضلوهن ﴾ [ البقرة ٢٣٢ ]، وقوله٢٢ :﴿ وانكحوا الأيامى منكم ﴾ [ النور : ٣٢ ]، وقوله٢٣ :﴿ ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ]، وقد تقدم. وأما تفرقة أهل الظاهر بين البكر والثيب في ذلك، وقولهم : إن كانت بكرا فلا بد من ولي، وإن كانت ثيبا فلا تحتاج إلى ولي٢٤ فلا وجه له وهو خلاف ظاهر الآية، لأن الله تعالى لم يخص بالخطاب ولي الثيب دون ولي البكر.
واحتج أبو حنيفة ومحمد ابن الحسن٢٥ بهذه الآية٢٦، في أنه يجوز للولي أن يزوج من نفسه اليتيمة التي لم تبلغ. ورأيا أن المراد باليتامى في الآية اللائي هن على تلك الصفة، وهي التي لا أمر لها في صداقها، فأما٢٧ من هي بالغ فلها الأمر في٢٨ صداقها٢٩ ولها أن تراضي وليها على٣٠ ما شاءت ثم يتزوجها على ذلك فيكون لها حلالا، كما٣١ قال تعالى :﴿ فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه ﴾ ٣٢.
وهذا لا يجوز عند مالك والشافعي٣٣ وغيرهما٣٤ ويفسخ هذا النكاح عند مالك قبل الدخول وبعده.
ومن الحجة على٣٥ أبي حنيفة ومن تابعه أنه قد يكون في اليتامى من تجوز حد البلوغ وهي بعد سفيهة، فلا يجوز بيعها ولا شيء من أفعالها، فأمر الله تعالى أولياءهن بالإسقاط لهن في صدقاتهن فليس هو أولى بالتأويل ممن عارضه، وتأويل الآية في اليتيمة البالغ السفيهة أو في جميع اليتامى.
وقد اختلف في اليتيمة غير البالغ٣٦ هل يجوز تزويجها قبل البلوغ بغير الأب أم لا ؟ فلم يجز ذلك مالك. ورأى أن عموم قوله تعالى :﴿ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ﴾ مخصص باليتيمة٣٧ البالغ، وأجازه في رواية أخرى عنه إذا كانت ذات حاجة، وأجازه غيره٣٨ كيفما كانت، واحتج بعموم٣٩ هذه الآية.
فيترتب على هذا الخلاف في اليتامى : هل المراد بهن البوالغ خاصة أم لا ؟ ومن حجة من خصه بالبالغ أن عائشة٤٠ قالت : ثم استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت :﴿ ويستفتونك في النساء ﴾، والصغار لا يسمين نساء، فإن قيل : اليتيم حقيقة في الصغيرة : وقد قال عليه الصلاة والسلام٤١ " لا يتم بعد حلم " ٤٢ واسم النساء٤٣ يتناول الصغيرة في قوله٤٤ :﴿ فانكحوا ما طاب لكم من النساء ﴾ وقوله :﴿ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ﴾ [ النساء : ٢٢ ] ٤٥.
فيقال في الجواب عنه : إن اسم النساء في قبيل الإناث كاسم الرجال في قبيل الذكور، واسم الرجال لا يتناول الصغير، واسم النساء والمرأة لا يتناول الصغيرة والصغائر٤٦ والآيات٤٧ التي وقع الاستشهاد بها يمكن أن يكون اللفظ لغير الصغيرة، ولكن يثبت مثل ذلك الحكم في الصغيرة بدليل الإجماع واليتم يطلق على البوالغ مجازا، بدليل أنه ذكر النساء ولا يمكن تعطيل لفظ النساء الذي هو حقيقة في البالغات، فإن قيل : فإن كان المراد بذلك البالغ٤٨ فكيف يتجه قول من يجوز لها٤٩ النكاح بأقل من مهر٥٠ المثل٥١ برضاها، فالجواب أن يكون معنى الآية٥٢ أن يستضعفها الولي ويستولي على مالها وهي لا تقدر على مقاومته، وإذا ثبت أن المراد بالآية البالغ لم يكن في كتاب الله تعالى ما يدل على جواز تزويج الصغيرة، وقد صار٥٣ ابن شبرمة إلى أن تزويج الآباء الصغار لا يجوز وهو مذهب ابن القاسم لا الأصم٥٤، لما في ذلك من تفويتها لغير تعجيل مصلحة.
وقد استدل قوم على جواز تزويج٥٥ الصغيرة بقوله تعالى :﴿ واللائي لم يحضن ﴾ [ الطلاق : ٤ ] ٥٦، فحكم٥٧ بصحة طلاق الصغيرة، والطلاق لا يقع٥٨ إلا بعد نكاح صحيح، إلا أن يقال : ليس في القرآن ذكر الطلاق وإنما فيه ذكر العدة، والعدة قد تتصور بالنكاح الفاسد أو على٥٩ حكم الشبهة، أو في حق الأمة تزوجها٦٠ مولاها، وهي صغيرة توطأ وللاعتماد٦١ على ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج عائشة رضي الله تعالى عنها٦٢ وهي بنت ست سنين٦٣.
وقوله تعالى :﴿ ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ﴾ :
هذه الآية على ما قال الضحاك والحسن وغيرهما ناسخة لما كان في الجاهلية، وفي٦٤ أول الإسلام من أنه٦٥ كان٦٦ للرجل٦٧ أن٦٨ يتزوج ما شاء من الحرائر٦٩ فقصرتهم٧٠ الآية على أربع، فلا يجوز الجمع بين أكثر من أربع لظاهر هذه الآية، وقد ذهب قوم لا يعبأ/ بخلافهم إلى أنه يجوز الجمع بين تسع. واحتجوا بأن معنى قوله تعالى :﴿ مثنى وثلاث ورباع ﴾ يفيد الجمع بين العدد، بدليل أنه عليه الصلاة والسلام٧١ مات عن تسع، ولنا فيه٧٢ أسوة حسنة. وقال قوم أيضا لا يعد خلافهم : يجوز أي عدد كان قليلا أو كثيرا، وقالوا٧٣ : إن معنى الآية أن ينكح اثنتين وثلاثا وأرباعا إلى ما كان من العدد، واستغنى بذكر بعض الأعداد عن استقصائها، وهذا كما تقول : قرأت : " أ، ب "... تريد جميع الحروف أبجد٧٤، ولكن تقتصر على بعضها، وهذا في كلام العرب كثير. وحجة أهل القول الأول أن أهل التفسير اتفقوا في تأويل هذه الآية على أنه أراد التخيير بين الأعداد الثلاثة لا الجمع. ووجهه أنه لو أراد الجمع بين تسع لم يعدل عن ذلك اللفظ المختصر غير الموهم، وهو تسع، إلى لفظ غير مختصر موهم وهو مثنى وثلاث ورباع٧٥، فلما كان ذلك علمنا أن المعنى مثنى مثنى، وثلاث ثلاث، ورباع رباع ؛ فإذن التخيير كقوله : " أولي أجنحة " ٧٦ مثنى وثلاث ورباع٧٧. وأما احتجاجهم بالنبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا بذلك كما خص بأن ينكح بغير صداق وأن لا تنكح أزواجه من بعده٧٨. وقد روي أن غيلان ابن سلمة أسلم عن عشرة نسوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اختر منهن أربعا وفارق سائرهن " ٧٩.
وأما قول من أجاز الجمع بين القليل والكثير، فقول ظاهر الفساد في العربية وترده الآثار، ولولا أن بعض أهل٨٠ الخلاف ذكر هذين القولين لأعرضت عن ذكرهما، واختلفوا في العبد هل له أن يتزوج أربعا أم٨١ ليس له أن/ يتزوج إلا اثنتين٨٢، فقال أهل الظاهر وجماعة معهم : إن للعبد٨٣ أن يتزوج أربعا. وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يتزوج إلا٨٤ اثنتين. وعن مالك في ذلك روايتان٨٥ ودليل إجازة ذلك قوله :﴿ فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ﴾ فعم٨٦.
واختلف هل للحر أن يتزوج أربع مملوكات إذا خشي العنة أم لا ؟ :
فذهب مالك ومن تابعه إلى جوازه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي : لا يتزوج إلا واحدة. وقال حماد٨٧ لا يتزوج إلا اثنتين٨٨ ودليل نكاح الأربع٨٩ قوله تعالى :﴿ فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ﴾ فعم.
وقوله تعالى :﴿ فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ﴾ [ النساء : ٢٥ ].
قوله تعالى :﴿ فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ﴾ :
المراد به العدل في القسم بينهن، كما قال :﴿ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ﴾ الآية [ النساء : ١٢٩ ]. والعدل في القسم بينهن والجور فيما يظهر لهن وهو الذي يملكه الإنسان. وأما الميل بالقلب فشيء لا يملك، فلا يتصور الأمر بالعدل فيه. ودل مضمون٩٠ هذه الآية على أن لا عدد في ملك اليمين ولا وجوب في القسم والعدل بينهن، وظن قوم أن المراد به العطف٩١ على قوله :﴿ فانكحوا ما طاب لكم من النساء... أو ما٩٢ ملكت أيمانكم ﴾.
وهذا يدل عند من٩٣ قال : هذا على أنه يجوز التزوج٩٤ بأربع من الإماء٩٥ كما أجاز التزوج بأربع حرائر٩٦، وهذا فيه نظر، لأن العطف هل يرجع إلى أقرب مذكور أو يجوز رجوعه إلى أبعد مذكور، فيه٩٧ نظر، وفيه أيضا دليل على أن النكاح ليس بواجب كما يقول أهل الظاهر وإنما هو في الجملة مرغب فيه.
ووجه الدليل٩٨ من الآية أن ملك اليمين ليس بواجب بالإجماع٩٩، وقد خير الله تعالى بين النكاح وبين ملك اليمين، ولا يصح التخيير بين الواجب١٠٠ وما ليس بواجب ؛ لأن ذلك مخرج للواجب عن الوجوب. ومن الدليل أيضا على ذلك قوله تعالى :﴿ والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ﴾ [ المؤمنون ٥
١ في (د): "عائشة" بدون ذكر رضي الله عنها..
٢ في (ج): "التي يكون"..
٣ "فيعطيها أدنى من سنة صداقها" كلمة ساقطة في (د)..
٤ سقطت في (د) و(هـ) كلمة: "تعالى"..
٥ سقطت في (د) كلمة: "تعالى"..
٦ في (د): "فتحرزوا"..
٧ في غير (د) و(هـ) سقطت كلمة: "رضي الله عنها"..
٨ كلمة "لا" ساقطة في (ج)..
٩ هو أبو محمد عبد الله ابن وهب ابن مسلم الفهري، فقيه من الأئمة من أصحاب مالك، ولد سنة ١٢٥ هـ / ٧٤٩م وتوفي سنة ١٩٧هـ/ ٨١٣م انظر الأعلام، ج٤، ص٢٨٩، تهذيب التهذيب: ج٦، ص٧١ ـ ٧٤؛ الديباج: ص ١٣٢ – ١٣٣..
١٠ في (هـ) "بشرط"..
١١ في غير (هـ): "في البكر" والأولى ما أثبتناه..
١٢ في (د): "عائشة رضي الله عنها"..
١٣ في غير (د): "حرج"..
١٤ في (د): "أباحت"..
١٥ في (ج) و(د): سقطت كلمة "مهر"..
١٦ في (هـ): "لولي"، أما في (ج) (د) فقد سقطت كلمة "ولي"..
١٧ في غير (د) و(هـ): "مالك رحمه الله"..
١٨ في (هـ): "كراهية أن..."..
١٩ في (ج) و(د) سقطت كلمة "على"..
٢٠ في (د): "إنما خاطب"..
٢١ في (د): "إليهن"..
٢٢ في (د): "قوله تعالى"..
٢٣ في (د): "قوله تعالى"..
٢٤ في (هـ): "لا يحتاج إليه"..
٢٥ هو عبد الله محمد بن الحسن فرقد الشيباني بالولاء الفقيه الحنفي، كان مولده سنة ١٣٥ على خلاف في ذلك، ومات سنة ١٨٩ برنبوية من قرى الري. انظر ابن خلكان: ج١، ص٤٥٣ – ٤٥٤؛ تاريخ بغداد: جزء٢، ص ١٧٢ – ١٨٢؛ معجم المؤلفين: ج٩، ص٢٠٧، طبقات الحنفية ج٢، ص٤٢ – ٤٣؛ الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية لابن أبي الوفاء القرشي: ج٢، ص ٤٢ – ٤٣..
٢٦ من قوله:"لأن الله تعالى لم يخص... إلى قوله: بهذه الآية" كله ساقط في (ب).
٢٧ في (ج): "فأمر من هي"..
٢٨ في (هـ): "فيه"..
٢٩ سقطت في (هـ) كلمة "الصداقية"..
٣٠ في (د) سقطت لفظة "على"..
٣١ سقطت في (د) كلمة: "كما"..
٣٢ قوله: "فكلوه" سقطت في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٣٣ سقطت في (د) كلمة "الشافعي"..
٣٤ في (د): و"غيره..
٣٥ في (هـ): "عن أبي حنيفة"..
٣٦ "غير البالغ" سقطت في (هـ).
٣٧ في (ب): "فخصص اليتيمة"، وفي (د):"مخصص لليتيمة"..
٣٨ في (ج) و(د): "عنده" وفي (هـ) "عنه"..
٣٩ في (د): "لعموم"..
٤٠ في (د) و(هـ): "عائشة رضي الله عنها"..
٤١ في (هـ): "عليه السلام"..
٤٢ صحيح البخاري: كتاب الصوم، باب الوصال، ص٢٤٢ – ٢٤٣، وانظر أيضا صحيح مسلم: كتاب الصوم، باب النهي عن الوصال في الصوم، ص٧٧٣-٧٧٥ سنن ابن ماجه كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية الصوم، ص١٤٨، وسنن ابن أبي داود: كتاب الطلاق، باب في الطلاق قبل النكاح، ص ٦٤٠ – ٦٤٢..
٤٣ "النساء" سقطت في (ب)..
٤٤ في (د): "قوله تعالى"..
٤٥ هذه الآية لم تذكر في (ب) و(ج) و(د)..
٤٦ في (هـ): "الصغار"..
٤٧ في (د): "الإناث"، والآيات ساقط في (هـ)..
٤٨ "مجاز بدليل أنه ذكر النساء ولا يمكن تعطيل لفظ النساء الذي هو حقيقة في البالغات فإن قيل: فإن كان المراد بذلك البالغ"، كل هذا ساقط في (ب) و(ج) و(د) و(هـ).
٤٩ في (هـ) كلمة "لها" ساقطة..
٥٠ في (هـ): "مهرها"..
٥١ في (د): "مثلها" وفي (هـ) سقطت كلمة "المثل"..
٥٢ في (ب): "ومن الآية"، والصواب ما أثبتناه..
٥٣ في (ج): "صار" بياض في (ب)، وسقطت في (ج)، وفي (هـ): "مال"..
٥٤ في غير (ب): "وهو مذهب الأصم" وجاء في أحكام القرآن للجصاص: "وقال ابن القاسم عن مالك في الرجل يزوج أخته وهي صغيرة لا يجوز" ج٢، ص٥١..
٥٥ في غير (ب): "على تزويج"..
٥٦ والآية هي قوله تعالى: ﴿واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن﴾..
٥٧ في (د): "و حكمه" وفي غير (هـ) و(د): "فحكمه"..
٥٨ في (ب): "لا يمنح"..
٥٩ في (أ): "وعلى حكم"..
٦٠ في (هـ): "تزويجها"..
٦١ في غير (ب) و(ج): "والاعتماد"..
٦٢ في (د) و(أ) بدون "رضي الله تعالى عنهما"..
٦٣ انظر سنن أبي داود: كتاب النكاح باب في تزويج الصغارص٢٣٩..
٦٤ "في" ساقطة في (هـ)..
٦٥ في (هـ): "أن"..
٦٦ في (أ) و(ج) و(د): "من أن كان" في (ب): "من أن كون الرجل" وفي (هـ): "كان" ساقطة..
٦٧ في (هـ): "الرجل"..
٦٨ في (هـ): "كام"..
٦٩ في (هـ): "من الحرائر ما شاء"..
٧٠ في (ج):"ففسرتهم" والصواب ما أثبتناه.
٧١ في (هـ): "عليه السلام"..
٧٢ سقطت "فيه" من (د)..
٧٣ في (د): "قال"..
٧٤ في (هـ): "الهجاء"..
٧٥ في (ج) سقطت كلمة "رباع"..
٧٦ من قوله: "فلما كان ذلك علمنا"... إلى قوله: "أولي حكمة" ساقط في (ب) و(د)..
٧٧ سقطت في (ب) و(ج): "مثنى وثلاث ورباع" والآية هي: ﴿الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع﴾ [فاطر: ١]..
٧٨ في (ج): "من أزواجه"..
٧٩ انظر: سنن أبي داود: كتاب الطلاق، باب"من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان"، ص ٢٦٢..
٨٠ سقطت كلمة "أهل" من (ب) و(ج)..
٨١ في (د): "لم لا"..
٨٢ "ليس له أن يتزوج إلا اثنتين" ساقطة في (د)..
٨٣ في (هـ): "أن له"..
٨٤ في (هـ): "أكثر" عوضا عن: "إلا"..
٨٥ في غير (هـ): "الروايتان"..
٨٦ "ودليل إجازة ذلك... رباع فعم" ساقط في (هـ)..
٨٧ في (ج): "وقال مالك" عوضا عن قوله: "قال حماد"..
٨٨ من قوله: "أبو حنيفة"... إلى قوله: "وقال حماد: لا يتزوج إلا اثنتين" كل ذلك ساقط في (ب)..
٨٩ في (ج) و(د): "ودليل إجازة نكاح الأربع"، وفي (هـ): "ودليل إجازة نكاح الأربعة"..
٩٠ في (ج): "مضمن"..
٩١ في (د): "العدل" والصواب ما أثبتناه..
٩٢ في (ب) و(د): "وما"..
٩٣ في (ب) و(ج) و(د): "على من قال"..
٩٤ في (د): "التزويج"، والصواب ما أثبتناه..
٩٥ في (د): "من الإيماء" والصواب ما أثبتناه..
٩٦ في (د): "من الحرائر"..
٩٧ من قوله: "لأن العطف..." إلى قوله: "فيه نظر" ساقط في (د) و(هـ)..
٩٨ في (ب) و(د) و(هـ): "الدلائل"..
٩٩ في غير (د): "بإجماع"..
١٠٠ في (هـ): "بينهم واجب".
وقوله تعالى :﴿ وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ﴾ :
قيل : النحلة العطية على غير وجه المثوبة، وقيل : معنى النحلة فريضة. وقيل : معناه دينا أي تعبدا. وقيل : سميت نحلة لأنه قد كان يجوز أن يعطين شيئا فنحلهن١ الله تعالى٢ ذلك. وقيل : لا تكون نحلة إلا فيما طابت به النفس لا فيما أكره عليه. وفي هذه الآية رد لقول٣ من يرى الصداق عوضا من البضع، وهو قول كثير من الناس. /
والله تعالى قد سماه نحلة، والنحلة ما لم يعتض عليه، فهو٤ نحلة من الله تعالى فرضها للزوجات على أزواجهن لا عن عوض من الاستمتاع بها، لأن كل واحد منهما يستمتع بصاحبه، ولهذا المعنى يفتقر عقد النكاح إلى تسمية صداق. ولهذا استحب بعضهم أن يكتب في الصدقات٥ عوض هذا ما أصدق، هذا ما نحل٦ به فلان زوجه فلانة، ذكره ابن شعبان.
وفي هذه٧ الآية دليل على أن النكاح لا يكون إلا بصداق، وليس الصدقات٨ التي أمر الله تعالى٩ بنحلتها غير الأعيان الممتلكة. فأما ما لم يكن عينا ممتلكا، وإنما هو منفعة من المنافع التي لا تتملك كالإجارة على أن يحج بها أو نحوها١٠ أو تعليم قرآن١١ وشيء منه١٢ خلافا للشافعي. وذكر اللخمي١٣ في النكاح عن الإجارة أو على أن يحج عن المرأة ثلاثة أقوال : الكراهية عن مالك، والإجازة عن أصبغ١٤، والمنع عن ابن القاسم ؛ ثم قال : والقول بجواز جميع ذلك حسن ؛ لأن الإجارة والحج١٥ كغيرهما من الأموال التي تتملك وتباع وتشترى، والصدقات في الآية على قوله : تجمع الأعيان والمنافع.
وقيل١٦ : سبب الآية أن الرجل كان يزوج الرجل أخته على أن يزوجه الآخر أخته ولا صداق لواحد منهما وهو الشغار، وهو عندي أدل دليل على أن النكاح لا يجوز بالمنافع. واختلف في المخاطبين بهذه الآية، فأكثر العلماء على أن المخاطب بها الأزواج١٧. وقال بعضهم : هي للأولياء، لأن الولي كان يأخذ الصداق لنفسه.
قوله تعالى١٨ :﴿ فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ﴾ :
لا خلاف في هذا١٩ أن الخطاب للأزواج وقوله منه : يعني من الصداق أو المال دل عليه الكلام أو الآية٢٠
قال أبو الحسن٢١................. هذه الآية تدل على٢٢ أن للمرأة هبة الصداق لزوجها بكرا كانت أو ثيبا خلافا لمالك، فإنه منع من هبة البكر الصداق لزوجها وجعل ذلك للولي مع أن ذلك لها وذلك في غاية البعد.
وقوله : " فكلوه " المراد منه٢٣ الاستباحة بأي طريق كان. وعبر بالأكل عن أنواع التصرفات، فليس الأكل مراد عينه ؛ ونظائر هذا كثيرة من الكتاب والسنة.
١ في (ب): "فجعلهن"..
٢ سقطت في (هـ) كلمة "تعالى"..
٣ في (هـ): "رد لمن"..
٤ في (أ) و(ب) و(د) و(هـ): "فهي"..
٥ في غير (هـ): "في الصدقات"..
٦ في غير (هـ): "نحل"..
٧ في (ب) و(ج) و(هـ): "وفي الآية دليل"..
٨ في (هـ): "الصدقات"..
٩ سقطت في (هـ) كلمة: "تعالى"..
١٠ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "أو بخدمها"..
١١ في (هـ): "أو على تعليم قرآن"..
١٢ في (ب) و(د) و(هـ): "أو شيء منه خلاف"..
١٣ هو أبو الحسن علي بن محمد المعروف باللخمي، نزيل صفاقس، وله كتاب: "لتبصرة"، وهو تعليق كبير على المدونة، توفي سنة٤٧٠ هـ / ١١٠٥ م. انظر: الديباج، ص ٢٠٣..
١٤ هو أبو عبد الله بن الفرج بن سعيد بن نافع، له كتاب الأول، وغريب الموطأ، توفي سنة ٢٢٥ هـ/ ٨٤٠م. انظر الديباج، ص ٩٧، مرآة الجنان لليافعي، ووفيات الأعيان: ج١، ص٢٤٠، طبقات الفقهاء: ص ١٥٣..
١٥ في (ب) و(د): "والمتع" في (هـ): "والمنافع"..
١٦ في (د): "وقال: إن"..
١٧ في (أ) و(ب) و(د): "على أن المخاطبة بها للأزواج"..
١٨ في غير (د): "وقوله"..
١٩ في (د): "لا خلاف في أن الخطاب".
٢٠ في غير (ب) و(ج): "أو الإيتاء"..
٢١ هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المعروف بالكيا الهراسي شيخ الشافعية في بغداد، تفقه بإمام الحرمين وبرع في المذهب وأصوله، قال الذهبي: تخرج به الأئمة، وكان أحد الفصحاء ومن ذوي الثروة والحشمة، وله تصانيف حسنة. ومنها: أحكام القرآن الذي هو عمدة المؤلف في كتابه هذا. توفي سنة ٥٠٤ هـ. يراجع: الكامل لابن الأثير (١٠/٤٨٤) ووفيات الأعيان(٣/٣٨٦/ ٣٩٠) والسير للذهبي (١٩/٣٥٠) وطبقات السبكي (٧/٢٣١- ٢٣٣)..
٢٢ في (ج) و(د): "وتدل أن المرأة"..
٢٣ في غير (ج) و(د): "به"..
٥ - قوله تعالى :﴿ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي ﴾ إلى قوله :﴿ فليستعفف ﴾ :
قال ابن عباس وابن زيد : يعني بالسفهاء من ولدك.
قال ابن جبر : السفهاء هنا النساء والصبيان، والمعنى : لا تطلقوهم على أموالكم فيفسدوها، فأما إعطاؤهم إياها مع صيانتهم لها فغير١ مختلف فيه، وقال مجاهد : السفهاء النساء، وكان يجب على هذا أن يقال السفائه أو السفيهات، لأنه الأكثر في جمع فعيله.
وقال أبو موسى الأشعري وغيره : السفهاء هاهنا كل من يستحق الحجر، وينشأ من هذه الأقوال النظر في قوله تعالى :﴿ أموالكم ﴾ هل المراد به المجاز أم٢ الحقيقة ؟
فيحتمل أن يراد به٣ المجاز، فيكون المراد بقوله :﴿ أموالكم ﴾ أموالهم٤، أي أموال٥ السفهاء. ورجح بعضهم هذا التأويل وعليه يترتب أكثر أحكام السفهاء من أقوال العلماء، وإنما أضافها إلى المخاطبين على جهة الاتساع، لأنهم الناظرون لهم فيها فنسبت إليهم.
وقيل : إنما أضافها إليهم كما قال :﴿ ولا تقتلوا أنفسكم ﴾ [ النساء : ٢٩ ]، يعني : بعضكم بعضا، وقال :﴿ فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ﴾ [ النور : ٦١ ]، يريد : من يكون فيها منكم، ويحتمل أن يقال : إنه على حقيقته والمراد النهي عن دفع الرجل ماله إلى الصبيان والنساء حتى يستنفدوه في أسرع مدة٦. لكن الهبة لهم جائزة على أن لا يجعل٧ في أيديهم، لكن ينصب قيم عليهم في الموهوب لهم، فمقتضى هذه٨ الآية على هذا النهي عن تضييع الأموال.
وقوله تعالى :﴿ وارزقوهم فيها ﴾ أي : منها.
وقوله تعالى٩ :﴿ وقولوا لهم قولا معروفا ﴾ :
قيل١٠ : قولوا لهم : إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم١١. وقيل : المعنى ادعوا لهم بالصلاح، وقد اختلفوا ١٢ فيمن بلغ سفيها مبذرا لماله، فرأى مالك أن الحجر لا ينفك عنه١٣، وإن خضب بالحناء إلا أن يؤنس منه الرشد.
وقال أبو حنيفة : إذا بلغ خمسا وعشرين سنة أسلم إليه ماله وإن كان مبذرا مضيعا، ولظاهر١٤ قوله تعالى :﴿ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ﴾ يرد ذلك١٥.
واختلفوا١٦ أيضا هل يبتدأ الحجر١٧ على الأكابر المبذرين لأموالهم في غير الطاعة أم لا ؟ فذهب مالك وأكثر العلماء إلى أنه يحجر عليه ولا يؤتي ماله. وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يحجر على البالغ ابتداء، ووافقه ابن سيرين والنخعي وزفر١٨ وظاهر الآية أيضا يرده لأنه سفيه، وقد قال :﴿ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ﴾، وإذا ترك له ماله فقد أتيه، فواجب أن يمنع منه ولا يؤتاه. واستدل عبد الوهاب على ذلك أيضا بقوله تعالى :﴿ فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ﴾ [ البقرة ٢٨٢ ]، فأثبت الولاية١٩ على السفيه، وذلك يفيد ثبوت الحجر عليه.
ويختلف في الرجل يتصدق على المحجور٢٠ عليه بمال و٢١ يشترط في صدقته أن يترك في/ يده، ولا يضرب على يده فيها كما يفعل بسائر ماله، هل له ذلك٢٢ ؟
فالمشهور أن ذلك له٢٣ واعترض بعضهم هذا٢٤ القول ومرضه، واحتج بقوله تعالى :﴿ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ﴾ الآية.
واختلف فيمن يخدع في البيوع هل يحجر عليه أم لا ؟ فقيل : لا يحجر٢٥ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمنقذ بن حبان أو حبان ابن منقذ : " إذا بايعت فقل : لا خلابة " ٢٦، وكان قد اشتكى إليه أنه يخدع في البيوع. وقال ابن شعبان٢٧ يضرب على يديه فمن يخدع في البيوع على هذا القول داخل تحت قوله تعالى :﴿ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ﴾ الآية، ويعضد ذلك تأويل أبي موسى الأشعري في السفهاء.
١ كلمة "فغير" ساقطة في (ج)..
٢ في (ج) و(د) و(هـ): "أو"..
٣ في (أ): "أن يكون يراد به"، وفي (ج) و(د): "أن يريد به"..
٤ في (د): "وأموالهم"..
٥ "أي أموال" ساقط في (ب) و(د)..
٦ في (ب): "يستعبدوه في أقرب مدة"وفي (هـ) و(د): "في أقرب مدة"..
٧ في (و): "أن يجعل" والصواب ما أثبتناه..
٨ "هذه" ساقطة في (د) و(هـ)..
٩ "وقوله تعالى" سقطت في (ب) و(د) وفي (ج): "قوله"..
١٠ في (هـ): "قيل معناه"..
١١ لعله "أمولكم"..
١٢ في (ج): "اختلفوا" في (د) و(هـ): "واختلف"..
١٣ في (د) و(هـ): "عليه"..
١٤ في (هـ) سقطت "ظاهر"..
١٥ في (هـ): "يرد عليه"..
١٦ في (هـ): "اختلف"..
١٧ "الحجر" سقطت في كل من (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
١٨ هو أبو هذيل زفر ابن الهذيل بن قيس بن سليم بن معد بن عدنان، من أصحاب أبي حنيفة ولد سنة ١١٠هـ / ٧٢٨م، وتوفي ١٥٨هـ / ٧٧٥م. انظر: الأعلام، ج ٣، ص ٧٨..
١٩ في (ب) كلمة "الولاء" ساقطة وفي غير (ب) و(هـ): "الولاء"..
٢٠ في (هـ) "محجور"..
٢١ في (هـ): "أو"..
٢٢ في (د): "هل له ذلك أم لا؟"..
٢٣ في (د): "فالمشهور على أن له ذلك"، وهي ساقطة في (هـ)..
٢٤ "هذا" سقطت في (ب)..
٢٥ في (د): "لا يحجر عليه"..
٢٦ انظر: صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب ما يكره في الخداع من البيع، وكتاب الاستقراض باب ١٩، وكتاب الخصومات، باب٣، وانظر كذلك صحيح مسلم: كتاب البيوع، باب ١٢. وسنن أبي داود كتاب البيوع، باب ٦٨، انظر: فتح الباري، ج٤، ص ٣٧٣، وفي ابن حجر أن الرجل هو "حبان ابن منقذ" وليس منقذ بن حبان..
٢٧ هو أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان بن محمد بن ربيع بن داود من كبار فقهاء المالكية بمصر له كتاب أحكام القرآن ومختصر ما ليس في المختصر، توفي سنة ٣٥٥ هـ، ، يوافق ٩٦٦م. انظر الديباج، ص ٢٤٨، حسن المحاضرة، ج ١، ص، ٣١٣ طبقات المفسرين، ج ٢، ص ٢٢٤ – ٢٢٥، وتبصرة المنتبه، ج٣، ص ١١٦٦..
٦ قوله تعالى :﴿ وابتلوا اليتامى ﴾ :
قال مجاهد والحسن وغيرهما١ أي اختبروهم في عقولهم وأديانهم وتمييز أحوالهم٢.
والمخاطبون بالابتلاء هم الأولياء الناظرون للأيتام. واختلف في الوصي من قبل الأب أو القاضي : هل لواحد منهما إطلاق من هو٣ إلى نظره إذا علم حسن حاله دون إذن القاضي وشهادة الشهود بحسن حال المحجور أم لا ؟
ففي وصي القاضي ثلاثة أقوال : ذهب قوم٤ إلى أنه لا يطلق إلا بإذن القاضي وإليه ذهب ابن زرب٥.
وذهب قوم إلى أنه لا يطلق بغير إذن القاضي إلا أن يكون المحجور عليه معروفا بالرشد فإذا٦ عقد له بذلك عقدا ضمنه معرفة شهدائه لرشده. وقال٧ قوم : إطلاق من إليه نظره جائز بغير إذن القاضي، وإن٨ لم يعرف رشده إلا بقوله.
وفي وصي الأب أيضا ثلاثة أقوال مثل ذلك فالأشهر منها٩ أن إطلاقه جائز وهو مصدق فيما يذكر من حاله، وإن لم يعرف ذلك إلا من قوله.
وقال عبد الوهاب١٠ : لا ينفك الحجر بحكم أو بغيره إلا بحكم الحاكم وسواء في ذلك الصبي والبالغ والمفلس. والحجة لمن أجاز للموصيين الإطلاق دون إذن القاضي إذا علم حسن الحال، وإن لم يعرف ذلك غيرهم١١ ظاهر الآية :﴿ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ﴾، فجعل الدفع لمن١٢ إليه الابتلاء وهو الذي إليه النظر في أمر المحجور١٣.
قال بعضهم : والقول الآخر اليوم أحسن لفساد حال الناس، يريد أنه١٤ لا يطلق إلا بإذن القاضي، ويجوز أن يكون معنى الآية على هذا إن أنس منهم حكامهم رشدا فحذف.
واختلف في وقت الابتلاء : ففي كتاب محمد أنه بعد البلوغ يكون الابتلاء، وقال الأبهري وغيره من البغداديين : هو ما كان قبل البلوغ لا يحتاج إلى غيره، وهو أبين، لقول الله تعالى :﴿ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ﴾ ١٥.
فجعل الابتلاء قبل البلوغ١٦.
وقوله :﴿ فإن آنستم منهم رشدا ﴾ يريد الابتلاء١٧ لا بغيره و " الفاء " في قوله١٨ :﴿ فإن آنستم ﴾ للشرط لا للتعقيب، واختلف هل يبتلى بشيء١٩ من ماله يدفع إليه ليختبر به أم لا ؟ فالظاهر٢٠ من مذهب مالك المنع، قال : إذا فعل ذلك الولي٢١ فلحقه دين لم يلحقه ذلك الدين في المال الذي بيده٢٢، ولا في الذي في يد وصيّه، وأجاز ذلك غيره، وقال : يلحقه الدين في المال٢٣ الذي في يده٢٤، والظاهر من الآية إجازة ذلك ؛ لأن الله تعالى أمر بالابتلاء ولم يخص الابتلاء في المال من الابتلاء بغير المال٢٥ ويعضد هذا القول تفسير مجاهد وغيره للآية. والرشد الذي ذكره الله تعالى في الآية هو حسن النظر في المال٢٦، وأن يضع الأمور مواضعها.
واختلف هل من شرطه صلاح الدين أم لا ؟ :
قال من اعتبره٢٧ : الفاسق غير رشيد ولا مأمون لأن التبذير يتولد من غفلة الهوى. والهوى : منشأ الفسق، ولا يؤمن من الفاسق صرف المال في المحظور٢٨ المنكر وذلك تبذير وإن قل، فإنه٢٩ لا يكسب به محمدة٣٠ في الدنيا والآخرة والكثير في الطاعات٣١، ليس بتبذير على ما علم من أقوال السلف رضي الله تعالى عنهم.
وللمفسرين في تفسير الآية ألفاظ مختلفة :
فقال الحسن وقتادة٣٢ : الرشد الصلاح في العقل والدين. وقال ابن عباس والسدي والثوري ٣٣ : الصلاح في العقل وحفظ المال. وقال مجاهد العقل خاصة.
واختلف في الصبي الذي نظر فيه وصي يبلغ، فالمشهور في المذهب المعمول أنه لا يجوز له فعل، وإن كان رشيدا ما لم يطلق من وثاق٣٤ الحجر بخلاف حاله مع الأب، وهو الظاهر من الآية ؛ لأنه تعالى لم يأمر٣٥ بدفع أموالهم إليهم إلا إذا أونس منهم الرشد. ومعنى :﴿ آنستم ﴾ عرفتم، فوكل الإيناس إلى الأولياء، ولولا أنه لا يخرج من الحجر إلا بإطلاقهم لم يكن لجعله الإيناس فائدة. وقيل : إن حال الصبي مع الوصي كحاله مع الأب، فإن علم رشده بعد البلوغ فأفعاله جائزة، وليس للوصي أن يرد شيئا منها، وإن لم يشهد٣٦ على إطلاقه من الولاية، وإن علم سفهه فلا يخرج من الولاية، وإن جهل حاله فيختلف فيه كما يختلف في ذي الأب.
وقوله تعالى :﴿ حتى إذا بلغوا النكاح ﴾ :
وهو الحلم في الرجال بلا خلاف في ذلك، واختلف قول٣٧ مالك في الإناث ما البلوغ فيهن ؟ فمن أشهر أقواله أنه٣٨ أن يدخل بهن أزواجهن٣٩، وله في بعض كتبه أنه الحيض. قال فيه قوله تعالى :﴿ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ﴾، وقال : بلوغ النكاح الاحتلام والحيض، فساوى بين الذكور والإناث بأن يدفع إليها مالها إذا حاضت وأونس منها الرشد وإن لم تتزوج. وإذا عدم البلوغ فهل يعتبر الإنبات في الدلالة على البلوغ أم لا ؟ فيه قولان في المذهب، ويحتمل أن تتأول الآية على ذلك لأنه إذا٤٠ صحت دلالته على بلوغ النكاح فقد بلغ النكاح، ولا خلاف أن السن دليل على بلوغ النكاح، إلا أنه اختلف في حده، فقيل : خمس عشرة سنة، وهو قول ابن وهب. وقيل : سبع عشرة سنة، وقيل : ثماني٤١ عشرة سنة، والقولان أيضا في المذهب. قال عبد الوهاب : والصحيح أنه٤٢ لا حد في ذلك واستدل بقوله تعالى :﴿ وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ﴾ [ النور : ٥٩ ]، وقد استدل بعضهم بهذه الآية على أن الوصي على المحجورة إنما له النظر فيما يتعلق بالمال لا بالبدن، فإنما النظر فيه للمحجورة٤٣، ليس للوصي فيه نظر خلافا لمن يقول أن للوصي النظر في ذلك كله، وقال المستدل بالآية : لأن الله تعالى خص الأموال بالذكر دون الأبدان٤٤، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " البكر تستأمر في نفسها " ٤٥، وإنما معناه٤٦ : تستأمر في بدنها وإن كانت ذات الأب خارجة عن هذا الحديث بدليل آخر. وقوله تعالى :﴿ ولا تأكلوها إسرافا وبدارا ﴾، أي مبادرة٤٧، أي يكبروا٤٨ فيأخذوها منكم.
قوله تعالى :﴿ ومن كان غنيا فليستعفف ﴾ إلى قوله :﴿ للرجال نصيب ﴾ ٤٩ الآية :
اتفق أهل العلم جميعا على تحريم أكل مال اليتيم ظلما وإسرافا وعلى أن ذلك من الكبائر لقوله تعالى :﴿ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ﴾ [ النساء : ١٠ ]، وقوله :﴿ ولا تأكلوها إسرافا وبدارا ﴾، فإذا لم٥٠ يكن إسرافا وبدارا فإن ذلك يختلف بحسب حال الولي، فإن كان غنيا فقد اختلف فيه، فقيل : لا يأكل شيئا لقوله تعالى :﴿ ومن كان غنيا فليستعفف ﴾ فبعضهم يرى ذلك محظورا ويرى الأمر أمر وجوب. وبعضهم يراه مكروها ويرى الأمر أمر ندب، وقيل : مباح للغني أن يأكل منه بقدر قيامه عليه وخدمته فيه وانتفاع اليتيم به في حسن نظره إليه، فإن لم يكن له في ذلك خدمة ولا عمل سوى أن يفتقده٥١ ويشرف عليه لم يكن له أن يأكل منه إلا ما لا ثمن له ولا قدر لقيمته، مثل اللبن٥٢ في الموضع الذي لا ثمن٥٣ له فيه٥٤، ومثل الفاكهة في ثمر حائطه ولا يركب دوابه فيكون الأمر على هذا أمر إباحة، وإن كان الولي فقيرا فقد اختلف فيه أيضا، والاختلاف في ذلك يأتي على حسب اختلافهم في قوله تعالى :﴿ ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ﴾، وذلك أنهم اختلفوا فيه : هل هو منسوخ أم محكم ؟ والذين ذهبوا إلى أنه منسوخ اختلفوا في ناسخه : فذهب قوم إلى أنه منسوخ بقوله تعالى :﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم ﴾ [ البقرة : ١٨٨ ]، وإلى نحو هذا ذهب أبو يوسف صاحب أبي حنيفة٥٥، وروي عن ابن عباس أنه قال : نسخها ﴿ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ﴾ [ النساء ١٠ ] الآية، كذا ذكر بعضهم عن ابن عباس٥٦ وقال غيره عن ابن عباس : نسخ الله تعالى منها الظلم والاعتداء بقوله :﴿ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ﴾ الآية٥٧، والذين ذهبوا إلى أنه محكم اختلفوا في تأويله٥٨، فروي عن يحيى ابن سعيد، وربيعة بن أبي عبد الرحمان٥٩ أنها في اليتيم، إذا كان٦٠ اليتيم فقيرا أنفق عليه بقدر فقره. وإن كان غنيا أنفق عليه بقدر غناه. وروي عن ابن عباس أن المعنى : فليأكل ولي اليتيم بالمعروف من مال نفسه حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم، فعلى هذين التأويلين، وعلى قول بأن الآية منسوخة يأتي قول من لا يجيز لولي اليتيم أو٦١ الأمين أن يأخذ شيئا من مال إلى نظره، وإن كان محتاجا وهذا قول مجاهد، وذكره٦٢ جماعة عن أبي حنيفة. قال أبو الحسن : قد جوّز أبو حنيفة للوصي٦٣ أن يعمل في مال الصبي مضاربة فيأخذ منه مقدار ربحه. وإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يأكل ماله إذا عمل فيه فيأخذ أجر مثل، بل هو أولى، فإن أجر المثل معلوم من وضع الشرع ومقدار أجرة عمله مأخوذ٦٤ من العادة، وأما الربح فهو على قدر الشرط، وأي قدر شرطه الوصي٦٥ من الربح لنفسه فهو فيه متحكم. قال الحسن ابن صالح٦٦ : إن كان أبوهم أوصى بهم إليه فله أن يستقرض من مالهم وإن كان الحاكم٦٧ جعله وصيا لم يستقرض. وذهب قوم إلى أن الآية محكمة، وأنها تقتضي إباحة الأكل للفقير. واختلفوا في المباح من ذلك فقال بعضهم : يأكل على وجه القرض يرده إذا٦٨ أيسر، وهو قول لعمر ابن الخطاب روي عنه، وقول٦٩ جماعة من التابعين. ومعنى ﴿ بالمعروف ﴾ عندهم : قرضا، وقال أبو العالية : يأكل من الغلة، ومعنى قوله :﴿ بالمعروف ﴾ أي : من الغلة فأما من الناس٧٠ فلا يأكل قرضا كان٧١ أو غير قرض.
وقول جماعة٧٢ :﴿ فليأكل بالمعروف ﴾ ٧٣ يريد من نفس المال، أي قوته٧٤ ما سد جوعه وستر عورته إذا احتاج إليه وليس عليه رده، وهو قول الحسن وقتادة والنخعي، وذكره بعضهم عن أبي حنيفة وأصحابه. وقال بعض القائلين بهذا القول : معنى قوله :﴿ بالمعروف ﴾ يأكل من مال يتيمه بأطراف أصابعه ولا يكتسي منه.
وقال بعض أهل العراق : إذا سافر من أجل اليتيم فله أن يتقوّت شيئا من ماله في سفره، وتأوّل٧٥ الآية عليه.
وقيل : معناه : أن يأكل٧٦ من جميع المال، وإن أتى على المال ولا قضاء عليه، وروي عن ابن عباس أنه قال لرجل٧٧ سأله عن إبل يتيم في حجره : إن كنت تلتمس ضالتها وتهنأ جراباها٧٨ وتلوط حوضها وتسقي عليه فاشرب من لبنها غير مضر بنسل٧٩ ولا ناهك في الحلب، وعند المالكيين في معنى الآية أنه إذا كان وصي اليتيم٨٠ أو الأمين ٨١ محتاجا جاز أن يأكل من مال اليتيم٨٢ بقدر أجرة مثله. ويعضده ما تقدم من قول ابن عباس٨٣ : إن كنت تلتمس ضالتها... الخ، قوله٨٤ وقول عائشة٨٥ : رخص الله تعالى٨٦ لولي اليتيم أن يأكل بالمعروف ولأنه ناظر في مصلحة غيره أصله الإمام. وقد أجمعت الأمة أن الإمام لا يجب عليه غرم ما أكل منه بالمعروف٨٧ ؛ لأن الله تعالى٨٨ فرض سهمه في مال الله تعالى.
وقوله تعالى :﴿ فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ﴾ :
الأمر بالإشهاد أمر ندب عند أكثر العلماء، وبعضهم يراه أمر إيجاب.
والمعنى : إذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا على الدفع أي لا تدفعوه٨٩ إلا بشهود، وعن عمر٩٠ وغيره أن المعنى : فأشهدوا٩١ عليهم فيما استقرضتم منهم.
واختلف إذا بلغ اليتيم فطلب الوصي بماله :
ففي المذهب أنه٩٢ إذا زعم الوصي أنه دفعه٩٣ إليه لم يقبل منه إلا ببينة خلافا لأبي حنيفة في قوله : إن القول قوله مع يمينه ؛ لقوله تعالى :﴿ فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ﴾ فأمر الولي بالتوثق لنفسه والإشهاد٩٤ عند تسليم الأمانة التي في يده
١ "وغيرهما" ساقط في (هـ)..
٢ في (أ) و(ب): "أموالهم" في (د): "وتثمير أموالهم"..
٣ "هو" ساقطة في (أ) و(ب) و(د) و(هـ)..
٤ "قوم" سقطت في (هـ).
٥ ابن زرب هو محمد بن بقي بن زرب أبو بكر، من كبار القضاة، ولي القضاء بقرطبة سنة٣٦٧. وصنف "الخصال" في فقه المالكية، وكان مولده سنة ٣١٩ هـ / ٩٣١م، وتوفي بقرطبة سنة ٣٨١هـ / ٩٩١م، انظر: الأعلام، ج٧، ص ٣٦٠..
٦ في (د) و(هـ): "فإذا"..
٧ في (ب): "وقيل"..
٨ في (ج): سقطت (أن) وفي (د): "لو"..
٩ في (د): "علما"..
١٠ القاضي أبو محمد عبد الوهاب ابن علي الثعلبي البغدادي الفقيه المالكي، وهو من ذرية مالك بن طوق الثعلبي صاحب الرحبة، كان فقيها أدبيا شاعرا، ولد سنة ٣٦٢ هـ ببغداد وتوفي سنة ٤٢٢ هـ بمصر. له عدة تآليف، منها: الإشراف، وشرح المدونة، وسر الرسالة، والتلقين. انظر: وفيات الأعيان، ج١، ص ٣٠٤، ٣٠٥، وانظر أيضا: تاريخ بغداد للخطيب، وانظر: البداية والنهاية ج ١٢، ص ٣٢، المدارك: ج ٢، ص ١٥٩..
١١ في (أ) و(ج) و(د) و(هـ): "غيرهما"..
١٢ في (ب) و(ج): "فيمن"..
١٣ في (ج) و(د): "في حال المحجور"..
١٤ في (ج) و(د): "أن"..
١٥ "حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم" كله سقط في (هـ).
١٦ في (هـ): "فجعل الابتلاء في حال اليتيم" عوضا "قبل البلوغ"..
١٧ في غير (أ) و(ب) و(د) و(هـ): "الابتلاء"..
١٨ في (هـ): "قوله تعالى"..
١٩ في (ب): "من شيء"..
٢٠ في (ب): "الظاهر"..
٢١ كلمة "الولي" ساقطة في (ب)..
٢٢ في (د): في" يده"..
٢٣ "في المال": ساقط في (ب)..
٢٤ قوله: (وأجاز ذلك غيره.... الذي في يديه) ساقط في (د).
٢٥ في (هـ): "بغيره"..
٢٦ في (ج): "ماله"..
٢٧ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "اعتبر"..
٢٨ في (ج) و(د): "إلى المحظور"..
٢٩ كلمة "فإنه" ساقطة في (د) وفي (هـ): "فلا"..
٣٠ في (د): "همدة"..
٣١ في (ب) و(ج) و (هـ): "من الطاعات"..
٣٢ هو قتادة بن دعامة بن عرنين بن عمرو ابن ربيعة الدسوسي البصري أحد علماء التابعين توفي سنة ١١٧هـ / م٧٣٥. انظر: طبقات المفسرين: ج٢، ص ٤٣ – ٤٤، وفيات الأعيان: ج ٤، ص ٨٥، هدية العارفين ج١، ص ٨٣٤..
٣٣ هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب... بن معد بن عدنان الثوري الكوفي، كان إماما في علم الحديث وغيره من العلوم، وهو أحد أئمة المجتهدين، ولد سنة ٩٥ هـ على خلاف في ذلك، وتوفي بالبصرة سنة ١٦١ هـ، وهو بفتح الثاء المثلثة وبعدها واو ساكنة، انظر: وفيات الأعيان: ج ١، ص ٢١٠..
٣٤. في (ب) و(ج): "ثقات"، وفي غير (هـ) و(ب) و(ج): "تقاف"..
٣٥ في (ج): "لأن الله تعالى يأمر"..
٣٦ في غير (د) و(هـ): "وإن لم يشهده"..
٣٧ كلمة "قول" ساقطة في (هـ)..
٣٨ كلمة "أنه" ساقطة في (د)..
٣٩ في (ب) و(د) و(هـ): "يدخل بأزواجهن"..
٤٠ في (د): "وإن"..
٤١ في (أ): "ثمانية": والصواب ما أثبتناه..
٤٢ في غير (ه): "أن". .
٤٣ في (ج): "لأن ما يتعلق بالبدن فإنما النظر فيه للمحجورة" وفي (هـ) و(د): "ولأن ما يتعلق بالبدن فإنما النظر فيه للمحجورة"..
٤٤ كلمة "الأبدان" ساقطة في (ج)..
٤٥ انظر: صحيح البخاري: كتاب الإكراه، باب٣، ص٥٦، كتاب الحيل، باب ١١، ص ٦٢ –، ٦٣ وسنن أبي داود: كتاب النكاح، باب ٢٤، ص ٥٧٣ – ٥٧٤، وسنن الترمذي: كتاب النكاح، باب ١٨، ص ٤١٥ – ٤١٦..
٤٦ في (هـ) معناه: "أنها"..
٤٧ كلمة "مبادرة" ساقطة في (ب) و(ج) و(د)..
٤٨ في (ب) و(ج) و(ه): "أن يكبروا".
٤٩ كلمة "إلى قوله للرجال نصيب"ساقطة في (ج) و(هـ)..
٥٠ في (ب) و(ج) و(د): "فما لم" وفي (هـ): "فأما ما لم"..
٥١ لعله: يتفقده..
٥٢ في (هـ): "التبن"..
٥٣ في (د) ساقط: "لا ثمن" وأما في (هـ): "لا قدر"..
٥٤ سقطت في (هـ) "فيه"..
٥٥ هو أبو يوسف بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، من أهل الكوفة وهو صاحب أبي حنيفة رضي الله عنه وكان فقيها عالما حافظا، وهو أول من دعى قاضي القضاة ولد سنة ١١٣ هـ وتوفي سنة ١٨٢هـ ببغداد، وولي القضاء سنة١٦٦. انظر: وفيات الأعيان ج ٢، ص ٣٠٢ – ٣٠٧..
٥٦ "كذا ذكر بعضهم عن ابن عباس" ساقط في (د)..
٥٧ "كذا ذكر بعضهم عن ابن عباس، وقال غيره: عن ابن عباس، نسخ الله تعالى منها الظلم والاعتداء بقوله: ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما﴾ كله ساقط في (ب)..
٥٨ في (ب) و(ج) و(هـ) و(د): "أنها محكمة" اختلفوا في تأويلها..
٥٩ في (د) و(هـ): "ربيعة ابن عبد الرحيم" هو أبو عثمان ابن عبد الرحمان فروخ المعروف بربيعة الرأي، فقيه أهل المدينة أدرك جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم توفي سنة ١٣٦هـ، بالهاشمية بأرض الأنبار. انظر: وفيات الأعيان، ج١، ص ١٨٣..
٦٠ في (ج): "أي إن كان".
٦١ في (هـ): "ولا الآمين".
٦٢ في (أ): "وذكر الجماعة"، وفي (د): "وقد ذكر جماعة"، وفي (د): "وقد ذكره".
٦٣ في (ب): "للموصي"..
٦٤ "مأخوذ" ساقط في (هـ).
٦٥ "الوصي" ساقط في (ب) و (د)..
٦٦ هو أبو عبد الله الحسن بن صالح بن يحيى الهمداني الكوفي، فقيه ومحدث توفي سنة ١٥٤هـ / ٧٧١م، وقيل سنة ١٦٧هـ / ٧٨٤م. انظر: تذكرة الحفاظ: ج١، ص ١٩٥ – ١٩٦، وطبقة الفقهاء: ص ٨٥..
٦٧ في (ج):"الحكم"..
٦٨ "إذا" ساقطة في (ب)..
٦٩ في (ج) و(د): "وقال جماعة من التابعين"..
٧٠ في (د): "فأما من رأس المال" وأما في (هـ): "فأما من الغلة فلا يأكل"..
٧١ "كان" ساقط في (د)..
٧٢ في (د):"معنى فليأكل"..
٧٣ "بالمعروف"ساقط في (ج)..
٧٤ في (د): "من قوته"..
٧٥ في (ب) و(ج) و(د): "تأويل"..
٧٦ في (ب): "إلا أن يأكل"..
٧٧ في (د) و(هـ): "عن رجل"..
٧٨ في (ب) و(ج) و(د): "جريانها" وفي (هـ): "جريانها"..
٧٩ في (د): "سنبل" وفي (هـ): "بنسلها"..
٨٠ في (هـ) في معنى الآية:"أن وصي اليتيم إذا كان"..
٨١ كلمة "أو الأمين" ساقطة في (هـ)..
٨٢ كلمة "من مال اليتيم" ساقطة في (ب)..
٨٣ في (ج) و(د): "ما تقدم عن ابن عباس"..
٨٤ كلمة "ثولة" ساقطة في (د).
٨٥ في (د) و(هـ): "عائشة رضي الله عنها"..
٨٦ "تعالى" كلمة سقطت في (د) وكذلك: "الله تعالى" في (هـ)..
٨٧ قوله: "ولأنه ناظر في مصلحة غيره أصله الإمام، وقد أجمعت الأمة أن الإمام لا يجب عليه غرم ما أكل منه بالمعروف" كله ساقط في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٨٨ "تعالى" كلمة سقطت في (د)..
٨٩ في (هـ):"لا تدفعوا"..
٩٠ في (هـ): "عمر رضي الله عنه"..
٩١ من قوله: "على الدفع أي لا تدفعوه إلا بشهود..."إلى قوله: "فاشهدوا" ساقط في (ب) و(هـ) و(د)..
٩٢ في (هـ):"إن الوصي إذا عم أنه"..
٩٣ في (د): "قد دفعه"..
٩٤ في (هـ): "بالإشهاد"..
٧- قوله تعالى :﴿ للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ﴾ ١ إلى قوله :﴿ وإذا حضر القسمة ﴾ ٢ الآية :
قال ابن جريج٣ وقتادة وغيرهما : سبب نزولها أنهم كانوا في الجاهلية يورثون الذكور دون٤ الإناث، فالآية ناسخة لما كانوا عليه في الجاهلية، وقولهم : ناسخة ليس على حقيقة النسخ. وهذه الآية مجملة في بيان القدر الذي للرجال والنساء غير أنه قد٥ يحتج بعمومها من يورث ذوي الأرحام، ومن يرى الحجب في بعض الأحوال مثل حجب الإخوة بالجد٦ عند قوم، وهذا في الاحتجاج به مثل قوله تعالى :﴿ خذ من أموالهم صدقة ﴾ [ التوبة : ١٠٣ ].
وقوله تعالى :﴿ مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ﴾، يعني : مما قل من المتروك. واختلف في الأخوات هل يكن عاصبات مع البنات أم لا ؟ فذهب الأكثر إلى أنهن عصبة معهن فيرثن. وقال ابن عباس : لا يرثن أصلا مع البنات، وهو قول داود. ودليل الأكثر قوله تعالى :﴿ وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ﴾ فعم.
واختلف في النساء هل يرثن من٧ الولاء شيئا أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى أنهن لا ولاء لهن إلا ولاء من أعتقن أو عتق من أعتقن٨ أو ولد من أعتقن٩ خاصة، ولا يرثن من الولاء شيئا عن غيرهم في من يعتقن.
وذهب طاووس١٠ ومسروق١١ إلى أنهن يرثن من الولاء كما يرثن١٢ من المال، واحتج بقوله تعالى :﴿ وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ﴾، وهذا شذوذ، واختلف في قسمة الدار الواحدة/، والأرض بين النفر ونحو ذلك مما إذا قسم كان في قسمته عدم منفعة به أو ضرر، فقال مالك : إنه يقسم بينهم إذا دعا إلى ذلك أحدهم وإن لم يصر في نصيب كل واحد منهم إلا قدر قدم وما لا منفعة له فيه، ولم يتابعه على ذلك أحد١٣ من أصحابه إلا ابن كنانة. وقال ابن الماجشون : لا يقسم إلا أن يصير في حظ كل واحد منهم ما ينتفع به في وجه من وجوه المنافع، وإن قل نصيب أحدهم حتى كان لا يصير له بالقسمة إلا ما لا منفعة له فيه١٤ بوجه١٥ من الوجوه فلا قسم. وقال ابن القاسم : لا يقسم إلا أن ينقسم من غير ضرر ويصير١٦ لكل واحد منهم في حظه موضع ينفرد به وينتفع بسكناه. وقال مطرف١٧ : إن لم يصر في حظ أحدهم ما ينتفع به لم يقسم، وإن صار في حظ واحد منهم ما ينتفع به دعا إلى ذلك صاحب النصيب القليل الذي لا يصير له فيه ما ينتفع به أو صاحب النصيب الكثير. وقد قيل : إنها لا تقسم إلا أن يدعو إلى ذلك صاحب النصيب الكثير، وحجة مالك١٨ فيما ذكره الرواة عنه قوله تعالى :﴿ مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ﴾ فتأول الآية على ذلك وهو قول أبي حنيفة، وحجة ابن القاسم أيضا١٩ فيما٢٠ ذكره الرواة عنه أيضا٢١ هو قوله عليه الصلاة والسلام٢٢ : " لا ضرر ولا ضرار " ٢٣ وقال ابن القاسم : وجميع من خالف في ذلك مالكا إنما معنى الآية أن لهم حقهم فيه ثم٢٤ قسمته على السنة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار " ومن أعظم الضرر أن يقسم بينهم مالا ينتفعون به ولكن يباع فيقتسمون ثمنه.
١ "مما ترك الوالدان الأقربون" ساقط في (ج)..
٢ إلى قوله: ﴿إذا حضر القسمة﴾ ساقطة في (هـ)..
٣ في (د):"ابن جريج"، وهو أبو خالد وأبو عبد الملك ابن عبد العزيز ابن جريج القرشي، توفي سنة ١٤٩ هـ، وقيل: سنة ١٥٠هـ / ٧٦٧ م، وقيل منه: ١٥١ هـ / ٧٦٨م، انظر: طبقات المفسرين: ج١، تذكرة الحفاظ: ج ٢، ص ١٦٩ – ١٧١، طبقات الفقهاء: ص ٧١، وفيات الأعيان: ج١، ص ٢٨٦..
٤ "دون" ساقط في (ج)..
٥ "قد" ساقط في (ب) و(د)..
٦ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "حجب الإخوة الجد"..
٧ في (ج): "مع"..
٨ في (ب) و(هـ): "أو أعتق من أعتقن"..
٩ "أو عتق من أعتقن أو وولد من أعتقن" ساقط في (ج)..
١٠ هو أبو عبد الرحمان طاووس ابن كيسان الخولاني الهمذاني اليماني من أبناء الفرس، أحد أعلام التابعين، توفي حاجا بمكة قبل التروية بيوم وصلى عليه هشام ابن عبد الملك، وذلك سنة ١٠٦ هـ، وقيل: سنة ١٠٤ هـ رضي الله عنه. انظر: وفيات الأعيان ج ١، ص ٢٣٣.
١١ هو أبو عائشة مسروق ابن الأجدع ابن مالك ابن أمية ابن عبد الله ابن مر ابن سلمان الهمذاني الكوفي عالم وفقيه، توفي سنة ٦٢هـ /٦٨٢ م، وقيل سنة ٦٣ هـ / ٦٨٣م، انظر: تهذيب التهذيب ج ١٠، ص ١٠٩ – ١١١، وتذكرة الحفاظ: ج ١، ص ٤٢ – ٤٣،.
١٢ كلمة "يرثن من الولاء كما يرثن" ساقطة في (هـ)..
١٣ كلمة "أحد" ساقطة في (د)..
١٤ "فيه" ساقطة في (ب)..
١٥ في (ج) و(د): "من وجه"..
١٦ في (هـ): "فيصير"..
١٧ هو مطرف ابن عبد الله ابن مطرف الهلالي الفقيه صاحب مالك وراوي الموطأ عنه، توفي ٢٢٠ هـ. كما في ترتيب المدارك لعياض (٣/١٣٣ - ١٣٥)، والديباج المذهب لابن فرحون (٢/٣٤٠)..
١٨ في (د) و(هـ): "مالك رحمه الله"..
١٩ من قوله تعالى:﴿مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا﴾ فتناول الآية... إلى قوله: "وحجة ابن القاسم" ساقط في (ب)..
٢٠ في غير (هـ): "ما"..
٢١ "أيضا" ساقطة في (هـ)..
٢٢ في (د) و(هـ) "عليه السلام"..
٢٣ انظر سنن ابن ماجه: كتاب الأحكام، باب١٧، ص ٧٨٤، و الموطأ: كتاب الأقضية، باب ٢٦، ص ٧٤٥..
٢٤ في (ب) و(ج) و(د): "لمن"..
٨ - قوله تعالى :﴿ وإذا حضر القسمة ﴾ الآية إلى قوله :﴿ يوصيكم الله ﴾ ١ :
اختلف في قوله٢ :﴿ وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ﴾ الآية، هل هي منسوخة أم٣ محكمة ؟ والذين ذهبوا إلى أنها٤ منسوخة اختلفوا في الناسخ٥. فقال ابن عباس : ناسخها ﴿ يوصيكم الله ﴾ الآيات٦. وقال ابن المسيب : ناسخها الميراث والوصية. وذكر بعضهم عن ابن عباس أن الآية من وصية الميت لهؤلاء وهي منسوخة بالميراث٧.
والذين قالوا٨ : إنها محكمة اختلفوا في تأويلها، فقال سعيد ابن جبير٩ والحسن وغيرهما : هي على الندب. وقال مجاهد : هو شيء واجب ما طابت١٠ به أنفس الورثة عند القسمة، وهذا القول راجع إلى الرضخ لهم. وروي عن ابن عباس : أنها في قسمة المواريث في رضخه لهم، فإن كان المال عقارا أو فيه تقصير لا يقبل الرضخ اعتذر إليهم، فهو قوله تعالى :﴿ وقولوا لهم قولا معروفا ﴾ ادعوا لهم بخير والضمير في :﴿ فارزقوهم ﴾ لأولي القربى. وفي :﴿ وقولوا لهم قولا معروفا ﴾ ١١ لليتامى والمساكين، قاله ابن عباس بخلاف عنه، وابن المسيب، وابن زيد١٢. وقيل : الضميران لأولي القربى واليتامى والمساكين. وقيل المعنى : ارضخوا لهم [............ ] ١٣.
[.............. ] ١٤أولى ما حملت إليه.
١ قوله:﴿وإذا حضر القسمة أولوا القربى﴾ الآية إلى قوله:﴿يوصيكم الله﴾ساقط في (هـ)..
٢ في (هـ): "اختلف فيها"..
٣ في (د) و(هـ): "أو"..
٤ في (هـ) سقطت كلمة "أنها"..
٥ في (هـ) ناسخها.
٦ في (ج) و(د): "لآية"..
٧ في (هـ): "بآيات الميراث"..
٨ في (هـ): "والقائلون"..
٩ هو أبو عبد الله، وقيل:: أبو محمد سعيد ابن جبير ابن هشام الأسدي، كوفي، وأحد أعلام التابعين، قتله الحجاج بن يوسف سنة ٩٥ هـ، بواسط. انظر: وفيات الأعيان: ج١، ص٢٠٣ – ٢٠٦..
١٠ في (ب) و(د): "إن طابت"..
١١ قوله: "ادعوا لهم بخير... قولا معروفا" كله ساقط في (ج)..
١٢ في (ب) و(ج): "ابن أبي زيد".
١٣ بياض في المخطوطة..
١٤ بياض في المخطوطة..
١١ قوله تعالى :﴿ يوصيكم الله في أولادكم ﴾ الآية :
اختلف في سبب هذه الآية قيل١ : نزلت الآية٢ بسبب سعد ابن الربيع قتل يوم أحد وترك ابنتين وزوجا وأبا فأخذ أبوه جميع المال، فنزلت الآية٣ وقيل : نزلت في ورثة ثابت ابن قيس بن شماس. وقيل : مرض جابر فعاده النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قال جابر : فأتاني٤ وقد أغمي علي فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم فصب علي وضوءه فأفقت٥ فقلت : يا رسول الله كيف أوصي في مالي ؟ فلم يجبني بشيء، حتى نزلت :﴿ يوصيكم الله ﴾ الآية، فجعل الله تعالى مال الميت٦ بين جميع ولده ﴿ للذكر مثل حظ الأنثيين ﴾، إذا لم يكن معهم٧ أحد من أهل الفرائض، ولو كان معهم من له فرض معلوم لأخذ فرضه قبل ثم ما فضل٨ اقتسمه الأولاد القسمة المذكورة.
وقيل : إن الناس في الجاهلية كانوا لا يورثون الصغار ولا الإناث، إنما كانوا يورثون من يقاتل ويذب عن الحريم٩ وقد ورد في بعض الآثار أن ذلك كان في صدر الإسلام أيضا إلى أن نسخته هذه الآية. وهذا الذي ذكر١٠ هذا القائل لم يثبت عندنا اشتمال الشريعة عليه، بل ثبت خلافه من قصة سعد ابن الربيع حين جاءت امرأته بابنتيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم١١، فقالت : يا رسول الله هاتان ابنتا سعد قتل أبوهما معك يوم أحد وقد استوفى عمهما مالهما، وأن المرأة لا تنكح إلا ولها مال، فنزلت الآية فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم المال، ولو كان١٢ ثابتا هذا الحكم قبل في شرعنا لما استرجعه١٣.
وقوله تعالى١٤ :﴿ في أولادكم ﴾ أجمع العلماء على أن المراد بالأولاد هنا من ينسب إليه من أولاده دون من لا١٥ ينسب إليه منهم، والذين ينتسبون إليه١٦ هم أولاده ذكورهم وإناثهم، ثم أولاد أولاده الذكور١٧ وذكورهم١٨ أيضا وإناثهم، فأما أولاد بناته ذكورا كانوا أو إناثا فلا ينتسبون إليه، إنما يقع عليهم اسم الولد من جهة اللغة لا من جهة الشرع. فأما الأولاد١٩ ذكورهم وإناثهم وأولاد أولاد الذكور ذكورهم / وإناثهم فهم الولد٢٠ من جهة اللغة والشرع، وهم الذين ثبت لهم أحكام الشرع في النسب والميراث، وعول الشيخ أبو الحسن على أن لفظ الأولاد والولد حقيقة في أولاد الصلب مجاز في ولد ولد، قال : فإذا حلف أن لا ولد له وله ولد ولد لم يحنث، قال : ولا خلاف أن ولد الولد على حكم الولد في أن للذكر مثل حظ الأنثيين قال : لكن ليس ذلك كحكم ظاهر لفظ قوله تعالى :﴿ يوصيكم الله في أولادكم ﴾ فإن مطلق لفظ الأولاد لا يتناول أولاد الأولاد، وإنما أخذ ذلك عن طريق الإجماع.
وقد اختلفوا في الرجل يحبس على ولده وأولاده٢١ ولم يزد على ذلك فقال الجمهور : الحبس على أولاده وبنيه٢٢ الذكور والإناث وعلى أولاد بنيه الذكور دون الإناث.
وقال بعضهم : لا يدخل في ذلك إلا ولد المحبس لصلبه خاصة.
وقال بعضهم : تخريجا عن المذهب : لا يدخل فيه إلا ذكور ولده لصلبه خاصة.
وقد اتفق جميع من ذكرنا على أنه لا يدخل في ذلك أولاد البنات، وهو قول مالك وجميع أصحابه المتقدمين. واحتجوا لذلك بالإجماع على أن ولد البنات لا ميراث لهم مع قوله٢٣ :﴿ يوصيكم الله في أولادكم ﴾.
وذهب جماعة إلى أن ولد البنات من الأولاد والأعقاب، وأنهم يدخلون في الحبس بقول المحبس : حبست على ولدي وعلى عقبي، وقال ذلك ابن عبد البر٢٤ واحتجوا بقوله تعالى :﴿ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم ﴾ قالوا : فلما حرم الله تعالى٢٥ بذلك البنات٢٦ حرمت٢٧ بذلك بنت البنت٢٨ بإجماع على أنها بنت فوجب أن تدخل في حبس أبيها إذا حبس على ولده أو٢٩ عقبه، واحتجوا أيضا٣٠ بحديث النبي صلى الله عليه وسلم٣١ في الحسن رضي الله تعالى عنه٣٢ : " ابني هذا سيد " ٣٣ فسماه ابنا. وفي الكلام على هذه المسألة طول، فمن أراد الوقوف عليها٣٤ فعليه بمظانها، واختلفوا٣٥ في بنات الابن هل يرثن مع٣٦ ابن الابن إذا كان معهن في قعود٣٧ واحد أو تحتهن، فذهب الأكثر إلى توريثهن معه، وذهب بعضهم إلى أنهن لا يرثن معه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " فما٣٨ بقي فللأولى رجل ذكر٣٩ ". وحجة القول الأول قوله تعالى :﴿ يوصيكم الله في أولادكم ﴾ الآية، لأن ولد الأولاد أولاد٤٠ سواء اتفقوا في القعود٤١ أو اختلفوا إلا ما أجمعوا عليه من أن الأعلى من ولد الولد يحجب من تحته منهم.
وقوله تعالى :﴿ فإن كن نساء فوق اثنتين ﴾ ٤٢ :
فرض الله٤٣ تعالى للبنت الواحدة النصف، وفرض لما فوق الاثنتين من البنات الثلثين. ولم يذكر تعالى الاثنتين فاختلف في فرضهما، فألحقهما ابن عباس بالبنت الواحدة التي بين تعالى فرضها فرأى للبنتين النصف وألحقهما غيره بما فوق الاثنتين اللاتي بين الله تعالى فرضهن٤٤، فرأوا لهما الثلثين واختلف القائلون لهذا٤٥ : هل هذا الفرض للبنتين بالسنة أم٤٦ بالقرآن أو بالقياس ؟ فقال بعضهم : ذلك بالسنة، وقال الأكثرون : بالقرآن، واختلفوا في وجه ذلك، فقال قوم : لما كان للبنت الواحدة مع الذكر الواحد الثلث كان الثلث لها مع الأنثى أوكد، والله تعالى قد جعل للذكر مثل حظ الأنثيين، فإذا اجتمع ذكر وأنثى فللذكر الثلثان وللأنثى الثلث، فاحتيج٤٧ بذلك إلى ذكر ما فوق الاثنتين، ولم يحتج إلى ذكر الاثنتين.
وقال بعضهم : المعنى : فإن كن نساء اثنتين فما فوقهما٤٨ واستدل بقوله تعالى :﴿ فاضربوا فوق الأعناق ﴾ [ الأنفال : ١٢ ]، وإنما تضرب الأعناق. وقال قوم ذلك٤٩ بالقياس واختلفوا في الأصل المقيس عليه، فجعل بعضهم الأصل في ذلك الإخوة للأم، وقال : إن حكم الاثنتين منهم فما فوقهما سواء، فكذلك البنات حكم البنتين منهن٥٠، وحكم ما فوقهما سواء٥١.
وجعل بعضهم الأصل في ذلك الأخوات، فقالوا : الأخت الواحدة لها النصف كالبنت الواحدة. وميراث الأختين الثلثان، قالوا : فكذلك يحمل حكم البنتين على حكم الأختين، كما كان حكم الواحدة٥٢.
قوله تعالى :﴿ وإن كانت واحدة فلها النصف ﴾ :
يريد : إن كانت الوارثة واحدة بنتا فلها النصف لا غير، وإن كان فضل ولم يكن وارث غيرها كان٥٣ لبيت المال.
وقد اختلف٥٤ فيما يفضل عنها عن سائر أهل الفرائض ما عدا الزوج والزوجة، هل يرد عليه ماله أم يكون لبيت مال المسلمين٥٥ ؟ فإن لم يكن بيت مال للمسلمين فللفقراء٥٦، فذهب٥٧ مالك وأكثر العلماء إلى أنه٥٨ لا يرد شيء على ذوي السهام، وأن الفاضل من المال يكون لبيت المال والفقراء. وذهب علي ابن أبي طالب٥٩ رضي الله تعالى عنه إلى أنه يرد عليهم ما فضل عن٦٠ سهامهم إلا الزوج والزوجة فلا يرد عليهما٦١. وذهب ابن مسعود إلى الرد، إلا أنه يرد على ستة : الزوج والزوجة٦٢، والأخت للأم مع الأم، والأخت للأب مع الأخت الشقيقة وبنت الابن مع البنت والجدة مع ذي سهم غير الزوجين. ودليلنا على من يقول بالرد قوله تعالى :﴿ وإن كانت واحدة فلها النصف ﴾ وقال في الأخت :﴿ فلها نصف ما ترك ﴾ [ النساء : ١٧٦ ]، فلم تجز الزيادة على ما نص عليه.
قوله تعالى :﴿ ولأبويه لكل واحد منهما السدس ﴾ :
يريد أن٦٣ لكل واحد من أبوي الميت السدس إن كان للميت ولد ذكرا كان أو أنثى واحدا أو جماعة، فإن قيل : فيجب أن لا يزاد الوالد على السدس مع البنت الواحدة وهذا بخلاف الإجماع، قيل : ما زاد الأب على السدس في تلك الفريضة إنما أخذه بالتعصيب لا بالفرض، وحكم ما أبقت الفرائض أن يكون لأولي عصبة الميت وأقربهم إليه، فكان٦٤ الأب ذلك.
قوله تعالى :﴿ فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ﴾ : يريد أنه إن لم يكن للميت إلا أبوان أخذت الأم٦٥ الثلث وأخذ الأب٦٦ ما بقي.
ولم ينص في الآية على نصيب الأب، ولكنه لما أثبت الميراث لهما أولا بقوله :﴿ وورثه أبواه ﴾ اقتضى ظاهر اللفظ المساواة لو اقتصر على قوله :﴿ وورثه أبواه ﴾ دون تفصيل نصيب الأم، فلما ذكر نصيب الأم٦٧ دل على أن للأب الثلثين وهو الباقي بحكم العصوبة٦٨. وعلى هذا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما٦٩ : في زوج وأبوين أو زوجة٧٠ وأبوين : للأم الثلث كاملا فيكون ميراثا٧١ زائدا على ميراث الأب، وهو أحد الروايتين عن علي٧٢ خلافا لجمهور أهل العلم في قولهم : إن للأم فيها ثلث ما بقي بعد نصيب الزوجين خلافا لابن سيرين في تفرقته بين المرأة والأبوين والزوج والأبوين، فإنه يقول في المرأة والأبوين بقول ابن عباس، وفي الزوج والأبوين لقول الجمهور لئلا يقع تفضيل الأم على الأب، ونظر ابن عباس جليّ جدا٧٣ ومخالفة الجمهور لذلك النظر لا يكون إلا عن توقيف إلا أن التوقيف لم يذكر، فالمسألة مشكلة ووجه مذهب الجمهور أنه إذا وجب أن يبدأ بالزوجين جعل ما بقي كأنه جملة المال لتأخذ الأم ثلثه والأب ثلثيه.
قوله تعالى٧٤ :﴿ فإن كان له إخوة فلأمه السدس ﴾ :
يريد إن كان للميت إخوة فيكون للأم من الأبوين السدس خاصة فيحجبها الإخوة عن الثلث٧٥ الواحد الذي زيد في فرضها مع عدم الولد للإخوة ما بقي إن لم يكن معهم أب٧٦، وإن كان معهم أب فللأب٧٧ ما بقي بعد السدس ولا يكون للأخوة شيء ؛ لأن الأب يحجبهم، فهم يحجبون الأم عن السدس٧٨ الواحد٧٩، والأب يحجبهم.
ولا يوجد٨٠ في جميع الفرائض على مذهب زيد ابن ثابت رضي الله تعالى عنه٨١ مسألة يحجب فيها من لا يرث غير هذه٨٢.
وعن ابن عباس في هذا رواية شاذة، وهو٨٣ أن السدس تحجب عنه الأم يكون لمن يحجبها، وهم الإخوة وإن كان معهم أب، ويكون للأب الثلثان وهذا خلاف ظاهر الآية. وصار بعض الناس إلى أن الأخوات لا يحجبن الأم من الثلث إلى السدس، لأن كتاب الله تعالى٨٤ في الإخوة ومقتضى قولهم : إن لفظ الإخوة لا يتناول الأخوات كما أن لفظ البنين على قول لا يتناول البنات، وأيضا فليست٨٥ قوة ميراث الأخوات مثل قوة ميراث الذكور حتى يلحقن بهم، وقال : وقوله تعالى٨٦ :﴿ إخوة ﴾ وفعلة من أبنية الجمع القليل، فعلمنا بذلك أن الأخ الواحد والأخت الواحدة لا يرثان٨٧ شيئا من ذلك٨٨ وأن وجودهما وعدمهما في هذه الفريضة سواء : وعلمنا أيضا أن الثلاثة من الإخوة ذكورا كانوا أو إناثا أو ذكورا وإناثا٨٩، يؤثرون٩٠ في الفريضة المذكورة وتكون بهم٩١ على ما ذكرنا، إذ لم يختلف أحد أن٩٢ الثلاثة من الجمع القليل. وأما الاثنان ذكرين كانا أو أنثيين أو ذكرا وأنثى٩٣ فاختلف العلماء هل يدخلان تحت قوله تعالى :﴿ إخوة ﴾ فيكونان كالثلاثة ﴿ الذين ﴾ لم يختلف أن لفظ الإخوة واقع عليهم أو لا يدخلان فيكونان كالواحدة٩٤ أو الواحد٩٥ ؛ إذ لم يختلف أنه لا مدخل لهما٩٦ في ذلك اللفظ.
فقال مالك : مضت السنة أن الإخوة اثنان فصاعدا واحتج لقوله٩٧ بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الاثنان فما فوقهما جماعة " ٩٨، وبما جاء للجمهور في هذه الآية. وقال ابن عباس : الإخوة الذين عنى الله تعالى٩٩ بقوله :﴿ فإن كان له إخوة ﴾ ثلاثة فصاعدا، و أنكر أن تحجب الأم عن الثلث مع الأب بأقل من ثلاثة إخوة. وعلى هذا القول يكون الثلاثة أقل الجمع، ولا تكون التثنية في شيء من الجمع، وهاهنا مسألة تظهر بها١٠٠ حجة الجمهور على ابن عباس١٠١ رضي الله تعالى عنهما١٠٢ وهي إذا كان في الفريضة زوج وأم وأخ وأخت لأم فلا خل
١ في (د):"فقيل"..
٢ "الآية" ساقطة في (هـ)..
٣ "الآية" ساقطة في (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٤ في (د): "فأتياني"..
٥ في (هـ): "ففقت"..
٦ في (ب): "مال اليتيم الميت"..
٧ في (ج): "بعضهم"..
٨ في غير (ج) و(د) و(هـ): "فضله"..
٩ في (ج):"على الحريم"..
١٠ في (د) و(هـ): "ذكره"..
١١ في (ج): "للنبي"..
١٢ في (ج): "لو كانت"..
١٣ في (ج): "لاسترجعه" في (هـ): "لما استرجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم"..
١٤ "تعالى" ساقطة في (هـ)..
١٥ "لا" ساقطة في (ب) و(ج) و(د)..
١٦ "إليه" ساقطة في (د)..
١٧ "الذكور" ساقطة في (د)..
١٨ "ذكورهم" ساقطة في (ب) و(ج) و(هـ)..
١٩ في (ج): "فأما الأولاد"..
٢٠ قوله: "من جهة اللغة لا من جهة الشرع، فأما الأولاد ذكورهم وإناثهم وأولاد أولاد الذكور ذكورهم وإناثهم فهم الولد" ساقط في (ب)..
٢١ في (د): "وأولاده أولاده"..
٢٢ في (د): "الحبس على الأولاد بنيه"..
٢٣ في (د): "قوله تعالى"..
٢٤ هو أبو عمر يوسف ابن عبد الله ابن عبد البر الأندلسي، توفي بمدينة شاطبة من شرق الأندلس، سنة ٣٦٣ هـ / ١٠٧١م، انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي، ج٣، ص ٢٤، وانظر: أيضا وفيات الأعيان: ج١، ص ٣٤٨ – ٣٥٠..
٢٥ كلمة "تعالى" سقطت في (د)..
٢٦ في (هـ): "البنت"..
٢٧ "حرمت" ساقطة في (ب)..
٢٨ في (هـ) و(ج) و(د): "بنت الابن"..
٢٩ في (د): "واو"..
٣٠ سقطت "أيضا" في (د)..
٣١ في (هـ): "بقوله"..
٣٢ "في الحسن رضي الله تعالى عنه" كله ساقط في (أ)..
٣٣ انظر: صحيح البخاري: كتاب الصلح، باب ٩، ص ١٦٩، وسنن أبي داود، كتاب السنة، باب١٢، ص٤٨ – ٤٩..
٣٤ في (د): "عليه"..
٣٥ في (ج) و(د) و(هـ): "واختلف"..
٣٦ "مع" ساقطة في (ب) و(ج) و(د)..
٣٧ في غير (ب) و(ج): "قعدد"..
٣٨ في (د): "فيمن"..
٣٩ انظر: صحيح البخاري: كتاب الفرائض، باب٥، ص ١٠ – ١١..
٤٠ في (ج) و(د): "لأن ولد أولاد الأولاد"..
٤١ في (ب):"في القعود" في (ج): "في القعود" في (د): "في العدد" وأما في (هـ): "في القعد"..
٤٢ في (هـ) "الآية"..
٤٣ سقطت كلمة "الله" في (ج) و(د)..
٤٤ في (هـ) و(د): "فرضهما"..
٤٥ في (هـ): "بهذا"..
٤٦ في (أ) و(د) و(هـ): "أو"..
٤٧ في (د): "فاحتاج"..
٤٨ في (هـ): "فإن كن نساء فوق اثنتين فما..."..
٤٩ "ذلك" سقطت في (د) و(هـ)..
٥٠ في (أ) و(د): "منهما" وفي (هـ): "منهم"..
٥١ قوله: "فكذلك البنات حكم البنتين منهن وحكم ما فوقهما سواء" ساقط في (ب)..
٥٢ "حكم الواحدة" ساقط في (ب) و(د)..
٥٣ "كان" سقطت في (د)..
٥٤ "اختلف" سقطت في (هـ)..
٥٥ في (ج) و(د): "لبيت المال"..
٥٦ في (هـ) و(ج) و(د): "فإلى الفقراء"..
٥٧ في (أ): "وذهب"..
٥٨ في (د): "إنها"..
٥٩ "ابن أبي طالب" سقطت في (د) و(هـ). هو علي ابن أبي طالب ابن عبد المطلب ابن هاشم ابن عبد مناف القرشي الهاشمي. ولد قبل البعثة بعشرين سنة على الصحيح. فربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك، ولد سنة ٢٣ ق. هـ / ٦٠٠م، وتوفي سنة ٤٠ هـ ما يوافق ٦٦١ م، انظر: الأعلام، ج٥، ص ١٠٧ – ١٠٨، والإصابة، ج٢، ص ٥٠٧..
٦٠ في (د): "من"..
٦١ "فلا يرد عليهما" ساقط في (د) و(ب).
٦٢ قوله: "وذهب ابن مسعود إلى الرد إلا أنه لا يرد على ستة الزوج والزوجة" ساقط في (ب) و(د)..
٦٣ "أن" ساقطة في (ج) و(د)..
٦٤ في (د): "كان"..
٦٥ في (هـ):"الأبوان فللام الثلث"..
٦٦ في (هـ): "وللأب"..
٦٧ "فلما ذكر نصيب الأم" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٦٨ في (هـ): "التعصيب"..
٦٩ "رضي الله تعالى عنهما" ساقط في (د) و(هـ)..
٧٠ "زوجة" ساقط في (أ)..
٧١ في (ب) و(د): "ميراثها"..
٧٢ في (د) و(هـ): "علي رضي الله عنه"..
٧٣ في (ب): "جيدا"..
٧٤ في (هـ): "قوله تعالى"..
٧٥ في غير (هـ): "السدس"..
٧٦ سقطت في (هـ): "أب"..
٧٧ في (د): "فللأم" وأما في (هـ): "فله"..
٧٨ في (هـ):"الثلث"..
٧٩ "الواحد" ساقط في (هـ)..
٨٠ قوله: "للإخوة شيء لأن الأب يحجبهم فهم يحجبون الأم من السدس الواحد والأب يحجبهم ولا يوجد" كله ساقط في (ب) و(د) و(ج) مع سقوط "في"..
٨١ "رضي الله تعالى عنه" ساقط في كل من (د) و(هـ)..
٨٢ في (ب) و(ج) و(د): "غيرها وعن"..
٨٣ في (ج) و(د) (هـ): "وهي"..
٨٤ "تعالى" كلمة ساقطة في (د) و(هـ)..
٨٥ "وأيضا فليست" ساقطة في (ج)..
٨٦ في غير (د): "وقال تعالى"..
٨٧ في غير (هـ): "ولا يؤاثران"..
٨٨ في (ج) و(هـ): "في ذلك"..
٨٩ "أو ذكورا أو إناثا"ساقط في (د) و(هـ).
٩٠ في (هـ): "يرثون"..
٩١ في (د): "بينهم"..
٩٢ "أن" ساقط في (ب)..
٩٣ "أو ذكر أو أنثى" ساقط في (ب) و(د)..
٩٤ في (هـ) و(د): "كواحد"..
٩٥ "أو الواحد" ساقط في (ب) و(د)..
٩٦ في (هـ): "له"..
٩٧ "لقوله": ساقطة في (ب) و(د) و(هـ)..
٩٨ انظر: صحح البخاري، كتاب الأذان، باب ٣٥، ص ١٦٠، وسنن النسائي: كتاب الإمامة، باب ٤٣، ص ١٠٤ – ١٠٥..
٩٩ كلمة "تعالى"غير موجودة في (د)..
١٠٠ في (ب) و(د): "تظهرها"..
١٠١ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "عن ابن عباس"..
١٠٢ "رضي الله تعالى عنها" ساقطة في (هـ) و(د)..
١٢ - وقوله تعالى :﴿ ولكم نصف ما ترك أزواجكم ﴾ الآية :
بين في مورث الزوج من زوجته والزوجة من زوجها، وأن الولد يحجب الزوج عن١ النصف إلى الربع، ويحجب الزوجة عن٢ الربع إلى الثمن.
واختلف في والد الولد هل٣ يحجبون كالولد٤ أم لا ؟
فذهب الأكثر٥ إلى أنه كالولد في الحجب، لأن اسم الولد واقع عليه. وذهب ابن عباس إلى أنهم لا يحجبون لقوله تعالى :﴿ إن كان له ولد ﴾، قال : وليس هذا بولد، والحجة عليه ما قدمنا من أنه ولد.
واختلف في العول : وأول من نزل به ذلك٦ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه٧، فقال : لا أدري من قدمه الكتاب فأقدمه ولا٨ من أخره فأؤخره، ولكن رأيت رأيا فإن يكن صوابا فمن الله تعالى٩، وإن يكن خطأ فمن عمر، وهو أن يدخل الضرر على جميعهم وينقص كل واحد من سهمه. وحكم بالعول، ويقال : إن الذي أشار عليه به : العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه١٠، وخالفه ابن عباس فلم ير العول، وقال : لو أن عمر نظر من قدمه الكتاب فقدمه، ومن أخره فأخره ما عالت فريضة١١، فقيل : وكيف يصنع ؟ قال : ينظر أسوأ الورثة حالا وأكثر تغيرا فيدخل عليهم الضرر، وهو على قوله : البنات والأخوات، والصواب ما ذهب إليه الجماعة، ودليلهم أن الله تعالى قال في الأزواج :﴿ ولكم نصف ما ترك أزواجكم ﴾. وقال في البنات :﴿ وإن كانت واحدة فلها النصف ﴾. وقال :{ وله أخت فلها نصف ما ترك )، ولما كان الزوج لا يمت في الظاهر إلا بمثل ما تمت١٢ به الابنة والأخت وجب١٣ أن يتساويا في النقص.
وقوله تعالى :﴿ وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة ﴾ :
اختلف في اشتقاق الكلالة، فقيل : من الإحاطة لذلك سمي الإكليل إكليلا لأنه محيط بالرأس، فكان هذا الميت يحاط به من جنباته١٤. وقيل : أخذت من البعد والانقطاع، من قولهم : كلت الرحم إذ تباعدت فطال انتسابها، يقال : كلت الرحم إذا تباعدت، ولحت إذا قربت، يقال : هو أن عمي لحا أي هو ابن أخي١٥ أبي، ....................... وهو١٦ ابن عمي كلالة أي من عشيرتي. قال الشاعر١٧.
ورثتم قناة المجد لا عن كلالة عن أبي مناف عبد شمس وهاشم١٨
يعني ورثتموها بالآباء لا بالإخوة والعمومة، ويمكن أن يكون مأخوذا من الكلال وهو الإعياء، ومنه الكلال في المشي. وفي الكلالة يقول الشاعر١٩ :
فإن أبا المرء أحمى له ومولى الكلالة لا يغضب٢٠ ٢١
واختلف بعد هذا الاشتقاق فيما يقع عليه هذا الاسم٢٢، فقال قوم : الكلالة الوارثة إذا لم يكن فيها ولد ولا والد، وإذا فسرت به٢٣ هذه الآية كانت الكلالة مصدر في موضع الحال. وقال بعضهم : هي نصب على الحال أو على النعت لمصدر محذوف : تقديره : ورأته كلالة، وهو قول ضعيف.
وقال قوم٢٤ : الكلالة اسم الميت٢٥ الذي لا ولد ولا والد، ووقع٢٦ على٢٧ المذكر٢٨، وإن كان فيه٢٩ " هاء " التأنيث كضرورة٣٠ المذكر٣١ والمؤنث فيه٣٢ سواء٣٣. ونصبه على هذا القول على الحال من الضمير٣٤ في يورث، وهو العائد على الرجل، ورأى بعضهم نصبه على التمييز، ونصبه بعضهم على خبر كان. وقال قوم٣٥ : الكلالة اسم للورثة الذين لا ولد فيهم ولا والد، واحتجوا بقول جابر لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما ترثني كلالة "، وكان أبوه قتل يوم أحد، وبقراءة من قرأ يورث بكسر الراء وشددها بعضهم، ونصبه على هذه القراءة على المفعول، وعلى القراءة المشهورة تنتصب٣٦ الكلالة على أنها خبر كان. والتقدير : ذا كلالة ثم حذف المضاف " وأقيم المضاف " إليه مقامه، وبعضهم ينصبه على التمييز أو على حال، ويجعل كان التامة لا الناقصة. وقال قوم : الكلالة اسم للمال الذي لا يرثه ولد ولا والد، ونصبه على هذه القراءة على التمييز ونصبه بعضهم على النعت لمصدر محذوف وهو ضعيف. ونصبه بعضهم على المفعول الحقيقي، ويأتي هذا على أن ورث يتعدى إلى مفعولين، وذهبت طائفة وهم٣٧ الشيعة٣٨ إلى أن الكلالة من لا ولد له ذكرا كان أو أنثى، وإن كان له أب أو جد فورثوا الإخوة والأخوات مع الجد والأب ومنعوهم من الوراثة مع البنت. وروي هذا القول عن أبي بكر وعمر ثم رجعا عنه، وروي عن ابن عباس وهي رواية شاذة لا تصح عنه، والصحيح ما عليه جماعة العلماء، فعلى هذا يأتي في الأب قولان : هل يدخل في الكلالة أم لا ؟
فمن لم يدخله في الكلالة لم يورث الإخوة معه، وهو الصحيح٣٩. ومن أدخله في الكلالة ورثهم معه٤٠، ويأتي في الجد قولان أيضا، كذلك فمن جعله أبا وكان الأب عنده لا يدخل في الكلالة لم يورث الأخوة معه٤١، وهو قول أبي حنيفة أنه يسقطهم وينفرد بالمال، وروي عن أبي بكر وابن عباس وعائشة وابن الزبير٤٢ : ومن لم يجعله أبا ورث الإخوة معه وجعل الوراثة كلالة، وهو قول عثمان٤٣ وعلي وابن مسعود٤٤ وزيد٤٥ وفقهاء المدينة. واختلفت الرواية فيه عن عمر٤٦ اختلافا كثيرا، فتارة لا يجعل الوالد كلالة، وتارة كان٤٧ يجعله كلالة. ورده رسول الله صلى الله عليه وسلم٤٨ إلى آية الصيف ولم يجبه عن٤٩ سؤاله، ووكله إلى استنباطه.
وفيه دليل على جواز٥٠ تفويض الأحكام إلى الاجتهاد، وعلى جواز استنباط معاني٥١ القرآن بالاجتهاد خلافا لمن منع ذلك.
ويأتي أيضا في البنت قولان فمن أدخلها في الكلالة ورث معها الإخوة والأخوات، وهو قول الجمهور. ومن لم يدخلها في الكلالة٥٢ لم يورثها معها٥٣، وهو قول ابن عباس، وبه قال داود، وإليه ذهب الشيعة، وحجتهم قول الله تعالى عز وجل في آخر السورة :﴿ ليس له ولد وله أخت ﴾ فشرط عدم الولد، وسيأتي الكلام على المسألة في موضعه إن شاء الله تعالى، وقد مضى منها طرف. وقال قوم : الكلالة من٥٤ لا ولد له مطلقا، وهذا القول أردؤ الأقوال وأسقطها٥٥ ؛ لأن الأمة مجمعة على أن الإخوة لا يرثون مع الولد والذكر. ومن حجة الجمهور قوله تعالى :﴿ قل الله يفتيكم في الكلالة ﴾ [ النساء : ١٧٦ ]، فأطلق اسم الكلالة ثم فسرها بميراث الإخوة منفردين. فدل ذلك أن الكلالة لا يدخل٥٦ فيها ولد ولا والد، وقوله تعالى :﴿ ولأبويه لكل واحد منهما السدس ﴾ إلى قوله :﴿ فإن كان له إخوة فلأمه السدس ﴾ [ النساء : ١١ ]، فلم يجعل للأخوة ميراثا مع الولد فخرج الولد من الكلالة والوالد جميعا، والابنة أيضا ليست بكلالة كالابن فأخوة الأم لا يرثون معها، لأنه تعالى شرط توريث إخوة الأم بأن٥٧ يكون الميت كلالة أو الوارث كلالة.
قوله تعالى :﴿ وله أخ أو أخت ﴾ :
أجمع الناس أنه أراد الأخوة للأم في هذه الآية، وكان سعد٥٨ ابن أبي وقاص يقرأ :﴿ وله أخ أو أخت من أم ﴾، فعلى ما في الآية إذا انفرد أخ أو أخت، فلكل منهما السدس فإن كانا اثنين فصاعدا ذكورا أو إناثا فهم شركاء في الثلث على السواء لا يفضل ذكر على أنثى.
واختلف في المسألة الحمارية وتسمى أيضا المشتركة، وهي زوج وأم وإخوة لأم وإخوة أشقاء، فذهب قوم إلى أن الزوج يأخذ النصف والأم السدس٥٩ والإخوة للأم الثلث ولا يكون للأشقاء شيء، قالوا : لأنهم عصبة وقد استغرقت٦٠ الفرائض المال، وهو قول علي وأبيّ٦١ وابن مسعود وأبي موسى٦٢، وإليه ذهب ابن أبي ليلى٦٣ وطائفة من الكوفيين، وذهبت طائفة إلى أنه٦٤ يأخذ الزوج النصف والأم السدس ويبقى الثلث وهو نصيب الإخوة للأم. قالوا٦٥ : فيقول لهم الإخوة الأشقاء٦٦ إنما ورثتم هذا الثلث من قبل الأم، وأمنا وأمكم واحدة والله تعالى جعل ذلك الثلث للإخوة للأم، والكل منا إخوة للأم وهب أن أبانا كان حمارا، فيشرّكونهم في ذلك الثلث ذكورهم وإناثهم فيه سواء، وهو قول عمر وعثمان، وإليه ذهب مالك والشافعي والثوري٦٧ وإسحاق وحجتهم الآية٦٨، قوله تعالى٦٩ :﴿ وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ﴾.
قوله تعالى :﴿ غير مضار وصية من الله ﴾ :
قال ابن عباس : الإضرار في الوصية من الكبائر، ورواه عن٧٠ النبي صلى الله عليه وسلم، وروى أبو هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم٧١ قال : " من ضار في وصية ألقاه الله تعالى في٧٢ وادي جهنم٧٣ " ووجوه الضرر في ذلك لا تنحصر وكلها ممنوعة للآية، مثل أن يقر بما ليس عليه٧٤ أو يوصي بأكثر من الثلث. قال الشيخ أبو الحسن : وقوله تعالى :﴿ غير مضار ﴾.
يمنع التعلق بعموم آية الوصية فيما يقع فيه التنازع، فلا يدري٧٥ أنه من قبيل المضارة أم لا ؟ فيمتنع التعلق بعمومه لمكان الاستثناء المبهم ولا يعد مضارا في ثلثه، فإن علم أنه أراد بما يصنع فيه من التصرف الضرر، ففيه في المذهب قولان، أحدهما : أنه لا يعد إضراره في الثلث إضرارا وأنه ينفذ. وقيل : إنه يرد ويؤيد هذا قوله تعالى :﴿ فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم ﴾ الآية [ البقرة : ١٨٢ ]، ومما يتعلق بمعاني هذه الآية أن عموم قوله تعالى :﴿ يوصيكم الله في أولادكم ﴾ مع ذكر الزوجة والزوج والأخوات والإخوة دال على جواز الميراث في مسائل : منها القاتل. وقد اختلف فيه على المذاهب : أحدها أن القتل لا يمنع الميراث، عمدا كان أو خطأ وهو قول الزهري والبصريين٧٦، وقيل إنه يمنع الميراث عمدا كان أو خطأ٧٧ وهو قول الشافعي. وقال مالك : القاتل عمدا لا يرث والقاتل خطأ يرث من المال ولا يرث من الدية، وكذلك اختلف فيمن فيه بقية رق٧٨، فالجمهور٧٩ أنه لا يرث، وقال أبو يوسف والمزني٨٠ : يرث. وكذلك إذا مات ورثته٨١ على قول الجمهور من٨٢ له فيه خاصة/، وقال أصحاب٨٣ الشافعي أن ورثته يرثون النصيب الحر٨٤. وقال بعضهم : هو لبيت المال، وكذلك اختلف : هل يرث المسلم الكافر أم لا ؟ فالجمهور على أنه لا يرث، لقوله عليه الصلاة والسلام : " لا يتوارث أهل ملتين " ٨٥. وقال معاوية ومحمد بن الحنفية٨٦ ومحمد ابن الحسن : المسلم يرث قريبه الكافر، واتفقوا أنه لا يرث الكافر المسلم، وكذلك اختلف في ميراث المرتد إذا قتل على ردته، فقال مالك والشافعي لبيت المال وقال أبو حنيفة : لورثته المسلمين. وقيل : ما كسب في حال إسلامه لورثته المسلمين وما كسب في٨٧ حال ردته لبيت المال. وروي عن قتادة٨٨ أن٨٩ ميراثه لأهل الدين الذي ارتد إليه٩٠. وعموم الآية يدل على التوارث في هذه المسائل غير أن الأخبار الخاصة منعت من ذلك، وخصصت ذلك العموم. ومن ذلك اختلاف٩١ الصحابة رضي الله تعالى٩٢ عنهم في٩٣ ميراث النبي صلى الله عليه وسلم : فذهب جماعة إلى أنه يورث تعلقا بعموم هذه الآية. وذهب جماعة٩٤ إلى أنه لا يورث وخصص الآية٩٥ بما نقل عنه عليه الصلاة والسلام٩٦ من قوله : " نحن معاشر الأنبياء٩٧ لا نورث ما تركنا صدقة٩٨ " وبعضهم رواه صدقة بالنصب ولم ير على ذلك في الحديث٩٩ حجة.
١ في (ج): "على": وفي (ه): "من"..
٢ في (ج) و(د): "على"..
٣ "هل" ساقطة في (ب) و(ج) و(د)..
٤ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "كالأولاد"..
٥ في (هـ): "الأكثرون"..
٦ "ذلك" ساقطة في (ج)..
٧ "رضي الله تعالى" سقطت في (د) و(هـ)..
٨ "لا" سقطت في (ب) وفي (د):"أو" عوض"لا"..
٩ "تعالى" كلمة سقطت في (هـ)..
١٠ "رضي الله تعالى عنه" كلمة سقطت في (هـ) و(د)..
١١ في (ج) و(د) و(هـ): "فريضة في الإسلام"..
١٢ "تمت" كلمة بياض في (د)..
١٣ "وجبت" كلمة ساقطة في (ج)..
١٤ في (د): "جهاته"..
١٥ "ابن أخي" ساقطة في (ج)..
١٦ "وهو ابن أخي أبي" ساقطة في (د): و"أبي" ساقط في (ب) و(ج)..
١٧ الشاعر هو الفرزدق همام بن غالب ابن صعصعة ابن مجاشع الدارمي التميمي، من شعراء العهد الأموي، له لغة وافرة الألفاظ والتعبير، له ديوان شعر، "ونقائض جرير الفرزدق". انظر: تاج العروس: ج٨، ص ١٠١، ولسان العرب: ج٣، ص ٢٨٨..
١٨ الطويل..
١٩ قوله: "ورثتم قناة المجد لا عن كلالة... يقول الشاعر" كله ساقط..
٢٠ ذكره ابن عاشور وقال عنه: "واستشهدوا له بقول من لم يسموه" التحرير والتنويرج٤، ص ٢٦٤..
٢١ المتقارب.
٢٢ في (ج) و(هـ): "من الاسم"..
٢٣ في (هـ): "بها"..
٢٤ في (هـ):"بعضهم"..
٢٥ في (هـ): "للميت"..
٢٦ في (د): "ويقع"..
٢٧ "على" سقطت في (د) و(هـ)..
٢٨ في (د) و(هـ): "للمذكر"..
٢٩ "فيه" ساقط في (هـ)..
٣٠ "كصورة" في (أ) و(ب) و(د)..
٣١ في (هـ): "للمذكر"..
٣٢ "فيه" ساقطة في (هـ)..
٣٣ "فيه سواء" سقطت في (د) وجاء مكانها: "وكذلك"..
٣٤ "الضمير الذي" في (ج) و(د) و(هـ)..
٣٥ في (د): "بعضهم"..
٣٦ في (د): "بنصب"..
٣٧ "طائفة وهم": ساط في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٣٨ في (د):"السبعة"..
٣٩ في (ب) و(ج) و(د): "وهو الأرجح"..
٤٠ كلمة "معه" ساقطة في (هـ)..
٤١ قوله: "ويأتي في الجد... لم يورث الأخوة معه" سقطت في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٤٢ هو عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد، ولد أسماء بنت أبي بكر الصديق، شارك الجمل إلى جانب عائشة رضي الله تعالى عنها، وامتنع عن مبايعة يزيد بن معاوية، وقتل ابن الزبير سنة ٧٣هـ / ٦٩٢م، انظر: تاريخ الأمم للطبري: ج ٧، ص ٢٠٢ – ٢٠٥، والبداية والنهاية لابن كثير: ج٨، ص ٣٣٢ – ٣٣٣، والإصابة لابن حجر: ج٢، ص ٣٠٣..
٤٣ هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية من قريش: أمير المؤمنين ذو النورين، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد المبشرين بالجنة، ولد بمكة سنة ٤٧ ق. هـ / ٥٧٧م، وأسلم بعد البعثة. من أعظم أعماله في الإسلام تجهيز نصف جيش العسرة بماله، تولى الخلافة سنة ٢٣هـ، وتوفي سنة ٣٥هـ / ٦٥٦م، انظر: الأعلام: ج٤، ص ٣٧١ – ٣٧٢..
٤٤ هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، صحابي من أفضلهم أول من جهر بقراءة القرآن بمكة، توفي سنة ٣٢هـ الموافق ٦٥٣م، انظر: طبقات ابن سعد: ج٣، ص ١٥٠، والأعلام: ج٤، ص ٢٨٩..
٤٥ هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي، صحابي من أكابرهم وكاتب الوحي، ولد بالمدينة سنة ١١ق. هـ، / ٦١١م، ونشأ بمكة ثم هاجر مع النبي، كان رأسا في المدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض، توفي سنة ٤٠هـ، / ٦٦٠م، انظر الأعلام: ج٣، ص ٩٥ – ٩٦..
٤٦ في (د) و(هـ): "عمر رضي الله عنه"..
٤٧ "كان" ساقطة في (هـ) و(د)..
٤٨ في (ج) و(هـ): "لما سأله عن ذلك"..
٤٩ في (ب) و(د) و(ج): "على"..
٥٠ "على" ساقط في (ب)..
٥١ في (د): "الاستنباط من المعاني" وفي (هـ) سقطت "معاني"..
٥٢ "ورث معها الأخوة والأخوات وهو قول الجمهور ولم يدخلها في الكلالة" كله ساقط في (ج)..
٥٣ في (ب) و(ج) و(د): "لم يورثها معهم"..
٥٤ كلمة "من" ساقطة في (ب) و(د)..
٥٥ في (هـ): "وأسخفها"..
٥٦ في (هـ): "ليس فيها" عوض "لا يدخل"..
٥٧ في (هـ): "شرط في توريثهم أن يكون..."..
٥٨ "سعد" سقطت في (هـ)، وهو أبو إسحاق سعد ابن مالك ابن وهيب ابن عبد المناف بن زهرة بن أبي وقاص، صحابي من العشرة المبشرين بالجنة. اختلف في تاريخ وفاته بين سنة ٥٥هـ / ٦٧٥ م، وسنة ٥٨هـ / ٦٧٨م، انظر: الإصابة لابن حجر: ج٢، ص ٣٠، وتذكرة الحفاظ للذهبي: ج١، ص ١٩ – ٢٠..
٥٩ في (هـ): "نصفه والأم سدسها"..
٦٠ في غير (هـ):"اغترقت"..
٦١ هو أبي بن كعب بن عبد الله بن مالك الأنصاري، سيد القراء، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك". انظر: الإصابة لابن حجر: ج١، ص ٣١ – ٣٣..
٦٢ هو عبد الله بن قيس بن سليم، أبو موسى من بن الأشعر من قحطانة، صحابي من الشجعان الولاة الفاتحين ولاه عمر البصرة، له في الصحيحين خمسة وخمسون وثلاثمائة حديث، توفي سنة ٤٤هـ / ٦٦٥م، انظر: الأعلام: ج٤، ص. ١١٤.
٦٣ هو أبو عيسى عبد الرحمان ابن أبي ليلى يسار الأنصار في اسم أبيه خلاف، كان من الأكابر تابعي الكوفة، ولد لست سنين بقين من خلافة عمر رضي الله عنه، وتوفي سنة ٨٢هـ على خلاف في ذلك. انظر: وفيات الأعيان: ج١، ص ٢٧٥..
٦٤ في (هـ): "أن"..
٦٥ قوله: "يأخذ الزوج النصف... قالوا" ساقط في (هـ)..
٦٦ في (هـ): "إلا أن الإخوة الأشقاء يقولون لذوي الأم"..
٦٧ هو سفيان بن سعيد بن مسروق، أبو عبد الله الثوري، فقيه حافظ له تفسير رواه أبو حذيفة موسى بن مسعود النديّ، توفي سنة ١٦١هـ / ٧٧٨م، انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: ص ٢٠٣/ ٢٠٧، طبقات المفسرين للداودي: ج١، ص ١٨٠، طبقات الفقهاء للشيرازي: ص ٨٤ – ٨٥، وفيات الأعيان: ج١، ص ٢١٠..
٦٨ كلمة "الآية" ساقطة في (د)..
٦٩ كلمة "تعالى": سقطت في (هـ)..
٧٠ "عن" ساقطة في (ج) وأما في (د): "فبياض"..
٧١ في (هـ): "أن النبي صلى الله عليه وسلم"..
٧٢ كلمة "تعالى" سقطت في (د) و(هـ)..
٧٣ انظر سنن أبي داود: كتاب الوصايا، باب٣، ص ١١٣..
٧٤ في (ب): "عليها"..
٧٥ في (ب): "فإنه لا يدري" وفي (د) و(هـ): "وأنه لا يدري"..
٧٦ "وهو قول الزهري والبصريين" ساقط في (د)..
٧٧ قوله: "وقيل إنه يمنع الميراث عمدا كان أو خطأ" ساقط في (د)..
٧٨ في (ب) و(د): "وكذلك اختلف هل يرث المسلم الكافر أم لا؟" عوضا عن "وكذلك اختلف فيمن فيه بقية رق"..
٧٩ في (د): "على أنه"..
٨٠ هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني صاحب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه كان زاهدا عالما مجتهدا محجاجا، وهو إمام الشافعيين وأعرفهم بطرقهم وفتاوى، صنف كتبا كثيرة منها الجامع الكبير، والجامع الصغير، ومختصر المختصر... إلخ توفي سنة ٢٦٤ هـ بمصر، ودفن بالقرافة بالقرب من تربة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه. انظر: وفيات الأعيان: ج ١، ص ٧١..
٨١ في (هـ): "ورثته"..
٨٢ في (هـ): "ومن"..
٨٣ "أصحاب" ساقطة في (هـ)..
٨٤ في (ج): "النصف الحر"..
٨٥ انظر: سنن أبي داود كتاب الفرائض الباب رقم١٠، وسنن الترمذي: كتاب الفرائض باب رقم، ١٦ وسنن ابن ماجه: كتاب الفرائض: باب٦..
٨٦ هو أبو القاسم بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه المعروف بابن الحنيفة أمه الحنفية هي خولة بنت جعفر ابن قيس بن سلمى كان كثير العلم والورع. كانت ولادته لسنتين بقين من خلافة عمر بن الخطاب، وتوفي سنة ٨١هـ، على خلاف في ذلك بالمدينة ودفن بالبقيع. وفيات الأعيان: ج ١، ص ٤٤٩، الأعلام: ج، ٧ ص ١٥٢ – ١٥٣..
٨٧ "في" ساقطة في (أ)..
٨٨ هو أبو الخطاب قتادة ابن دعامة السدوسي البصري، كان تابعيا عالما كبيرا، كانت ولادته سنة ٦٠ هـ، وتوفي سنة١١٠ هـ بواسط على خلاف في ذلك. انظر: وفيات الأعيان: ج١، ص ٤٢٧ – ٤٢٨..
٨٩ "أن" ساقطة في (ب) و(ج) و(د)..
٩٠ في (ج) و(د): "عليه"..
٩١ في (د): "اختلف"..
٩٢ كلمة "تعالى" سقطت في (هـ)..
٩٣ "في" ساقطة في (ب) و(ج)..
٩٤ في (هـ): "آخرون"..
٩٥ في (هـ): "وخصصوا"..
٩٦ في (د) و(هـ): "عليه السلام"..
٩٧ في (هـ) و(ب) و(ج) و(د): "جماعة الأنبياء"..
٩٨ انظر المسند للإمام أحمد ابن حنبل: ج٢، ص ٤٢٣..
٩٩ في (ب): "في الآية"..
١٥، ١٧ قوله تعالى :﴿ والتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ إلى قوله :﴿ إنما التوبة على الله ﴾ :
الفاحشة في هذا الموضع الزنا١، وقرأ ابن مسعود بالفاحشة، وقوله :﴿ من نسائكم ﴾ إضافة في معنى الإسلام بأن الكافرة قد تكون من نساء المسلمين بسبب ولا يلحقها هذا الحكم على خلاف فيه. واختلف في المعنى الذي له/ جعل الشهداء الزنا أربعة فقيل : تغليظا على المدعي وسترا٢ على العباد، وقيل : لترتب شاهدين على كل واحد من الزانيين، وفي هذا ضعف.
١ في (هـ): "الزنا"..
٢ في (ج): "سرا" والصواب ما أثبتناه..
١٦ قوله تعالى :﴿ فآذوهما ﴾ :
اختلف في ذلك الإذاء، ما هو ؟ فقال عبادة والسدي١ هو التعيير والتوبيخ. وقيل : هو السب والجفاء دون تعيير. وقال ابن عباس٢ : هو النيل باللسان واليد وضرب النعال وما أشبهه، فثبت بالآية الأولى أن حكم الزنا الإمساك في البيوت حتى يموتوا٣، وثبت بالآية بعدها٤ أن الحكم فيهن الإذاية على ما قدمناه، والأولى منسوخة باتفاق. والثانية أيضا منسوخة إلا في قول من قال : إن الأذى والتعيير باقيان مع الجلد، لأنهما لا تعارض بينهما فلا يقع فيهما نسخ. وقد٥ اختلف في كيفية ترتيب النسخ في هاتين الآيتين على أقوال ثمانية، وقيل : إن الآية الأولى في المحصنين والآية الثانية في البكرين ورجح الطبري هذا القول وهو قول حسن لولا أن لفظ الآية ينبو عنه فيضعف، لأن قوله٦ :﴿ والتي ﴾ لا يعطي إلا٧ النساء خاصة، والمؤنث لا يغلب على المذكر إلا في موضعين ليس هذا منهما إلا أن يريد أن اللفظ إنما هو للنساء خاصة ثم دخل الرجال في ذلك الحكم حملا لهم على النساء ؛ كما قال عليه الصلاة والسلام٨ : " من أعتق شركا له في عبد " ٩، فلحقت به الأمة في ذلك من غير أن يقال اللفظ جامع للرجال والنساء. وقد اختلف في تسمية مثل هذا قياسا وقرأ ابن مسعود :﴿ والذين يفعلون منكم ﴾، وعلى هذا القول١٠ لا يصح أن تكون إحدى الآيتين ناسخة للأخرى. لاختلاف الحكمين والمحكوم فيهما وتكون الآية الأولى١١ منسوخة بأحد أمرين إما بالرجم المتواتر نقله المنسوخ في القرآن تلاوته على قول من ذهب إلى ما روى عن عمر ابن الخطاب١٢ من قوله١٣ : " الثيب والثيبة إذا زنيا فارجموهما البتة " ١٤، وأنه كان قرآنا فنسخ تلاوته وبقي حكمه. وقد أنكر هذا قوم وسيأتي الكلام عليه في سورة النور إن شاء الله تعالى١٥. أو بقول الله عز وجل :﴿ ويدرأ عنها العذاب أن تشهد ﴾ الآية [ النور : ٨ ]، لأن العذاب المذكور في الآية الرجم على ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكون الآية الثانية١٦ منسوخة بقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ الآية [ النور : ٢ ]. وقيل : إن الآيتين في الزانيين البكرين، وقيل : في الزانيين المحصنين١٧، وقيل : هما عامتان في الصنفين والضعف الذي ذكرناه في القول الأول داخل في هذه الأقوال. ولا بد على كل واحدة من هذه الثلاثة الأقوال١٨ أن تكون إحدى الآيتين ناسخة للأخرى. وقد اختلف في ذلك على قولين، أحدهما : أن الأولى منسوخة بالثانية، وهو قول عبادة١٩ والحسن ومجاهد، وقيل : إن الثانية منسوخة بالأولى ولكن التلاوة أخرت وقدمت ذكره ابن فورك٢٠ ورجحه بعضهم. ثم إن الناسخة في الآيتين لا بد أن يكون منسوخا على القول بأن الآيتين جميعا منسوختان فعلى القول الأول٢١ بأنها في الأبكار خاصة٢٢، يكون الناسخ قوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا ﴾ الآية [ النور : ٢ ]، لأنها إنما هي في الأبكار على القول / المشهور. وعلى القول بأنهما في المحصنين يكون الناسخ إحدى الآيتين التي قدمنا ذكرهما في الرجم٢٣، وعلى القول بأنهما في الصنفين يكون الناسخ آية الجلد وآية الرجم، وقيل : الآية الأولى في النساء خاصة المحصنات كن أو غير محصنات والآية الثانية في الرجال٢٤خاصة وبين لفظ التثنية صنفي الرجال فيمن أحصن وفيمن لم يحصن٢٥، فكانت عقوبة النساء الحبس وعقوبة الرجال الأذى، ولم تكن إحدى الآيتين ناسخة للأخرى. ثم نسخ ذلك في آيتي الجلد والرجم، وهو قول مجاهد. وروي عن ابن عباس٢٦ : وهذا القول في الآية عندي أحسن الأقوال وأصح على القوانين العربية ويؤيده من جهة اللفظ : قوله في الأولى :﴿ من نسائكم ﴾ وقوله في الثانية :﴿ منكم ﴾، فالذي يتحصل في هاتين الآيتين ثمانية أقوال.
قوله تعالى :﴿ فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ﴾ :
أمر بكف الأذى عنهما بعد التوبة، ولا خلاف بين أحد من أهل٢٧ العلم أن الحد لا يقام بأقل من أربعة شهداء، رجال عدول، وعلى معاينة الفعل كالمرود في المكحلة، والأصل في ذلك قوله تعالى :﴿ والتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ﴾ [ النساء : ١٥ ]، وقوله :﴿ ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ﴾ [ النور : ٤ ]، وقد حكي عن قوم أنهم أجازوا شهادة٢٨ ثلاثة رجال وامرأتين. وحكي عن البتّي٢٩ وهو غلط ؛ لقوله تعالى :﴿ أربعة منكم ﴾، وهو يخاطب الرجال. واختلف٣٠ هل من شرط الشهادة في ذلك أن تكون في مجلس واحد فلا تقبل شهادتهم إذا كانوا متفرقين أم ليس من شرطها ذلك. وتقبل الشهادة إذا جاء الشهداء مجتمعين أو متفرقين على قولين في المذهب. والآية حجة لمن يرى ذلك، لأن الله تعالى لم يذكر في الشهداء الأربعة افتراقا ولا اجتماعا، فيحمل على عمومه حتى يقوم الدليل على غير ذلك. واختلف في اليهوديين والنصرانيين إذا زنيا هل يقام عليهما الحد كما يقام على المسلمين ؟ فذهب مالك٣١ ومن تابعه إلى أنهما٣٢ لا يقام عليهما الحد، ولكن يؤذيان إذا أعلنا ذلك. وذهب أبو حنيفة٣٣ والشافعي٣٤ إلى أنهما يرجمان إن كانا محصنين ويجلدان إن كان بكرين، والحجة عليهما قوله تعالى :﴿ والتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾، فدل على أن ما عداهن بخلافهن.
١ "والسدي" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٢ "وقال ابن عباس" ساقط في (د)..
٣ لعله "يمتن"..
٤ في غير (هـ): "بعدهما"..
٥ "قد": ساقطة في (د) و(هـ)..
٦ في (د): "تعالى"..
٧ "إلا" ساقطة في (د)، والصواب ما أثبتناه..
٨ في (د) و(هـ): "عليه السلام"..
٩ انظر: صحيح البخاري: كتاب الشركة، باب٥، ص ١١١، كتاب العتق: باب ٤، ص١١٧، وصحيح مسلم: وكتاب العتق: حديث رقم ١٠٣٩..
١٠ "القول" ساقط في (ب) و(د)..
١١ "الأولى" ساقطة في (ب) و(د)..
١٢ في (ج): "عمر ابن الخطاب رضي الله عنه"..
١٣ "من قوله" ساقط في كل من (ج) و(د) و(هـ)..
١٤ صحيح البخاري: كتاب التفسير، تفسير سورة النساء في الترجمة، وسنن أبي داود: كتاب الحدود، باب في الرجم..
١٥ سقطت كلمة "في" (هـ)..
١٦ في (د): "الأولى" وفي (هـ): "الأخرى"..
١٧ "لمحصنين" ساقط في (ب)..
١٨ "هذه ثلاثة أقوال" ساقط في (هـ)..
١٩ هو عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي، أبو الوليد، صحابي من الموصوفين بالورع. شهد العقبة وبدر وسائر المشاهد، ثم حضر فتح مصر، وهو أول من ولي القضاء بفلسطين، روى ١٨١ حديثا، واتفق البخاري ومسلم على ستة منها، وكان من سادات الصحابة، ولد سنة ق. ٣٨هـ / ٥٨٢م، وتوفي سنة ٣٤ هـ / ٦٥٤م، انظر: الأعلام: ج ٤، ص ٣٠، الإصابة: ج ٢، ص ٢٦٨..
٢٠ هو بضم الفاء وسكون الواو وفتح الراء: هو أبو بكر محمد ابن الحسين ابن فورك متكلم الأصولي الأديب النحوي، الواعظ الأصفهاني بلغت مصنفاته في أصول الفقه والدين ومعاني القرآن قريبا من مائة مصنف، توفي سنة ٤٠٦ هـ، ودفن بالحيرة (بكسر الحاء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح الراء) وهي محلة كبيرة بنيسابور. ابن خلكان: ج١، ص ٤٨٣..
٢١ قوله: "يكون منسوخا..." القول الأول كله ساقط في (ج) و(د)..
٢٢ "بأنها في الأبكار خاصة" ساقط في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٢٣ "وعلى القول بأنهما في المحصنين يكون الناسخ في إحدى الآيتين التي قدمنا ذكرهما في الرجم" ساقط في (ب)..
٢٤ في (هـ): "النساء"..
٢٥ في (هـ): "كمن أحصن ومن لم يحصن"..
٢٦ هو عبد الله بن عبد المطلب بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعد خبر الأمة من الذين اشتهروا بتبحرهم في العلم، توفي سنة ٦٨ هـ/٦٨٧م، انظر: الأعلام: ج٤، ص ٢٢٨ – ٢٢٩..
٢٧ في (ه): "لا خلاف بين أهل العلم"..
٢٨ كلمة "شهادة" ساقطة في (ج)..
٢٩ "البتي" بياض في (د)، والبتي هو: أبو عمرو بن سليمان بن جرموز البتي مولى بني زهرة. توفي سنة ١٤٣ هـ. انظر: طبقات ابن سعد: ج٧، ص ٢٥٧، وطبقات الفقهاء: ص٩١..
٣٠ "واختلف" ساقط في (ب)..
٣١ هو مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أبو عبد الله، إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وصاحب كتاب الموطأ وإليه تنسب المالكية، ولد سنة ١٩٣هـ / ٧١٢م، وتوفي سنة ١٧٩هـ / ٧٩٠م. انظر: الأعلام: ج١، ص ١٢٨..
٣٢ في (د): "أنه"..
٣٣ هو النعمان بن ثابت التميمي بالولاء، الكوفي، أبو حنيفة، إمام الحنفية وأحد الأئمة الأربعة، وقيل: أصله من فارس، ولد سنة ٨٠هـ/ ٦٩٩م، وتوفي سنة ١٥٠هـ/ ٧٦٧م، بالسجن حبسه المنصور العباسي لأنه رفض القضاء ببغداد. انظر: الأعلام: ج٩، ص ٤-٥..
٣٤ هو الإمام أبو عبد الله محمد ابن إدريس الشافعي، أحد أئمة المذاهب الأربعة، ولد سنة ١٥٠هـ / ٧٦٧م، وتوفي سنة ٢٠٤هـ / ٨٢٠م، صاحب كتاب "الأم" وكتاب "الرسالة". انظر: الأعلام: ج ٦، ص٢٤٩، وكذلك دائرة المعارف لبطرس البستاني: ج١٠، ص٣٩٠..
١٧ - قوله تعالى :﴿ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ﴾ الآية :
التوبة : الندم١، على ما مضى من فعل عصى الله تعالى٢ به من حيث هو معصية لا من حيث٣ أضر ببدن أو ملك. وإن كان ذلك الفعل مما يتأتى٤ العودة إليه، فيجب أن ينضاف إلى الندم العزم على ترك العودة إليه، وإن كان مما لا يتأتى فلا يحتاج إلى ذلك العزم. والتوبة من الذنب واجبة لقوله تعالى :﴿ وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنين ﴾ [ النور : ٣١ ]، فأجمع الناس٥ أن٦ هذا الأمر على الوجوب، وتصح التوبة عندنا من الذنب مع البقاء على ذنب آخر خلافا لمن منع من المعتزلة، لأن النادم على ذنب وهو مصر على آخر قد لزمه اسم التوبة في كلام العرب وهو الرجوع. فهو قد رجع عن أمر فهو تائب منه، وهو تعالى قد قال :﴿ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ﴾ [ النساء : ١٧ ]، وهذا قد عمل سوء ثم تاب فهو تائب من جهة، وغير تائب من جهة أخرى/، وهذا لا يتنافى إلا لو كان من جهة واحدة في حين واحد من شخص٧ واحد. وما ذلك في شخص٨ واحد إلا بمنزلته في شخصين٩ تاب أحدهما من ذنوبه والآخر لم يتب فهل يمنع الذي لم يتب قبول توبة التائب ؟ وإذا صحت توبة العبد، فإن كانت عن١٠ الكفر قطعنا بقبولها وإن كانت عما١١ سواه في المعاصي، فمن العلماء من يقطع بقبولها١٢، ومنهم من لا يقطع بقبول ذلك وظنه ظنا١٣، وهذا عندي هو الأصح لأن هذا لا يعرف من طريق العقل وإنما يلجأ فيه إلى السمع والظواهر التي أتت بالقبول ليست بعوض لاحتمال التأويل١٤، وإنما هي عمومات معرضة للتأويل كقوله تعالى :﴿ هو الذي يقبل التوبة عن عباده ﴾ [ الشورى : ٢٥ ]، فكيف يصح القطع مع ذلك، والسوء في الآية يعم الكفر والمعاصي١٥.
وقوله١٦ :﴿ بجهالة ﴾ اختلف في معناها فقيل : الجهالة السفاهة، قاله جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة : اجتمع١٧ أصحاب سيدنا١٨ محمد صلى الله عليه وسلم على أن كل معصية فهي جهالة عمدا كانت أو جهلا. وقال به ابن عباس ومجاهد١٩ والسدي٢٠. وروي عن مجاهد والضحاك٢١ أنهما قالا : الجهالة هنا العمد٢٢، وقال عكرمة٢٣ : أمور الدنيا كلها جهالة يريد بها الخارجة عن طاعة الله، وقيل : بجهالة لا يعلم كنه العقوبة. واختلف في معنى قوله :﴿ من قريب ﴾ ٢٤، فقال ابن عباس والسدي : معنى ذلك قبل المرض والموت. وقال أبو مجلز٢٥ ومحمد ابن قيس والضحاك وعكرمة وابن يزيد٢٦ وغيرهم : معنى ذلك قبل معاينة الملائكة وأن يغلب المرء على نفسه. وروي أن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام فرآه إبليس أجوف ثم جرى له ما جرى/ ولعن وأنظر، وقال : " وعزتك لا برحت من قبله ما دام فيه الروح "، فقال : " وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح " ٢٧. وقال إبراهيم النخعي٢٨ : كان يقال التوبة مبسوطة لأحدكم ما لم يأخذ بكظمه، وروى أن النبي صلى الله عله وسلم قال : " إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ويغلب على عقله " ٢٩، وقيل : قوله تعالى :﴿ من قريب ﴾ معناه : من قريب إلى وقت الذنب.
١ في (ج) و(د): "التوبة هي الندم"..
٢ كلمة "تعالى" سقطت في (هـ)..
٣ في (هـ): "من حيث أنه"..
٤ في (ج) و(د): "لا يتأتى"..
٥ في (ج) و(د) و(هـ): "فأجمعوا"..
٦ في (د) و(هـ): "على أن"..
٧ في (أ): "في شخص واحد" وفي (ب) و(د): "ثم شخص واحد"..
٨ في (هـ): "وما ذلك بشخص"..
٩ في (ب): "إلا بمنزلة الشخصين"..
١٠ في (ب) و(د):"على"..
١١ في (د): "عن"..
١٢ قوله: "وإن كانت عما سواه بقبولها" ساقط في (هـ)..
١٣ في (هـ): "من لم يقطع بقبولها ويجعله ظنا"..
١٤ قوله: "لأن هذا لا يعرف من طريق العقل... لاحتمال التأويل" ساقط في (ب)..
١٥ قوله: "والسوء في الآية يعم الكفر والمعاصي" ساقط في (د)..
١٦ في (د): "وقوله تعالى"..
١٧ في (د): "أجمع"..
١٨ في (د) و(هـ): "أصحاب محمد"..
١٩ هو أبو الحجاج مجاهد ابن جبر، وقيل: ابن خبر، المكي المخزومي تابعي، ولد في خلافة عمر بن الخطاب، وتوفي سنة ١٠٤هـ / ٧٢٣م، انظر: ميزان الاعتدال: ج٣، ص٤٣٩، وتاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس: ج٢، ص ٣١٨، تهذيب التهذيب لابن حجر: ج١٠، ص٤٢، والبداية والنهاية لابن كثير: ج٩، ص ٢٢٤، وتفسير مجاهد ص ٣٩..
٢٠ هو إسماعيل بن عبد الرحمان السدي، تابعي حجازي الأصل. الأعلام: ج١، ص٣١٣..
٢١ هو الأجنب ابن قيس، تابعي أدرك عهد النبي صلى الله عليه وسلم. انظر وفيات الأعيان: ج٢، ص٤٩٩..
٢٢ في (د): "العهد"..
٢٣ هو أبو عبد الله عكرمة بن عبد الله مولى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أصله من البربر من أهل المغرب تعلم القرآن والسنن، وهو أحد فقهاء مكة وتابعيها. وتوفي في سنة ١٠٧هـ / ٧٢٥م على خلاف في ذلك. انظر ابن خلكان: ج١، ص ٣١٩ – ٣٢٠، طبقات الفقهاء: ص٧٠، وتذكرة الحفاظ: ج ١، ص٩٥ – ٩٦، وطبقات المفسرين: ج١، ص ٣٨٠ – ٣٨١..
٢٤ كلمة "من" سقطت في (د)..
٢٥ في (د):"أبو ماجد"..
٢٦ هو جابر ابن زيد الأزدي البصري، أبو الجعثاء، تابعي، فقيه من الأئمة من أهل البصرة ولد سنة ٢١ هـ / ٦٤٢ م، وتوفي سنة ٩٣ / ٧١٢م، انظر: الأعلام: ج٢، ص ٩١..
٢٧ انظر المسند للإمام أحمد ابن حنبل: ج٣، ص٢٩ – ٤١..
٢٨ هو أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي من كبار الفقهاء التابعين، توفي سنة ٩٥هـ / ٧١٤م، وقيل سنة ٩٦هـ / ٧١٥م. انظر وفيات الأعيان: ج١، ص ٢٥، تذكرة الحفاظ: ج١، ص ٦٣ – ٦٤، طبقات الفقهاء: ص ٨٢، وتذكرة الحفاظ: ج١، ص ٧٣ – ٧٤..
٢٩ انظر سنن الترمذي كتاب الدعوات باب٩٩، ص ٥٤٧، وسنن ابن ماجة، كتاب الزهد، باب ٣٠، ص ١٤٢٠..
١٨ قوله تعالى :﴿ حتى إذا حضر أحدهم الموت ﴾ الآية :
هذا كما كان فرعون حين صار في غمر الماء والغرق فلم ينفعه ما أظهر من الإيمان. واختلف الناس في هذه الآية التي ذكرنا هل هي منسوخة أم محكمة ؟ فذهب بعضهم إلى أنها منسوخة بقوله تعالى :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ [ النساء : ٤٨ ]، قالوا : فحرم الله تعالى المغفرة لمن مات كافرا وأرجى أهل المعاصي من أهل التوحيد إلى مشيئته١، فلم يؤيسهم من المغفرة ورأوا أن الآية الأولى تعطي أنه إذا لم تقبل توبة العاصي فلن يغفر الله له، وذهب أكثرهم إلى أن الآية لا تنفي أن يغفر٢ للعاصي الذي لم تقبل توبته، وهو الذي لا يتوب من قريب فيضطر إلى أن يقول : إن قوله تعالى :﴿ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ ناسخ لها، وإنما نفت هذه الآية أن يكون تائبا فلم يتب إلا عند حضور الوفاة. وطعن بعضهم في قول من جعل الآية منسوخة بأن الآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ. وهذا الاعتراض ساقط لأن الآية وإن كانت خبرا فقد تضمنت حكما، وإذا كانت كذلك جاز أن تنسخ وعندنا أن المرتد إذا تاب قبلت توبته. وذهب بعضهم إلى أنه لا تقبل توبته، وحجتنا على من قال ذلك قوله تعالى :﴿ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ﴾ ٣ الآية، وقوله :﴿ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون ) الآية [ الشورى : ٢٥ ]، ٤ وقوله٥ :{ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ﴾ [ الأنفال : ٣٨ ].
١ في (ج) و(د): "مشيئة الله تعالى"..
٢ في (د): "أن يغفر الله"..
٣ "على الله للذين يعملون السوء بجهالة" سقطت في (هـ)..
٤ هذه الآية مع "قوله" سقطت في (ب) و(د)..
٥ في (د): "وقوله تعالى"..
١٩ - قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ﴾ إلى قوله :﴿ ولا تنكحوا ما نكح آبائكم من النساء ﴾ :
اختلف المتأولون في قوله :﴿ لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ﴾، فقال١ ابن عباس : كانوا في الجاهلية إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته من أهلها إن شاؤوا تزوجوها، وإن شاؤوا منعوها الزواج حتى الموت، فنزلت الآية.
قال أبو أمامة ابن سهل ابن حنيف٢ : لما توفي أبو قيس ابن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته، وكان لهم ذلك في الجاهلية.
فنزلت في ذلك واسم ابنه محض٣ واسم٤ المرأة على ما ذكر عكرمة : كبيشة بنت معن الأنصارية. وكانت هذه السيرة في الأنصار لازمة وفي قريش مباحة على التراضي، وقد خلف أبو عمرو ابن أمية على٥ امرأة أبيه بعد موته، فولدت من أبي عمرو مسافرا وأبا معيط. وكان لها من أبيه أبو العيص وغيره٦ فكان بنو أمية أخوة مسافر أبي معيط وأعمامهما. وقال بمثل٧ هذا القول عكرمة وأبو مجلز٨ والحسن البصري٩. وقال مجاهد : كان الابن الأكبر أحق بامرأة أبيه إذا لم يكن ولدها، وقال السدي : كان ولد الميت إذا سبق فألقى على امرأة أبيه ثوبه١٠ فهو أحق بها وإن سبقته فذهبت إلى أهلها كانت أحق بنفسها. والروايات في هذا كثيرة بحسب سيرة الجاهلية فعلى هذا القول في الآية يكون الموروث النساء، والمعنى : لا تجعلوا النساء كالمال يورثن عن الرجال الموتى كما يورث المال. والمخاطبون أولياء الموتى. والتقدير : لا يحل لكم أن ترثوا١١ آباءكم وأقرباءكم نكاح نسائهم. وقال بعض المتأولين : معنى الآية : لا يحل لكم عضل النساء/ اللواتي أنتم لهن أولياء وإمساكهن١٢ دون تزويج فترثون١٣ أموالهن، وعلى هذا القول يكون الموروث المال دون النساء، وقد روي نحو هذا عن ابن عباس... والمخاطبون بالآية على هذا التأويل أولياء النساء.
واختلف المتأوّلون أيضا في معنى قوله تعالى :﴿ ولا تعضلوهن ﴾ الآية، فقال ابن عباس وغيره : هي أيضا في نهي أولئك الأولياء الذين كانوا يرثون المرأة لأنهم كانوا يتزوجونها إذا كانت جميلة ويمسكونها حتى تموت إذا كانت ذميمة، فالمعنى، لا تحبسوهن عن نكاح من أردن نكاحه حتى يمتن من أموالهن١٤ ما كان أعطاهن موتاكم من صدقاتهن، وقال نحوه الحسن وعكرمة. ومعنى قوله تعالى١٥ :﴿ آتيتموهن ﴾ على هذا القول، أي : آتاها الرجل قبلكم. وقال ابن عباس أيضا : هي للأزواج١٦ أن يمسك أحدهم المرأة ويسيء عشرتها حتى تفتدي منه، فذلك لا يحل له، وقال بعضهم : نهى الزوج بعد فرقة١٧ المرأة عن عضلها عن التزويج وكان ذلك من فعل الجاهلية. وقال ابن زيد : هذا العضل المنهي عنه في الآية هو من سير الجاهلية، كان في قريش بمكة إذا لم يتوافق الزوجان طلقها على أن تتزوج إلا بإذنه ويشهد عليها بذلك، فإذا خطبت فإن أعطته ورشته وإلا عضل١٨ ففي هذا نزلت الآية. وأقوى هذه الأقوال والذي عليه١٩ الجمهور أن المراد بالآية الأزواج وأنهم المخاطبون٢٠ وبحسب ذلك تجاذب الفقهاء الآية واحتج بها أكثرهم في أمر الخلع، واختلف المتأولون في الفاحشة المبينة ما هي ؟ فقال قوم : هي الزنا، وقال قوم : الفاحشة المبينة هاهنا شتم العرض وأن تبذو عليه بلسانها أو تخالف أمره، لأن كل فاحشة وصفت في القرآن مبينة٢١ فهي في باب النطق. وكل فاحشة أتت فيه مطلقة لم تنعت بمبينة، فالمراد بها الزنا. وقال بعضهم٢٢ : المراد بها/ الزنا والأذى والنشوز والبذو باللسان وما أشبه ذلك. واختلف في قوله :﴿ إلا أن يأتين ﴾ هل هذا الاستثناء متصل أو منفصل ؟ وعلى هذا٢٣ اختلف الفقهاء في الرجل إذا نشزت عليه امرأته أو أحدثت حدثا من زنا أو غيره، هل له أن يضارها حتى تفتدي منه أم لا ؟ فذهب مالك ومن تابعه إلى أنه ليس له ذلك وأنه إنما له من ذلك ما كان لغير ضرر منه وطابت به نفسها لقوله تعالى :﴿ فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا ﴾ [ النساء : ٤ ]، ٢٤ واختلف في الاستثناء على هذا القول، فقيل : هو٢٥ متصل والآية تعطي جواز الإضرار حتى يأخذ٢٦ ما أتاها، ولكن نسخ بالحدود وهو قول ضعيف، وإلى نحو٢٧ هذا ذهب عطاء٢٨، وقيل : بل الاستثناء منفصل، والتقدير : ولكن إن أتين بفاحشة مبينة لكم أن تقبلوا منهن في الفداء ما طابت به أنفسهن. وذهب قوم من أهل العلم إلى أن الرجل٢٩ إن أتت امرأته بشيء مما ذكرنا من زنا وغيره أن يضيق عليها حتى تفتدي منه وجعل الاستثناء أيضا متصلا، والآية محكمة.
وإذا قلنا أنها إذا ٣٠ نشزت جاز له أن يأخذ منها، فهل له أن يأخذ منها ٣١ جميع ما أعطاها أم لا ؟ فذهب مالك ٣٢ وغيره إلى أنه جائز أن يأخذ جميع ما تملك. وقال بعضهم : يجوز ولكن لا يتجاوز ما أعطاها، واحتجوا بقوله تعالى :﴿ لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن ﴾.
قوله تعالى :﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾ :
أمر للجميع ؛ إذ لكل أحد عشرة، زوجا كان أو وليا، ولكن الملتمس ٣٣ بهذا الأمر في الأغلب الأزواج. والعشرة المخالطة والممازجة، ومنه قول طرفة :
فلئن شطت نواها مرة *** لعلى عهد حبيب معتكر ٣٤ ٣٥
وقوله :﴿ بالمعروف ﴾ اختلف فيه، فقيل : بالمعروف في المبيت والكلام، وقيل : إمساكهن بأداء حقوقهن التي لهن ٣٦ أو تسريحهن بإحسان. والآية ينبغي أن تحمل على العموم مما تقتضيه المعاشرة بالمعروف من ٣٧ المهر والنفقة والعدل في القسم وأن ٣٨ لا يعاتب ولا يعاقب على غير ذنب ٣٩ ونحو ذلك.
واختلف العلماء في الزوجة إذا كانت ممن ٤٠ لا تخدم نفسها هل يجب على الزوج إخدامها أم لا ؟ فالجمهور على إيجاب ذلك. وذهب داود ٤١ إلى أنه لا يجب أن يخدمها. ودليل الجمهور مقتضى قوله تعالى :﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾، وإذا قلنا بوجوب الخدمة فما الذي يجب عليه منها ؟ فقيل : لا يجب عليه لها أكثر من خادم واحد، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن مالك. وقيل : وإن كانت لا يكفيها خادم واحد وحال الزوج يحتمل أخدمها خدمة مثلها، ودليل هذا القول قوله تعالى :﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾.
وقوله تعالى :﴿ فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ﴾ :
فيه بيان استحباب الإمساك بالمعروف وإن كان على خلاف هوى النفس وفيه دليل على أن الطلاق مكروه، وهو موافق لقوله عليه الصلاة والسلام٤٢ : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " ٤٣.
١ في (هـ): "اختلف المتأولون فيها فقال..."..
٢ في (د): "حيف"..
٣ في (ب) و(هـ): "محسن"..
٤ "واسم" ساقط في (ب)..
٥ "على" ساقطة في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٦ في (ج) و(هـ): "وغيره كان".
٧ "بمثل" ساقط في (ب)..
٨ في (ب): "أبو" وبعده بياض في مكان "مجلز"..
٩ البصري هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن البصري، من أئمة علماء التابعين، له كتاب الرد على القدرية، توفي سنة ١١٠هـ/ ٧٢٩م. انظر طبقات المفسرين: ج٢، ص ١٤٧، وفيات الأعيان: ج ٢، ص ٦٩..
١٠ في (هـ): "امرأة الميت ثوبه"..
١١ في (د): "ترثوا من"..
١٢ "إمساكهن" ساقط في (هـ)..
١٣ في (هـ): "دون تزويج حتى يمت فترثون"..
١٤ في (أ) و(ب) و(ج): "حتى يمتن فتأخذوا من أموالهم" وفي (هـ): "فتأخذوا أموالهن" وفي (د)"فتأخذوا أموالهن"..
١٥ "تعالى": سقطت في (د) و(هـ)..
١٦ في غير (هـ): "هي للأزواج"..
١٧ في (هـ): "فراق"..
١٨ في (د) و(هـ): "عضلها"..
١٩ في (هـ): "ذهب عليه"..
٢٠ في (د) و(هـ): "المخاطبون بها"..
٢١ في (د) و(هـ): "مبينة"..
٢٢ "وقال بعضهم المراد بها الزنا" هذا ساقط في (ج) و(هـ)..
٢٣ في (هـ): "وعليه اختلف"..
٢٤ قوله: "فكلوه هنيئا"..
٢٥ "هو" ساقط في (هـ)..
٢٦ ) في (ب) و(ج) و(هـ): "حتى تعطي"..
٢٧ لفظة "نحو" سقطة في (هـ)..
٢٨ هو أبو محمد عطاء ابن أبي رباح، كان من الفقهاء الأجلاء، ومن تابعي مكة وزهادها، توفي سنة ١١٥ هـ وقيل ١١٤هـ/ ٧٣٢م، وعمره ثمان وثمانون سنة رضي الله عنه. انظر: وفيات الأعيان: ج١، ص ٣١٨ – ٣١٩..
٢٩ في (ب) و(هـ): "للرجل"..
٣٠ "إذا" ساقط في (ب)..
٣١ "منها" سقطت في (هـ)..
٣٢ في (هـ): "ذهب"..
٣٣ في (هـ): "الملتبس"..
٣٤ البيت من قصيد لطرفة ابن العبد. انظر ديوان طرفة: ص٥٢..
٣٥ "الرمل"..
٣٦ "التي لهن" سقطت في (ج) و(ب) و(هـ)..
٣٧ "من"سقطت في (هـ)..
٣٨ "وإن" سقطت في (هـ)..
٣٩ "ولا يعاقب من غير ذنب" في (هـ)..
٤٠ "ممن"سقطت من (هـ)..
٤١ هو أبو سلمان داود بن علي بن خلف الأصفهاني الملقب بالظاهري أحد الأئمة المجتهدين، توفي سنة ١٧٠هـ / ٨٤٩م. انظر وفيات الأعيان: ج١، ص ٢٥٥ – ٢٥٧، وتذكرة الحفاظ: ج٢، ص ١٥٠ – ١٥٢، والفهرست لابن النديم: ج١، ص ٢١٦ – ٢١٧..
٤٢ في (هـ) و(د):"لقوله النبي صلى الله عليه وسلم"..
٤٣ انظر سنن أبي داود: كتاب الطلاق، باب٣، ص ٦٣١ – ٦٣٢، وسنن ابن ماجه: كتاب الطلاق، باب١، ص ٦٥٠، واللفظ له. والحديث ضعفه غير واحد من الحفاظ..
٢٠ - وقوله تعالى :﴿ وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ﴾ الآية :
اختلف في هذه الآية هل هي محكمة١ أم لا ؟ فذهب قوم إلى أنها منسوخة في قوله تعالى في سورة البقرة :﴿ ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا ﴾ إلى قوله :﴿ فلا جناح عليهما فيما افتدت به ﴾، قاله ابن عباس وعكرمة وغيرهما. وذهب بعضهم / إلى أن هذه الآية :﴿ فلا تأخذوا منه شيئا ﴾ ٢ ناسخة لما في البقرة في قوله تعالى :﴿ فلا جناح عليهما فيما افتدت به ﴾ ٣ [ البقرة : ٢٢٩ ]، وهذا٤ من لا يجيز من المختلعة شيئا قليلا ولا كثيرا. والصحيح أن هذه الآية ليست ناسخة ولا منسوخة. وبعض الآيات تنبني على بعض، ولما مضى في الآية المتقدمة حكم الفراق الذي سببه من المرأة وأن للزوج أخذ المال منها على ذلك عقب ذلك بذكر الفراق الذي سببه من الزوج والمنع من أخذ ما لها مع ذلك، وقد تقدم الكلام على فقه هذه الآية في سورة البقرة٥.
واختلف في جواز المغالاة بالمهور، فأجازه الجمهور ومنعه قوم. واحتج مجيزوه بهذه الآية٦، قالوا : لأن الله تعالى قد مثل بقنطار ولا يمثل تعالى إلا٧ بمباح.
وخطب عمر فقال : ألا لا تغالوا في صداق٨ نسائكم، فإن الرجل يغالي حتى يكون ذلك في قلبه عداوة للمرأة، يقول : تجشمت إليك علق القربة وعرق القربة. فروى أن امرأة كلمته من وراء الناس فقالت : كيف هذا٩ والله تعالى يقول :﴿ وآتيتم إحداهن قنطارا ﴾ قال : فأطرق عمر رضي الله عنه١٠ ثم قال : " كل الناس أفقه منك يا عمر. ويروى أنه قال : امرأة أصابت ورجل أخطأ والله المستعان " وترك الإنكار. وقال الذين ذهبوا إلى منع المغالاة : لا تعطي الآية جواز ذلك ؛ لأن التمثيل جاء على جهة المبالغة كأنه قال : وآتيتم هذا القدر العظيم١١ الذي لا يؤتيه أحد، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام١٢ : " من بنى مسجدا١٣ لله ولو كمفحص١٤ قطاة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة " ١٥، فمعلوم أنه لا يكون مسجد كمفحص قطاة١٦، وقد قال عليه الصلاة والسلام١٧ / لابن أبي حدرد وقد جاءه يستفتيه في مهر، فسأله عن المهر، فقال : مائتين، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " كأنكم تقطعون١٨ الذهب والفضة من عرض الحرة أو جبل... ". الحديث١٩.
١ في (ب) و(د) و(ج) و(هـ): "منسوخة"..
٢ قال ابن عباس وعكرمة وغيرهما، وذهب بعضهم إلى أن هذه الآية ﴿فلا تأخذوا منه شيئا﴾ ساقط في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٣ "ناسخة لما في البقرة في قوله تعالى: ﴿فلا جناح عليهما فيما افتدت به﴾ ساقط في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٤ في (هـ): "وهذا هو"..
٥ في "سورة البقرة" ساقط في (د) و(ب) و(ج)، والذي في (ج) هو: "وقد تقدم الكلام على فقه هذه الآية وقد استدل بها من قال بجواز المغالاة في الصدقات"..
٦ "واختلف في جواز المغالاة بالمهور فأجازه الجمهور ومنعه قوم واحتج مجيزوه بهذه الآية" ساقط في (ب) و(هـ) و(ج) و(د)..
٧ "إلا"ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٨ في (هـ): "صدقات"..
٩ في (ج): "كيف يكون هذا"، وفي (هـ): "وكيف يكون هذا"..
١٠ "رضي الله تعالى عنه" سقطت في (هـ) و(د)..
١١ في (هـ) و(ب) و(ج) و(د): "كأنه قال: وآتيتم إحداهن قنطار أي هذا القدر العظيم"..
١٢ في (هـ): "عليه السلام"..
١٣ في (هـ): "بيتا"..
١٤ "كفحص" ساقط في (ب)..
١٥ قوله: "بنى الله له بيتا في الجنة" ساقط في (هـ) والحديث في: صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب، ٤ ص ٣٧٨، في صحيح البخاري: كتاب الصلاة، باب ٦٥، ص ١١٦..
١٦ "كمفحص قطاة" بياض في (ب)، و"قطاة" سقطت في (د) وفي (هـ): "القطاة"..
١٧ في (د) و(هـ): "عليه السلام"..
١٨ "تقطعون" بياض في (ب)..
١٩ صحيح مسلم: كتاب النكاح، باب ١٢، ص ١٠٤٠..
٢١ وقوله تعالى :﴿ وقد أفضى بعضكم إلى بعض ﴾ :
يستدل به من أوجب المهر بالخلوة على ظاهر قول عمر١ : " إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق " ولا حجة فيه لكون الإفضاء مختلفا في تفسيره، وأن الآية لم٢ يصدق شيء من هذا المعنى، ومع أن قوله تعالى :﴿ من قبل أن تمسوهن ﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ]، يعم المخلو بها غيرها وما٣ يوجب لها إلا نصف الصداق مهما لم يكن مسيس. وأيضا، فإن الإفضاء كأنه مأخوذ من الفضاء الذي هو السعة. والكناية عند العرب إنما تستعمل فيما يستحي من٤ التصريح بذكره، فكني بالإفضاء عنه. والخلوة لا يستحي من ذكرها، فلا يحتاج إلى كناية، فإن قيل : فهذا محتمل. قلنا : صدقتم، ولكن الظاهر أنه الجماع، فلا يعدل عنه إلا بدليل، مع أن قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مقدم على قول الفراء٥ ؛ إذ هو حبر الأمة وترجمان القرآن مع أنه قد نقل عن الفراء مثل قوله. ويحتمل أن يكون٦ اشتقاق الآية من فضا، أي مختلط٧، وقوم فوضى أي مختلطون، وكيفما نظر معناه إن كان من الفضاء أو من قولهم : فضا فهو يدل على المجامعة، وقال الفراء٨ : الإفضاء عبارة عن الخلوة٩، واختلف أيضا في الميثاق١٠ الغليظ، فقال الحسن وابن سيرين١١ وغيرهما : هو قوله تعالى :﴿ فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ]، وقال مجاهد وابن زيد : هو عقدة النكاح، وقول الرجل : نكحت وملكت النكاح ونحوه... فهذه التي بها تستحل / الفروج.
وقال عكرمة والربيع١٢ : الميثاق الغليظ يفسره قول النبي صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيرا١٣، فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله "، وقال قوم : الميثاق الغليظ الولد.
١ صحيح مسلم: كتاب النكاح، باب ١٢، ص ١٠٤٠..
٢ في (هـ) و(د): "عمر رضي الله تعالى عنه"..
٣ "لم" ساقطة في (ب) و(ج) و(د).
** في (هـ) و(ج) و(د): "لم يوجب"..

٤ في (هـ): "فيما يستهجن التصريح".
٥ هو أبو زكرياء يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمي، المعروف بالفراء الديلمي الكوفي مولى بني أسد، وقيل: مولى بني منقر له كتاب المصادر في القرآن، وكتاب الجمع والتثنية في القرآن وغير ذلك من الكتب، توفي سنة ٢٠٧هـ، وعمره ٦٣ سنة رحمه الله تعالى. ابن خلكان: ج٢، ص ٢٢٨ – ٢٣٠..
٦ (يكون) سقطت في (هـ)..
٧ في (هـ):"اختلط"..
٨ "الفراء" سقط الـ من (د)..
٩ في (د): "المجامعة"..
١٠ في (د) و(هـ): "في المراد بالميثاق"..
١١ هو محمد بن سيرين البصري الأنصاري تفقه ودرس الحديث واشتهر بالورع واستكتبه أنس بن مالك بفارس، توفي سنة ١١٠هـ/ ٧٢٩م. الأعلام: ج٧، ص٢٥..
١٢ هو الربيع بن زياد بن أنس الحارثي أمير فاتح أدرك عصر النبوة، توفي سنة٥٣ هـ / ٦٧٣م انظر الأعلام: ج٣، ص٣٨..
١٣ انظر صحيح البخاري: كتاب الأنبياء، باب١، ص١٠٣، وصحيح مسلم: كتاب الرضاع، باب٦٨، ص ١٠٩١..
٢٢ - قوله تعالى :﴿ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ﴾ الآية إلى قوله ﴿ فما استمتعتم ﴾ :
سبب هذه الآية أن العرب كانت منهم قبائل قد اعتادت أن يخلف الرجل منهم على امرأة أبيه على ما ذكرنا من أمر أبي عمرو ابن أمية وابن الأسلت١، ومن ذلك صفوان بن أمية ابن خلف٢ تزوج بعد أبيه فاختة بنت الأسود بن عبد المطلب بن الأسد٣، وكانت امرأة أبيه أمية فقتل عنها، ومن ذلك منظور ابن زبان٤ خلف على امرأة أبيه ريان وكانت مليكة بنت خارجة إلى كثير من هذا، وقد كان في العرب من تزوج ابنته وهو حاجب بن زرارة٥ تمجس٦ وفعل هذه٧ الفعلة، وقال ابن عباس : كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين، فنزلت هذه الآية.
وقوله تعالى :﴿ ما نكح آباؤكم من النساء ﴾ : اختلف في تأويله، فقالت فرقة : يراد به النساء، أي لا تنكحوا النساء اللواتي نكح آباؤكم، ف " ما " على هذا القول واقعة على من يعقل، وإنما جاز ذلك لأنه إنما أريد به نوع النساء، و " ما " تقع على الأنواع مما يعقل، والذين ذهبوا إلى هذا القول مختلفون في قوله تعالى :﴿ إلا ما قد سلف ﴾ فقيل : معناه إلا ما قد سلف فدعوه. وقيل : لكن ما سلف فهو معفوّ عنه لمن كان٨ واقعه فكأنه قال : ولا تفعلوا حاشي ما قد سلف، وهذا٩ استثناء منقطع/. قال أبو الحسن : في هذه الآية دلالة ظاهرة للشافعي في أن من تزوج امرأة أبيه ثم وطءها مع العلم بالنهي والتحريم أنه زان، لأنه تعالى قال :﴿ كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ﴾ فذكر في نكاح امرأة الأب مثل ذلك. وقال ابن زيد : المعنى إلا ما قد سلف من الآباء في الجاهلية من الزنا بالنساء١٠ لا على وجه المناكحة، فذلك جائز لكم زواجهن في الإسلام، لأن ذلك الزنا كان فاحشة ومقتا، فالاستثناء على هذا متصل.
وقالت فرقة : ما نكح يراد به نكاح الآباء أي نكاحا مثل نكاحهم أو لا تنكحوا كما نكح آباؤكم من عقودهم الفاسدة. واختلف أيضا في تأويل الاستثناء فقيل : معناه إلا ما تقدم منكم من تلك العقود الفاسدة، فأباح لكم الإقامة عليها في الإسلام إذا كان مما يقر الإسلام عليه من جهة القرابة ويجوزه الشرع كما لو ابتدئ نكاحه في الإسلام على سنته. وقيل : المعنى إلا ما قد سلف فهو معفو عنكم.
وقوله تعالى :﴿ إنه كان فاحشة ﴾ قال المبرد١١ : كان هنا زائدة، قال الزجاج١٢ : لو كانت زائدة لكانت فاحشة مرفوعة. وقال بعضهم : كان في هذه الآية تقتضي الماضي والمستقبل. والصحيح في ذلك ما قاله الزجاج وغيره من أن " " كان " إنما أريد بها هنا الماضي، لأن الله تعالى إنما أخبر أن الذي حرمه علينا كان في الجاهلية مستقبحا يسمونه فاحشة ومقتا. قال أبو عبيدة١٣ وغيره : كانت العرب تسمي الولد الذي يجيء من زوج الوالد المفتي. واختلف في الزنا هل تثبت به حرمة المصاهرة/ أم لا ؟ فعن مالك في ذلك روايتان، وقول أبي حنيفة : أنه تثبت. وقول الشافعي : أنه لا تثبت. ووجه إثباتها قوله تعالى :﴿ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ﴾ فعم. قال بعض من احتج بهذا القول : أن النكاح١٤ في١٥ اللغة عبارة عن الجمع والضم وهو أظهر في الوطء منه في العقد. فتقديره : ولا تطؤوا ما وطء آباؤكم من النساء. فدل هذا على أن التحريم متعلق بصورة الوطء. وأجاب عن هذا من نصر القول بأنه لا يثبت به حرمة المصاهرة، بأن قال : الصفة١٦ إذا أطلقت في الشرع دون عرف في اللغة وعرف في الشرع وجب حملها على عرف الشرع دون عرف اللغة كالصوم والصلاة والزكاة ونحو ذلك. وعرف الشرع في لفظ النكاح : العقد. قال تعالى :﴿ إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ﴾ [ الأحزاب : ٤٩ ]. وقال عليه الصلاة والسلام١٧ : " لا نكاح إلا بولي " ١٨ إلى غير ذلك من الآيات والأخبار المراد بها العقد، ولهذا لو قال لامرأة : إن نكحتك فأنت طالق، فإنه يقع الطلاق بنفس العقد. وإذا صح أن المراد به في الشرع العقد وجب حمله عليه عند الإطلاق. وقال أبو بكر الرازي١٩ أنا أسلم أن المراد به العقد إذا أطلق إلا إذا كانت قرينة هناك تصرفه عن العقد إلى الوطء. وفي هذا المقام قرائن دالة على أن المراد به الوطء، ومن ذلك ما ذكره المفسرون أن الآية إنما نزلت في العرب وذلك أنها كانت تخلف آباءها في نسائهم، وإنما كانت تخلفهم في الوطء لأنهم ما٢٠ كانوا يجدون عقدا. ولهذا قال :﴿ إلا ما قد سلف ﴾ أي فإنه معفو/ ولا إثم فيه٢١، ولهذا سماه فاحشة٢٢ ولهذا حرم نكاح٢٣ موطوءة الأب بملك اليمين بحكم هذه الآية ولا نكاح هناك. قال٢٤ : ولا يمكن ادعاء العموم في مسميات مختلفة المعاني بعضها مجاز وبعضها حقيقة. يريد أنه لا يجوز أن يحمل قوله تعالى :﴿ ولا تنكحوا ﴾ الآية على العموم في العقد والوطء، لأنه حقيق في العقد مجاز في الوطء. وهذا قول أكثر الأصوليين، فأجاب عن هذا من نصر القول الآخر، بأن قال : الآية من أولها إلى آخرها إنما دلت على الوطء في العقد، ولهذا قال :﴿ وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ﴾ [ النساء : ٢٠ ]، وقال٢٥ :﴿ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم ﴾ [ النساء : ٢٣ ] إلى آخر الآية، ولم يجر للزنا فيه ذكر فكيف يحمل النكاح على ما لم يجر له في الآية ذكر. والآية إنما وردت في النكاح لا في الزنا، فلتحمل عليه، وكيف لا ! وقد قال٢٦ :﴿ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ﴾، فقيد ذلك بالصلب. فذكر الله عز وجل في هذا المقام حليلة الابن وتعرض لها، فكيف يعرض عن حليلة الأب ولا ذكر لها إلا في قوله عز وجل :﴿ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ﴾، فثبت بهذا أن الآية صيغت لبيان حكم النكاح. وأما لبيان حكم الزنا فلا. ثم كلام الشرع إنما يجوز حمله على ما لو صرح به كان٢٧ الكلام منتظما جاريا على وجه الاستقامة، ولا شك أنه تعالى لو قال : " ولا تزنوا٢٨ بما زنى به آباؤكم " كان ذلك شنيعا، فإن تخصيص ذلك بالأب مما لا وجه له، إذ الزنى محرم على الإطلاق. وهذا الجواب غير لازم، فإن القائل بالتحريم بالزنا لا يحمل النكاح على وطء النسب فحسب، بل يحمله/ على كل وطء بالعموم، فيندرج تحته الوطء٢٩ الحلال والحرام، فلا بشاعة في ذلك.
واختلف القائلون بأن وطء الزنا محرم في اللمس٣٠ والقبلة والنظرة إذا كان ذلك كله للشهوة، فجعله الحنفية مثل الجماع في التحريم قياسا عليه، وخالفهم غيرهم فيه. وفي المذهب قولان.
واختلف أيضا في الوطء بوجه٣١ شبهة، هل يحرم أم لا ؟ كمن وقع على ابنته بالليل وظنها امرأته، فالمشهور أنه وطء بموجب الحرمة كالوطء الصحيح الذي لا شبهة فيه. وحكي عن سحنون٣٢ أنه لا يوجب حرمة فلا تحرم أم ابنته عليه.
وقد أجمع الفقهاء على تحريم ما عقد عليه الآباء على الأبناء وما عقد عليه الأبناء على الآباء، كان مع العقد وطء أو لم يكن، واختلف إذا كان العقد مختلفا في فساده هل يقع به تحريم٣٣ ؟ فالمشهور أن التحريم يقع به حملا على العقد الذي لم يختلف في صحته. والآية إذا حملت على العقد كانت عامة في كل عقد، إلا أنه إنما ينبغي أن تحمل على العقد الشرعي.
١ هو صيفي بن عامر بن الأسلت ابن جشم بن وائل الأوسي الأنصاري أبو قيس شاعر جاهلي من حكمائهم، كان رأس الأوس وشاعرها وخطيبها وقائدها في حروبها، لقي الرسول وتريث في قبول الدعوة، فمات بالمدينة قبل أن يسلم، وذلك سنة ١هـ / ٦٢٣ م. انظر الأعلام: ج٣، ص ٣٠٣ – ٣٠٤، السيرة النبوية لابن هشام: ج١، ص٥٨..
٢ هو صفوان بن أمية بن خلف بن وهب الجمحي القرشي المكي أبو وهب صحابي فصيح جواد كان من أشراف قريش في الجاهلية والإسلام بعد الفتح، وكان من المؤلفة قلوبهم، مات بمكة. انظر الأعلام: ج٣، ص٢٩٦..
٣ هي فاختة بنت أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية القرشية المشهورة بأم هانئ أخت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وبنت عم النبي، أسلمت عام الفتح بمكة، وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفيت سنة ٤٠هـ / ٦٦١ م. انظر الأعلام: ج، ص..
٤ ورد في النسخ منظور ابن ريان، والصواب: منظور بن زيان ابن بشار العزاري، شاعر مخضرم من الصحابة سيد قومه تزوج امرأة أبيه مليكة بنت خارجة المزنية، وفرق بينهما الخليفة الأول أبو بكر الصديق، توفي سنة ٢٥ هـ / ٦٥٤ م. انظر الأعلام: ج٨، ص ٢٤٩..
٥ هو حاجب بن زرارة بن عدس الدارمي التميمي من سادات العرب في الجاهلية، أدرك الإسلام وأسلم وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات بني تميم، وتوفي سنة ٣هـ /٦٢٥م. انظر الأعلام: ج٢، ص ١٥٣..
٦ "تمجس" بياض في (ب)..
٧ في (هـ): "هاته"..
٨ "كان": سقطت في (هـ)..
٩ في (د) و(هـ): "وهو"..
١٠ "النساء" سقطت في (هـ)..
١١ المبرّد: هو أبو العباس بن محمد بن يزيد الأزدي، من أئمة النحاة، وكبار الأدباء، صاحب كتاب "الكامل"، وأخذ ابن أبي عمر الجرمي وأبي عثمان المازني، وأبي حاتم السجستاني، وأخذ منه الصولي ونفطويه وأبو علي الطوماري، توفي سنة ٢٨٥ هـ، انظر "منهاج اليقين" لأبي الحسن علي بن حبيب الماوردي: ص ١٠٧..
١٢ هو أبو إسحاق إبراهيم بن الشري بن سهل الزجاج، لغوي ومفسر، توفي سنة ٣١١ هـ/ ٩٢٣م. انظر مفتاح السعادة: ج١، ص ١٣٤ – ١٣٥، الفهرست لابن النديم: ص ٦٠ – ٦١، معجم الأدباء: ج١، ص ١٥٨٠ – ١٥١..
١٣ هو أبو عبيدة بن المثني التميمي، من علماء اللغة والنحو، ملما بأخبار العرب وأنسابهم، صنف كتبا منها: "المجاز في تفسير غريب القرآن" و"نقائص جرير والفرزدق" "ومعاني القرآن" توفي سنة ٢٠٧هـ/ ٨٢٢ م على خلاف في ذلك. انظر معجم المؤلفين: ج ١٢، ص٣٠٩ – ٣١٠، ونزهة الألباء للأنباري: ص١٠٤ – ١١١، وتهذيب التهذيب لابن حجر: ج١٠، ص ٢٤٦ – ٢٤٨..
١٤ في (هـ): "إن لفظ النكاح"..
١٥ قوله: "وقوله الشافعي أنه لا يثبت... أن النكاح" كله ساقط في (ج)..
١٦ في غير (هـ): "الصيغة"..
١٧ في (د) و(هـ): "عليه السلام"..
١٨ انظر صحيح البخاري: كتاب النكاح، باب ٣٦، ص ١٣٢، وسنن أبي داود: كتاب النكاح، باب ٢٠، ص ٥٦٦، سنن الترمذي: كتاب النكاح، باب ١٤، ص٤٠٧..
١٩ هو أبو بكر ابن أحمد بن علي الرازي الحنفي المعروف بالجصاص من فقهاء الحنفية، توفي سنة ٣٧٠ هـ / ٩٨١م، مفتاح السعادة: ص١٨٣، طبقات المفسرين: ج١، ص٥٥، العوائد البهية لابن عماد: ص٢٧، شذرات الذهب: ج٣، ص٧١، المنتظم: ج٧، ص١٠٥..
٢٠ "ما" ساقطة في (ج) و(د) و(هـ)..
٢١ في (د): "فإنه مغفور لا للإثم منه"..
٢٢ "ولهذا سماه فاحشة" ساقط في (ج)..
٢٣ "نكاح" ساقط في (د)..
٢٤ "قال" ساقط في (ج)..
٢٥ في (في (د): "قال تعالى"..
٢٦ في (د): "قال تعالى"، و(د): "الله تعالى"..
٢٧ في (هـ): "لكان".
٢٨ في (ب) و(د): "بمن"..
٢٩ كلمة "الوطء" سقطت في (هـ)..
٣٠ في (هـ): "في الجس"..
٣١ كلمة "بوجه" سقطت في (هـ)..
٣٢ هو أبو سعيد عبد السلام ابن سعيد التنوخي الملقب سحنون الفقيه المالكي، ولي القضاء بالقيروان، وصنف المدونة في مذهب الإمام مالك أخذها عن ابن القاسم، ولد في أول ليلة من رمضان سنة ١٦٠هـ وتوفي لتسع خلون من رجب سنة ٢٤٠هـ، انظر وفيات الأعيان: ج١ ص ١٩١ – ١٩٢..
٣٣ في (د):"تحريم أم لا"..
٢٣ قوله تعالى :﴿ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم ﴾ الآية :
هذه الآية وغيرها خصصت عموم آيات أخر تقتضي إباحة نكاح١ جميع النساء، و٢ منها قوله٣ :﴿ فانكحوا ما طاب لكم من النساء ﴾ [ النساء : ٣ ]، الآية، وقوله٤ :﴿ وأنكحوا الأيامى منكم ﴾ [ النور : ٣٢ ] الآية، لكن الله تعالى٥ خصص مما٦ يقتضي ذلك العموم سبع عشرة امرأة، فلم يجز نكاحهن : سبع بالنسب، واثنان بالرضاعة، وست بالصهر، واثنتان بالدين. فأما السبع بالنسب، فالأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، وهن المذكورات/ في هذه الآية. وأما الاثنتان بالرضاعة٧ : فالأمهات والأخوات وهما المذكورتان في هاته٨ الآية أيضا.
وأما الست٩ بالصهر : فأمهات امرأة الرجل والربائب وحلائل الأبناء والجمع بين الأختين وهؤلاء الأربع مذكورتان في هذه الآية. فأما الاثنتان المكملتان الست : فحلائل الآباء، وقد تقدم ذكرهن في الآية قبل هذه، والمحصنات من النساء وسيأتي ذكرهن في الآية بعد هذه، فهؤلاء الست بالصهر. وأما الاثنتان بالدين فلم يقع لهما ذكر في هذه الآية١٠، وهما : المشركات حتى يؤمن وقد تقدم ذكرهن في سورة البقرة١١، والإيماء المشركات ؛ لقوله تعالى :﴿ من فتياتكم المؤمنات ﴾ [ النساء : ٢٥ ] ١٢، وسيأتي ذكرهن في الآية بعد هذه.
وقد اختلف الأصوليون في قوله تعالى :﴿ حرمت عليكم أمهاتكم ﴾ هل هو نص صريح أم١٣ مجمل ؟
فذهب قوم من القدرية إلى أنه مجمل، لأن الأعيان لا تتصف بالتحريم وإنما يتصف بذلك ما يتعلق١٤ بها من الأفعال. وذلك الفعل١٥ في هذه الآية لا يدرى ما هو ؟ هل النظر أو المضاجعة١٦ أو الوطء١٧ فلا يدري أي ذلك حرم ولولا تبيينها١٨ بغيرها لما علم المراد منها. وذهب الأكثر إلى أن هذا نص لكنه ليس بنص بالوضع، ولكنه نص بالعرف، لأن الأسماء قسمان، وضعية وعرفية. والوضعية١٩ هي التي وضعت لشيء ما٢٠ ولا تقع على غيره. والعرفية التي خصصت ببعض موضوعها أو نقلت عنه إلى سواه فصارت فيما خصصت٢١ به أو نقلت إليه أعرف وأشهر وهذه تلحق بالوضعية بعرف الاستعمال فيها. ومن لاحن العرب ومارس اللغة واطلع على عرف أهلها علم٢٢ أنه لا يستراب في أن من٢٣ قال : حرمت/ عليك الدار إنما يريد الجماع٢٤ وهذا صريح عندهم مقطوع به فكيف يكون مجملا ؟
وقال قوم : هو من قبيل المحذوف ؛ كقوله :﴿ وسئل القرية ﴾ وهذا إن أراد به أنه مجاز فيلزم أن تسمى الأسماء العرفية٢٥ مجازا، ويدخل في قوله تعالى :﴿ حرمت عليكم أمهاتكم ﴾، كل من لها عليك ولادة ؛ لأنها أم. وفي قوله٢٦ :﴿ وبناتكم ﴾ كل من لك عليها ولادة، لأنها بنت ولفظ الأمهات حقيقة في الأمهات الوالدات مجاز في أمهات الأمهات وأمهات الآباء والأجداد. وكذلك البنات حقيقة في المولودات مجاز في٢٧ بنات البنات وبنات البنين، لكن التحريم شامل. فأما على قول من يرى اللفظ الشامل للحقيقة والمجاز عاما فتعلقه بالآية في التحريم٢٨ ظاهر. لكنه قول ضعيف، ومن لم ير ذلك فوجه تعلقه بالتحريم الإجماع. والدليل على أن٢٩ اسم الأمهات ليس حقيقة في الجدات أن٣٠ الصحابة٣١ لم يفهموا في ميراث الأبوين، ميراث الجدات والأجداد حتى يبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم. واستنبط أهل الإجماع بدقيق النظر، وروى لهم الراوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى٣٢ الجدة السدس. واختلفوا٣٣ في الجد مع الإخوة ولم يجهلوا معنى الاسم.
وقد اختلفوا في بنات٣٤ الإنسان٣٥ من الزنا، هل تحرم عليه أم لا ؟ فقال أبو حنيفة : تحرم، وقال الشافعي : لا تحرم. وقال مالك : مثل قول أبي حنيفة وقال ابن الماجشون٣٦ مثل قول الشافعي. واحتج المحرمون من الحنفية بأن قالوا : هي بضعه٣٧ فحرمت عليه كابنته من نكاح. واحتج من لم يحرم بأن الله تعالى إنما حرم/ على الإنسان البنت المضافة إليه، لقوله تعالى :﴿ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم ﴾ فأضاف التحريم إلى هذا الاسم المشتق فكأنه قال : حرمت البنت لبنوتها. وهذه الصبية الحاصلة من الزنا غير مضافة إلى الزاني، فلم تدخل في آية التحريم. وإذا خرجت من آية التحريم٣٨ دخلت في آية التحليل، وهي قوله :﴿ وأحل لكم ما وراء ذلك ﴾ ٣٩، وقال من حرم : الآية٤٠ التي تمسكوا٤١ بها عامة، فإن ولده من الزنا ولد له٤٢ حقيقة، وانتفاء الأحكام لا يدرأ هذه الحقيقة. والتحريم مما يختاط له، ثم حرم الله تعالى بعد الأمهات البنات الأخوات٤٣. وذكر بنات الأخوات٤٤ لأن اسم الأخ لا يتناول ابن الأخ مجاز ولا حقيقة. والكلام في أمر العمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهات الرضاعة وما يحرم بسببهن٤٥ الكلام فيما تقدم، فيدخل في قوله٤٦ ﴿ وأخواتكم ﴾ جميع الأخوات أشقاء أو غير أشقاء٤٧، وفي قوله٤٨ :﴿ وعماتكم وخالتكم ﴾ كل من ولده جدك أو جدتك وإن علوا٤٩ من قبل الأب كانا أو من قبل الأم٥٠. ولا يدخل في ذلك شيء من بناتهن. قال تعالى :﴿ يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك التي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عمتك وبنات خالك وبنات خالاتك ﴾ الآية [ الأحزاب : ٥٠ ].
وفي قوله تعالى :﴿ وبنات الأخ وبنات الأخت ﴾ : كل من لأخيك عليه ولادة ولأختك عليه ولادة، ويدخل في قوله تعالى :﴿ وأمهاتكم التي أرضعناكم ﴾ أمهاتهن وإن علون، وفي قوله٥١ :﴿ وأخواتكم من الرضاعة ﴾، الأخوات للأب والأم وللأم دون الأب وللأب دون الأم. وعند الجمهور أن الأمر كذلك يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، كما جاء في الحديث٥٢. وقال نفاة القياس : لا يحرم بالرضاع إلا/ الأمهات والأخوات ؛ لقوله تعالى :﴿ وأمهاتكم التي أرضعناكم وأخواتكم من الرضاعة ﴾ ٥٣، فلو حرم غيرهن لذكره٥٤ ؛ ولقوله تعالى :﴿ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ﴾ فدل٥٥ ذلك على إباحة حليلة الابن من الرضاع.
واختلف في قدر ما يحرم من الرضاع على أربعة أقوال :
فقيل : المصة الواحدة تحرم، وقيل : الثلاث٥٦ وقيل : الخمس، وقيل : العشر. والأول أصح. قال ابن القصار٥٧ : الاعتبار٥٨ فيه حصوله٥٩ في البطن، يريد لعموم قوله تعالى :﴿ التي أرضعناكم ﴾ ولم يخص فوجب تعلق الحكم بما يقع٦٠ عليه اسم الرضاعة، إلا أن يأتي ما يخص ذلك بسنة أو إجماع أو دليل. وقد ضعف بعضهم التعلق بهذا العموم، لكونه جاء لغرض٦١ آخر غير غرض النعيم، وإن كانت صغته صيغة٦٢ العموم. والشافعي يمنع الاستدلال٦٣ بجنس٦٤ هذا العموم.
واختلف في ابن الصغيرة هل يحرم أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى أنه يحرم. وقال ابن الجلاب٦٥ : إن كانت صغيرة مثلها لا يوطء لا يحرم٦٦ والأول أقيس لعموم قوله تعالى :﴿ التي أرضعناكم ﴾.
واختلف في رضاع الرجل هل يحرم أم لا ؟ فقال مالك : لا يحرم ؛ لقوله عز وجل٦٧ :﴿ وأمهاتكم التي أرضعناكم ﴾ ٦٨، ولا أرى هذا أما. وقال بعض٦٩ أهل المذهب : يقع بلبنه التحريم، وقد يتأول على مالك قال : وذكر الله تعالى٧٠ الأمهات لأنه الغالب. واختلف في لبن البهائم هل يحرم أم لا ؟ فالجمهور على أنه يحرم، وذهب قوم من أهل المدينة : إلى وقوع التحريم به٧١. وحجة القول الأول : قوله تعالى :﴿ وأمهاتكم التي أرضعناكم ﴾ والبهائم لا تكون أمهات. واختلف في لبن الفحل هل يحرم أم لا ؟ فذهب جماعة إلى أنه لا يحرم. واحتجوا بقوله تعالى :﴿ وأمهاتكم التي أرضعناكم ﴾ ولم يقل : وبناتكم/ من الرضاعة، فلو كان للفحل لبن لحرم٧٢ البنت من الرضاع٧٣ كما حرم الأم والأخوات. والجمهور على أنه يحرم، والحجة له حديث أفلح٧٤ وغيره. وقال ابن سيرين : كرهه قوم، ولا يرى قوم٧٥ به بأسا، ومن كرهه كان أفقه.
واختلف في رضاع الكبير، حرم به قوم، ومن حجتهم : ظاهر الآية ولم يحرمه الجمهور، لما جاء عنه عليه الصلاة والسلام٧٦ من قوله :﴿ الرضاعة من المجاعة ﴾ ٧٧، ونحو ذلك من الأحاديث. واختلف في لبن الميتة هل يحرم أم لا ؟ على قولين٧٨ : ومن حجة من لا يراه٧٩ يحرم قوله تعالى :﴿ أرضعناكم ﴾ وهذه٨٠ لم ترضع. ويدخل في قوله تعالى :﴿ وأمهات نسائكم ﴾ الأمهات٨١ وإن علون. وفي قوله :﴿ وربائبكم التي في حجوركم من نسائكم ﴾ كل من الربائب عليها ولادة. وفي قوله :﴿ وحلائل أبنائكم ﴾ حلائل أبناء النسب، وأبناء الرضاعة، وحلائل كل من لواحد منهم عليه ولادة. وهذه الآية من قوله :﴿ حرمت عليكم أمهاتكم ﴾ إلى قوله :﴿ وأن تجمعوا بين الأختين ﴾ تقتضي تحريم الاستمتاع، فيستوي فيه الاستمتاع بالنكاح وبملك اليمين، لأن الله تعالى٨٢ إنما حرم النكاح لأنه طريق إلى الاستمتاع، وملك اليمين مثله، إلا أن تحريم٨٣ الاستمتاع يمنع النكاح ولا يمنع ملك اليمين، فيمن لا تعتق منهن بالملك٨٤. وقوله :﴿ وحلائل أبنائكم ﴾ لا يقتضي ذلك تحريم ما وطئه الابن بملك اليمين٨٥ ؛ لأن لفظ الحليلة مخصوص بالمنكوحة، لكن الإجماع اقتضى إلحاقها بها. أما قوله :﴿ وأن تجمعوا بين الأختين ﴾ فلا تدخلوا مع الأختين غيرهما في ذلك الحكم بالآية، بل إن كان فبالقياس، كما قال بعض أصحاب مالك : إن كل / امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا لم يحل له أن يتزوج٨٦ الأخرى فلا يجوز الجمع بينهما في النكاح قياسا على الأختين فيحرم٨٧ على هذا الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها خلافا لمن لا يعتد بخلافه٨٨، وهو مذهب عثمان البتي٨٩ والخوارج. وأصح ما يعتمد عليه في هذا الباب الخبر الوارد بالنهي على الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها ؛ إلا أن فيه نظرا، لأنه زيادة على ما في النص فيختلف فيها هل هي٩٠ نسخ أم لا ؟ فإن كانت نسخا فنسخ القرآن بأخبار الأحاد فاسد، وإن لم يكن نسخا صح إلحاق ما في الخبر بما في الآية، وأيضا فإن المجيزين للجمع بين المرأة وعمتها وخالتها تعلقوا بقوله تعالى :﴿ وأحل لكم ما وراء ذلكم ﴾. ورأوا عموم الآية أولى من نص الخبر وذلك بناء منهم على أن أخبار الآحاد لا يخص٩١ بها عموم القرآن، وقد اختلف فيه الأصوليون، والصحيح جوازه. وقالت طائفة : المعتمد عليه من ذلك معنى نص القرآن بتحريم الجمع بين الأختين٩٢، والمعنى في ذلك أن كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل له نكاح الأخرى، فلا يجوز الجمع بينهما فلذلك لم يجز الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها٩٣، فعلى هذا التعليل يجوز الجمع بين ابنتي العمة والعم وابنتي الخالة والخال، وهو قول الجمهور، خلافا لمن منع الجمع بين كل امرأتين بينهما قربى، وعلل ذلك بما فيه من القطيعة، وهو قول الحسن بن أبي الحسن وجابر٩٤ وإسحاق بن طلحة بن عبد الله٩٥ وعطاء في رواية عنه وسنذكر ما يتعلق بهذه المسألة من المسائل إن شاء الله تعالى٩٦. ويدخل في قوله :﴿ ولا تنكحوا / ما نكح آباؤكم ﴾ أباء الآباء ومن فوقهم من الأجداد من النسب والرضاعة.
وقد اختلف في أمهات المرأة بماذا يحرمن هل٩٧ بالعقد خاصة أو بالوطء مع العقد ؟ فذهب الجمهور إلى أنهن يحرمن بالعقد خاصة. وذهب علي بن أبي طالب٩٨ وغيره إلى أنهن لا يحرمن إلا بالوطء. وجاء عن ابن عباس كلا القولين. وقال زيد بن ثابت٩٩ : إن طلق البنت قبل الدخول تزوج الأم إن شاء الله١٠٠، وإن م
١ كلمة "نكاح" سقطت في (د)..
٢ "واو"سقطت في (د) و(هـ): "قوله تعالى"..
٣ في (د) و(هـ): "قوله تعالى"..
٤ في (د): "وقوله تعالى"..
٥ في (د) سقطت كلمة "تعالى"..
٦ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "بما"..
٧ في (هـ): "وأما اللتان بالرضاعة"..
٨ في (د) و(هـ): "هذه"..
٩ في (هـ):"التي بالصهر"..
١٠ من قوله: "قبل هذه والمحصنات...."إلى قوله: "لهما ذكر في هذه الآية" كله ساقط في (هـ)..
١١ قوله: "بالدين فلم يقع لهما ذكر... وقد تقدم ذكرهن في سورة البقرة" كله ساقط في (ج)..
١٢ في غير (ج) و(هـ) و(د): "كمن نسائكم المؤمنات"، والصواب ما أثبتناه..
١٣ كلمة "ص صريح أم" ساقط في (ج) و(د) و(هـ) و(ب)..
١٤ كلمة "يتعلق" ساقط في (ج)..
١٥ كلمة "وذلك الفعل" ساقطة في (هـ)..
١٦ في (ب): "المضاعفة" والصواب ما أثبتناه..
١٧ في (هـ): "والوطء"..
١٨ كلمة "ولولا تبيينها" ساقطة في (هـ)..
١٩ في (هـ): "فالوضعية"..
٢٠ في (هـ): "لشيء معين ولا تقع"..
٢١ "ببعض موضوعها أو نقلت عنه إلى سواه فصارت فيما خصصت" كله ساقط في (ج) و(د)..
٢٢ "عرف أهلها علم" ساقط في (ج) و(د)..
٢٣ في (هـ): "فيمن قال"..
٢٤ في (هـ): "الاستمتاع"..
٢٥ في (هـ): "العربية"..
٢٦ في (د) و(هـ): "قوله تعالى"..
٢٧ "في أمهات الأمهات وأمهات الآباء والأجداد، وكذلك البنات حقيقة في المولودات مجاز" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٢٨ في (ب) و(ج) و(د): "فتعلقه بالتحريم في الآية" وأما في (هـ): "فتعلقه التحريم بالآية"..
٢٩ "أن" ساقطة في (ب) و(د)..
٣٠ "أن" ساقطة في (ب) و(ج) و(د)..
٣١ في (هـ): "قول الصحابة"..
٣٢ في غير (هـ): "أطعم"..
٣٣ في (هـ): "اختلف".
٣٤ في (د): "بنت"..
٣٥ في (هـ): "الرجل"..
٣٦ هو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون صاحب مالك، توفي ٢١٢ هـ/ ٨٢٧م، وقيل ٢١٣هـ/ ٨٢٨م. انظر وفيات الأعيان: ج٣، ص ١٦٦. الأعلام: ج٤، ص ٨٠٥، وميزان الاعتدال: ج٤، ص٨٠٥..
٣٧ في (د): "بضعته". وفي مختار الصحاح: البضعة: القطعة من اللحم.
٣٨ "وإذا خرجت من آية التحريم" ساقط في (هـ)..
٣٩ في (هـ): "ذلك" والصواب ما أثبتناه..
٤٠ "الآية" ساقط في (د)..
٤١ في (ب) و(ج) و(د): "تكلموا"، وأما في (هـ): "تمسك"..
٤٢ في (هـ): "ولده حقيقة"..
٤٣ في غير (هـ): "الأخوات"..
٤٤ "وذكر بنات الأخوات" ساقط في (هـ)..
٤٥ في (د): "مسيسهن"..
٤٦ في (د): "قوله تعالى"..
٤٧ "أو غير أشقاء": ساقط في (ج)..
٤٨ في (د): "قوله تعالى"..
٤٩ "علون"..
٥٠ "كانا أو من قبل الأم" ساقط في (ج)..
٥١ في (د) و(هـ): "قوله تعالى"..
٥٢ من قوله: "وللأم دون الأب..." إلى قوله: "كما جاء في الحديث" كله ساقط في (ج) و(د) و(هـ): والحديث أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الشهادات، باب٧..
٥٣ من قوله: "الأخوات للأب والأم، وللأم دون الأب وللأب دون الأم... إلى قوله: وأخواتكم من الرضاعة" ساقط في (ب)..
٥٤ لقوله: "وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة فلو حرم غيرهن لذكره" ساقط في (ج)..
٥٥ في (د): "ودل"..
٥٦ "وقيل الثلاثة" ساقط في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٥٧ هو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي القاضي المعروف بابن القصار، أصولي نظارة، وقليل الحديث من كبار فقهاء المالكية، توفي سنة ٣٩٨هـ / ١٠٠٨م. انظر الديباج: ص ١٩٩، معجم المؤلفين: ج٧، ص ١٢، وطبقات الفقهاء: ١٨٦..
٥٨ في (ب): "الاختبار فيه" وفي (ج): "الاعتبار في"..
٥٩ في (هـ): "الاعتبار بحوصلة في البطن".
.

٦٠ في (هـ): "يصدق" مع سقوط: "اسم الرضاعة"..
٦١ في غير (هـ): "بغرض"..
٦٢ "صيغة" ساقط في (ج) و(هـ)..
٦٣ في (د): "هذا الاستدلال"..
٦٤ في (هـ): "بمثل"..
٦٥ هو أبو القاسم عبيد الله بن الحسن، وفي هدية العارفين: عبيد الله ابن الحسن، وفي الطبقات: عبد الرحمان بن عبد الله المعروف بابن الجلاب، توفي سنة ٣٧٨هـ / ٩٨٨م. وقيل سنة ٣٧٥هـ / ٩٨٥م. انظر شذرات الذهب: ج٣، ص٩٣، هدية العارفين: ج١، ص ٦٤٧، طبقات الفقهاء: ص١٦٨، والديباج لابن فرحون: ص١٤٦..
٦٦ في (ج): "لم يوطء لم يحرم" وفي (د): "لم يرضع لم تحرم" وأما في (هـ): "لم يحرم"..
٦٧ في (د): "لقوله تعالى"..
٦٨ "واختلف في الرضاع الرجل هل يحرم أم لا؟ فقال مالك: لا يحرم، لقوله عز وجل: ﴿وأمهاتكم التي أرضعنكم﴾ ساقط في (ج)..
٦٩ "بعض" كلمة ساقطة في (د)..
٧٠ "تعالى" كلمة غير مذكورة في (هـ)..
٧١ في (د): "إلى التحريم"..
٧٢ في (هـ): "لبن محرم لحرم"..
٧٣ في (هـ): "الرضاعة"..
٧٤ انظر صحيح البخاري: كتاب التفسير، باب٩، ص ١١٧، وكتاب النكاح: باب٢٢، وسنن ابن ماجه: كتاب النكاح، باب٣٨..
٧٥ "ولم يره قوم"..
٧٦ في (د) و(هـ): "عليه السلام"..
٧٧ انظر صحيح البخاري: كتاب الشهادات، باب٧، ص ١٤٩ – ١٥٠، وصحيح مسلم: كتاب الرضاعة، باب ٨، ص ١٠٧٨..
٧٨ في (د): "قولين في المذهب" وسقطت في (هـ)..
٧٩ في (هـ): "لم يره"..
٨٠ في (هـ): "وهاته"..
٨١ في (هـ):"أمهات الأمهات"..
٨٢ في (د): "لأنه تعالى"..
٨٣ في (هـ) و(ج) و(د): "نكاح"..
٨٤ في (ب) و(ج): "بملك اليمين" وفي (د): "بملك يمين"..
٨٥ وقوله: "وحلائل أبنائكم لا يقتضي ذلك تحريم ما وطءه الابن بملك اليمين" ساقط في (ج) و(د) و(هـ)..
٨٦ في (هـ): "لم يحل له التزوج"..
٨٧ في (د) و(هـ):"فيجري"..
٨٨ في (ب) و(ج): "خلاف لا يعتد به" وفي (هـ): "خلا لمن لا يعتد به" وأما كلمة "بخلافة" فساقطة في (ب) و(ج) و(هـ)..
٨٩ "البتي" بياض في (ب) و(ج)..
٩٠ في (د) و(هـ): "فاختلف فيه هل هو"..
٩١ في (د) و(هـ): "لا يخص"..
٩٢ من قوله: "والصحيح جوازه وقال طائفة..." إلى قوله: "الجمع بين الأختين" ساقط في (ج)..
٩٣ في (هـ): "وعمتها وخالتها"..
٩٤ هو جابر بن زيد: هو أبو الشعثاء جار بن زيد الأزدي اليحمدي البصري، توفي سنة ٩٣ هـ/ ٧١٢م. وقيل سنة١٠٤ هـ /٧٢٢م. انظر تهذيب التهذيب: ج٣٨، – ٣٩، ولعله جابر بن سمرة: وهو أبو عبيد الله بن سمرة بن جنادة، ويقال: ابن عمرو بن جندب، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه خلق كثير، توفي سنة ٧٣هـ / ٦٩٢م، وقيل سنة ٧٣هـ /٦٩٣م، انظر أيضا تهذيب التهذيب: ج٢، ص ٩٣ – ٤٠..
٩٥ في (ج) و(د): "وإسحاق وطلحة ابن عبد الله"..
٩٦ في (هـ): "من الأحكام إن شاء الله"..
٩٧ "هل" ساقطة في (ج)..
٩٨ في (هـ): "رضي الله تعالى عنه"..
٩٩ هو زيد ابن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي صحابي، كان كاتب وحي وأحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار وعرضه عليه، توفي سنة ٤٥هـ/ ٦٦٥م. انظر الأعلام: ج٣، ص٩٦..
١٠٠ في (هـ): "قبل الدخول جاز له نكاح الأم"..
٢٤ قوله تعالى :﴿ والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ﴾ :
اختلف في تأويله، فقال ابن عباس والزهري١ وغيرهما : المحصنات٢ ذات الأزواج وما ملكت الأيمان السبايا ذوات الأزواج. روى أبو سعيد٣ أن سبب٤ الآية٥ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا إلى أوطاس، فلقوا عدوا وأصابوا سبيا٦ من أزواج المشركين٧ فتأثم المسلمون من غشيانهن، فنزلت الآية مرخصة. وبهذا٨ القول في الآية يحتج٩ من يرى أن السبي يهدم النكاح، سبيا جميعا أو متفرقين، وهو قول ابن القاسم وأشهب. وكذلك على مذهبهما إذا سبي أحدهما قبل صاحبه، ثم أتى الآخر بأمان. وأما إذا أتى أحدهما أولا بأمان ثم سبي الثاني فلا ينهدم النكاح، وفي المسألة أربعة أقوال : أحدها : ما ذكرته ويعضده تأويل الآية كما قدمته. والثاني : أن السبي مبيح فسخ النكاح إلا أن يقدم أحدهما قبل صاحبه بأمان، وإلى هذا ذهب١٠ ابن حبيب١١، وعليه تأتي رواية عيسى١٢ عن ابن القاسم. والثالث : أن السبي لا يهدم النكاح، سبيا جميعا أو متفرقين، وهو قول ابن المواز. والرابع : الفرق بين أن تسبى هي قبله١٣، أو١٤ يسبى هو قبلها أو معها١٥ فيستحي١٦، وهو قول ابن بكير١٧ في " الأحكام ". وقال ابن عباس أيضا وابن مسعود وغيرهما : المحصنات ذوات الأزواج من السبايا وغيرهن، وأنهن ملكن حل وطئهن. فرأوا أن/ بيع الأمة أو وراثتها أو هبتها أو الصدقة بها تطليق لها من الزوج، وظن هؤلاء أن الآية عامة، ولم ينظروا إلى خصوص السبب الذي وردت فيه. وجمهور العلماء على أن انتقال الملك في الأمة لا يكون طلاقا، وقصروا الآية على سببها في سبي أهل الحرب، وأن لا طلاق لها إلا الطلاق. وقال عمر١٨ وأبو العالية١٩ وغيرهما وروي نحوه عن ابن عباس٢٠ : المحصنات العفائف أي كل النساء حرام وألبسن اسم الإحصان إذ الشرائع في أنفسها تقتضي ذلك. وما ملكت الأيمان معناه : بنكاح أو شراء وعلى هذا تأول بعضهم قول مالك في " الموطأ " وهن٢١ ذوات الأزواج، وهو تأويل بعيد، وهذا القول٢٢ يرجع إلى تحريم الزنا٢٣. وقال٢٤ غيره : فيما ذكر الطبري٢٥ عنه : المحصنات الحرائر وما ملكت الأيمان معناه بنكاح منهن والاستثناء متصل، وإن أريد الإماء فيكون الاستثناء منقطعا، وقال بعضهم : وحرم عليكم٢٦ المحصنات إلا ما ملكت أيمانكم، يعني : الأزواج، فحرم ما فوق الأربعة، فهذه خمسة أقوال في الآية.
والإحصان في القرآن يكون إما بالإسلام وإما بالحرية، وإما بالعفاف وإما بالتزويج، وأصله المنع وهو يكون بالوجوه الأربعة. ويروى أن رجلا قال لسعيد ابن جبير٢٧ : أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية فلم٢٨ يقل فيها شيئا. قال سعيد ابن جبير٢٩ : كان ابن عباس لا يعلمها٣٠ وذكر عن مجاهد أنه قال : " لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل " قوله :﴿ والمحصنات ﴾ إلى قوله :﴿ حكيم ﴾.
قوله تعالى :﴿ كتاب الله عليكم ﴾ :
قال عبيدة السلماني٣١ وغيره : هذه إشارة إلى ما ثبت في القرآن من قوله :﴿ مثنى وثلاث ورباع ﴾، وفي هذا بعد. وقيل : هذا٣٢ / يرجع إلى جميع المحرمات المذكورات قبل، والأظهر أنه إشارة إلى التحريم الحاجز بين الناس وبين ما كانت العرب تفعله.
وقوله تعالى :﴿ وأحل لكم ما وراء ذلكم ﴾ :
اختلف في تأويله، فقال السدي : المعنى : وأحل لكم ما وراء من٣٣ حرم من سائر القرابة، فهن حلال٣٤ لكم تزويجهن. وقال قتادة : المعنى : وأحل لكم ما وراء ذلكم من الإماء٣٥ وقال بعضهم : لفظ الآية يعم جميع الأقوال ويجوز الجمع بين المرأة وبين امرأة أبيها، خلافا لبعضهم في كراهة ذلك٣٦ ولابن أبي ليلى في منعه، لأن٣٧ الله تعالى ذكر جميع المحرمات ولم يذكر منهن من٣٨ وقع الكلام فيه. ثم قال :﴿ وأحل لكم ما وراء ذلكم ﴾، فالجمع بينهما مباح بظاهر٣٩ القرآن ؛ إلا أن يأتي في السنة ما يخصصه ولم يأت ذلك. ومن٤٠ لم يجز ذلك، تعلق بالمعنى الذي ذكر من٤١ تحريم الجمع بين الأختين، وأن معناه : الجمع بين كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا لم يجز له نكاح الأخرى، قال : فكذلك المرأة وامرأة أبيها وقد انفصل من علل بذلك عن هذا الاعتراض بانفصالين، فحكي عن سفيان أنه قال : معنى ذلك عندنا أن يكونا من نسب. وقال بعض المتأخرين : إنما جاز الجمع بين المرأة وامرأة أبيها، وإن عللنا بما تقدم ؛ لأن المرأة لو كانت رجلا يحل له نكاح الأخرى. والبنت لو كانت رجلا لم يحل له نكاح المرأة لأنها امرأة أبيه، وقد أجمعوا أنه يجوز للرجل أن يتزوج ما ولدت امرأة أبيه٤٢. واختلفوا٤٣ هل يجوز٤٤ له أن يتزوج ما ولدت بعد أبيه على٤٥ ثلاثة أقوال، أحدها : أن ذلك جائز، وهو قول مالك وإحدى الروايتين عن ابن القاسم. والثاني : أن ذلك لا يحل، وهو قول ابن القاسم الآخر٤٦. والثالث : أن ذلك مكروه، وهو قول طاووس. والحجة/ لجواز ذلك قوله تعالى :﴿ وأحل لكم ما وراء ذلكم ﴾.
وقوله تعالى :﴿ أن تبتغوا بأموالكم ﴾ :
لفظ يجمع التزوج والشراء، ومقتضاه أن٤٧ يبتغي كل واحد بمال نفسه، وقد ظن بعضهم أن المراد بذلك أن كل واحد يبتغي٤٨ أن يصدق ما يسمى مالا٤٩ وظاهره أكثر من العشرة فيكون على هذا أقل الصداق عشرة دراهم، وهو تأويل واستدلال ضعيف، كيف وقد قال تعالى :﴿ وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة ﴾ ٥٠ [ البقرة : ٢٣٧ ]، وذلك يقتضي إيجاب نصف المفروض قليلا كان أو كثيرا قال أبو الحسن : قوله تعالى :﴿ أن تبتغوا بأموالكم ﴾ يقتضي منع عتق الأمة أن يكون صداقا لها، خلافا لأحمد ابن حنبل لدلالة الآية على كون المهر مالا، وليس في العتق تسليم مال٥١ وإنما فيه٥٢ إسقاط الملك من غير أن تستحق٥٣ هي تسليم مال إليها. وجوز الشافعي جعل منفعة الحر صداقا خلافا لمن لم يجوزه٥٤. ولا خلاف عنده في منفعة العبد ؛ لأن المنفعة عنده٥٥ مال. وقد وردت في ذلك أخبار نصوص. والذي جاء في الحديث، من أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عتق صفية صداقها، لا يعارض استدلالنا٥٦ بالقرآن لاحتمال كون٥٧ ذلك مخصوصا بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن النكاح بلا مهر كان له صلى الله عليه وسلم جائزا وكذلك قوله٥٨ :﴿ وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ﴾ [ النساء : ٤ ] الآية، يدل على أن العتق لا يكون صداقا. وقد استدل بعضهم بقوله تعالى :﴿ أن تبتغوا بأموالكم ﴾ الآية على أن الصداق إذا كان خمرا أو خنزيرا فسخ النكاح٥٩ قبل الدخول وبعده، قال : لأن الخمر والخنزير ليسا من أموالنا، خلافا للرواية/ الأخرى عن مالك أنه٦٠ يفسخ٦١ قبل ولا يفسخ بعد، وخلافا لأبي حنيفة والشافعي في قولهما : إن النكاح لا يفسخ قبل ولا بعد ويثبت بصداق المثل.
وقوله تعالى :﴿ محصنين ﴾ :
معناه : متعففين، غير مسافحين أي غير زناة٦٢. قال بعضهم : فيحتمل أن يريد : " اطلبوا منافع البعض على وجه النكاح لا على وجه السفاح " ويحتمل أن يريد بقوله :﴿ محصنين ﴾ أي تزوجوهن على شرط الإحصان٦٣.
قوله تعالى :﴿ فما استمتعتم به منهن ﴾ الآية :
اختلف في تأويلها، فقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : المعنى فإذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء ولو مرة قد وجب إعطاء الأجر وهو المهر كله. ولفظة " ما " تعطي أن يسير الوطء يوجب٦٤ إيتاء الأجر. وهذا التفسير يرد قول أبي حنيفة وأصحابه : أن الخلوة الصحيحة توجب المهر كله وطء أو لم يطأ، ادعته المرأة أو لم تدعه ؛ لأن الخلوة دون وطء ليس باستمتاع.
وظاهر٦٥ الآية على هذا التفسير أن المهر لا يجب إلا بالوطء، وهو قول مالك وجميع أصحابه. وقد اختلف فيمن دخل بالزوجة وتلذذ بها ولم يطأها هل يجب لها جميع الصداق٦٦ أو نصفه ؟ ومن حجة من يوجب لها جميعه ظاهر هذه الآية، لأن ذلك استمتاع بها فأخذ بأقل ما يقع عليه اسم الاستمتاع. واختلف أيضا في الوطء في الدبر هل هو كالوطء في الفرج في استحقاق جميع الصداق أم لا ؟ وكذلك اختلف٦٧ في البكر إذا أذهب الرجل٦٨ عذريتها بأصبعه ولم يطأها، هل هو كالوطء في وجوب٦٩ الصداق أم لا ؟ وكذلك اختلف٧٠ في المجبوب والحصور٧١ وما أشبه / ذلك٧٢ ممن لا يصل إلى الجماع هل يجب عليه جميع الصداق إذا لم تطل مدة إقامته٧٣ أم لا ؟ ولم ير٧٤ في ذلك كله إلا نصف الصداق وحمل هذه الآية على الوطء. ونص قوله تعالى :﴿ وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ]، يدل على أنه إنما لها النصف. وقد استدل بعضهم بهذه الآية على أن الصداق إنما يجب جميعه بالدخول، خلافا لمن يقول : يجب٧٥ بالعقد وجوبا غير مستقر ولمن يقول : يجب بالعقد ويسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول٧٦ ولمن يقول : يجب نصفه بالعقد ونصفه الثاني بالدخول والاستمتاع، وقال أبو إسحاق الزجاج : معنى قوله تعالى :﴿ فما استمتعتم به منهن ﴾ أي ما٧٧ نكحتموه منهن فأتوهن مهورهن فإن استمتع بالدخول بها أعطى المهر كله. وإن استمتع بعقد٧٨ النكاح أعطى نصف المهر. والمتاع في اللغة ما انتفع به، فعلى هذا القول الاستمتاع يقع على الوطء والعقد. وقال ابن عباس ومجاهد أيضا وغيرهما : أن المراد بآية المتعة التي كانت٧٩ مباحة في أول الإسلام. وقرأ ابن عباس وأُبيّ، وابن جبير :﴿ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فأتوهن أجورهن ﴾، وقال ابن عباس لأبي بالبصرة : هكذا أنزلها الله٨٠ عز وجل. والذين ذهبوا إلى التأويل اختلفوا في الآية هل هي محكمة أو منسوخة ؟ فذهب قوم أكثرهم الشيعة إلى أنها محكمة وأن نكاح المتعة جائز، وروي ذلك عن ابن عباس. وقال علي : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنا إلا شقي. وذهب الجمهور إلى أن الآية منسوخة على ذلك التأويل/ وأن نكاح المتعة اليوم باطل، وروي عن ابن عباس الرجوع عنه٨١ وروي عنه أنه لما بلغه قول الشاعر :
قال المحدث لما طال مجلسنا يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس ٨٢
في بضة٨٣ رخصة الأطراف ناعمة تكون مثواك حتى مرجع الناس.
قال علي زمزم، فقال : من عرفني فقد عرفني٨٤، ومن لم يعرفني فأنا ابن عباس، ألا إن المتعة حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير. واختلفوا في الناسخ لها٨٥ على أربعة أقوال : فذهب قوم إلى أن الناسخ لها السنة بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمها، وذهب قوم إلى أن الناسخ لها القرآن قوله تعالى :﴿ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ﴾ [ الطلاق : ١ ]، وروي هذا عن ابن عباس. وذهب قوم إلى أن الذي نسخها من القرآن آية الميراث، لأن المتعة لا ميراث فيها. وقال قوم : نسخها من القرآن قوله تعالى :﴿ والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم ﴾ الآية [ المؤمنون : ٥ – ٦ ]، قالوا : ولا زوجة مع الأجل. قال ابن مسعود : نسخ المتعة الطلاق والعدة والميراث. واختلف في المتعة كيف كانت ؟ قيل٨٦ : أن يتزوج الرجل المرأة٨٧ بشاهدين٨٨ وإذن الولي إلى أجل مسمى، وعلى أن لا ميراث بينهما ويعطيها ما اتفقا عليه، فإن٨٩ انقضت المدة فليس عليها سبيل ويستبرئ رحمها٩٠ ؛ لأن الولد لاحق به٩١ فإن لم تحمل حلت لغيره، وفي كتاب ابن٩٢ النحاس ما يوهم أن الولد كان لا يلحق٩٣ في نكاح المتعة وهو خطأ. وقيل : إن
١ هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، فقيه، حافظ ثقة ثابت. اختلف في تاريخ وفاته، فقيل: سنة ١٢٣ هـ/ ٧٤٧م، وقيل: سنة ١٢٥هـ/ ٧٤٣م. انظر: شجرة النور الزكية: ص٤٦، شذرات الذهب: ج١، ص١٦٢ – ١٦٣، تهذيب التهذيب: ج٩، ص ٤٤٥ – ٤٥١..
٢ "وغيرهما المحصنات" ساقط في (ج)..
٣ في (ب) و(د): "ابن سعيد" والصواب ما أثبتناه. أما أبو سعيد فهو: سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي صحابي ملازم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولد سنة ١٠ق. هـ/ ٦١٣م، وتوفي سنة ٧٤هـ / ٦٩٣م. انظر: الأعلام: ج٣، ص١٣٨..
٤ من قوله: "ذات الأزواج وما ملكت..." إلى قوله: "أبو سعيد إن سبب" كله ساقط في (ج)..
٥ في (هـ):"إن سبب نزول الآية"..
٦ في (ج): "سبيا لهن"..
٧ في (د) و(هـ): "سبيا لهن أزواج من المشركين"..
٨ في (هـ): "وهذا"..
٩ في (هـ): "وهذا القول في الآية يحتج به"..
١٠ في (هـ: "وإليه ذهب"..
١١ هو أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن عباس القرطبي من كبار فقهاء المالكية توفي سنة ٢٣٨هـ /٨٥٢م. انظر: تاريخ علماء الأندلس: ج١، ص٢٢٥ – ٢٢٨، تهذيب التهذيب ج٢٦، ص ٣٩٠ – ٣٩١..
١٢ هو عيسى ابن دينار، فقيه من أهل الفتيا في قرطبة، ولي القضاء بطليطلة، توفي سنة ٢١٢هـ/٨٢٧م. انظر الديبا: ص ١٧٨ – ١٧٩..
١٣ "إن تسبي هي قبلة" ساقط في (ب) و(د) و(هـ)..
١٤ في (د) و(هـ): "أن"..
١٥ في (ج): "الفرق بين السبي هو قبلها أو معها"..
١٦ في (د): "فيستحبا"..
١٧ هو محمد بن أحمد بن محمد بن بكير له كتاب أحكام القرآن، توفي ٣٠٥هـ / ٩١٧م. انظر فهرست ابن خير: ص٥٣..
١٨ في (د): "عمر رضي الله تعالى عنه" وفي (هـ): "رضي الله عنه"..
١٩ هو أبو العالية الرياحي رفيع بن مهران البصري، توفي سنة ٩٣هـ / ٧١٢م. انظر طبقات الفقهاء: ص٨٨، تذكرة الحفاظ: ج١، ص ٥٣، تهذيب التهذيب: ج٣، ص٢٨٤..
٢٠ "ابن عباس" ساقط في (هـ)..
٢١ في (ب): "وهي".
٢٢ في (ج) و(د) و(هـ): "وهذا التأويل"..
٢٣ في (د): "التحريم"..
٢٤ في (ج) و(د) و(هـ):"وقول"..
٢٥ هو أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري صاحب التفسير الكبير، وكان من الأئمة المجتهدين، ولد سنة ٢٢٤هـ، بآماب طبرستان، وتوفي سنة ٣١٠ هـ ببغداد. انظر وفيات الأعيان: ج١، ص ٤٥٦..
٢٦ في (د): "المعنى وحرم عليكم" وفي (هـ): "المعنى حرمت عليكم"..
٢٧ هو أبو عبد الله سعيد بن جبير بن هشام الأزدي تابعي محدث وفقيه، قتله الحجاج سنة ٩٥ هـ/ ٧١٤. انظر شذرات الذهب: ج١، ص ١٠٨، طبقات المفسرين: ج١، ص ١٨١، طبقات الفقهاء: ٨٢..
٢٨ في (ب) و(ج) و(د): "ولم"..
٢٩ "ابن جبير": سقط في (د) و(هـ)..
٣٠ "لا يعلمها"ساقط في (ب)..
٣١ هو عبيدة ابن عمر السلماني من فقهاء الكوفة أسلم زمن الفتح ولم يلتق بالنبي عليه الصلاة والسلام شهد الشافعي له بمؤازرته لشريح في القضاء، توفي سنة ٧٢هـ/٦٩١م. انظر طبقات الفقهاء للشيرازي: ص٨٨، والأعلام للزركلي: ج٤، ص ٣٥٧، تاريخ الإسلام للذهبي: ج٣، ص١٩١..
٣٢ "هذا" ساقط في (هـ)..
٣٣ في (هـ):"ما"..
٣٤ في (د): "حلائل"..
٣٥ في (د):"الإيماء"..
٣٦ في (هـ): "في كراهيتهم لذلك" وفي (د): "كراهيتهم ذلك"..
٣٧ في (د): "أن"..
٣٨ في (د): "ما"..
٣٩ في (ج) و(د) و(هـ): "على ظاهر"..
٤٠ (ومن) ساقط في (ج) و(هـ)..
٤١ في (هـ): "في"..
٤٢ في (ب) و(ج) و(هـ): "وما ولدت امرأة أبيه قبل أبيه"..
٤٣ في (هـ): "وقد اختلفوا"..
٤٤ "يجوز" ساقط في (د)..
٤٥ في (ج): "قال ثلاثة أقوال"..
٤٦ في (هـ): "وهو ثاني قول ابن القاسم"..
٤٧ في (هـ): "أنه"..
٤٨ في غير (د) و(هـ): "ينبغي"..
٤٩ في (د): "أموالا"..
٥٠ في (هـ): "الخ"..
٥١ "مال" ساقط في (ج)..
٥٢ "وإنما فيه" ساقط في (هـ)..
٥٣ في (ب) و(د): "تستحق به"..
٥٤ في (ب) و(د) و(ج): "لمن يجزه" وفي (هـ): "لمن يجيزه"..
٥٥ في (ج) و(د) و(هـ): "منه"..
٥٦ في (د): "استدلالها"..
٥٧ "كون" ساقط في (ب) أما في (ج) و(د): "كونه مخصوصا"..
٥٨ في (د): "قوله تعالى"..
٥٩ "فسخ النكاح" ساقط في (هـ)..
٦٠ "قبل الدخول... عن مالك أنه" ساقط في (هـ)..
٦١ في (هـ): "فسخ"..
٦٢ في (هـ): "زانين"..
٦٣ في (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(هـ): "فيهن"..
٦٤ لعله: "يوجب إيتاء الأجر".
٦٥ في (ب) و(د) و(ج) و(هـ): "فظاهره"..
٦٦ "الصداق" ساقط في (ج)..
٦٧ "اختلف" سقطت في (د)..
٦٨ في (ج): "الزوج"..
٦٩ في (د): "جميع"..
٧٠ "اختلف" ساقط في (ج) و(د)..
٧١ في (أ): "المحصور" في (ب) و(د) و(ج): "الحصر"..
٧٢ في (هـ): "والحصور ونحوهما ممن..." في (هـ)..
٧٣ في (د): "وإذا لم تطل إقامته" وأما في (هـ) (أو إذا لم تطل إقامته)..
٧٤ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "ومن لم ير"..
٧٥ في (د): "جميعه بعقد"..
٧٦ "ولمن يقول يجب بالعقد ويسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول" كله ساقط في (د)..
٧٧ في (د): "مما" وفي (هـ): "فما"..
٧٨ في (ب) و(د): "بعد النكاح"..
٧٩ في (أ) "كانت" وفي غيرها كانت مباحة فهو الصواب..
٨٠ في (ب) و(د) و(هـ): "أنزله"..
٨١ كلمة "عنه" ساقطة في (ب) و(د) و(هـ)..
٨٢ البسيط.
٨٣ في (د): "قصة" وفي (هـ): "فضة" والصواب ما أثبتناه..
٨٤ كلمة فقد عرفني ساقطة في (د)..
٨٥ كلمة لها ساقطة في (ب) و(ج) و(د).
٨٦ في (هـ): "فقيل"..
٨٧ كلمة "المرأة" ساقطة في (ج)..
٨٨ في (هـ) و(د): "بشاهدين"..
٨٩ في (هـ): "فإذا"..
٩٠ في (ب) و(ج) و(د):"رحمهم"..
٩١ في (هـ) و(ج) و(د): "لاحق فيه"..
٩٢ كلمة "ابن" ساقطة في (د) و(هـ). وابن النحاس هو أحمد ابن محمد إسماعيل المرادي المصري، النحوي، المشهور بابن النحاس، وقد توفي سنة ٣٣٨ هـ. صنف كتبا كثيرة منها: إعراب القرآن ومعاني القرآن، انظر النسخ في القرآن الكريم: ج١، ص ٣٢٦، تعليق رقم ١، وكذلك تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج٢، ص٢٠١ – ٢٠٥..
٩٣ في (هـ): "لا يلحقه"..
٢٥ قوله تعالى :﴿ من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ﴾ ١ :
اختلف في الطول ما هو ؟ فقال ابن عباس وغيره ومالك وأصحابه : الطول هنا٢ : السعة في المال، وقال ربيعة وإبراهيم النخعي : الطول هنا الجلد والصبر لمن تزوج أمة وهواها حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج غيرها، فإن له أن يتزوج٣ الأمة إذا لم يملك هواها٤، وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة. ثم قوله٥ ﴿ لمن خشي العنت منكم ﴾ ٦ على هذا القول بيان في صفة عدم الجلد. وعلى القول الآخر يكون شرطا زائدا إلى الطول في تزوج الأمة، والمشهور عن مالك أن الحر لا يجوز له نكاح الأمة إلا مع عدم الطول وخوف العنت، لقوله تعالى٧ :﴿ ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات ﴾ ٨. وهذا من مالك اعتبار بدليل الخطاب، ولو لم يقل هنا بدليل الخطاب لما ألزم أن يعتبر واحد من الشرطين. والمشهور عن ابن القاسم أن ذلك جائز مع وجود / الطول والأمن من العنت، وهذا على قول بأن دليل الخطاب لا يعتبر. ويعضد ذلك قوله تعالى :﴿ وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ﴾ [ النور : ٣٢ ]، وقد روي عن مالك مثل قول ابن القاسم، وعن ابن القاسم مثل قول مالك٩، والعلة في المنع من ذلك إلا بشرطين١٠ عند من قال بدليل الخطاب الكراهية للحر أن ينكح نكاحا يرق فيه ولده، فعلى هذا إذا١١ تزوج الحر أمة من يعتق عليه ولده منها أو كان لا يولد له جاز نكاحه مع عدم الشرطين. والذين ذهبوا إلى أن الطول في الآية السعة في المال، اختلفوا في تقديره، فقيل : هو أن يجد صداق الحرة١٢ ويقدر على نفقتها. وقيل : بل١٣ هو أن يجد صداقا لها وإن عجز عن نفقتها، والأول أصح. واختلف في الحرة تكون تحت الرجل هل هي طول تمنعه من نكاح الأمة أم لا ؟ على قولين : وظاهر القرآن المنع مع وجود الحرة، ولذلك مالك١٤ يقول : لا يجوز نكاح الأمة على الحرة ويفسخ إن وقع ثم إنه رجع إلى أنه يجوز وتخير المرأة١٥. والمنع من الآية أظهر ؛ لأنه تعالى إنما شرط تزوج الأمة مع عدم القدرة على الحرة١٦، فإذا تقدمت المقدرة عليها وكان متزوجها١٧ منع من نكاح الأمة.
واختلف أيضا إذا كانت تحته أمة ثم تزوج حرة هل يفسخ نكاح الأمة أم لا ؟ وقال مسروق : الأمة كالميتة تضطر إليها، فإذا أغناك الله عنها فاستغن. وأنكر غيره هذا القول، وقال : من شبه الأمة بالميتة فقد غلط، لأن الله عز وجل جعل الأمة لمتزوجها١٨ عند الإباحة١٩ حلالا. والميتة حرام قبل الاضطرار وبعده عينها لا/ تنتقل عن التحريم. والمحصنات في هذا الموضع الحرائر، يدل عليه التقسيم٢٠ بينهن وبين الإماء، وقيل : معناه العفائف، وهذا ضعيف ؛ لأن الإماء يقعن٢١ تحته. قال بعضهم : ولأنه يلزم من قال ذلك أن يحرم على الناس أن يتزوجوا غير عفيفة. وقوله تعالى :﴿ والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ﴾ [ النور : ٣ ]، الآية : منسوخ. وقد وصف الله تعالى المحصنات بالمؤمنات، فاختلف بسبه٢٢ ذلك في الحرة الكتابية بعد القول بأن الحرة طول تمنع نكاح الأمة هل هي طول تمنع نكاح الأمة أم لا ؟ على قولين : فمن منع٢٣ نكاح الإماء مع القدرة على نكاح الكتابية، فالمؤمنات عنده صفة غير مشترطة، وإنما جاءت لأنها مقصد النكاح، إذ الأمة مؤمنة وغاية ما في هذا ترك الأخذ بدليل الخطاب. ومن رأى أنه يتزوج الأمة وإن كان قادرا على نكاح كتابية فصفة المؤمنات عنده مشترطة في المحصنات وغاية هذا الأخذ بدليل الخطاب٢٤.
وقوله تعالى :﴿ فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ﴾ :
هذه المخاطبة " بالكاف " " والميم " عامة أي منكم الناكحون وفيكم٢٥ المالكون ؛ لأن الرجل ينكح فتاة نفسه. ومثل هذا التوسع في الكلام كثير٢٦، وقد وصف الله تعالى الفتيات، وهن الإماء بالمؤمنات. وعلى الخلاف في دليل الخطاب اختلف في جواز٢٧ نكاح الإماء غير المؤمنات٢٨، فمن قال بدليل الخطاب في٢٩ الآية لم يجز نكاحهن وهو قول٣٠ مالك وجمهور أصحابه، وجعل المؤمنات هنا وصفا مشترطا. ومن لم يقل بدليل خطاب الآية أجاز نكاح الإماء غير المؤمنات، وهو قول أبي حنيفة وغيره في إماء/ أهل الكتاب وجعلوا ذكره تعالى :﴿ المؤمنات ﴾ إنما هو على الندب، واحتجوا أيضا بالقياس على الحرائر، قالوا : لما لم يمنع قوله :﴿ المؤمنات ﴾ ٣١ في الحرائر من نكاح الكتابيات الحرائر٣٢ فكذلك لا يمنع قوله :( المؤمنات ) في الإماء من نكاح الكتابيات الإماء، وإذا قلنا بجواز نكاح الأمة للحر فله في قول مالك والزهري وأبي حنيفة وغيرهم نكاح أربع من الإماء، إذا خشي على نفسه العنت ولم يكفه أقل من أربع. وقال قتادة والشافعي وغيرهما : لا ينكح أكثر من واحدة من الإماء. قول حماد بن أبي سلمان٣٣ : لا يتزوج منهن أكثر من اثنتين٣٤. وإطلاق قوله :﴿ من فتياتكم المؤمنات ﴾ ٣٥ يدل على صحة القول الأول والحر والعبد عند أكثر أهل المذهب في نكاح الإماء الكتابيات سواء خلافا لأشهب في إجازته ذلك للعبد. والحجة للقول الأول : أن الخطاب بالآية يعم الأحرار والعبيد، فمن فرق بينهما فعليه الدليل.
وقوله تعالى :﴿ فانكحوهن بإذن أهلهن ﴾ :
يريد بإذن أربابهن المالكين لهن، وقد اختلف في من تزوج أمة بغير إذن سيدها هل للسيد أن يجيزه، فيجوز النكاح٣٦ أم لا ؟ على قولين٣٧ وهما مرويان عن مالك. المشهور منهما أنه لا يجوز وإن أجازه السيد، بخلاف العبد المشهور فيه أنه إذا تزوج٣٨ بغير إذن سيده أنه٣٩ يجوز إن أجازه السيد. وفي مذهب مالك قول آخر أنه لا يجوز وإن أجازه السيد. والحجة للمشهور من القولين٤٠ في الأمة الآية، فلم يجز تعالى٤١ نكاحهن إلا بإذن أربابهن٤٢ فمن تزوج أمه بغير٤٣ إذن سيدها٤٤ فنكاحه فاسد لخلوه من الشرط الصحيح الذي شرطه الله/ تعالى فيهن.
وقوله تعالى :﴿ وآتوهن أجورهن ﴾ : يريد مهورهن و ﴿ بالمعروف ﴾ : معناه بالشرع والسنة. وهذا يقتضي أنهن أحق بمهورهن من السادة وهو قول مالك خلافا لغيره٤٥ من أن للسيد٤٦ أن يأخذ٤٧ صداقها إلا قدر ما تحل به، ولسحنون نحوه. وحكي عن بعض أهل العراق أنه قال : لا بأس أن يزوج الرجل عبده أمته بغير صداق، وهذا القول مخالف لكتاب الله تعالى، لأنه قال :﴿ وآتوهن أجورهن ﴾ ٤٨، فوجب أن تكون الأجور لهن حرائر كن أو إماء ولو كان السيد أن يزوج عبده أمته بغير صداق، أو كان الصداق إنما هو له، فله أن يوجبه وله أن يبطله للزم٤٩ أن يزوج أمته من غير عبده أو من حر على أن لا صداق، فيصل إلى أن يهب الفرج، وهذا مما لا يجوز لأحد إذ خص به النبي صلى الله عليه وسلم في الحرائر.
وقوله تعالى :﴿ محصنات ﴾ :
معناه : عفيفات أو مسلمات، والعامل في هذه الحال فانكحوهن، ويحتمل أن يكون العامل فيها فأتوهن، ويكون معنى : محصنات مزوجات والمسافحات الزواني المبتذلات اللواتي هن سوق للزنا، ومتخذات الأخذان هن المستترات اللواتي٥٠ يصحبن واحدا واحدا ويزنين خفية. وهذان٥١ كانا نوعين من زنا الجاهلية، قال ابن عباس وغيره.
وقوله تعالى :﴿ فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة ﴾ :
اختلف فيما هو هذا الإحصان٥٢ فقال الجمهور : هو الإسلام، فإذ زنت الأمة المسلمة حدت نصف حد الحرة، وعلى هذا يكون حد الأمة إذا زنت قبل التزويج٥٣ وبعده بالقرآن والحديث. وقالت فرقة : إحصانها الذي في الآية : هو التزويج لحر٥٤ فإذا زنت/ الأمة المسلمة التي لم تتزوج فلا حد عليها، قاله سعيد ابن جبير والحسن وقتادة. وقالت فرقة : الإحصان في الآية التزوج إلا أن الحد واجب على الأمة المسلمة غير المتزوجة بالسنة وهو ما جاء في " الموطأ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة ؟ إذا زنت ولم تحصن، فقال : " إذ زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها " ٥٥. وقال الزهري : فالمتزوجة محدودة بالقرآن والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث. ومما يعضد قول من رأى٥٦ أن الإحصان في الآية التزوج، وأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدمت من قوله تعالى :﴿ من فتياتكم المؤمنات ﴾، فذلك٥٧ يغني عن ذكر الإسلام هنا، فأن يكون معنى التزوج أولى. والفاحشة هنا الزنا بقرينة٥٨ إلزام الحد كما قال بعضهم، وعندي أن الفاحشة هنا تعم الزنا والقذف وكل ما يمكن أن يتبعض من الحدود والمحصنات هنا الحرائر المسلمات الأبكار لا الحرائر المتزوجات لأن حد٥٩ الحرائر المتزوجات٦٠ الرجم وهو لا يتبعض وسمي الأبكار محصنات، لأن الإحصان يكون بهن، وقد ذهب قوم إلى أن العبد المحصن. والأمة المحصنة يرجمان كالأحرار، ولفظ الآية كما قدمنا يرد ذلك ؟ لأن الرجم ليس بمحدود معلوم٦١، فيتصف٦٢ وإنما أراد تعالى ما يمكن فيه٦٣ التصنيف٦٤، فمن قال ذلك فقد خالف الآية، وحد الحرائر المسلمات غير المتزوجات وهن الأبكار جلد مائة دون تغريب عندنا. وعند الشافعي٦٥ أنه تغريب، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم٦٦ " البكر بالبكر٦٧ جلد مائة٦٨ وتغريب عام " فإن قلنا : إن الحد دون / تغريب٦٩ فالذي يلزم المرأة من الإماء بنص القرآن نصف ذلك، وهو خمسون جلدة وهو قول مالك وجميع أصحابه وأحد قولي الشافعي وقول ابن عباس وغيره. وإذا قلنا٧٠ : إن حد الحرة المسلمة مائة وتغريب عام، فالذي يلزم المرأة من الإماء بنص القرآن نصف ذلك وهو خمسون جلدة وتغريب ستة أشهر، وهو أحد قولي الشافعي والعبد بمنزلة الأمة، فيما ذكرنا لا فرق بينهما. خلافا لمن لا يرى على العبد حدا أصلا أحصن أو لم يحصن، لأنه يرى أن٧١ سورة النساء في الإماء٧٢ خاصة، وآية النور في الأحرار٧٣ خاصة، ولم يأت للعبد ذكر، ولم ير القياس بقي أن يكون على العبد٧٤ حد في الزنا، وهو قول ظاهر الفساد وخلافا لأهل الظاهر من إيجابهم على العبد في الزنا مائة جلدة كالحرة احتجاجا بقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ [ النور : ٢ ]، ويخصصون الإناث من ذلك بعموم قوله تعالى٧٥ :﴿ فعليهن نصف ما على المحصنات ﴾، ونحن نرى العبد لاحقا بالأمة٧٦ فيتخصص٧٧ بذلك وهو الأمة من عموم آية النور وإلحاق٧٨ العبد بالأمة٧٩ من هذا ونحوه أو الأمة بالعبد في نحو قوله عليه الصلاة والسلام٨٠ : " من أعتق شركا له في عبد " ٨١ مختلف في تسميته قياسا والأصح أنه ليس بقياس وعلى حد الزنا قياس٨٢ مالك٨٣ عدة الإماء وإطلاق العبيد.
وقوله تعالى :﴿ ذلك لمن خشي العنت منكم ﴾ :
ذلك إشارة٨٤ إلى نكاح الأمة، واختلف في تفسير العنت، فقيل هو٨٥ : المشقة، وقيل : هو الزنا، وقيل : الإثم، وقيل : الحد.
وقوله تعالى :﴿ وأن تصبروا خير لكم ﴾ :
ندب منه تعالى إلى الترك وعلته ما يؤدي إليه نكاح الإماء من استرقاق الولد ومهانتهن.
١ قوله:﴿فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات﴾ سقطت في (هـ)..
٢ كلمة "هنا" سقطت في (ج) و(د) و(هـ)..
٣ كلمة "غيرها فإن له أن يتزوج" ساقطة في (ب)..
٤ في (د) و(هـ): "هواه"..
٥ في (د) و(هـ): "ثم يكون قوله"..
٦ في (ج): لقوله تعالى: ﴿ذلك لمن خشي العنت منكم﴾..
٧ في (هـ): "يقول الله تعالى"..
٨ في (د) و(هـ): ﴿المؤمنات﴾ الآية"..
٩ في (ج) و(د) و(هـ): "مثل قول مالك بالشرطين"..
١٠ في (ب) و(ج): "بالشرطين"..
١١ في (هـ): "لو تزوج"..
١٢ في (هـ): "حرة"..
١٣ كلمة "بل" سقطت في (هـ)..
١٤ في (ج): "كان مالك" وفي (د) و(هـ): "كان مالك رحمه الله"..
١٥ في (ب) و(هـ): "وتخير الحرة"..
١٦ من قوله: "ويفسخ إن وقع ثم إنه رجع..." إلى قوله: "مع عدم القدرة على الحرة" ساقط في (ج)..
١٧ في (هـ): "تزوجها"..
١٨ في (ب) و(ج): "ليتزوجها"..
١٩ في (هـ):"الحاجة"..
٢٠ في (ج): "على أن التقسيم"..
٢١ في (د): "يقعدن"..
٢٢ في (هـ): "بسبب تأويل"..
٢٣ كلمة "منع" سقطت في (د)..
٢٤ من قوله: "ومن رأى أنه يتزوج أمة..." إلى "الأخذ بدليل الخطاب" ساقط في (د)..
٢٥ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "ومنه"..
٢٦ في (ب): "والكثير"..
٢٧ كلمة "في جواز" ساقطة في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٢٨ في (هـ): "نكاح الإماء المؤمنات".
٢٩ "في" سقطت في (ب) و(ج) و(د)..
٣٠ في (ب) و(ج) و(د): "على قول"..
٣١ من قوله: "إنما هو..." إلى ﴿المؤمنات﴾ ساقط في (د)..
٣٢ من كلمة "من نكاح الكتابيات الحرائر" ساقطة في (ب) و(ج) و(د)..
٣٣ في (هـ):"سلمة" هو حماد بن سليمان مسلم الأشعري أبو سعيد الكوفي الفقيه، شيخ أبي حنيف. انظر في ترجمته: تهذيب التهذيب: ج٣، ص١٦ – ١٨..
٣٤ في (ج): "أكثر منهن: أكثر من اثنين" وفي (هـ):"اثنين"..
٣٥ "المؤمنات" سقطت في (هـ)..
٣٦ في (هـ): "هل للسيد أن يجيز النكاح أم لا؟"..
٣٧ في (ج) و(د): "على قولين في المذهب"..
٣٨ في (د) و(هـ): "أن يتزوج"..
٣٩ في (د) و(هـ): "أنه"..
٤٠ في (هـ): "والحجة للجمهور من القول"..
٤١ كلمة: "لم يجز تعالى" سقطت في (د)، ولم تسقط في (د) إلا كلمة: "تعالى"..
٤٢ في (د):"أهلهن"..
٤٣ في (هـ): "من"..
٤٤ من قوله: "للسيد أن يجيزه فيجوز النكاح أم لا؟.." إلى قوله: "فمن تزوج أمة بغير إذن" كله ساقط في (د)..
٤٥ في غير (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "خلاف ما لغيره"..
٤٦ في (هـ): "لسيدها"..
٤٧ في (ب): "من أن السيد يأخذ"..
٤٨ في (هـ) و(ب) و(ج) و(د): "لأنه تعالى قال: ﴿وآتوهن أجورهن﴾ وقال: ﴿إذا آتيتموهن أجورهن﴾..
٤٩ في (د): "لزم"..
٥٠ في (د): "اللاتي"..
٥١ في (هـ) و (د): "وهذين نوعين كان"..
٥٢ في (هـ): "اختلف في هذا الإحصان ما هو؟"..
٥٣ في (ب) و(ج) و(د): "إذا زنت قبل التزوج بحر"..
٥٤ "لحر" سقطت في (ج) و(د)..
٥٥ قوله: "ثم إذا زنت فاجلدوها ثم إذا زنت فاجلدوها"سقطت في (ب). والحديث أخرجه مالك في موطءه: كتاب الحدود(جامع ما جاء في حد الزنا) تنوير الحوالك شرح على الموطأ مالك: ج٣، ص٤٤..
٥٦ في (هـ: "من قال"..
٥٧ "فذلك"ساقط في (هـ)..
٥٨ في (هـ): "الزنا بدليل"..
٥٩ في (د):"لأن الحرائر المتزوجات حدهن"..
٦٠ "لأن الحرائر المتزوجات" سقط في (ب)..
٦١ "معلوم" سقط في (د)..
٦٢ في (ج): (فيتصف).
٦٣ "فيه" سقطت في (ب) و(د)..
٦٤ في (ج): "التصيف"..
٦٥ في (د): "الشافعية"..
٦٦ في (هـ): "لقوله"..
٦٧ "البكر بالبكر" سقطت في (هـ)..
٦٨ "مائة" سقطت في (هـ). والحديث أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الحدود باب٧، رقم الحديث. ١٤٦١.
٦٩ "فإذ قلنا أن الحدود دون تغريب" ساقط في (ج) و(د)..
٧٠ في (ج): "قلت"..
٧١ "أن" سقطت في (د) و(هـ)..
٧٢ في (ج) و(د) و(هـ): "أن آية سورة النساء خاصة بالإماء"..
٧٣ في (هـ): "بالأحرار"..
٧٤ لعله: "فبقي أن لا يكون على العبد" ليستقيم المعنى..
٧٥ في (د) و(هـ): "بعموم قوله تعالى"..
٧٦ "على محصنات ونحن نرى العبد لاحقا كالأمة" ساقط في (د) و(ج) و(ب)..
٧٧ في (هـ): "فيخصص"..
٧٨ قوله:"فيتخصص بذلك هو والأمة عموم آية النور وإلحاق" سقط في (ب) و(ج) و(د)..
٧٩ قوله: "بالأمة" سقط في (هـ)..
٨٠ في (د): "عليه السلام"..
٨١ في (هـ): "في عبده" والحديث أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الشركة، باب ٥، ص١١١..
٨٢ في غير (ج): "قاس"..
٨٣ في (د): "مالك رحمه الله تعالى" وفي (هـ): "مالك رحمه الله"..
٨٤ في (هـ): "أشار به"..
٨٥ في (هـ): "هي"..
٢٩ - قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم ﴾ الآية١، إلى قوله :﴿ ولكل جعلنا موالي ﴾ :
قال عكرمة : في هذه الآية نهي بعضهم عن أكل طعام بعض، ثم نسخ بقوله :﴿ ولا على أنفسكم٢ أن تأكلوا من بيوتكم ﴾ الآية [ النور : ٦١ ]، وهذا الذي ذكره عكرمة إنما هو تخصيص. وأما تسميته نسخا ففيه خلاف ولا يصح في النظر، ولأجل هذا القول قال بعض الناس : إن الهبات والصدقات من أكل الأموال٣ بالباطل، وأنها داخلة تحت النهي، إلا أنه نسخ بالإجماع أو بالآية المتقدمة، وهو قول ابن عباس. والأظهر أن الآية لا تفهم تحريم٤ الهبات التي يبتغي بها الأغراض الصحيحة وإنما حرم الله تعالى مثل أكل المال٥ بالقمار والخمر والإغرار٦ مثل أثمان البيوع الفاسدة. وانظر إلى هذا٧ مسألة النهبة٨ التي تنثر على رؤوس الصبيان، ومسألة من أتى بطعام واجتمعوا للأكل هل٩ لهما تعلق بهذه الآية.
وقوله :﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾ أباح الله تعالى في هذه الآية١٠ التجارات وهي اسم واقع على عقود المعاوضات المقصود بها طلب الأرباح ويؤخذ منه١١ جواز طلب القوت بها. وفي هذا دليل على فساد قول من ينكر طلب الأقوات بالصناعات والتجارات من المتصوفة الجهلة ؛ لأن الله تعالى حرم أكل الأموال بالباطل وأحلها بالتجارة وفي إحلاله تعالى ذلك١٢ إباحة أن يشتري الإنسان سلعة من آخر بدرهم وهي تساوي مائة. وهذا إذا كان البائع عارفا بالقيمة، فما أحسب أن فيه خلافا أما إن لم يكن عارفا بالقيمة، فالمشهور إمضاء البيع لما قدمناه من دليل الآية. وهذا هو الذي يسمى بيع الغبن. وحكى ابن القصار أنه يجب الرد بالغبن إذا كان أكثر من الثلث. وذكره١٣ بعضهم عن ابن وهب ومن١٤ ذلك أن يشتري الرجل ياقوتة ولا يظنها ياقوتة١٥، ولا يعرفها البائع ولا المبتاع فيساوم فيها الرجل صاحبه ويبتاعها منه بما يتفقان عليه ثم يظهر أنها ياقوتة١٦ أو غير ياقوتة. فالمشهور أن لا رجوع لأحدهما على صاحبه، لأن هذا ليس من أكل أموال الناس بالباطل، بل هو أكل الأموال١٧ بالتجارة، كما أباحه في قوله :﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾. وقد قيل : إنه يرجع بذلك، وهو ظاهر ما وقع١٨ لمالك في غير ما كتاب. وهذا يسمى بيع الغلط، وهاتان البيعتان، بيعة الغلط وبيعة الغبن، إنما يكون القول فيهما١٩ على ما ذكرناه، إذا كانتا٢٠ في بيع المكايسة. وأما بيع الاستمانة٢١، وذلك أن يأتي الرجل بالسلعة وهو لا يعرف ما تساوي ويستمين٢٢ في معرفة ذلك إلى المشتري فيشتريها٢٣ منه ثم يظهر أنها تساوي أكثر من ذلك٢٤، فهذا لا خلاف٢٥ فيه٢٦ أنه من٢٧ أكل أموال الناس بالباطل.
واختلف في اللقطة هل لملتقطها استنفاقها بعد السنة على وجه التملك أم لا ؟ على أربعة أقوال، أحدها : أن ذلك لا يجوز إلا أن يكون له وفاء. والثاني : أن ذلك لا يجوز٢٨ إلا أن يكون ملتقطها محتاجا، وهو قول أبي حنيفة. والثالث : أن ذلك جائز له على كل٢٩ حال، وهو قول الشافعي. والرابع : أن ذلك لايجوز على٣٠ حال بل هو مكروه، وهو قول مالك٣١ وهو في الصحيح ؛ لقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾، فإن أكلها بعد التعريف فعليها غرمها٣٢. وذهب داود إلى أن لا غرامة عليه. والصحيح ما قدمناه٣٣ لأن هنا من أكل أموال الناس٣٤ بالباطل. واختلف في الرجل يمر بجنان غيره أو بغنمه هل له أن يأكل من الفاكهة ويشرب من اللبن إذا لم يكن محتاجا إليه، لأن المحتاج لا خلاف أن له٣٥ أن يأكل. فقيل : جائز له أن يأكل ويشرب لصديق كان ذلك٣٦ أو لغير صديق، وقيل : إن كان لصديق كان له أن يأكل٣٧ وإن لم يكن لصديق لم يكن له ذلك. قال بعضهم : وهذا أعدل الأقوال، وأولاها بالصواب، وهو قول الليث٣٨. وقيل : أن ذلك ممنوع، لصديق كان أو لغير صديق، لقوله تعالى :﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ وهذا من أكل المال بالباطل، وهو قول مالك٣٩ قال بعضهم : وهذا في ثمر الحائط دون لبن الماشية. لحديث ابن عمر٤٠ في الماشية. وقيل : بل ذلك في ثمر الحائط ولبن الماشية سواء ؛ لحديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه٤١ قال :﴿ إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه به، فإن أذن له فليحلب وليشرب، وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثا، فإن لم يجب أحد فليحلب وليشرب ﴾، ولا يحمل٤٢ وإن كان على تلك الغنم أو الحائط أجير وأخبره الأجير أنه أذن له في أن يطعم أو يسقي٤٣ فهل يصدقه في ذلك ؟ روايتان عن مالك. والأظهر أن٤٤ لا يصدقه في ذلك ؛ لأنه بذلك متعد على مال الغير٤٥، لأن صدقه لا يعلم فيكون من أكل المال٤٦ بالباطل.
وقوله تعالى :﴿ عن تراض ﴾ علق تعالى التجارة التي تنتقل٤٧ بها الأملاك بالتراضي خاصة دون التفرق بالأبدان، فيأخذ مالك بهذا الظاهر، ورأى أن تمام التجارة التراضي بالألسنة، فإذا كان ذلك انخرمت التجارة ولم يكن لأحدهما بعد خيار. وبهذه الآية استدل٤٨ أصحاب مالك وأبي حنيفة٤٩ في المسألة المذكورة، ونظيره٥٠ من الاستدلال استدلالهم٥١ أيضا في ذلك٥٢ بقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا تناديتم بدين٥٣ إلى أجل مسمى ﴾ ٥٤ إلى آخر الآية [ البقرة : ٢٨٢ ]، وزعموا أن تلك الآيات كلها تقتضي نفي الخيار &&&الإخبار&&&. وقد رد هذا الاستدلال مثبتو خيار المجلس وغيرهم، وزعموا أنه ضعيف. وقال الشافعي : تمام التراضي وجزمه بافتراق الأبدان بعد عقدة البيع، وأن يقول أحدهما لصاحبه : اختر فيقول : قد اخترت وذلك بعد عقدة البيع. واحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : " البيعان بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار " ٥٥، وهذا الحديث قد تأول على وجوه ليس هذا الكتاب موضع ذكرها.
قوله تعالى٥٦ :﴿ ولا تقتلوا أنفسكم ﴾ :
واختلف في تأويله، فقيل : لا تتجروا في بلاد العدو فتغرروا بأنفسكم، وهذا التأويل٥٧ في النهي عن التجارة إلى أرض٥٨ الحرب يوافق مذهب مالك وغيره في تشديد الكراهية٥٩ في التجارة إلى بلد الحرب، وإن كان قد جاء عن مالك ما يظهر منه٦٠ إجازة ذلك. وقال بعضهم : المقصود بالآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضا، وأن يقتل الرجل نفسه بقصد منه إلى ذلك وأن يحملها على غرر ما مات منه٦١، وقد احتج عمرو ابن العاص بهذه الآية حين أجنب وتيمم وصلى بالقوم ولم يغتسل بالماء البارد خوفا على نفسه منه، فأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجاجه. ومن أكره على الكفر فاختار القتل فلا خلاف فيه٦٢ أنه أفضل ويخصص٦٣ هذا من الآية بالإجماع. وأما من أكره على غير الكفر من فعل ما لا يحل له، فاختلف في الأفضل من ذلك. فقال أصحاب مالك٦٤ : الأخذ بالشدة واختيار القتل أفضل وذهب جماعة إلى أن إتيان ما أكره عليه أفضل، وأنه لا يحل له قتل نفسه وحجتهم ظاهر هذه الآية.
١ كلمة "الآية" سقطت في (د)..
٢ قوله: "وعلى أنفسكم" سقط في (ب)..
٣ في (د): "المال" وفي (هـ): "أموال الناس"..
٤ في (ج): "أنها لا تفهم الآية تحريم" وفي (د): "أنه لا تفهم الآية تحريم" وفي (هـ): "أنه لا يفهم من الآية تحريم"..
٥ في (هـ): "أكل المال بمثل القمار"..
٦ "الأغرار" ساقط في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٧ في (هـ): "هذه"..
٨ في (ب) و(د) و(ج): "الهبة"..
٩ "هل" ساقطة في (ب) و(ج) و(د)..
١٠ في (هـ): "بهذه الآية"..
١١ في (هـ):"منها"..
١٢ "ذلك" سقطت في (ج)..
١٣ في (ج): "ذكر"..
١٤ في (هـ): "مثل عوض من"..
١٥ "ياقوتة" ساقطة في (ب)..
١٦ من قوله: "ولا يعرفها البائع..."إلى قوله:"ثم يظهر أنها ياقتة" كل ذلك ساقط في (ج)..
١٧ في (هـ): "المال"..
١٨ "وقع" سقطت في (هـ)..
١٩ في (د) و(ج): "البيع فيهما"..
٢٠ "إذ كانتا" سقطت في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٢١ في (هـ) و(ج) و(د) و(هـ): "الاستبانة"..
٢٢ في (د) و(ج) (وب) و(هـ): "يستنيب"..
٢٣ في (ب): "يستر بها"..
٢٤ في (ج): "أكثر من ذلك"..
٢٥ في (هـ): "لا خلاف"..
٢٦ "فيه" سقطت في (د)..
٢٧ "من" سقطت في (ب)..
٢٨ في (هـ): "أنه لا يجوز"..
٢٩ "بكل حال" في (هـ)..
٣٠ في (هـ) و(د): "عن"..
٣١ في (د): "مالك رحمه الله تعالى" وفي (هـ): "رحمه الله"..
٣٢ في (ب) و(د) و(ج): "غرامتها"..
٣٣ في (هـ): "قدمنا"..
٣٤ في (د): "المال والباطل"..
٣٥ "أن له" ساقط في (ب)..
٣٦ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "كان ذلك له".
٣٧ "أن يأكل" ساقط في (ج) و(د)..
٣٨ هو أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمان إمام أهل مصر في الفقه والحديث، وأصله من أصبهان. توفي ١٧٥هـ بمصر في القرافة الصغرى. انظر وفيات الأعيان: ج١، ص٤٣٨ – ٤٢٩..
٣٩ في (د): "مالك رحمه الله"..
٤٠ هو أبو عبد الرحمان عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما القرشي العدوي، كان من أهل العلم والورع، توفي بمكة سنة ٦٣هـ وهو ابن ٨٤ سنة انظر وفيات الأعيان: ج١، ص ٢٤٧ – ٢٤٨..
٤١ "وقيل" "بل ذلك صلى الله عليه وسلم" كله ساقط في (هـ)..
٤٢ في (ج)و (ب): "لحديث ابن عمر في الماشية قال: إذا أتى أحدكم عن ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذن فإن أذن له فليحلب وليشرب وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثا فإن لم يجبه أحد فليحلب وليشرب، وقيل: بل ذلك في ثمر الحائط ولبن الماشية سواء في حديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحمل"..
٤٣ في (هـ): "لحديث ابن عمر في لبن الماشية قال: إذا أتى أحدكم عن ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له فليحلب وليشرب وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثا فإن لم يجبه أحد فليحلب وليشرب ولا يحمل فإن كان على تلك الغنم أو الحائط أجير وأخبره الأجير أنه أذن في أن يطعم أو يسقي"، والحديث عند البخاري في الصحيح، كتاب اللقطة، باب٨، ص٨٨، وفي سنن أبي داود: كتاب الجهاد، باب فيمن قال لا يحلب، ص٤٠، وفي مسند الإمام أحمد: ج٣، ص٢١..
٤٤ في (ج): "ولا أظهر أنه"..
٤٥ في (د) و(ج) و(ب): "معتمد على ملك الغير"..
٤٦ في (د) و(هـ): "أموال الناس"..
٤٧ في (هـ): "تنقل"..
٤٨ في (ج): "وهذه الآية استدل بها"..
٤٩ في (د): "أبو حنيفة"..
٥٠ في (هـ) ونظيره "أيضا"..
٥١ في (ب) و(ج) و(د): "الاستدلال"..
٥٢ "في ذلك" ساقط في (ج) و(د)، وأما (هـ) فالذي سقط فيها: "واستدلالهم أيضا في ذلك"..
٥٣ "بدين" سقطت في (ب)..
٥٤ في (هـ): "... فاكتبوه" وليس فيها: "إلى آخر الآية"..
٥٥ انظر صحيح البخاري: كتاب البيوع باب٤٤، ص ٣٢٨، وسنن أبي داود: أبواب البيع، باب٢٦، ص ٣٢٨، وتنوير الحوالك: شرح على موطأ مالك، كتاب البيوع، ج٢، ص١٦١، والمسند للإمام أحمد: ج١، ص٥٦..
٥٦ وفي (هـ): "وقوله تعالى"..
٥٧ "وهذا التأويل" سقطت في (هـ)..
٥٨ في (ج) و(د): "في أرض" وفي (هـ): "الأرض"..
٥٩ في (هـ): "في التشديد في الكراهة"..
٦٠ في (هـ): "ما يفيد إجازة"..
٦١ في (ب) و(هـ) و(د): "غرر بما مات"..
٦٢ "في" سقطت في (هـ)..
٦٣ في (هـ):"يخص"..
٦٤ في (هـ): "فقال مالك"..
٣٠- وقوله تعالى :﴿ ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه ﴾ الآية :
و١ اختلف في المشار إليه ب " ذلك "، فقيل : هو عائد عن القتل لأنه أقرب مذكور إليه٢. وقيل : هو عائد على أكل المال٣ بالباطل وقتل النفس، لأن النهي عنهما جاء متسقا مسرودا ثم ورد الوعيد حسب النهي. وقيل : هو عائد على كل ما نهى عنه من القضايا من أول سورة إلى قوله :﴿ ومن يفعل ذلك ﴾ ٤. وقيل : هو عائد على ما نهى عنه من آخر وعيد ؛ وذلك قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ﴾ [ النساء : ١٩ ]، لأن كل ما نهى عنه٥ من أول السورة قرن به وعيد إلا مع قوله٦ " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها " فإنه والنواهي بعده لا وعيد معها٧ إلى قوله٨ :﴿ ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما ﴾.
١ "و" سقطت في (هـ)..
٢ "إليه" سقطت في (هـ)..
٣ في (ج) و(هـ): "أكل أموال الناس"..
٤ في (هـ): "من أول السورة إلى هنا"..
٥ "من آخر وعيد ذلك قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها﴾ لأن كل ما نهى عنه" كل هذا ساقط في (ب)..
٦ في (د): "قوله تعالى"..
٧ في (هـ): "لا وعيد معه" وفي (ب): "لا وعيد له"..
٨ في (د): "قوله تعالى"..
٣١ - قوله تعالى :﴿ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ﴾ الآية :
اختلف أهل التأويل في الكبائر التي وعد الله تعالى عباده باجتنابها تكفير سيئاتهم ؟ فقال بعضهم : هي ما تقدم الله تعالى إلى عباده بالنهي عنه من أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين آية، وهذا قول ابن مسعود والنخعي. وقال قوم : الكبائر سبع، روي١ هذا عن علي٢ وعبيد٣ ابن عمير وغيره. قال عبيد٤ ابن عمير : ليس من هذه كبيرة إلا وفيها آية من كتاب الله تعالى. قال الله تعالى :﴿ ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ﴾ [ الحج : ٣١ ]، ﴿ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ﴾ [ النساء : ٩٣ ]، ﴿ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ﴾ [ النساء : ١٠ ]، ﴿ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ﴾ [ البقرة : ٢٧٥ ]، ﴿ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ﴾ [ النور : ٢٣ ]، و " الفرار من الزحف " :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ﴾ [ الأنفال : ١٥ ] الآية. والسابعة : التعرب٥ بعد الهجرة ﴿ إن الذين ارتدوا على أدبارهم ﴾ [ محمد : ٢٥ ] الآية. وفي البخاري٦ عن النبي صلى الله عليه وسلم : " اتقوا السبع الموبيقات : الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات " ٧، وقال قوم : هي :٨ تسع، روي هذا عن ابن عمر٩، وزاد على ما قاله على السحر١٠ والإلحاد في المسجد الحرام. وقال قوم : هي أربع١١، وروي هذا أيضا عن ابن مسعود : الإشراك بالله١٢، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله. وروي عن ابن مسعود أيضا أنها ثلاث : القنوط والإياس والأمن من مكر الله١٣. وأحصى بعضهم ما جاء في القرآن١٤ والحديث من الكبائر١٥ فكانت إحدى وثلاثين وتضمنت جميع الأقوال المتقدمة : الشرك، وقتل النفس، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وأن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك١٦، والزنا، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، وقذف المحصنات، والسرقة، وشرب الخمر، والنميمة، والإضرار في الوصية، والقنوط من رحمة الله، ومنع ابن السبيل الماء، والإلحاد في المسجد الحرام١٧، والذي يستسب لوالديه١٨، ومنعا وهات، ووأد البنات، والنميمة وترك التحرز من البول، والغلول، واستطالة الرجل في العرض١٩ ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه " ٢٠، والربا٢١ من الكبائر، وسرقة الصلاة٢٢ من الكبائر٢٣ ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أسوأ السرقة الذي يسرق صلاته " ٢٤ والسرقة من الكبائر والجور في الحكم. قال الله تعالى :﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ﴾ ٢٥ [ المائدة : ٤٧ ]، والأمن من مكر الله والتعرب٢٦ بعد الهجرة. وهذه الأقوال المتقدمة هي أقوال من ذهب في الكبائر إلى حصرها٢٧. والصواب في ذلك قول من ذهب إلى أنها لا تنحصر. قيل لابن عباس : الكبائر سبع : قال : هي إلى السبعين أقرب، وفي رواية أخرى عنه : هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى سبع غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار٢٨. والذين لم يروا حصرها اختلفوا في رسمها فروي عن ابن عباس وغيره أنهم قالوا : الكبائر كل ذنب ختمه الله تعالى٢٩ بنار أو غضب أو لعنة. وقال قوم : كل ما نهى الله تعالى٣٠ عنه فهو كبيرة. وروي ذلك عن ابن عباس أيضا، وقالت الأشعرية : كل ما عصى الله تعالى فيه٣١ كبيرة٣٢. وعلى قول غير الأشعرية : من الذنوب كبائر وصغائر، وعلى قول الأشعرية : الذنوب كلها كبائر٣٣ لأنه ما من ذنب يرتكبه٣٤ أحد إلا وهو عاص لله تعالى به، فمعاصي الله تعالى كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغائر بالإضافة٣٥ إلى ما هو أكبر منها٣٦، وحجة القول الأول أن الله تعالى قد ميز بين الكبائر وما سماه سيئات بقوله :﴿ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ﴾ ٣٧ :٣٨ [ النساء : ٣١ ] الآية، فأخبر أن السيئات يكفرها اجتناب الكبائر إذا كانت الذنوب كلها كبائر، فأي شيء يكفر٣٩ بعد اجتنابها، فإذا لا بد أن تكون ثم ذنوب/ تغفر باجتناب الكبائر، ولا تكون تلك إلا الصغائر، فثم إذا كبائر٤٠ وصغائر. وقد اختلفوا هل تغفر الصغائر باجتناب الكبائر أم لا ؟ فذهب عامة الفقهاء وجماعة أهل التأويل إلى أن الصغائر تغفر باجتناب الكبائر قطعا، وذهب٤١ الأشعرية إلى أنه لا ذنب يغفر باجتناب ذنب آخر قطعا وهذا مبني على أصله من أن الذنوب كلها كبائر، فسووا بين الذنوب كلها، وجعلوا مرتكب شيء منها في المشيئة إلا الكفر ؛ لقوله تعالى :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ [ النساء : ٤٢ ]، واحتجوا بقراءة من قرأ :﴿ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر ﴾ ٤٢ على التوحيد يعنون الشرك. وقال الفرّاء : من قرأ كبائر فالمراد به كبير وأكبر الإثم الشرك، وقد يأتي لفظ الجمع يراد به الواحد٤٣ قال تعالى :﴿ كذبت قوم نوح المرسلين ﴾ [ الشعراء : ١٠٥ ]، ولم يأتهم إلا نوح عليهم السلام٤٤ وحده. وقال بعضهم : الكبائر هنا جاءت على الجمع ؛ لأن المراد بها جميع أنواع الشرك التي لا تصلح٤٥ معها الأعمال. قالوا : لجواز٤٦ العقاب على الصغيرة كجوازه على الكبيرة لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أن تبلغ حيث بلغت، يكتب الله تعالى له بها سخطه إلى يوم القيامة " ٤٧، وحجة الفقهاء وأهل التأويل ظاهر قوله تعالى :﴿ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ﴾، قالوا : معناه نكفر عنكم أيها المؤمنون باجتناب الكبائر صغائر سيئاتكم، لأن الله تعالى قد وعد مجتنبها تكفير ما عداها من سيئاته، ولا يخلف الميعاد.
وقوله تعالى :﴿ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ﴾ الآية :
واختلف في سبب نزولها، فقيل : قول النساء : جعل الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين هلا جعلت أنصباؤنا كأنصاب٤٨ الرجال ؟ وقول الرجال : إنا لنرجو أن نفضل٤٩ بحسناتنا على النساء في الآخرة كما فضلنا في الميراث. وقيل : قالت أم سلمة٥٠ للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله فضل الرجال على النساء في الغزو٥١ والميراث، فنزلت الآية٥٢ وقيل : قال النساء : للرجال لهم٥٣ نصيبان من الذنوب كما لهم نصيبان من الميراث٥٤ فنزلت الآية٥٥. وفي مقتضى ما ذكر من هذه الأسباب حسد النساء للرجال فيما خصهم الله٥٦ به من زيادة الميراث والغزو. وقد روي في القول الأول : أنهن تمنين ذلك فنزلت الآية نهيا عن كل تمن بخلاف حكم شرعي. ويدخل في النهي أن ينتمي الرجال حال الآخر من دين أو دنيا على أن يذهب ما عند الآخر، وهذا هو الحسد. واختلف في تمني حال الرجل من غير أن يزول حاله٥٧ وهو الغبطة. هل يدخل في النهي فلا يجوز أم ليس بداخل في النهي٥٨ فيجوز ؟ فكرهه قوم ورأوا النهي مشتملا عليه وأجازه آخرون ؛ واحتجوا لجوازه وخروجه عن النهي بقول النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ إذا حسدت فلا تبغ ﴾ ٥٩، أي لا تتمنى زوال ما بصاحبك من نعمة لتنصرف٦٠ إليك. قال بعضهم : وهذا في نعم الدنيا. وأما في الأعمال الصالحات٦١، فذلك من الحسن ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ لا حسد إلا في اثنين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلاكته في الحق٦٢، ورجل آتاه٦٣ الله علما... ﴾ ٦٤ الحديث. وأما تمني الرجل شيئا من غير أن يقرن أمنيته بأحد فجائز أيضا ؛ لقوله تعالى٦٥ :﴿ وسئلوا الله من فضله ﴾ [ النساء : ٣٢ ]، ومما يدخل تحت المنهي عنه٦٦ خطبة الرجل على خطبة أخيه ؟
١ في (د): "روى"..
٢ في (د) و(هـ): "عن علي رضي الله تعالى عنه"..
٣ في (هـ): "وعبيدة"..
٤ في (هـ): "قال عبيدة"..
٥ في (ب) و(د): "التعرف"..
٦ هو أبو عبد الله محمد بن أبي الحسن إسماعيل بن إبراهيم.. الجحفي بالولاء البخاري حافظ الإمام في علم الحديث صاحب الجامع الصحيح والتاريخ، توفي سنة ٢٥٦هـ. انظر وفيات الأعيان: ج١، ص٢٥٥ – ٢٥٦..
٧ انظر صحيح البخاري: كتاب الوصايا، باب٢٣، ص، ٣٩٣ وكتاب الحدود: باب ٤٤، ص١٨١..
٨ في (هـ): "هي"..
٩ قوله:"روى هذا عن ابن عمر وزاد على ما قاله على السحر" ساقط في (ب) وفي (ج): "وقال قوم" هي تسع وروي أيضا عن ابن مسعود. وزاد ابن عمر على ما قال على السحر"..
١٠ في (د): "وزاد على ما قال السحر"..
١١ قوله: "والإلحاد في المسجد الحرام، وقال قوم: هي أربع" ساقط في (ب)..
١٢ ورد في (ج) و(د): "والإلحاد في المسجد الحرام وقال قوم، هي أربع وروي هذا عن ابن عمر الإشراك بالله"،.
١٣ "وروي عن ابن مسعود أيضا أنها ثلاث: القنوط والإياس والأمن من مكر الله"هذا ساقط في (ب) و(د)..
١٤ كلمة "قرآن" سقطت في (د)..
١٥ في (ج): "كما جاء في الكبائر"..
١٦ في (هـ): "يأكل معك"..
١٧ في (أ) و(ب) و(ج) و(هـ) و(د): "في البيت الحرام"..
١٨ في (هـ): "والذي ينتسب لغير والديه"..
١٩ في (هـ): "في عرض أخيه".
٢٠ "لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه" كله ساقط في (ب). انظر سنن أبي داود: كتاب الأدب، باب في الغنيمة ص٢٦٩، ومسند الإمام أحمد: ج١، ص١٩٠..
٢١ في (هـ): "والزنا"..
٢٢ في (هـ:"وترك الصلاة"..
٢٣ "والرباء من الكبائر وسرقة الصلاة من الكبائر" ساقط في (ب) وأما (ج) و(د) فقد سقط منهما قوله: "وسرقة الصلاة من الكبائر"..
٢٤ انظر مسند للإمام أحمد: ج٣، ص٥٦..
٢٥ في (د): "... فأولئك هم الكافرون بل الفاسقون"..
٢٦ في (ب) و(د):"التقرب"..
٢٧ في (هـ): "إلى أن الكبائر تنحصر"..
٢٨ في (هـ): "الإصرار".
٢٩ "تعالى) سقطت في (هـ).
٣٠ "تعالى" سقطت في (هـ).
٣١ في (هـ): "كل ما عصى الله به"..
٣٢ في (د) "فهو كبيرة"..
٣٣ "الذنوب كلها كبائر" ساقط في (ب) (وج) و(د) و(هـ)..
٣٤ في (د):"ارتكبه"..
٣٥ في (ج) و(د): "بالنسبة"..
٣٦ في (هـ): "منه"..
٣٧ في (هـ): "نكفر عنكم سيئاتكم"..
٣٨ في (ج) و(د): "يغفرها" وفي (هـ): "يغفره"..
٣٩ "كبائر" سقطت في (هـ)..
٤٠ في (هـ): "وذهبت"..
٤١ "نكفر" سقطت في (ج) و(د) و(هـ)..
٤٢ في (ب): "الوطء الواحد"..
٤٣ "عليه السلام" لم تذكر في (هـ) و(د)..
٤٤ في (هـ): "تصح"..
٤٥ في (هـ): "فجواز"..
٤٦ انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب الرقاق، باب٢٣، ص ٣٠٨، وتنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: ج٣، ص١٤٩. وكذلك مسند الإمام أحمد: ج٢، ص، ٣٤٤ وج٣، ص٤٦٩..
٤٧ في (هـ): "كأنصباء"..
٤٨ "أن نفضل" ساقط في (ب) و(ج)..
٤٩ هي أسماء بنت يزيد بن السكر الأنصاري الأوسية ثم الأشهلية، من أخطب نساء العرب، توفيت سنة٣٠ هـ / ٦٥٠م. انظر الأعلام: ج١، ص٣٠٠، لسان الميزان: ج٦، ص٨٥٤، حلبة الأولياء: ج٢، ص٧٦، والإصابة: ص٨، ١٢ والدر المنثور: ص٣٦..
٥٠ في (ب) و(د): "في القدر"..
٥١ "فنزلت الآية" سقطت في (هـ)..
٥٢ "لهم" ساقط في (ج) و(د) و(هـ)..
٥٣ في (ب): "من الميراث والغزو"..
٥٤ في (ب): "من الميراث والغزو"..
٥٥ "الآية" سقطت في (هـ)..
٥٦ في (د): "الله تعالى"..
٥٧ في (هـ): "يزول عنه"..
٥٨ في غير (هـ) سقوط كلمة "في النهي"..
٥٩ انظر الجامع الصغير للسيوطي في أحاديث البشير النذير للإمام السيوطي: ج١، ص١٩..
٦٠ في (ج): "لتصرف"..
٦١ في (هـ): "الصالحة"..
٦٢ في (د): "في الخير"..
٦٣ "أتاه" سقطت في (د)..
٦٤ انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب التمني، باب٥، ص٢٢٠، وكتاب التوحيد: باب ٤٥، ص٥٠٢..
٦٥ في (د): "لقول الله تعالى"..
٦٦ في (أ) و(ب): "التمني عن" وفي (هـ): "التمني المنهي عنه"..
٣٢ - وقوله تعالى :﴿ للرجال نصيب ﴾ الآية :
واختلف في تأويله، فقال قتادة : معناه من الميراث ؛ لأن العرب كانت لا تورث النساء، وهذا قول ضعيف يرده لفظ الاكتساب، وقيل : معناه من الأجر والحسنات.
وقوله تعالى :﴿ وسألوا الله من فضله ﴾ :
اختلف فيه، فقال ابن جبير، وليث ابن أبي سليم : إن هذا في العبادات والدين وأعمال البر، وليس في فضل الدنيا. وقال الجمهور ذلك على العموم.
٣٣ - وقوله تعالى :﴿ ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والأقربون ﴾ الآية١ :
قوله عزّ وجلّ :﴿ ولكل ﴾ تقديره في قول قوم : ولكل واحد، وفي قول قوم آخرين : ولكل شيء، يعنون التركة. والمولى في كلام العرب لفظ مشترك، وأصله من ولي الشيء يليه، فسمي المعتق مولى وسمي المعتق مولى. ويقال : المولى الأعلى، والمولى الأسفل. ويسمى الناصر مولى، وقد قال تعالى٢ :﴿ وأن الكافرين لا مولى لهم ﴾ [ محمد : ١١ ]. ويسمى ابن العم : مولى ويسمى الجار مولى. وقد بسط المتكلّمون أقوالهم في هذا في الرد على الإمامية عند احتجاجهم بقوله عليه الصلاة والسلام٣ : " من كنت مولاه فعلي مولاه " ٤ وقد اختلف في٥ المراد به في هذه الآية، فقيل : العصبة، وقيل : الورثة، وقيل : بنو العم٦، وقيل : هم٧ الأقرباء، منهم الأب والأخ. قال ابن الحسن : وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أبقت السهام فلأولى عصبة٨ ذكر "، يدل على أن المراد بقوله تعالى :﴿ ولكل جعلنا موالي ﴾ الآية : العصبة من العصبات٩ المولى١٠ الأعلى لا الأسفل على قول أكثر العلماء. وحكى الطحاوي١١ عن الحسن ابن زياد١٢ أن المولى١٣ الأسفل يرث من١٤ الأعلى ؛ واحتج فيه١٥ بما روى أن رجلا أعتق١٦ عبدا له، فمات المعتق ولم يترك إلا المعتق١٧، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه للغلام المعتق١٨. قال الطحاوي : ولا معارض لهذا الحديث، فوجب القول به. وعلى قول الطحاوي هذا يلزم١٩ أن يكون المولى الأسفل داخلا تحت عموم الآية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " فما أبقت الفرائض فللأولى عصبة ذكر " يدل على اشتراطه٢٠ القرابة مع الولاية، فلا معنى لهذا القول.
قال أبو الحسن : والذي يحسن٢١ من معانيه هنا أن يكون الموالي الورثة ؛ لأنها تصلح٢٢ على٢٣ تأويل : " ولكل شيء٢٤ ". وبذلك فسره ابن عباس وغيره : ومما٢٥ على تأويل ولكل شيء في موضع الصفة لشيء.
وعلى تأويل : " ولكل٢٦ أحد " متعلق بفعل مضمر يدل عليه ما قبله، كأنه٢٧ قال : ولكل أحد جعلنا ورثة٢٨ يرثون مما ترك الوالدان٢٩ الآية. والآية٣٠ على هذا التأويل لفظ عموم يراد به الخصوص ؛ لأنه ليس لكل إنسان ورثة معلومة ترثه. قال مالك : كل من هلك من العرب فلا يخلو أن يكون له وارث بهذه الآية، وإن لم تعرف عليه.
وقوله تعالى :﴿ والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ﴾ :
اختلف في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة، والذين ذهبوا إلى أنها٣١ منسوخة٣٢ قالوا : نسخها قوله تعالى :﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ﴾ [ الأحزاب : ٦ ]. واختلفوا في تأويل الآية المنسوخة، فقال ابن عباس وابن جبير والحسن وقتادة وغيرهم : هم الأحلاف، فإن العرب كانت تتوارث٣٣ بالحلف٣٤ فشدد الله تعالى ذلك بهذه الآية ثم نسخه٣٥ بآية الأنفال :﴿ وأولوا الأرحام ﴾ الآية. وقال ابن عباس أيضا : هم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم، فإنهم كانوا يتوارثون بهذه الآية حتى نسخ الله٣٦ ذلك بما تقدم. وروي أن أبا بكر الصديق٣٧ عاقد رجلا فورثه لما مات، وقيل : إنهم كانوا يتعاقدون فيقول الرجل٣٨ : ترثني وأرثك٣٩، وتطلب بي وأطلب٤٠ بك، ودمي دون دمك فنزلت الآية مؤكدة لذلك، ثم نسخت٤١ بقوله :﴿ وأولوا الأرحام ﴾ الآية إلى قوله :﴿ إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ﴾ [ الأحزاب : ٣٣ ]، أي٤٢ : إلا أن توصوا لهم ونسخ فرضه. وقد روي هذا٤٣ عن ابن عباس، والذين ذهبوا٤٤ إلى أنها محكمة اختلفوا في تأويلها : فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الآية محكمة على ظاهرها في الميراث وغيره، وأن الرجلين إذا لم يكن بينهما معروف فوالى أحدهما الآخر على أن يتوارثا ويتعاقدا فإن ذلك يصح ويتوارثان ويتعاقلان٤٥. قالوا : ولكل واحد منهما أن يرجع عن الموالاة. وهذا يرده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم٤٦ : " لا حلف في الإسلام " ٤٧، معناه : لا حكم في الموارثة٤٨ على ما كانت٤٩ تفعل٥٠ الجاهلية. وأيضا فإنهم خالفوا الآية التي يحتجون٥١ بها ؛ لأن الله تعالى علق فيها استحقاق النصيب بعقد اليمين وهم لا يرون اليمين٥٢ في استحقاق الميراث شيئا، والمعلوم من مذهب أبي حنيفة أن الميراث بالمعاقدة إنما هو عند ذوي الرحم والولاية.
وهو بعيد عن ظاهر الآية، فإن حكم المعاقدة فيها ثابت مع وجود الموالي. وذهب الحسن٥٣ في الآية إلى أنها٥٤ في قوم يوصى لهم، فيموت الموصى له قبل نفوذ الوصية ووجوبها، فأمر الموصي أن يؤديها إلى ورثة الموصى له. وهذا خلاف ما ذهب إليه مالك٥٥ من أن الموصى له إذا مات قبل الموصي فلا شيء له، وتبطل٥٦ الوصية. فلم ير مالك في الآية هذا التأويل٥٧، وكذلك هو بعيد عن لفظ الآية ؛ لأن المعاقدة والإيمان لا دخل لهما في الوصية. وذهب سعيد ابن المسيب٥٨ في الآية إلى أنها من الأبناء الذين كانوا يتبنون، قال : والنصيب الذي أمر بإتيانه٥٩ هو الوصية لا الميراث. وهذا القول يرجع إلى الحل على الوصية، وقال ابن عباس : هم الأحلاف، إلا أن٦٠ النصيب هو المؤازرة في الحق والنصر والوفاء بالحلف لا الميراث، ثم ذكر عنه٦١ أنه قال : كان المهاجري يرث الأنصاري دون ذوي رحم٦٢ بالأخوة التي جعلها الله بينهم في الإسلام، فلما نزلت :﴿ ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والأقربون ﴾ ٦٣ نسخت ذلك. ثم قرأ :﴿ والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ﴾ من النصرة والرفادة والوصلة، وقد ذهب الميراث، وهو قول حسن ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا حلف في الإسلام، وكل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة " ٦٤ وقوله : " ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به ولا حلف في الإسلام ) ٦٥، وقد حكي عن ابن عباس أن الآية كانت عامة في الميراث والنصر والمعونة، فنسخ منها الميراث وبقي النصر/ والمعونة.
١ "الآية" ساقطة في (ج)..
٢ كلمة "تعالى" سقطت في (ج)..
٣ في (هـ) و(د): "عليه السلام"..
٤ انظر جامع الصحيح للإمام الترمذي: أبواب المناقب، ص٢٩٧، حديث رقم ٣٧٩٧، ومسند الإمام أحمد: ج١، ص٨٤، ١١٨، ١١٩، ج٤، ص٢٨١..
٥ "في" سقطت في (ب) و(ج)..
٦ في (ج) و(د): "هم بنو العم"..
٧ كلمة "هم" سقطت في (ج)..
٨ انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب الاستقراض، باب١١، ص٦١، وكتاب التفسير: سورة ٣٣، باب١..
٩ كلمة "العصبات" سقطت في (هـ)..
١٠ في (ب) و(ج): "من العصبة الأولى"..
١١ هو أبو جعفر أحمد بن سلامة المعروف بالطحاوي، الفقيه الحنفي، له من التآليف: أحكام القرآن والمختصر توفي سنة ٣٢٠هـ / ٩٣٢م. انظر الجواهر المضيئة لابن أبي الوفاء القرشي: ج١، ص١٠٢ – ١٠٥، ولسان الميزان لابن حجر: ج١، ص ٢٧٤ – ٢٨٢، ومقدمة مختصر الطحاوي لابن الوضاء الأفغاني: ص١٠ – ١٤..
١٢ هو الحسن بن زياد أبو علي، قاض، فقيه من أصحاب أبي حنيفة، أخذ عنه وسمع منه، وكان عالما لمذهب الرأي، ولي القضاء بالكوفة سنة١٩٤ هـ. ثم استعفي وصنف كتبا منها: "أدب القاضي، ومعاني الإيمان، والنفقات، والأمالي"، توفي سنة ٢٠٤هـ/ ٨١٩ م. انظر الأعلام: ج٢، ص٢٠٥..
١٣ في (هـ): "الولي"..
١٤ كلمة "من" سقطت في (هـ)..
١٥ في (هـ): "واحتج له"..
١٦ في (د) و(هـ): "عتق" والصواب ما أثبتناه..
١٧ بكسر "تاء" الأولى، وفتح "تاء" الثانية..
١٨ بفتح "تاء" كلمة المعتق..
١٩ في (د) و(هـ): "هذا يلزم"..
٢٠ في (هـ): "اشتراط"..
٢١ في (ج): "والذي يحصل"..
٢٢ في (ب) و(د): "تضع"..
٢٣ في (هـ): "على كل"..
٢٤ في (ب) و(د) و(هـ): "ولكل أحد"..
٢٥ في (د): "ولا" وفي (هـ): "وهما"..
٢٦ في (د): "وعلى كل أحد"..
٢٧ في (د): "لأنه"..
٢٨ في (هـ): "مورثة"..
٢٩ في (ب): "الوالدان والأقربون"..
٣٠ "الآية" (أي الأولى) ساقطة في (ب) والآية الثانية ساقطة في (د)..
٣١ في (هـ): "الذاهبون" عوضا: "والذين ذهبوا أنها"..
٣٢ في (هـ): "نسخها"..
٣٣ في (هـ): "تورث"..
٣٤ في (ج) و(د): "الحلق" وفي (هـ): "الأحلاف"..
٣٥ في (هـ): "نسخت"..
٣٦ في (ج) و(د) و(هـ): "حتى نسخ ذلك"..
٣٧ في (د) و(هـ): "أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه"..
٣٨ في (د) و(هـ): "الرجل للرجل"..
٣٩ في (ب) و(د) و(هـ): "ترثك"..
٤٠ في (د) و(ب): "تعلبك"..
٤١ في (هـ): "نسخ".
٤٢ "أي" سقطت في (ج)..
٤٣ في (هـ): "نحو هذا".
٤٤ في (هـ): "الذاهبون" عوضا: "والذين ذهبوا"..
٤٥ "ذلك يصح ويتوارثان ويتعاقدان" ساقط في (ب)..
٤٦ في (هـ) و(د): "النبي"..
٤٧ انظر صحيح مسلم: كتاب الفضائل الصحابة، باب٥٠، ص١٩٦١، وسنن أبي داود: كتاب الفرائض، باب١٧، ص٣٣٨، وسنن الترمذي: كتاب السير، باب٣٠، ص١٤٦، وسنن الدارمي: كتاب السير، باب٨١، ص٦٣٩..
٤٨ في (د): "الوارثة" وفي (هـ): "في التوارث"..
٤٩ في (ب) و(د) و(هـ): "كان"..
٥٠ في (هـ): "يفعله"..
٥١ في (هـ): "احتجوا"..
٥٢ في (د): "تورث" والصواب ما أثبتناه..
٥٣ في (ب) و(د): "الحسن"..
٥٤ في (د): "أنه"..
٥٥ في (هـ) و(د): "مالك رحمه الله".
٥٦ في (هـ): "لا شيء له من الوصية"..
٥٧ في (ب) و(د): "فلا ير مالك في الوصية هذا التأويل"..
٥٨ هو سعيد بن المسيب المخزومي القرشي أبو محمد، أحد فقهاء السبعة جمع بين الزهد والحديث ولد سنة١٣ هـ/ ٦٣٤م، توفي سنة ٩٤هـ/ ٧١٣م. انظر الأعلام: ج٣، ص١٥٥، وفيات الأعيان: ج١، ص٢٠٦..
٥٩ في (هـ): "بإيتائه"..
٦٠ في (د): "لأن"..
٦١ في (هـ) و(ج) و(د): "ثم ذكر عنه رضي الله عنه"..
٦٢ "رحمه" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٦٣ "مما ترك الوالدان والأقربون" ساقط في (ب) و(ج) و(د) و(هـ). أما في (أ) فقد سقط: "الوالدان والأقربون"..
٦٤ انظر صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب٥٠، وسنن أبي داود: كتاب الفرائض، باب١٧، وسنن الترمذي: كتاب السير، باب٣٠، وسنن الدارمي: كتاب السير، باب٨١..
٦٥ نفس المصادر "بالهامش السابق"..
٣٤ - قوله تعالى :﴿ الرجال قوامون على النساء ﴾ الآية :
اختلف في سببها، فقيل : سببها قول أم سلمة المتقدم، أي لما تمنى النساء درجة الرجال عرفن بوجه الفضيلة. وقيل : سببها أن سعد ابن الربيع لطم زوجه حبيبة بنت زيد ابن أبي زهير، فجاءت مع أبيها١ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر أن تلطمه كما لطمها، فنزلت هذه الآية مبيحة للرجال تأديب نسائهم، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقض الحكم الأول، وقال : " أردت شيئا وما أراد الله خير " ٢. في حديث آخر : " أردت شيئا وأراد الله غيره "، وقد قيل : إن في هذا الحكم المردود نزلت :﴿ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه وقل رب زدني علما ﴾ [ طه : ١١٤ ]. " وقوام " : فعال بالمبالغة، وهو من القيام على الشيء ومعناه الاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد، فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد. وتعليله تعالى ذلك بالفضيلة والنفقة يقتضي أن للرجال٣ عليهن استيلاء وملكا ما. قال ابن عباس : " الرجال أمراء على النساء ". والفضيلة التي جعل الله هنا للزوج٤ هي الغزو وكمال الدين والعقل وما أشبهه٥.
والإنفاق : هو المهر والنفقة المستمرة على الزوجات، ومقتضى هذه الآية أن الزوج٦ يقوم بتدبير زوجته وتأديبها ومنعها من الخروج، وأن عليها طاعته ما لم يأمر بمعصية٧، وجعل تعالى ذلك للزوج لأجل٨ ما يجب عليه من النفقة لها، ففهم العلماء من هذا أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها وسقط عليها٩ ما له من منعها من الخروج على الوجوه كلها.
واختلف : هل لها فسخ النكاح ؟ فذهب الشافعي ومالك إلى أن لها ذلك، لأنه إذا خرج عن كونه قواما عليها وحابسا لها فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح، فكان لها الفسخ لأجل ذلك، فنزلت الآية دلالة ظاهرة من هذا الوجه على أن لها الفسخ عند الإعسار بالنفقة والكسوة.
وفي هذه الآية دليل على أن للرجل الحجر على زوجته في نفسها ومالها ؛ لأن الله تعالى قد جعله " قواما١٠ " عليها، ولم يقل قائما بل قواما مبالغة في ذلك وهو الناظر في الشيء الحافظ له إذا كان هو الناظر لها الحافظ عليها لم يجز لها هي قضاء في ذي بال من مالها إلا عن رأيه. وهذه المسألة اختلف فيها : فذهب قوم إلى أنه لا يجوز لها في شيء من مالها قل أو كثر قضاء، إلا بإذن زوجها. وذهب قوم إلى أنه١١ لها القضاء في كل شيء من مالها قل أو كثر. واحتجوا بظواهر آثار١٢. وذهب مالك١٣ إلى أنه لا يجوز للمرأة قضاء إلا في ثلثها. واحتج بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يجوز للمرأة قضاء في ذي بال من مالها١٤ إلا بإذن زوجها "، ورأى أن الثلث ليس بذي بال فأجاز تصرفها فيه، وبين بالحديث معنى الآية. وقيل : إنما اعتبر مالك الثلث في جواز فعلها، لأنه رأى المريض محجورا عليه من أجل ورثته، وقد أجازت السنة له الثلث فقاسه عليه.
وقد استدل بعضهم بهذه الآية على أن المرأة لا يجوز أن تلي القضاء، قال : لأنه تعالى يقول :﴿ الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ﴾، يعني من العقل والرأي، فلم يجز أن يضمن على الرجال، وهذا هو مذهب الجمهور. وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز أن تقضي فيما يجوز فيه شهادتها. وشذ الطبري فأجاز قضاءها في جميع الأحكام١٥، فأما الإمامة الكبرى١٦ فلا خلاف أنه لا يجوز أن تليها، والآية أيضا على الاستدلال المذكور تقتضي ذلك.
وقوله تعالى :﴿ فالصالحات ﴾ هو الصلاح في الدين، والقانتات : المطيعات لأزواجهن أو لله في أزواجهن وغير ذلك. وقيل : المصليات : والغيب : كل ما غاب عن علم١٧الزوج. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خير النساء امرأة إذا نظرت إليها أسرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها١٨حفظتك في مالك وفي نفسها " ١٩، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية.
قوله تعالى :﴿ بما حفظ الله ﴾ أي : بحفظ الله تعالى إياهن في أمورهن. وقيل : المعنى : بحفظ الله إياهن٢٠ في وصية الأزواج بهن. وقيل : بحفظ الله مطلقا. و ﴿ تخافون ﴾ : اختلف في تأويله، فقيل : تعلمون وتتيقنون. وذهبوا في٢١ ذلك إلى أن وقوع النشوز هو الذي يوجب الوعظ، واحتجوا لذلك٢٢ بقول أبي محجن :
ولا تدفنوني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها٢٣
وقيل : الخوف هنا٢٤ على بابه من التوقع. والنشوز استعلاء المرأة على زوجها واعوجاجها عليه٢٥ مأخوذ من نشز الأرض. وقال بعضهم : النشوز امتناع المرأة من فراش زوجها، والخلاف له فيما يلزمها٢٦ من طاعته. وقال ابن عباس : هو أن تستخف بطاعته وبحقه ولا تطيع أمره. وقال عطاء : النشوز أن تحب فراقه. وقيل : النشوز البغض والأصل من ذلك ما قدمناه، واختلف في تأويل ﴿ واهجروهن ﴾ فقيل : اجتنبوا٢٧ جماعهن. قال ابن عباس : يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها، فتكون " في " ٢٨ هنا للوعاء على بابها. وقيل : جنبوا مضاجعتهن، قاله مجاهد. ويكون التقدير : واهجروهن في سبب المضاجع. وقيل : معناه قولوا لهن : هجرا من القول أي إغلاظا. ويقال في ذلك : هجر وأهجر. وقيل : معناه اربطوهن في المضاجع بالهجار كما يربط البعير به وهو حبل يشد به البعير٢٩، فهي في معنى اضربوهن. قال الطبري : وقد أشار البخاري أن هجرانهن٣٠ يكون في غير بيوتهن استنانا بالنبي صلى الله عليه وسلم، لما فيه من الرفق بالنساء وهو قول٣١ مخالف للآية. قال بعضهم : وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم مقدار ذلك الهجران بإيلائه شهرا من أزواجه٣٢ حين أسر٣٣ إلى حفصة سرا فأفشته إلى عائشة وتظاهرتا٣٤ عليه، فقيل : إنه كان أصاب جاريته مرية في بيت حفصة ويومها، وقيل : في يوم عائشة وسأل حفصة أن تكتم ذلك، فأخبرت عائشة وقيل : إنه شرب عسلا في بيت زينب، وذلك الهجران لا يبلغ به إيلاء٣٥ أربعة أشهر.
وقوله تعالى :﴿ واضربوهن ﴾ : الضرب هنا يعني به الضرب غير المبرح. قال قتادة : هو غير الشائن٣٦. وقال الحسن : هو غير مؤثر. وسئل ابن عباس عن الضرب غير المبرح، قال٣٧ : بالشراك أو نحوه. وقال النبي عليه الصلاة والسلام : " فاضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضربا غير مبرح " ٣٨، وهو إشارة منه٣٩ عليه الصلاة والسلام إلى تفسير الآية. وقد اختلف٤٠ في ضرب النساء الضرب غير المبرح فرأى قوم أن أفضل ما يتخلق به الرجال الصفح عنهن على ما صح في الخبر٤١ عن النبي صلى الله عليه وسلم من صبره على هجر نسائه له ولم يذكر أنه عاقبهن على ذلك. وأنكروا٤٢ الأحاديث٤٣ التي جاءت٤٤ بإباحة ضربهن مثل قوله عليه الصلاة والسلام : " علق سوطك حيث تراه الخادم " ٤٥، وقوله : " أخف أهلك ولا ترفع عنهم٤٦ عصاك " ٤٧. وقالوا : لا يجوز الاحتجاج بها لولا أسانيدها٤٨. وذهب آخرون إلى أن أخبار الضرب صحاح، واختلفوا في معناها فقال بعضهم : معنى ذلك أن يضرب الرجل امرأته٤٩ إذا رأى منها ما يكره فيما تجب عليها طاعته٥٠ فيه. واعتلوا بأن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين كانوا يفعلون ذلك. وذكروا أن ابنة علي بن أبي طالب كانت تحت عبد الله بن أبي سفيان بن٥١ الحارثة فربما ضربها فتجيء إلى الحسن بن علي فتشكي وقد لزق درع حرير٥٢ بجسدها من الضرب فيقسم عليها لترجعن إلى بيت زوجها، وذكروا أن أسماء قالت : كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير، فكان إذا عتب على أحدنا فك عودا من الشجب٥٣ فضربها به حتى يكسره عليها. قال عمارة : دخلت على أبي مجلز٥٤ فدار بينه وبين امرأته كلام فرفع العصا فثبّج قدر نصف أنملة أصبعه وكان محمد بن عجلان يحدث بقوله صلى الله عليه وسلم : " لا ترفع عصاك عن أهلك " ٥٥ فكان يشتري سوطا فيعلقه في بيته لتنظر إليه امرأته وأهله٥٦. وقال آخرون : بل٥٧ ذلك أمر من النبي صلى الله عليه وسلم للرجال في أدب أهلهم ووعظهم إياهن وأنه لا يخلو من تفقدهن بما يكون لهن مانعا٥٨ من الفساد والخلاف لأمرهم. وذلك من قول العرب : شق فلان عصا المسلمين إذا خالف إلفتهم وفرّق جماعتهم، ومن ذلك قيل للرجل إذا أقام بالمكان واستقر فيه واجتمع إليه أمره : " قد ألقى فلان عصاه " ٥٩، فأما ضربها من غير٦٠ ذنب فمحرم٦١. قالوا : وقد حرم الله تعالى أذى المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا. وقال بعضهم في معنى قوله عليه الصلاة والسلام : " لا ترفع عصاك عن أهلك " ٦٢ إنما ذلك حض على ترهيب أهله في ذات الله تعالى بالضرب لئلا يرتكبن موبقة باقيا عليه عارها، إذا كان صلى الله عليه وسلم قد جعله قيّما على أهله. والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : " أما أبو جهم٦٣ فلا يضع عصاه على عاتقه " ٦٤. أعلمها غلظته على أهله وشدته، فلو كان معناه لا تخلهم عن تأديبك بالوعظ والتذكير٦٥ دون الترهيب بالضرب عند ركوبها ما لا يحل لها لم يكن لترهيبه فاطمة في أبي جهم بما وصفه معنى ؛ إذا كان الوعظ والتذكير لا يوجبان لصاحبهما ذما، وظاهر الآية عندي أعظم ممن رأى ضربهن٦٦ ؛ لأنه تعالى قد قال :﴿ واضربوهن ﴾ ولا أقل من أن يكون مباحا بل لو قيل : إنه أمر ندب لكان ذلك حسنا ؛ لأن في ذلك إصلاح لهن ولو خلين وهواهن لهلكن. ولم يأمر الله تعالى في شيء من كتابه٦٧ بالضرب صراحا إلا في ذلك وفي الحدود العظام، فساوى معصيتهن للأزواج بمعصية أهل الكبائر، وجعل تعالى ذلك الأزواج عليهن رفقا بالرجال، وإنما يكره في ضربهن التعدي والإسراف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يجلد أحدكم امرأته جلد٦٨ العبد ثم يجامعها في آخر يوم " ٦٩، واختلف في جواز ضربها في الخدمة، والقياس يوجب إذا جاز ضربها في المباضعة جاز في الخدمة الواجبة للزوج عليها بالمعروف. ولا خلاف أنه إذا ضرب ضربا يؤدي إلى الهلاك أنه ضامن وحكم المؤدب والمعزر في ذلك حكم الزوج بخلاف حكم٧٠ الصائل على الإنسان في ماله، فإنه يجوز دفعه وإن أدى ذلك الدفع إلى هلاك الصائل. وإذا قلنا : إن للرجل أن يضرب زوجته تأديبا لها على ما جنته فضربها ثم ادعت هي أنه ضرب اعتداء، وادعى الزوج أنه ضرب أدب٧١ ففي المذهب قولان في ذلك، أحدهما : أنه محمول على الاعتداء حتى يثبت غير ذلك٧٢. وقيل : إنه محمول على الأدب حتى يثبت الاعتداء، وهذا القول أليق بلفظ الآية ؛ لأن الله تعالى قد أباح الضرب للزوج، وإذا كان كذلك فهو مصدق على أنه ضرب أدب٧٣، وقد جعل الله تعالى العظة والهجر والضرب مراتب : يبدأ أولا بالأضعف وهو العظة، ثم بأشد منه وهو الهجر، ثم بأشد من الهجر وهو الضرب، وإن كانت " الواو " لا تعطي رتبة، ولكن مفهوم الغرض يعطي ذلك. وإن وقعت٧٤ الطاعة عند إحدى هذه المراتب لم يتعد إلى سائرها.
١ في (ب) و(د): "ابنها"..
٢ الحديث لم نعثر عليه.
٣ "أن للرجال" سقطت في (هـ)..
٤ "للزوج" سقطت في (هـ)..
٥ في (ج): "وما أشبه ذلك"..
٦ في (هـ): "أن الرجل).
٧ في (د) و(ه): (يأمرها".
٨ "لأجل" ساقط في (ب)..
٩ "عليها" ساقط في (أ): وفي (هـ): "عنها"..
١٠ في غير (هـ): "قائما".
١١ في (هـ): "أن"..
١٢ في (هـ): "بظواهر الآيات"..
١٣ في (د) و(هـ): "مالك رحمه الله"..
١٤ "إلا عن رأيه، وهذه المسألة..." إلى قوله: "في ذي بال من مالها" ساقط في (ج) والحديث في سنن أبي داود: كتاب البيوع، باب٨٤..
١٥ "قوله إلى أنه يجوز أن تقضي فيما يجوز أن تقضي فيه شهادتها، وشذ الطبري فأجاز قضاءها في جميع الأحكام" ساقط في (ب) و(ج)..
١٦ في (ب): "إلا الإمامة الكبرى"..
١٧ "علم" كلمة سقطت في (هـ)..
١٨ في (أ): "عليها"..
١٩ انظر مسند للإمام أحمد: ج٢، ص ٢٥١ وص ٤٣٢ وص ٤٣٨..
٢٠ في (د) و(ج) و(ب): "إياها"..
٢١ قوله: "في وصية الأزواج بهن وقيل بحفظ الله مطلقا وتخافون اختلف في تأويله، وقيل: تعلمون وتتيقنون وذهبوا" كل هذا ساقط في (ب) و(هـ) و(ج) و(د)..
٢٢ في (ج) و(د): "بذلك"..
٢٣ الطويل.
٢٤ في (ب) و(ج) و(د): "هاهنا"..
٢٥ "عليه" سقطت في (هـ)..
٢٦ في (ج) و(د): "على ما يلزمها"..
٢٧ في (د) و(هـ): "جنبوا"..
٢٨ "في" سقطت في (أ) و(ج) و(هـ)..
٢٩ "البعير" ساقط في (هـ)..
٣٠ "إلى هجرانهن"..
٣١ في (ب) و(ج) و(د): "وهذا القول" وهو الأولى..
٣٢ "بإيلائه شهرا من أزواجه" كله ساقط في (ب)..
٣٣ في (د) و(ج) و(هـ): "حين أسر النبي صلى الله عليه وسلم"..
٣٤ في (د): "تظاهرا"..
٣٥ في (هـ): "الإيلاء".
٣٦ "قال قتادة: هو غير الشائن" سقط في (هـ)..
٣٧ "فقال" سقطت في (هـ)..
٣٨ الحديث أخرجه الترمذي في سننه: أبواب الرضاع، باب١١، رقم١١٧٣..
٣٩ في (ج): "من النبي صلى الله عليه وسلم"، وفي (هـ): "منه عليه الصلاة والسلام"..
٤٠ كلمة "فقد اختلف" سقطت في (د) و(ج) و(هـ)..
٤١ في (هـ): "الصفح عنهن كما صح"، وفي (ب) و(د) و(ج): "على ما صح به الخبر"..
٤٢ في (ب) و(د): "وأنكر"..
٤٣ في (هـ): "واذكر من الأحاديث"..
٤٤ "التي جاءت" سقطت في (ب) و(د)..
٤٥ انظر مسند الإمام أحمد: ج٥، ص ٢٣٨..
٤٦ في (هـ): "عنهن"..
٤٧ انظر مسند للإمام أحمد: ج٥، ص٢٣٨..
٤٨ كلمة "لعله لوهي" يقال: وهي يهي وهيا ولم أقف على: "وهاء"..
٤٩ في (هـ): "وزوجته"..
٥٠ في (د): "ما يكره فلا يجب عليها عليه طاعته"..
٥١ "بن" ساقط في (ج)..
٥٢ "لزق درع حرير" سقط في (ب)، وأما في (د) و(هـ) فسقط "حرير"..
٥٣ في غير (ب) و(د) و(هـ): "المثجب"، والشجب يسكون الشين عمود من عمود البيت..
٥٤ في (د): "المجلد"..
٥٥ مسند الإمام أحمد: ج٥، ص٢٣٨..
٥٦ كلمة "وأهله" سقطت في (د)..
٥٧ "بل" ساقطة في (ج) و(هـ)..
٥٨ في (هـ): "مانعا لهن"..
٥٩ في (ج): "قد ألقى عصاه" وفي (هـ): "قد ألقى إليه"..
٦٠ في (ج): "بغير"..
٦١ في (ج): "محرم" وفي (هـ): "فيحرم"..
٦٢ انظر مسند الإمام أحمد: ج٥، ص٢٣٨..
٦٣ في (د): "أبو حكيم" والصواب ما أثبتناه..
٦٤ انظر سنن أبي داود: كتاب الطلاق، باب في نفقة المبثوتة، رقم الحديث٢١٨١، ص ٢٨٥ – ٢٨٦، وتنوير الحوالك: شرح على موطأ مالك: كتاب الطلاق، باب ما جاء في نفقة المطلقة، ص٩٨ – ٩٩، والمسند للإمام أحمد: ج٦، ص٤١٢ – ٤١٣..
٦٥ لعله: "والتذكير"..
٦٦ في (هـ): "أعظم حجة لمن رأى ضربهن"..
٦٧ في (ج): "... تعالى في كتابه"..
٦٨ في (هـ): "لا يضرب أحدكم زوجته ضرب"..
٦٩ انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب النكاح، باب٩٣، ص ٣٠٢، وكتاب التفسير، سورة ٩١، ص ٧٠٥، والمسند للإمام أحمد: ج٤، ص١٧..
٧٠ "حكم" ساقط في (ج)..
٧١ من قوله: "أن يضرب زوجته تأديبا لها.." إلى قوله "ضرب أدب" كله ساقط في (هـ)..
٧٢ في (هـ): "حتى يثبت خلافه"..
٧٣ في (د) و(ج): "ضربها للأدب"..
٧٤ في (هـ): "وجرت"..
٣٥ - قوله تعالى :﴿ وإن خفتم شقاق بينهما ﴾ الآية :
قال إسماعيل القاضي١ : أما أبو حنيفة وأصحابه فما عرفوا هذه الآية، ولا تكلموا في شيء من أحكامها. وأما الشافعي فتكلم فيها بكلام السكوت أحسن منه. وذكر غيره عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه٢ في الحكمين بعض كلام. ونحن نذكر إن شاء الله تعالى٣ ما جاء في ذلك، وقد اختلف أهل التأويل في الخوف هاهنا على حسب ما تقدم ولا يبعث٤ الحكمان إلا مع شدة الخوف والشقاق وإباية المرأة من الرجوع إلى طاعة زوجها. واختلف في المأمور بالبعثة للحكمين٥ فقال سعيد ابن جبير : الحكام إذا أعضل٦ أمرهما٧ عليهم وترافعا إليهم. وقال السدي : المخاطب الزوجان. وقال بعض المفسرين : إليهما تقديم الحكمين، وهذا مذهب مالك، والأول لربيعة وغيره. وأخطأ فيما نسب إلى مالك ؛ لأن المشهور عن مالك٨ أن الإمام هو الذي يبعث الحكمين. وأجاز أن يبعثهما الزوجان، وأجاز أيضا أن يبعثهما من يلي أمر الزوجين، فإن حملنا الآية على هذا القول جعلنا المخاطبة بها الحكام والزوجين والولاة جميعا. وأما أن يقال : إن مذهب مالك أن المخاطب بالآية الزوجان خاصة فشيء لا نعرفه ويؤخذ من هذه٩ الآية أن السلطان يبعث الحكمين في أمر الزوجين١٠، وإن لم يطلبا ذلك منه خلافا للشافعي في أحد قوليه أنه١١ لا يبعثهما١٢ إلا السلطان برضى الزوجين ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك، وهو مذهب أبي حنيفة على ما ذكر بعضهم أيضا. وللشافعي قول آخر مثل قول مالك١٣ أن الحكمين ينفردان بالتفريق دون رضى الزوجين إذا رأيا ذلك. واختلف فيما إلى الحكمين من النظر بين الزوجين، فقيل : لا ينظران إلا فيما وكلهما الزوجان به، وصرح بتقديمهما عليه. وقال أبو الحسن١٤ : ينظر الحكمان في الإصلاح والأخذ والإعطاء١٥ إلا١٦ في الفرقة، وبمثله قال أبو حنيفة على ما ذكر بعضهم. قال : لأن الله تعالى لم يذكر فرقة، وقالت فرقة : ينظر الحكمان في كل شيء ويحملان على الظالم ويمضيان ما رأياه من بقاء أو فراق، وهذا هو مذهب مالك وجمهور أهل العلم.
واختلف في قوله تعالى :﴿ إن يريدا ﴾، من المراد بذلك ؟ فقيل : الزوجان، وقيل : الحكمان. وخص الله١٧ تعالى بعثهما من الأهل١٨ ؛ لأنهم مظنة العلم بباطن الأمر، ومظنة الإشفاق بسبب القرابة. ولم يجعلهما من جهة الزوج وحده، ولا من جهة الزوجة وحدها١٩ لما يلقى القريب عند الشنآن٢٠ من الحمية لمن هو من ناحيته. وإن لم يوجد من الأهل من يصلح لذلك بعث من الأجنبيين. وإن جعل ذلك للأجنبيين مع وجود الأهل، فيشبه أن يقال : ينتقض٢١ الحكم بمخالفة النص، ويشبه أن يقال : الحكم ماض بمنزلة ما لو تحاكما إليهما. وإن جعل السلطان النظر بين الزوجين إلى واحد هو منهما٢٢ مثل عم أو خال جاز ذلك أيضا على مقربته مخالفة النص. ولو جعل السلطان ذلك إلى رجل واحد أجنبي منهما جاز على الأصل في الأحكام : أنه يجزئ٢٣ في القضية رجل واحد وهو في هذا الوجه بخلاف الحكمين في الصيد، ولا يجوز أن يوقعا من الطلاق أكثر من واحدة، واختلف في الاثنين والثلاث. فقيل : يلزم الزوج ما أوقع عليه. وقيل : يلزم من ذلك طلقة. وقال عبد الملك : لأنهما لم يدخلا بما زاد على الواحدة صلاحا٢٤ بل أدخلا مضرة. واختلف إذا كان الزوجان رشيدين وحكم بينهما٢٥ غير عدل، أو امرأة، أو صبيا، أو صبية٢٦، هل ينقض الحكم أم لا ؟ فقال عبد الملك : " إنه منقوض " وكذلك لو حكما رجلا وهما يريان أنه٢٧ من أهل المعرفة٢٨ والعدالة ثم تبين غير ذلك فإنه يختلف هل/ يمضي الحكم أم لا ؟ وفي كتاب محمد بن الحكم٢٩ ماض، ووجه القول ينقض الحكم إن من شرط الحكمين أن يكونا عدلين ؛ لأن الله تعالى سماهما حكمين.
واختلف المتأخّرون من أشياخنا في جعل الأمينة بين الزوجين، فقالت طائفة منهم : بإجازة ذلك ولم تر بعث الحكمين. قالت : لأنه أمر لم يحكم به من كان٣٠ قبلنا من أئمة العدل ولكن تخرج المرأة إلى دار أمين أو يسكن أمين معها٣١. وقد ذكر مثل هذا ابن سحنون عن أبيه من قول مالك٣٢ في النصرانية الحاضنة إذا خيف منها أن تضم إلى ناس من المسلمين٣٣، وأنكرت طائفة هذا وقالوا٣٤ : القول بالحكمين مما لا يجوز٣٥ الحكم بغيره، لأن الله تعالى حكم به، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهلم جرّا، وقد بعث عمر بن الخطاب حكمين، وفعل ذلك علي بن أبي طلب. وآية التحكيم محكمة لا خلاف في ذلك، وبذلك قال بن لبابة. وقال ابن القطان : لا يقضي بإسكان أمينة معهما٣٦، يتعرف بها الضرر وليس ذلك في كتاب ولا سنة، وأعجب من أهل بلادنا في هذه المسألة وشبيهها يقلدون مالكا في العظائم، وإن لم يستند فيها إلى نص ويخالفونه في الدقائق، وإن استند فيها إلى نص ولم يقنعوا بخلاف مالك في هذه المسألة حتى خالفوا فيها٣٧ ما أمره الله تعالى به.
١ هو القاضي إسماعيل بن إسحاق الأزدري البصري المتوفي سنة ٢٨٢هـ / ٨٩٥م، له من التآليف: أحكام القرآن وإعرابه ومعانيه، وله كتاب في القراءات. انظر ترتيب المدارك للقاضي عياض: ج٤، ص ٢٧٦ – ٢٩٣، الديباج: ص٩٢، كشف الظنون: ج١، ص٢٠، طبقات المفسرين للداودي: ج١، ص١٠٥..
٢ "رضي الله تعالى عنه" سقطت في (هـ)..
٣ كلمة "تعالى" سقطت في (هـ)..
٤ في (ج): "ولم يبعث"..
٥ في (هـ): "يبعث حكمين"..
٦ في (هـ): "عضل"..
٧ في (ب) و(ج) و(هـ): "أمرها"..
٨ في (ج): "مالك رحمه الله" وفي (هـ): "عنه رحمه الله"..
٩ في (ج) و(هـ): (سقطت كلمة "هذه"..
١٠ "في أمر الزوجين" ساقط في (ج) و(هـ)..
١١ في (هـ): "في أنه"..
١٢ في (ج): "أن لا يبعثهما"..
١٣ في (ج): "مالك رحمه الله تعالى"وفي (هـ): "رحمه الله"..
١٤ في (ج) و(هـ): "ابن أبي الحسن".
١٥ في (ج): "العطا"..
١٦ "إلا" ساقطة في (ب) و(د)..
١٧ "الله" كلمة ساقطة في (هـ)..
١٨ في (ج): "من الأكل".
١٩ في (ج): "لم يجعلهما من جهة الزوج وحده أو من جهة الزوجة وحدها"..
٢٠ في (ج): "الشقاق"..
٢١ في (ج): "ينقض"..
٢٢ في (ج): "منهما هو"..
٢٣ "لأنه يجزئ" ساقط في (ب) و(أنه) ساقط في (د) و(ج)..
٢٤ كلمة "صلاحا" ساقط في (ب)..
٢٥ "لو حكم بينهما" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٢٦ "أو صبية" سقطت في (هـ)..
٢٧ "لأنه" ساقطة في (أ)..
٢٨ "المعرفة و" ساقط في (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٢٩ في (هـ): "كتاب عبد الحكيم"..
٣٠ "كان" سقطت في (هـ)..
٣١ "معها" ساقط في (ج)..
٣٢ في (د): "عن قول مالك"..
٣٣ في (هـ) و(ب) و(د): "المشركين"..
٣٤ في (د): "وقالت"..
٣٥ في (ج): "ما لا يجوز"..
٣٦ كلمة "معهما" ساقطة في (هـ)..
٣٧ كلمة "فيها" سقطت في (هـ)..
٤٣ - قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ﴾ الآية :
سبب النهي عن قرب الصلاة في حال السكر أن جماعة من الصحابة شربوا١ الخمر عند أحدهم قبل التحريم، منهم أبو بكر وعمر وعلي وعبد الرحمان ابن عوف، فحضرت الصلاة فتقدمهم علي فقرأ :﴿ قل يا أيها الكافرون ١ ﴾ [ الكافرون : ١ ]، مخلطا٢ فيها بأن قال :﴿ أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد ﴾. وروي أن المصلي عبد الرحمان بن عوف، وقد اختلفوا٣ في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة ؟ فالذين ذهبوا٤ إلى أنها محكمة اختلفوا في التأويل، فقالت طائفة معنى قوله :﴿ وأنتم سكارى ﴾ أي سكارى٥ من النوم لا من الخمر، وقال عبيدة السلماني٦ : هو الحاقن كقوله عليه الصلاة والسلام٧ : " لا يصلين أحدكم وهو يدافع الأخبثين " ٨.
وقيل : ليس المراد هنا العبادة المعلومة وإنما المراد بها مواضع٩ الصلاة وهي المساجد، والتقدير : لا تقربوا مواضع١٠ الصلاة ثم حذف، كقوله تعالى :﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ]، وروي هذا عن ابن عباس أيضا، وإليه ذهب الشافعي وأصحابه. والأكثر كما قدمنا على أن المراد به الصلاة، وهو قول أبي حنيفة. ومقتضى هذا القول تنزيه المساجد عما يتوقع من السكران من فحش المنطق وتلويث المسجد، ويقاس على هذا السباب فيها والدخول بالروائح المنتنة أو١١ بالنجاسات١٢. ومن ذلك إنشاد الشعر فيها١٣، وقد اختلف فيه. والأظهر جوازه إلا ما كان فيه فحش. وكذلك رفع الأصوات فيها بغير ذكر الله تعالى١٤، وقد اختلف فيه أيضا. وقد قال عمر١٥ : من أراد أن يغلظ أو ينشد شعرا فليخرج إلى هذه الرحبة. وكذلك النوم١٦ فيها١٧ مختلف فيه، والأظهر جوازه لما ورد من الآثار في ذلك. واختلف فيمن رأى في المسجد في ثوبه دما كثير هل له أن يخلعه١٨ فيه على قولين، أحدهما : أنه يجب أن يخرج ولا يخلعه فيه. والثاني : أنه يجوز له أن يخلعه ويضعه بين يديه ويغطيه، وقيل : المعنى/ لا يكن منكم سكر فيقع قرب الصلاة ؛ إذ المرء مدعو إلى الصلاة.
وهذا القول بأنها محكمة إنما يصح على القول ببطلان دليل الخطاب، إذ دليل خطاب١٩ الآية على هذا القول إباحة ما دون السكر أو٢٠ السكر في غير الصلاة.
والذين ذهبوا إلى أنها منسوخة اختلفوا، فمنهم٢١ من قال بدليل خطابها، ورأى أن٢٢ الآية نزلت قبل التحريم، فاقتضت عنده تحريم السكر في الصلاة خاصة، فرآها منسوخة بآية التحريم، وهي قوله٢٣ تعالى :﴿ إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام ﴾ [ المائدة : ٩٠ ]، وهو مروي عن قتادة ومجاهد. ومنهم من رأى أن الآية إنما اقتضت النهي عن الصلاة في حال السكر، ثم ورد الأمر بالصلاة على كل حال، فإن كانوا لا يعقلون ما يقرأون وما يفعلون، فعليهم الإعادة وإن كانوا يعقلون ذلك فعليهم أن يصلوا، وهذا قبل التحريم. فأما٢٤ بعد التحريم، فيجب أن لا يفعلوا ذلك، أعني٢٥ الشرب، فإن فعلوا فقد أساؤوا الحكم في الصلاة، وأخذوا الآية التي وردت بالأمر بالصلاة على كل حال٢٦ قوله تعالى :﴿ إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ﴾ [ المائدة : ٦ ] الآية، وهذا قول ابن عباس. وفي هذه الأقوال كلها نظر. أما النسخ فيها، فلا يتحقق، لأنه مهما أمكن نفي التعارض بين الآيتين لم يصح نسخ.
أما النسخ بتحريم الخمر، فمبني على القول بدليل الخطاب، وللناظر أن يقول : إنما حرم السكر في حالة الصلاة، ثم أكد التحريم فيها بأن صرح بتحريمه في الصلاة وفي غير الصلاة، فالتحريم المطلق قوى التحريم٢٧ المخصوص ولم ينسخه. وأما القول بأن الأمر بالصلاة على كل حال فلأصحاب مالك، وهو قول الشافعي. وقالت طائفة : لا يصلون حتى يجدوا الأرض من السماء فلا خلاف أنه ٢٨ كالمجنون، إلا فيما ذهب وقته من الصلوات فلا يسقط عنه، لأنه هو الذي٢٩ أدخل السكر على نفسه بخلاف المجنون٣٠ والمغمى عليه.
قوله تعالى :﴿ ولا جنبا إلا عابري سبيل ﴾ :
واختلف في الجنب من هو ؟ فقال الجمهور، هو غير الطاهر من إنزال أو مجاوزة، ختان من غير إنزال، لأن المجانبة في اللغة ترجع إلى البعد والمفارقة، وهي كناية على الوطء، فالرجل إذا جامع ثم فارق فقد حصلت المفارقة سواء أنزل أو لم ينزل، وهو كقوله عليه الصلاة والسلام : " الكذب مجانب٣١ للإيمان " ٣٢ أي مفارق، وذهب داود وبعض الصحابة٣٣ إلى أن الجنب لا يكون إلا من إنزال، ولم يوجبوا الغسل إلا على ذلك. ودليل أهل القول الأول٣٤ مع ما ذكرناه قول النبي صلى الله عليه وسلم٣٥ : " إذا التقى الختانان فقد وجب٣٦ الغسل أنزل أو لم ينزل ".
وقوله :﴿ إلا عابري سبيل ﴾ :
اختلف في عابر السبيل من هو ؟ فقيل هو المسافر، قالوا : فلا يصح لأحد أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا بعد اغتسال إلا المسافر، فإنه يتيمم وهو قول علي وابن عباس وغيرهما. وهذا قول مبني على القول بأن الصلاة من قوله ٣٧ :﴿ ولا تقربوا الصلاة ﴾ المراد بها العبادة. وقيل : هو المجتاز مسافرا كان أم غير مسافر٣٨ وهذا القول مبني على أن الصلاة فيما تقدم أريد بها موسع الصلاة. وعلى هذا يترتب الخلاف في الجنب يمر في المسجد أو٣٩ يقعد فيه، فقيل : إنه يمر فيه ويقعد، وهو قول داود، قال : وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون وهم جنبا في المسجد، وجعلوا القعود كالمرور. وقال بعضهم : يجلس فيه ويمر إذا توضأ، وهو قول ابن حنبل. وقال قوم : لا يجلس فيه ولا يمر وهو قول الكوفيين وأشهر قولي٤٠ مالك، وروي عن ابن عباس وغيره : إن لم يجد بدا تيمم ومر فيه ولا يقعد، وهو قول الثوري وإسحاق. وأما القول الأول فضعيف ومخالف لظاهر ٤١ الآية، لأن الله تعالى نهى عن القرب من موضع الصلاة جنبا، ثم أباح للجنب إذا كان عابر سبيل أن يعبره٤٢ فمن أباح القعود فيه فقد أجاز ما نهى الله تعالى٤٣عنه. والقول الثاني مثله في الضعف بل أضعف. وأما القول الثالث وهو أشهر قولي مالك، فصحيح وليس في الآية ما يرده، لأن الآية على هذا القول إنما هي في المسافر الجنب إذا حضر الصلاة كما قدمنا : فليس فيها إباحة شيء من ذلك. ويؤيد هذا القول حديث عائشة قالت : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال : " وجهوا هذه٤٤ البيوت عن المسجد "   ٤٥ ثم دخل ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن ينزل لهم رخصة، فخرج إليهم بعد فقال : " وجهوا هذه البيوت فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " قالوا : فأمر النبي صلى الله عليه وسلم٤٦ بهذا صيانة للمسجد٤٧ عن اجتياز الجنب. وأما القول الرابع وهو أحد قولي مالك، فمحمول على أن الآية في غير المسافر، وأن المراد بالصلاة المسجد، وبعابر السبيل المجتاز فيه، وهو أحد قولي زيد ابن أسلم. وأما القول الخامس في الآية فضعيف ؛ إذ فيه التيمم والله تعالى لم يذكر التيمم، فالظاهر إباحة ذلك لعابر السبيل متيمما كان أو غير متيمم، ومما يؤيد أن الصلاة المراد بها موضع الصلاة، وأن عابر السبيل هو٤٨ المار في المسجد ما روى بعضهم من أن سبب الآية أن قوما من الأنصار كانت أبواب دورهم٤٩ شارعة في المسجد، فإذا أصابت أحدهم الجنابة اضطر إلى المرور في المسجد فنزلت الآية في ذلك.
قوله تعالى :﴿ حتى تغسلوا ﴾ :
اختلف في صفة الغسل التي عنى الله تعالى في هذه الآية، فقالت طائفة : يجزئ الجنب الانغماس في الماء دون إمرار اليد على الجسم، وهو قول الشافعي وابن عبد الحكم وأبي الفرج، وإحدى الروايتين عن مالك. وقالت طائفة : لا يجزئ الغسل حتى يمر يديه على جسده كله وهذا أشهر قولي مالك : وحجة القول الأول٥٠ أن كل من صب الماء فقد اغتسل، لقول العرب : غسلتني السماء. ولا مدخل فيه لإمرار اليد، وحجة أهل القول الثاني : أن الغسل يتضمن زيادة على إيصال الماء إلى المحل، وليس ذلك إلا إمرار اليد، لأن أهل اللغة فرقوا بين الغمس والغسل، فيقولون : انغماس واغتسال، فدل على اختلاف حكمهما، ولقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة : " وادلكي جسدك بيديك " ٥١. واختلف في الجنب يحدث هل عليه وضوء أم لا ؟ فالجمهور على أن لا وضوء عليه، وذهب الشافعي في بعض أقواله إلى أن عليه الوضوء ودليل القول الأول قوله تعالى :﴿ حتى تغتسلوا ﴾ فلم يوجب غير الغسل. والحدث الأصغر يدخل في الأكبر، وكذلك لا يجب مع الغسل وضوء لظاهر الآية، وأي وضوء أعم من الغسل كما قال ابن عمر رضي الله / تعالى عنهما.
قوله تعالى :﴿ وإن كنتم مرضى أو على سفر ﴾ الآية :
واختلف في سببها، فقيل : سببها عدم الصحابة للماء في غزوة المريسيع حين قام النبي صلى الله عليه وسلم على التماس العقد. وقيل : نزلت في قوم أصابتهم جراح ثم أجنبوا فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية. وذكر بعضهم أن ذلك نزل لعبد الرحمان ابن عوف. واختلف في المرض الذي شرط٥٢ الله تعالى جواز التيمم فيه٥٣ فأخذ بعضهم بظاهر الآية، هو داود ومن تابعه، فقال٥٤، كل ما انطلق عليه اسم مريض فجائز له التيمم. وقال الشافعي في أشهر قوله : هو المرض الذي يخاف فيه التلف باستعمال الماء. وقد روي عن مالك مثل هذا. وقال مالك : في أشهر قوله٥٥ : هو المرض الذي يخاف فيه التلف أو الزيادة أو البطء في استعمال الماء. قال القابسي : مثل أن يخاف٥٦ أن تصيبه نزلة أو حمى وقد روي عن الشافعي مثل هذا. واختلف في السفر الذي يباح فيه التيمم، فقال الجمهور : هو الغيبة عن الحضر، كان السفر مما تقصر فيه الصلاة أو لا تقصر أخذا بظاهر لفظ السفر في الآية ؛ لأنه لم يخص سفرا طويلا من قصير. وذهب قوم٥٧ إلى أنه لا يتيمم إلا في سفر تقصر في مثله الصلاة، ويجوز فيه القصر. ورأوا أن السفر في الآية على ذلك يقع، واختلف في سفر المعصية هل يجوز فيه التيمم أم لا ؟ فذهبت فرقة إلى منعه والأكثر على جوازه لعموم الآية.
قوله تعالى :﴿ أو جاء أحد منكم من الغائط ﴾ :
في " أو " هنا تأويلان أحدهما : أنها على بابها من أن تكون لأحد الشيئين. والثاني : أنها بمعنى " الواو " وعلى هذين التأويلين ينبني اختلاف العلماء في المريض الواجد للماء والحاضر العادم للماء، هل هما من أهل التيمم أم لا ؟ فمن أبقى " أو " على بابها رآهما من أهل التيمم، وقال : إن٥٨ معنى الآية وإن كنتم مرضى٥٩ لا تقدرون على مس الماء، أو على من يناولكم إياه، لأن المرض يتعذر معه الوصول إلى الماء أو مسه في أكثر الأحوال، فاكتفى تعالى بذكر المرض٦٠، وفهم المراد كما ٦١ فهم من قوله تعالى :﴿ فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ﴾ [ البقرة : ١٨٤ ] أن٦٢ معناه : فاضطر٦٣. وكذلك قوله :﴿ أو على سفر ﴾ يريد غير واجد للماء، فاكتفى بذكر السفر، وفهم المراد منه لأن السفر يعدم الماء فيه في أكثر الأحوال.
ثم قال تعالى :﴿ أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء ﴾ الآية، يريد بذلك الحاضر الصحيح. ولما كان الغالب في الحضر وجود الماء صرح بشرط عدمه٦٤ فقال :﴿ فلم تجدوا ماء ﴾، ومن رأى " أو " ٦٥ في الآية بمعنى " الواو " ولم يرهما من أصل التيمم ؛ لأنه يعيد٦٦ قوله٦٧ :﴿ أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء ﴾ على المرض والسفر، وكذلك يعيد٦٨ قوله :﴿ فلم تجدوا ماء ﴾
١ في (أ) و(هـ): "شربت"..
٢ في (ج): "فغلط".
٣ في (هـ) و(د) و(ج): "اختلف"..
٤ كلمة "ذهبوا" ساقطة في (ج)..
٥ في (ب) و(د) و(ج): "ساكرين"..
٦ هو عبيدة بن عمرو (أو قيس) السلماني المرادي، تابعي أسلم أيام فتح مكة، روى الحديث وتفقه وكان يوازي شريحا في القضاء، توفي سنةهـ٧٢/ ٦٩١م. انظر الأعلام: ج٤، ص ٢٥٧..
٧ في (هـ): "عليه السلام"..
٨ الحديث أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب هل يصلي الرجل وهو حاقن، حديث رقم٨٩، ص٢٢، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده: ج٦، ص٤٣، ٥٤، ٧٣..
٩ في (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(هـ): "إلى مواضع الصلاة" وفي (ج): "أي مواضع الصلاة"..
١٠ "مواضع" ساقطة في (ج)..
١١ "أو" ساقط في (د)..
١٢ في (هـ): "النجاسات"..
١٣ "فيها": (ساقطة في (د)..
١٤ كلمة "تعالى" سقطت في (هـ)..
١٥ في (ج) و(هـ): "عمر رضي الله عنه"..
١٦ "مكان النوم" بياض في (ب)..
١٧ "فيها" ساقطة في (د): وفي (ج): "فيه".
١٨ في (د): "يغسله"..
١٩ في (ب) و(هـ): "دليل الخطاب"..
٢٠ في (هـ): "والسكر"..
٢١ في (هـ): "ومنهم"..
٢٢ كلمة "أن" ساقطة في (ج) و(هـ)..
٢٣ في غير (هـ): "هي قوله تعالى"..
٢٤ في (ج) و(هـ): "وأما"..
٢٥ في (هـ): "يعني"..
٢٦ "حال" ساقطة في (أ)..
٢٧ في (د) و(هـ): ﴿إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق﴾ الآية..
٢٨ في )أ) و(ب): "فلا اختلاف في الله" وفي (هـ) :"فلا اختلاف أنه"..
٢٩ كلمة "الذي" ساقطة في (أ) و(ج) و(د)، وفي (هـ): "لأنه أدخل"..
٣٠ قوله: "إلا فيما ذهب وقته من الصلوات... بخلاف المجنون" ساقط في (ب)..
٣١ في (ج) و(د): "بجانب"..
٣٢ في (هـ): "الإيمان" والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده: ج١، ص٥..
٣٣ في )هـ): "أصحابه"..
٣٤ كلمة "الأول" سقطت في (ب)..
٣٥ في (هـ) :"قوله"..
٣٦ في (ج ) :"الختانان أوجب" والحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الحيض، باب٢٢، ص٢٧١ – ٢٧٢، والإمام البخاري في صحيحه: كتاب الغسل باب٢٨، ص ٧٦. .
٣٧ في (هـ) :"قوله تعالى"..
٣٨ قوله: "وهذا قول مبني... مسافرا" ساقط في (ب)..
٣٩ في( هـ): "و". .
٤٠ في (هـ) :"قول"..
٤١ "يعبره" بياض في (ب)..
٤٢ "تعالى" سقط ت في (ج) ..
٤٣ ي (ج): "عائشة رضي الله تعالى عنها"، وفي (هـ): "رضي الله عنها". .
٤٤ كلمة "هذه" ساقطة في (ب) و(ج) و(د) و(هـ)..
٤٥ في ( ب) و(ج) و(د): "في المسجد" وهو خطأ والحديث جاء في سنن أبي داود: كتاب الطهارة، باب٩٣، ص١٥٧ – ١٥٩، وسنن ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب ١٢٩، ص٢١٢..
٤٦ في (ج): "فأمر عليه الصلاة والسلام" وفي (هـ): "فأمر عليه السلام"..
٤٧ "صيانة بالمسجد" في (ب)و(د):.
٤٨ " هو" ساقط في (ج) و(هـ)..
٤٩ في (ج) و(هـ): " ديارهم"..
٥٠ في (هـ): "وحجة القول الأول قولهم"..
٥١ فتح الباري صحيح البخاري: كتاب الحيض، باب١٣، ص٤١٤..
٥٢ في (ب) و (د) :"أجاز"..
٥٣ في (هـ): "لهم فيه"..
٥٤ في (ج ) و(هـ) و(د): "فقالوا"..
٥٥ قوله: "وهو المرض الذي يخالف فيه التلف باستعمال الماء، وقد روي عن مالك مثل هذا وقال مالك في أشهر قوليه" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٥٦ في (هـ(و(د) و(ج): "يخشى"..
٥٧ في (هـ): "بعضهم"..
٥٨ أن" سقطت في (هـ)..
٥٩ كلمة "مرضى" سقطت في (ج)..
٦٠ في (ج) و(د): "المرض منه"..
٦١ "فهم المراد كما فهم" سقطت في (هـ)..
٦٢. في (ب) و(ج) و(د) و(هـ) ساقطة "(أن".
٦٣ في (ج): "فأفطروا"..
٦٤ في (ج): "بعدم شرطه" وفي (هـ): "شرطه بعدم"..
٦٥ في (ج) و(د) و(هـ): "أن"..
٦٦ "يفيد" :(هـ) في.
٦٧ في (هـ): "قوله تعالى"..
٦٨ "يفيد": (هـ) في .
٤٨ قوله تعالى :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ﴾ ١ الآية٢ :
هذه الآية أصل في الوعد والوعيد، وهي الحاكمة ببيان ما تعارض من الآيات في ذلك. وتهذيب القول فيها أن الناس أربعة أصناف : كافر مات على كفره. فهذا مخلد في النار بإجماع، ومؤمن لم يذنب مات على إيمانه، فهذا في الجنة بإجماع، وهذا كله في هذين الصنفين بحسب ما أخبر الله تعالى عنهم، وتائب من ذنبه مات على توبته٣ فهذا٤ عند أهل السنة وجمهور الفقهاء الأمة لاحق بالمؤمن المتقدم ذكره، إلا أن مقتضى مذهب المتكلمين أنه في المشيئة. ومذنب مات قبل توبته٥ فهذا اختلف٦ فيه الفرق. فقالت المرجئة : هو في الجنة بإيمانه، ولا تضره سيئاته، وبنوا ذلك على أن جعلوا آيات الوعيد كلها مخصصة في الكفار٧، وآيات الوعد عامة في المؤمنين تقيّهم وعاصيهم. وقالت المعتزلة : إن كان٨ صاحب كبيرة فهو في النار ولا بد. وقالت الخوارج : إذا كان صاحب كبيرة أو صغيرة فهو مخلد في النار ولا إيمان له ؛ لأنهم يرون كل الذنوب كبائر، وبنوا ذلك على أن جعلوا آيات الوعد كلها مخصصة في المؤمن الذي لم يذنب أو المؤمن التائب. وجعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة كفرة كانوا أو مسلمين٩، وقال أهل السنة : آيات الوعد ظاهرة العموم، وآيات الوعيد ظاهرة العموم، ولا يمكن الجمع بينهما مع حملهما على عمومهما ؛ كقوله تعالى :﴿ لا يصلاها إلا الأشقى ١٥ الذي كذب وتولى ﴾ [ الليل : ١٥، ١٦ ]، وقوله تعالى :﴿ ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم ﴾ [ الجن : ٢٣ ]، فلا بد أن نقول : إن آيات الوعد لفظها العموم والمراد بها١٠ الخصوص في المؤمن وفي التائب، وفيمن١١ سبق علم الله تعالى بالعفو عنه من المذنبين١٢ وآيات١٣ الوعيد لفظها العموم والمراد بها١٤ الخصوص في الكفرة١٥ وفيمن١٦ سبق علم الله تعالى١٧ بتعذيبه من المؤمنين١٨. وهذه الآية :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ [ النساء : ٤٨ ]، ردت١٩ على الطائفتين : المرجئة والمعتزلة، وذلك أن قوله تعالى٢٠ :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ﴾ فضل مجمع عليه. وقوله :﴿ ويغفر ما دون ذلك ﴾ فيه رد لقول المعتزلة بتخليد المذنب ولو تم الكلام هاهنا عند قوله :﴿ ما دون ذلك ﴾ ٢١ لكان فيه حجة للمرجئة، فجاء قوله تعالى٢٢ :﴿ لمن يشاء ﴾ ردا عليهم، مبنيا أن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم، بخلاف ما زعموا من أنه غفور لكل مؤمن. وقد تأولت المعتزلة الآية على مذهبها، فقالت : قوله :﴿ لمن يشاء ﴾ هو التائب، وهذا تحكم على الآية يرده النظر. وتأولت المرجئة الآية أيضا على مذهبها فقالت : قوله٢٣ :﴿ لمن يشاء ﴾ أن يؤمن٢٤ وهذا أيضا٢٥ تأويل بعيد وكان سبب نزول هذه الآية أنه٢٦ لما نزلت :﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ [ الزمر : ٥٣ ]، قال أصحاب النبي٢٧ صلى الله عليه وسلم : " والشرك يا رسول " فنزلت الآية :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ﴾ ٢٨. وذهب بعض أهل التأويل٢٩ إلى أن هذه الآية ناسخة للتي في آخر الفرقان. قال زيد بن ثابت : نزلت سورة النساء بعد سورة الفرقان بستة أشهر. والنسخ في الأخبار مستحيل. والصحيح أن التي في الفرقان مخصوصة بالكفار الذين أرادوا الدخول في الإسلام، فخافوا أن لا ينفعهم الإسلام مع ما سلف لهم في الجاهلية روي ذلك عن ابن عباس وغيره.
١ في (هـ): "... ﴿ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾..
٢ "الآية" سقطت في (هـ)..
٣ قوله: "فهذا في الجنة بإجماع... على توبته" ساقط في (هـ)..
٤ في (ج): "فهو"..
٥ في (د) و(ج): "على ذنبه" عوضا من "قبل توبته"..
٦ في (هـ) و(ب) و(د): "اختلف"..
٧ في (هـ): "مخصصة بالكفار"..
٨ في (ب) و(د) و(ج): "أن كل"..
٩ في (هـ): "أو المؤمنين"..
١٠ في (ب) و(ج): "به"..
١١ في (ب): "ومن"..
١٢ في (ج): "الموامنين"..
١٣ قوله: "الوعد لفظها العموم والمراد بها الخصوص في المؤمن وفي التائب وفيمن سبق علم الله تعالى بالعفو عنه من المذنبين وآيات" ساقط في (د)..
١٤ في (ب) و(ج): "به"..
١٥ في (هـ): "بالكفرة"..
١٦ ف (ج): "ومن"..
١٧ في (ج) و(هـ): "علمه"..
١٨ في (د): "من المسلمين"..
١٩ في (أ) و(ب) و(ج): "فيه رد"..
٢٠ "قوله تعالى" كلمة سقطت في (ج)، وكلمة "تعالى" سقطت في (هـ).
٢١ قوله: "عند قوله ما دون ذلك" سقطت في (ج) و(د) و(هـ)..
٢٢ كلمة "تعالى" سقطت في (هـ)..
٢٣ قوله: "هو التائب، وهذا تحكم على الآية يرده النظر وتأولت المرجئة الآية أيضا على مذهبها، فقالت قوله" كله ساقط في (د)، وكذلك في (هـ): لكن بداية من قوله: "لمن يشاء هو التائب"..
٢٤ في (ب) و(ج) و(د): "قوله لمن يشاء معناه لمن يشاء أن يؤمن"..
٢٥ في (ج) و(د): "وهو أيضا"..
٢٦ في (ج): "أنها"..
٢٧ في (ج): "رسول الله"..
٢٨ في (هـ): "... ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"..
٢٩ "أهل التأويل" بياض في (ب) وفي (د): "بعض المتأولين" وفي (ج): "بعض التأويل"..
٥٨، قوله تعالى :﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ﴾ الآية، إلى قوله :﴿ ذلك خير وأحسن تأويلا ﴾ :
اختلف في المخاطب بالآية، فقال ابن عباس وغيره، هي عامة في كل مؤتمن على شيء، وقال علي بن أبي طالب وغيره : هي خطاب لولاة المسلمين أمروا بأداء الأمانة لمن ولوا عليه، وهذا اختيار الطبري. وقال ابن عباس : الآية في الولاة، أمروا أن يعضلوا النساء في النشوز ونحوه، ويردوهن إلى أزواجهن. وقال ابن جريج وغيره : ذلك خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم١ خاصة، أمر٢ أن يرد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن أبي طلحة حين أخذه منه، واختلف في الحربي يدخل إلينا بأمان، فيودع وديعة ثم يقتل في دار الحرب، أو يموت عندنا، أو يقتل. فقال أبو حنيفة : لا يرد ما ترك عندنا، من مال أو وديعة إلى أهله، وهي غنيمة. وقال مالك٣ : يرد ماله وودائعه إلى أهله. وقال الشافعي بقوليهما٤. والأظهر٥ قول مالك٦ لعموم قوله تعالى :﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ﴾ ٧. واختلف أبو حنيفة والشافعي في المسلم يدخل دار الحرب بأمان فيداينه الحربي دينا، ثم يخرج الحربي مستأمنا، فقال أبو حنيفة : لا يقضى له على المسلم بدينه، وكذلك عنده لو كان المسلم قد أدان الحربي هما سواء ولا يقضى على الحربي.
وفي قول الشافعي : يقضى بالمال في الوجهين جميعا، وهو ظاهر مذهب مالك، وهذا هو الأظهر ؛ لأن الدين من نوع الأمانات أيضا.
واختلف في الأسير إذا ائتمنه الحربي على شيء هل يجوز أن يخونه أم لا ؟ والأظهر منع ذلك ؛ لعموم الآية من هذا مسألة الذي يودعه الرجل مالا وقد كان جحده٨ قبل ذلك مالا. هل لهذا الآخر أن يجحده كما جحده أم لا ؟ وقد تقدمت المسألة مستوفاة.
قوله تعالى :﴿ وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ﴾ :
ظاهر الآية جواز حكم الحاكم بين جميع الناس لبعيد على قريب ولقريب على بعيد ؛ إذ حكم بالعدل. وعندنا في حكم الحاكم لمن لا تجوز شهادته له٩ قولان : الإجازة والمنع، وحجّة القول بالجواز عموم١٠ الآية.
١ في (ج): "عليه الصلاة والسلام"..
٢ كلمة "أمر"سقطت في (ج)..
٣ في (ج): "مالك رحمه الله"..
٤ في (ج): "بقولهما"..
٥ في (هـ): "والظاهر"..
٦ في (ج): "مالك رحمه الله"..
٧ في إضافة بعد الآية، وهي: "لعموم هذه الآية"..
٨ "كما جحده" ساقط في (د) و(هـ)..
٩ "له" سقطت في (هـ).
١٠ في (ب) و(ج): "لعموم"..
٥٩ قوله تعالى :﴿ يا أيها١ الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ﴾ الآية :
اختلف في أولي الأمر، فقيل : هم الأمراء. وقيل هم العلماء٢ وقيل٣ : أولو العلم بالقرآن. وقيل : أصحاب٤ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، وقيل : هي٥ إشارة إلى أبي بكر وعمر خاصة. وحكى بعض٦ من قال : إنهما الأمراء، إنها نزلت في أمراء٧ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان السبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عمار بن ياسر وأميرها خالد بن الوليد، فقصدوا قوما من العرب، فأتاهم نذير، فهربوا تحت الليل٨، وجاء منهم رجل إلى عسكر خالد فدخل إلى عمار، فقال : يا أبا اليقظان ! إن قومي قد٩ فروا وإني أسلمت فإن كان إسلامي ينفعني وإلا فررت، فقال له عمار : ينفعك، فأقم، فأقام١٠ فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد سوى الرجل المذكور، فأخذه وأخذ ماله، فجاء عمار فقال : خل عن الرجل فإنه قد أسلم وإنه في أمان مني. فقال خالد : وأنت تجير، فاستبا وارتفعا إلى رسول الله صلى الله علي وسلم فأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية على أمير. واستبا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خالد : يا رسول الله ! أتترك هذا العبد الأجدع يسبني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا خالد لا تسب عمارا، فإنه من سب عمارا سبه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله١١، ومن لعن عمارا لعنه الله " ١٢ فغضب عمار فقام، فذهب، فتبعه خالد حتى اعتذر إليه فتراضيا فنزلت الآية.
و " طاعة الله " : اتباع أوامره واجتناب نواهيه١٣. و " طاعة الرسول " : الرجوع إليه في حياته وإلى١٤ سنته بعد وفاته. ومعنى :﴿ فردوه إلى الله والرسول ﴾ أي١٥ : إلى الكتاب والسنة.
١ في (ج): "سبحانه"..
٢ "وقيل هم العلماء" ساقط في (ب)..
٣ في (هـ) و(ب) و(ج): "وقيل لهم"..
٤ في (د) و(ج) و(هـ): "وقيل أولوا الأمر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم"..
٥ كلمة "هي" سقطت في (هـ)..
٦ في (ب) و(ج) و(د): "بعضهم"..
٧ في (هـ): "أمر"..
٨ "الليل" بياض في (ب)..
٩ كلمة "قد" سقطت في (ج)..
١٠ "فأقام" سقطت في (هـ)..
١١ "فإنه من سب عمارا سبه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله" ساقط في (ج)، وبياض في (ب) و(د)، والحديث أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: ج٤، ص٩٠..
١٢ "ومن لعن عمارا لعنه الله" بياض في (ب): "ومن لعن عمار"ساقط في (د) و(ج)..
١٣ في (ب) و(د): "والانتهاء عما نهى عنه" وفي (ج): "الانتهاء مما نهى عنه" وفي (هـ): "الانتهاء عما نهى الله عنه"..
١٤ في (هـ): "اتباع سنته"..
١٥ (أي) ساقطة في (ج) و(د) و(هـ)..
٨٦ قوله تعالى١ :﴿ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ﴾ :
اختلف في المراد بالآية، فقيل : المراد بها تشميت العاطس، حكي ذلك عن مالك٢، وهو قول ضعيف ترده ألفاظ الآية. والذي ينبغي أن يظن بمالك أنه أراد قياس التشميت على رد السلام، وأن الآية في رد السلام لا في تشميت العاطس، كظاهر ما نسب إليه. وقيل : هو الذي عليه الجمهور : أن الآية في رد السلام ؛ لأن التحية المقصود بها السلام في كلام العرب، ألا ترى قول عبدة :
عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من غادر ته غرض الردى إذا زاد عن سخط٣ ديار كسلما٤ ٥
وإذا قلنا : إن٦ المراد بالآية السلام، فهل قوله تعالى :﴿ وإذا حييتم بتحية ﴾ عام في كل من سلم من مسلم وكافر، أو خاصة٧ فيمن سلم على مؤمن ؟ اختلف في ذلك على قولين، أحدهما : أن الآية خاصة في المؤمنين فلا يجوز رد السلام على غير المؤمن، وإلى هذا ذهب عطاء. وذهب الجمهور إلى أن الآية عامة وأن السلام يرد على من سلم مؤمنا كان أو كافرا ؛ إلا أنهم اختلفوا في كيفية الرد على الكفار، فقال قوم بظاهر الآية ولم يفرّقوا في ذلك بينهم وبين المؤمنين. وقال بعضهم : يرد عليهم بأن يقال : عليك، وعن بعضهم : " السلام عليك " ٨، ويجعله بعضهم اسما للموت، وبعضهم يريد السآمة. وعن بعضهم : عليك السلام بكسر السين. وعن بعضهم : علاك السلام. وإذا كانت الآية خاصة بالمؤمنين٩ وقلنا١٠ : لا يرد السلام على الكفار، بأن لا يبدؤوا بالسلام أحرى، وهو مذهب الجمهور، خلافا لمن أجاز ابتداءهم١١ بالسلام. وإذا قلنا بالمنع، فإن سلمت عليه ناسيا فهل تستقبله السلام أم لا ؟ فيه١٢ قولان. واختلف أيضا في أهل المعاصي هل يسلم عليهم أم يرد السلام إذا سلموا١٣ فذهب مالك إلى أن١٤ لا يسلم عليهم. وذهب غيره إلى إجازة السلام عليهم، ويحتج بعموم الآية وبغير ذلك. العلماء متفقون على أن الابتداء بالسلام سنة مندوب إليها. قال تعالى :﴿ فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ﴾ [ النور : ٦١ ]، أي بعضكم على بعض تحية من عند الله مباركة طيبة، والرد فريضة ؛ لقوله تعالى :﴿ فحيوا بأحسن منها أو ردوها ﴾ فأمر بالرد، وأمره تعالى فيه على الوجوب. وكذلك تشميت العاطس، إلا أن في تشميت العاطس قولين، أحدهما : أنه واجب، والثاني : أنه مندوب إليه. ولم أر في١٥ رد السلام خلافا. وإذا قلنا : إن رد السلام واجب، فهل ذلك على الأعيان أم على الكفاية ؟ فيه قولان : فذهب مالك والشافعي وغيرهما إلى أنه على الكفاية، وكذلك التشميت عندهم، وذهب غيرهم : إلى أنه على الأعيان، وإن كل من سمع السلام فواجب عليه أن يرده١٦. وكذلك التشميت عندهم، وكل طائفة تتناول الآية على مذهبها. ومما يقوي مذهب مالك ومن معه ما رواه مالك عن زيد بن أسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سلم واحد من القوم أجزأ عنهم " ١٧. وروى أبو داود عن علي مثله، وأنكر أبو يوسف حديث مالك لأنه مرسل. فقال الآخرون : المرسل أولى من الرأي المجرد، وقالوا : قد يكون من السنة ما ينوب عن الفرض كغسل الجمعة عن١٨ غسل الجنابة، وغسل اليدين قبل الوضوء عن غسلهما مع الذراعين في الوضوء في قول عطاء. وكذلك رد الواحد يجزئ عن الجماعة. ومما يدل على وجوب التشميت قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة : " فإن عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته " ١٩ وتأوله من ذهب إلى أنه مندوب إليه على أن ذلك٢٠ حق في حسن الأدب وكرم الأخلاق، كما قال عليه الصلاة والسلام : " من حق الإبل أن تحلب على الماء " ٢١. واختلف في المصلي إذا سلم عليه هل يرد السلام٢٢ أم لا ؟ فذهب سعيد بن المسيب وغيره إلى أنه يرد السلام لفظا. وقال أبو حنيفة : لا يرد السلام لفظا ولا إشارة٢٣ بعضو من الأعضاء. وقال مالك٢٤ : يرد إشارة بيده أو برأسه لا لفظا. وقال النخعي : يرده في نفسه. ومن حجة من لم يجز رده لفظا٢٥ أنه كلام. ﴿ وقوموا لله قانتين ﴾ [ البقرة : ٢٣٨ ]، ومن٢٦ حجة من أجازه عموم قوله تعالى :﴿ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ﴾ ٢٧، فلم يخص صلاة من غيرها. واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى :﴿ بأحسن منها أو ردوها ﴾ على ثلاثة أقوال : فقال قوم : التحية٢٨ أن يقول الرجل سلام عليك٢٩. فيجب على الآخر أن يقول : عليك السلام ورحمة الله. فإن قال بادئ : " السلام عليك ورحمة الله ". قال الراد : عليك السلام ورحمة الله تعالى وبركاته. فإن قال البادئ : السلام عليك٣٠ ورحمة الله وبركاته٣١. فقد انتهى، ولم يبق للراد كيف يحيي بأحسن منها، فهاهنا يقع الرد المذكور في الآية. فالمعنى على هذا القول في الآية :﴿ وإذا حييتم بتحية ﴾ فإن نقص المسلم من النهاية، فحيوا بأحسن منها وأن انتهى فردوا. وعلى هذا القول ينتهي السلام إلى البركة كما جاء في الحديث ولا يجوز تجاوزها. وقال بعضهم : في الآية دليل على تجاوز البركة إذا انتهى المبتدئ بالسلام إليها. وقال قوم : معنى الآية دليل على تجاوز البركة إذا انتهى المبتدئ بالسلام إليها. وقال قوم : معنى الآية تخيير الراد فإذا قال البادئ : السلام عليك٣٢ فللراد أن يقول : عليك السلام فقط. وهذا هو الرد. وله أن يقول : وعليك السلام ورحمة الله تعالى وبركاته٣٣. وهذا هو التحية بأحسن. وقال قوم : المراد إذا حييتم بتحية، فإن كانت من مؤمن٣٤ فحيوا بأحسن منها، وإن كانت من كافر فردوا ذلك، على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن يقال : وعليك " ٣٥، وإذا قلنا : إن المراد بالآية تشميت، أو٣٦ قسناه على السلام، فإن التحية٣٧ حينئذ هي العطاس مع حمد الله تعالى، فإن٣٨ عريت من الحمد لم يشمت العاطس على ما تقدم في حديث أنس. وذكر بعضهم أنه إجماع من العلماء وإن كان٣٩ قد جاء في حديث البراء : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بتشميت العاطس٤٠، فعم مع الحمد وغير الحمد٤١، والعام إذا عارضه الخاص فيه تنازع بين العلماء هل يسلك فيه٤٢ مسلك البيان أو مسلك النسخ.
وقد اختلف فيما يقرن إلى العطاس وحينئذ يكون تحية أو مقيسا على التحية، فقالت طائفة : يقول : " الحمد لله " على ما جاء في حديث أبي هريرة٤٣ وقالت طائفة يقول : " الحمد لله رب العالمين ". وقالت طائفة٤٤ : " الحمد لله على كل حال ". وذكره٤٥ ابن عمر٤٦ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الطبري : الصواب أن العاطس مخير في هذه المحامد، وذكر عن أم سلمة أن رجلا عطس عند النبي٤٧ صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى٤٨، فقال له : " يرحمك الله " ثم عطس ثانية٤٩، فقال : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا٥٠ مباركا فيه. فقال صلى الله عليه وسلم : " ارتفع هذا على هذا سبع عشرة درجة " ٥١.
واختلفوا٥٢ أيضا في كيفية رد المشمت، فقالت طائفة : يرحمك الله، يخصه بالدعاء على ما جاء في حديث أبي هريرة، وعلى ما جاء أيضا من أن الله تعالى قال لآدم عليه السلام٥٣ حين عطس لما فرغ تعالى٥٤ من خلقه، قال له : يرحمك الله٥٥ ربك٥٦. وقالت طائفة : يعم بالتشميت العاطس وغيره. وكان الحسن يقول : الحمد لله يرحمكم الله٥٧. وقالت طائفة : يقول : يرحمنا الله وإياكم. وتشميت المشمت تحية أيضا، فينبغي أن يكون لها رد.
واختلفوا٥٨ أيضا في هذا الرد كيف يكون ؟ فقالت طائفة يقول٥٩ " يهديكم الله ويصلح بالكم " على حديث أبي هريرة الواقع في البخاري٦٠. وكان الشعبي٦١ يقول : يهديكم الله. وأنكرت طائفة أن يقول : يهديكم الله ويصلح بالكم. واختارت يغفر الله لنا ولكم. وقال مالك والشافعي : إن شاء قال : يهديكم الله ويصلح بالكم، و إن شاء قال : يغفر الله لكم، لا بأس بذلك. وقال الطبري : لا وجه لمن أنكر يهديكم الله ويصلح بالكم٦٢، لأن الإخبار بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت من غيرها٦٣. واحتج الطحاوي لقول مالك بقوله تعالى :﴿ وإذا حييتم بتحية ﴾ الآية. فقال : إذا قال جوابا لقوله : " يرحمكم الله "، " يغفر الله لكم " ٦٤ فقد رد مثل ما حياه به. وإذا قال : " يهديكم الله ويصلح بالكم "، فقد حياه بأحسن مما حياه ؛ لأن المغفرة إنما هي من الذنوب، والرحمة ترك العقاب عليها. ومن جعلت له الهداية وكان مهديا، كان بعيدا عن الذنوب٦٥. ومن أصلح باله وهو حاله فحاله فوق حال المغفرة، فكان ذلك أولى.
١ في (ج): "قوله عز وجل"..
٢ في (ج): "مالك رحمه الله".
٣ في غير (ب) و(ج) و(د): "شخط"..
٤ البيتان من البحر الطويل..
٥ الطويل.
٦ "أن" ساقطة في (ب) و(ج)..
٧ في (ج): "خاص"، وفي (هـ): "أو خاص"..
٨ في (ج): "عليك السلام"..
٩ في (د) و(ج): "في المؤمنين"..
١٠ "قلنا"سقطت في (هـ)..
١١ في (هـ): "يبدأوا".
١٢ "فيه" سقطت في (هـ)..
١٣ "إذا أسلموا" سقطت في (هـ)..
١٤ "إلى أن" ساقط في (ج)..
١٥ كلمة "ولم أر" سقطت في (ب) و(ج) و(د)..
١٦ في (هـ) و(ب) و(د): "يرد"..
١٧ انظر تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك للإمام جلال الدين عبد الرحمان السيوطي: كتاب الجامع، العمل في السلام، ج٣، ص١٣٢..
١٨ في (ج) و(ب) و(د): "من"..
١٩ انظر صحيح مسلم: كتاب الزهد، باب٥٤، ص ٢٢٩٢ – ٢٢٩٣، وسنن الترمذي: كتاب الأدب، باب٣، ص ٨٢ – ٨٣، وسنن أبي داود: كتاب الزكاة، باب ٤٢، ص ٣١٤ – ٣١٥..
٢٠ "ذلك" سقطت في (هـ)..
٢١ الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: كتاب الشرب المساقاة، باب١٦، ص ٨٠ –٨١، واللفظ له، وأخرجه النسائي: كتاب الزكاة، باب٦، ص٢٣ـ ٢٤..
٢٢ في (هـ): "هل يرد عليه السلام؟".
٢٣ في (ج): "بإشارة"..
٢٤ في (ج): "مالك رحمه الله"..
٢٥ "لفظا" سقطت في (هـ)..
٢٦ "من" سقطت في (هـ)..
٢٧ "أو ردوها" سقطت في (هـ)..
٢٨ "التحية" سقطت في (ج)..
٢٩ في (ج): "السلام فيجب..."..
٣٠ في (ج): "عليكم"..
٣١ قوله: "فإن قال البادئ السلام عليك ورحمة الله وبركاته" ساقط في (ب) و(د)..
٣٢ "قال البادئ السلام عليك" سقطت في (ج)..
٣٣ في (هـ): "عليك السلام ورحمة الله والبركة"..
٣٤ "فإذا كانت من مؤمن" ساقطة في (ج)..
٣٥ في (ب) و(ج): "وعليكم"، فيما يخص الحديث انظر تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: ج٣، ص١٣٢..
٣٦ في (هـ): "و"..
٣٧ "فإن التحية" ساقط في (ب) و(د) و(ج)..
٣٨ في (ج) و(هـ): "وأن"..
٣٩ "كان" سقطت في (ج)..
٤٠ انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب الجنائز، باب٢، ص١١٢، وكتاب النكاح، باب٧١، ص٢٤٠، وكتاب الأشربة، باب٢٨، ص٩٦..
٤١ "وغير أحمد" سقطت في (هـ)..
٤٢ في (ب) و(ج): "منه"..
٤٣ في (ج): "في الحديث عن أبي هريرة" انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب الأدب، باب ١٢٦، ص٦٠٨..
٤٤ في (ج) و(د): "طائفة تقول"..
٤٥ في (هـ): "وذكر"..
٤٦ في (ب) و(د) و(ج): "عمر"، انظر سنن الترمذي أبواب الاستئذان والآداب، باب ٣٦، حديث رقم ٢٨٨٢..
٤٧ في (هـ): "رسول الله"..
٤٨ "تعالى" كلمة سقطت في (هـ) و(ج)..
٤٩ في (هـ): "أخرى"..
٥٠ كلمة "طيبا" سقطت في (ج)..
٥١ انظر صحيح مسلم: كتاب الزهد، باب ٥٤، ص ٢٢٩٢، وسنن الترمذي كتاب الأدب، باب٣، ص ٨٢ – ٨٣، وسنن أبي داود: كتاب الأدب، باب٩٩، ص ٢٨٨ – ٢٩٩..
٥٢ في (ب) و(ج): "واختلف"..
٥٣ كلمة "عليه السلام"سقطت في (ج)..
٥٤ في (هـ): "فرغ الله من خلقه"..
٥٥ كلمة "الله" سقطت في (هـ)..
٥٦ كلمة "ربك" سقطت في (ب) و(د) و(ج)..
٥٧ قوله: "وقالت طائفة يعم بالتشميت العاطس وغيره وكان الحسن يقول: الحمد لله يرحمكم الله" ساقط في (د)..
٥٨ "أيضا" ساقط في (ب) و(د)..
٥٩ "يقول" ساقط في (د) و(ج)..
٦٠ انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب الأدب، باب١٢٦، ص٦٠٨..
٦١ في (هـ): "الشافعي"..
٦٢ قوله: "إن شاء قال يغفر الله لكم... ويصلح بالكم" ساقط في (هـ)..
٦٣ في (ب) و(د) و(ج): "واختارت: يغفر لنا ولكم. وقال الطبري: لا وجه لمن أنكر يهديكم الله ويصلح بالكم، وقال مالك والشافعي: إن شاء قال: يهديكم الله ويصلح بالكم، وإن شاء قال: يغفر الله لكم ولا بأس بذلك أن الخبر بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أثبت من غيرا"..
٦٤ في (د): "يغفر الله لنا ولكم"..
٦٥ قوله: "والرحمة ترك... عن الذنوب" سقط في (هـ)..
٩٠ - قوله تعالى :﴿ إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ﴾ ١ الآية، إلى قوله تعالى :﴿ وما كان لمؤمن ﴾ :
معنى جملة الآية : خذوا الكافرين واقتلوهم حيث وجدتموهم إلا من دخل منهم في عداد٢ من بينكم وبينهم ميثاق والتزم شهادتكم كرهط هلال بن عويمر الأسلمي، وشداد بن مالك بن جعشم، وخزيمة بن عامر ابن عبد مناف، أو٣ من جاءكم وقد كره قتالكم وقتال قومه، وهذا بفضل الله ودفعه عنكم ؛ إذ لو شاء لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ولم يتاركوكم، فإن٤ اعتزلوكم أي إذا وقع هذا فلم يقاتلوكم فلا سبيل لكم عليهم، وهذا كله الذي في سورة الممتحنة في قوله تعالى :﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ﴾ [ الممتحنة : ٨ ]، منسوخ بما في سورة براءة، قاله ابن زيد وغيره. قال أبو الحسن : قال أبو عبيدة : " يصلون " ينتسبون. والانتساب يكون٥ بالحلف وبالرحم وبالولاء، فجائز أن يدخل هؤلاء في عهد من انتسبوا إليه على حسب ما كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش من المواعدة، فدخلت خزاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ودخلت كنانة في عهد قريش ثم نسخت العهود ببراءة ؛ فالمنسوخ ذلك العهد فمتى دعت الإمام حاجة إلى مهادنة الكفار من غير جزية يؤدونها٦، فكل من انتسب إلى المعاهدين على مقتضى هذه الآية صار منهم، واشتمل الأمان عليهم.
ثم إنه تعالى نبه بقوله :﴿ ستجدون ﴾ إلى آخر الآية ( ٩١ ) على قوم آخرين مخادعين يريدون الإقامة مع أهليهم في مواضعهم، فيقولون : نحن معكم على دينكم خديعة منهم٧. واختلف في المشار إليهم بذلك من العرب، فقيل : أسد وغطفان لأنها كانت بهذه الصفة. وقيل : نعيم ابن مسعود الأشجعي، كان ينقل بين النبي صلى الله عليه وسلم٨ وبين الكفار الأخبار. وقال قوم : كانوا يجيئون من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم رياء٩ يظهرون الإسلام١٠ ثم يرجعون إلى قريش فيكفرون١١ فقصهم الله تعالى١٢ وأخبر١٣ أنهم على غير صفة من تقدم.
١ في (ب) و(ج): زيادة: "أو جاءكم حصرت صدورهم" الآية، وكلمة "الآية"سقطت في (هـ)..
٢ "عداد" بياض في (ب)..
٣ في (ب) و(ج) و(د): "أي"..
٤ في (ب) و(د) و(ج): "وأن"..
٥ "يكون" ساقط في (ب)..
٦ في (ج): "يردونها إليه"..
٧ في (هـ): "منكم وهم على دينكم خديعة منهم"..
٨ في (ج): "عليه السلام"..
٩ "رياء" ساقطة في (ب) و(د) و(ج)..
١٠ في (ب) و(ج): "يتظاهرون الإسلام"..
١١ "ويكفرون"..
١٢ كلمة "تعالى"ساقطة في (ج)..
١٣ "وأخبر"ساقطة في (ب)..
٩١ وقوله تعالى :/ ﴿ إلى الفتنة ﴾ :
معناه إلى الاختبار، حكي أنهم كانوا يرجعون إلى قومهم، فيقال لأحدهم١ : قل : ربي الخنفساء وربي العود٢ وربي العقرب ونحوه٣، فيقولها.
ومعنى :﴿ أركسوا فيها ﴾ ٤ ارجعوا إلى٥ ضلالة أي أهلكوا٦ في الاختبار بما أوقعوا٧ من الكفر، فحض تعالى بهذه الآية على قتل هؤلاء المخادعين٨ إذا لم يرجعوا عن حالهم إلى حال الآخرين المعتزلين الملقين السلم.
١ في (ب) و(د) و(ج): "فيقول أحدهم"..
٢ في (هـ): "ورب الدود"..
٣ في (ب) و(ج) و(د): "وغيره"..
٤ "فيها" ساقطة في (ب) و(ج) و(د)..
٥ في (أ): "رجعوا" والصواب ما أثبتناه..
٦ في (د) و(هـ): "هلكوا"..
٧ في (د) و(هـ): "أوقعوا"..
٨ في (هـ): "الخادعين"..
٩٢ قوله تعالى :﴿ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ﴾ إلى قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ﴾ ١ :
اختلف٢ في تأويل قوله :﴿ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا ﴾، فقيل٣ : معناه : ما كان في إذن الله وأمره لمؤمن أن يقتل مؤمنا. وقيل : معناه٤ : ما كان ذلك له٥ في عهد الله تعالى٦ وقيل : معناه ما كان له٧ فيما سلف كما ليس له الآن. ويحتمل أن يقال : إن " كان " زائدة. واختلف٨ في الاستثناء بقوله :﴿ إلا خطئا ﴾ هل هو منقطع أو متصل ؟ فذهب الأكثر إلى أنه استثناء منقطع ليس من جنس الأول ؛ وهو الذي تكون فيه " إلا " بمعنى : " لكن "، والتقدير٩ : لكن الخطأ قد يقع. وهذا يرد قول١٠ من لا يجيز الاستثناء المنقطع في الكلام، وبه يحتج من يجيزه. وذهب بعضهم إلى أن الاستثناء استثناء١١ متصل، قال : وذلك بأن تقدر١٢ " كان " بمعنى استقر ووجد، كأنه قال ما وجد ولا١٣ استقر ولا ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمنا، إلا خطأ ؛ إذ هو مغلوب فيه. وقيل : وجه اتصاله أن قوله تعالى :﴿ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا ﴾ اقتضى مأثم قاتله، لاقتضائه النهي عن ذلك.
وقوله تعالى :﴿ إلا خطئا ﴾ رفع المأثم عن قاتله، فإنما دخل الاستثناء على ما تضمنه اللفظ الأول من المأثم على القتل مطلقا، فاستثنى من ذلك قتل الخطأ. وقال آخرون أيضا : هو استثناء صحيح، وجائز للمؤمن أن يقتل المؤمن خطأ في بعض الأحوال، وهو أن يرى عليه لباس المشركين والانحياز إليهم، فيظنه مشركا، فيقتله في هذا الوقت على هذا الوجه جائز، كما فعل بأبي حذيفة بن اليمان. وتقدير الآية على هذا : ولا يجوز لمؤمن١٤ أن يقتل مؤمنا إلا إذا غلب على ظنه أنه مشرك، فعبر عن ذلك بالخطأ١٥. واختلف فيمن نزلت الآية، فقيل : في عياش بن ربيعة المخزومي حين قتل الحارث بن يزيد ابن نبيشة ؛ وذلك أنه كان يعذبه بمكة، ثم لما١٦ أسلم الحارث وجاء مهاجرا فلقيه عياش بن ربيعة بالحرة، فظنه باقيا١٧ على الكفر فقتله. ثم جاء فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فشق ذلك عليه فنزلت الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قم١٨ فحرر " ١٩ وقيل : نزلت في رجل قتله أبو الدرداء، وكان يرعى غنما، فقتله وهو يتشهد، وساق غنمه فعنفه٢٠ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت٢١ الآية. وقيل : نزلت٢٢ في أبي حذيفة ابن اليمان قتل يوم٢٣ أحد، وقيل غير هذا٢٤.
وقوله تعالى :﴿ ومن قتل مؤمنا خطئا ﴾ :
في هذه الآية بيان ما٢٥ على قاتل الخطأ من المؤمنين، والقتل عندنا عمدا وخطأ. واختلف قول مالك في نوع ثالث : وهو شبه العمد، فعنه فيه روايتان إحداهما : إثباته، وهو قول أبي حنيفة. والأخرى نفيه، ووجه هذه الرواية قوله تعالى :﴿ ومن قتل مؤمنا خطئا ﴾، فذكر الخطأ المحض، ﴿ ومن يقتل مؤمنا متعمدا ﴾ فذكر العمد المحض، ولم٢٦ يذكر ثالثا. والخطأ المحض الذي لم يختلف فيه أنه خطأ مثل أن يرمي شيئا٢٧ فيصيب٢٨ به إنسانا فيقتله أو يقتل المسلم في معركة العدو وهو يظنه كافرا وما أشبهه، فهذا قتل خطأ لا يجب فيه قصاص وإنما تجب فيه الدية ؛ كما قال تعالى لأنه لم يتعمّد٢٩ قتل مسلم ولا ضربه.
واختلف إذا تعمد الضرب ولم يتعمد القتل، وكان ذلك على وجه اللعب فقيل : إن ذلك من الخطأ وهو قول ابن القاسم، وروايته عن مالك. وقيل : إن ذلك عمد وهو قول مطرف وابن الماجشون وروايتهما عن مالك. وقيل : إن معنى هذا القول أن يضربه على وجه اللعب دون أن يلاعبه صاحبه، وأن معنى هذا القول الأول٣٠ : إذا لاعبه، فرجع القولان٣١ إلى قول واحد والأظهر أنه خلاف وأن٣٢ لا فرق بين أن يلاعبه وأن لا يلاعبه٣٣، إذا علم أنه لم يضربه إلا على وجه اللعب. والثالث : أن ذلك شبه العمد، فيه الدية مغلظة، وهو قول ابن وهب من أصحاب مالك. وقد قيل : إن٣٤ التفرقة بين أن يلاعبه وبين أن لا يلاعبه قول رابع٣٥ في المسألة، وكذلك إذا كان الضرب على وجه الأدب ممن يجوز له الأدب كالمؤدب ففيه ثلاثة الأقوال٣٦ المذكورة. والأظهر في هذا كله أنه خطأ ؛ لأن حقيقة الخطأ في القتل عدم القصد إليه، وفي الأدب واللعب كما قدمنا عدم القصد إلى القتل. فوجب أن يكون خطأ. ولفظ الخطأ يعم ذلك كله. وقد قال تعالى :﴿ ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ ٣٧ [ النساء : ٩٢ ] الآية. وأما إن ضربه على وجه الحرج والدائرة ففيه روايتان، أحدهما : أنه عمد وهو عن مالك. والثانية : شبه العمد، حكى ذلك العراقيون عن مالك. والأظهر في هذا أنه عمد ؛ لأن عامد الضرب٣٨ على هذا الوجه لا يبالي ما ترامت إليه ضرباته٣٩. ففي مضمن٤٠ ذلك إذ٤١/ القصد إلى النفس، وإن لم٤٢ يتعمده، فذلك إذا عمدا٤٣ ؛ لأن معنى العمد في القتل القصد إليه. والقصد إلى ما يفضي إليه قصد إليه، فهو إذا عمد. وحكمه ما نص الله تعالى عليه٤٤ في الآية٤٥ بعد هذه٤٦. وأما قصد ٤٧ القتل، فهو عمد بلا خلاف، فالقتل إذا على ثلاثة أوجه، أحدها : أن لا يتعمد الضرب ولا القتل، فهو خطأ بلا خلاف٤٨. والثاني : أن يتعمد القتل، فهو عمد بلا خلاف. والثالث : أن يتعمد الضرب ولا يتعمد القتل فيفضي إلى القتل٤٩، ففي هذا اختلف الناس٥٠ والقول بشبه العمد في ذلك يرده ما قدمناه وإنما هو خطأ أو عمد، وليس هذا بموضع ذكره.
وقوله تعالى :﴿ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ﴾ : هذا لفظ يحتمل ثلاثة أوجه، أحدها : أن يكون تحرير الرقبة وتأدية الدية على غير القاتل. والثاني : أن يكون على القاتل٥١. والثالث : أن يكون أحدهما على القاتل والآخر على غيره. والظاهر من محتملاته أن يكون على القاتل٥٢، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أبان٥٣، مراد الله تعالى في الآية، وأي وجه من وجوه محتملاتها قصد. وإن كان الأظهر من لفظها غير ذلك، فعرف أن الكفارة في مال قاتل الخطأ٥٤ لا في مال غيره، وأن الدية على عاقلة القاتل. وأجمع الناس على ذلك، ولا شك أن إيجاب ذلك على العاقلة خلاف قياس الأصول في الغرامات وضمان المتلفات. ولم يجب ذلك في العاقلة تغليظا ولا لأن عليهم وزرا من قتل غيرهم ؛ ولكنها مواساة محضة. واعتقد أبو حنيفة أنها باعتبار النصرة فأوجبها على أهل ديوان القاتل. وهذا بعيد، فإن نصرة الديوان غير لازمة. وإنما هي لاختيار من في الديوان، والأحسن ما عليه الجمهور في العاقلة.
وقوله تعالى :﴿ فتحرير رقبة ﴾، يقتضي ابتداء عتقها من غير عقد حرية تقدمت فيها. ومن الناس من لم ير أنه يقتضي ذلك، والأول أظهر لهذا. واختلفوا٥٥ في جواز عتق المدبر٥٦ في الرقاب الواجبة، فلم يجزه مالك، وأجازه الشافعي٥٧. واختلفوا أيضا في المكاتب في الرقاب الواجبة، فلم يجزه مالك٥٨، وأجازه غيره، وفرق قوم بين أن يكون أدى من كتابته شيئا أم لا ؟ فقالوا : إن لم يؤد شيئا جاز عتقه. وإن أدى لم يجزه عتقه٥٩. واختلف أيضا في أم الولد، فلم يجزه الجمهور. وأجازه طاووس والنخعي والحسن، وأظهر الأقوال قول مالك ومن تابعه ؛ لأن أم الولد والمكاتب والمدبر قد ثبت لهم عقد حرية لا سبيل إلى دفعه٦٠. والله تعالى إنما ألزم من عليه عتق واجبة أن يبتدئ عتقها من غير عقد حرية تقدمت فيها قبل عتقها. فقال٦١ تعالى :﴿ وتحرير رقبة ﴾ ولم يقل : " بعض رقبة " ٦٢. واختلفوا أيضا في عتق المعتق إلى أجل فلم يجزه مالك وأجازه الشافعي. والحجة لمن أجازه في الرقاب الواجبة ما قدمناه. واختلفوا أيضا في عتق من يجب على الإنسان عتقه إذا ملكه، كالوالد والولد فلم يجزه٦٣ الأكثر، وأجازه أصحاب الرأي ودليل القول الأول ما قدمناه.
واختلفوا٦٤ أيضا في عتق رقبة من قال فيها : " إن اشتريتها فهي٦٥ حرة " والأظهر المنع من ذلك وهو مذهب مالك، وحجته ما قدمناه. واختلفوا٦٦ أيضا إذا عتق٦٧ عن رقبة واجبة عليه٦٨ عبدا مشتركا بينه وبين أحد، فلم يجزه مالك في المشهور عنه، وهو قول أبي حنيفة وأجازه الشافعي ومالك على ما ذكره٦٩ بعضهم عنه٧٠ والأوزاعي إذا كان/ موسرا ولم يجوزه٧١ إذا كان معسرا. وحجة المنع من ذلك أنه أعتق٧٢ نصف عبد لا عبدا ؛ لأن الشريك مخير إن شاء قوم وإن شاء أعتق، والله تعالى إنما أمر بتحرير رقبة٧٣، وإن قوم عليه شريكه فقد تبعض العتق. والله تعالى إنما أمر بتحرير رقبة، ومفهوم ذلك إعتاقها بمرة٧٤ لا أن يعتق بعضها ثم بعد ذلك باقيها. ولا يجزئ عند مالك ومن تابعه : إعتاق رقبة في الواجبات إلا أن تكون سليمة من جميع العيوب الفاحشة والتي تنقصها مما٧٥ تحتاج إليه من العناء. وأجاز داود إعتاق المعيب جملة. وأجاز الشافعي عتق الأخرس والمجنون الذي يفيق أحيانا، وأجاز أكثرهم الأعرج. وأجاز أبو حنيفة أقطع أحد اليدين والرجلين، ولم يجز مالك٧٦ شيئا من ذلك. والحجة لقوله : قوله٧٧ تعالى :﴿ فتحرير رقبة ﴾ والإطلاق يقتضي كامله٧٨.
واختلف في ولد الزنا هل يجوز في الكفارة الواجبة أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى جوازه. وقال عطاء والشافعي والنخعي : لا يجوز عتقه. والحجة لجواز عتقه قوله تعالى :﴿ فتحرير رقبة مؤمنة ﴾. وهذه الآية تقتضي إعتاق رقبة لم يتقدم فيها عقد حرية، سليمة البدن٧٩، وإذا كان ولد الزنا كذلك فعتقه٨٠ جائز، وما روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه : " ولد الزنا شر الثلاثة " ٨١ فللكلام عليه موضع غير هذا.
وقوله تعالى :﴿ مؤمنة ﴾ : تقييد الرقبة بمؤمنة٨٢ يقتضي أنه لا يجوز عتق غير المؤمنة في كفارة قتل الخطأ وهو إجماع. وإنما اختلفوا في العتق٨٣ في كفارة اليمين وكفارة الظهار هل يجوز/ فيهما إعتاق غير المؤمنة أم لا ؟ لأن الله تعالى قد قال في تينك :﴿ فتحرير رقبة ﴾ مطلقا ولم يقيدها بمؤمنة كما فعل في كفارة القتل، فذهب قوم إلى أنه يجوز فيما عدا كفارة٨٤ القتل إعتاق الرقبة غير المؤمنة ؛ لأن الله تعالى أطلق فيهما ولم يقيد بالإيمان. ومنع من ذلك آخرون، ولم يجيزوا إلا عتق٨٥ المؤمنة استدلالا بقوله في كفارة القتل :﴿ فتحرير رقبة مؤمنة ﴾، فقيد الرقبة بالإيمان، قالوا : فواجب حمل كفارة اليمين وكفارة الظهار على كفارة القتل ؛ إذ٨٦ كانتا في معناها٨٧ ؛ لأن الكفارة تجمع ذلك.
واحتجوا على ذلك بأن الله تعالى أمر بالإشهاد، فقال :﴿ وأشهدوا إذا تبايعتم ﴾ [ البقرة : ٢٨٢ ]، ولم يشرط العدالة. ثم قال في موضع آخر :﴿ وأشهدوا ذوي عدل منكم ﴾ [ الطلاق : ٢ ]، و ﴿ ممن ترضون من الشهداء ﴾ [ البقرة : ٢٨٢ ]، فلم يجز من الشهداء إلا العدل، فوجب حمل المطلق على المقيد وهذا الخلاف مبني على مسألة اختلف الأصوليون فيها، وهي٨٨ حمل المطلق على المقيد إذا كانا من جنس واحد. والذي اعتمد عليه الشافعي في اشتراط الإيمان في كفارة الظهار حديث الأمة الخرساء ؛ لأنه لم ير حمل كفارة الظهار على كفارة القتل٨٩. واختلف الذين ذهبوا إلى أنه لا يعتق إلا مؤمنة في عتق الكافر إذا كان ممن يجبر على الإسلام كالمجوسي الكبير أو الصغير. فقال مالك : غيره أحب إلي وإن لم يجد غيره أجزأه. وقال ابن وهب وأشهب : لا يجزيه واستظهر بحديث السوداء. واختلف في الكتابي الصغير، فقال ابن القاسم : يجزئه. وعلى قول ابن وهب
١ ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله﴾ سقطت في (هـ)..
٢ في (ب) و(ج) و(د): "اختلفوا"..
٣ في (هـ): "تأويله فقيل"..
٤ قوله: "معناه ما كان في إذن الله وقيل معناه" ساقط في (هـ)..
٥ "له" ساقطة في (ج) و(د)، وفي (هـ): "له ذلك"..
٦ كلمة "تعالى" سقطت في (ج) و(هـ)..
٧ في (هـ): "وقيل ذلك له"..
٨ في (ج) و(د): "واختلفوا"..
٩ في (هـ): "ويكون التقدير"..
١٠ في (ج): "وهذا قول يرد"..
١١ "استثناء" ساقطة في (ج) و(د) و(هـ)..
١٢ "بأن تقدر" سقطت في (ب)..
١٣ في (ج): "وما"..
١٤ في (ج): "ما" وفي (ب): "لمسلم" وفي (د): "وما يجوز لمسلم"..
١٥ في (ج) و(د): "فعبر بالخطأ عن ذلك"..
١٦ كلمة "لما" سقطت في (هـ)..
١٧ "باقيا" سقطت في (هـ)..
١٨ قوله: "فشق ذلك عليه فنزلت الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" قم ساقط في (ج)..
١٩ انظر سنن أبي داود: كتاب الطلاق، باب ١٧، ص ٦٦٠ – ٦٦٢..
٢٠ في (ج) و(د): "عقبه"..
٢١ في (ج): "فنزلت"..
٢٢ كلمة "نزلت" ساقطة في (ج) و(د)..
٢٣ في (ب) و(ج): "حين قتل"..
٢٤ في (ب) و(د): "غير ذلك"..
٢٥ "ما" ساقطة في (ب) و(د) و(ج)..
٢٦ قوله: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فذكر العمد المحض" سقطت في (هـ) وأما في (ب) و(د) و(ج) فقد سقطت من قوله: "ومن يقتل مؤمنا..." إلى قوه: "... والخطأ المحض"..
٢٧ في (هـ): "الشيء"..
٢٨ في (ب) "فيرمي" وفي (د) و(ج): "أن يرمي الشيء فيرمي"..
٢٩ لعله "لم يتعمد"..
٣٠ "الأول" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٣١ في (ج): "فيرجع القولين"..
٣٢ في (هـ): "وأنه".
٣٣ في (ب) و(ج) و(د): "أو لا يلاعبه"..
٣٤ "أن" ساقطة في (ب) و(د)..
٣٥ في (أ) و(ب) و(هـ): "وابع"وهذه الكلمة غامضة في (و)..
٣٦ في (ب) و(ج) و(هـ): "الثلاثة الأقوال"..
٣٧ "مؤمنة" سقطت في (هـ)..
٣٨ في (أ) و(و): "عامد الضر ب"..
٣٩ "ضرباته" ساقط في (د) وفي (هـ): "ضربته"..
٤٠ في (ب) و(هـ) و(د): "فمن"..
٤١ "إذا" ساقط في (ج)..
٤٢ "لم" سقطت في (ج)..
٤٣ في (ب): "فذلك أنه عمد"..
٤٤ "عليه" ساقط في (ب) و(ج)..
٤٥ في (هـ): "في كتابه"..
٤٦ في (هـ): "هذا"..
٤٧ في (د): "إن قصد"..
٤٨ في (هـ) سقطت كلمة: "بلا خلاف"..
٤٩ في (هـ): "فيقضي"..
٥٠ في (ب): "اختلاف الناس"..
٥١ "والثاني أن يكون على القاتل" سقطت في (هـ)..
٥٢ "والثالث أن يكون أحدهما على القاتل والآخر على غيره، والأظهر من محتملاته أن يكون على القاتل" ساقط في (ب)..
٥٣ في (ب) و(هـ): "بين" وفي (ج): "بأن"..
٥٤ "الخطأ" ساقط في (ب)..
٥٥ في (ج) و(د): "ولهذا اختلفوا"..
٥٦ في (ب): "المدين"..
٥٧ في (ج): "الشافعي رحمه الله تعالى"..
٥٨ "فلم يجز مالك رحمه الله"..
٥٩ "عتقه" سقطت في (هـ)..
٦٠ في (ج) و(هـ): "رفعه"..
٦١ في (ب) و(د) و(ج): "قال"..
٦٢ "ولم يقل بعض رقبة" سقطت في (هـ)..
٦٣ في (ب) و(ج) و(د): "فلم يجزه مالك"..
٦٤ ف (ج): "اختلف"..
٦٥ قوله: "واختلفوا أيضا في عتق من يجب على الإنسان..." إلى قوله: "وحجته ما قدمناه" كله ساقط في (هـ)..
٦٦ في (هـ): "واختلف"..
٦٧ في (هـ) و(ج): "عتق"..
٦٨ "عليه" سقطت في (ج)..
٦٩ في (ج): "ذكر"..
٧٠ كلمة "عنه" ساقطة في (د) و(ج)..
٧١ في (ج): "لم يجوزوه" وفي (هـ): "لم يجيزوه"..
٧٢ في (ج): "عتق"..
٧٣ في (ب) و(ج) و(د): "والله تعالى قال: ﴿فتحرير رقبة﴾"..
٧٤ كلمة "بمرة" بياض في (ب)..
٧٥ في (هـ): "ما"..
٧٦ في (ج): "مالك رحمه الله"..
٧٧ في (د): "وحجته قوله" وكلمة "قوله" سقطت في (ج)، وفي (هـ): "والحجة له قوله"..
٧٨ في (ب) و(ج): "رقبة كاملة"..
٧٩ قوله: "في الكفارة الواجبة أم لا؟ فذهب الجمهور.. سليمة البدن" سقطت في (هـ)..
٨٠ كلمة "فعتقه" بياض في (ب)، وفي (ج): "متفقه"..
٨١ انظر سنن أبي داود: كتاب العتق، باب١٢، ص ٢٧١ – ٢٧٢، واللفظ له..
٨٢ كلمة "بمؤمنة" سقطت في (هـ)..
٨٣ قوله: "يقتضي أنه لا يجوز... وإنما اختلفوا في العتق"ساقط في (هـ)..
٨٤ في (ب) و(ب) و(ج): "كفارة" والكلمة غامضة في (و)..
٨٥ قوله: "غير المؤمنة... ولم يجيزوا إلا عتق" ساقط في (هـ)..
٨٦ في (ج): "أن"..
٨٧ في (هـ): "معناهما"..
٨٨ في (ب) و(د) و(ج): "وهو"..
٨٩ في (د): "لأنه حمل كفار ة الظهار على كفارة القتل"..
قوله تعالى :﴿ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ﴾ الآية :
هذه الآية مع قوله تعالى في سورة الفرقان :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما٦٨ يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا٦٩ إلا من تاب وآمن ﴾ ١ [ الفرقان : ٦٨ – ٧٠ ]. تنازع الناس في تأويلها على حسب اختلاف مذاهبهم٢ في قبول التوبة من القاتل وإنفاذ الوعيد عليه٣، فمن رأى أنه لا توبة له، وأن الوعيد لاحق به ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وزيد ابن ثابت وغيرهم، وإلى هذا ذهب مالك ؛ لأنه روي٤ عنه أن إمامة القاتل لا تجوز وإن تاب. وممن روي عنه قبول توبته وأنه في المشيئة ابن عباس وأبو هريرة وزيد ابن ثابت وغيرهم. والذين ذهبوا إلى المذهب الأول٥ اختلفوا في تأويل الآيتين المتقدمتين٦ الذكر الواردتين في قاتل٧ النفس التي حرم الله تعالى٨، فمنهم من ذهب إلى أن آية النساء ناسخة لآية الفرقان ؛ لأن " النساء " مدنية " والفرقان " مكية. وروي أن الفرقان نزلت قبل " النساء " بستة أشهر، والقول بالنسخ هنا يضعف، ومنهم من ذهب إلى أن الآيتين محكمتان٩ وأن آية " الفرقان " نزلت في المشركين، وآية " النساء " في المؤمنين. وأكثر الذاهبين إلى هذا القول يرون الخلود المذكور في الآية غير مؤبد ؛ لأنه لا يخلد في النار إلا الكافر. وبعضهم يرى أنه مخلد في النار على ظاهر الآية، وهؤلاء الذين١٠ لا يرون قبول توبته القاتل يرون هذه الآية مخصصة عموم قوله تعالى :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ [ النساء : ١١٦ ]. وقد روي عن زيد أن هذه الآية :﴿ ومن يقتل مؤمنا متعمدا ﴾ أنزلت قوله :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ﴾ ١١ ﴿ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ بأربعة أشهر. والذين ذهبوا المذهب الثاني في١٢ قبول التوبة كما قدمنا اختلفوا في تأويل الآيتين المذكورتين أيضا، فمنهم من قال : إن اللينة١٣ نسخت الشديدة١٤، يعني أن آية " الفرقان " نسخت آية " النساء "، والقول بالنسخ كما قدمنا ضعيف ومنهم من قال : هما محكمتان واردتان في الكفار. واستدل على ذلك١٥ بما فيهما من ذكر الخلود في النار الذي هو من صفة عذاب الكفار. ومنهم من قال : هما محكمتان إلا أن آية " الفرقان " وردت في الكفار، وآية " النساء " وردت في المسلمين إلا أن معناها أن ذلك جزاؤه إن جازاه الله تعالى، بدليل قوله تعالى :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ [ النساء : ٤٨ ]، ومنهم من قال : هما محكمتان إلا أن معنى آية " النساء " فيمن قتل مؤمنا متعمدا مستحلا١٦ لقتله ؛ لأنه إذا فعل ذلك كافر١٧ بإجماع. وكذلك كل من أحل حراما أو حرم حلالا على سبيل الاعتقاد. وقيل : إن الآية : نزلت في رجل أسلم١٨ بعينه ثم ارتد وقتل مؤمنا. وقيل :١٩ نزلت في رجل من الأنصار قتل له ولي فقبل الدية، ثم وقب على قاتل وليه فقتله وارتد، قاله ابن جريج وغيره. وقال بعضهم : نزلت في شأن مقيس ابن صبابة حين قتل أخاه هشام بن صبابة٢٠ رجل من الأنصار فأخذ له رسول الله صلى الله عليه وسلم الدية ثم بعثه مع رجل من فهر بعد ذلك في أمر٢١ فعمد إليه٢٢ مقيس فقتله ورجع إلى مكة مرتدا، وجعل ينشد :
قتلت به فهرا وحملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع٢٣
حللت به وتري وأدركت ثورتي٢٤ وكنت إلى الأوثان أول راجع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أومنه في حل ولا حرام " ٢٥، وأمر بقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة٢٦ وهو متعلق بأستار٢٧ الكعبة٢٨.
١ في (ب) و(ج): زيادة: "وعمل عملا صالحا"، وفي (د) زيادة: "وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما"..
٢ "مذاهبهم" سقطت في (هـ)..
٣ "عليه" سقطت في (ج) و(د)..
٤ في (ب) و(د): "وروى عنه"..
٥ "الأول" ساقط في (ج) و(د)..
٦ في (هـ): "المتقدمين" مع سقوط "الذكر الواردتين"..
٧ في (هـ): "قتل"..
٨ كلمة "تعالى" سقطت في (هـ)..
٩ في غير (هـ): "محكمتين"..
١٠ كلمة "الذين" سقطت في (هـ)..
١١ كلمة "به" سقطت في (ب)..
١٢ "في" ساقطة في (ج)..
١٣ في (ج): "البينة"..
١٤ في (ب): "الهينة"..
١٥ في (ب): "واستدل مالك بما فيهما..."..
١٦ في (د): "مستحقا"..
١٧ في (هـ): "كان كافرا"..
١٨ في (د): "رجل من أسلم"..
١٩ قوله: "نزلت في ر جل... وقيل" سقط في (هـ)..
٢٠ قوله: "حين قتل أخاه هشام ابن صبابة" سقط في (هـ)..
٢١ في (د): "في أمرها"..
٢٢ في (ب) و(د): "فعدا عليه"..
٢٣ في جميع النسخ "باقع"، والصواب ما أثبتناه. ومعنى: "فارع" حصن بالمدينة، يقال: إنه حصن حسان بن ثابت. انظر لسان العرب: ج٢، ص١٠٨٣. وقال الشيخ ابن عاشور في الهامش: "فارع: اسم حصن في المدينة لبني النجار" انظر: التحرير والتنوير: ج٥، ص ١٦٤..
٢٤ ورد في لسان العرب: "وأدركت ثأري واضطجعت موسدا"، ج٢، ص١٠٨٣..
٢٥ الحديث لم نعثر عليه..
٢٦ قوله: "يوم فتح مكة" سقط في (هـ)..
٢٧ كلمة "أستار" سقطت في كل من: (أ) و(ج) و(د) و(هـ)..
٢٨ في (هـ): "بالكعبة"..
٩٤ قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ﴾ ١ إلى قوله :﴿ وإذا ضربتم في الأرض ﴾ ٢ الآية :
سببها أن بعض سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوا رجلا له حمل ومتاع، وقيل : غنيمة، فسلم على القوم وقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله، فحمل عليه أحدهم فقتله فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت٣ الآية. واختلف المفسرون في القاتل والمقتول من هما، فقيل : القاتل أسامة ابن زيد٤، والمقتول مرداس٥ بن نهيك الغطفاني٦. وقيل : القاتل غالب الليث، والمقتول مرداس. وقيل : هو فليت، وقيل : القاتل محلم٧ ابن جثامة والمقتول عامر بن الأضبط. وقيل : القاتل أبو قتادة. وقيل : القاتل أبو الدرداء. وفي الخبر أن٨ الذي قتله لما٩ دفن لفظته١٠ الأرض ثلاث مرات، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فألقي في غار، وقال : " إن الأرض تقبل من هو شر منه " ١١. قال بعضهم : ولا خلا ف أن الذي لفظته الأرض حين مات محلم ابن جثامة.
وقوله تعالى :﴿ السلم ﴾، معناه : الاستسلام، أي ألقى بيده١٢ لكم وأظهر دعوتكم، فعلى ما ذكرناه من تفسير هذه الآية إذا أسلم الكافر وقد قدر عليه أو لم يقدر عليه فقد عصم دمه، بخلاف المحارب. ولا أذكر في ذلك خلافا ؛ إلا أن أهل العلم١٣ اختلفوا فيما يكون١٤ به مسلما له ما للمسلمين، فذهب قوم إلى أن من قال : " لا إله إلا الله فقد صار بها١٥ مسلما " واحتجوا بحديث أبي هريرة : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال ذلك فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله ". وخالفهم آخرون وقالوا : لا يكون مسلما حتى يقول : " لا إله إلا الله محمدا رسول الله "، قالوا : ولا حجة في حديث أبي هريرة ؛ لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يقاتل قوما لا يوحدون الله تعالى فكان أحدهم إذا وحد الله تعالى علم بذلك تركه لما قوتل عليه، وإن كان لا يعلم دخوله في الإسلام، واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام١٦ حين قال علي رضي الله عنه : " على ما١٧ أقاتلهم " ؟ قال١٨ : " حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " ١٩، قالوا : وقد روى الحديث الذي يحتج به الأولون : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " ٢٠. وقد أباح الله تعالى قتالهم، وإن شهدوا أن لا إله إلا الله حتى يشهدوا أن محمدا رسول الله، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد فيأتي على قول الفريقين في الوثني إذا قال : لا إله إلا الله أنه مسلم على ما قدمنا، وإنما خلافهم في الكتابي، فإلقاء السلم من الوثني عندهم " لا إله إلا الله ". وإلقاؤه من الكتابي مختلف/ فيه، فمنهم من يقول : لا إله إلا الله إلقاء سلم منه، ومنهم من يقول : إلقاء السلم منه : " لا إله إلا الله محمد رسول الله "، وعندي أنه سواء في الوثني والكتابي، وأن الوثني ينبغي أن لا يقبل منه إلا لا إله إلا الله محمد رسول الله ؛ لأنه قد يقول : لا إله إلا الله، وإن كان دالا على ترك ما هو فيه ولا يدخل به في٢١ الإسلام، بل لعله يدخل بذلك في دين اليهود والنصارى، أو لا يلزم دينا، وإنما أمرنا بالمقاتلة حتى يدخلوا٢٢ في ديننا ولسنا نعرف بذلك دخولهم في ديننا، وإنما نعرفه باجتماع الكلمتين، فهو عندي إلقاء السلم من الوثني والكتابي. وقال أبو الحسن : مقتضى قوله تعالى :﴿ لمن ألقى إليكم السلم ﴾ أن من قال : " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ٢٣، أو قال : " إني مسلم " يحكم٢٤ له بحكم الإسلام ؛ لأن قوله تعالى :﴿ لمن ألقى إليكم السلم ﴾ إنما معناه : لمن استسلم فأظهر٢٥ الانقياد لما دعي إليه من الإسلام، وقد قرئ " السلام " فهو إظهار٢٦ تحية الإسلام ممن استسلم، فلا جرم. قال علماؤنا : إنما يحكم له بالإسلام٢٧ إذا أظهر ما ينافي سائر اعتقاد. فإذا قال اليهودي أو النصراني أنا مسلم لم يصر مسلما ؛ لأنهم كلهم يقولون نحن مسلمون ولو قاله٢٨ المشركون حكم بإسلامهم ؛ لأنهم لا يقولون نحن مسلمون وكذلك قوله : لا إله إلا الله، لا يقوله المشركون. قال الله تعالى٢٩ فيهم :﴿ وإذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ﴾ [ الصافات : ٣٥ ]، واليهود والنصارى يوافقون على هذه الكلمة وإنما يخالفون في نبوة سيدنا محمد٣٠ صلى الله عليه وسلم، فمتى أظهر مظهر الإيمان بسيدنا محمد٣١ صلى الله عليه وسلم فهو مسلم٣٢، حتى قال قائلون من أصحابنا، وأنه هو قول : محمد٣٣ رسول الله، فلا يحكم بإسلامه لإمكان أن يكون من العيسوية٣٤، حتى يقول : " محمد رسول الله " إلى الكافة، ولا يكون مسلما بذلك أيضا لأن منهم من يقول : محمد رسول الله من الكافة من الناس، ولكنه لم يبعث وسيبعث. وإذا تبين ذلك فما٣٥ لم يقل : أنا بريء من اليهودية والنصرانية لا يصير مسلما، ويحتمل أن يكون قراءة من قرأ : السلام أن يكون السلام بمعنى المسالمة والاعتزال. قال أبو الحسن : وظاهر هذه الآية مما احتج به في قبول توبة الزنديق وغيره٣٦ ممن أظهر الاستسلام ؛ لأن الله تعالى٣٧ لم يفرق بين الزنديق وغيره ممن أظهر الاستسلام٣٨. وأما على ما قاله علماؤنا من الشروط المعتبرة في إسلام الكفار، فلا تقبل توبة الزنديق٣٩ لأنا لا نعرف في حقه علما يظهر به خلاف اعتقاده، لأن دينه الذي يعتقده أن يدخل مع كل قوم فيما يهدونه، فكان كاليهودي إذا قال : لا إله إلا الله، وهذا تدقيق٤٠ حسن. ولم يذكر الله تعالى فيما٤١ فعلت هذه السرية من قتل الرجل الذي قال : " لا إله إلا الله محمد رسول الله "، قصاصا ولا عقلا. فيحتمل أن يكون أسقط ذلك عمن فعله ؛ لأنه متأول. وذلك حجة في إسقاط العقل على أحد الطريقتين عندنا في خطأ الإمام، ومن أذن له في شيء فأتلفه غلطا كالأجير والخازن٤٢. وقد جاء في صاحب الغنيمة الذي قتل٤٣ بعد أن قال لا إله إلا الله/، وأخذت غنيمته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل ديته إلى أهله وصرف عليهم٤٤ غنيمته.
وقوله تعالى :﴿ إذا ضربتم في سبيل الله ﴾ :
يريد إذا خرجتم للغزو فتبينوا، وقرئ فتثبتوا. وقد اختلف في الدعوة قبل القتال هل يؤمر بها أم لا ؟ على ثلاثة أقوال، فقيل : يؤمر بها على الإطلاق. وقيل : لا يؤمر بها، وقيل : يؤمر بها٤٥ إذا قوتل من لا يعلم ما يدعو٤٦ إليه وتسقط في قتال من يعلم، وفي الآية حجة لمن يرى الدعوة في قوله تعالى :﴿ فتبينوا ﴾، والتبيين وإن كان غير الدعوة فالدعوة في مضمنه لأنه إذا بحث عنه هل هو مسلم أم لا لعله يسلم أو هل هو طاعة أم لا٤٧ ؟ لعله يدخل٤٨ في الطاعة ويرضى بالجزية. وتبين الشيء إنما هو معرفة حاله، ولا معنى للدعوة إلا تبين٤٩ حال المدعوين على ما ثبت ؟ وقال بعض الناس : إن هذه المسألة مبنية على أن العقل ما خلا من سمع أو يجوز أن يكون خلا منه٥٠ وهي مسألة خلاف بين الأصوليين. واحتج٥١ من يقول : إنه ما خلا من سمع بقوله تعالى :﴿ تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير٨ قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير٩ ﴾ [ الملك : ٨، ٩ ] وبقوله تعالى :﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾ [ الإسراء : ١٥ ]، ومن ينكر القول بالعموم لا يسلم هذا الاستدلال، وهذا البناء الذي بناه به الأصوليين بعيد ؛ لأن قصارى ما فيه أنه ليس في الأرض أمة إلا وقد بلغها دعوة رسول ما، وقد يكون عند هؤلاء في الأرض قوم لم يعلموا ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ونبوته، ويظنون٥٢ أنه طالب ملك فتجب دعوتهم٥٣. وقد اختلف الناس فيمن قاتل ولم يؤمر بقتاله إلا بعد دعوته فقتله فهل عليه ديته٥٤ أم لا ؟ فمذهب مالك وأبي حنيفة أن لا دية عليه. ومذهب الشافعي : الدية عليه٥٥. والحجة لمالك أن الله تعالى قد أمر بالتبين ولا معنى للدعوة عند التبيين، ولم يوجب على من قتل دون التبيين شيئا ولم يرد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، فوجب التوقف عن ذلك.
قوله تعالى :﴿ كذلك كنتم من قبل ﴾ :
اختلف في تأويله، فقيل : المعنى كذلك كنتم مستخفين من قومكم بإسلامكم خائفين منهم، فمن الله تعالى بإعزازه وإظهار دينكم. وقيل : المعنى كنتم كفارا٥٦ من قبل، فمن الله عليكم بأن أسلمتم. وقيل : يحتمل أن يكون الإشارة بذلك إلى القتل قبل التثبت، أي على هذه الحال كنتم في جهالة لا تتثبتون.
١ كلمة "فتبينوا" سقطت في (ج)..
٢ كلمة "في الأرض" سقطت في (ب)..
٣ في غير (هـ): "ونزلت"..
٤ في (ج): "إني أسامة ابن زيد"..
٥ في (ج): "مرصاد"..
٦ "الغطفاني" سقطت في (هـ)..
٧ في (هـ): "محيلم"..
٨ "أن" سقطت في (ج) و(د)..
٩ "لما" سقطت في (ج) و(ب) و(أ) و(د) و(هـ)..
١٠ في (هـ): "فلفظته"..
١١ حديث:.
١٢ في (ب) و(ج) و(د): "أي معنى بيده" وفي (هـ): "معناه الاستسلام، معناه: الانقياذ"..
١٣ في (أ): "أهل الحكم"..
١٤ في (ب) و(ج) و(د): "في متى يكون"..
١٥ في (هـ): "به فمن قال لا إله إلا الله فقد صار به"..
١٦ في (هـ): "صلى الله عليه وسلم"..
١٧ سقطت "على ما" في (ب) و(ج) و(د) وفي (أ) و(هـ): "على ما" والصواب ما أثبتناه..
١٨ كلمة "قال" سقطت في (ب) و(ج) و(د)..
١٩ انظر صحيح البخاري: كتاب الصلاة، باب ٢٨، ص ١٠٢ – ١٠٣، وكتاب الزكاة: باب١، ص ١١٠، وكتاب الاعتصام بالسنة: باب٢، ص ١٤٠، وباب ٢٨، ص ١٦٢، وصحيح مسلم: كتاب الأيمان، باب٨، ص ٥٢ – ٥٨، وسنن النسائي: كتاب الزكاة، باب٣، ص ١٤، وسنن ابن ماجه: كتاب الفتن، باب١، ص ١٢٩٥..
٢٠ قوله: "قالوا: وقد روي الحديث الذي يحتج به... وأن محمدا رسول الله" ساقط في (ب) و (ج) و(د)، والحديث أخرجه إمام البخاري في صحيحه كتاب الصلاة، باب٢٨، ص ١٠٢ – ١٠٣، والإمام مسلم في صحيحه: كتاب الأيمان، باب٨، ص ٥١ – ٥٢..
٢١ "في" سقطت في (ب) و(د)..
٢٢ في (هـ): "يدخل".
٢٣ "أو قال"سقطت في (هـ)..
٢٤ في (ج): "أنه يحكم له"..
٢٥ في (هـ): "فألقى الانقياد"..
٢٦ قوله: "لأن قوله تعالى: "لمن ألقى إليكم السلم" إنما معناه لمن استسلم فأظهر الانقياد لما دعي إليه من الإسلام وقد قرئ السلام فهو إظهار" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٢٧ قوله: "تحية الإسلام ممن استسلم فلا جرم، قال علماؤنا: إنما يحكم له بالإسلام" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٢٨ في (ب): "قال"..
٢٩ في (هـ): "قال تعالى"..
٣٠ في (هـ): "بنبوة محمد..."..
٣١ كلمة "سيدنا"ساقطة في (هـ)..
٣٢ "فهو مسلم" سقطت في (هـ)..
٣٣ في (ب) و(د): "وأن محمد..."..
٣٤ في (ب) و(ج) و(د): "من الميسر به"..
٣٥ في (هـ): "فمن"..
٣٦ في (ج) و(د): "الزنديق ممن"..
٣٧ كلمة "لأن الله تعالى" ساقطة في (أ) و(هـ)..
٣٨ قوله: "لأن الله تعالى لم يفرق... أظهر الاستسلام" سقط في (أ) و(هـ)..
٣٩ في (هـ): "... توبة الزنديق وغيره ممن أظهر الاستسلام"..
٤٠ في (أ) و (ج) و(د): "دقيق"..
٤١ في (هـ): "ما فعلت"..
٤٢ في (ج) و(د): "الصاحب"..
٤٣ في (أ) و(ج) و(د): "وقد جاء في حديث صاحب الغنيمة" وفي (هـ): "وقد جاء في حديث الذي قتل"..
٤٤ في (د): "وعليه"..
٤٥ قوله: "وقيل: يؤمر بها" ساقط في (ج)..
٤٦ في (هـ): "يدعى"..
٤٧ "أو هل هو طاعة أم لا" سقطت في (هـ) و(ج)..
٤٨ "لعله يدخل" ساقط في (ج)..
٤٩ في (ج): "إذا تبين"..
٥٠ "منه" ساقط في (ج)..
٥١ في (ج) و(هـ): "وقد احتج"..
٥٢ في (ب) و(د) و(ج): "ويظهر"..
٥٣ في (د): "دعوته"..
٥٤ في (هـ): "دية"..
٥٥ في (هـ): "ومذهب الشافعي أن عليه الدية"..
٥٦ من قوله: "فمن الله تعالى..." على قوله: "من قبل" ساقط في (هـ)..
٩٥ قوله تعالى :﴿ لا يستوي القاعدون ﴾ الآية :
في الآية تفضيل للمجاهدين على القاعدين، ثم قال تعالى :﴿ غير أولي الضرر ﴾ وذلك لأنه١ لما نزلت :﴿ لا يستوي القاعدون من المؤمنين... والمجاهدون ﴾ جاء ابن أم مكتوم حتى سمعها، فقال : يا رسول الله هل لي رخصة فإني ضرير البصر فنزلت عن ذلك :﴿ غير أولي الضرر ﴾ ويدخل في قوله تعالى :﴿ غير أولي الضرر ﴾ ٢، كل من له عذر. ثم اختلف المتأولون في ﴿ أولي الضرر ﴾ هل يلحقون في الأجر بالمجاهدين لاستثناء الله تعالى إياهم أم لا ؟ فذهب قوم إلى أن أولي الضرر القاعدين لهم أجر المجاهدين. قالوا : لأن نص الآية المفاضلة بين المجاهدين ثم استثنى من المفضولين أولي الضرر٣، وإذا استثناهم من المفضولين فقد ألحقهم بالفاضلين، وقد بين ذلك٤ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " إن بالمدينة أقواما ما سلكنا واديا أو شعبا إلا وهم معنا حبسهم العذر ". قالوا : وكذلك في سائر الأعمال من حبسه العذر عن عمل من أعمال البر فله أجر العمل٥. وقال بعضهم : لا يساوي أولو الضرر المجاهدين في الأجر وقصاراهم٦ أن يخرجوا من العهدة اللازمة للقاعدين من غير عذر باستثناء الله تعالى لهم من القاعدين. واختلف في تفسير قوله تعالى :﴿ فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ﴾ ٧ ثم قال٨ :﴿ وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ﴾، فقال بعضهم : فضلهم الله تعالى على القاعدين أولا بدرجة، ثم فضلهم بدرجات مبالغة وبيانا وتأكيدا. وقال بعضهم : الفضل بدرجة، هو على القاعدين من أهل العذر، والفضل بدرجات على القاعدين من غير عذر.
واختلف فيمن أعظم أجرا المجاهد بماله أو المجاهد على شيء يعطاه كأهل الديوان، فذهب قوم إلى أن المجاهد بماله أفضل، واحتجوا بظواهر٩ الآية، مثل قوله تعالى :﴿ فضل الله المجاهدين بأموالهم ﴾ ١٠، فخص المجاهدين بأموالهم وسكت عن المجاهدين بغير أموالهم، فدل على أن هؤلاء أفضل وبقول النبي صلى الله عليه وسلم وقيل : أي الناس أفضل ؟ قال : " مؤمن مجاهد١١ في سبيل الله بنفسه وماله " ١٢. وقال بعضهم : أهل الديوان أعظم أجرا من المطوعة لما يرزقون. وقد احتج بهذه الآية في فضل الغني على الفقير، وهي مسألة فيها خمسة أقوال :
أحدها : أن الغني أفضل. والثاني : أن الفقير أفضل. والثالث : أن ذا الكفاف أفضل منهما. والرابع : أن الغني أفضل من الفقير وذي الكفاف والفقير أفضل من ذي الكفاف. والخامس : التوقف عن التفضيل١٣. وحجة القول الأول من الآية ما هو ظاهرها من تفضيل المجاهدين بما على المجاهد بغير ماله، فالدرجة الزائدة من الفضل للمجاهد بماله١٤ إنما هي١٥ من جهة المال.
١ في (هـ): "أنه"..
٢ من قوله: "وذلك لأنه لما نزلت لا يستوي..." إلى قوله: "ويدخل في قوله تعالى: ﴿غير أولي الضرر﴾ سقط في (ج) و(د)، وأما في (هـ) فقد سقط: "قوله تعالى: ﴿غير أولي الضرر﴾"..
٣ قوله "القاعدين لهم... من المفضولين أولي الضرر" سقط في (هـ) والمذكور في (ب) و(ج) و(د): "... من المفضولين غير أولي الضرر"..
٤ "ذلك" سقطت في (ج) و(د)، وأما في (هـ): "النبي صلى الله عليه وسلم ذلك"..
٥ في (هـ): "العامل"..
٦ في غير (د) و(هـ): "وقصدهم" والصواب ما أثبتناه.
٧ قوله: "فضل الله المجاهدين... على القاعدين درجة" كله ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٨ "ثم قال" ساقط في (ب)..
٩ في (د): "بظاهر"..
١٠ في (ج) و(د) و(هـ): زيادة: "وأنفسهم"..
١١ في (ج): "جاهد"..
١٢ انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب الرقاق، باب ٣٤، ص ٨١- ٨٢..
١٣ في (ب) و(ج) و(د): "على التفضيل"..
١٤ في (هـ): "للمجاهدين بمالهم"..
١٥ في (ب) و(ج) و(د): "إما هو"..
٩٧ قوله تعالى :﴿ إن الذين توافهم الملائكة ﴾ ١ إلى آخر٢ القصة : نزلت الآية في قول ابن عباس وغيره في قوم من أهل مكة كانوا قد أسلموا ولم يهاجروا حتى هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنهم من فتن فافتتن ومنهم من خرج مع الكفار يوم بدر، فقتل وأبى الله تعالى قبول عذر من اعتذار٣ منهم ؛ إذ قالوا : كنا مستضعفين في الأرض، ثم عذر تعالى أهل الصدق، فقال :﴿ إلا المستضعفين ﴾ الآية. وقال السدي : يوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر كافرا حتى يهاجر٤، إلا من لا يستطيع حيلة وهذا قول ضعيف، بل غاية من لم يهاجر وهو باق على الإسلام أن يكون عاصيا بتركه٥ الهجرة. وتحصيل القول في الهجرة أن الله تعالى افترض بهذه الآية على من أسلم بين أظهر الكفار أن يهاجر عنهم، وهذه الهجرة باقية إلى يوم القيامة. وأما الهجرة المنقطعة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها : " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد / ونية، وإذا٦ استنفرتم فانفروا " ٧، فهي أن يبتدئ أحد من أهل مكة أو غيرها هجرة بعد الفتح، فينال بها درجة من هاجر من قبل الفتح، ويستحق أن يسمى باسمهم ويلحق بجملتهم ؛ لأن فرض الهجرة ساقط، بل كان ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته٨ إلى هلم جرّا. وذكر أبو عبيد٩ في كتاب " الأموال " أن الهجرة كانت على غير أهل مكة من الرغائب ولم تكن فرضا. يدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام للذي سأله عن الهجرة : " إن شأنها١٠ لشديد، فهل لك من١١ إبل تؤدي زكاتها ؟ قال : نعم، قال : فاعمل من وراء البحار، فإن الله تعالى لم يترك من عملك شيئا "، ولم يوجب عليه الهجرة١٢. فيأتي على هذا القول أن الهجرة١٣ الآن ليست بفرض على من هو ببلاد الكفار، ولكن هو مندوب إلى ذلك. والأصح ما قدمناه ؛ لأن الآية وإن كانت نزلت في أهل مكة فهي محمولة على عمومها فيهم وفي غيرهم، فاتفق على أن أهل مكة كانت الهجرة على من أسلم منهم قبل الفتح واجبة، واختلف في سواهم. فعلى قول أبي عبيد لم تكن واجبة، وعلى قول غيره من الناس كانت واجبة، والقولان جاريان إلى زماننا هذا، إلا أن في وقت النبي صلى الله عليه وسلم كانت الهجرة أوجب بلا خلاف. وقد قال مالك رحمه الله تعالى١٤ : إن الآية تقتضي أن كل من كان في بلد تغير فيها السنن ينبغي أن يخرج منه. واختلف فيمن خرج غازيا في سبيل الله١٥ فمات قبل لقاء العدو أو إحراز مغنم، فقيل : لا شيء له وهو قول الجمهور. وذهب بعضهم إلى أن له سهمه من الغنيمة، واستدل قائل ذلك بهذه الآية :﴿ ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ﴾ الآية [ النساء : ١٠٠ ]، والمراغم المتحول والمهرب، قال ابن عباس وغيره. قال الجعدي :
عزيز المراغم والمهرب١٦
وقال آخر :
إلى بلد غير داني المحل بعيد المراغم والمضطرب١٧ ١٨
وقيل : المراغم المهاجر. وقيل : لمن خرج عما يكره. وقيل : المبتغي المعيشة، وأصل : المراغم الموضع١٩ الذي يراغم فيه كل واحد من الفريقين صاحبه، أي يرغم فيه أنفه. والسعة سعة البلاد٢٠ وقيل : سعة من الضلالة إلى الهدى.
١ في (ب) و(ج) و(د): زيادة: "ظالمي أنفسهم"..
٢ في (هـ): "إلخ"..
٣ كلمة "من اعتذر" سقطت في (ب) و(ج) و(د)..
٤ "حتى يهاجر" سقطت في (هـ)..
٥ في (هـ): "بترك"..
٦ في غير (هـ): "فإذا"..
٧ أخرجه البخاري في كتاب الصيد: باب١٠، وفي أول كتاب الجهاد، وفي المناقب، وفي كتاب المغازي، كما أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، وأخرجه الترمذي في كتاب السلم، باب٣٣، وأخرجه النسائي في كتاب البيعة، باب١٥، وأخرجه الدار مي في كتاب السنن، باب٦٩، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده: ج١، ص ٢٢٦، ٢٦٦، ٣١٦، ٣٥٥، ٢/٥، ٣/٢٢، ٤٠١، ٤٣٠، ٥/٧١، ١٨٧، ٦/٤٦٦. وانظر حول "الهجرة" الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار لأبي بكر محمد ابن موسى الحازي، ص٣٠٩ – ٣١٢..
٨ في (هـ): "زمانه"..
٩ في (ج) و(د) و(هـ): "أبو عبيدة"..
١٠ في (د): "شأنك"..
١١ في (ب) و(ج) و(د): "في إبل"..
١٢ انظر صحيح البخاري: كتاب الزكاة، باب ٣٦، ص ١٢٣، وسنن أبي داود: باب١، ص ٦، وسنن النسائي: كتاب البيعة، باب١١، ص ١٤٣، ومسند الإمام أحمد، ج، ص ١٤ و ٦٤..
١٣ قوله: "فيأتي على هذا القول أن الهجرة" ساقط في (ج)..
١٤ قوله: "تعالى" سقطت في (د) و(هـ)..
١٥ في (هـ): "الله تعالى"..
١٦ انظر لسان العرب: ج١، ص ١١٩٣..
١٧ نفس المصدر ج١، ص ١١٩٣..
١٨ المتقارب.
١٩ "الموضع" كلمة سقطت في (ب) و(ج) و(د)..
٢٠ في (ب) و(ج) و(د): "وقيل سعة الرزق"..
١٠١ قوله تعالى :﴿ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ﴾ إلى قوله :﴿ كتابا موقوتا ﴾ :
اختلف في هذه الآية هل هي في صلاة السفر وصلاة الخوف معا أم في صلاة الخوف١ خاصة ؟ على قولين : فالذين ذهبوا إلى القول الأول، قالوا : الآية، في قصتين، فقوله تعالى :﴿ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ﴾ في القصر في صلاة السفر. وتم الكلام عند قوله :﴿ من الصلاة ﴾ ثم ابتدأ قصة أخرى وهي ذكر صلاة الخوف وصفتها، فابتدأ بالشرط فيها، وهو قوله تعالى :﴿ إن خفتم ﴾ الآية، والواو في قوله :( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) زائدة. ويؤيد هذا التأويل ما روي أن قوما من التجار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إنا نضرب في الأرض، فكيف نصلي ؟ فأنزل الله تعالى :﴿ إذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ﴾. ثم انقطع الوحي، فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر، فقال المشركون : لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم ألا أشددوا عليهم، فقال قائل منهم : إن لهم أخرى مثلها في أثرها، فأنزل الله تعالى بين الصلاتين :﴿ وإن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا... وإذا كنتم فيهم ﴾ الآية.
وقال الطبري : هذا تأويل حسن في الآية لو لم يكن فيها " إذا "، وهذا الذي قاله الطبري صحيح إذا لم تجعل الواو زائدة. وأما إذا جعلت الواو زائدة، فالكلام صحيح مع إثبات٢ " إذا ". وأكثر الناس على أن الآية كلها في صلاة الخوف، وقد جاء في الحديث : " إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن، ولا نجد صلاة المسافر " ٣ الحديث، وإذا قلنا : إن الآية في صلاة الخوف وفي صلاة السفر فقد ثبت بنص القرآن العمل بالصلاتين معا، وفي كلتي الصلاتين تنازع. أما القصر في صلاة السفر فقد اختلف فيه على أربعة أقوال، أحدها : أنه لا يجوز القصر في السفر، وقد قيل : إنه مذهب عائشة رضي الله تعالى عنها٤. وروي عنها أيضا أنها قالت في سفرها : أتموا صلاتكم، فقالوا٥ : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في السفر ركعتين، فقالت : رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حرب وكان يخاف، فهل تخافون أنتم٦ شيئا ؟ وقال عطاء : كان يتم الصلاة من الصحابة : عائشة وسعد ابن أبي وقاص وأتم عثمان. وحجة من ذهب إلى هذا القول أنه تأول الآية في صلاة الخوف خاصة، ولم يصح عنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في٧ غير خوف، وذهب إلى ما روي أن الصلاة فرضت أربعا في السفر والحضر، فأقرت صلاة الحضر وقصرت صلاة السفر، وحملوا القصر على حال الخوف خاصة، ورأى بعض من ذهب إلى هذا : أن دليل خطاب هذه الآية يقتضي أن لا قصر٨ مع الأمن، وأنه ناسخ لأحاديث القصر مع الأمن وهذا ضعيف أن يقع نسخ بدليل الخطاب لما في٩ القول الأول من الخلاف.
والقول الثاني في قصر الصلاة في السفر : أن القصر فرض لا يجوز غيره، وهذا مذهب أبي حنيفة وجماعة من البغداديين : ابن بكير١٠ وإسماعيل وابن الجهم، وذكر ابن الجهم أن أشهب١١ روى ذلك عن مالك، وهو قول ابن سحنون. وروي١٢ عن عمر ابن عبد العزيز نحوه، وروي عن ابن عباس وعمر نحوه أيضا، ويلزم من قال بهذا القول أن يوجب على من أتم الصلاة١٣ في السفر متعمدا الإعادة أبدا، صلى وحده أو في جماعة كما يقول أبو حنيفة وأصحابه. ولا يوجد ذلك لمالك ولا لأحد من أصحابه. وحجة من ذهب إلى هذا القول أيضا أنه تأول الآية، كما تأول الأولون أنها في صلاة الخوف، وأنها لا تقتضي المنع في القصر في سفر الأمن. وصح١٤ عنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر في السفر من غير خوف.
وذهب إلى ما روي من١٥ أن١٦ الصلاة فرضت ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة١٧ السفر، وزيد في صلاة الحضر، أو إلى ما روي من أن١٨ الصلاة فرضت أربع ركعات/ في الحضر وركعتين في السفر، فثبتت صلاة السفر مع الأمن بالسنة وثبتت صلاة الخوف بالقرآن. وذهب بعض العلماء إلى أن الآية اقتضت المنع من القصر في سفر الأمن١٩، وأن السنة نسخت الآية. وفي هذا نظر من جهة نسخ القرآن بالسنة. وإذا قلنا : إن الآية تقتضي القصر مع الخوف خاصة وصححنا القصر في السفر مع الأمن بالحديث فهو حكم زائد على ما جاء في الآية، وقد اختلف الأصوليون في الزيادة على النص هل ذلك٢٠ نسخ أم لا ؟ وفيه نظر. والأصح في هذه المسألة أن ذلك ليس بنسخ. فصح القول بالقصر في السفر في الأمن والخوف على ما تقدم. والقول الثالث في القصر في صلاة السفر أنه سنة الأخذ به فضيلة وتركه خطيئة، وهو المعلوم من مذهب مالك وأصحابه. وحجة من ذهب إلى هذا القول أنه تأول الآية٢١ في صلاة السفر وصلاة الخوف معا، وصح عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر صلاة السفر مع الأمن. وذهب إلى ما روي٢٢ من أن٢٣ الصلاة فرضت أربعا أربعا٢٤ في الحضر والسفر، فأقرت صلاة الحضر وقصرت صلاة السفر. قال من ذهب إلى هذا القول : ولما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصر والإتمام اختار القصر ولم يكن ليختار إلا الذي هو الأفضل عنده، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله : " صدقة تصدق الله٢٥ بها عليكم فاقبلوا صدقته " ٢٦، فحض على قبول الصدقة والاقتداء به في ذلك من غير وجوب. والقول الرابع : أنه رخصة وتوسعة إلا أن أهل هذا القول اختلفوا في الأفضل من ذلك ؛ فمنهم من رأى الإتمام الأفضل ومنهم من رأى القصر أفضل، ومنهم من خير بين الأمرين من غير٢٧ أن يفضل أحدهما على الآخر. وحجة من ذهب إلى أن الإتمام أفضل أن الله تعالى إنما٢٨ رفع الحرج عمن قصر، ولولا أن الحرج كان متوقعا في ذلك لم يرفعه تعالى بقوله :﴿ فليس عليكم جناح ﴾، والإتمام لم يتوقع فيه حرج فلم يحتج إلى رفعه، وما لم يتوقع فيه حرج أفضل، لا شك٢٩ مما يتوقع فيه الحرج، فغاية القصر أن رفع الحرج خاصة وبقي الإتمام على ما كان عليه من الفضل، ولم يصح عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في سفر الأمن وذهب إلى ما روي أن الصلاة فرضت أربعا أربعا٣٠. وحجة من ذهب أن القصر أفضل أن٣١ في الآية إباحة القصر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر وحض على التقصير، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحض٣٢ إلا على الأفضل. وحجة من ذهب على التخيير ظاهر الآية، وظاهرها التخيير من غير تفضيل، وقد روي هذا القول عن مالك. وقد اختلف الذين أجازوا القصر في صلاة السفر في الضرب الذي أبيح معه القصر ما هو ؟ بعدما اتفقوا٣٣ على أن ثلاثة أيام فما فوقها ضرب في الأرض يجوز معه القصر، فذهب قوم إلى أنه لا يقصر في أقل٣٤ من مسافة ثلاثة أيام، وهو قول أبي حنيفة. وذهب قوم إلى أنه يقصر في مسافة يومين، وهو قول الحسن والزهري وروي عن مالك٣٥. وذهب قوم إلى أنه يقصر في مسيرة٣٦ يوم وليلة وهو مروي٣٧ أيضا عن مالك. وذهب قوم إلى أنه يقصر في مشي اليوم/ التام، وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر٣٨، وذهب قوم إلى أنه يقصر في أربعة برد، وهو قول مالك المشهور عنه، والشافعي وابن حنبل وابن راهويه. واختلف أصحاب مالك في قوله٣٩ هذا وفي قوله باليوم والليلة هل هو قول واحد أم قولان ؟ وروي عن مالك أنه يقصر في مسافة خمسة وأربعين ميلا. وروي عنه في أربعين ميلا، فعن مالك إذن خمس روايات. وروي عن ابن القاسم جواز القصر في ستة وثلاثين ميلا. وروي عن ابن عمر٤٠ أنه قصر في ثلاثين ميلا٤١. وروي عن أنس أنه كان يقصر في خمسة عشر ميلا. وذهب قوم على أنه يقصر في المسافة التي يجب الإتيان منها إلى الجمعة. وذهب بعض٤٢ أهل الظاهر إلى أنه يقصر في قليل السفر وكثيره٤٣ إذا تجاوز البنيان ولو قصد إلى بستانه. وروي نحوه عن علي بن أبي طالب٤٤، واحتجوا بعموم الآية، ولم يثبت عندهم ما يخصصها. وأما غيرهم فخصصوا ذلك العموم إما بأثر أو بنظر. وقد روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد " وهذا عندنا مخصص لعموم الآية، وإن كان في مثل٤٥ هذا التخصيص خلاف كثير بين الأصوليين. وإذا أثبتنا للقصر حدا فمن أين يبتدئ بالقصر إذا سافر ؟ واختلف فيه، فقيل : إذا فارق بيوت بلده ولم يحاذه عن يمينه وشماله شيء منها. وقيل : لا يقصر حتى يكون من مصر على ثلاثة أميال، والقولان لمالك. وقيل : إنه يقصر إذا نوى السفر وإن كان ببلده. وقيل : إنه لا يقصر الصلاة يومه الذي سافر فيه إلى الليل وإن تم اليوم قصر، وهو قول مجاهد. وحجة مالك٤٦ قوله تعالى :﴿ وإذا ضربتم في الأرض ﴾، والمقيم في المصر ليس بضارب في الأرض وإن نوى السفر ؛ لأن الضرب في الأرض لا يكون بالنية، وإنما يكون بالفعل. والذي قال يقصر بالبلد إذا نوى السفر يتأول٤٧ الآية كأنها عنده : إذا أردتم الضرب في الأرض، كما قالوا في قوله تعالى :﴿ إذا قمتم إلى الصلاة ﴾ [ المائدة : ٦ ]، أي إذا أردتم القيام، وهذا التأويل لا حاجة مع صحة الظاهر إليه٤٨ ولا حجة صحيحة عليه٤٩، وأما قول مجاهد فضعيف. واختلف أيضا إلى أين ينتهي القصر٥٠ إذا رجع إلى مصره ؟ فعندنا أنه يقصر حتى٥١ ينتهي إلى حيث جاز له٥٢ القصر في ابتداء سفره٥٣ لأنه ما لم يبلغ ذلك فهو ضارب في الأرض، فإذا بلغ ذلك صار غير ضارب في الأرض، وإنما هو كالشيء بمصره٥٤. وقال ابن شعبان : وإن كان على ميل من بلده قصر ما لم يقرب جدا. وقيل٥٥ : لا حد في ذلك، وكل يتأول الآية على مذهبه. وأحسن ما تتأول عليه ما قدمناه من مذهب مالك. واختلف في المدة التي إذا نوى المسافر إقامتها في غير بلده أتم، ولم يكن ضاربا في الأرض من يوم وليلة إلى تسعة عشر يوما، إلا أن منهم من حددها بالصلوات٥٦، و منهم من حددها بالأيام، وربما وافق تحديدها بالأيام تحديدها بالصلوات، فيكون قولا واحدا. فأما تحديدها بالصلوات فقيل٥٧ : من أقام٥٨ مدة عشرين صلاة أتم، وهو قول ابن الماجشون وسحنون وذكره٥٩ بعضهم عن مالك. وقيل : إذا نوى إقامة خمسة عشر صلاة أتم، وإن نوى أقل قصر، وهو قول الثوري والكوفيين. وقيل : إذا نوى أكثر من عشرين صلاة أتم، وفي عشرين يقصر، وهو قول ابن حنبل، فهذه خمسة أقوال. وأما تحديدها بالأيام فقيل : إذا نوى إقامة تسعة عشر يوما أتم، وإن نوى أقل قصر، وهو مروي عن ابن عباس : وقيل : إذا نوى إقامة سبعة عشر يوما أتم، وهو أحد قولي الشافعي٦٠. وقيل : إذا نوى إقامة خمسة عشر يوما أتم، وإن نوى أقل قصر، وهو قول أبي حنيفة٦١. وقيل : إذا نوى أكثر من خمسة عشر يوما أتم، وإن نوى أقل قصر، وهو قول الليث. وقيل : إن نوى اثني عشر يوما أتم٦٢ وهو قول الأوزاعي. وقيل : إن نوى إقامة عشرة أيام أتم، وهو قول علي مروي عن ابن عباس. وقيل : إن نوى إقامة سبعة عشر يوما أتم، وهو مروي أيضا عن ابن عباس. وقيل : إن نوى إقامة ثمانية أيام أتم. وقيل : إن نوى ثلاثة أيام أتم٦٣، وقيل : إن نوى إقامة يوم وليلة أتم، وهو قول ربيعة وقيل : إذا نوى إقامة أربعة أتم، وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي، إلا أن الشافعي يقول : ليس فيها يوم الدخول ولا يوم الخروج. وقيل : إذ نوى أكثر من أربعة أيام أتم، وإن نوى أقل قصر و
١ قوله: "معا أم في صلاة الخوف" سقط في (ج)..
٢ في غير (د): "مع ثبات"..
٣ انظر تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: باب وقوف الصلاة، ص١٦٢ – ١٦٣..
٤ سقطت كلمة "رضي الله تعالى عنهما" في غير (هـ)..
٥ في (هـ): "فقيل لها"..
٦ "أنتم" سقطت في (ج) و(د)..
٧ في غير (هـ): "في"..
٨ في (د): "تقصر"..
٩ قوله: "دليل خطاب هذه الآية... بدليل الخطاب لما في" سقطت في (هـ)..
١٠ في (د): "ابن بكر"..
١١ "أن أشهب" سقطت في (هـ)..
١٢ في (هـ): "ورووا"..
١٣ كلمة "الصلاة" سقطت في (هـ)..
١٤ "و" سقطت في (د)..
١٥ كلمة "من" سقطت في (هـ)..
١٦ كلمة "أن" سقطت في (د)..
١٧ قوله: "صلاة السفر" سقطت في (هـ)..
١٨ قوله: "من" سقطت في (هـ) وقوله: "أن" سقطت في (د)..
١٩ "في سفر الأمن" سقطت في (هـ)..
٢٠ في (هـ): "هل هو"..
٢١ قوله: "في صلاة السفر أنه سنة... وحجة من ذهب إلى هذا القول أنه تأول الآية" سقط في (ب) و(د)..
٢٢ في (ج) و(د): "إلى أن ما روي"..
٢٣ "من" سقطت في (هـ) وسقطت "أن" في (د)..
٢٤ "أربعا" الثانية ساقطة في (ج) و(د)..
٢٥ في (هـ): "الله تعالى"..
٢٦ أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب١، كما أخرجه الترمذي في سننه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب٧٣، وأخرجه الدارمي في سننه: كتاب الصلاة، باب ١٧٩، كما أخرجه الإمام أحمد في مسنده: ج١، ص ٢٥، ٣٦..
٢٧ في (د): "بين الأمرين دون أن يفضل"..
٢٨ في (د): "إذا رفع"..
٢٩ في (هـ): "لا شك أفضل"..
٣٠ "أربعا والثانية" سقطت في (ج)..
٣١ في (د): "لأن"..
٣٢ في (هـ): "لا يحض"..
٣٣ في (د): "اتفقوا"..
٣٤ قوله: "القصر ما هو؟ بعدما اتفقوا على ثلاثة أيام فما فوقها ضرب في الأرض يجوز معه القصر فذهب قوم إلى أنه لا يقصر في أقل" ساقط في (ب)..
٣٥ قوله: "وذهب قوم... وروي عن مالك" سقط في (هـ)..
٣٦ في غير (هـ) و(ب) و(ج): "في مسافة"..
٣٧ في غير (هـ) و (د): "يروي"..
٣٨ قوله: "وذهب قوم إلى أنه يقصر في مشي اليوم التام وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر" ساقط في (ب)..
٣٩ "قوله" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٤٠ في (د): "عن عمر"..
٤١ قوله: "وروي عن ابن عمر أنه قصر في ثلاثين ميلا" سقط في (ج)..
٤٢ قوله: "بعض" سقط في (ج) و(د)..
٤٣ قوله: "وكثيره" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٤٤ في (د): "رضي الله عنه"..
٤٥ "مثل" سقط في (د)..
٤٦ "مالك رحمه الله" في (د)..
٤٧ في (د): "تأول"..
٤٨ في (د) و(هـ): "لا حاجة إليه مع صحة الظاهر إليه"..
٤٩ في (د): "إليه"..
٥٠ في (ج) و(د): "إلى أن ينتهي بالقصر"..
٥١ قوله: "يقصر حتى" سقط في (هـ)..
٥٢ قوله: "إلى حيث جاز له" سقط في (هـ)..
٥٣ في (هـ): "سيره"..
٥٤ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "في مصره"..
٥٥ في (د): "وقال"..
٥٦ قوله: "ومنهم من حدها... بالصلوات" سقط في (هـ)..
٥٧ ١ في (هـ): "فقال"..
٥٨ قوله: "أقام" ساقط في (ج)..
٥٩ في (هـ): "وذكر"..
٦٠ قوله: "وقيل: إذا نوى إقامة سبعة عشر يوما أتم، وهو أحد قولي الشافعي" ساقط في (هـ)..
٦١ "وقيل: إذا نوى إقامة خمس عشر يوما أتم، وإن نوى أقل قصر وهو قول أبي حنيفة" ساقط في (ب). وأما الذي سقط في (د) قوله: "وهو مروي عن ابن عباس.. وهو قول أبي حنيفة" ورواية (ب) هي: "إذا نوى إقامة سبعة عشر يوما أتم عوض خمسة عشر يوما".
٦٢ قوله: "وهو قول أبي حنيفة... إذا نوى اثني عشر يوما أتم" ساقط في (هـ)..
٦٣ "وقيل: إن نوى ثلاثة أيام أتم" سقط في (هـ)..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠١:١٠١ قوله تعالى :﴿ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ﴾ إلى قوله :﴿ كتابا موقوتا ﴾ :
اختلف في هذه الآية هل هي في صلاة السفر وصلاة الخوف معا أم في صلاة الخوف١ خاصة ؟ على قولين : فالذين ذهبوا إلى القول الأول، قالوا : الآية، في قصتين، فقوله تعالى :﴿ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ﴾ في القصر في صلاة السفر. وتم الكلام عند قوله :﴿ من الصلاة ﴾ ثم ابتدأ قصة أخرى وهي ذكر صلاة الخوف وصفتها، فابتدأ بالشرط فيها، وهو قوله تعالى :﴿ إن خفتم ﴾ الآية، والواو في قوله :( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) زائدة. ويؤيد هذا التأويل ما روي أن قوما من التجار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إنا نضرب في الأرض، فكيف نصلي ؟ فأنزل الله تعالى :﴿ إذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ﴾. ثم انقطع الوحي، فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر، فقال المشركون : لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم ألا أشددوا عليهم، فقال قائل منهم : إن لهم أخرى مثلها في أثرها، فأنزل الله تعالى بين الصلاتين :﴿ وإن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا... وإذا كنتم فيهم ﴾ الآية.
وقال الطبري : هذا تأويل حسن في الآية لو لم يكن فيها " إذا "، وهذا الذي قاله الطبري صحيح إذا لم تجعل الواو زائدة. وأما إذا جعلت الواو زائدة، فالكلام صحيح مع إثبات٢ " إذا ". وأكثر الناس على أن الآية كلها في صلاة الخوف، وقد جاء في الحديث :" إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن، ولا نجد صلاة المسافر " ٣ الحديث، وإذا قلنا : إن الآية في صلاة الخوف وفي صلاة السفر فقد ثبت بنص القرآن العمل بالصلاتين معا، وفي كلتي الصلاتين تنازع. أما القصر في صلاة السفر فقد اختلف فيه على أربعة أقوال، أحدها : أنه لا يجوز القصر في السفر، وقد قيل : إنه مذهب عائشة رضي الله تعالى عنها٤. وروي عنها أيضا أنها قالت في سفرها : أتموا صلاتكم، فقالوا٥ : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في السفر ركعتين، فقالت : رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حرب وكان يخاف، فهل تخافون أنتم٦ شيئا ؟ وقال عطاء : كان يتم الصلاة من الصحابة : عائشة وسعد ابن أبي وقاص وأتم عثمان. وحجة من ذهب إلى هذا القول أنه تأول الآية في صلاة الخوف خاصة، ولم يصح عنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في٧ غير خوف، وذهب إلى ما روي أن الصلاة فرضت أربعا في السفر والحضر، فأقرت صلاة الحضر وقصرت صلاة السفر، وحملوا القصر على حال الخوف خاصة، ورأى بعض من ذهب إلى هذا : أن دليل خطاب هذه الآية يقتضي أن لا قصر٨ مع الأمن، وأنه ناسخ لأحاديث القصر مع الأمن وهذا ضعيف أن يقع نسخ بدليل الخطاب لما في٩ القول الأول من الخلاف.
والقول الثاني في قصر الصلاة في السفر : أن القصر فرض لا يجوز غيره، وهذا مذهب أبي حنيفة وجماعة من البغداديين : ابن بكير١٠ وإسماعيل وابن الجهم، وذكر ابن الجهم أن أشهب١١ روى ذلك عن مالك، وهو قول ابن سحنون. وروي١٢ عن عمر ابن عبد العزيز نحوه، وروي عن ابن عباس وعمر نحوه أيضا، ويلزم من قال بهذا القول أن يوجب على من أتم الصلاة١٣ في السفر متعمدا الإعادة أبدا، صلى وحده أو في جماعة كما يقول أبو حنيفة وأصحابه. ولا يوجد ذلك لمالك ولا لأحد من أصحابه. وحجة من ذهب إلى هذا القول أيضا أنه تأول الآية، كما تأول الأولون أنها في صلاة الخوف، وأنها لا تقتضي المنع في القصر في سفر الأمن. وصح١٤ عنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر في السفر من غير خوف.
وذهب إلى ما روي من١٥ أن١٦ الصلاة فرضت ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة١٧ السفر، وزيد في صلاة الحضر، أو إلى ما روي من أن١٨ الصلاة فرضت أربع ركعات/ في الحضر وركعتين في السفر، فثبتت صلاة السفر مع الأمن بالسنة وثبتت صلاة الخوف بالقرآن. وذهب بعض العلماء إلى أن الآية اقتضت المنع من القصر في سفر الأمن١٩، وأن السنة نسخت الآية. وفي هذا نظر من جهة نسخ القرآن بالسنة. وإذا قلنا : إن الآية تقتضي القصر مع الخوف خاصة وصححنا القصر في السفر مع الأمن بالحديث فهو حكم زائد على ما جاء في الآية، وقد اختلف الأصوليون في الزيادة على النص هل ذلك٢٠ نسخ أم لا ؟ وفيه نظر. والأصح في هذه المسألة أن ذلك ليس بنسخ. فصح القول بالقصر في السفر في الأمن والخوف على ما تقدم. والقول الثالث في القصر في صلاة السفر أنه سنة الأخذ به فضيلة وتركه خطيئة، وهو المعلوم من مذهب مالك وأصحابه. وحجة من ذهب إلى هذا القول أنه تأول الآية٢١ في صلاة السفر وصلاة الخوف معا، وصح عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر صلاة السفر مع الأمن. وذهب إلى ما روي٢٢ من أن٢٣ الصلاة فرضت أربعا أربعا٢٤ في الحضر والسفر، فأقرت صلاة الحضر وقصرت صلاة السفر. قال من ذهب إلى هذا القول : ولما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصر والإتمام اختار القصر ولم يكن ليختار إلا الذي هو الأفضل عنده، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله :" صدقة تصدق الله٢٥ بها عليكم فاقبلوا صدقته " ٢٦، فحض على قبول الصدقة والاقتداء به في ذلك من غير وجوب. والقول الرابع : أنه رخصة وتوسعة إلا أن أهل هذا القول اختلفوا في الأفضل من ذلك ؛ فمنهم من رأى الإتمام الأفضل ومنهم من رأى القصر أفضل، ومنهم من خير بين الأمرين من غير٢٧ أن يفضل أحدهما على الآخر. وحجة من ذهب إلى أن الإتمام أفضل أن الله تعالى إنما٢٨ رفع الحرج عمن قصر، ولولا أن الحرج كان متوقعا في ذلك لم يرفعه تعالى بقوله :﴿ فليس عليكم جناح ﴾، والإتمام لم يتوقع فيه حرج فلم يحتج إلى رفعه، وما لم يتوقع فيه حرج أفضل، لا شك٢٩ مما يتوقع فيه الحرج، فغاية القصر أن رفع الحرج خاصة وبقي الإتمام على ما كان عليه من الفضل، ولم يصح عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في سفر الأمن وذهب إلى ما روي أن الصلاة فرضت أربعا أربعا٣٠. وحجة من ذهب أن القصر أفضل أن٣١ في الآية إباحة القصر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر وحض على التقصير، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحض٣٢ إلا على الأفضل. وحجة من ذهب على التخيير ظاهر الآية، وظاهرها التخيير من غير تفضيل، وقد روي هذا القول عن مالك. وقد اختلف الذين أجازوا القصر في صلاة السفر في الضرب الذي أبيح معه القصر ما هو ؟ بعدما اتفقوا٣٣ على أن ثلاثة أيام فما فوقها ضرب في الأرض يجوز معه القصر، فذهب قوم إلى أنه لا يقصر في أقل٣٤ من مسافة ثلاثة أيام، وهو قول أبي حنيفة. وذهب قوم إلى أنه يقصر في مسافة يومين، وهو قول الحسن والزهري وروي عن مالك٣٥. وذهب قوم إلى أنه يقصر في مسيرة٣٦ يوم وليلة وهو مروي٣٧ أيضا عن مالك. وذهب قوم إلى أنه يقصر في مشي اليوم/ التام، وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر٣٨، وذهب قوم إلى أنه يقصر في أربعة برد، وهو قول مالك المشهور عنه، والشافعي وابن حنبل وابن راهويه. واختلف أصحاب مالك في قوله٣٩ هذا وفي قوله باليوم والليلة هل هو قول واحد أم قولان ؟ وروي عن مالك أنه يقصر في مسافة خمسة وأربعين ميلا. وروي عنه في أربعين ميلا، فعن مالك إذن خمس روايات. وروي عن ابن القاسم جواز القصر في ستة وثلاثين ميلا. وروي عن ابن عمر٤٠ أنه قصر في ثلاثين ميلا٤١. وروي عن أنس أنه كان يقصر في خمسة عشر ميلا. وذهب قوم على أنه يقصر في المسافة التي يجب الإتيان منها إلى الجمعة. وذهب بعض٤٢ أهل الظاهر إلى أنه يقصر في قليل السفر وكثيره٤٣ إذا تجاوز البنيان ولو قصد إلى بستانه. وروي نحوه عن علي بن أبي طالب٤٤، واحتجوا بعموم الآية، ولم يثبت عندهم ما يخصصها. وأما غيرهم فخصصوا ذلك العموم إما بأثر أو بنظر. وقد روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد " وهذا عندنا مخصص لعموم الآية، وإن كان في مثل٤٥ هذا التخصيص خلاف كثير بين الأصوليين. وإذا أثبتنا للقصر حدا فمن أين يبتدئ بالقصر إذا سافر ؟ واختلف فيه، فقيل : إذا فارق بيوت بلده ولم يحاذه عن يمينه وشماله شيء منها. وقيل : لا يقصر حتى يكون من مصر على ثلاثة أميال، والقولان لمالك. وقيل : إنه يقصر إذا نوى السفر وإن كان ببلده. وقيل : إنه لا يقصر الصلاة يومه الذي سافر فيه إلى الليل وإن تم اليوم قصر، وهو قول مجاهد. وحجة مالك٤٦ قوله تعالى :﴿ وإذا ضربتم في الأرض ﴾، والمقيم في المصر ليس بضارب في الأرض وإن نوى السفر ؛ لأن الضرب في الأرض لا يكون بالنية، وإنما يكون بالفعل. والذي قال يقصر بالبلد إذا نوى السفر يتأول٤٧ الآية كأنها عنده : إذا أردتم الضرب في الأرض، كما قالوا في قوله تعالى :﴿ إذا قمتم إلى الصلاة ﴾ [ المائدة : ٦ ]، أي إذا أردتم القيام، وهذا التأويل لا حاجة مع صحة الظاهر إليه٤٨ ولا حجة صحيحة عليه٤٩، وأما قول مجاهد فضعيف. واختلف أيضا إلى أين ينتهي القصر٥٠ إذا رجع إلى مصره ؟ فعندنا أنه يقصر حتى٥١ ينتهي إلى حيث جاز له٥٢ القصر في ابتداء سفره٥٣ لأنه ما لم يبلغ ذلك فهو ضارب في الأرض، فإذا بلغ ذلك صار غير ضارب في الأرض، وإنما هو كالشيء بمصره٥٤. وقال ابن شعبان : وإن كان على ميل من بلده قصر ما لم يقرب جدا. وقيل٥٥ : لا حد في ذلك، وكل يتأول الآية على مذهبه. وأحسن ما تتأول عليه ما قدمناه من مذهب مالك. واختلف في المدة التي إذا نوى المسافر إقامتها في غير بلده أتم، ولم يكن ضاربا في الأرض من يوم وليلة إلى تسعة عشر يوما، إلا أن منهم من حددها بالصلوات٥٦، و منهم من حددها بالأيام، وربما وافق تحديدها بالأيام تحديدها بالصلوات، فيكون قولا واحدا. فأما تحديدها بالصلوات فقيل٥٧ : من أقام٥٨ مدة عشرين صلاة أتم، وهو قول ابن الماجشون وسحنون وذكره٥٩ بعضهم عن مالك. وقيل : إذا نوى إقامة خمسة عشر صلاة أتم، وإن نوى أقل قصر، وهو قول الثوري والكوفيين. وقيل : إذا نوى أكثر من عشرين صلاة أتم، وفي عشرين يقصر، وهو قول ابن حنبل، فهذه خمسة أقوال. وأما تحديدها بالأيام فقيل : إذا نوى إقامة تسعة عشر يوما أتم، وإن نوى أقل قصر، وهو مروي عن ابن عباس : وقيل : إذا نوى إقامة سبعة عشر يوما أتم، وهو أحد قولي الشافعي٦٠. وقيل : إذا نوى إقامة خمسة عشر يوما أتم، وإن نوى أقل قصر، وهو قول أبي حنيفة٦١. وقيل : إذا نوى أكثر من خمسة عشر يوما أتم، وإن نوى أقل قصر، وهو قول الليث. وقيل : إن نوى اثني عشر يوما أتم٦٢ وهو قول الأوزاعي. وقيل : إن نوى إقامة عشرة أيام أتم، وهو قول علي مروي عن ابن عباس. وقيل : إن نوى إقامة سبعة عشر يوما أتم، وهو مروي أيضا عن ابن عباس. وقيل : إن نوى إقامة ثمانية أيام أتم. وقيل : إن نوى ثلاثة أيام أتم٦٣، وقيل : إن نوى إقامة يوم وليلة أتم، وهو قول ربيعة وقيل : إذا نوى إقامة أربعة أتم، وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي، إلا أن الشافعي يقول : ليس فيها يوم الدخول ولا يوم الخروج. وقيل : إذ نوى أكثر من أربعة أيام أتم، وإن نوى أقل قصر و
١ قوله: "معا أم في صلاة الخوف" سقط في (ج)..
٢ في غير (د): "مع ثبات"..
٣ انظر تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: باب وقوف الصلاة، ص١٦٢ – ١٦٣..
٤ سقطت كلمة "رضي الله تعالى عنهما" في غير (هـ)..
٥ في (هـ): "فقيل لها"..
٦ "أنتم" سقطت في (ج) و(د)..
٧ في غير (هـ): "في"..
٨ في (د): "تقصر"..
٩ قوله: "دليل خطاب هذه الآية... بدليل الخطاب لما في" سقطت في (هـ)..
١٠ في (د): "ابن بكر"..
١١ "أن أشهب" سقطت في (هـ)..
١٢ في (هـ): "ورووا"..
١٣ كلمة "الصلاة" سقطت في (هـ)..
١٤ "و" سقطت في (د)..
١٥ كلمة "من" سقطت في (هـ)..
١٦ كلمة "أن" سقطت في (د)..
١٧ قوله: "صلاة السفر" سقطت في (هـ)..
١٨ قوله: "من" سقطت في (هـ) وقوله: "أن" سقطت في (د)..
١٩ "في سفر الأمن" سقطت في (هـ)..
٢٠ في (هـ): "هل هو"..
٢١ قوله: "في صلاة السفر أنه سنة... وحجة من ذهب إلى هذا القول أنه تأول الآية" سقط في (ب) و(د)..
٢٢ في (ج) و(د): "إلى أن ما روي"..
٢٣ "من" سقطت في (هـ) وسقطت "أن" في (د)..
٢٤ "أربعا" الثانية ساقطة في (ج) و(د)..
٢٥ في (هـ): "الله تعالى"..
٢٦ أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب١، كما أخرجه الترمذي في سننه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب٧٣، وأخرجه الدارمي في سننه: كتاب الصلاة، باب ١٧٩، كما أخرجه الإمام أحمد في مسنده: ج١، ص ٢٥، ٣٦..
٢٧ في (د): "بين الأمرين دون أن يفضل"..
٢٨ في (د): "إذا رفع"..
٢٩ في (هـ): "لا شك أفضل"..
٣٠ "أربعا والثانية" سقطت في (ج)..
٣١ في (د): "لأن"..
٣٢ في (هـ): "لا يحض"..
٣٣ في (د): "اتفقوا"..
٣٤ قوله: "القصر ما هو؟ بعدما اتفقوا على ثلاثة أيام فما فوقها ضرب في الأرض يجوز معه القصر فذهب قوم إلى أنه لا يقصر في أقل" ساقط في (ب)..
٣٥ قوله: "وذهب قوم... وروي عن مالك" سقط في (هـ)..
٣٦ في غير (هـ) و(ب) و(ج): "في مسافة"..
٣٧ في غير (هـ) و (د): "يروي"..
٣٨ قوله: "وذهب قوم إلى أنه يقصر في مشي اليوم التام وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر" ساقط في (ب)..
٣٩ "قوله" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٤٠ في (د): "عن عمر"..
٤١ قوله: "وروي عن ابن عمر أنه قصر في ثلاثين ميلا" سقط في (ج)..
٤٢ قوله: "بعض" سقط في (ج) و(د)..
٤٣ قوله: "وكثيره" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٤٤ في (د): "رضي الله عنه"..
٤٥ "مثل" سقط في (د)..
٤٦ "مالك رحمه الله" في (د)..
٤٧ في (د): "تأول"..
٤٨ في (د) و(هـ): "لا حاجة إليه مع صحة الظاهر إليه"..
٤٩ في (د): "إليه"..
٥٠ في (ج) و(د): "إلى أن ينتهي بالقصر"..
٥١ قوله: "يقصر حتى" سقط في (هـ)..
٥٢ قوله: "إلى حيث جاز له" سقط في (هـ)..
٥٣ في (هـ): "سيره"..
٥٤ في (ب) و(ج) و(د) و(هـ): "في مصره"..
٥٥ في (د): "وقال"..
٥٦ قوله: "ومنهم من حدها... بالصلوات" سقط في (هـ)..
٥٧ ١ في (هـ): "فقال"..
٥٨ قوله: "أقام" ساقط في (ج)..
٥٩ في (هـ): "وذكر"..
٦٠ قوله: "وقيل: إذا نوى إقامة سبعة عشر يوما أتم، وهو أحد قولي الشافعي" ساقط في (هـ)..
٦١ "وقيل: إذا نوى إقامة خمس عشر يوما أتم، وإن نوى أقل قصر وهو قول أبي حنيفة" ساقط في (ب). وأما الذي سقط في (د) قوله: "وهو مروي عن ابن عباس.. وهو قول أبي حنيفة" ورواية (ب) هي: "إذا نوى إقامة سبعة عشر يوما أتم عوض خمسة عشر يوما".
٦٢ قوله: "وهو قول أبي حنيفة... إذا نوى اثني عشر يوما أتم" ساقط في (هـ)..
٦٣ "وقيل: إن نوى ثلاثة أيام أتم" سقط في (هـ)..

١٠٣ وقوله تعالى :﴿ فإذا قضيتم الصلاة ﴾ الآية :
اختلف في الذكر المأمور به في هذه الآية فذهب الجمهور إلى أنه ذكر مأمور به في إثر صلاة الخوف على حد ما أمروا عند قضاء المناسك بذكر الله تعالى، وذهبوا إلى أن ﴿ قضيتم ﴾ بمعنى فعلتم. وذهب آخرون إلى معنى قوله :﴿ فإذا قضيتم الصلاة ﴾ إذا تلبستم بالصلاة فلتكونوا على هذه الهيئات المذكورات بعد، من قيام أو قعود، أو على الجنب١ بحسب ضرورات المر ض ونحوه. والذكر المأمور به على هذا هو الذكر في أثناء الصلوات. وقد اختلف في ترتيب صلاة المريض فأخذ ابن المواز بظاهر هذه الآية على هذا التأويل منها٢ فقال : إذا لم يقدر على القيام صلى قاعدا، فإن لم يطق، فعلى جنبه الأيمن، فإن لم يطق فعلى جنبه الأيسر، فإن لم يطق فعلى الظهر. وذهب مالك إلى أنه مخير إذا لم يقدر على القيام والقعود أن يصلي على جنب أو على ظهر٣. وحكي عن ابن القاسم أنه يبتدئ بالظهر ثم بالجنب، وضعّفه ابن حبيب. قال اللخمي : وليس بضعيف بل هو أحكم في استقبال القبلة. وقال سحنون : يصلي على جنبه الأيمن كما يجعل في قبره، فإن لم يقدر فعلى ظهره.
وقوله تعالى :﴿ فإذا اطمأننتم ﴾ يعني٤ سكنت نفوسكم من الحرب، وقيل : رجعتم من سفركم إلى الحضر ﴿ فأقيموا الصلاة ﴾ أي أقيموها تامة الركوع والسجود وقيل : تامة أربعا٥.
وقوله تعالى :﴿ إن الصلاة كانت على المومنين كتابا موقوتا ﴾ قيل : منجما في أوقات، وقيل : فرضا مفروضا.
١ في (ج): "على الجنوب"..
٢ في (هـ): "فيه"..
٣ في (هـ): "ظهره"..
٤ في (هـ): "معناه"..
٥ في (هـ): "أربعة"..
١٠٥ - قوله تعالى :﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ﴾ :
في هذه الآية إثبات الرأي والقياس خلافا لمن لم يره من الناس، وقال بعضهم : يحتمل قوله١ :﴿ بما أراك الله ﴾ الرأي والاجتهاد، وفي هذه الآية ما يدل على أنه لا يجوز٢ أن يخاصم عن أحد إلا بعد أن يعلم أنه محق. وفيها دليل أن وجود السرقة بيد إنسان٣ لا يوجب الحكم بها عليه ؛ لأن سبب الآية أن طعيمة٤ بن أبيرق جحد وديعة. وقيل : سرقها وطرحها في دار يهودي ليتّهم بها. وقيل : في دار مسلم، فنزلت الآية، فنفى الله تعالى الحكم على اليهود بوجود السرقة عنده، وليس هذا من قبيل مسألة الصاع الذي جعله يوسف عليه السلام في رحل أخيه فتدبّره.
وفي هذه الآية أيضا دليل أن الحاكم لا يكون عاميا خلافا لمن أجازه ؛ لأن الله تعالى فوض الحكم للاجتهاد ومن لا علم عنده كيف٥ يجتهد.
١ في (هـ): "قوله تعالى"..
٢ في (د) و(هـ): "لا يجوز لأحد أن يخاصم"..
٣ في (د): "في يد السارق"..
٤ في (ج) و(د): "طعمة"..
٥ في غير (ج) و(د) و(هـ): "فكيف"..
١١٥ - قوله تعالى :﴿ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ﴾ هذه الآية حجة على صحة الإجماع وبها رد كل من أثبت الإجماع١ على من نفاه وذكر بعض الأصوليين في الآية احتمالات كثيرة٢ وأوهن الاحتجاج بها في ذلك.
١ "وبها رد كل ما أثبت الإجماع" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٢ في (ب) و(ج): "احتمالات لا تمكن"..
١١٩ - قوله تعالى : حكاية عن الشيطان :{ ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ) :
﴿ فليبتكن ﴾ أي ليقطعن والبتك القطع، وإنما ساقه الله تعالى بلفظ التكثير ؛ لأنه يكون١ على أنحاء كثيرة، وإنما كنى عن السائمة٢ والبحيرة ونحوهما٣ مما كانت الجاهلية تفعله٤ من مثل ذلك بسبب آلهتهم وبغير ذلك. وأما وشم الوجوه، فلا يجوز ذلك، لأنه من تغيير خلق الله تعالى. وأما وشم الآذان للتمييز فجائز، ليس من ذلك في شيء، وقد جاءت فيه الرخصة. وقوله :﴿ فليغيرن خلق الله ﴾ ورد في هذه الآية ذم التغيير لخلق الله مطلقا. ونسبه تعالى إلى الشيطان وهو أمر ليس على عمومه ؛ لأن من التغيير لخلق الله ما هو سنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " خمس من الفطرة : تقليم الأظافر، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، والاختتان " ٥، فهذا يخصص الآية بإجماع٦. ومن التغيير ما هو محرم باتفاق ومكروه باتفاق، فهو داخل في الآية. ومنها ما هو مختلف فيه، وذلك كله على حسب ما ذكره المفسرون للآية. وقد اختلفوا في ذلك فقيل : أراد دين الله، وذهب قائلو ذلك إلى الاحتجاج بقوله تعالى :﴿ فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ﴾ [ الروم : ٣٠ ]، أي لدين الله٧، فدليل هذه الآية على هذا التأويل أي أن الإيمان مخلوق وقال بعضهم : الإيمان غير مخلوق. ومعنى قول من جعل خلق الله دين الله أي حكم الله، فكنى عن الحكم بالدين. وقيل : تغيير خلق الله هو أن الله تبار ك وتعالى خلق الشمس والقمر٨ والنار والحجارة وغيرها من المخلوقات ليعتبر لها وينتفع٩، فغيّرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة.
وقال بعضهم في تغيير خلق الله : الخصاء، والآية إشارة إلى خصاء البهائم والخيل١٠ وغيرها، وما يشاكله، فذلك عندهم ممنوع. ورخص في خصاء البهائم جماعة من أهل العلم إذا قصد به المنفعة. وفي المذهب أن ذلك مكروه في الخيل مباح في سائر البهائم١١. وأما خصاء بني آدم فلا خلاف في منعه، وقد سئل مالك عن : شراء الخصيان فكرهه مخافة أن يكون داعية إلى فعل ذلك. وقال بعضهم : الآية إشارة إلى الوشم وما جرى مجراه ومن التصنع للحسن، فمن ذلك الحديث المروي١٢ : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات١٣ والمتفلجات المغيرات خلق الله١٤. وقوله عليه الصلاة والسلام : " لعن الله الواصلة والمستوصلة " ١٥، وقد اختلف في الوشم والتنمص، فلم يجزه الأكثر١٦ للحديث المتقدم. والطبري من جملة من ذهب إلى هذا، وقال : إن المرأة إن١٧ خلقت لها لحية أو شارب وعنفقة فلا يجوز لها أن تحلق ذلك أو بعضه طلبا للتجمل ؛ لأن ذلك تغيير لخلق الله ولكن تفعل فيها ما يجوز أن يفعله في لحيته. وفي المذهب أن الوشم جائز في اليد دون الوجه، وأجازه قوم، واحتجوا بقول عائشة حين سئلت عن المرأة تحفي جبينها لزوجها، فقالت : أميطي عنك الأذى ما استطعت، وبأن يد أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما كانت موشومة، فعلى هذا القول لا يدخلان تحت الآية. واختلف أيضا في الوصل فأجازه قوم جملة من غير تفصيل، ورووا عن عائشة في ذلك حديثا وهو ابن أشرع١٨ سألها، فقال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة، فقالت : أيا سبحان الله وما بأس بالمرأة الزعراء أن تأخذ شيئا من صوف فتصل بها شعرها وتتزين به عند زوجها، وإنما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة الشابة تبغي في شيبتها حتى إذا أسنت وصلتها بالقيادة. ولم يجزه آخرون أيضا جملة من غير تفصيل، منهم مالك ؛ لعموم حديث النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولأنهم١٩ رأوا ذلك تغييرا فتأولوا الآية عليه. وأجاز بعضهم وصل الشعر بالصوف والخرق، ولم يجز وصل الشعر بالشعر. وحجتهم حديث معاوية إذ تناول قصة من شعر وقال : إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم، قالوا : والخرق والصوف ليس من ذلك. وأجاز بعضهم أن يوضع الشعر على الرأس وضعا دون وصل ولم يجز الوصل. وأما التفليج المنهي عنه في الحديث فلم أر خلافا أنه لا يجوز للمرأة أن تفعله من تغيير خلق الله فهو داخل تحت الآية وسواء كانت الأسنان مستوية أو مختلفة في الطول فعلت٢٠ ذلك لزوج أو غيره، قاله الطبري٢١ : وملاك تفسير هذه الآية أن كل تغيير يؤدي إلى ضرر، فهو داخل تحت الآية وما لم يكن كذلك فهو مباح ويدخل تحت هذه المسألة جمة ويطول بذكرها الكتاب، فأعرضت عنها لذلك.
١ قوله: "يكون" ساقط في (ج)..
٢ في غير (د): "السائبة"..
٣ في (أ): "ونحوه" والصواب ما أثبتناه..
٤ في (ج) و(د): "تصنعه"..
٥ انظر صحيح البخاري: كتاب اللباس، باب ٦٣، وصحيح مسلم: كتاب الطهارة، باب ٤٩، وسنن أبي داود: كتاب الترجل، باب١٦، وسنن النسائي: كتاب الزينة باب١..
٦ في (أ) و(ب) و(ج) و(د): "بالإجماع"..
٧ قوله: "أي لدين الله" سقطت في (ج) و(د)..
٨ قوله: "القمر" سقط في (ج) و(د)..
٩ في (ج) و(د): "ينتفع بها"..
١٠ في غير (ج): "البهائم، الخيل"..
١١ قوله: "إذا قصد به المنفعة، وفي المذهب أن ذلك مكروه في الخيل مباح في سائر البهائم" ساقط في (ب) و(د)..
١٢ قوله: "المروي" ساقط في (ج) و(د)..
١٣ في (د): "النامصات والمتنمصات"..
١٤ انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري: تفسير سورة الحشر: باب٤، ص ٦٣٠..
١٥ "والمستوصلة" ساقطة في (ب) و(ج) و(د)، فيما يتعلق بتخريج الحديث: انظر سنن أبي داود: كتاب الترجل، باب٤، ص٧٧..
١٦ "فلم يجزه" ساقط في (ب)..
١٧ قوله: "أن" ساقط في (ب) و(ج) وفي (د): "لو" وفي (هـ): "إذا"..
١٨ في (هـ): "ابن أشوع"..
١٩ في (ج) و(د): "وسلم لأنهم..."..
٢٠ في (د): "ففعلت" وفي (هـ): "فعلت"..
٢١ في (هـ): "قال الطبري"..
١٢٥ قوله تعالى :﴿ واتبع ملة إبراهيم حنيفا ﴾ :
يحتج به من يرى شرع إبراهيم عليه السلام١ لازما لنا٢ اتباعه إذا لم يظهر له ناسخ في شرعنا.
١ "عليه السلام" ساقط في (هـ)..
٢ "لنا" ساقطة في (د)..
١٢٨ وقوله تعالى :﴿ وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما ﴾ ١ الآية :
اختلف في سبب الآية، فقيل : نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وسودة بنت زمعة، وذلك إذ أسنت سودة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلقها، فقالت : لا تطلقني واحبسني مع نسائك ولا تقسم لي، ففعل : فنزلت الآية، وفي المصنفات أنها وهبت نوبتها لعائشة. وقيل : بل سبب الآية أن رافع بن خديج لما أسنت عنده خولة بنت محمد بن مسلمة تزوج عليها شابة فآثر الشابة فلم تصبر هي فطلقها طلقة ثم تراجعا فعاد فآثر الشابة فلم تصبر فطلقها أخرى، فلما بقي من العدة يسير قال لها : إن شئت راجعتك وصبرت على الأثرة، وإن شئت تركتك حتى يحل أجلك. قال : بل راجعني وأصبر، فراجعها فآثر الشابة، فلم تصبر، فقال٢ : إنما هي واحدة فإما أن تقري على ما ترين من الأثرة، وإلا طلقتك، فقرت فنزلت الآية. وقيل : نزلت بسبب أبي السنابل ابن بعلبك وامرأته، وهذه الآية تبيح جميع أنواع الصلح بين الر جل وامرأته، في مال أو وطء أو غير ذلك. واختلف في المرأة إذا فعلت مثلما فعلت سودة، هل لها أن ترجع في ذلك وينتقض الصلح أم لا ؟ والجمهور على أن ينتقض بالرجوع، لأن ذلك الصلح فيه منافع تطرأ مع الإيحان فلم ينتجز قبضها فجاز فيه الرجوع. واختلف في بيعها اليوم ونحوه، والحجة لجواز العموم قوله تعالى :﴿ فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ﴾ ٣، واختلف متأخرو زماننا في المولى عليها يأبى الزوج من الإنفاق عليها وترغب هي في أن تنفق على نفسها وتكون معه هل يكون ذلك لها أم لا ؟ على قولين. وعندي أن عموم هذه الآية حجة لمن أجازه منهم.
قوله تعالى :﴿ والصلح خير ﴾، قيل : هو عام في كل شيء، وقيل : الصلح على البقاء خير من الفرقة. وقد اختلف في الصلح الواقع بالحرام والمكروه. فقيل : لا يجوز منه ويفسخ، والصلح كالبيع، وهو مذهب مالك وابن القاسم. وقيل : ما وقع من الصلح بالأشياء المكروهة فجائز وأما بالحرام البين فلا يجوز ويرد إلا أن يفوت فتكون فيه القيمة، وهو قول مطرف. وقيل : الصلح بالحرام والمكروه يكره ابتداء، فإن وقع مضى ولم يرد وعلى هذا القول لا يكون الصلح كالبيع، وإنما يكون معروفا، وهو قول أصبغ. وحجته عموم قوله تعالى :﴿ والصلح خير ﴾، فلم يخص حراما من حلال، وهذا عندي في الحرام الذي يحتمل وجها من الصحة. وأما الحرام بالذي لا وجه له مما نص الشرع عليه، وأجمعت٤ الأمة على تحريمه فلا ينبغي أن يمضي ولا أن يدخل تحت عموم٥ الآية. وقد اختلف في الصلح على الإنكار، فعندنا جوازه. وعند الشافعي أنه لا يجوز، والحجة لجوازه عموم قوله تعالى :﴿ والصلح خير ﴾، ومن له عند رجل دنانير لا يدريان كم هي ؟ فلهما أن يصطلحا على ما شاءا نقدا فعلى هذا يجوز أن يصالحا٦ على المجهول بالمعلوم. وقال الشافعي : لا يجوز أن يكون المصالح عليه معلوما كالبيع، وحجة الجواز عموم قوله تعالى :﴿ والصلح خير ﴾، ومعنى :﴿ وأحضرت الأنفس الشح ﴾، قيل هو أن يشح الرجل على المرأة بنفسه، وماله، وبيته. وقيل : الشح هنا منه ومنها. والأظهر٧ أن اللفظ على عمومه في كل شح٨.
١ ﴿أو إعراضا فلا جناح عليهما﴾ الآية، هذا بياض في (ب) و(ج)، وساقط في (د) و(هـ)..
٢ في (ج) و(د): "فقال لها "..
٣ قوله: "واختلف في بيعها اليوم ونحوه والحجة لجوازه عموم قوله تعالى: ﴿فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا﴾ ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٤ في غير (ج) و(د): "وأجمع"..
٥ في (هـ): "في عموم"..
٦ في غير (ج) و(د): "يصالح"..
٧ في (ج) و(د): "والظاهر"..
٨ في (د) و(ب) و(ج): "في كل شيء"..
١٢٩ وقوله تعالى :﴿ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ﴾ :
روي أن هذه الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم بميله١ إلى عائشة، والعدل بين النساء بمفهوم هذه الآية مأمور به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة شقه مائل " ٢، وكان صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول : " اللهم هذه قسمتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " ٣، يعني القلب وإلى ذلك أشار تعالى في الآية٤ بقوله :﴿ فلا تميلوا كل الميل ﴾. قال المفسرون : أي في الحب والجماع، فالحب مما لا يستطاع العدل فيه. والجماع٥ تابع له ؛ لأنه عنه يكون، فأمر تعالى أن يأتي من ذلك ما يطاق ولا يؤثر من يهوى فوق القدر الذي يغلب على القلب.
﴿ وإن تصلحوا وتتقوا ﴾ أي في أن لا تميلوا، والأمر بالعدل بين النساء أمر عام في جميع الأشياء المقدور عليها، فعلى الإنسان أن يعدل بينهن بالكون عندهن. وقد اختلف في الحرة والأمة الزوجة هل يسوى بينهما في القسم أو تفضل الحرة عليها، فتكون ليلتان للحرة وللأمة ليلة ؟ فعن مالك في ذلك روايتان : والحجة للتسوية قوله تعالى :﴿ أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل ﴾ فعم. واختلف هل للزوج أن يتجاوز٦ اليوم في القسم فيقسم عند هذه المرأة يومان أو ثلاثة وعند الأخرى مثل ذلك٧ أم لا ؟ وذلك إذا أراد الزوج وحده ذلك، فعن مالك لا يجوز، وأجازه الشافعي، وبه قال ابن القصار. وحجة هذا القول عموم الآية٨ لأنه كيفما صنع وسوى بينهن فقد عدل بينهن وهو المأمور به. وعندنا أنه إذا تزوج بكرا٩ أقام عندها سبعا، وإذا تزوج ثيبا أقام١٠ عندها ثلاثا، لما جاء في السنة من ذلك١١ ولا قضاء عليه بعد ذلك لمن عنده من النساء، ولا تحاسب هذه الجديدة بهذه الأيام. وقال أبو حنيفة : إنها تحاسب١٢ ورأى أن العدل والمساواة واجب في الابتداء كوجوبه في الاستدامة. وتعلق أبو حنيفة بظاهر هذه الآية في العدل١٣ وبسائر الظواهر الواردة في العدل، وهي عندنا مخصوصة بالسنة لقوله صلى الله عليه وسلم : " للبكر سبع وللثيب ثلاث " ١٤. واختلف هل يدخل لقضاء حاجة في يوم إحداهن على صاحبتها، فأجازه مالك في كتاب محمد. وقال أيضا : لا يجوز إلا من عذر. وقال ابن الماجشون : لا يجوز من عذر أو من غير عذر١٥، ولكن لا بأس أن يقف ببابها ويسلم من غير أن يدخل. وحجة من لا يجيز ذلك عموم الآية في العدل١٦ وإباحة ذلك تؤدي إلى غير العدل. واختلف إذا أغلقت صاحبة اليوم بابها دونه هل له أن يذهب إلى غيرها أم لا ؟ فأجازه مالك، ولم يجزه ابن القاسم. وحجة هذا القول عموم الآية في العدل. وأما النفقة والكسوة فلا تلزم المساواة فيهما١٧ فقد تكون إحداهما شريفة فلها أن تطالبه بما يجب لمثلها وليس له١٨ أن يلحق الدنية بها. واختلف هل له أن يتطوع لواحدة منهن بأكثر مما يجب لها من الإنفاق والكسوة، فعن مالك روايتان. واحتج في المنع١٩ من ذلك بقوله تعالى :﴿ فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ﴾. وقال بعضهم محتجا للجواز : المراد بالآية في الكون عندهن لا في الإنفاق عليهن، وأكد ذلك بقوله كالمعلقة، والمعلقة هي التي لا أيم ولا ذات زوج، شبهها بالشيء المعلق من الشيء.
وقوله تعالى :﴿ وإن تصلحوا وتتقوا ﴾ أي وإن تلتزموا٢٠ ما يلزمكم من العدل فيما تملكون، فإن الله كان غفورا رحيما لما لا تملكون متجاوزا عنه. وقال الطبري : معنى الآية غفورا لما٢١ سلف منكم من الميل قبل نزول الآية.
١ قوله: "بميله" ساقط في (هـ).
٢ انظر سنن أبي داود كتاب النكاح، باب ٣٨، ص ٢٤٢..
٣ نفس المصدر.
٤ كلمة "في الآية" سقطت في (د) و(هـ)..
٥ قوله: "فالحب مما... والجماع" سقط في (هـ)..
٦ "أن يتجاوز" ساقط في (ب) و(ج) و(د)..
٧ في (هـ): "مثلها"..
٨ في (هـ): "هذه الآية"..
٩ في (ج) و(د): "البكر"..
١٠ في (ج) و(د): "أقيم"..
١١ في (ج) و(د): "في ذلك" وفي (هـ): "لذلك"..
١٢ في (أ): "يحاسبها"..
١٣ في (ج) و(د): "بالعدل"..
١٤ انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر: كتاب النكاح، باب١٠٠، ص٣١٣، وباب ١٠١، ص ٣١٤..
١٥ في (هـ): "بعذر ولا بغيره"..
١٦ في (د): "عموم العدل في الآية"..
١٧ في (هـ): "فيها"..
١٨ في (هـ): "وليس عليه"..
١٩ في (هـ): "واحتج للمنع"..
٢٠ في (ج): "تلزموا"..
٢١ قوله: "ما يلزمكم من العدل... غفورا لما"سقط في (ج)، وأما في (هـ): "فإلى... قبل نزول الآية دخول الغاية"..
١٣٠ وقوله تعالى :﴿ وإن يتفرقا يغن الله ﴾ الآية :
يريد الزوجين المتقدم ذكرهما، يقول : إن لجا فلم يتصالحا، لكنهما تفرقا، فإن الله تعالى يغني كل واحد منهما عن صاحبه [................ ]١.
١ بياض في المخطوطة.
[................... ] ١ منكرة لذلك، واختلف إن كانت القائمة بالشهادة فمنعها أشهب وأجازها ابن القاسم جملة من غير تفصيل، وإن شهد بطلاق غير أمه لم يجز إذا كانت أمه حية في عصمة أبيه، ويجوز إذا كانت أمه ميتة. واختلف٢ إذا كانت أمه حية مطلقة، فمنعها ابن القاسم وأجازها أصبغ، وهذا كله إذا كانت الأجنبية منكرة. واختلف إذا كانت هي القائمة والأم في عصمة الأب فأجازها أصبغ٣ ومنعها سحنون بعد أن قال : هي جائزة. والكلام في هذه المسائل كالكلام في التي قبلها٤ فمن راعى مفهوم الآية ولم ينظر إلى التهمة أجاز الشهادة فيما ذكرناه، ومن راعى التهمة لم يجزها ولم ير مفهوم الآية متأولا لها.
قوله تعالى :﴿ إن يكن غنيا أو فقيرا ﴾ الآية، أي أن يكون مشهودا عليه، ولو كان أصدق الناس بالشاهد غنيا فلا يراعى غناه ولا يخاف منه، وإن يكن فقيرا فلا يراعى إشفاقا عليه، فإن الله تعالى أولى بالنوعين. وذكر السدي : أن الآية نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه غني وفقير، فكان في ضلع الفقير، علما منه أن الغني أحرى أن يظلم الفقير، فأبى الله تعالى إلا أن يقوم بالقسط بين الغني والفقير، وهذا القول في الآية يدل على أنه لا يجوز أن يكون الحاكم في ضلع الضعيف بأنه ينبهه لحجته ويلقنه ما عيي عنه، والرواية عن أشهب وغيره بإباحة ذلك. وقال الطبري : إن هذه الآية نزلت بسبب نازلة طعمة بن أبيرق وقيام من قام بأمره بغير قسط.
قوله تعالى :﴿ وإن تلووا أو تعرضوا ﴾، قال ابن عباس : هو في الخصمين يجلسان بين يدي القاضي فيعرض القاضي عن أحدهما ويلتوي على الآخر٥. وقيل : هي في الشهود يلوون الشهادة بألسنتهم ويحرفونها فلا يقولون الحق فيها، أو يعرضون عن أداء الحق فيها٦، ولفظ الآية يعم القولين جميعا.
١ بياض في المخطوطة..
٢ قوله: "إذا شهدت أمة حية... واختلف" ساقط في (د)..
٣ في (د): "أشهب"..
٤ في (هـ): "في هذه المسائل كالمسائل التي قبلها"..
٥ في (أ) و(هـ): "يجلسان بين يدي القاضي فيكون لقي القاضي وإعراضه لأحدهما على الآخر"، وفي (د) و(ب) و(ج): "يجلسان بين يدي القاضي وإعراضه لأحدهما على الآخر"..
٦ قوله: "أو يعرضون عن أداء الحق فيها" ساقط في (د)، وفي (أ) سقطت كلمة "أداء"..
١٣٧ قوله تعالى :﴿ إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا ﴾ الآية :
اختلف المتأولون في هذه الآية١، فقيل : نزلت في اليهود٢ والنصارى، آمنت اليهود بموسى عليه السلام والتوراة ثم كفروا، وآمنت النصارى بعيسى عليه السلام والإنجيل ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وكفرهم بموسى وعيسى تبديلهم ما جاء به، ورجح الطبري هذا القول. وقيل : الآية في الطائفة من أهل الكتاب التي قالت٣ :﴿ آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره ﴾ [ آل عمرا : ٧٢ ]. وقيل : الآية في المنافقين، فإن٤ منهم من كان يؤمن ثم يكفر ثم يؤمن ثم يكفر يردد ذلك، فنزلت الآية فيمن ازداد كفرا بأن تم على نفاقه حتى مات.
هي في اليهود والنصارى، آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت بالإنجيل ثم آمنت٥ بعزير ثم كفرت٦ بعيسى، ثم كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم ازدادوا كفرا بموتهم على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقيل : الآية في المؤمن يرتد مرات، وقد اختلف أهل العلم في الذي يرتد مرات. فقيل : تقبل توبته ثلاث مرات ثم يقتل في الرابعة ولا تقبل توبته٧ قال المروزي٨ وإسحاق وجاء نحو ذلك عن عثمان وابن عمر، وتأولوا هذه الآية على ذلك. وقال الشافعي وابن حنبل وابن القاسم : يستتاب أبدا، ولم يتأولوا الآية ذلك التأويل. وقال أبو حنيفة : يوجع ضربا في المرة الثالثة ويحبس حتى تظهر صحة توبته وعلاماتها ؛ فإن قيل : فإذا كانت توبة الكافر مقبولة وإن كفر مرات فما الفائدة في قوله تعالى : فيمن آمن ثم كفر ثم آمن ثم كفر٩ ثم ازداد كفرا لأنه لا يغفر له ؟ فالجواب أن الكافر إذا آمن غفر له كفره، ثم إن كفر بعد ذلك ومات على كفره لم يغفر له الكفر الأول وطولب بالأول والآخر، ولا يجوز أن يكون إذا آمن بعد ذلك لا يغفر له، لأن الله يغفر لكل من آمن بعد كفره، والدليل على ذلك قوله تعالى :﴿ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ﴾ [ الشورى : ٢٥ ].
١ قوله: "في هذه الآية" سقطت في (هـ)..
٢ في غير (هـ): "فقيل الآية في اليهود"..
٣ في (د) و(هـ): "والذين قالوا"..
٤ في (د): "لأن"..
٥ في (هـ): "آمنوا"..
٦ في (هـ): "كفروا"..
٧ قوله: "ثلاث مرات... توبته" سقطت في (هـ)..
٨ في (ب): "المازري"..
٩ قوله: "ثم آمن ثم كفر" ساقط في (هـ)..
١٤٠ قوله تعالى :﴿ وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ﴾ :
استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب اجتناب أهل المعاصي وأهل الأهواء إذا ظهر ذلك منهم.
١٤٨ قوله تعالى :﴿ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ﴾ :
تقرأ هذه الآية : إلا من ظلم – بضم الظاء وفتحها – واختلف على القراءة بالضم في معناها، فقيل : المعنى : لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا من ظلم فلا يكره الجهر. ثم اختلف هؤلاء في الجهر كيف هو وما المباح منه ؟ فقيل : هو الرجل يظلم الرجل فلا يدعو عليه، ولكن ليقل اللهم أعنّي عليه، اللهم استخرج لي حقّي، اللهم حل بيني وبين من يريد ظلمي. وقيل : مباح لمن ظلم أن يدعو على من ظلمه وإن صبر فهو خير له١. وقيل : هو أن يخبر بظلم ظالمه. وقيل : هي في الضيف ينزل بالرجل فلا يقريه فإنه يجهر له بالسوء من القول، وفي هذا نزلت الآية. وقيل : لا بأس لمن ظلم أن ينتظر ممن ظلمه بمثل ظلمه ويجهر له بالسوء من القول. وقيل : المعنى في هذا ﴿ إلا من ظلم ﴾ أي إلا من أكره على أن يجهر بالسوء من القول٢ كفرا ونحوه، فذلك له مباح. والآية في الإكراه، وهو قول قطرب. قال : ويجوز أن يكون " إلا من ظلم " على البدل كأنه قال : لا يحب الله إلا من ظلم٣، يريد أنه يؤجره ولا يحب الظالم، والتقدير على هذا : لا يحب الله ذا٤ الجهر بالسوء. واختلف أيضا على القراءة بفتح الظاء في معنى الآية، فقيل : المعنى " إلا من ظلم " في فعل أو قول، فاجهروا له بالسوء من القول في معنى النهي عن الفعل والتوبيخ والرد عليه. وقيل : المعنى لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول ثم استثنى استثناء منقطعا، فقال : لكن٥ من ظلم فهو يجهر بالسوء وهو ظالم في ذلك. وقد اختلف في وجوب الضيافة فأوجبها الليث بن سعد فرضا ليلة واحدة. وأجاز للعبد المأذون أن يضيف مما في يده٦، وذهب الشافعي وغيره : إلى أنها من مكارم الأخلاق من بادية أو حاضرة. قال مالك : ليس على أهل الحضر ضيافة. قال سحنون : إنما الضيافة على أهل القرى، وأما الحاضرة فالفندق ينزل فيه المساكين. واحتج الليث بقوله تعالى :﴿ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ﴾ لأنها نزلت في منع الضيافة، فأبيح للضيف لوم من لم يحسن ضيافته وذكر قبح٧ فعله.
١ قوله: "وإن صبر فهو خير له" ساقط في (هـ)..
٢ قوله: "وقيل المعنى في هذا... أن يجهر بالسوء من القول" ساقط في (هـ). وأما في (ب) و(ج) و(د): "فبياض"..
٣ قوله: "كأنه قال لا يحب الله إلا من ظلم" ساقط في (هـ)..
٤ "إذا" سقطت في (ج)..
٥ في (د): "إلا"..
٦ في هذه النسخة "أن يضيفهما في يده"..
٧ في (د) و(هـ): "قبيح"..
١٧٦ قوله تعالى :﴿ يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ﴾ الآية :
قد تقدم الكلام عن الكلالة أول السورة بما يغني عن إعادته هنا، وكان أمر الكلالة عند عمر١ مشكلا، ولذلك قال على المنبر &&& ثلاثا&&& : " ثلاث٢ لو بينها النبي صلى الله عليه وسلم لكان أحب إلي من الدنيا وما فيها : الجد والكلالة والخلافة وأبواب من الربا ". ويروى أنه خطب الناس يوم جمعة، فقال : إني والله ما أدع شيئا٣ هو أهم إلي من أمر الكلالة٤. وقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أغلظ في شيء ما أغلظ لي فيها حتى طعن في نحري، وقال : يكفيك آية السيف٥ التي أنزلت في آخر سورة النساء، فإن أعش فأقضي٦ فيها بقضية لا يختلف فيها اثنان ممن يقرأ القرآن، فعلى قول عمر آية السيف هي هذه. وروى أبو سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم : سئل عن الكلالة فقال : " ألم تسمع الآية التي نزلت في السيف " :﴿ وإن كان رجل يورث كلالة ﴾ [ النساء : ١٢ ] إلى آخر الآية، فعلى هذا آية السيف في صدر السورة. وقد قال البراء بن عازب آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ﴾، وقال كثير منهم : هي من آخر ما أنزل.
ونزلت هذه الآية بسبب جابر ابن عبد الله قال : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض، فقلت : يا رسول الله، كيف أقضي في مالي وكان لي تسع أخوات ولم يكن لي والد ولا ولد ؟ فنزلت الآية، ونزلت بالمدينة، وقيل : في سفر كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى :﴿ فإن كانتا اثنتين ﴾ فيه قولان، قال الأخفش : التقدير فإن كان من ترك اثنتين، وجاء الضمير على معنى من. وقال المازني : فائدة الخبر هاهنا أنه لما قال : " كانتا " كان يجوز أن يكون الخبر صغيرتين أو كبيرتين، فلما قال : " اثنتين " اشتمل على الصغير والكبير٧. وقد تقدم كثير من الكلام على فقه هذه الآية فأغنى عن إعادته، والله الموفق للصواب٨.
١ في (د): "عمر رضي الله عنه"..
٢ قوله: "ثلاثا" سقط في (هـ)..
٣ في (ب) و(د): "ما أدع بعدي شيئا" وفي (ج): "ما أدعى بعدي شيئا"..
٤ قوله: "والخلافة وأبواب... من أمر الكلالة" سقط في (هـ)..
٥ في (ج) و(د): "الضيف"..
٦ في (هـ):"فسأقضي"..
٧ في (ج): "وعلى الكبير"..
٨ قوله: "والله الموفق للصواب" ساقط في (أ) و(ب) و(ج) و(د) و(هـ)..