تفسير سورة سورة النساء من كتاب محاسن التأويل
المعروف بـتفسير القاسمي
.
لمؤلفه
جمال الدين القاسمي
.
المتوفي سنة 1332 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النساءروى العوفي عن ابن عباس :" نزلت سورة النساء بالمدينة ". وكذا روى ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت. وقد زعم النحاس أنها مكية. مستندا إلى أن قوله تعالى :( إن الله يأمركم ) الآية١ نزلت بمكة اتفاقا في شأن مفتاح الكعبة. وذلك مستند واه. لأنه لا يلزم من نزول آية أو آيات من سور طويلة، نزل معظمها بالمدينة، أن تكون مكية. خصوصا أن الأرجح أن ما نزل بعد الهجرة مدني. ومن راجع أسباب نزول آياتها عرف الرد عليه. ومما يرد عليه أيضا ما أخرجه البخاري عن عائشة قالت :" ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده ". ودخولها عليه كان بعد الهجرة اتفاقا. وقيل : نزلت عند الهجرة. وآياتها مائة وسبعون وخمس وقيل ست وقيل سبع. كذا في ( الإتقان ). وروى الحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال :" إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها :( إن الله لا يظلم مثقال ذرة ). الآية٢، و ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ). الآية٣، / و ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ٤، ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك ). الآية٥ ". وروى عبد الرزاق عنه أيضا قال :" خمس آيات من النساء لهن أحب إلي من الدنيا جميعا :( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ). وقوله :( وان تك حسنة يضاعفها ). وقوله :( ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ٦. وقوله :( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) ٧ ". وروى ابن جرير عن ابن عباس قال :" ثماني آيات نزلت في سورة النساء، خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت. أولهن :( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم، والله عليم حكيم ) ٨، والثانية :( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ) ٩، والثالثة :( يريد الله أن يخفف عنكم، وخلق الإنسان ضعيفا ) ١٠ " ثم ذكر قول ابن مسعود سواء. يعني في الخمسة الباقية.
لطيفة : إنما سميت سورة النساء، لأن ما نزل منها في أحكامهن أكثر مما نزل في غيرها.
١ |٤/ النساء/ ٥٨| ونصها: ( *ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا٥٨)..
٢ |٤/ النساء/ ٤٠| ونصها: (ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما٤٠)..
٣ |٤/ النساء/ ٣١| ونصها: (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما٣١)..
٤ |٤/ النساء/ ٤٨| ونصها: (ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى اثما عظيما٤٨)..
٥ |٤/ النساء/ ٤٨| ونصها: (ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى اثما عظيما٤٨)..
٦ |٤/ النساء/ ٦٤| ونصها: (وما أرسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما٦٤)..
٧ |٤/ النساء/ ١١٠|..
٨ |٤/ النساء/ ٢٦|..
٩ |٤/ النساء/ ٢٧|..
١٠ |٤/ النساء/ ٢٨|..
٢ |٤/ النساء/ ٤٠| ونصها: (ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما٤٠)..
٣ |٤/ النساء/ ٣١| ونصها: (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما٣١)..
٤ |٤/ النساء/ ٤٨| ونصها: (ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى اثما عظيما٤٨)..
٥ |٤/ النساء/ ٤٨| ونصها: (ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى اثما عظيما٤٨)..
٦ |٤/ النساء/ ٦٤| ونصها: (وما أرسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما٦٤)..
٧ |٤/ النساء/ ١١٠|..
٨ |٤/ النساء/ ٢٦|..
٩ |٤/ النساء/ ٢٧|..
١٠ |٤/ النساء/ ٢٨|..
ﰡ
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ أي اخشوه أن تخالفوه فيما أمركم به أو نهاكم عنه. ثم نبههم على اتصافه بكمال القدرة الباهرة، لتأييد الأمر بالتقوى وتأكيد إيجاب الامتثال به على طريق الترغيب والترهيب، بقوله تعالى: الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ أي فرّعكم من أصل واحد وهو نفس أبيكم آدم. وخلقه تعالى إياهم على هذا النمط البديع مما يدل على القدرة العظيمة. ومن قدر على نحوه كان قادرا على كل شيء. ومنه عقابهم على معاصيهم. فالنظر فيه يؤدي إلى الاتقاء من موجبات نقمته. وكذا جعله تعالى إياهم صنوانا مفرعة من أرومة واحدة من موجبات الاحتراز عن الإخلال بمراعاة ما بينهم من حقوق الأخوة. كما ينبئ عنه ما يأتي من الإرشاد إلى صلة الأرحام، ورعاية حال الأيتام، والعدل في النكاح وغير ذلك.
وقد ثبت في صحيح مسلم «١» من حديث جرير بن عبد الله البجليّ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١)يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ أي اخشوه أن تخالفوه فيما أمركم به أو نهاكم عنه. ثم نبههم على اتصافه بكمال القدرة الباهرة، لتأييد الأمر بالتقوى وتأكيد إيجاب الامتثال به على طريق الترغيب والترهيب، بقوله تعالى: الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ أي فرّعكم من أصل واحد وهو نفس أبيكم آدم. وخلقه تعالى إياهم على هذا النمط البديع مما يدل على القدرة العظيمة. ومن قدر على نحوه كان قادرا على كل شيء. ومنه عقابهم على معاصيهم. فالنظر فيه يؤدي إلى الاتقاء من موجبات نقمته. وكذا جعله تعالى إياهم صنوانا مفرعة من أرومة واحدة من موجبات الاحتراز عن الإخلال بمراعاة ما بينهم من حقوق الأخوة. كما ينبئ عنه ما يأتي من الإرشاد إلى صلة الأرحام، ورعاية حال الأيتام، والعدل في النكاح وغير ذلك.
وقد ثبت في صحيح مسلم «١» من حديث جرير بن عبد الله البجليّ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم
(١)
أخرجه مسلم في: الزكاة، حديث ٦٩ ونصه: عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند رسول الله في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء (أي لابسيها خارقين أوساطها مقوّرين. والنمار جمع نمرة وهي ثياب صوف فيها تنمير) متقلدي السيوف. عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر. فتمعّر (أي تغيّر) وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لما رأى بهم من الفاقة. فدخل ثم خرج. فأمر بلالا فأذّن وأقام. فصلى ثم خطب فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ [النساء: ١] إلى آخر الآية: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. والآية التي في الحشر:
اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحشر: ١٨] تصدق رجل من ديناره. من درهمه. من ثوبه. من صاع بره. من صاع تمره. (حتى قال) ولو بشق تمرة». قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفه تعجز عنها. بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب. حتى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم تهلل كأنه مذهبة (أي فضة مذهبة، فهو أبلغ في
أخرجه مسلم في: الزكاة، حديث ٦٩ ونصه: عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند رسول الله في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء (أي لابسيها خارقين أوساطها مقوّرين. والنمار جمع نمرة وهي ثياب صوف فيها تنمير) متقلدي السيوف. عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر. فتمعّر (أي تغيّر) وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لما رأى بهم من الفاقة. فدخل ثم خرج. فأمر بلالا فأذّن وأقام. فصلى ثم خطب فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ [النساء: ١] إلى آخر الآية: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. والآية التي في الحشر:
اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحشر: ١٨] تصدق رجل من ديناره. من درهمه. من ثوبه. من صاع بره. من صاع تمره. (حتى قال) ولو بشق تمرة». قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفه تعجز عنها. بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب. حتى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم تهلل كأنه مذهبة (أي فضة مذهبة، فهو أبلغ في
5
حين قدم عليه أولئك النفر من مضر، وهم مجتابو النمار (أي من عريهم وفقرهم) قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر فقال في خطبته: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ حتى ختم الآية. ثم قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر: ١٨]. ثم حضهم على الصدقة فقال: تصدق رجل من ديناره. من درهمه. من صاع بره. من صاع تمره.
وذكر تمام الحديث. وهكذا رواه أحمد وأهل السنن عن ابن مسعود في خطبة الحاجة. وفيها: ثم يقرأ ثلاث آيات هذه منها: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الآية. وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها أي من نفسها. يعني من جنسها ليكون بينهما ما يوجب التآلف والتضامّ. فإن الجنسية علة الضم. وقد أوضح هذا بقوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: ٢١]، وَبَثَّ مِنْهُما أي نشر من تلك النفس وزوجها المخلوقة منها، بطريق التوالد والتناسل. رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً أي كثيرة. وترك التصريح بها للاكتفاء بالوصف المذكور وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ تكرير للأمر وتذكير لبعض آخر من موجبات الامتثال به. فإن سؤال بعضهم بعضا بالله تعالى بأن يقولوا: أسألك بالله وأنشدك الله، على سبيل الاستعطاف، يقتضي الاتقاء من مخالفة أوامره ونواهيه. وتعليق الاتقاء بالاسم الجليل لمزيد التأكيد والمبالغة في الحمل على الامتثال بتربية المهابة وإدخال الروعة. ولوقوع التساؤل به لا بغيره من أسمائه تعالى وصفاته. وتَسائَلُونَ أصله تتساءلون. فطرحت إحدى التاءين تخفيفا. وقرئ بإدغام تاء التفاعل في السين لتقاربهما في الهمس. وقرئ تسألون (من الثلاثيّ) أي تسألون به غيركم. وقد فسر به القراءة الأولى والثانية. وحمل صيغة التفاعل على اعتبار الجمع. كما في قولك رأيت الهلال وتراءيناه- أفاده أبو السعود- وقوله تعالى وَالْأَرْحامَ قرأ حمزة بالجر عطفا على الضمير المجرور. والباقون بالنصب عطفا على الاسم الجليل. أي اتقوا الله والأرحام أن تقطعوها. فإن قطيعتها مما يجب أن يتقى. أو عطفا على محل الجار والمجرور. كقولك مررت بزيد وعمرا. وينصره قراءة تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ فإنهم كانوا يقرنونها في السؤال والمناشدة بالله عز وجل.
وذكر تمام الحديث. وهكذا رواه أحمد وأهل السنن عن ابن مسعود في خطبة الحاجة. وفيها: ثم يقرأ ثلاث آيات هذه منها: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الآية. وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها أي من نفسها. يعني من جنسها ليكون بينهما ما يوجب التآلف والتضامّ. فإن الجنسية علة الضم. وقد أوضح هذا بقوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: ٢١]، وَبَثَّ مِنْهُما أي نشر من تلك النفس وزوجها المخلوقة منها، بطريق التوالد والتناسل. رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً أي كثيرة. وترك التصريح بها للاكتفاء بالوصف المذكور وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ تكرير للأمر وتذكير لبعض آخر من موجبات الامتثال به. فإن سؤال بعضهم بعضا بالله تعالى بأن يقولوا: أسألك بالله وأنشدك الله، على سبيل الاستعطاف، يقتضي الاتقاء من مخالفة أوامره ونواهيه. وتعليق الاتقاء بالاسم الجليل لمزيد التأكيد والمبالغة في الحمل على الامتثال بتربية المهابة وإدخال الروعة. ولوقوع التساؤل به لا بغيره من أسمائه تعالى وصفاته. وتَسائَلُونَ أصله تتساءلون. فطرحت إحدى التاءين تخفيفا. وقرئ بإدغام تاء التفاعل في السين لتقاربهما في الهمس. وقرئ تسألون (من الثلاثيّ) أي تسألون به غيركم. وقد فسر به القراءة الأولى والثانية. وحمل صيغة التفاعل على اعتبار الجمع. كما في قولك رأيت الهلال وتراءيناه- أفاده أبو السعود- وقوله تعالى وَالْأَرْحامَ قرأ حمزة بالجر عطفا على الضمير المجرور. والباقون بالنصب عطفا على الاسم الجليل. أي اتقوا الله والأرحام أن تقطعوها. فإن قطيعتها مما يجب أن يتقى. أو عطفا على محل الجار والمجرور. كقولك مررت بزيد وعمرا. وينصره قراءة تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ فإنهم كانوا يقرنونها في السؤال والمناشدة بالله عز وجل.
حسن الوجه وإشراقه). فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».
6
ويقولون: أسألك بالله وبالرحم. ولقد نبه سبحانه وتعالى، حيث قرنها باسمه الجليل، على أن صلتها بمكان منه. كما في قوله تعالى: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [الإسراء: ٢٣]. وقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ [النساء: ٣٦].
وقد روى الشيخان «١» عن عائشة رضي الله عنها عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «الرحم معلقة بالعرش.
تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله».
ورويا «٢» أيضا عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة قاطع»
. قال سفيان في روايته: يعني قاطع رحم.
وروى البخاري «٣» عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها».
ورويا «٤» عن أبي هريرة رضي الله عنه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه
. والأحاديث في الترغيب بصلة الرحم وترهيب من قطيعتها كثيرة.
تنبيه:
دلت الآية على جواز المسألة بالله تعالى. كذا قاله الرازيّ. ووجهه أنه تعالى أقرهم على هذا التساؤل. لكونهم يعتقدون عظمته. ولم ينكره عليهم. نعم من أداه التساؤل باسمه تعالى إلى التساهل في شأنه وجعله عرضة لعدم إجلاله ووسيلة للأبواب الساسانية، فهذا محظور قطعا. وعليه يحمل ما ورد من لعن من سأل بوجه الله، كما سنذكره. وقد ورد في هذا الباب أحاديث وافرة. منها
عن ابن عمر قال «٥» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن أتى عليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى
وقد روى الشيخان «١» عن عائشة رضي الله عنها عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «الرحم معلقة بالعرش.
تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله».
ورويا «٢» أيضا عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة قاطع»
. قال سفيان في روايته: يعني قاطع رحم.
وروى البخاري «٣» عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها».
ورويا «٤» عن أبي هريرة رضي الله عنه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه
. والأحاديث في الترغيب بصلة الرحم وترهيب من قطيعتها كثيرة.
تنبيه:
دلت الآية على جواز المسألة بالله تعالى. كذا قاله الرازيّ. ووجهه أنه تعالى أقرهم على هذا التساؤل. لكونهم يعتقدون عظمته. ولم ينكره عليهم. نعم من أداه التساؤل باسمه تعالى إلى التساهل في شأنه وجعله عرضة لعدم إجلاله ووسيلة للأبواب الساسانية، فهذا محظور قطعا. وعليه يحمل ما ورد من لعن من سأل بوجه الله، كما سنذكره. وقد ورد في هذا الباب أحاديث وافرة. منها
عن ابن عمر قال «٥» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن أتى عليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى
(١) أخرجه مسلم في: البر والصلة والآداب، حديث ١٧.
(٢) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ١١- باب إثم القاطع، حديث ٢٣١١ ومسلم في: البر والصلة والآداب، حديث ١٨ و ١٩.
(٣) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ١٥- باب ليس الواصل بالمكافئ، حديث ٢٣١٦. [.....]
(٤)
أخرجه البخاريّ في: الأدب، ١٢- باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم، حديث ٢٣١٢، هذا نصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه»
. (٥) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢/ ٦٨.
وأبو داود في: الأدب، ١٠٨- باب في الرجل يستعيذ من الرجل، حديث ٥١٠٩.
(٢) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ١١- باب إثم القاطع، حديث ٢٣١١ ومسلم في: البر والصلة والآداب، حديث ١٨ و ١٩.
(٣) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ١٥- باب ليس الواصل بالمكافئ، حديث ٢٣١٦. [.....]
(٤)
أخرجه البخاريّ في: الأدب، ١٢- باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم، حديث ٢٣١٢، هذا نصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه»
. (٥) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢/ ٦٨.
وأبو داود في: الأدب، ١٠٨- باب في الرجل يستعيذ من الرجل، حديث ٥١٠٩.
7
تعلموا أن قد كافأتموه»، رواه الإمام أحمد وأبو داود «١» والنسائي وابن حبان والحاكم.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس مرفوعا: «من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم بوجه الله فأعطوه».
وعن ابن عمر مرفوعا: «من سئل بالله فأعطى كتب له سبعون حسنة». رواه البيهقيّ بإسناد ضعيف.
وفي البخاري «٢» عن البراء بن عازب: «أمرنا رسول الله ﷺ بسبع». وذكر منها: وإبرار القسم.
وروى أبو داود «٣» والضياء في (المختارة) بإسناد صحيح عن جابر مرفوعا: لا يسأل بوجه الله تعالى إلا الجنة.
وروى الطبرانيّ عن أبي موسى الأشعريّ مرفوعا: ملعون من سأل بوجه الله. وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا.
قال السيوطيّ: إسناده حسن. وقال الحافظ المنذريّ: رجاله رجال الصحيح إلا شيخه (يعني الطبرانيّ) يحيى بن عثمان بن صالح. وهو ثقة وفيه كلام. وهجرا (بضم الهاء وسكون الجيم) أي ما لم يسأل أمرا قبيحا لا يليق. ويحتمل أنه أراد ما لم يسأل سؤالا قبيحا بكلام قبيح. انتهى.
وعن أبي عبيدة، مولى رفاعة، عن رافع أن رسول الله ﷺ قال: «ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله فمنع سائله».
رواه الطبراني.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما «٤» أن رسول الله ﷺ قال: ألا أخبركم بشر الناس؟ رجل يسأل بوجه الله ولا يعطي. رواه الترمذيّ.
وقال: حسن غريب.
والنسائيّ وابن حبان في صحيحه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ قال: «ألا أخبركم بشر البرية؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الذي يسأل بالله ولا يعطي
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً أي مراقبا لجميع أحوالكم وأعمالكم. يراها ويعلمها فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. كما قال: والله على كل شيء شهيد.
وفي الحديث «٥» : اعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس مرفوعا: «من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم بوجه الله فأعطوه».
وعن ابن عمر مرفوعا: «من سئل بالله فأعطى كتب له سبعون حسنة». رواه البيهقيّ بإسناد ضعيف.
وفي البخاري «٢» عن البراء بن عازب: «أمرنا رسول الله ﷺ بسبع». وذكر منها: وإبرار القسم.
وروى أبو داود «٣» والضياء في (المختارة) بإسناد صحيح عن جابر مرفوعا: لا يسأل بوجه الله تعالى إلا الجنة.
وروى الطبرانيّ عن أبي موسى الأشعريّ مرفوعا: ملعون من سأل بوجه الله. وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا.
قال السيوطيّ: إسناده حسن. وقال الحافظ المنذريّ: رجاله رجال الصحيح إلا شيخه (يعني الطبرانيّ) يحيى بن عثمان بن صالح. وهو ثقة وفيه كلام. وهجرا (بضم الهاء وسكون الجيم) أي ما لم يسأل أمرا قبيحا لا يليق. ويحتمل أنه أراد ما لم يسأل سؤالا قبيحا بكلام قبيح. انتهى.
وعن أبي عبيدة، مولى رفاعة، عن رافع أن رسول الله ﷺ قال: «ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله فمنع سائله».
رواه الطبراني.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما «٤» أن رسول الله ﷺ قال: ألا أخبركم بشر الناس؟ رجل يسأل بوجه الله ولا يعطي. رواه الترمذيّ.
وقال: حسن غريب.
والنسائيّ وابن حبان في صحيحه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ قال: «ألا أخبركم بشر البرية؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الذي يسأل بالله ولا يعطي
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً أي مراقبا لجميع أحوالكم وأعمالكم. يراها ويعلمها فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. كما قال: والله على كل شيء شهيد.
وفي الحديث «٥» : اعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
(١) أخرجه أبو داود في: الأدب، ١٠٨- باب في الرجل يستعيذ من الرجل، حديث ٥١٠٨.
(٢)
أخرجه البخاريّ في: الجنائز، ٢- باب الأمر باتباع الجنائز، حديث ٦٦٢. وهذا نصه: عن البراء رضي الله عنه قال: أمرنا النبيّ ﷺ بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا باتباع الجنائز وعيادة المريض وإجابة الداعي ونصر المظلوم وإبرار القسم ورد السلام وتشميت العاطس. ونهانا عن آنية الفضة وخاتم الذهب والحرير والديباج والقسّي والإستبرق
. (٣) أخرجه أبو داود في: الزكاة، ٣٧- باب كراهية المسألة بوجه الله، حديث ١٦٧١.
(٤) أخرجه الترمذيّ في: فضائل الجهاد، ١٨- باب ما جاء أي الناس خير.
(٥)
أخرجه البخاريّ في: الإيمان، ٣٧- باب سؤال جبريل النبيّ ﷺ عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، حديث ٤٦ ونصه: عن أبي هريرة قال: كان النبيّ ﷺ بارزا يوما للناس. فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: «الإيمان، أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث» قال:
(٢)
أخرجه البخاريّ في: الجنائز، ٢- باب الأمر باتباع الجنائز، حديث ٦٦٢. وهذا نصه: عن البراء رضي الله عنه قال: أمرنا النبيّ ﷺ بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا باتباع الجنائز وعيادة المريض وإجابة الداعي ونصر المظلوم وإبرار القسم ورد السلام وتشميت العاطس. ونهانا عن آنية الفضة وخاتم الذهب والحرير والديباج والقسّي والإستبرق
. (٣) أخرجه أبو داود في: الزكاة، ٣٧- باب كراهية المسألة بوجه الله، حديث ١٦٧١.
(٤) أخرجه الترمذيّ في: فضائل الجهاد، ١٨- باب ما جاء أي الناس خير.
(٥)
أخرجه البخاريّ في: الإيمان، ٣٧- باب سؤال جبريل النبيّ ﷺ عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، حديث ٤٦ ونصه: عن أبي هريرة قال: كان النبيّ ﷺ بارزا يوما للناس. فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: «الإيمان، أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث» قال:
8
وهذا إرشاد وأمر بمراقبته تعالى. فعلى المرء أن يراقب أحوال نفسه ويأخذ حذره من أن ينتهز الشيطان منه فرصة فيهلك على غفلة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢]
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢)
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ شروع في تفصيل موارد الاتقاء ومظانه بتكليف ما يقابلها أمرا ونهيا. وتقديم ما يتعلق باليتامى لإظهار كمال العناية بأمرهم ولملابستهم بالأرحام. إذ الخطاب للأولياء والأوصياء وقلما تفوض الوصاية إلى الأجانب. واليتيم من مات أبوه. من اليتم، وهو الانفراد. ومنه الدرة اليتيمة. والقياس الاشتقاقيّ يقتضي وقوعه على الصغار والكبار. وقد خصه الشرع بمن لم يبلغ الحلم.
كما
روى أبو داود «١» بإسناد حسن عن عليّ عليه السّلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتم بعد احتلام.
وفي الآية وجوه: الأول- أن يراد باليتامى الكبار الذين أونس منهم الرشد مجازا. باعتبار ما كان، أوثر لقرب العهد بالصغر. والإشارة إلى وجوب المسارعة إلى دفع أموالهم إليهم حينئذ. حتى كأنّ اسم اليتيم باق بعد، غير زائل.
الثاني- أن يراد بهم الكبار حقيقة، واردة على أصل اللغة. الثالث- أن يراد بهم الصغار. وب (الإيتاء) ما يدفعه الأولياء والأوصياء إليهم من النفقة والكسوة. لا دفعها إليهم. وفيه بعد. الرابع- أن يراد بهم ما ذكر. وب (إيتائهم) الأموال، أن لا يطمع فيها الأولياء والأوصياء ولاة السوء وقضاته ويكفّوا عنها أيديهم الخاطفة حتى تؤتى اليتامى إذا بلغوا سالمة غير محذوفة. فالتجوّز في الإيتاء حينئذ باستعماله في لازم معناه وهو تركها سالمة لأنها لا تؤتى إلا إذا كانت كذلك. قال الناصر في (الانتصاف) : هذا الوجه قويّ بقوله بعد آيات: وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢]
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢)
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ شروع في تفصيل موارد الاتقاء ومظانه بتكليف ما يقابلها أمرا ونهيا. وتقديم ما يتعلق باليتامى لإظهار كمال العناية بأمرهم ولملابستهم بالأرحام. إذ الخطاب للأولياء والأوصياء وقلما تفوض الوصاية إلى الأجانب. واليتيم من مات أبوه. من اليتم، وهو الانفراد. ومنه الدرة اليتيمة. والقياس الاشتقاقيّ يقتضي وقوعه على الصغار والكبار. وقد خصه الشرع بمن لم يبلغ الحلم.
كما
روى أبو داود «١» بإسناد حسن عن عليّ عليه السّلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتم بعد احتلام.
وفي الآية وجوه: الأول- أن يراد باليتامى الكبار الذين أونس منهم الرشد مجازا. باعتبار ما كان، أوثر لقرب العهد بالصغر. والإشارة إلى وجوب المسارعة إلى دفع أموالهم إليهم حينئذ. حتى كأنّ اسم اليتيم باق بعد، غير زائل.
الثاني- أن يراد بهم الكبار حقيقة، واردة على أصل اللغة. الثالث- أن يراد بهم الصغار. وب (الإيتاء) ما يدفعه الأولياء والأوصياء إليهم من النفقة والكسوة. لا دفعها إليهم. وفيه بعد. الرابع- أن يراد بهم ما ذكر. وب (إيتائهم) الأموال، أن لا يطمع فيها الأولياء والأوصياء ولاة السوء وقضاته ويكفّوا عنها أيديهم الخاطفة حتى تؤتى اليتامى إذا بلغوا سالمة غير محذوفة. فالتجوّز في الإيتاء حينئذ باستعماله في لازم معناه وهو تركها سالمة لأنها لا تؤتى إلا إذا كانت كذلك. قال الناصر في (الانتصاف) : هذا الوجه قويّ بقوله بعد آيات: وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا
ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان» قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» قال: متى الساعة؟ قال: «ما المسؤول عنها أعلم من السائل. وسأخبرك عن أشراطها: إذ ولدت الأمة ربّتها. وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان. في خمس لا يعلمهن إلا الله». ثم تلا النبيّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ.. الآية [لقمان: ٣٤]. ثم أدبر. فقال: «ردوه» فلم يروا شيئا.
فقال: «هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم»
. (١) أخرجه أبو داود في: الوصايا، ٩- باب متى ينقطع اليتيم، حديث ٢٨٧٣.
فقال: «هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم»
. (١) أخرجه أبو داود في: الوصايا، ٩- باب متى ينقطع اليتيم، حديث ٢٨٧٣.
9
النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ [النساء: ٦]، دل على أن الآية الأولى في الحض على حفظها لهم ليؤتوها عند بلوغهم ورشدهم. والثانية في الحض على الإيتاء الحقيقيّ عند حصول البلوغ والرشد. ويقويه أيضا قوله عقيب الأولى:
وَلا تَتَبَدَّلُوا إلخ.. فهذا كله تأديب للوصيّ ما دام المال بيده واليتيم في حجره.
وأما على الوجه الأول فيكون مؤدى الآيتين واحدا وهو الأمر بالإيتاء حقيقة. ويخلص عن التكرار بأن الأولى كالمجملة، والثانية كالمبيّنة لشرط الإيتاء: من البلوغ وإيناس الرشد. والله أعلم. وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ أي ولا تستبدلوا الحرام وهو مال اليتامى بالحلال وهو ما لكم، وما أبيح لكم من المكاسب ورزق الله المبثوث في الأرض فتأكلوه مكانه وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ نهى عن منكر آخر كانوا يتعاطونه. أي لا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم مخلوطة بها للتوسعة إِنَّهُ أي الأكل كانَ حُوباً أي ذنبا عظيما. وقرئ بفتح الحاء. وقوله تعالى: كَبِيراً مبالغة في بيان عظم ذنب الأكل المذكور. كأنه قيل من كبار الذنوب.
تنبيه:
خص من ذلك مقدار أجر الملل عند كون الوليّ فقيرا لقوله تعالى: وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ كذا قاله البيضاويّ وتابعه أبو السعود. وعندي أنه لا حاجة إلى تخصيص هذا النهي بالفقير في هذه الآية لأنها في الغنيّ، لقوله: إِلى أَمْوالِكُمْ. فلا يشمل مساقها الفقير. وسنوضح ذلك.
لطيفة:
قال الزمخشريّ: فإن قلت قد حرم عليهم أكل مال اليتامى وحده ومع أموالهم.
فلم ورد النهي عن أكله معها؟ قلت: لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله من مال حلال وهم على ذلك يطمعون فيها، كان القبح أبلغ والذم أحق.
ولأنهم كانوا يفعلون كذلك. فنعى عليهم فعلهم وسمّع بهم ليكون أزجر لهم.
انتهى.
قال الناصر في (الانتصاف) أهل البيان يقولون: المنهي متى كان درجات فطريق البلاغة النهي عن أدناها تنبيها على الأعلى. كقوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ [الإسراء: ٢٣]. وإذا اعتبرت هذا القانون بهذه الآية وجدته ببادئ الرأي مخالفا لها إذ أعلى درجات أكل مال اليتيم في النهي أن يأكله وهو غنيّ عنه. وأدناها أن يأكله وهو
وَلا تَتَبَدَّلُوا إلخ.. فهذا كله تأديب للوصيّ ما دام المال بيده واليتيم في حجره.
وأما على الوجه الأول فيكون مؤدى الآيتين واحدا وهو الأمر بالإيتاء حقيقة. ويخلص عن التكرار بأن الأولى كالمجملة، والثانية كالمبيّنة لشرط الإيتاء: من البلوغ وإيناس الرشد. والله أعلم. وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ أي ولا تستبدلوا الحرام وهو مال اليتامى بالحلال وهو ما لكم، وما أبيح لكم من المكاسب ورزق الله المبثوث في الأرض فتأكلوه مكانه وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ نهى عن منكر آخر كانوا يتعاطونه. أي لا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم مخلوطة بها للتوسعة إِنَّهُ أي الأكل كانَ حُوباً أي ذنبا عظيما. وقرئ بفتح الحاء. وقوله تعالى: كَبِيراً مبالغة في بيان عظم ذنب الأكل المذكور. كأنه قيل من كبار الذنوب.
تنبيه:
خص من ذلك مقدار أجر الملل عند كون الوليّ فقيرا لقوله تعالى: وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ كذا قاله البيضاويّ وتابعه أبو السعود. وعندي أنه لا حاجة إلى تخصيص هذا النهي بالفقير في هذه الآية لأنها في الغنيّ، لقوله: إِلى أَمْوالِكُمْ. فلا يشمل مساقها الفقير. وسنوضح ذلك.
لطيفة:
قال الزمخشريّ: فإن قلت قد حرم عليهم أكل مال اليتامى وحده ومع أموالهم.
فلم ورد النهي عن أكله معها؟ قلت: لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله من مال حلال وهم على ذلك يطمعون فيها، كان القبح أبلغ والذم أحق.
ولأنهم كانوا يفعلون كذلك. فنعى عليهم فعلهم وسمّع بهم ليكون أزجر لهم.
انتهى.
قال الناصر في (الانتصاف) أهل البيان يقولون: المنهي متى كان درجات فطريق البلاغة النهي عن أدناها تنبيها على الأعلى. كقوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ [الإسراء: ٢٣]. وإذا اعتبرت هذا القانون بهذه الآية وجدته ببادئ الرأي مخالفا لها إذ أعلى درجات أكل مال اليتيم في النهي أن يأكله وهو غنيّ عنه. وأدناها أن يأكله وهو
10
فقير إليه. فكان مقتضى القانون المذكور أن ينهى عن أكل مال اليتيم من هو فقير إليه حتى يلزم نهي الغنيّ عنه من طريق الأولى. وحينئذ فلا بد من تمهيد أمر يوضح فائدة تخصيص الصورة العليا بالنهي في هذه الآية. فنقول: أبلغ الكلام ما تعددت وجوه إفادته. ولا شك أن النهي عن الأدنى، وإن أفاد النهي عن الأعلى، إلا أن للنهي عن الأعلى أيضا فائدة أخرى جليلة، لا تؤخذ من النهي عن الأدنى. وذلك أن المنهيّ كلما كان أقبح كانت النفس عنه أنفر والداعية إليه أبعد. ولا شك أن المستقر في النفوس أن أكل مال اليتيم مع الغنى عنه أقبح صور الأكل. فخصص بالنهي تشنيعا على من يقع فيه. حتى إذا استحكم نفوره من أكل ماله على هذه الصورة الشنعاء دعاه ذلك إلى الإحجام عن أكل ماله مطلقا. ففيه تدريب للمخاطب على النفور من المحارم. ولا تكاد هذه الفائدة تحصل لو خصص النهي بأكله مع الفقر، إذ ليست الطباع في هذه الصورة معينة على الاجتناب، كإعانتها عليه في الصورة الأولى.
ويحقق مراعاة هذا المعنى تخصيصه الأكل. مع أن تناول مال اليتيم، على أي وجه كان، منهيّ عنه. كان ذلك بالادخار أو بالتباس أو ببذله في لذة النكاح مثلا، أو غير ذلك. إلا أن حكمة تخصيص النهي بالأكل أن العرب كانت تتذمم بالإكثار من الأكل. وتعدّ البطنة من البهيمية. وتعيب على من اتخذها ديدنه، ولا كذلك سائر الملاذ. فإنهم ربما يتفاخرون بالإكثار من النكاح ويعدونه من زينة الدنيا. فلما كان الأكل عندهم أقبح الملاذ خص النهي به. حتى إذا نفرت النفس منه بمقتضى طبعها المألوف جرها ذلك إلى النفور من صرف مال اليتيم في سائر الملاذ أو غيرها، أكلا أو غيره. ومثل هذه الآية في تخصيص النهي بما هو أعلى قوله تعالى: لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً [آل عمران: ١٣٠]. فخص هذه الصورة لأن الطبع عن الانتهاء عنها أعون. ويقابل هذا النظر في النهي نظر آخر في الأمر. وهو أنه تارة يخص صورة الأمر الأدنى تنبيها على الأعلى. وتارة يخص صورة الأعلى لمثل الفائدة المذكورة من التدريب. ألا ترى إلى قوله تعالى بعد آيات من هذه السورة: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ الآية [النساء: ٨]، كيف خص صورة حضورهم وإن كانت العليا بالنسبة إلى غيبتهم. وذلك أن الله تعالى علم شح الأنفس على الأموال. فلو أمر بإسعاف الأقارب واليتامى من المال الموروث ولم يذكر حالة حضورهم القسمة، لم تكن الأنفس بالمنبعثة إلى هذا المعروف كانبعاثها مع حضورهم. بخلاف ما إذا حضروا. فإن النفس يرقّ طبعها وتنفر من أن تأخذ المال الجزل وذو الرحم حاضر محروم، ولا يسعف ولا يساعد. فإذا أمرت في هذه الحالة
ويحقق مراعاة هذا المعنى تخصيصه الأكل. مع أن تناول مال اليتيم، على أي وجه كان، منهيّ عنه. كان ذلك بالادخار أو بالتباس أو ببذله في لذة النكاح مثلا، أو غير ذلك. إلا أن حكمة تخصيص النهي بالأكل أن العرب كانت تتذمم بالإكثار من الأكل. وتعدّ البطنة من البهيمية. وتعيب على من اتخذها ديدنه، ولا كذلك سائر الملاذ. فإنهم ربما يتفاخرون بالإكثار من النكاح ويعدونه من زينة الدنيا. فلما كان الأكل عندهم أقبح الملاذ خص النهي به. حتى إذا نفرت النفس منه بمقتضى طبعها المألوف جرها ذلك إلى النفور من صرف مال اليتيم في سائر الملاذ أو غيرها، أكلا أو غيره. ومثل هذه الآية في تخصيص النهي بما هو أعلى قوله تعالى: لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً [آل عمران: ١٣٠]. فخص هذه الصورة لأن الطبع عن الانتهاء عنها أعون. ويقابل هذا النظر في النهي نظر آخر في الأمر. وهو أنه تارة يخص صورة الأمر الأدنى تنبيها على الأعلى. وتارة يخص صورة الأعلى لمثل الفائدة المذكورة من التدريب. ألا ترى إلى قوله تعالى بعد آيات من هذه السورة: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ الآية [النساء: ٨]، كيف خص صورة حضورهم وإن كانت العليا بالنسبة إلى غيبتهم. وذلك أن الله تعالى علم شح الأنفس على الأموال. فلو أمر بإسعاف الأقارب واليتامى من المال الموروث ولم يذكر حالة حضورهم القسمة، لم تكن الأنفس بالمنبعثة إلى هذا المعروف كانبعاثها مع حضورهم. بخلاف ما إذا حضروا. فإن النفس يرقّ طبعها وتنفر من أن تأخذ المال الجزل وذو الرحم حاضر محروم، ولا يسعف ولا يساعد. فإذا أمرت في هذه الحالة
11
بالإسعاف هان عليها امتثال الأمر وائتلافها على امتثال الطبع. ثم تدربت بذلك على إسعاف ذي الرحم مطلقا حضر أو غاب. فمراعاة هذا وأمثاله من الفوائد لا يكاد يلقى إلا في الكتاب العزيز. ولا يعثر عليه إلا الحاذق الفطن المؤيد بالتوفيق. نسأل الله أن يسلك بنا في هذا النمط. فخذ هذا القانون عمدة. وهو: أن النهي، إن خص الأدنى فلفائدة التنبيه على الأعلى. وإن خص الأعلى، فلفائدة التدريب على الانكفاف عن القبح مطلقا من الانكفاف عن الأقبح. ومثل هذا، النظر في جانب الأمر. والله الموفق. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣]
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣)
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا أي أن لا تعدلوا فِي الْيَتامى أي يتامى النساء. قال الزمخشريّ: ويقال للإناث اليتامى كما يقال للذكور، وهو جمع يتيمة، على القلب.
كما قيل أيامى والأصل أيائم ويتائم فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ أي من طبن لنفوسكم من جهة الجمال والحسن أو العقل أو الصلاح منهن مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ومعنى الآية: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن إذا نكحتموهن، بإساءة العشرة أو بنقص الصداق، فانكحوا غيرهن من الغريبات فإنهن كثير ولم يضيق الله عليكم. فالآية للتحذير من التورط في الجور والأمر بالاحتياط. وإنّ في غيرهن متسعا إلى الأربع. وروى البخاري «١» عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق (أي نخلة) وكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء. فنزلت فيه: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى. أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله. ورواه مسلم وأبو داود والنسائيّ. وفي رواية لهم عن عائشة «٢» هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣]
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣)
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا أي أن لا تعدلوا فِي الْيَتامى أي يتامى النساء. قال الزمخشريّ: ويقال للإناث اليتامى كما يقال للذكور، وهو جمع يتيمة، على القلب.
كما قيل أيامى والأصل أيائم ويتائم فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ أي من طبن لنفوسكم من جهة الجمال والحسن أو العقل أو الصلاح منهن مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ومعنى الآية: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن إذا نكحتموهن، بإساءة العشرة أو بنقص الصداق، فانكحوا غيرهن من الغريبات فإنهن كثير ولم يضيق الله عليكم. فالآية للتحذير من التورط في الجور والأمر بالاحتياط. وإنّ في غيرهن متسعا إلى الأربع. وروى البخاري «١» عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق (أي نخلة) وكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء. فنزلت فيه: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى. أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله. ورواه مسلم وأبو داود والنسائيّ. وفي رواية لهم عن عائشة «٢» هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه
(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١- باب قوله: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى، حديث ١٢٣٤.
(٢) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١- باب قوله: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى، حديث ١٢٣٤.
(٢) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١- باب قوله: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى، حديث ١٢٣٤.
12
مالها وجمالها. فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره. فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سنّتهن في الصداق. فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.
قال عروة: قالت عائشة: وإن الناس استفتوا رسول الله ﷺ بعد هذه الآية فأنزل الله: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ [النساء: ١٢٧]
. قالت عائشة: وقول الله تعالى في آية أخرى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ [النساء: ١٢٧]، رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال. قالت: فنهوا أن ينكحوا عن من رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن، إذا كن قليلات المال والجمال.
وفي رواية «١» في قوله تعالى: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ... إلى آخر الآية.
قالت عائشة رضي الله عنها: هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره فيدخل عليه في ماله فيحبسها.
فنهاهم الله عن ذلك. زاد أبو داود «٢» رحمه الله تعالى: وقال ربيعة في قوله تعالى:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى. قال يقول: اتركوهنّ إن خفتم فقد أحللت لكم أربعا.
لطائف:
الأول: (ما) في قوله تعالى: ما طاب لكم، موصولة. وجاء ب (ما) مكان (من) لأنهما قد يتعاقبان. فيقع كل واحد منهما مكان الآخر. كما في قوله تعالى:
وَالسَّماءِ وَما بَناها [الشمس: ٥]، وقوله: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ [الكافرون: ٥].
فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ [النور: ٤٥]. قال بعضهم: وحسن وقوعها هنا أنها واقعة على النساء، وهن ناقصات العقول.
الثانية: في إيثار الأمر بنكاحهن على النهي عن نكاح اليتامى، مع أنه المقصود بالذات، مزيد لطف في استنزالهم عن ذلك. فإن النفس مجبولة على الحرص على ما منعت منه. كما أن وصف النساء بالطيب على الوجه الذي أشير إليه، فيه مبالغة في الاستمالة إليهن والترغيب فيهن. وكل ذلك للاعتناء بصرفهم عن نكاح اليتامى- أفاده أبو السعود-.
قال عروة: قالت عائشة: وإن الناس استفتوا رسول الله ﷺ بعد هذه الآية فأنزل الله: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ [النساء: ١٢٧]
. قالت عائشة: وقول الله تعالى في آية أخرى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ [النساء: ١٢٧]، رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال. قالت: فنهوا أن ينكحوا عن من رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن، إذا كن قليلات المال والجمال.
وفي رواية «١» في قوله تعالى: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ... إلى آخر الآية.
قالت عائشة رضي الله عنها: هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره فيدخل عليه في ماله فيحبسها.
فنهاهم الله عن ذلك. زاد أبو داود «٢» رحمه الله تعالى: وقال ربيعة في قوله تعالى:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى. قال يقول: اتركوهنّ إن خفتم فقد أحللت لكم أربعا.
لطائف:
الأول: (ما) في قوله تعالى: ما طاب لكم، موصولة. وجاء ب (ما) مكان (من) لأنهما قد يتعاقبان. فيقع كل واحد منهما مكان الآخر. كما في قوله تعالى:
وَالسَّماءِ وَما بَناها [الشمس: ٥]، وقوله: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ [الكافرون: ٥].
فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ [النور: ٤٥]. قال بعضهم: وحسن وقوعها هنا أنها واقعة على النساء، وهن ناقصات العقول.
الثانية: في إيثار الأمر بنكاحهن على النهي عن نكاح اليتامى، مع أنه المقصود بالذات، مزيد لطف في استنزالهم عن ذلك. فإن النفس مجبولة على الحرص على ما منعت منه. كما أن وصف النساء بالطيب على الوجه الذي أشير إليه، فيه مبالغة في الاستمالة إليهن والترغيب فيهن. وكل ذلك للاعتناء بصرفهم عن نكاح اليتامى- أفاده أبو السعود-.
(١) أخرجه البخاريّ في: النكاح، ٣٧- باب إذا كان الوليّ هو الخاطب، حديث ١٢٣٤.
(٢) أخرجه أبو داود في: النكاح، ١٢- باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، حديث ٢٠٦٥.
(٢) أخرجه أبو داود في: النكاح، ١٢- باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، حديث ٢٠٦٥.
13
الثالثة: اتفق أهل العلم على أن هذا الشرط المذكور في الآية لا مفهوم له. وأنه يجوز لمن لم يخف أن يقسط في اليتامى أن ينكح أكثر من واحدة.
الرابعة: مثنى وثلاث ورباع معدولة عن أعداد مكررة. ومحلهن النصب على أنها حال من فاعل (طاب) مؤكدة لما أفاده وصف الطيب من الترغيب فيهن، والاستمالة إليهن، بتوسيع دائرة الإذن. أي فانكحوا الطيبات لكم، معدودات هذا العدد. ثنتين ثنتين. وثلاثا ثلاثا. وأربعا أربعا. حسبما تريدون. فإن قلت: الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع؟ قلت: الخطاب للجميع. فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له. كما تقول للجماعة: اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم، درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة. ولو أفردت لم يكن له معنى. فإن قلت: فلم جاء العطف بالواو دون (أو). قلت: كما جاء بالواو في المثال الذي حذوته لك. ولو ذهبت تقول: اقتسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة، أعلمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة. وليس لهم أن يجمعوا بينها. فيجعلوا بعض القسم على تثنية وبعضه على تثليث وبعضه على تربيع. وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذي دلت عليه الواو. وتحريره أن الواو. دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع إن شاءوا مختلفين في تلك الأعداد، وإن شاءوا متفقين فيها، محظورا عليهم ما وراء ذلك. أفاده الزمخشري.
بحث جليل:
قال الرازيّ: ذهب قوم سدّى (كحتى. موضع قرب زبيد باليمن اه قاموس) إلى أنه يجوز التزوج بأي عدد أريد. واحتجوا بالقرآن والخبر. أما القرآن فقد تمسكوا بهذه الآية من ثلاثة أوجه: الأول- أن قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ، إطلاق في جميع الأعداد. بدليل أنه لا عدد إلا ويصح استثناؤه منه. وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لكان داخلا. والثاني- أن قوله: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ، لا يصلح تخصيصا لذلك العموم، لأن تخصيص بعض الأعداد بالذكر لا ينفي ثبوت الحكم في الباقي. بل نقول: إن ذكر هذه الأعداد يدل على رفع الحرج والحجر مطلقا. فإن الإنسان إذا قال لولده: افعل ما شئت. اذهب إلى السوق وإلى المدينة وإلى البستان، كان تنصيصا في تفويض زمام الخيرة إليه مطلقا. ورفع الحجر والحرج
الرابعة: مثنى وثلاث ورباع معدولة عن أعداد مكررة. ومحلهن النصب على أنها حال من فاعل (طاب) مؤكدة لما أفاده وصف الطيب من الترغيب فيهن، والاستمالة إليهن، بتوسيع دائرة الإذن. أي فانكحوا الطيبات لكم، معدودات هذا العدد. ثنتين ثنتين. وثلاثا ثلاثا. وأربعا أربعا. حسبما تريدون. فإن قلت: الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع؟ قلت: الخطاب للجميع. فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له. كما تقول للجماعة: اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم، درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة. ولو أفردت لم يكن له معنى. فإن قلت: فلم جاء العطف بالواو دون (أو). قلت: كما جاء بالواو في المثال الذي حذوته لك. ولو ذهبت تقول: اقتسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة، أعلمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة. وليس لهم أن يجمعوا بينها. فيجعلوا بعض القسم على تثنية وبعضه على تثليث وبعضه على تربيع. وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذي دلت عليه الواو. وتحريره أن الواو. دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع إن شاءوا مختلفين في تلك الأعداد، وإن شاءوا متفقين فيها، محظورا عليهم ما وراء ذلك. أفاده الزمخشري.
بحث جليل:
قال الرازيّ: ذهب قوم سدّى (كحتى. موضع قرب زبيد باليمن اه قاموس) إلى أنه يجوز التزوج بأي عدد أريد. واحتجوا بالقرآن والخبر. أما القرآن فقد تمسكوا بهذه الآية من ثلاثة أوجه: الأول- أن قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ، إطلاق في جميع الأعداد. بدليل أنه لا عدد إلا ويصح استثناؤه منه. وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لكان داخلا. والثاني- أن قوله: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ، لا يصلح تخصيصا لذلك العموم، لأن تخصيص بعض الأعداد بالذكر لا ينفي ثبوت الحكم في الباقي. بل نقول: إن ذكر هذه الأعداد يدل على رفع الحرج والحجر مطلقا. فإن الإنسان إذا قال لولده: افعل ما شئت. اذهب إلى السوق وإلى المدينة وإلى البستان، كان تنصيصا في تفويض زمام الخيرة إليه مطلقا. ورفع الحجر والحرج
14
عنه مطلقا. ولا يكون ذلك تخصيصا للإذن بتلك الأشياء المذكورة. بل كان ذلك إذنا في المذكور وغيره. فكذا هنا. وأيضا، فذكر جميع الأعداد متعذر. فإذا ذكر بعض الأعداد بعد قوله: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ، كان ذلك تنبيها على حصول الإذن في جميع الأعداد. الثالث- أن الواو للجمع المطلق. فقوله: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ، يفيد حل هذا المجموع. وهو يفيد تسعة. بل الحق أنه يفيد ثمانية عشر. لأن قوله: مثنى ليس عبارة عن اثنين فقط، بل عن اثنين اثنين. وكذلك القول في البقية.
وأما الخبر فمن وجهين: الأول- أنه ثبت بالتواتر أنه ﷺ مات عن تسع. ثم إن الله تعالى أمرنا باتباعه فقال: فاتّبعوه، وأقل مراتب الأمر الإباحة. الثاني- أن سنة الرجل طريقته. وكان التزوج بالأكثر من الأربع طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام.
فكان ذلك سنة له. ثم إنه
عليه السلام قال «١» : فمن رغب عن سنتي فليس مني.
فظاهر هذا الحديث يقتضي توجه اللوم على من ترك التزوج بأكثر من الأربعة. فلا أقل من أن يثبت أصل الجواز.
واعلم أن معتمد الفقهاء في إثبات الحصر على أمرين: الأول- الخبر. وهو ما
روي أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أمسك أربعا وفارق باقيهن.
وروي أن نوفل بن معاوية أسلم وتحته خمس نسوة، فقال عليه الصلاة والسلام: أمسك أربعا وفارق واحدة.
واعلم أن هذا الطريق ضعيف لوجهين: الأول- أن القرآن لما دل على عدم الحصر بهذا الخبر كان ذلك نسخا للقرآن بخبر الواحد وأنه غير جائز. والثاني- وهو أن الخبر واقعة حال. فلعله عليه الصلاة والسلام إنما أمره بإمساك أربع ومفارقة البواقي لأن الجمع بين الأربعة وبين البواقي غير جائز، إما بسبب النسب أو بسبب
وأما الخبر فمن وجهين: الأول- أنه ثبت بالتواتر أنه ﷺ مات عن تسع. ثم إن الله تعالى أمرنا باتباعه فقال: فاتّبعوه، وأقل مراتب الأمر الإباحة. الثاني- أن سنة الرجل طريقته. وكان التزوج بالأكثر من الأربع طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام.
فكان ذلك سنة له. ثم إنه
عليه السلام قال «١» : فمن رغب عن سنتي فليس مني.
فظاهر هذا الحديث يقتضي توجه اللوم على من ترك التزوج بأكثر من الأربعة. فلا أقل من أن يثبت أصل الجواز.
واعلم أن معتمد الفقهاء في إثبات الحصر على أمرين: الأول- الخبر. وهو ما
روي أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أمسك أربعا وفارق باقيهن.
وروي أن نوفل بن معاوية أسلم وتحته خمس نسوة، فقال عليه الصلاة والسلام: أمسك أربعا وفارق واحدة.
واعلم أن هذا الطريق ضعيف لوجهين: الأول- أن القرآن لما دل على عدم الحصر بهذا الخبر كان ذلك نسخا للقرآن بخبر الواحد وأنه غير جائز. والثاني- وهو أن الخبر واقعة حال. فلعله عليه الصلاة والسلام إنما أمره بإمساك أربع ومفارقة البواقي لأن الجمع بين الأربعة وبين البواقي غير جائز، إما بسبب النسب أو بسبب
(١)
أخرجه البخاري في: النكاح، ١- باب الترغيب في النكاح، حديث ٢٠٩٩ ونصه: عن أنس بن مالك قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبيّ ﷺ يسألون عن عبادة النبيّ صلى الله عليه وسلم. فلما أخبروا، كأنهم تقالّوها. فقالوا: وأين نحن من النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله ﷺ فقال «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له. لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».
[.....]
أخرجه البخاري في: النكاح، ١- باب الترغيب في النكاح، حديث ٢٠٩٩ ونصه: عن أنس بن مالك قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبيّ ﷺ يسألون عن عبادة النبيّ صلى الله عليه وسلم. فلما أخبروا، كأنهم تقالّوها. فقالوا: وأين نحن من النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله ﷺ فقال «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له. لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».
[.....]
15
الرضاع وبالجملة فهذا الاحتمال قائم في هذا الخبر فلا يمكن نسخ القرآن بمثله (الطريق الثاني) وهو إجماع فقهاء الأمصار على أنه لا يجوز الزيادة على الأربع. وهذا هو المعتمد، وفيه سؤالان: الأول- أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ. فكيف يقال:
الإجماع نسخ هذه الآية؟ الثاني- أن في الأمة أقواما شذاذا لا يقولون بحرمة الزيادة على الأربع. والإجماع، مع مخالفة الواحد والاثنين، لا ينعقد.
(والجواب عن الأول) أن الإجماع يكشف عن حصول الناسخ في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. (وعن الثاني) أن مخالف هذا الإجماع من أهل البدعة. فلا عبرة بمخالفته، انتهى كلام الرازيّ، وقوله (من أهل البدعة) لا يجوز أخذه على عمومه لما ستراه.
قال الإمام الشوكانيّ رحمه الله تعالى في (وبل الغمام) : الذي نقله إلينا أئمة اللغة والإعراب وصار كالمجمع عليه عندهم، أن العدل في الأعداد يفيد أن المعدود لما كان متكثرا يحتاج استيفاؤه إلى أعداد كثيرة كانت صيغة العدل المفرد في قوة تلك الأعداد. فإن كان مجيء القوم مثلا اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة، وكانوا ألوفا مؤلفة، فقلت: جاءني القوم مثنى، أفادت هذه الصيغة أنهم جاءوا اثنين اثنين، حتى تكاملوا. فإن قلت: مثنى وثلاث ورباع، أفاد ذلك أن القوم جاءوك تارة اثنين اثنين، وتارة ثلاثة ثلاثة، وتارة أربعة أربعة. فهذه الصيغ بينت مقدار عدد دفعات المجيء لا مقدار عدد جميع القوم، فإنه لا يستفاد منها أصلا. بل غاية ما يستفاد منها أن عددهم متكثر تكثرا تشق الإحاطة به. ومثل هذا إذا قلت: نكحت النساء مثنى. فإن معناه نكحتهن اثنتين اثنتين. وليس فيه دليل على أن كل دفعة من هذه الدفعات لم يدخل في نكاحه إلا بعد خروج الأولى. كما أنه لا دليل في قولك:
جاءني القوم مثنى، أنه لم يصل الاثنان الآخران إليك إلا وقد فارقك الاثنان الأولان.
إذا تقرر هذا فقوله تعالى: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يستفاد منه جواز نكاح النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا. والمراد جواز تزوج كل دفعة من هذه الدفعات في وقت من الأوقات. وليس في هذا تعرض لمقدار عددهن. بل يستفاد من الصيغ الكثرة من غير تعيين. كما قدمنا في مجيء القوم. وليس فيه أيضا دليل على أن الدفعة الثانية كانت بعد مفارقة الدفعة الأولى. ومن زعم أنه نقل إلينا أئمة اللغة والإعراب ما يخالف هذا، فهذا مقام الاستفادة منه، فليتفضل بها علينا. وابن عباس، إن صح عنه في الآية أنه قصر الرجال على أربع فهو فرد من أفراد الأمة. وأما القعقعة بدعوى الإجماع فما أهونها وأيسر خطبها عند من لم تفزعه هذه الجلبة وكيف
الإجماع نسخ هذه الآية؟ الثاني- أن في الأمة أقواما شذاذا لا يقولون بحرمة الزيادة على الأربع. والإجماع، مع مخالفة الواحد والاثنين، لا ينعقد.
(والجواب عن الأول) أن الإجماع يكشف عن حصول الناسخ في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. (وعن الثاني) أن مخالف هذا الإجماع من أهل البدعة. فلا عبرة بمخالفته، انتهى كلام الرازيّ، وقوله (من أهل البدعة) لا يجوز أخذه على عمومه لما ستراه.
قال الإمام الشوكانيّ رحمه الله تعالى في (وبل الغمام) : الذي نقله إلينا أئمة اللغة والإعراب وصار كالمجمع عليه عندهم، أن العدل في الأعداد يفيد أن المعدود لما كان متكثرا يحتاج استيفاؤه إلى أعداد كثيرة كانت صيغة العدل المفرد في قوة تلك الأعداد. فإن كان مجيء القوم مثلا اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة، وكانوا ألوفا مؤلفة، فقلت: جاءني القوم مثنى، أفادت هذه الصيغة أنهم جاءوا اثنين اثنين، حتى تكاملوا. فإن قلت: مثنى وثلاث ورباع، أفاد ذلك أن القوم جاءوك تارة اثنين اثنين، وتارة ثلاثة ثلاثة، وتارة أربعة أربعة. فهذه الصيغ بينت مقدار عدد دفعات المجيء لا مقدار عدد جميع القوم، فإنه لا يستفاد منها أصلا. بل غاية ما يستفاد منها أن عددهم متكثر تكثرا تشق الإحاطة به. ومثل هذا إذا قلت: نكحت النساء مثنى. فإن معناه نكحتهن اثنتين اثنتين. وليس فيه دليل على أن كل دفعة من هذه الدفعات لم يدخل في نكاحه إلا بعد خروج الأولى. كما أنه لا دليل في قولك:
جاءني القوم مثنى، أنه لم يصل الاثنان الآخران إليك إلا وقد فارقك الاثنان الأولان.
إذا تقرر هذا فقوله تعالى: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يستفاد منه جواز نكاح النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا. والمراد جواز تزوج كل دفعة من هذه الدفعات في وقت من الأوقات. وليس في هذا تعرض لمقدار عددهن. بل يستفاد من الصيغ الكثرة من غير تعيين. كما قدمنا في مجيء القوم. وليس فيه أيضا دليل على أن الدفعة الثانية كانت بعد مفارقة الدفعة الأولى. ومن زعم أنه نقل إلينا أئمة اللغة والإعراب ما يخالف هذا، فهذا مقام الاستفادة منه، فليتفضل بها علينا. وابن عباس، إن صح عنه في الآية أنه قصر الرجال على أربع فهو فرد من أفراد الأمة. وأما القعقعة بدعوى الإجماع فما أهونها وأيسر خطبها عند من لم تفزعه هذه الجلبة وكيف
16
يصح إجماع خالفته الظاهرية وابن الصباغ، والعمرانيّ، والقاسم بن إبراهيم، نجم آل الرسول، وجماعة من الشيعة، وثلة من محققي المتأخرين، وخالفه أيضا القرآن الكريم، كما بيناه. وخالفه أيضا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما صح ذلك تواترا، من جمعه بين تسع أو أكثر في بعض الأوقات. وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر: ٧]، لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: ٢١]. قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: ٣١] ودعوى الخصوصية مفتقرة إلى دليل. والبراءة الأصلية مستصحبة لا ينقل عنها إلا ناقل صحيح تنقطع عنده المعاذير.
وأما حديث «١» أمره ﷺ لغيلان، لما أسلم وتحته عشر نسوة، بأن يختار منهن أربعا ويفارق سائرهن، كما أخرجه الترمذيّ وابن ماجة وابن حبان، فهو وإن كان له طرق، فقد قال ابن عبد البر: كلها معلولة. وأعله غيره من الحفاظ بعلل أخرى. ومثل هذا لا ينتهض للنقل عن الدليل القرآني والفعل المصطفويّ الذي مات ﷺ عليه والبراءة الأصلية. ومن صحح لنا هذا الحديث على وجه تقوم به الحجة، أو جاءنا بدليل في معناه، فجزاه الله خيرا. فليس بين أحد وبين الحق عداوة. وعلى العالم أن يوفي الاجتهاد حقه لا سيما في مقامات التحرير والتقرير. كما نفعله في كثير من الأبحاث. وإذا حاك في صدره شيء فليكن تورعه في العمل لا في تقرير الصواب.
فإياك أن تحامي التصريح بالحق الذي تبلغ إليه ملكتك، لقيل وقال. ولا سيما في مثل مواطن يجبن عنها كثير من الرجال. فإنك لا تسئل يوم القيامة عن الذي ترتضيه منك العباد بل عن الذي يرتضيه المعبود. وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. ومن ورد البحر استقل السواقيا. انتهى.
وقال الشوكانيّ قدس سره أيضا في (نيل الأوطار) : حديث قيس بن الحارث (وفي رواية الحارث بن قيس) في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. وقد ضعفه غير واحد من الأئمة. قال أبو القاسم البغويّ: ولا أعلم للحارث بن قيس حديثا غير هذا. وقال أبو عمرو النمري: ليس له إلا حديث واحد ولم يأت به من وجه صحيح. وفي معنى هذا الحديث غيلان الثقفيّ وهو عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: أسلم غيلان الثقفيّ وتحته عشر نسوة، في الجاهلية. فأسلمن معه. فأمره
وأما حديث «١» أمره ﷺ لغيلان، لما أسلم وتحته عشر نسوة، بأن يختار منهن أربعا ويفارق سائرهن، كما أخرجه الترمذيّ وابن ماجة وابن حبان، فهو وإن كان له طرق، فقد قال ابن عبد البر: كلها معلولة. وأعله غيره من الحفاظ بعلل أخرى. ومثل هذا لا ينتهض للنقل عن الدليل القرآني والفعل المصطفويّ الذي مات ﷺ عليه والبراءة الأصلية. ومن صحح لنا هذا الحديث على وجه تقوم به الحجة، أو جاءنا بدليل في معناه، فجزاه الله خيرا. فليس بين أحد وبين الحق عداوة. وعلى العالم أن يوفي الاجتهاد حقه لا سيما في مقامات التحرير والتقرير. كما نفعله في كثير من الأبحاث. وإذا حاك في صدره شيء فليكن تورعه في العمل لا في تقرير الصواب.
فإياك أن تحامي التصريح بالحق الذي تبلغ إليه ملكتك، لقيل وقال. ولا سيما في مثل مواطن يجبن عنها كثير من الرجال. فإنك لا تسئل يوم القيامة عن الذي ترتضيه منك العباد بل عن الذي يرتضيه المعبود. وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. ومن ورد البحر استقل السواقيا. انتهى.
وقال الشوكانيّ قدس سره أيضا في (نيل الأوطار) : حديث قيس بن الحارث (وفي رواية الحارث بن قيس) في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. وقد ضعفه غير واحد من الأئمة. قال أبو القاسم البغويّ: ولا أعلم للحارث بن قيس حديثا غير هذا. وقال أبو عمرو النمري: ليس له إلا حديث واحد ولم يأت به من وجه صحيح. وفي معنى هذا الحديث غيلان الثقفيّ وهو عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: أسلم غيلان الثقفيّ وتحته عشر نسوة، في الجاهلية. فأسلمن معه. فأمره
(١) أخرجه الترمذيّ في: النكاح، ٣٣- باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشر نسوة.
وابن ماجة في: النكاح، ٤٠- باب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة، حديث ١٩٥٣.
وابن ماجة في: النكاح، ٤٠- باب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة، حديث ١٩٥٣.
17
النبيّ ﷺ أن يختار منهن أربعا. رواه أحمد وابن ماجة والترمذيّ. وحكم أبو حاتم وأبو زرعة بأن المرسل أصح. وحكى الحاكم عن مسلم أن هذا الحديث مما وهم فيه معمر بالبصرة. قال: فإن رواه عنه ثقة خارج البصرة حكمنا له بالصحة. وقد أخذ ابن حبان والحاكم والبيهقيّ بظاهر الحكم، وأخرجوه من طرق عن معمر من حديث أهل الكوفة وأهل خرسان وأهل اليمامة عنه. قال الحافظ: ولا يفيد ذلك شيئا. فإن هؤلاء كلهم، إنما سمعوا منه بالبصرة. وعلى تقدير أنهم سمعوا منه بغيرها، فحديثه الذي حدث به في غير بلده مضطرب. لأنه كان يحدث في بلده من كتبه على الصحة.
وأما إذا رحل فحدث من حفظه بأشياء وهم فيها. اتفق على ذلك أهل العلم. كابن المدينيّ والبخاريّ وابن أبي حاتم ويعقوب بن شيبة وغيرهم. وحكى الأثرم عن أحمد أن هذا الحديث ليس بصحيح. والعمل عليه. وأعله بتفرد معمر في وصله وتحديثه به في غير بلده. وقال ابن عبد البر: طرقه كلها معلولة. وقد أطال الدارقطني في (العلل) تخريج طرقه. ورواه ابن عيينة ومالك عن الزهريّ مرسلا. ورواه عبد الرزاق عن معمر كذلك. وقد وافق معمرا على وصله بحر بن كنيز السقاء عن الزهريّ.
ولكنه ضعيف. وكذا وصله يحيى بن سلام عن مالك. ويحيى ضعيف. وفي الباب عن نوفل بن معاوية، عند الشافعي، أنه أسلم وتحته خمس نسوة.
فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: أمسك أربعا وفارق الأخرى
. وفي إسناده رجل مجهول. لأن الشافعيّ قال:
حدثنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد عن عبد المجيد بن سهل عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية قال: أسلمت، فذكره. وفي الباب أيضا عن عروة بن مسعود وصفوان بن أمية عند البيهقيّ. وقوله: اختر منهن أربعا، استدل به الجمهور على تحريم الزيادة على أربع. وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعا. ولعل وجهه قوله تعالى: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ. ومجموع ذلك لا باعتبار ما فيه من العدل، تسع. وحكي ذلك عن ابن الصباغ والعمرانيّ وبعض الشيعة. وحكي أيضا عن القاسم بن إبراهيم. وأنكر الإمام يحيى الحكاية عنه. وحكاه صاحب البحر عن الظاهرية، وقوم مجاهيل. وأجابوا عن حديث قيس بن الحارث المذكور بما فيه من المقال المتقدم. وأجابوا عن حديث غيلان الثقفيّ بما تقدم فيه من المقال. وكذلك أجابوا عن حديث نوفل بن معاوية بما قدمنا من كونه في إسناده مجهول. قالوا:
ومثل هذا الأصل العظيم لا يكتفي فيه بمثل ذلك. ولا سيما وقد ثبت أن رسول الله ﷺ قد جمع بين تسع أو إحدى عشرة، وقد قال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
وأما إذا رحل فحدث من حفظه بأشياء وهم فيها. اتفق على ذلك أهل العلم. كابن المدينيّ والبخاريّ وابن أبي حاتم ويعقوب بن شيبة وغيرهم. وحكى الأثرم عن أحمد أن هذا الحديث ليس بصحيح. والعمل عليه. وأعله بتفرد معمر في وصله وتحديثه به في غير بلده. وقال ابن عبد البر: طرقه كلها معلولة. وقد أطال الدارقطني في (العلل) تخريج طرقه. ورواه ابن عيينة ومالك عن الزهريّ مرسلا. ورواه عبد الرزاق عن معمر كذلك. وقد وافق معمرا على وصله بحر بن كنيز السقاء عن الزهريّ.
ولكنه ضعيف. وكذا وصله يحيى بن سلام عن مالك. ويحيى ضعيف. وفي الباب عن نوفل بن معاوية، عند الشافعي، أنه أسلم وتحته خمس نسوة.
فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: أمسك أربعا وفارق الأخرى
. وفي إسناده رجل مجهول. لأن الشافعيّ قال:
حدثنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد عن عبد المجيد بن سهل عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية قال: أسلمت، فذكره. وفي الباب أيضا عن عروة بن مسعود وصفوان بن أمية عند البيهقيّ. وقوله: اختر منهن أربعا، استدل به الجمهور على تحريم الزيادة على أربع. وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعا. ولعل وجهه قوله تعالى: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ. ومجموع ذلك لا باعتبار ما فيه من العدل، تسع. وحكي ذلك عن ابن الصباغ والعمرانيّ وبعض الشيعة. وحكي أيضا عن القاسم بن إبراهيم. وأنكر الإمام يحيى الحكاية عنه. وحكاه صاحب البحر عن الظاهرية، وقوم مجاهيل. وأجابوا عن حديث قيس بن الحارث المذكور بما فيه من المقال المتقدم. وأجابوا عن حديث غيلان الثقفيّ بما تقدم فيه من المقال. وكذلك أجابوا عن حديث نوفل بن معاوية بما قدمنا من كونه في إسناده مجهول. قالوا:
ومثل هذا الأصل العظيم لا يكتفي فيه بمثل ذلك. ولا سيما وقد ثبت أن رسول الله ﷺ قد جمع بين تسع أو إحدى عشرة، وقد قال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
18
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
[الأحزاب: ٢١]. وأما دعوى اختصاصه بالزيادة على الأربع فهو محل النزاع. ولم يقم عليه دليل. وأما قوله تعالى: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ، فالواو فيه للجمع لا للتخيير. وأيضا لفظ مثنى معدول به عن اثنين اثنين. وهو يدل على تناول ما كان متصفا من الأعداد بصفته الاثنينية. وإن كان في غاية الكثرة البالغة إلى ما فوق الألوف. فإنك تقول جاءني القوم مثنى أي اثنين اثنين. وهكذا ثلاث ورباع.
وهذا معلوم في لغة العرب لا يشك فيه أحد. فالآية المذكورة تدل بأصل الوضع على أنه يجوز للإنسان أن يتزوج من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا.
وليس من شرط ذلك أن لا تأتي الطائفة الأخرى في العدد إلا بعد مفارقته للطائفة التي قبلها. فإنه لا شك أنه يصح، لغة وعرفا، أن يقول الرجل، لألف رجل عنده: جاءني هؤلاء اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة. فحينئذ الآية تدل على إباحة الزواج بعدد من النساء كثير. سواء كانت الواو للجمع أو للتخيير. لأن خطاب الجماعة بحكم من الأحكام بمنزلة الخطاب به لكل واحد منهم. فكأن الله سبحانه وتعالى قال، لكل فرد من الناس: انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع. ومع هذا فالبراءة الأصلية مستصحبة. وهي بمجردها كافية في الحل حتى يوجد ناقل صحيح ينقل عنها. وقد يجاب بأن مجموع الأحاديث المذكورة في الباب لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره، فتنتهض بمجموعها للاحتجاج. وإن كان كل واحد لا يخلو عن مقال. ويؤيد ذلك كون الأصل في الفروج الحرمة. كما صرح به الخطابيّ. فلا يجوز الإقدام على شيء منها إلا بدليل. وأيضا هذا الخلاف مسبوق بالإجماع على عدم جواز الزيادة على الأربع. كما صرح بذلك في (البحر).
وقال في (الفتح) اتفق العلماء على أن من خصائصه ﷺ الزيادة على أربع نسوة يجمع بينهن. وقد ذكر الحافظ في (الفتح) و (التلخيص) الحكمة في تكثير نسائه ﷺ فليراجع ذلك. انتهى.
وقال قدس سره في تفسيره (فتح القدير) : وقد استدل بالآية على تحريم ما زاد على الأربع، وبينوا ذلك بأنه خطاب لجميع الأمة. وأن كل ناكح له أن يختار ما أراد من هذا العدد. كما يقال للجماعة: اقتسموا هذا المال. وهو ألف درهم (أو هذا المال الذي في البدرة) درهمين درهمين. وثلاثة ثلاثة. وأربعة أربعة. وهذا مسلم إذا كان المقسوم قد ذكرت جملته، أو عيّن مكانه. أما لو كان مطلقا، كما يقال:
اقتسموا الدراهم، ويراد بها ما كسبوه، فليس المعنى هكذا. والآية من الباب الآخر لا
[الأحزاب: ٢١]. وأما دعوى اختصاصه بالزيادة على الأربع فهو محل النزاع. ولم يقم عليه دليل. وأما قوله تعالى: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ، فالواو فيه للجمع لا للتخيير. وأيضا لفظ مثنى معدول به عن اثنين اثنين. وهو يدل على تناول ما كان متصفا من الأعداد بصفته الاثنينية. وإن كان في غاية الكثرة البالغة إلى ما فوق الألوف. فإنك تقول جاءني القوم مثنى أي اثنين اثنين. وهكذا ثلاث ورباع.
وهذا معلوم في لغة العرب لا يشك فيه أحد. فالآية المذكورة تدل بأصل الوضع على أنه يجوز للإنسان أن يتزوج من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا.
وليس من شرط ذلك أن لا تأتي الطائفة الأخرى في العدد إلا بعد مفارقته للطائفة التي قبلها. فإنه لا شك أنه يصح، لغة وعرفا، أن يقول الرجل، لألف رجل عنده: جاءني هؤلاء اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة. فحينئذ الآية تدل على إباحة الزواج بعدد من النساء كثير. سواء كانت الواو للجمع أو للتخيير. لأن خطاب الجماعة بحكم من الأحكام بمنزلة الخطاب به لكل واحد منهم. فكأن الله سبحانه وتعالى قال، لكل فرد من الناس: انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع. ومع هذا فالبراءة الأصلية مستصحبة. وهي بمجردها كافية في الحل حتى يوجد ناقل صحيح ينقل عنها. وقد يجاب بأن مجموع الأحاديث المذكورة في الباب لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره، فتنتهض بمجموعها للاحتجاج. وإن كان كل واحد لا يخلو عن مقال. ويؤيد ذلك كون الأصل في الفروج الحرمة. كما صرح به الخطابيّ. فلا يجوز الإقدام على شيء منها إلا بدليل. وأيضا هذا الخلاف مسبوق بالإجماع على عدم جواز الزيادة على الأربع. كما صرح بذلك في (البحر).
وقال في (الفتح) اتفق العلماء على أن من خصائصه ﷺ الزيادة على أربع نسوة يجمع بينهن. وقد ذكر الحافظ في (الفتح) و (التلخيص) الحكمة في تكثير نسائه ﷺ فليراجع ذلك. انتهى.
وقال قدس سره في تفسيره (فتح القدير) : وقد استدل بالآية على تحريم ما زاد على الأربع، وبينوا ذلك بأنه خطاب لجميع الأمة. وأن كل ناكح له أن يختار ما أراد من هذا العدد. كما يقال للجماعة: اقتسموا هذا المال. وهو ألف درهم (أو هذا المال الذي في البدرة) درهمين درهمين. وثلاثة ثلاثة. وأربعة أربعة. وهذا مسلم إذا كان المقسوم قد ذكرت جملته، أو عيّن مكانه. أما لو كان مطلقا، كما يقال:
اقتسموا الدراهم، ويراد بها ما كسبوه، فليس المعنى هكذا. والآية من الباب الآخر لا
19
من الباب الأول. على أن من قال لقوم يقتسمون مالا معينا كبيرا: اقتسموه مثنى وثلاث ورباع، فقسموا بعضه بينهم درهمين درهمين. وبعضه ثلاثة ثلاثة. وبعضه أربعة أربعة. كان هذا هو المعنى العربي. ومعلوم أنه إذا قال القائل: جاءني القوم مثنى، وهم مائة ألف، كان المعنى أنهم جاءوه اثنين اثنين. هكذا: جاءني القوم ثلاث ورباع. والخطاب للجميع بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد. كما في قوله تعالى:
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ، ونحوها. ومعنى قوله:
فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ: لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا وثلاثا وأربعا أربعا. هذا ما تقتضي لغة العرب. فالآية تدل على خلاف ما استدلوا به عليه. ويؤيد هذا قوله تعالى في آخر الآية: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً. فإنه وإن كان خطابا للجميع فهو بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد.
فالأولى أن يستدل على تحريم الزيادة على الأربع بالسنة لا بالقرآن. وأما استدلال من استدل بالآية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة وكأنه قال: انكحوا مجموع هذا العدد المذكور، فهذا جهل بالمعنى العربيّ. ولو قال: انكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا كان هذا القول له وجه. وأما مع المجيء بصيغة العدل فلا. وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون (أو) لأن التخيير يشعر بأنه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره. وذلك ليس بمراد من النظم القرآنيّ.
أخرج الشافعيّ وابن أبي شيبة وأحمد والترمذيّ وابن ماجة والدّارقطنيّ والبيهقيّ، عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفيّ أسلم وتحته عشر نسوة. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: اختر منهن (وفي لفظ أمسك منهن) أربعا وفارق سائرهن
. وروي هذا الحديث بألفاظ من طرق. وعن نوفل بن معاوية الديليّ قال: أسلمت وعندي خمس نسوة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك أربعا وفارق الأخرى. أخرجه الشافعيّ في مسنده.
وأخرج ابن ماجة والنحاس في (تاريخه) عن قيس بن الحارث الأسديّ قال: أسلمت وكان تحتي ثمان نسوة. فأتيت النبيّ ﷺ فأخبرته. فقال: اختر منهن أربعا وخل سائرهن. ففعلت
. وهذه شواهد للحديث الأول كما قال البيهقيّ.
وقال قدس سره أيضا في كتابه (السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار) :
أما الاستدلال على تحريم الخامسة وعدم جواز زيادة على الأربع بقوله عز وجل:
مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ، فغير صحيح. كما أوضحته في (شرحي للمنتقى) وقد
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ، ونحوها. ومعنى قوله:
فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ: لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا وثلاثا وأربعا أربعا. هذا ما تقتضي لغة العرب. فالآية تدل على خلاف ما استدلوا به عليه. ويؤيد هذا قوله تعالى في آخر الآية: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً. فإنه وإن كان خطابا للجميع فهو بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد.
فالأولى أن يستدل على تحريم الزيادة على الأربع بالسنة لا بالقرآن. وأما استدلال من استدل بالآية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة وكأنه قال: انكحوا مجموع هذا العدد المذكور، فهذا جهل بالمعنى العربيّ. ولو قال: انكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا كان هذا القول له وجه. وأما مع المجيء بصيغة العدل فلا. وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون (أو) لأن التخيير يشعر بأنه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره. وذلك ليس بمراد من النظم القرآنيّ.
أخرج الشافعيّ وابن أبي شيبة وأحمد والترمذيّ وابن ماجة والدّارقطنيّ والبيهقيّ، عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفيّ أسلم وتحته عشر نسوة. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: اختر منهن (وفي لفظ أمسك منهن) أربعا وفارق سائرهن
. وروي هذا الحديث بألفاظ من طرق. وعن نوفل بن معاوية الديليّ قال: أسلمت وعندي خمس نسوة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك أربعا وفارق الأخرى. أخرجه الشافعيّ في مسنده.
وأخرج ابن ماجة والنحاس في (تاريخه) عن قيس بن الحارث الأسديّ قال: أسلمت وكان تحتي ثمان نسوة. فأتيت النبيّ ﷺ فأخبرته. فقال: اختر منهن أربعا وخل سائرهن. ففعلت
. وهذه شواهد للحديث الأول كما قال البيهقيّ.
وقال قدس سره أيضا في كتابه (السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار) :
أما الاستدلال على تحريم الخامسة وعدم جواز زيادة على الأربع بقوله عز وجل:
مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ، فغير صحيح. كما أوضحته في (شرحي للمنتقى) وقد
20
قدمناه. ولكن الاستدلال على ذلك بحديث قيس بن الحارث وحديث غيلان الثقفيّ وحديث نوفل بن معاوية هو الذي ينبغي الاعتماد عليه. وإن كان في كل واحد منها مقال. لكن الإجماع على ما دلت عليه قد صارت به من المجمع على العمل عليه.
وقد حكى الإجماع صاحب (فتح الباري) والمهديّ في (البحر) والنقل عن الظاهرية لم يصح. فإنه قد أنكر ذلك منهم من هو أعرف بمذهبهم. انتهى.
تتمة:
روى الدارقطني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين.
قال الشوكانيّ في (نيل الأوطار) قد تمسك بهذا من قال: إنه
لا يجوز للعبد أن يتزوج فوق اثنتين. وهو مرويّ عن عليّ
وزيد بن عليّ والناصر والحنفية والشافعية. ولا يخفى أن قول الصحابيّ لا يكون حجة على من لم يقل بحجيته.
نعم، لو صح إجماع الصحابة على ذلك لكان دليلا عند القائلين بحجية الإجماع.
ولكنه قد روي عن أبي الدرداء ومجاهد وربيعة وأبي ثور والقاسم بن محمد وسالم أنه يجوز له أن ينكح أربعا كالحر. حكى ذلك عنهم صاحب (البحر) فالأولى الجزم بدخوله تحت قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ. والحكم له وعليه بما للأحرار وعليهم. إلا أن يقوم دليل يقتضي المخالفة. كما في المواضع المعروفة.
بالتخالف بين حكميهما انتهى.
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا أي بين هذه الأعداد فَواحِدَةً أي فاختاروها. وقرئ بالرفع أي فحسبكم واحدة أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي من الإماء، بالغة ما بلغت من مراتب العدد. لأنه لا يلزم فيهن من الحقوق مثل ما يلزم في الحرائر. ولا قسم لهن.
و (أو) للتسوية. أي التخيير. والعدد يؤخذ من السياق، ومقابلة الواحدة. قال الزمخشريّ: سوّى في السهولة واليسر بين الحرة الواحدة وبين الإماء من غير حصر ولا توقيت عدد. ولعمري إنهن أقل تبعة وأقصر شغبا وأخف مؤنة من المهائر. لا عليك، أكثرت منهن أم أقللت. عدلت بينهن في القسم أم لم تعدل، عزلت عنهن أم لم تعزل. انتهى.
ذلِكَ أي الاقتصار على واحدة أو على التسري أَدْنى أي أقرب أَلَّا تَعُولُوا أي من أن لا تميلوا ولا تجوروا. لانتفائه رأسا بانتفاء محله في الأول. وانتفاء
وقد حكى الإجماع صاحب (فتح الباري) والمهديّ في (البحر) والنقل عن الظاهرية لم يصح. فإنه قد أنكر ذلك منهم من هو أعرف بمذهبهم. انتهى.
تتمة:
روى الدارقطني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين.
قال الشوكانيّ في (نيل الأوطار) قد تمسك بهذا من قال: إنه
لا يجوز للعبد أن يتزوج فوق اثنتين. وهو مرويّ عن عليّ
وزيد بن عليّ والناصر والحنفية والشافعية. ولا يخفى أن قول الصحابيّ لا يكون حجة على من لم يقل بحجيته.
نعم، لو صح إجماع الصحابة على ذلك لكان دليلا عند القائلين بحجية الإجماع.
ولكنه قد روي عن أبي الدرداء ومجاهد وربيعة وأبي ثور والقاسم بن محمد وسالم أنه يجوز له أن ينكح أربعا كالحر. حكى ذلك عنهم صاحب (البحر) فالأولى الجزم بدخوله تحت قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ. والحكم له وعليه بما للأحرار وعليهم. إلا أن يقوم دليل يقتضي المخالفة. كما في المواضع المعروفة.
بالتخالف بين حكميهما انتهى.
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا أي بين هذه الأعداد فَواحِدَةً أي فاختاروها. وقرئ بالرفع أي فحسبكم واحدة أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي من الإماء، بالغة ما بلغت من مراتب العدد. لأنه لا يلزم فيهن من الحقوق مثل ما يلزم في الحرائر. ولا قسم لهن.
و (أو) للتسوية. أي التخيير. والعدد يؤخذ من السياق، ومقابلة الواحدة. قال الزمخشريّ: سوّى في السهولة واليسر بين الحرة الواحدة وبين الإماء من غير حصر ولا توقيت عدد. ولعمري إنهن أقل تبعة وأقصر شغبا وأخف مؤنة من المهائر. لا عليك، أكثرت منهن أم أقللت. عدلت بينهن في القسم أم لم تعدل، عزلت عنهن أم لم تعزل. انتهى.
ذلِكَ أي الاقتصار على واحدة أو على التسري أَدْنى أي أقرب أَلَّا تَعُولُوا أي من أن لا تميلوا ولا تجوروا. لانتفائه رأسا بانتفاء محله في الأول. وانتفاء
21
خطره في الثاني بخلاف اختيار العدد في المهائر. فإن الميل المحظور متوقع فيه لتحقق المحل والخطر. هذا إن قدر (تعولوا) مضارع عال، بمعنى جار ومال عن الحق. وهو اختيار أكثر المفسرين. ومن الوجوه المحتملة فيه كونه مضارع عال بمعنى كثر عياله. قال في القاموس: وعال فلان عولا وعيالة: كثر عياله، كأعول وأعيل. انتهى. وعلى هذا الوجه اقتصر الإمام المهايميّ، قدس سره، في تفسيره حيث قال: أي أقرب من أن لا تكثر عيالكم. فيمكن معه القناعة بحيث لا يضطر إلى الجور في أموال اليتامى. انتهى. وروي هذا التأويل عن زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة والشافعيّ. وأما قول ابن كثير في هذا التفسير: هاهنا نظر، فإنه كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر كذلك يخشى من تعداد السراري- فجوابه (كما قال الرازي) من وجهين: الأول- ما ذكره القفّال رضي الله عنه. وهو أن الجواري إذا كثرن فله أن يكلفهن الكسب. وإذا اكتسبن أنفقن على أنفسهن وعلى مولاهن أيضا. وحينئذ تقل العيال. أما إذا كانت المرأة حرة، لم يكن الأمر كذلك. فظهر الفرق. الثاني- أن المرأة إذا كانت مملوكة، فإذا عجز المولي عن الإنفاق عليها باعها وتخلص منها. أما إذا كانت حرة فلا بدّ له من الإنفاق عليها. والعرف يدل على أن الزوج ما دام يمسك الزوجة فإنها لا تطالبه بالمهر. فإذا حاول طلاقها طالبته بالمهر فيقع الزوج في المحنة. انتهى.
تنبيهان:
الأول- قال بعض المفسرين: دلت الآية على أنه يجب بالنكاح حقوق. وتدل على أن من خشي الوقوع فيما لا يجوز، قبح منه ما دعا إلى ذلك القبيح. فلا يجوز لمن عرف أنه يخون مال اليتيم إذا تزوج أكثر من واحدة، أن يتزوج أكثر. وكذا إذا عرف أنه يخون الوديعة ولا يحفظها، فإنه لا يجوز له قبول الوديعة. وتدل على أن العدل واجب بين الزوجات. وأن من عرف أنه لا يعدل فإنه لا تحل له الزيادة على واحدة. وتدل على أن زواجه الصغيرة من غير أبيها وجدّها جائز. وللفقهاء مذاهب في ذلك معروفة.
الثاني- في سرّ ما تشير إليه الآية من إصلاح النسل. قال بعض علماء الاجتماع من فلاسفة المسلمين في مقالة عنوانها (الإسلام وإصلاح النسل) ما مثاله: ما زال البشر يسعى منذ ألوف من السنين وراء إصلاح ما يقتنيه من خيل وبقر وغنم ليكثر
تنبيهان:
الأول- قال بعض المفسرين: دلت الآية على أنه يجب بالنكاح حقوق. وتدل على أن من خشي الوقوع فيما لا يجوز، قبح منه ما دعا إلى ذلك القبيح. فلا يجوز لمن عرف أنه يخون مال اليتيم إذا تزوج أكثر من واحدة، أن يتزوج أكثر. وكذا إذا عرف أنه يخون الوديعة ولا يحفظها، فإنه لا يجوز له قبول الوديعة. وتدل على أن العدل واجب بين الزوجات. وأن من عرف أنه لا يعدل فإنه لا تحل له الزيادة على واحدة. وتدل على أن زواجه الصغيرة من غير أبيها وجدّها جائز. وللفقهاء مذاهب في ذلك معروفة.
الثاني- في سرّ ما تشير إليه الآية من إصلاح النسل. قال بعض علماء الاجتماع من فلاسفة المسلمين في مقالة عنوانها (الإسلام وإصلاح النسل) ما مثاله: ما زال البشر يسعى منذ ألوف من السنين وراء إصلاح ما يقتنيه من خيل وبقر وغنم ليكثر
22
انتفاعه به. فيختار لإناث هذه الحيوانات أفحلا كريمة، هي على ما يرومه من الصفات، ليحصل منها على نسل أنفع له من أمهاته. وقد زادت رغبة الناس بهذا العصر في إصلاح النوع النافع من الحيوان. فضرّبوه ورقوه باختيار الأفحل المناسبة، حتى حصلوا على صنف من الخيل الجياد تسابق الرياح فتجري (١٦) مترا في الثانية من الزمن. وعلى صنف من البقر تحلب في اليوم الواحد خمسين أقة. وعلى صنف من المعزى والغنم شعره أو صوفه مثل الحرير نعومة. ولم يقصر إصلاحهم على الحيوان، بل تجاوز إلى النبات. فحصلوا بفضله على أشجار كثيرة الثمر لذيذته. وانتفعوا انتفاعا كبيرا، ما تيسر لأسلافهم. نعم إن البشر افتكروا في إصلاح الحيوان الصامت والنبات، وعلموا ما فيه من الفوائد، فسعوا إليه السعي الذي يرضاه العلم، وجنوا ثمار ذلك السعي. ولكنهم ما افتكروا في إصلاح ما هو أهمّ من كل ذلك: في إصلاح الحيوان الذكيّ، والشرير أكثر من الصالح، والجبان أكثر من الشجاع، والكاذب أكثر من الصادق، والكسلان أكثر من أخي الجد النشيط. ولو أنهم أصلحوا نسلهم لما وجد في الناس من يولد مريضا ويعيش مريضا. فلا ينتفع بوجوده المجتمع، وهو كثير. قام من بين هذا الجيل فيلسوفان: ألمانيّ وانكليزيّ. وأخذا يعلمان بكتاباتهما المبنيّة على البراهين وجوب إصلاح الإنسان لنسل الإنسان. ويعددان فوائد الإصلاح لنوعه. ويبيّنان للملأ أن الرقي المطلوب لا يتم إلا به. وطفقا يلومان الناس على اعتنائهم بإصلاح المواشي وإهمالهم إصلاح أنفسهم. الأمر الذي هو أهم من ذلك كثيرا. وذكرا لذلك طرقا: (منها) منع أصحاب العاهات والأمراض المزمنة وأولي الجرائم الكبيرة من الزواج لينقطع نسلهم الذي يجيء غالبا على شاكلتهم. (ومنها) إباحة تعدد الزوجات للنابغين من الرجال ليكثر نسلهم. وقالا: إذا جرى المجتمع على هذا الانتخاب الصناعي قرونا عديدة كان نسل الإنسان الأخير، بحكم ناموس الوراثة، سالما من الأمراض. حسن الطوية. ليس فيه ميل إلى الشر. قويّا. ذكي الفؤاد. نابغا في العلوم. التي يتعلمها. كأنه نوع أرقى من الإنسان الحاضر. وكانت أهم طريقة أبدياها للارتقاء المنتظر للبشر في المستقبل، هي طريقة تعدد الزوجات في الحاضر للنابغين من الناس. فإن منع أصحاب الأمراض المزمنة والجناة من الزواج إنما يفيد في تقوية النسل وجعله ميالا بالفطرة إلى الخير ليس إلا، لا في جعله أذكى من آبائه وأسمى مدارك. وتعدد الزوجات للنابغين من المسلمين، قد جاء به الإسلام قبل هذين الفيلسوفين بأكثر من ألف وثلاثمائة سنة. فقد أباح لهم تعددهن إلى
23
أربع. ليكثر نسلهم، فيكثر عدد النابغين، الذين بهم وحدهم تتم الأعمال الكبيرة في هذه الدنيا. فهو من مكتشفات هذا الدين الاجتماعية. وقد جعل رضاهن بذلك شرطا له لئلا يكون فيه إجحاف بحقوقهن. والعاقلة من النساء تفضل أن تكون زوجة لنابغة من الرجال- وإن كان ذا زوجات أخر- على أن تكون زوجة لرجل أحمق، وإن اقتصر عليها. لأنها تعلم أن أولادها من الأول ينجبون أكثر منهم من الثاني. وأما غير النابغين منهم فإن الدين يمنعهم من نكاح أكثر من واحدة، لئلا يكثر نسلهم. قال الله تعالى في كتابه المبين يخاطب المؤمنين: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً الخطاب في هذه الآية لعموم الأمة. فهي تأذن لكل أحد من المسلمين أن يتزوج بأكثر من واحدة من النساء إلى أربع. إذا آنس من نفسه القدرة على العدل بينهن. وإلا وجب عليه الاقتصار على واحدة لئلا يجور عليهن. والقدرة على العدل بين أربع من النساء، متوقف على عقل كبير وسياسة في الإدارة وحكمة بالغة في المعاملة، لا تتأتى إلا لمن كان نابغة بين الرجال، ذا مكانة من العقل ترفعه على أقرانه. والرجل النابغة، إذا تزوج بأكثر من واحدة، كثر نسله فكثر النوابغ. والشعب الذي يكثر نوابغه أقدر على الغلبة في تنازع البقاء من سائر الشعوب. كما يدلنا عليه التاريخ. ثم خاطب الله، في مكان آخر، الخائفين أن لا يعدلوا بين النساء وهم غير النوابغ من المسلمين، بقوله: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ. فأمرهم في هذه الآية، التي هي في المعنى تتمة للأولى، أن لا يقترنوا بأكثر
من واحدة لأنهم في درجة من العقل هي دون درجة النابغين، لن يستطيعوا معها إتيان العدل بين النساء، المتوقف على عقل كبير يسهل لصاحبه أن يرضيهن جمعاء. كما يأتيه النابغون والدهاة من الناس. وحرم على هؤلاء، الذين لم يجوزوا المقدرة على العدل، التزوج بأكثر من واحدة. لئلا يقع الظلم من الرجال على النساء. وهو كثير الصدور من الأوساط ومن كان دونهم في سلم الارتقاء. ولئلا يكثر نسل غير النابغين. وهو الأهم. فتبقى الأمة في مكانها من الانحطاط. وقد تقدم أن الخطاب في قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ في الآية الأولى لعموم الأمة. غير أن الشرط بالعدل جعله خاصّا بالعادلين منهم. وهم النابغون الذين يقتدرون على إتيان العدل بين النساء لوفور عقلهم. والغاية من أمر هذا الصنف من المسلمين أن يتزوجوا بأكثر من واحدة إلى أربع، هو تكثير نسلهم ليستفيد من كثرة أمثالهم المجتمع، كما أسلفنا. ولكن النابغة لا يأتي نسله في الغالب نوابغ، بمجرد تعدد الزوجات. فإن الزوجة المتوسطة أو المنحطة يكون
من واحدة لأنهم في درجة من العقل هي دون درجة النابغين، لن يستطيعوا معها إتيان العدل بين النساء، المتوقف على عقل كبير يسهل لصاحبه أن يرضيهن جمعاء. كما يأتيه النابغون والدهاة من الناس. وحرم على هؤلاء، الذين لم يجوزوا المقدرة على العدل، التزوج بأكثر من واحدة. لئلا يقع الظلم من الرجال على النساء. وهو كثير الصدور من الأوساط ومن كان دونهم في سلم الارتقاء. ولئلا يكثر نسل غير النابغين. وهو الأهم. فتبقى الأمة في مكانها من الانحطاط. وقد تقدم أن الخطاب في قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ في الآية الأولى لعموم الأمة. غير أن الشرط بالعدل جعله خاصّا بالعادلين منهم. وهم النابغون الذين يقتدرون على إتيان العدل بين النساء لوفور عقلهم. والغاية من أمر هذا الصنف من المسلمين أن يتزوجوا بأكثر من واحدة إلى أربع، هو تكثير نسلهم ليستفيد من كثرة أمثالهم المجتمع، كما أسلفنا. ولكن النابغة لا يأتي نسله في الغالب نوابغ، بمجرد تعدد الزوجات. فإن الزوجة المتوسطة أو المنحطة يكون
24
أولادها في الغالب أوساطا أو منحطين. وإن كان أبوهم راقيا. فلا تحصل الفائدة المطلوبة من تعدد الزوجات وهي إصلاح النسل. بل يجب للحصول على هذا المطلب الأسنى أن يقترن النابغون بالنابغات. ليكون أولادهم مثلهم نبوغا أو أنبغ منهم. بحكم سنة الوراثة. وذلك إنما يتم إذا أحسن النابغون اختيار الأزواج.
فنكحوا ما طاب لهم. والنابغة لا يطيب له أن يقترن إلا بمن جمعت نبوغا مثل نبوغه، إلى حسن رائع. فإن معاشرة الحمقاء ليس مما يطيب للعاقل الراقي. وإن الخير يطلب عند حسان الوجوه. ولذلك قال تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ولم يقل وانكحوا من النساء. وفي قوله تعالى: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ إشارة إلى مراتب نبوغ الرجل، الثلاث. فكأنه أراد أن لا يتجاوز، الذي قلّ نبوغه، الاقتران باثنتين. وأن لا يتجاوز، الذي نبوغه متوسط، الاقتران بثلاث. وأن يحل، للذي نبوغه أعلى من الأولين، الاقتران بأربع.
وأما الخائفون أن لا يعدلوا فيجب أن لا يتجاوزوا الاقتران بواحدة. لأنهم أناس لن يستطيعوا، مع كل حرصهم، أن يعدلوا بين النساء. لقصور عقلهم في سياسة المنزل وعدم نبوغهم. وهناك إنسان نبوغه أكبر من كل نبوغ. هو محمد صلى الله عليه وسلم. الذي اختاره الله لوفور حكمته رسولا منه إلى البشر. قد أحل له أن يقترن بأكثر من أربع لقدرته على العدل بينهن.
وأظنك، بعد قراءة ما أوردت، تعترف، إن كنت من المنصفين، أن الإسلام جاء، قبل أكثر من ألف وثلاثمائة عام، بسنّة للزواج، عليها وحدها يتوقف إصلاح نسل البشر، الذي أخذ في هذا القرن أفراد من فلاسفة الغرب يحضّون عليه. تلك السنة هي تعدد الزوجات بعد أن كان الرأي العام في الغرب يعيبه عليها. هذا هو الإسلام يقرر أكبر قاعدة للترقي. وهو إباحة تعدد الزوجات، اللاتي يطبن لوفور جمالهن وعقلهن، لأفراد نابغين من المسلمين. لا يخافون لوفور عقلهم أن لا يعدلوا بينهن. ولكن المسلمين لم يأتمروا بأمر الله. فأباحوا هذا التعدد لكل أحد من المسلمين. للخائفين أن لا يعدلوا. ولغير الخائفين. ففسد النسل. والذي أعان على فساده هو كون القدرة عليه أصبحت، بحكم الجهل، منحصرة في المال الذي يجمعه الغاصب والسارق والكاسب. فكثر نسل الظالمين وقلّ نسل العادلين من أهل العقل الراجح. انتهى كلامه. وهو استنباط بديع.
فنكحوا ما طاب لهم. والنابغة لا يطيب له أن يقترن إلا بمن جمعت نبوغا مثل نبوغه، إلى حسن رائع. فإن معاشرة الحمقاء ليس مما يطيب للعاقل الراقي. وإن الخير يطلب عند حسان الوجوه. ولذلك قال تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ولم يقل وانكحوا من النساء. وفي قوله تعالى: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ إشارة إلى مراتب نبوغ الرجل، الثلاث. فكأنه أراد أن لا يتجاوز، الذي قلّ نبوغه، الاقتران باثنتين. وأن لا يتجاوز، الذي نبوغه متوسط، الاقتران بثلاث. وأن يحل، للذي نبوغه أعلى من الأولين، الاقتران بأربع.
وأما الخائفون أن لا يعدلوا فيجب أن لا يتجاوزوا الاقتران بواحدة. لأنهم أناس لن يستطيعوا، مع كل حرصهم، أن يعدلوا بين النساء. لقصور عقلهم في سياسة المنزل وعدم نبوغهم. وهناك إنسان نبوغه أكبر من كل نبوغ. هو محمد صلى الله عليه وسلم. الذي اختاره الله لوفور حكمته رسولا منه إلى البشر. قد أحل له أن يقترن بأكثر من أربع لقدرته على العدل بينهن.
وأظنك، بعد قراءة ما أوردت، تعترف، إن كنت من المنصفين، أن الإسلام جاء، قبل أكثر من ألف وثلاثمائة عام، بسنّة للزواج، عليها وحدها يتوقف إصلاح نسل البشر، الذي أخذ في هذا القرن أفراد من فلاسفة الغرب يحضّون عليه. تلك السنة هي تعدد الزوجات بعد أن كان الرأي العام في الغرب يعيبه عليها. هذا هو الإسلام يقرر أكبر قاعدة للترقي. وهو إباحة تعدد الزوجات، اللاتي يطبن لوفور جمالهن وعقلهن، لأفراد نابغين من المسلمين. لا يخافون لوفور عقلهم أن لا يعدلوا بينهن. ولكن المسلمين لم يأتمروا بأمر الله. فأباحوا هذا التعدد لكل أحد من المسلمين. للخائفين أن لا يعدلوا. ولغير الخائفين. ففسد النسل. والذي أعان على فساده هو كون القدرة عليه أصبحت، بحكم الجهل، منحصرة في المال الذي يجمعه الغاصب والسارق والكاسب. فكثر نسل الظالمين وقلّ نسل العادلين من أهل العقل الراجح. انتهى كلامه. وهو استنباط بديع.
25
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤]
وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤)
وَآتُوا أي أعطوا النِّساءَ أي اللاتي أمر بنكاحهن صَدُقاتِهِنَّ أي مهورهن (جمع صدقة كسمرة) وهي المهر نِحْلَةً أي عطاء غير مستردّ بحيلة تلجئهن إلى الرد. والنحلة (بكسر النون وضمها، على ما رواه ابن دريد) اسم مصدر ل (نحل). والمصدر النحل (بالضم) وهو العطاء بلا عوض. والتعبير عن إيتاء المهور بالنحلة، مع كونها واجبة على الأزواج، لإفادة معنى الإيتاء عن كمال الرضا وطيب الخاطر.
فائدتان:
الأولى- هذا الخطاب إما للأزواج، كما روي عن علقمة والنخعيّ وقتادة، واختاره الزجاج. فإن ما قبله خطاب للناكحين وهم الأزواج. وإما لأولياء النساء.
وذلك لأن العرب كانت في الجاهلية لا تعطي النساء من مهورهن شيئا. ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت: هنيئا لك النافجة. ومعناه إنك تأخذ مهرها إبلا فتضمها إلى إبلك فتنفج مالك أي تعظمه. وقال ابن الأعرابيّ: النافجة ما يأخذه الرجل من الحلوان إذا زوج ابنته. فنهى الله تعالى عن ذلك وأمر بدفع الحق إلى أهله. وهذا قول الكلبيّ وأبي صالح. واختيار الفراء وابن قتيبة.
الثانية- قال القفال رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون المراد من الإيتاء المناولة. ويحتمل أن يكون المراد الالتزام. قال تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ [التوبة: ٢٩]. والمعنى حتى يضمنوها ويلتزموها. فعلى هذا الوجه الأول، كان المراد أنهم أمروا بدفع المهور التي قد سموها لهن. وعلى التقدير الثاني كان المراد أن الفروج لا تستباح إلا بعوض يلزم. سواء سمي ذلك أو لم يسم. إلا ما خص به الرسول ﷺ في الموهوبة. ثم قال رحمه الله: ويجوز أن يكون الكلام جامعا للوجهين معا. والله أعلم.
فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً الضمير للصدقات. وتذكيره لإجرائه مجرى ذلك. أي فإن أحللن لكم من المهر شيئا بطيبة النفس، جلبا لمودتكم، لا لحياء
وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤)
وَآتُوا أي أعطوا النِّساءَ أي اللاتي أمر بنكاحهن صَدُقاتِهِنَّ أي مهورهن (جمع صدقة كسمرة) وهي المهر نِحْلَةً أي عطاء غير مستردّ بحيلة تلجئهن إلى الرد. والنحلة (بكسر النون وضمها، على ما رواه ابن دريد) اسم مصدر ل (نحل). والمصدر النحل (بالضم) وهو العطاء بلا عوض. والتعبير عن إيتاء المهور بالنحلة، مع كونها واجبة على الأزواج، لإفادة معنى الإيتاء عن كمال الرضا وطيب الخاطر.
فائدتان:
الأولى- هذا الخطاب إما للأزواج، كما روي عن علقمة والنخعيّ وقتادة، واختاره الزجاج. فإن ما قبله خطاب للناكحين وهم الأزواج. وإما لأولياء النساء.
وذلك لأن العرب كانت في الجاهلية لا تعطي النساء من مهورهن شيئا. ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت: هنيئا لك النافجة. ومعناه إنك تأخذ مهرها إبلا فتضمها إلى إبلك فتنفج مالك أي تعظمه. وقال ابن الأعرابيّ: النافجة ما يأخذه الرجل من الحلوان إذا زوج ابنته. فنهى الله تعالى عن ذلك وأمر بدفع الحق إلى أهله. وهذا قول الكلبيّ وأبي صالح. واختيار الفراء وابن قتيبة.
الثانية- قال القفال رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون المراد من الإيتاء المناولة. ويحتمل أن يكون المراد الالتزام. قال تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ [التوبة: ٢٩]. والمعنى حتى يضمنوها ويلتزموها. فعلى هذا الوجه الأول، كان المراد أنهم أمروا بدفع المهور التي قد سموها لهن. وعلى التقدير الثاني كان المراد أن الفروج لا تستباح إلا بعوض يلزم. سواء سمي ذلك أو لم يسم. إلا ما خص به الرسول ﷺ في الموهوبة. ثم قال رحمه الله: ويجوز أن يكون الكلام جامعا للوجهين معا. والله أعلم.
فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً الضمير للصدقات. وتذكيره لإجرائه مجرى ذلك. أي فإن أحللن لكم من المهر شيئا بطيبة النفس، جلبا لمودتكم، لا لحياء
عرض لهن منكم أو من غيركم. ولا لاضطرارهن إلى البذل من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم. فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً أي فخذوه وتصرفوا فيه تملكا. وتخصيص الأكل بالذكر لأنه معظم وجوه التصرفات المالية. وهنيئا مريئا: صفتان من (هنؤ الطعام ومرؤ) إذا كان سائغا لا تنغيص فيه. وقيل: الهنيء ما أتاك بلا مشقة ولا تبعة.
والمريء حميد المغبة. وهما عبارة عن التحليل والمبالغة في الإباحة وإزالة التبعة.
لأنهن كالرجال في التصرفات والتبرعات.
تنبيه:
قال بعض المفسرين: للآية ثمرات: منها أنه لا بد في النكاح من صداق.
ومنها أنه حق واجب للمرأة كسائر الديون. ومنها أن لها أن تتصرف فيه بما شاءت.
ولم تفصل الآية بين أن تقبضه أم لا. ولذا قال بعض الفقهاء: لها بيع مهرها قبل قبضه. ولبعضهم: لا تبيعه حتى تقبضه، كالملك بالشراء. ومنها أنه يسقط عن الزوج بإسقاطها مع طيب نفسها. وقد رأى شريح إقالتها إذا رجعت، واحتج بالآية.
روى الشعبيّ أن امرأة جاءت مع زوجها شريحا في عطية أعطتها إياه. وهي تطلب الرجوع. فقال شريح: رد عليها. فقال الرجل أليس قد قال الله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ؟ فقال: لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه. وروي عنه أيضا أقيلها فيما وهبت ولا أقيله. لأنهن يخدعن. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى قضاته: أن النساء يعطين رغبة ورهبة. فأيما امرأة أعطته ثم أرادت أن ترجع فذلك لها. نقله الرازيّ.
أقول: ما رآه شريح وروي عن عمر، هو الفقه الصحيح والاستنباط البديع. إذ الآية دلت على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط. حيث بني الشرط على طيب النفس. ولم يقل: فإن وهبن لكم، إعلاما بأن المراعى هو تجافي نفسها عن الموهوب طيّبة. وبرجوعها يظهر عدم طيب نفسها. وذلك بيّن.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥]
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥)
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ
والمريء حميد المغبة. وهما عبارة عن التحليل والمبالغة في الإباحة وإزالة التبعة.
لأنهن كالرجال في التصرفات والتبرعات.
تنبيه:
قال بعض المفسرين: للآية ثمرات: منها أنه لا بد في النكاح من صداق.
ومنها أنه حق واجب للمرأة كسائر الديون. ومنها أن لها أن تتصرف فيه بما شاءت.
ولم تفصل الآية بين أن تقبضه أم لا. ولذا قال بعض الفقهاء: لها بيع مهرها قبل قبضه. ولبعضهم: لا تبيعه حتى تقبضه، كالملك بالشراء. ومنها أنه يسقط عن الزوج بإسقاطها مع طيب نفسها. وقد رأى شريح إقالتها إذا رجعت، واحتج بالآية.
روى الشعبيّ أن امرأة جاءت مع زوجها شريحا في عطية أعطتها إياه. وهي تطلب الرجوع. فقال شريح: رد عليها. فقال الرجل أليس قد قال الله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ؟ فقال: لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه. وروي عنه أيضا أقيلها فيما وهبت ولا أقيله. لأنهن يخدعن. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى قضاته: أن النساء يعطين رغبة ورهبة. فأيما امرأة أعطته ثم أرادت أن ترجع فذلك لها. نقله الرازيّ.
أقول: ما رآه شريح وروي عن عمر، هو الفقه الصحيح والاستنباط البديع. إذ الآية دلت على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط. حيث بني الشرط على طيب النفس. ولم يقل: فإن وهبن لكم، إعلاما بأن المراعى هو تجافي نفسها عن الموهوب طيّبة. وبرجوعها يظهر عدم طيب نفسها. وذلك بيّن.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥]
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥)
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ
27
وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً
اعلم أن في الآية وجوها يحتملها النظم الكريم.
الأول: أن يراد بالسفهاء اليتامى. كما روي عن سعيد بن جبير. والخطاب حينئذ للأولياء. نهوا أن يؤتوا اليتامى أموالهم مخافة أن يضيعوها لقلة عقولهم. لأن السفيه هو الخفيف الحلم. وإنما أضيفت للأولياء، وهي لليتامى، تنزيلا لاختصاصها بأصحابها منزلة اختصاصها بالأولياء. فكأن أموالهم عين أموالهم. لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسيّ والنسبيّ. مبالغة في حملهم على المحافظة عليها. كما قال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: ٢٩]. أي لا يقتل بعضكم بعضا. حيث عبر عن بني نوعهم بأنفسهم، مبالغة في زجرهم عن قتلهم. فكأن قتلهم قتل أنفسهم. وقد أيد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطا لمعاش أصحابها بجعلها مناطا لمعاش الأولياء، بقوله تعالى: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً. أي جعلها الله شيئا تقومون وتنتعشون. فلو ضيعتموها لضعتم. وقوله تعالى: وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ أي اجعلوها مكانا لرزقهم وكسوتهم. بأن تتجروا وتتربحوا. حتى تكون نفقاتهم من الأرباح لا من صلب المال. وقوله سبحانه: وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً أي كلاما لينا تطيب به نفوسهم. ومنه أن يعدهم عدة جميلة، بأن يقول وليهم: إذا صلحتم ورشدتم، سلمنا إليكم أموالكم.
(الوجه الثاني) أن يراد بالسفهاء الناس والصبيان. روي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما. فالخطاب عام والنهي لكل أحد أن يعمد إلى ما خوّله الله تعالى من المال فيعطيه امرأته وأولاده. ثم ينظر إلى أيديهم. وإنما سماهم سفهاء استخفافا بعقلهم واستهجانا لجعلهم قواما على أنفسهم. قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: لا تعمد إلى مالك ما خوّلك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنتك ثم تنظر إلى ما في أيديهم. ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم.
(الوجه الثالث) أن يراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال.
فيدخل فيه النساء والصبيان والأيتام وكل من كان موصوفا بهذه الصفة. قال الرازيّ:
وهذا القول أولى. لأن التخصيص بغير دليل لا يجوز. قال السيوطيّ في (الإكليل) :
في هذه الآية الحجر على السفيه. وأنه لا يمكّن من ماله. وأنه ينفق عليه منه ويكسي، ولا ينفق في التبرعات. وأنه يقال له معروف. ك (إن رشدت دفعنا إليك مالك. وإنما يحتاط لنفعك).
اعلم أن في الآية وجوها يحتملها النظم الكريم.
الأول: أن يراد بالسفهاء اليتامى. كما روي عن سعيد بن جبير. والخطاب حينئذ للأولياء. نهوا أن يؤتوا اليتامى أموالهم مخافة أن يضيعوها لقلة عقولهم. لأن السفيه هو الخفيف الحلم. وإنما أضيفت للأولياء، وهي لليتامى، تنزيلا لاختصاصها بأصحابها منزلة اختصاصها بالأولياء. فكأن أموالهم عين أموالهم. لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسيّ والنسبيّ. مبالغة في حملهم على المحافظة عليها. كما قال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: ٢٩]. أي لا يقتل بعضكم بعضا. حيث عبر عن بني نوعهم بأنفسهم، مبالغة في زجرهم عن قتلهم. فكأن قتلهم قتل أنفسهم. وقد أيد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطا لمعاش أصحابها بجعلها مناطا لمعاش الأولياء، بقوله تعالى: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً. أي جعلها الله شيئا تقومون وتنتعشون. فلو ضيعتموها لضعتم. وقوله تعالى: وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ أي اجعلوها مكانا لرزقهم وكسوتهم. بأن تتجروا وتتربحوا. حتى تكون نفقاتهم من الأرباح لا من صلب المال. وقوله سبحانه: وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً أي كلاما لينا تطيب به نفوسهم. ومنه أن يعدهم عدة جميلة، بأن يقول وليهم: إذا صلحتم ورشدتم، سلمنا إليكم أموالكم.
(الوجه الثاني) أن يراد بالسفهاء الناس والصبيان. روي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما. فالخطاب عام والنهي لكل أحد أن يعمد إلى ما خوّله الله تعالى من المال فيعطيه امرأته وأولاده. ثم ينظر إلى أيديهم. وإنما سماهم سفهاء استخفافا بعقلهم واستهجانا لجعلهم قواما على أنفسهم. قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: لا تعمد إلى مالك ما خوّلك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنتك ثم تنظر إلى ما في أيديهم. ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم.
(الوجه الثالث) أن يراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال.
فيدخل فيه النساء والصبيان والأيتام وكل من كان موصوفا بهذه الصفة. قال الرازيّ:
وهذا القول أولى. لأن التخصيص بغير دليل لا يجوز. قال السيوطيّ في (الإكليل) :
في هذه الآية الحجر على السفيه. وأنه لا يمكّن من ماله. وأنه ينفق عليه منه ويكسي، ولا ينفق في التبرعات. وأنه يقال له معروف. ك (إن رشدت دفعنا إليك مالك. وإنما يحتاط لنفعك).
28
واستدل بعموم الآية من قال بالحجر على السفيه البالغ. سواء طرأ عليه أم كان من حين البلوغ. ومن قال بالحجر على من يخدع في البيوع. ومن قال بأن من يتصدق على محجور، وشرط أن يترك في يده، لا يسمع منه في ذلك.
لطيفة:
في قوله تعالى: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً حث على حفظ الأموال وعدم تضييعها.
قال الزمخشريّ: كان السلف يقولون: المال سلاح المؤمن. ولأن أترك مالا يحاسبني الله عليه، خير من أن أحتاج إلى الناس. وعن سفيان، وكانت له بضاعة يقلبها: لولاها لتمندل بي بنو العباس. وعن غيره (وقيل له: إنها تدنيك من الدنيا) :
لأن أدنتني من الدنيا لقد صانتني عنها. وكانوا يقولون: اتجروا واكتسبوا. فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه. وربما رأوا رجلا في جنازة، فقالوا له:
اذهب إلى دكانك. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦]
وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٦)
وَابْتَلُوا الْيَتامى أي اختبروا عقولهم ومعرفتهم بالتصرف حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ أي بأن يحتلموا أو يبلغوا خمس عشرة سنة. لما
في الصحيحين «١» عن ابن عمر قال: إن رسول الله ﷺ عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني
. قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته هذا الحديث فقال: إن هذا لحدّ بين الصغير والكبير.
وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة. وكذا نبات الشعر الخشن حول العورة، لما
رواه الإمام أحمد «٢» وأهل السنن عن عطية القرظيّ قال: عرضنا على النبيّ
لطيفة:
في قوله تعالى: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً حث على حفظ الأموال وعدم تضييعها.
قال الزمخشريّ: كان السلف يقولون: المال سلاح المؤمن. ولأن أترك مالا يحاسبني الله عليه، خير من أن أحتاج إلى الناس. وعن سفيان، وكانت له بضاعة يقلبها: لولاها لتمندل بي بنو العباس. وعن غيره (وقيل له: إنها تدنيك من الدنيا) :
لأن أدنتني من الدنيا لقد صانتني عنها. وكانوا يقولون: اتجروا واكتسبوا. فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه. وربما رأوا رجلا في جنازة، فقالوا له:
اذهب إلى دكانك. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦]
وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٦)
وَابْتَلُوا الْيَتامى أي اختبروا عقولهم ومعرفتهم بالتصرف حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ أي بأن يحتلموا أو يبلغوا خمس عشرة سنة. لما
في الصحيحين «١» عن ابن عمر قال: إن رسول الله ﷺ عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني
. قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته هذا الحديث فقال: إن هذا لحدّ بين الصغير والكبير.
وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة. وكذا نبات الشعر الخشن حول العورة، لما
رواه الإمام أحمد «٢» وأهل السنن عن عطية القرظيّ قال: عرضنا على النبيّ
(١) أخرجه البخاري في: الشهادات، ١٨- باب بلوغ الصبيان وشهادتهم.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٤/ ٣١٠.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٤/ ٣١٠.
29
صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل. ومن لم ينبت خلّى سبيله. فكنت فيمن لم ينبت. فخلّى سبيلي.
قال الترمذي: حسن صحيح. فَإِنْ آنَسْتُمْ أي شاهدتم وتبينتم مِنْهُمْ رُشْداً أي صلاحا في دينهم وحفظا لأموالهم. قاله سعيد بن جبير، وروي عن ابن عباس والحسن وغير واحد من الأئمة فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ أي من غير تأخير.
وظاهر الآية الكريمة أن من بلغ غير رشيد إما بالتبذير أو بالعجز أو بالفسق، لا يسلم إليه ماله لأنها مفسدة للمال وَلا تَأْكُلُوها أيها الأولياء إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا أي مسرفين ومبادرين كبرهم. أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم. تفرّطون في إنفاقها وتقولون: ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا وَمَنْ كانَ من الأولياء غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ أي يتنزه عن أكل مال اليتيم. فإنه عليه كالميتة والدم. وليقنع بما آتاه الله تعالى من الرزق وَمَنْ كانَ فَقِيراً يمنعه اشتغاله بمال اليتيم عن الكسب. وإهماله يفضي إلى تلفه عليه فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ بقدر حاجته الضرورية وأجرة سعيه وخدمته. كما رواه ابن أبي حاتم عن عائشة حيث قالت:
فليأكل بالمعروف بقدر قيامه عليه. ورواه البخاري «١» أيضا. قال ابن كثير: قال الفقهاء: له أن يأكل أقل الأمرين أجرة مثله. وقد حاجته. وهل يردّ إذا أيسر؟ وجهان:
أحدهما لا يرد لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيرا. وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعيّ. لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل.
وروى الإمام أحمد «٢» عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا سأل النبيّ ﷺ فقال: ليس لي مال ولي يتيم.
فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالا. ومن غير أن تقي مالك، (أو قال تفدي مالك بماله) ورواه ابن أبي حاتم ولفظه: كل بالمعروف غير مسرف. ورواه أبو داود والنسائيّ وابن ماجة.
وروى ابن حبان في (صحيحه) وابن مردويه في (تفسيره) عن جابر: أن رجلا قال: يا رسول الله! مما أضرب يتيمي؟
قال: مما كنت ضاربا منه ولدك. غير واق مالك بماله. ولا متأثل منه مالا.
وروى عبد الرزاق عن الثوريّ عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: جاء أعرابيّ إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاما. وإن لهم إبلا. ولي إبل وأنا أمنح من إبلي فقراء.
قال الترمذي: حسن صحيح. فَإِنْ آنَسْتُمْ أي شاهدتم وتبينتم مِنْهُمْ رُشْداً أي صلاحا في دينهم وحفظا لأموالهم. قاله سعيد بن جبير، وروي عن ابن عباس والحسن وغير واحد من الأئمة فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ أي من غير تأخير.
وظاهر الآية الكريمة أن من بلغ غير رشيد إما بالتبذير أو بالعجز أو بالفسق، لا يسلم إليه ماله لأنها مفسدة للمال وَلا تَأْكُلُوها أيها الأولياء إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا أي مسرفين ومبادرين كبرهم. أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم. تفرّطون في إنفاقها وتقولون: ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا وَمَنْ كانَ من الأولياء غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ أي يتنزه عن أكل مال اليتيم. فإنه عليه كالميتة والدم. وليقنع بما آتاه الله تعالى من الرزق وَمَنْ كانَ فَقِيراً يمنعه اشتغاله بمال اليتيم عن الكسب. وإهماله يفضي إلى تلفه عليه فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ بقدر حاجته الضرورية وأجرة سعيه وخدمته. كما رواه ابن أبي حاتم عن عائشة حيث قالت:
فليأكل بالمعروف بقدر قيامه عليه. ورواه البخاري «١» أيضا. قال ابن كثير: قال الفقهاء: له أن يأكل أقل الأمرين أجرة مثله. وقد حاجته. وهل يردّ إذا أيسر؟ وجهان:
أحدهما لا يرد لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيرا. وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعيّ. لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل.
وروى الإمام أحمد «٢» عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا سأل النبيّ ﷺ فقال: ليس لي مال ولي يتيم.
فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالا. ومن غير أن تقي مالك، (أو قال تفدي مالك بماله) ورواه ابن أبي حاتم ولفظه: كل بالمعروف غير مسرف. ورواه أبو داود والنسائيّ وابن ماجة.
وروى ابن حبان في (صحيحه) وابن مردويه في (تفسيره) عن جابر: أن رجلا قال: يا رسول الله! مما أضرب يتيمي؟
قال: مما كنت ضاربا منه ولدك. غير واق مالك بماله. ولا متأثل منه مالا.
وروى عبد الرزاق عن الثوريّ عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: جاء أعرابيّ إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاما. وإن لهم إبلا. ولي إبل وأنا أمنح من إبلي فقراء.
(١) أخرجه البخاري في: التفسير، ٤- سورة النساء، ٢- باب: وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، حديث ١١٠٩. ونصه: عن عائشة رضي الله عنها، في قوله تعالى: وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، إنها نزلت في والي مال اليتيم إذا كان فقيرا أنه يأكل منه، مكان قيامه عليه، بمعروف.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٢/ ٢١٦.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٢/ ٢١٦.
30
فماذا يحل لي من ألبانها؟ فقال: إن كنت تبغي ضالتها، وتهنأ جرباها، وتلوط حوضها، وتسعى عليها، فاشرب غير مضرّ بنسل، ولا ناهك في الحلب. ورواه مالك في موطئه «١». وبهذا القول، وهو عدم أداء البدل، بقول عطاء بن أبي رباح وعكرمة وإبراهيم النخعيّ وعطية العوفيّ والحسن البصريّ.
والوجه الثاني- يردّ. لأن مال اليتيم على الحظر. وإنما أبيح للحاجة. فيردّ بدله. كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة. وقد روى ابن أبي الدنيا عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر رضي الله عنه: إني أنزلت نفسي من هذا المال منزلة وإلى اليتيم. إن استغنيت استعففت. وإن احتجت استقرضت. فإذا أيسرت قضيت.
وروى سعيد بن منصور في (سننه) : حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء قال قال لي عمر رضي الله عنه: إنما أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم إن احتجت أخذت منه. فإذا أيسرت رددته. وإن استغنيت استعففت. قال ابن كثير:
إسناد صحيح.
وروى البيهقيّ عن ابن عباس نحو ذلك. وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ يعني القرض. قال وروي عن عبيدة وأبي العالية وأبي وائل، وسعيد بن جبير (في إحدى الروايات) ومجاهد والضحاك والشعبيّ والسدّيّ نحو ذلك. قال الفخر الرازيّ: وبعض أهل العلم خص هذا الإقراض بأصول الأموال من الذهب والفضة وغيرها. وأما التناول من ألبان المواشي واستخدام العبيد وركوب الدواب فمباح له إذا كان غير مضر بالمال. وهذا قول أبي العالية وغيره. واحتجوا بأن الله تعالى قال: فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ، فحكم في الأموال بدفعها إليهم. انتهى.
أقول: الكل محتمل. إذ لا نص من الأصلين على واحد منها. ولا يخفى الورع. فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ أي بعد البلوغ والرشد فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ أي عند الدفع بأنهم قبضوها. فإنه أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة. قال السيوطيّ: فيه الأمر بالإشهاد ندبا. وقيل: وجوبا. ويستفاد منه أن القول في الدفع قول الصبيّ، لا الوليّ.
والوجه الثاني- يردّ. لأن مال اليتيم على الحظر. وإنما أبيح للحاجة. فيردّ بدله. كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة. وقد روى ابن أبي الدنيا عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر رضي الله عنه: إني أنزلت نفسي من هذا المال منزلة وإلى اليتيم. إن استغنيت استعففت. وإن احتجت استقرضت. فإذا أيسرت قضيت.
وروى سعيد بن منصور في (سننه) : حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء قال قال لي عمر رضي الله عنه: إنما أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم إن احتجت أخذت منه. فإذا أيسرت رددته. وإن استغنيت استعففت. قال ابن كثير:
إسناد صحيح.
وروى البيهقيّ عن ابن عباس نحو ذلك. وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ يعني القرض. قال وروي عن عبيدة وأبي العالية وأبي وائل، وسعيد بن جبير (في إحدى الروايات) ومجاهد والضحاك والشعبيّ والسدّيّ نحو ذلك. قال الفخر الرازيّ: وبعض أهل العلم خص هذا الإقراض بأصول الأموال من الذهب والفضة وغيرها. وأما التناول من ألبان المواشي واستخدام العبيد وركوب الدواب فمباح له إذا كان غير مضر بالمال. وهذا قول أبي العالية وغيره. واحتجوا بأن الله تعالى قال: فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ، فحكم في الأموال بدفعها إليهم. انتهى.
أقول: الكل محتمل. إذ لا نص من الأصلين على واحد منها. ولا يخفى الورع. فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ أي بعد البلوغ والرشد فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ أي عند الدفع بأنهم قبضوها. فإنه أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة. قال السيوطيّ: فيه الأمر بالإشهاد ندبا. وقيل: وجوبا. ويستفاد منه أن القول في الدفع قول الصبيّ، لا الوليّ.
(١) أخرجه الإمام مالك في الموطأ في: صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم، حديث ٣٣ ونصه: عن القاسم بن محمد قال:
جاء رجل إلى عبد الله بن عباس فقال له: إن لي يتيما وله إبل، أفأشرب من لبن إبله؟ فقال ابن عباس: إن كنت تبغي ضالة إبله، وتهنأ جرباها، وتلطّ حوضها، وتسقيها يوم وردها، فاشرب غير مضرّ بنسل، ولا ناهك في الحلب.
جاء رجل إلى عبد الله بن عباس فقال له: إن لي يتيما وله إبل، أفأشرب من لبن إبله؟ فقال ابن عباس: إن كنت تبغي ضالة إبله، وتهنأ جرباها، وتلطّ حوضها، وتسقيها يوم وردها، فاشرب غير مضرّ بنسل، ولا ناهك في الحلب.
31
فلا يقبل قوله إلا ببينة. وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أي كافيا في الشهادة عليكم بالدفع والقبض. أو محاسبا. فلا تخالفوا ما أمركم به. ولا يخفى موقع هذا التذييل هنا. فإن الوصيّ يحاسب على ما في يده. وفيه وعيد لوليّ اليتيم وإعلام له أنه تعالى يعلم باطنه كما يعلم ظاهره. لئلا ينوي أو يعمل في ماله ما لا يحل، ويقوم بالأمانة التامة في ذلك إلى أن يصل إليه ماله.
وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ قال: يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمّرنّ على اثنين ولا تولّينّ مال يتيم. «١»
ثم ذكر تعالى أحكام المواريث بقول سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٧]
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧)
لِلرِّجالِ أي الأولاد والأقرباء نَصِيبٌ أي حظ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ أي المتوفون وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أي المال أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً أي مقطوعا واجبا لهم. وإيراد حكم النساء على الاستقلال دون الدرج في تضاعيف أحكام الرجال، بأن يقال للرجال والنساء إلخ للاعتناء بأمرهن، والإشارة من أول الأمر إلى تفاوت ما بين نصيبي الفريقين، والمبالغة في إبطال حكم الجاهلية. فإنهم كانوا لا يورّثون النساء والأطفال. ويقولون، لا يرث إلا من طاعن بالرماح، وذاد عن الحوزة، وحاز الغنيمة. وقد استدل بالآية على توريث ذوي الأرحام لأنهم من الأقربين. وهو استدلال وجيه. ولا حجة لمن حاول دفعه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٨]
وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨)
وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أي قسمة التركة أُولُوا الْقُرْبى ذوو القرابة ممن لا
وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ قال: يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمّرنّ على اثنين ولا تولّينّ مال يتيم. «١»
ثم ذكر تعالى أحكام المواريث بقول سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٧]
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧)
لِلرِّجالِ أي الأولاد والأقرباء نَصِيبٌ أي حظ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ أي المتوفون وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أي المال أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً أي مقطوعا واجبا لهم. وإيراد حكم النساء على الاستقلال دون الدرج في تضاعيف أحكام الرجال، بأن يقال للرجال والنساء إلخ للاعتناء بأمرهن، والإشارة من أول الأمر إلى تفاوت ما بين نصيبي الفريقين، والمبالغة في إبطال حكم الجاهلية. فإنهم كانوا لا يورّثون النساء والأطفال. ويقولون، لا يرث إلا من طاعن بالرماح، وذاد عن الحوزة، وحاز الغنيمة. وقد استدل بالآية على توريث ذوي الأرحام لأنهم من الأقربين. وهو استدلال وجيه. ولا حجة لمن حاول دفعه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٨]
وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨)
وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أي قسمة التركة أُولُوا الْقُرْبى ذوو القرابة ممن لا
(١) أخرجه مسلم في: الإمارة، حديث ١٧.
32
يرث، قدّمهم لأن إعطاءهم صدقة وصلة وَالْيَتامى الضعفاء بفقد الآباء وَالْمَساكِينُ الضعفاء بفقد ما يكفيهم من المال فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ أي أعطوهم من الميراث شيئا وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً بتلطيف القول لهم والدعاء لهم بمثل: بارك الله عليكم.
قال ابن كثير في هذه الآية: المعنى أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون، واليتامى والمساكين، قسمة مال جزيل، فإن أنفسهم تتشوق إلى شيء منه، إذا رأوا هذا يأخذ، وهذا يأخذ، وهم يائسون لا يعطون شيئا. فأمر الله تعالى، وهو الرؤوف الرحيم أن يرضخ لهم شيء من الوسط، يكون برّا بهم وصدقة عليهم وإحسانا إليهم وجبرا لكسرهم كما قال الله تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ [الأنعام: ١٤١]. وذم الذين ينقلون المال خفية، خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة، كما أخبر به عن أصحاب الجنة: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ [القلم: ١٧]. فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ [القلم: ٢٣- ٢٤]. دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها [محمد صلى الله عليه وسلم: ١٠]. فمن جحد حق الله عليه عاقبه في أعز ما يملكه. ولهذا جاء في الحديث: ما خالطت الصدقة مالا إلا أفسدته. أي منعها يكون سبب محق ذلك المال بالكلية. انتهى.
وقد روى البخاري «١» عن ابن عباس، في الآية قال: هي محكمة وليست بمنسوخة. وفي لفظ عنه: هي قائمة يعمل بها. وروي عن جماعة من الصحابة والتابعين، في هذه الآية: أنها واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم. وروى عبد الرزاق في (مصنفه) أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمن، وعائشة حية. فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه. وتلا: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى الآية. وأخرج سعيد بن منصور عن يحيى بن يعمر قال: ثلاث آيات مدنيات محكمات ضيّعهن كثير من الناس:
وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ، وآية الاستئذان: وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ، وقوله:
إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى، الآية. وقد ذكر هاهنا كثير من المفسرين آثارا عن بعض السلف بأن هذه الآية منسوخة بآية. الميراث. وهي من الضعف بمكان. ولقد
قال ابن كثير في هذه الآية: المعنى أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء من القرابة الذين لا يرثون، واليتامى والمساكين، قسمة مال جزيل، فإن أنفسهم تتشوق إلى شيء منه، إذا رأوا هذا يأخذ، وهذا يأخذ، وهم يائسون لا يعطون شيئا. فأمر الله تعالى، وهو الرؤوف الرحيم أن يرضخ لهم شيء من الوسط، يكون برّا بهم وصدقة عليهم وإحسانا إليهم وجبرا لكسرهم كما قال الله تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ [الأنعام: ١٤١]. وذم الذين ينقلون المال خفية، خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة، كما أخبر به عن أصحاب الجنة: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ [القلم: ١٧]. فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ [القلم: ٢٣- ٢٤]. دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها [محمد صلى الله عليه وسلم: ١٠]. فمن جحد حق الله عليه عاقبه في أعز ما يملكه. ولهذا جاء في الحديث: ما خالطت الصدقة مالا إلا أفسدته. أي منعها يكون سبب محق ذلك المال بالكلية. انتهى.
وقد روى البخاري «١» عن ابن عباس، في الآية قال: هي محكمة وليست بمنسوخة. وفي لفظ عنه: هي قائمة يعمل بها. وروي عن جماعة من الصحابة والتابعين، في هذه الآية: أنها واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم. وروى عبد الرزاق في (مصنفه) أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمن، وعائشة حية. فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه. وتلا: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى الآية. وأخرج سعيد بن منصور عن يحيى بن يعمر قال: ثلاث آيات مدنيات محكمات ضيّعهن كثير من الناس:
وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ، وآية الاستئذان: وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ، وقوله:
إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى، الآية. وقد ذكر هاهنا كثير من المفسرين آثارا عن بعض السلف بأن هذه الآية منسوخة بآية. الميراث. وهي من الضعف بمكان. ولقد
(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ٣- باب: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ الآية، حديث ١٣٢٣.
33
أبعد القائل بالنسخ عن فهم سر الآية فيما ندبت إليه من هذه المكرمة الجليلة. وهي إسعاف من ذكر من المال الموروث، والنفس الأبية تنفر من أن تأخذ المال الجزل، وذو الرحم حاضر محروم، ولا يسعف ولا يساعد. فالآية بينة بنفسها، واضحة في معناها وضوح الشمس في الظهيرة، لا تنسخ أو تقوم الساعة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٩]
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩)
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً في الآية وجوه:
الأول- أنها أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه في أمر اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريّهم الضعاف بعد وفاتهم.
الثاني: أنها أمر لمن حضر المريض من العوّاد عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم أو يخشوا أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم. فلا يتركوه أن يضرّ بهم بصرف المال عنهم:
الثالث: أنها أمر للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين، متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم.
هل يجوّزون حرمانهم؟
الرابع: أنها أمر للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية. كما
ثبت في الصحيحين «١»
أن رسول الله ﷺ لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده قال: يا رسول الله! إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة. أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قال:
فالشطر؟ قال: لا، قال: فالثلث. قال: الثلث. والثلث كثير. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٩]
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩)
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً في الآية وجوه:
الأول- أنها أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه في أمر اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريّهم الضعاف بعد وفاتهم.
الثاني: أنها أمر لمن حضر المريض من العوّاد عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم أو يخشوا أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم. فلا يتركوه أن يضرّ بهم بصرف المال عنهم:
الثالث: أنها أمر للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين، متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم.
هل يجوّزون حرمانهم؟
الرابع: أنها أمر للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية. كما
ثبت في الصحيحين «١»
أن رسول الله ﷺ لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده قال: يا رسول الله! إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة. أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قال:
فالشطر؟ قال: لا، قال: فالثلث. قال: الثلث. والثلث كثير. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(١)
أخرجه البخاريّ في: الجنائز، ٣٧- باب رثي النبيّ ﷺ سعد بن خولة، حديث ٥٠ ونصه: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ يعودني في عام حجة الوداع من وجع اشتد بي. فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال. ولا يرثني إلا ابنة.
أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال «لا» فقلت: بالشطر؟ فقال «لا» ثم قال «الثلث. والثلث كبير (أو كثير) إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس. وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها. حتى ما تجعل في في امرأتك»
.
أخرجه البخاريّ في: الجنائز، ٣٧- باب رثي النبيّ ﷺ سعد بن خولة، حديث ٥٠ ونصه: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ يعودني في عام حجة الوداع من وجع اشتد بي. فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال. ولا يرثني إلا ابنة.
أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال «لا» فقلت: بالشطر؟ فقال «لا» ثم قال «الثلث. والثلث كبير (أو كثير) إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس. وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها. حتى ما تجعل في في امرأتك»
.
34
إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس.
وفي الصحيح «١» عن ابن عباس قال: لو غض الناس إلى الربع؟ لأن رسول الله ﷺ قال الثلث: والثلث كثير (أو كبير).
والوجه الأول حكاه ابن جرير من طريق العوفيّ عن ابن عباس. قال ابن كثير:
وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلما.
ونقل الرازيّ عن القاضي: إن هذا الوجه أليق بما تقدم وتأخر من الآيات الواردة في باب الأيتام. فجعل تعالى آخر ما دعاهم إلى حفظ مال اليتيم أن ينبههم على حال أنفسهم وذريتهم إذا تصوروها. ولا شك أنه من أقوى الدواعي والبواعث في هذا المقصود.
قال الزمخشريّ: والقول السديد من الأوصياء أن لا يؤذوا اليتامى. ويكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب. ويدعوهم ب (يا بنيّ) ويا ولدي.
ومن الجالسين إلى المريض أن يقولوا له، إذا أراد الوصية: لا تسرف في وصيتك فتجحف بأولادك. مثل
قول رسول الله ﷺ لسعد: إنك أن تترك ولدك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس.
ومن المتقاسمين ميراثهم أن يلطفوا القول ويجملوه للحاضرين.
لطيفة:
لا بد من حمل قوله تعالى: (تركوا) على المشارفة: ليصح وقوع (خافوا) خيرا له. ضرورة أنه لا خوف بعد حقيقة الموت وترك الورثة. ونظيره: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة: ٢٣١]. أي شارفن بلوغ الأجل. ولهذا المجاز، في التعبير عن المشارفة على الترك، بالترك، سرّ بديع.
وهو التخويف بالحالة التي لا يبقى معها مطمع في الحياة، ولا في الذبّ عن الذرية الضعاف. وهي الحالة التي، وإن كانت من الدنيا، إلا أنها لقربها من الآخرة، ولصوقها بالمفارقة، صارت من حيّزها، ومعبرا عنها بما يعبر به عن الحالة الكائنة بعد المفارقة من الترك. كذا في الانتصاف.
تنبيه:
قال بعض المفسرين: إنه يجب أن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه.
وفي الصحيح «١» عن ابن عباس قال: لو غض الناس إلى الربع؟ لأن رسول الله ﷺ قال الثلث: والثلث كثير (أو كبير).
والوجه الأول حكاه ابن جرير من طريق العوفيّ عن ابن عباس. قال ابن كثير:
وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلما.
ونقل الرازيّ عن القاضي: إن هذا الوجه أليق بما تقدم وتأخر من الآيات الواردة في باب الأيتام. فجعل تعالى آخر ما دعاهم إلى حفظ مال اليتيم أن ينبههم على حال أنفسهم وذريتهم إذا تصوروها. ولا شك أنه من أقوى الدواعي والبواعث في هذا المقصود.
قال الزمخشريّ: والقول السديد من الأوصياء أن لا يؤذوا اليتامى. ويكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب. ويدعوهم ب (يا بنيّ) ويا ولدي.
ومن الجالسين إلى المريض أن يقولوا له، إذا أراد الوصية: لا تسرف في وصيتك فتجحف بأولادك. مثل
قول رسول الله ﷺ لسعد: إنك أن تترك ولدك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس.
ومن المتقاسمين ميراثهم أن يلطفوا القول ويجملوه للحاضرين.
لطيفة:
لا بد من حمل قوله تعالى: (تركوا) على المشارفة: ليصح وقوع (خافوا) خيرا له. ضرورة أنه لا خوف بعد حقيقة الموت وترك الورثة. ونظيره: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة: ٢٣١]. أي شارفن بلوغ الأجل. ولهذا المجاز، في التعبير عن المشارفة على الترك، بالترك، سرّ بديع.
وهو التخويف بالحالة التي لا يبقى معها مطمع في الحياة، ولا في الذبّ عن الذرية الضعاف. وهي الحالة التي، وإن كانت من الدنيا، إلا أنها لقربها من الآخرة، ولصوقها بالمفارقة، صارت من حيّزها، ومعبرا عنها بما يعبر به عن الحالة الكائنة بعد المفارقة من الترك. كذا في الانتصاف.
تنبيه:
قال بعض المفسرين: إنه يجب أن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه.
(١) أخرجه البخاريّ في: الوصايا، ٣- باب الوصية بالثلث، حديث ١٣١٨.
35
ويحب لذرية غيره من المؤمنين ما يحب لذريته. وأن على وليّ اليتيم أن لا يؤذي اليتيم. بل يكلمه كما يكلم أولاده بالأدب الحسن والترحيب. ويدعوا اليتيم: يا بنيّ، يا ولدي. وقد جاء في الرقة على الأيتام آثار كثيرة.
وفي الآية إشارة إلى إرشاد الآباء، الذي يخشون ترك ذرية ضعاف، بالتقوى في سائر شؤونهم حتى تحفظ أبناؤهم وتغاث بالعناية منه تعالى. ويكون في إشعارها تهديد بضياع أولادهم إن فقدوا تقوى الله تعالى. وإشارة إلى أن تقوى الأصول تحفظ الفروع. وأن الرجال الصالحين يحفظون في ذريتهم الضعاف. كما في آية:
وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً [الكهف: ٨٢]، إلى آخرها. فإن الغلامين حفظا، ببركة صلاح أبيهما، في أنفسهما ومالهما.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٠]
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠)
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً أي على وجه الظلم من الورثة، أو أولياء السوء وقضاته، بخلاف أكل الفقير الناظر في أموالهم بقدر أجرته، كما تقدم إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً أي ما يجرّ إلى النار ويؤدّي إليها وَسَيَصْلَوْنَ أي في القيامة سَعِيراً أي نارا مستعرة.
روى ابن حبان في (صحيحه) وابن مردويه وابن أبي حاتم عن أبي برزة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا. قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: ألم تر أن الله قال: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً، الآية.
لطيفة:
قال الزمخشريّ: في بطونهم، أي ملء بطونهم. يقال: أكل فلان في بطنه وفي بعض بطنه. قال الشاعر:
قال الناصر: ومثله: قد بدت البغضاء من أفواههم أي شرقوا بها وقالوها بملء أفواههم. ويكون المراد بذكر البطون تصوير الأكل للسامع حتى يتأكد عنده بشاعة
وفي الآية إشارة إلى إرشاد الآباء، الذي يخشون ترك ذرية ضعاف، بالتقوى في سائر شؤونهم حتى تحفظ أبناؤهم وتغاث بالعناية منه تعالى. ويكون في إشعارها تهديد بضياع أولادهم إن فقدوا تقوى الله تعالى. وإشارة إلى أن تقوى الأصول تحفظ الفروع. وأن الرجال الصالحين يحفظون في ذريتهم الضعاف. كما في آية:
وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً [الكهف: ٨٢]، إلى آخرها. فإن الغلامين حفظا، ببركة صلاح أبيهما، في أنفسهما ومالهما.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٠]
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠)
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً أي على وجه الظلم من الورثة، أو أولياء السوء وقضاته، بخلاف أكل الفقير الناظر في أموالهم بقدر أجرته، كما تقدم إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً أي ما يجرّ إلى النار ويؤدّي إليها وَسَيَصْلَوْنَ أي في القيامة سَعِيراً أي نارا مستعرة.
روى ابن حبان في (صحيحه) وابن مردويه وابن أبي حاتم عن أبي برزة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا. قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: ألم تر أن الله قال: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً، الآية.
لطيفة:
قال الزمخشريّ: في بطونهم، أي ملء بطونهم. يقال: أكل فلان في بطنه وفي بعض بطنه. قال الشاعر:
كلوا في بعض بطنكمو تعفوا | فإن زمانكم زمن خميص |
هذا الجرم بمزيد تصوير. ولأجل تأكيد التشنيع على الظالم لليتيم في ماله، خص الأكل. لأنه أبشع الأحوال التي يتناول مال اليتيم فيها. والله أعلم.
تنبيه:
روى أبو داود «١» والنسائي والحاكم وغيرهم أنه لما نزلت هذه الآية انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه. فجعل يفضل له الشيء من طعامه، فيحبس له حتى أكله أو يفسد. فاشتد عليهم ذلك. فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة: ٢٢٠].
الآية. فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه. وقد مضى ذلك في سورة البقرة.
قال الرازيّ رحمه الله: ومن الجهال من قال: صارت هذه الآية منسوخة بتلك.
وهو بعيد. لأن هذه الآية في المنع من الظلم. وهذا لا يصير منسوخا. بل المقصود أن مخالطة أموال اليتامى، إن كان على سبيل الظلم، فهو من أعظم أبواب الإثم. كما في هذه الآية. وإن كان على سبيل التربية والإحسان، فهو من أعظم أبواب البر، كما في قوله: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ.
وقال رحمه الله قبل ذلك: ما أشد دلالة هذا الوعيد على سعة رحمته تعالى وكثرة عفوه وفضله. لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى، بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١١]
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١)
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ شروع في تفصيل أحكام المواريث المجملة في
تنبيه:
روى أبو داود «١» والنسائي والحاكم وغيرهم أنه لما نزلت هذه الآية انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه. فجعل يفضل له الشيء من طعامه، فيحبس له حتى أكله أو يفسد. فاشتد عليهم ذلك. فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة: ٢٢٠].
الآية. فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه. وقد مضى ذلك في سورة البقرة.
قال الرازيّ رحمه الله: ومن الجهال من قال: صارت هذه الآية منسوخة بتلك.
وهو بعيد. لأن هذه الآية في المنع من الظلم. وهذا لا يصير منسوخا. بل المقصود أن مخالطة أموال اليتامى، إن كان على سبيل الظلم، فهو من أعظم أبواب الإثم. كما في هذه الآية. وإن كان على سبيل التربية والإحسان، فهو من أعظم أبواب البر، كما في قوله: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ.
وقال رحمه الله قبل ذلك: ما أشد دلالة هذا الوعيد على سعة رحمته تعالى وكثرة عفوه وفضله. لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى، بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١١]
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١)
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ شروع في تفصيل أحكام المواريث المجملة في
(١) أخرجه أبو داود في: الوصايا، ٧- باب مخالطة اليتيم في الطعام، حديث ٢٨٧١.
37
قوله تعالى لِلرِّجالِ نَصِيبٌ إلخ. قال الحافظ ابن كثير: هذه الآية الكريمة والتي بعدها والآية التي هي خاتمة هذه السورة، هن آيات علم الفرائض. وهو مستنبط من هذه الآيات الثلاث، ومن الأحاديث الواردة في ذلك مما هو كالتفسير لذلك. انتهى.
والمعنى: يأمركم الله ويعهد إليكم في شأن ميراث أولادكم بعد موتكم لِلذَّكَرِ أي منهم مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أي نصيبهما اجتماعا وانفرادا. أما الأول فإنه يعدّ كل ذكر بأنثيين. في مثل ابن مع بنتين. وابن ابن مع بنتي ابن. وهكذا في السافلين.
فيضعف نصيبه ويأخذ سهمين. كما أن لهما سهمين. وأما الثاني فإن له الكل وهو ضعف نصيب البنت الواحدة. لأنه جعل لها في حال انفرادها النصف. فاقتضى ذلك أن للذكر، عند انفراده، مثلي نصيبها عند انفرادها، وذلك الكامل. فالمذكور هنا ميراث الذكر مطلقا. مجتمعا مع الإناث ومنفردا. كما حققه صاحب (الانتصاف).
تنبيه:
قال السيوطيّ: استدل بالآية من قال بدخول أولاد الابن في لفظ (الأولاد) للإجماع على إرثهم، دون أولاد البنت.
لطائف:
الأولى: وجه الحكمة في تضعيف نصيب الذكر هو احتياجه إلى مؤنة النفقة ومعاناة التجارة والتكسب وتحمل المشاق. فهو إلى المال أحوج. ولأنه لو كمل نصيبها، مع أنها قليلة العقل، كثيرة الشهوة لأتلفته في الشهوات إسرافا. ولأنها قد تنفق على نفسها فقط، وهو على نفسه وزوجته.
الثانية: لم يقل: للذكر ضعف نصيب الأنثى، لأن الضعف يصدق على المثلين فصاعدا. فلا يكون نصّا. ولم يقل: للأنثيين مثل حظ الذكر، ولا للأنثى نصف حظ الذكر، تقديما للذكر بإظهار مزيته على الأنثى، ولم يقل: للذكر مثلا نصيب الأنثى، لأنه المثل في المقدار لا يتعدد إلا بتعدد الأشخاص. ولم يعتبر هاهنا.
الثالثة: إيثار اسمي (الذكر والأنثى) على ما ذكر أولا من الرجال والنساء، للتنصيص على استواء الكبار والصغار من الفريقين في الاستحقاق، من غير دخل للبلوغ والكبر في ذلك أصلا. كما هو زعم أهل الجاهلية حيث كانوا لا يورّثون الأطفال، كالنساء.
الرابعة: استنبط بعضهم من هذه الآية أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالدة
والمعنى: يأمركم الله ويعهد إليكم في شأن ميراث أولادكم بعد موتكم لِلذَّكَرِ أي منهم مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أي نصيبهما اجتماعا وانفرادا. أما الأول فإنه يعدّ كل ذكر بأنثيين. في مثل ابن مع بنتين. وابن ابن مع بنتي ابن. وهكذا في السافلين.
فيضعف نصيبه ويأخذ سهمين. كما أن لهما سهمين. وأما الثاني فإن له الكل وهو ضعف نصيب البنت الواحدة. لأنه جعل لها في حال انفرادها النصف. فاقتضى ذلك أن للذكر، عند انفراده، مثلي نصيبها عند انفرادها، وذلك الكامل. فالمذكور هنا ميراث الذكر مطلقا. مجتمعا مع الإناث ومنفردا. كما حققه صاحب (الانتصاف).
تنبيه:
قال السيوطيّ: استدل بالآية من قال بدخول أولاد الابن في لفظ (الأولاد) للإجماع على إرثهم، دون أولاد البنت.
لطائف:
الأولى: وجه الحكمة في تضعيف نصيب الذكر هو احتياجه إلى مؤنة النفقة ومعاناة التجارة والتكسب وتحمل المشاق. فهو إلى المال أحوج. ولأنه لو كمل نصيبها، مع أنها قليلة العقل، كثيرة الشهوة لأتلفته في الشهوات إسرافا. ولأنها قد تنفق على نفسها فقط، وهو على نفسه وزوجته.
الثانية: لم يقل: للذكر ضعف نصيب الأنثى، لأن الضعف يصدق على المثلين فصاعدا. فلا يكون نصّا. ولم يقل: للأنثيين مثل حظ الذكر، ولا للأنثى نصف حظ الذكر، تقديما للذكر بإظهار مزيته على الأنثى، ولم يقل: للذكر مثلا نصيب الأنثى، لأنه المثل في المقدار لا يتعدد إلا بتعدد الأشخاص. ولم يعتبر هاهنا.
الثالثة: إيثار اسمي (الذكر والأنثى) على ما ذكر أولا من الرجال والنساء، للتنصيص على استواء الكبار والصغار من الفريقين في الاستحقاق، من غير دخل للبلوغ والكبر في ذلك أصلا. كما هو زعم أهل الجاهلية حيث كانوا لا يورّثون الأطفال، كالنساء.
الرابعة: استنبط بعضهم من هذه الآية أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالدة
38
بولدها. حيث أوصى الوالدين بأولادهم. فعلم أنه أرحم بهم منهم. كما جاء
في الحديث الصحيح «١»
وقد رأى امرأة من السبي، فرق بينها وبين ولدها فجعلت تدور على ولدها. فلما وجدته من السبي أخذته فألصقته بصدرها وأرضعته. فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على ذلك؟ قالوا: لا.
يا رسول الله. قال: فو الله! لله أرحم بعباده من هذه بولدها
. فَإِنْ كُنَّ أي الأولاد.
والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله تعالى: نِساءً يعني بنات خلصا ليس معهن ذكر فَوْقَ اثْنَتَيْنِ خبر ثان أو صفة لنساء. أي نساء زائدات على اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ أي المتوفى المدلول عليه بقرينة المقام.
تنبيه:
ظاهر النظم القرآنيّ أن الثلثين فريضة الثلاث من البنات فصاعدا حيث لا ذكر معهن ولم يسم للبنتين فريضة. وقد اختلف أهل العلم في فريضتهما. فذهب الجمهور إلى أن لهما، إذا انفردتا عن البنين، الثلثين. وذهب ابن عباس إلى أن فريضتهما النصف. احتج الجمهور بالقياس على الأختين. فإن الله سبحانه قال في شأنهما: فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ. فألحقوا البنتين بالأختين في استحقاقهما الثلثين. كما ألحقوا الأخوات، إذا زدن على اثنتين، بالبنات، في الاشتراك في الثلثين. وقيل: في الآية ما يدل على أن للبنتين الثلثين. وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها الثلث، كان للابنتين، إذا انفردتا، الثلثان. هكذا احتج بهذه الحجة إسماعيل بن عياش والمبرّد. قال النحاس: وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط. لأن الاختلاف في البنتين إذا انفردتا عن البنين. وأيضا للمخالف أن يقول: إذا ترك بنتين وابنا فللبنتين النصف. فهذا دليل على أن هذا فرضهما. ويمكن تأييد ما احتج به الجمهور بأن الله سبحانه لما فرض للبنت الواحدة النصف إذا انفردت، بقوله: وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ، كان فرض البنتين، إذا انفردتا، فوق فرض الواحدة. وأوجب القياس على الأختين الاقتصار للبنتين على الثلثين. وقيل إن (فوق) زائدة. والمعنى: إن كن نساء اثنتين. كقوله تعالى: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ [الأنفال: ١٢]، أي الأعناق. ورد هذا النحاس وابن عطية. فقالا: هو خطأ.
لأن الظروف وجميع الأسماء لا يجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى. قال ابن عطية: ولأن قوله (فوق الأعناق) هو الفصيح وليست (فوق) زائدة بل هي محكمة
في الحديث الصحيح «١»
وقد رأى امرأة من السبي، فرق بينها وبين ولدها فجعلت تدور على ولدها. فلما وجدته من السبي أخذته فألصقته بصدرها وأرضعته. فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على ذلك؟ قالوا: لا.
يا رسول الله. قال: فو الله! لله أرحم بعباده من هذه بولدها
. فَإِنْ كُنَّ أي الأولاد.
والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله تعالى: نِساءً يعني بنات خلصا ليس معهن ذكر فَوْقَ اثْنَتَيْنِ خبر ثان أو صفة لنساء. أي نساء زائدات على اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ أي المتوفى المدلول عليه بقرينة المقام.
تنبيه:
ظاهر النظم القرآنيّ أن الثلثين فريضة الثلاث من البنات فصاعدا حيث لا ذكر معهن ولم يسم للبنتين فريضة. وقد اختلف أهل العلم في فريضتهما. فذهب الجمهور إلى أن لهما، إذا انفردتا عن البنين، الثلثين. وذهب ابن عباس إلى أن فريضتهما النصف. احتج الجمهور بالقياس على الأختين. فإن الله سبحانه قال في شأنهما: فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ. فألحقوا البنتين بالأختين في استحقاقهما الثلثين. كما ألحقوا الأخوات، إذا زدن على اثنتين، بالبنات، في الاشتراك في الثلثين. وقيل: في الآية ما يدل على أن للبنتين الثلثين. وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها الثلث، كان للابنتين، إذا انفردتا، الثلثان. هكذا احتج بهذه الحجة إسماعيل بن عياش والمبرّد. قال النحاس: وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط. لأن الاختلاف في البنتين إذا انفردتا عن البنين. وأيضا للمخالف أن يقول: إذا ترك بنتين وابنا فللبنتين النصف. فهذا دليل على أن هذا فرضهما. ويمكن تأييد ما احتج به الجمهور بأن الله سبحانه لما فرض للبنت الواحدة النصف إذا انفردت، بقوله: وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ، كان فرض البنتين، إذا انفردتا، فوق فرض الواحدة. وأوجب القياس على الأختين الاقتصار للبنتين على الثلثين. وقيل إن (فوق) زائدة. والمعنى: إن كن نساء اثنتين. كقوله تعالى: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ [الأنفال: ١٢]، أي الأعناق. ورد هذا النحاس وابن عطية. فقالا: هو خطأ.
لأن الظروف وجميع الأسماء لا يجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى. قال ابن عطية: ولأن قوله (فوق الأعناق) هو الفصيح وليست (فوق) زائدة بل هي محكمة
(١) أخرجه مسلم في: التوبة، حديث ٢٢.
39
المعنى، لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ.
كما قال دريد بن الصمة: اخفض عن الدماغ وارفع عن العظم. فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال. انتهى. وأيضا لو كان لفظ (فوق) زائدا كما قالوا، لقال: فلهما ثلثا ما ترك، ولم يقل: فلهن ثلثا ما ترك. وأوضح ما يحتج به للجمهور ما
أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي «١» وابن ماجة وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقيّ في (سننه) عن جابر قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله! هاتان ابنتا سعد بن الربيع. قتل أبوهما معك يوم (أحد) شهيدا. وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا. ولا تنكحان إلّا ولهما مال. فقال: يقضي الله في ذلك. فنزلت آية الميراث. فبعث رسول الله ﷺ إلى عمهما فقال: أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك.
أخرجوه من طرق، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر
. قال الترمذيّ: هذا حديث صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل. وقد رواه شريك أيضا عن عبد الله بن محمد بن عقيل من حديثه.
كذا في (فتح البيان) وَإِنْ كانَتْ أي المولودة واحِدَةً أي امرأة واحدة ليس معها أخ ولا أخت فَلَهَا النِّصْفُ أي نصف ما ترك. ولم يكمل لها لأنها ناقصة. ولذلك لم يجعل لها الثلثان اللذان هما نصيب الابن معها. ثم ذكر، بعد ميراث الأولاد، ميراث الوالدين فقال: وَلِأَبَوَيْهِ أي الميت. وهو كناية عن غير مذكور. وجاز ذلك لدلالة الكلام عليه. والمراد بالأبوين الأب والأم. والتثنية على لفظ الأب للتغليب لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ من المال إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ذكر أو أنثى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ للميت وَلَدٌ ذكر أو أنثى وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ
كما قال دريد بن الصمة: اخفض عن الدماغ وارفع عن العظم. فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال. انتهى. وأيضا لو كان لفظ (فوق) زائدا كما قالوا، لقال: فلهما ثلثا ما ترك، ولم يقل: فلهن ثلثا ما ترك. وأوضح ما يحتج به للجمهور ما
أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي «١» وابن ماجة وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقيّ في (سننه) عن جابر قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله! هاتان ابنتا سعد بن الربيع. قتل أبوهما معك يوم (أحد) شهيدا. وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا. ولا تنكحان إلّا ولهما مال. فقال: يقضي الله في ذلك. فنزلت آية الميراث. فبعث رسول الله ﷺ إلى عمهما فقال: أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك.
أخرجوه من طرق، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر
. قال الترمذيّ: هذا حديث صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل. وقد رواه شريك أيضا عن عبد الله بن محمد بن عقيل من حديثه.
كذا في (فتح البيان) وَإِنْ كانَتْ أي المولودة واحِدَةً أي امرأة واحدة ليس معها أخ ولا أخت فَلَهَا النِّصْفُ أي نصف ما ترك. ولم يكمل لها لأنها ناقصة. ولذلك لم يجعل لها الثلثان اللذان هما نصيب الابن معها. ثم ذكر، بعد ميراث الأولاد، ميراث الوالدين فقال: وَلِأَبَوَيْهِ أي الميت. وهو كناية عن غير مذكور. وجاز ذلك لدلالة الكلام عليه. والمراد بالأبوين الأب والأم. والتثنية على لفظ الأب للتغليب لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ من المال إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ذكر أو أنثى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ للميت وَلَدٌ ذكر أو أنثى وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ
(١) أخرجه الترمذيّ في: الفرائض، ٣- باب ما جاء في ميراث البنات.
أخرجه أبو داود في: الفرائض، ٤- باب ما جاء في الصلب، حديث ٢٨٩١. ونصه: عن جابر بن عبد الله قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ حتى جئنا امرأة من الأنصار في الأسواق. فجاءت المرأة بابنتين فقالت: يا رسول الله! هاتان بنتا ثابت بن قيس، قتل معك يوم أحد. وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما كله. فلم يدع لهما مالا إلا أخذه. فما ترى يا رسول الله! فو الله! لا تنكحان أبدا إلا ولهما مال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقضي الله في ذلك» قال ونزلت سورة النساء:
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ.. الآية. فقال رسول الله ﷺ «ادعوا لي المرأة وصاحبها» فقال لعمهما «أعطهما الثلثين. وأعط أمهما الثمن. وما بقي فلك».
قال أبو داود: أخطأ فيه. هما ابنتا سعد بن الربيع. وثابت بن قيس قتل يوم اليمامة.
أخرجه أبو داود في: الفرائض، ٤- باب ما جاء في الصلب، حديث ٢٨٩١. ونصه: عن جابر بن عبد الله قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ حتى جئنا امرأة من الأنصار في الأسواق. فجاءت المرأة بابنتين فقالت: يا رسول الله! هاتان بنتا ثابت بن قيس، قتل معك يوم أحد. وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما كله. فلم يدع لهما مالا إلا أخذه. فما ترى يا رسول الله! فو الله! لا تنكحان أبدا إلا ولهما مال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقضي الله في ذلك» قال ونزلت سورة النساء:
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ.. الآية. فقال رسول الله ﷺ «ادعوا لي المرأة وصاحبها» فقال لعمهما «أعطهما الثلثين. وأعط أمهما الثمن. وما بقي فلك».
قال أبو داود: أخطأ فيه. هما ابنتا سعد بن الربيع. وثابت بن قيس قتل يوم اليمامة.
40
أي ثلث المال مما ترك. والباقي للأب. للذكر مثل حظ الأنثيين. لكن قرر لها الثلث تنزيلا لها منزلة البنت مع الابن، لا منفردة، حطّا لها عن درجتها، لقيام البنت مقام الميت في الجملة. قاله المهايميّ فَإِنْ كانَ لَهُ أي للميت إِخْوَةٌ من الأب والأم. أو من الأب أو من الأم، ذكورا أو إناثا فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ يعني لأم الميت سدس التركة مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ خبر مبتدأ محذوف. أي هذه الفروض المذكورة إنما تقسم للورثة من بعد إنفاذ وصية يوصي بها الميت إلى الثلث. ومن بعد قضاء دين على الميت. وقرئ في (السبع) : يوصي مبنيا للمفعول وللفاعل.
قال الحافظ ابن كثير: أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدّين مقدم على الوصية.
وروى أحمد والترمذي «١» وابن ماجة وأصحاب التفاسير من حديث ابن إسحاق عن الحارث بن عبد الله الأعور عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إنكم تقرؤون هذه الآية: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ. وإن رسول الله ﷺ قضى بالدين قبل الوصية. وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات. الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه.
ثم قال الترمذيّ: لا نعرفه إلا من حديث الحارث. وقد تكلم فيه بعض أهل العلم. لكن كان حافظا للفرائض، معتنيا بها وبالحساب. فالله أعلم.
قال السيوطيّ في (الإكليل) : في الآية أن الميراث إنما يقسم بعد قضاء الدين وتنفيذ الوصايا. وفيها مشروعية الوصية. واستدل بتقديمها في الذّكر من قال بتقديمها على الدين في التركة. وأجاب من أخرها بأنها قدمت لئلا يتهاون بها.
واستدل بعمومها من أجاز الوصية بما قل أو كثر، ولو استغرق المال. ومن أجازها للوارث والكافر، حربيّا أو ذميّا. واستدل بها من قال: إن الدّين يمنع انتقال التركة إلى ملك الوارث. ومن قال إن دين الحج والزكاة مقدم على الميراث، لعموم قوله: أَوْ دَيْنٍ. انتهى.
وقد روى الإمام أحمد وابن ماجة «٢» بسند صحيح عن سعد بن الأطول إن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم. وترك عيالا فأردت أن أنفقها على عياله. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:
إن أخاك محتبس بدينه فاقض عنه. فقال: يا رسول الله! قد أديت عنه. إلّا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة. قال: فأعطها فإنها محقة.
قال الحافظ ابن كثير: أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدّين مقدم على الوصية.
وروى أحمد والترمذي «١» وابن ماجة وأصحاب التفاسير من حديث ابن إسحاق عن الحارث بن عبد الله الأعور عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إنكم تقرؤون هذه الآية: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ. وإن رسول الله ﷺ قضى بالدين قبل الوصية. وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات. الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه.
ثم قال الترمذيّ: لا نعرفه إلا من حديث الحارث. وقد تكلم فيه بعض أهل العلم. لكن كان حافظا للفرائض، معتنيا بها وبالحساب. فالله أعلم.
قال السيوطيّ في (الإكليل) : في الآية أن الميراث إنما يقسم بعد قضاء الدين وتنفيذ الوصايا. وفيها مشروعية الوصية. واستدل بتقديمها في الذّكر من قال بتقديمها على الدين في التركة. وأجاب من أخرها بأنها قدمت لئلا يتهاون بها.
واستدل بعمومها من أجاز الوصية بما قل أو كثر، ولو استغرق المال. ومن أجازها للوارث والكافر، حربيّا أو ذميّا. واستدل بها من قال: إن الدّين يمنع انتقال التركة إلى ملك الوارث. ومن قال إن دين الحج والزكاة مقدم على الميراث، لعموم قوله: أَوْ دَيْنٍ. انتهى.
وقد روى الإمام أحمد وابن ماجة «٢» بسند صحيح عن سعد بن الأطول إن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم. وترك عيالا فأردت أن أنفقها على عياله. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:
إن أخاك محتبس بدينه فاقض عنه. فقال: يا رسول الله! قد أديت عنه. إلّا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة. قال: فأعطها فإنها محقة.
(١) أخرجه الترمذيّ في: الفرائض، ٥- باب ما جاء في ميراث الإخوة من الأب والأم. [.....]
(٢) أخرجه ابن ماجة في: الصدقات، ٢٠- باب أداء الدين عن الميت، حديث ٢٤٣٣.
(٢) أخرجه ابن ماجة في: الصدقات، ٢٠- باب أداء الدين عن الميت، حديث ٢٤٣٣.
41
لطيفة:
(فائدة) وصف الوصية بقوله: يُوصِي بِها، هو الترغيب في الوصية والندب إليها. وإيثار (أو) المفيدة للإباحة في قوله: أو دين، على (الواو) للدلالة على تساويهما في الوجوب. وتقدمهما على القسمة مجموعين أو منفردين. وتقديم الوصية على الدّين، ذكرا مع تأخرها عنه حكما، ما قدمنا من إظهار كمال العناية بتنفيذها، لكونها مظنة التفريط في أدائها، ولاطرّادها. بخلاف الدين- أفاده أبو السعود آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً أي لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم. والمعنى: فرض الله الفرائض، على ما هو، على حكمة. ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم.
فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة. والتفاوت في السهام بتفاوت المنافع. وأنتم لا تدرون تفاوتها. فتولى الله ذلك فضلا منه. ولم يكلها إلى اجتهادكم لعجزكم عن معرفة المقادير. وهذه الجملة اعتراضية مؤكدة لأمر القسمة، وردّ لما كان في الجاهلية.
قال السمرقنديّ: ويقال: معنى الآية أن الله تعالى علمكم قسمة المواريث.
وأنكم لا تدرون أيهم أقرب موتا فيرث منه الآخر. انتهى. فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ نصبت نصب مصدر مؤكد لفعل محذوف. أي فرض الله ذلك فرضا. أو لقوله تعالى:
يُوصِيكُمُ اللَّهُ. فإنه في معنى: يأمركم ويفرض عليكم إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً أي بالمصالح والرتب حَكِيماً أي في كل ما قضى وقدر. فيدخل فيه بيان أنصباء الذكر والأنثى، دخولا أوليّا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٢]
وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢)
وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ من المال إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ذكر أو أنثى،
(فائدة) وصف الوصية بقوله: يُوصِي بِها، هو الترغيب في الوصية والندب إليها. وإيثار (أو) المفيدة للإباحة في قوله: أو دين، على (الواو) للدلالة على تساويهما في الوجوب. وتقدمهما على القسمة مجموعين أو منفردين. وتقديم الوصية على الدّين، ذكرا مع تأخرها عنه حكما، ما قدمنا من إظهار كمال العناية بتنفيذها، لكونها مظنة التفريط في أدائها، ولاطرّادها. بخلاف الدين- أفاده أبو السعود آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً أي لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم. والمعنى: فرض الله الفرائض، على ما هو، على حكمة. ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم.
فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة. والتفاوت في السهام بتفاوت المنافع. وأنتم لا تدرون تفاوتها. فتولى الله ذلك فضلا منه. ولم يكلها إلى اجتهادكم لعجزكم عن معرفة المقادير. وهذه الجملة اعتراضية مؤكدة لأمر القسمة، وردّ لما كان في الجاهلية.
قال السمرقنديّ: ويقال: معنى الآية أن الله تعالى علمكم قسمة المواريث.
وأنكم لا تدرون أيهم أقرب موتا فيرث منه الآخر. انتهى. فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ نصبت نصب مصدر مؤكد لفعل محذوف. أي فرض الله ذلك فرضا. أو لقوله تعالى:
يُوصِيكُمُ اللَّهُ. فإنه في معنى: يأمركم ويفرض عليكم إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً أي بالمصالح والرتب حَكِيماً أي في كل ما قضى وقدر. فيدخل فيه بيان أنصباء الذكر والأنثى، دخولا أوليّا.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٢]
وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢)
وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ من المال إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ذكر أو أنثى،
42
منكم أو من غيركم فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ على نحو ما فصّل فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ من المال. والباقي لباقي الورثة مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ أي من بعد استخراج وصيتهن وقضاء دينهن وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ من المال إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ذكر أو أنثى، منهن أو من غيرهن فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ على النحو الذي فصل فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ الكلام فيه كما تقدم. وفي تكرير ذكر الوصية والدين، من الاعتناء بشأنهما، ما لا يخفى.
لطيفة:
في الآية ما يدل على فضل الرجال على النساء، لأنه تعالى حيث ذكر الرجال، في هذه الآية، ذكرهم على سبيل المخاطبة. وحيث ذكر النساء ذكرهن على سبيل المغايبة. وأيضا خاطب الله الرجال في هذه الآية سبع مرات. وذكر النساء فيها على سبيل الغيبة أقل من ذلك. وهذا يدل على تفضيل الرجال على النساء، كما فضلوا عليهن في النصيب. كذا يستفاد من الرازيّ. وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ أي تورث كذلك وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أي الإخوة والأخوات من الأم أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ أي من واحد فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم. قال المجد في (القاموس) : الكلالة: من لا ولد له ولا والد. أو ما لم يكن من النسب لحّا. أو من تكلل نسبه بنسبك. كابن العم، وشبهه أو هي الإخوة للأم. أو بنو العلم الأباعد. أو ما خلا الوالد والوالد. أو هي، من العصبة، من ورث منه الإخوة للأم. فهذه سبعة أقوال محكية عن أئمة اللغة. وقال ابن برّي: اعلم أن الكلالة في الأصل هي مصدر (كلّ الميت يكلّ كلّا، وكلالة) فهو كلّ إذا لم يخلف ولدا ولا والدا يرثانه. هذا أصلها. قال: ثم قد تقع الكلالة على العين دون الحدث. فتكون اسما للميت الموروث وإن كانت في الأصل اسما للحدث. على حد قولهم: هذا خلق الله. أي مخلوق الله قال: وجاز أن تكون اسما للوارث على حد قولهم: رجل عدل أي عادل. وماء غور أي غائر. قال: والأول هو اختيار البصريين من أن الكلالة اسم للموروث. قال: وعليه جاء التفسير في الآية، أن الكلالة الذي لم يخلف ولدا ولا والدا. فإذا جعلتها للميت، كان انتصابها في الآية على وجهين:
أحدهما- أن تكون خبر (كان) تقديره: وإن كان الموروث كلالة، أي كلّا ليس له ولد ولا والد.
لطيفة:
في الآية ما يدل على فضل الرجال على النساء، لأنه تعالى حيث ذكر الرجال، في هذه الآية، ذكرهم على سبيل المخاطبة. وحيث ذكر النساء ذكرهن على سبيل المغايبة. وأيضا خاطب الله الرجال في هذه الآية سبع مرات. وذكر النساء فيها على سبيل الغيبة أقل من ذلك. وهذا يدل على تفضيل الرجال على النساء، كما فضلوا عليهن في النصيب. كذا يستفاد من الرازيّ. وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ أي تورث كذلك وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أي الإخوة والأخوات من الأم أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ أي من واحد فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم. قال المجد في (القاموس) : الكلالة: من لا ولد له ولا والد. أو ما لم يكن من النسب لحّا. أو من تكلل نسبه بنسبك. كابن العم، وشبهه أو هي الإخوة للأم. أو بنو العلم الأباعد. أو ما خلا الوالد والوالد. أو هي، من العصبة، من ورث منه الإخوة للأم. فهذه سبعة أقوال محكية عن أئمة اللغة. وقال ابن برّي: اعلم أن الكلالة في الأصل هي مصدر (كلّ الميت يكلّ كلّا، وكلالة) فهو كلّ إذا لم يخلف ولدا ولا والدا يرثانه. هذا أصلها. قال: ثم قد تقع الكلالة على العين دون الحدث. فتكون اسما للميت الموروث وإن كانت في الأصل اسما للحدث. على حد قولهم: هذا خلق الله. أي مخلوق الله قال: وجاز أن تكون اسما للوارث على حد قولهم: رجل عدل أي عادل. وماء غور أي غائر. قال: والأول هو اختيار البصريين من أن الكلالة اسم للموروث. قال: وعليه جاء التفسير في الآية، أن الكلالة الذي لم يخلف ولدا ولا والدا. فإذا جعلتها للميت، كان انتصابها في الآية على وجهين:
أحدهما- أن تكون خبر (كان) تقديره: وإن كان الموروث كلالة، أي كلّا ليس له ولد ولا والد.
43
والوجه الثاني- أن يكون انتصابها على الحال من الضمير في (يورث) أي يورث وهو كلالة. وتكون (كان) هي التامة التي ليست مفتقرة إلى خبر. قال: ولا يصح أن تكون الناقصة، كما ذكره الحوفيّ، لأن خبرها لا يكون إلا الكلالة. ولا فائدة في قوله (يورث). والتقدير: إن وقع أو حضر رجل يموت كلالة، أي يورث وهو كلالة، أي كلّ. وإن جعلتها للحدث دون العين، جاز انتصابها. على ثلاثة أوجه:
أحدها- أن يكون انتصابها على المصدر، على تقدير حذف مضاف، تقديره: يورث وراثة كلالة. كما قال الفرزدق: ورثتم قناة الملك لا عن كلالة. أي ورثتموها وراثة قرب، لا وراثة بعد، وقال عامر بن الطفيل:
ومنه قولهم: هو ابن عمّ كلالة، أي بعيد النسب. فإذا أرادوا القرب قالوا هو ابن عم دنية.
والوجه الثاني- أن تكون الكلالة مصدرا واقعا موقع الحال. على حد قولهم:
جاء زيد ركضا، أي راكضا. وهو ابن عمي دنية، أي دانيا. وابن عمي كلالة أي بعيدا في النسب.
والوجه الثالث- أن تكون خبر (كان) على تقدير حذف مضاف. تقديره:
وإن كان الموروث ذا كلالة. قال: فهذه خمسة أوجه في نصب الكلالة. أحدها- أن تكون خبر (كان) والثاني- أن تكون حالا. الثالث- أن تكون مصدرا، على تقدير حذف مضاف. الرابع- أن تكون مصدرا في موضع الحال. الخامس- أن تكون خبر (كان) على تقدير حذف مضاف. فهذا هو الوجه الذي عليه أهل البصرة والعلماء باللغة. أعني أن الكلالة اسم للموروث دون الوارث. قال: وقد أجاز قوم من أهل اللغة، وهم أهل الكوفة، أن تكون الكلالة اسما للوارث. واحتجوا في ذلك بأشياء:
منها قراءة الحسن: وإن كان رجل يورث كلالة. (بكسر الراء). فالكلالة، على ظاهر هذه القراءة، هي ورثة الميت. وهم الإخوة للأم. واحتجوا أيضا بقول جابر أنه قال: يا رسول الله! إنما يرثني كلالة. فإذا ثبت حجة هذا الوجه، كان انتصاب كلالة أيضا على مثل ما انتصبت في الوجه الخامس من الوجه الأول، وهو أن تكون خبر (كان) ويقدر حذف مضاف، ليكون الثاني هو الأول، تقديره: وإن كان رجل يورث ذا كلالة، كما تقول ذا قرابة، ليس فيهم ولد ولا والد. قال: وكذلك إذا جعلته حالا من
أحدها- أن يكون انتصابها على المصدر، على تقدير حذف مضاف، تقديره: يورث وراثة كلالة. كما قال الفرزدق: ورثتم قناة الملك لا عن كلالة. أي ورثتموها وراثة قرب، لا وراثة بعد، وقال عامر بن الطفيل:
وما سوّدتني عامر عن كلالة | أبى الله أن أسمو بأمّ ولا أب |
والوجه الثاني- أن تكون الكلالة مصدرا واقعا موقع الحال. على حد قولهم:
جاء زيد ركضا، أي راكضا. وهو ابن عمي دنية، أي دانيا. وابن عمي كلالة أي بعيدا في النسب.
والوجه الثالث- أن تكون خبر (كان) على تقدير حذف مضاف. تقديره:
وإن كان الموروث ذا كلالة. قال: فهذه خمسة أوجه في نصب الكلالة. أحدها- أن تكون خبر (كان) والثاني- أن تكون حالا. الثالث- أن تكون مصدرا، على تقدير حذف مضاف. الرابع- أن تكون مصدرا في موضع الحال. الخامس- أن تكون خبر (كان) على تقدير حذف مضاف. فهذا هو الوجه الذي عليه أهل البصرة والعلماء باللغة. أعني أن الكلالة اسم للموروث دون الوارث. قال: وقد أجاز قوم من أهل اللغة، وهم أهل الكوفة، أن تكون الكلالة اسما للوارث. واحتجوا في ذلك بأشياء:
منها قراءة الحسن: وإن كان رجل يورث كلالة. (بكسر الراء). فالكلالة، على ظاهر هذه القراءة، هي ورثة الميت. وهم الإخوة للأم. واحتجوا أيضا بقول جابر أنه قال: يا رسول الله! إنما يرثني كلالة. فإذا ثبت حجة هذا الوجه، كان انتصاب كلالة أيضا على مثل ما انتصبت في الوجه الخامس من الوجه الأول، وهو أن تكون خبر (كان) ويقدر حذف مضاف، ليكون الثاني هو الأول، تقديره: وإن كان رجل يورث ذا كلالة، كما تقول ذا قرابة، ليس فيهم ولد ولا والد. قال: وكذلك إذا جعلته حالا من
44
الضمير في (يورث) تقديره: ذا كلالة. قال: وذهب ابن جنيّ، في قراءة من قرأ يورث كلالة ويورّث كلالة، أن مفعولي (يورث ويورّث) محذوفان أي يورث وارثه ماله. قال: فعلى هذا يبقى (كلالة) على حاله الأولى التي ذكرتها. فيكون نصبه على خبر (كان) أو على المصدر. وتكون (الكلالة) للموروث لا للوارث. قال: والظاهر أن الكلالة مصدر يقع على الوارث وعلى الموروث. والمصدر قد يقع للفاعل تارة وللمفعول أخرى. والله أعلم.
وقال ابن الأثير: الأب والابن طرفان للرجل. فإذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه. فسمى ذهاب الطرفين كلالة.
وفي الأساس: ومن المجاز كلّ فلان كلالة، إذا لم يكن ولدا ولا والدا. أي كلّ عن بلوغ القرابة المماسة.
وقال الأزهريّ: ذكر الله الكلالة في سورة النساء في موضعين: أحدهما- قوله: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ.
والموضع الثاني قوله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ [النساء: ١٧٦]. فجعل الكلالة هنا الأخت للأب والأم، والإخوة للأب والأم. فجعل للأخت الواحدة نصف ما ترك الميت وللأختين الثلثين. وللإخوة والأخوات جميع المال بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وجعل للأخ والأخت من الأم، وفي الآية الأولى، الثلث. لكل واحد منهما السدس.
فبين بسياق الآيتين أن الكلالة تشتمل على الإخوة للأم مرة، ومرة على الإخوة والأخوات للأم والأب. ودل قول الشاعر. أن الأب ليس بكلالة، وأن سائر الأولياء من العصبة بعد الولد كلالة، وهو قوله:
أراد أن أبا المرء أغضب له إذا ظلم. وموالي الكلالة، وهم الإخوة والأعمام وبنو الأعمام وسائر القرابات لا يغضبون للمرء غضب الأب. انتهى.
وروى ابن جرير وغيره عن الشعبيّ قال: قال أبو بكر رحمة الله عليه: إني قد رأيت في الكلالة رأيا. فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له. وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان. والله بريء منه. أنت الكلالة ما خلا الولد والوالد.
تنبيه:
اتفق العلماء على المراد من قوله تعالى: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ- الأخ والأخت
وقال ابن الأثير: الأب والابن طرفان للرجل. فإذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه. فسمى ذهاب الطرفين كلالة.
وفي الأساس: ومن المجاز كلّ فلان كلالة، إذا لم يكن ولدا ولا والدا. أي كلّ عن بلوغ القرابة المماسة.
وقال الأزهريّ: ذكر الله الكلالة في سورة النساء في موضعين: أحدهما- قوله: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ.
والموضع الثاني قوله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ [النساء: ١٧٦]. فجعل الكلالة هنا الأخت للأب والأم، والإخوة للأب والأم. فجعل للأخت الواحدة نصف ما ترك الميت وللأختين الثلثين. وللإخوة والأخوات جميع المال بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وجعل للأخ والأخت من الأم، وفي الآية الأولى، الثلث. لكل واحد منهما السدس.
فبين بسياق الآيتين أن الكلالة تشتمل على الإخوة للأم مرة، ومرة على الإخوة والأخوات للأم والأب. ودل قول الشاعر. أن الأب ليس بكلالة، وأن سائر الأولياء من العصبة بعد الولد كلالة، وهو قوله:
فإن أبا المرء أحمى له | ومولى الكلالة لا يغضب |
وروى ابن جرير وغيره عن الشعبيّ قال: قال أبو بكر رحمة الله عليه: إني قد رأيت في الكلالة رأيا. فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له. وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان. والله بريء منه. أنت الكلالة ما خلا الولد والوالد.
تنبيه:
اتفق العلماء على المراد من قوله تعالى: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ- الأخ والأخت
45
من الأم. وقرأ سعد بن أبي وقاص وغيره من السلف: وله أخ أو أخت من أم. وكذا فسرها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيما رواه قتادة عنه. قال الكرخيّ: القراءة الشاذة كخبر الآحاد. لأنها ليست من قبل الرأي. وأطلق الشافعيّ الاحتجاج بها، فيما حكاه البويطيّ عنه، في باب (الرضاع) وباب (تحريم الجمع) وعليه جمهور أصحابه. لأنها منقولة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. ولا يلزم من انتفاء خصوص قرآنيتها، انتفاء خصوص خبريتها. وقال القرطبيّ: أجمع العلماء على أن الإخوة هاهنا هم الإخوة لأم.
قال: ولا خلاف بين أهل العلم أن الإخوة للأب والأم، أو للأب، ليس ميراثهم هكذا.
فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في قوله تعالى: وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ- هم الإخوة لأبوين، أو لأب.
لطيفة:
إفراد الضمير في قوله تعالى: وَلَهُ أَخٌ. إما لعوده على الميت المفهوم من المقام، أم على واحد منهما، والتذكير للتغليب. أو على الرجل، واكتفى بحكمه عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما فيه مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ حال من ضمير يُوصى (على قراءته مبنيا للفاعل) أي غير مدخل الضرر على الورثة. كأن يوصي بأكثر من الثلث. ومن فاعل فعل مضمر يدل عليه المذكور (على قراءته مبنيا للمجهول) وتخصيص هذا القيد بهذا المقام، لما أن الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم. وقد روى ابن أبي حاتم وابن جرير عن ابن عباس مرفوعا: الضرار في الوصية من الكبائر. ورواه النسائيّ في (سننه) عن ابن عباس موقوفا. وهو الصحيح كما قال ابن جرير وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ مصدر مؤكد لفعل محذوف. وتنوينه للتفخيم. كقوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ. أو منصوب ب (غير مضار) على أنه مفعول به. فإنه اسم فاعل معتمد على ذي الحال. أو منفي معنى.
فيعمل في المفعول الصريح. ويعضده القراءة بالإضافة. أي غير مضار لوصية الله وعهده في شأن الورثة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالمضار وغيره حَلِيمٌ لا يعاجل بالعقوبة، فلا يغتر بالإمهال.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٣]
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣)
تِلْكَ الأحكام حُدُودُ اللَّهِ أحكامه وفرائضه المحدودة التي لا تجوز
قال: ولا خلاف بين أهل العلم أن الإخوة للأب والأم، أو للأب، ليس ميراثهم هكذا.
فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في قوله تعالى: وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ- هم الإخوة لأبوين، أو لأب.
لطيفة:
إفراد الضمير في قوله تعالى: وَلَهُ أَخٌ. إما لعوده على الميت المفهوم من المقام، أم على واحد منهما، والتذكير للتغليب. أو على الرجل، واكتفى بحكمه عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما فيه مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ حال من ضمير يُوصى (على قراءته مبنيا للفاعل) أي غير مدخل الضرر على الورثة. كأن يوصي بأكثر من الثلث. ومن فاعل فعل مضمر يدل عليه المذكور (على قراءته مبنيا للمجهول) وتخصيص هذا القيد بهذا المقام، لما أن الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم. وقد روى ابن أبي حاتم وابن جرير عن ابن عباس مرفوعا: الضرار في الوصية من الكبائر. ورواه النسائيّ في (سننه) عن ابن عباس موقوفا. وهو الصحيح كما قال ابن جرير وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ مصدر مؤكد لفعل محذوف. وتنوينه للتفخيم. كقوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ. أو منصوب ب (غير مضار) على أنه مفعول به. فإنه اسم فاعل معتمد على ذي الحال. أو منفي معنى.
فيعمل في المفعول الصريح. ويعضده القراءة بالإضافة. أي غير مضار لوصية الله وعهده في شأن الورثة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالمضار وغيره حَلِيمٌ لا يعاجل بالعقوبة، فلا يغتر بالإمهال.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٣]
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣)
تِلْكَ الأحكام حُدُودُ اللَّهِ أحكامه وفرائضه المحدودة التي لا تجوز
مجاوزتها. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ في قسمة المواريث وغيرها يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي من تحت شجرها ومساكنها خالِدِينَ فِيها لا يموتون ولا يخرجون وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ النجاة الوافرة بالجنة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٤]
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤)
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ في قسمة المواريث وغيرها وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ بتجاوز أحكامه وفرائضه بالميل والجور يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ أي لكونه غيّر ما حكم الله به، وضادّ الله في حكمه. وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به. ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم.
وقد روى أبو داود «١» في باب (الإضرار في الوصية) من (سننه) عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إن الرجل ليعمل، أو المرأة، بطاعة الله ستين سنة. ثم يحضرهما الموت فيضارّان في الوصية. فتجب لهما النار
. وقرأ أبو هريرة: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ... حتى بلغ، ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. ورواه الترمذيّ وابن ماجة. ورواه الإمام أحمد «٢» بسياق أتم ولفظه: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة. فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله، فيدخل النار. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة.
فيعدل في وصيته، فيختم له بخير عمله. فيدخل الجنة. قال ثم يقول أبو هريرة:
واقرءوا إن شتم: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ. إلى قوله: عَذابٌ مُهِينٌ.
ثم بين تعالى بعضا من الأحكام المتعلقة بالنساء، إثر بيان أحكام المواريث بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٥]
وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥)
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٤]
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤)
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ في قسمة المواريث وغيرها وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ بتجاوز أحكامه وفرائضه بالميل والجور يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ أي لكونه غيّر ما حكم الله به، وضادّ الله في حكمه. وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به. ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم.
وقد روى أبو داود «١» في باب (الإضرار في الوصية) من (سننه) عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إن الرجل ليعمل، أو المرأة، بطاعة الله ستين سنة. ثم يحضرهما الموت فيضارّان في الوصية. فتجب لهما النار
. وقرأ أبو هريرة: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ... حتى بلغ، ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. ورواه الترمذيّ وابن ماجة. ورواه الإمام أحمد «٢» بسياق أتم ولفظه: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة. فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله، فيدخل النار. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة.
فيعدل في وصيته، فيختم له بخير عمله. فيدخل الجنة. قال ثم يقول أبو هريرة:
واقرءوا إن شتم: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ. إلى قوله: عَذابٌ مُهِينٌ.
ثم بين تعالى بعضا من الأحكام المتعلقة بالنساء، إثر بيان أحكام المواريث بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٥]
وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥)
(١) أخرجه أبو داود في: الوصايا، ٣- باب ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية، حديث ٢٨٦٧.
(٢) أخرجه في المسند ٢/ ٢٧٨.
(٢) أخرجه في المسند ٢/ ٢٧٨.
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ أي الخصلة البليغة في القبح، وهي الزنى، حال كونهن مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أي فاطلبوا من القاذفين لهن أَرْبَعَةً مِنْكُمْ أي من المسلمين فَإِنْ شَهِدُوا عليهن بها فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أي احبسوهن فيها. ولا تمكنوهن من الخروج، صونا لهن عن التعرض بسببه للفاحشة حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أي يستوفي أرواحهن. وفيه تهويل للموت وإبراز له في صورة من يتولى قبض الأرواح وتوفيها. أو يتوفاهن ملائكة الموت أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا أي يشرع لهن حكما خاصّا بهن. ولعل التعبير عنه ب (السبيل) للإيذان بكونه طريقا مسكوكا. قاله أبو السعود.
وقد بينت السنة أن الله تعالى أنجز وعده، وجعل لهن سبيلا. وذلك فيما
رواه الإمام أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن عبادة بن الصامت قال: إن النبيّ ﷺ كان إذا أنزل الوحي كرب له وتربّد وجهه. وإذا سرّي عنه قال: خذوا عني خذوا عني (ثلاث مرار) قد جعل الله لهن سبيلا. الثيب بالثيب، والبكر بالبكر. الثيب جلد مائة والرجم. والبكر جلد مائة ونفي سنة
. هذا لفظ الإمام أحمد «١» وكذا
رواه أبو داود الطيالسي «٢» ولفظه عن عبادة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا نزل عليه الوحي، عرف ذلك فيه. فلما نزلت أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وارتفع الوحي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا حذركم قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة.
والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة
. القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٦]
وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦)
وَالَّذانِ: بتخفيف النون وتشديدها يَأْتِيانِها أي الفاحشة مِنْكُمْ أي الرجال فَآذُوهُما بالسب والتعيير، ليندما على ما فعلا فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا أي أعمالهما فَأَعْرِضُوا عَنْهُما بقطع الأذية والتوبيخ، وبالإغماض والستر. فإن التوبة والصلاح مما يمنع استحقاق الذم والعقاب إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً أي على من تاب رَحِيماً واسع الرحمة. وهو تعليل للأمر بالإعراض.
وقد بينت السنة أن الله تعالى أنجز وعده، وجعل لهن سبيلا. وذلك فيما
رواه الإمام أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن عبادة بن الصامت قال: إن النبيّ ﷺ كان إذا أنزل الوحي كرب له وتربّد وجهه. وإذا سرّي عنه قال: خذوا عني خذوا عني (ثلاث مرار) قد جعل الله لهن سبيلا. الثيب بالثيب، والبكر بالبكر. الثيب جلد مائة والرجم. والبكر جلد مائة ونفي سنة
. هذا لفظ الإمام أحمد «١» وكذا
رواه أبو داود الطيالسي «٢» ولفظه عن عبادة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا نزل عليه الوحي، عرف ذلك فيه. فلما نزلت أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وارتفع الوحي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا حذركم قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة.
والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة
. القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٦]
وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦)
وَالَّذانِ: بتخفيف النون وتشديدها يَأْتِيانِها أي الفاحشة مِنْكُمْ أي الرجال فَآذُوهُما بالسب والتعيير، ليندما على ما فعلا فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا أي أعمالهما فَأَعْرِضُوا عَنْهُما بقطع الأذية والتوبيخ، وبالإغماض والستر. فإن التوبة والصلاح مما يمنع استحقاق الذم والعقاب إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً أي على من تاب رَحِيماً واسع الرحمة. وهو تعليل للأمر بالإعراض.
(١) أخرجه في المسند ٥/ ٣١٧.
(٢) أخرجه في مسنده. الحديث رقم ٥٨٤.
(٢) أخرجه في مسنده. الحديث رقم ٥٨٤.
تنبيه:
هذا الحكم المذكور في الآيتين منسوخ، بعضه بالكتاب وبعضه بالسنة. قال الإمام الشافعيّ في الرسالة في (أبواب الناسخ والمنسوخ) بعد ذكره هاتين الآيتين [٣٧٦] : ثم نسخ الله الحبس والأذى في كتابه فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ.
[٣٧٧] فدلت السنة على أن جلد المائة للزانيين البكرين (لحديث عبادة بن الصامت المتقدم).
ثم قال: [٣٨٠] فدلت سنة رسول الله ﷺ أن جلد المائة ثابت على البكرين الحرّين، ومنسوخ عن الثيبين. وأن الرجم ثابت على الثيبين الحرين. ثم قال:
[٣٨١] لأن
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. والثيب بالثيب جلد مائة والرجم- أوّل ما نزل.
فنسخ به الحبس والأذى عن الزانيين.
[٣٨٢] فلما رجم رسول الله ﷺ ما عزا ولم يجلده، وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة الأسلميّ، فإن اعترفت رجمها- دل على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين. وثبت الرجم عليهما. لأن كل شيء أبدا بعد أول فهو آخر. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٧]
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧)
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ استئناف مسوق لبيان أن قبول التوبة من الله تعالى ليس على إطلاقه، كما ينبئ عنه وصفه تعالى بكونه توابا رحيما. بل هو مقيد بما سينطق به النص الكريم. قوله تعالى التَّوْبَةُ مبتدأ وقوله تعالى: لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ خبره. وقوله تعالى: عَلَى اللَّهِ متعلق بما تعلق به الخبر من الاستقرار. ومعنى كون التوبة عليه سبحانه، صدور القبول عنه تعالى. وكلمة عَلَى للدلالة على التحقق البتة بحكم سبق الوعد حتى كأنه من الواجبات عليه سبحانه. والمراد بالسوء المعصية، صغيرة أو كبيرة- كذا في أبي السعود. بِجَهالَةٍ متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل يَعْمَلُونَ أي متلبسين بها. أي جاهلين سفهاء. أو ب يَعْمَلُونَ
هذا الحكم المذكور في الآيتين منسوخ، بعضه بالكتاب وبعضه بالسنة. قال الإمام الشافعيّ في الرسالة في (أبواب الناسخ والمنسوخ) بعد ذكره هاتين الآيتين [٣٧٦] : ثم نسخ الله الحبس والأذى في كتابه فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ.
[٣٧٧] فدلت السنة على أن جلد المائة للزانيين البكرين (لحديث عبادة بن الصامت المتقدم).
ثم قال: [٣٨٠] فدلت سنة رسول الله ﷺ أن جلد المائة ثابت على البكرين الحرّين، ومنسوخ عن الثيبين. وأن الرجم ثابت على الثيبين الحرين. ثم قال:
[٣٨١] لأن
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. والثيب بالثيب جلد مائة والرجم- أوّل ما نزل.
فنسخ به الحبس والأذى عن الزانيين.
[٣٨٢] فلما رجم رسول الله ﷺ ما عزا ولم يجلده، وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة الأسلميّ، فإن اعترفت رجمها- دل على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين. وثبت الرجم عليهما. لأن كل شيء أبدا بعد أول فهو آخر. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٧]
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧)
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ استئناف مسوق لبيان أن قبول التوبة من الله تعالى ليس على إطلاقه، كما ينبئ عنه وصفه تعالى بكونه توابا رحيما. بل هو مقيد بما سينطق به النص الكريم. قوله تعالى التَّوْبَةُ مبتدأ وقوله تعالى: لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ خبره. وقوله تعالى: عَلَى اللَّهِ متعلق بما تعلق به الخبر من الاستقرار. ومعنى كون التوبة عليه سبحانه، صدور القبول عنه تعالى. وكلمة عَلَى للدلالة على التحقق البتة بحكم سبق الوعد حتى كأنه من الواجبات عليه سبحانه. والمراد بالسوء المعصية، صغيرة أو كبيرة- كذا في أبي السعود. بِجَهالَةٍ متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل يَعْمَلُونَ أي متلبسين بها. أي جاهلين سفهاء. أو ب يَعْمَلُونَ
49
على أن الباء سببية. أي يعملونه بسبب الجهالة. والمراد بالجهل السفه بارتكاب ما لا يليق بالعاقل. لا عدم العلم. فإن من لا يعلم لا يحتاج إلى التوبة: والجهل بهذا المعنى حقيقة واردة في كلام العرب. كقوله: فنجهل فوق جهل الجاهلينا. ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ أي من زمان قريب. وظاهر الآية اشتراط وقوع التوبة عقب المعصية بلا تراخ. وإنها بذلك تنال درجة قبولها المحتم تفضلا. إذ بتأخيرها وتسويفها يدخل في زمرة المصرّين. فيكون في الآية إرشاد إلى المبادرة بالتوبة عقب الذنب. والإنابة إلى المولى بعده فورا. ووجوب التوبة على الفور مما لا يستراب فيه.
إذ معرفة كون المعاصي مهلكات من نفس الإيمان. وهو واجب على الفور. وتتمته في (الإحياء).
إذا عرفت هذا، فما ذكره كثير من المفسرين من أن المراد من قوله تعالى مِنْ قَرِيبٍ ما قبل حضور الموت- بعيد من لفظ الآية وسرها التي أرشدت إليه. أعني البدار إلى التوبة قبل أن تعمل سموم الذنوب بروح الإيمان، عياذا بالله تعالى. (فإن قيل) : من أين يستفاد قبول التوبة قبل حضور الموت؟ (قلنا) يستفاد من الآية التي بعدها، ومن الأحاديث الوافرة في ذلك. لا من قوله تعالى مِنْ قَرِيبٍ بما أولوه.
وذلك لأن الآية الثانية وهي قوله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ- صريحة في أن وقت الاحتضار هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة. فبقي ما وراءه في حيّز القبول.
وقد روى الإمام أحمد «١» عن ابن عمر عن النبيّ ﷺ قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. ورواه ابن ماجة والترمذيّ
وقال: حسن غريب.
وروى أبو داود «٢» الطيالسيّ عن عبد الله بن عمرو قال: من تاب قبل موته بعام تيب عليه. ومن تاب قبل موته بيوم تيب عليه. ومن تاب قبل موته بساعة تيب عليه. (قال أيوب). فقلت له إنما قال الله عز وجل: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ. فقال: إنما أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى نحوه الإمام أحمد وسعيد بن منصور وابن مردويه.
وروى مسلم «٣» عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب
إذ معرفة كون المعاصي مهلكات من نفس الإيمان. وهو واجب على الفور. وتتمته في (الإحياء).
إذا عرفت هذا، فما ذكره كثير من المفسرين من أن المراد من قوله تعالى مِنْ قَرِيبٍ ما قبل حضور الموت- بعيد من لفظ الآية وسرها التي أرشدت إليه. أعني البدار إلى التوبة قبل أن تعمل سموم الذنوب بروح الإيمان، عياذا بالله تعالى. (فإن قيل) : من أين يستفاد قبول التوبة قبل حضور الموت؟ (قلنا) يستفاد من الآية التي بعدها، ومن الأحاديث الوافرة في ذلك. لا من قوله تعالى مِنْ قَرِيبٍ بما أولوه.
وذلك لأن الآية الثانية وهي قوله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ- صريحة في أن وقت الاحتضار هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة. فبقي ما وراءه في حيّز القبول.
وقد روى الإمام أحمد «١» عن ابن عمر عن النبيّ ﷺ قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. ورواه ابن ماجة والترمذيّ
وقال: حسن غريب.
وروى أبو داود «٢» الطيالسيّ عن عبد الله بن عمرو قال: من تاب قبل موته بعام تيب عليه. ومن تاب قبل موته بيوم تيب عليه. ومن تاب قبل موته بساعة تيب عليه. (قال أيوب). فقلت له إنما قال الله عز وجل: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ. فقال: إنما أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى نحوه الإمام أحمد وسعيد بن منصور وابن مردويه.
وروى مسلم «٣» عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب
(١) أخرجه في مسنده المسند ٢/ ١٢٣.
(٢) أخرجه في مسنده، الحديث ٢٢٨٤.
(٣) أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث ٤٣.
(٢) أخرجه في مسنده، الحديث ٢٢٨٤.
(٣) أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث ٤٣.
50
الله عليه.
وروى الحاكم مرفوعا: من تاب إلى الله قبل أن يغرغر قبل الله منه.
وروى ابن ماجة عن ابن مسعود بإسناد حسن «١» : التائب من الذنب كمن لا ذنب له: وقوله تعالى: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي يقبل توبتهم وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٨]
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ عند النزاع قالَ عند مشاهدة ما هو فيه إِنِّي تُبْتُ الْآنَ فلا ينفعه ذلك ولا يقبل منه وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ فلا ينفعهم ندمهم ولا توبتهم لأنهم بمجرد الموت يعاينون العذاب.
روى الإمام أحمد «٢» عن أبي ذر أن رسول الله ﷺ قال: إن الله يقبل توبة عبده ويغفر لعبده ما لم يقع الحجاب. قيل: يا رسول الله! وما الحجاب؟ قال: أن تموت النفس وهي مشركة
. ولهذا قال تعالى: أُولئِكَ أَعْتَدْنا أي أعددنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩)
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً نهي عما كان يفعله أهل الجاهلية بالنساء من الإيذاء والظلم. روى البخاريّ عن ابن عباس رضي الله عنهما «٣» قال: كانوا، إذا مات الرجل، كان أولياؤه أحق بامرأته. إن شاء
وروى الحاكم مرفوعا: من تاب إلى الله قبل أن يغرغر قبل الله منه.
وروى ابن ماجة عن ابن مسعود بإسناد حسن «١» : التائب من الذنب كمن لا ذنب له: وقوله تعالى: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي يقبل توبتهم وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٨]
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ عند النزاع قالَ عند مشاهدة ما هو فيه إِنِّي تُبْتُ الْآنَ فلا ينفعه ذلك ولا يقبل منه وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ فلا ينفعهم ندمهم ولا توبتهم لأنهم بمجرد الموت يعاينون العذاب.
روى الإمام أحمد «٢» عن أبي ذر أن رسول الله ﷺ قال: إن الله يقبل توبة عبده ويغفر لعبده ما لم يقع الحجاب. قيل: يا رسول الله! وما الحجاب؟ قال: أن تموت النفس وهي مشركة
. ولهذا قال تعالى: أُولئِكَ أَعْتَدْنا أي أعددنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩)
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً نهي عما كان يفعله أهل الجاهلية بالنساء من الإيذاء والظلم. روى البخاريّ عن ابن عباس رضي الله عنهما «٣» قال: كانوا، إذا مات الرجل، كان أولياؤه أحق بامرأته. إن شاء
(١) أخرجه في: الزهد، ٣٠- باب ذكر التوبة، حديث ٤٢٥٠.
(٢) أخرجه في المسند ٥/ ١٧٤.
(٣) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ٦- باب لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً.
(٢) أخرجه في المسند ٥/ ١٧٤.
(٣) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ٦- باب لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً.
51
بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها.
فنزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ. الآية. ورواه أبو داود والنسائيّ وغيرهم، ولفظ أبي داود عن ابن عباس: أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته. فيعضلها حتى تموت، أو ترد إليه صداقها: فأحكم الله عن ذلك. أي نهى عنه.
قال السيوطيّ: ففيه أن الحر لا يتصور ملكه ولا دخوله تحت اليد. ولا يجري مجرى الأموال بوجه. وكَرْهاً (بفتح الكاف وضمها) قراءتان. أي حال كونهن كارهات لذلك! أو مكرهات عليه. والتقييد (بالكره) لا يدل على الجواز عند عدمه. لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه. كما في قوله: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء: ٣١]. وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ الخطاب للأزواج. كما عليه أكثر المفسرين. روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس أن الآية في الرجل تكون له المرأة. وهو كاره لصحبتها. ولها عليه مهر. فيضرها لتفتدي به. والعضل الحبس والتضييق. أي: ولا يحل لكم أن تضيقوا عليهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن. أي من الصداق. بأن يدفعن إليكم بعضه اضطرارا فتأخذوه منهن إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أي زنى. كما قاله جماعة من الصحابة والتابعين. يعني إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها وتضاجرها حتى تتركه لك، وتخالعها. كما قال تعالى في سورة البقرة: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ [البقرة: ٢٢٩]. الآية.
وروي عن ابن عباس أيضا وغيره: الفاحشة المبينة النشوز والعصيان. واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله: الزنى والعصيان والنشوز وبذاء اللسان وغير ذلك. يعني أن هذا كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو بعضه، ويفارقها. قال ابن كثير:
وهذا جيد، والله أعلم. قال أبو السعود: (مبينة) على صيغة الفاعل من (بيّن) بمعنى تبين وقرئ على صيغة المفعول. وعلى صيغة الفاعل من (أبان) بمعنى تبين أي بينة القبح من النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء والسلاطة.
ويعضده قراءة أبيّ: إلا أن يفحشن عليكم. انتهى. وفي (الإكليل) استدل قوم بقوله: بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ- على منع الخلق بأكثر مما أعطاها انتهى.
ثم بين تعالى حق الصحبة مع الزوجات بقوله: وَعاشِرُوهُنَّ أي صاحبوهن بِالْمَعْرُوفِ أي بالإنصاف في الفعل والإجمال في القول حتى لا تكونوا سبب الزنى بتركهن. أو سبب النشوز أو سوء الخلق. فلا يحل لكم حينئذ.
فنزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ. الآية. ورواه أبو داود والنسائيّ وغيرهم، ولفظ أبي داود عن ابن عباس: أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته. فيعضلها حتى تموت، أو ترد إليه صداقها: فأحكم الله عن ذلك. أي نهى عنه.
قال السيوطيّ: ففيه أن الحر لا يتصور ملكه ولا دخوله تحت اليد. ولا يجري مجرى الأموال بوجه. وكَرْهاً (بفتح الكاف وضمها) قراءتان. أي حال كونهن كارهات لذلك! أو مكرهات عليه. والتقييد (بالكره) لا يدل على الجواز عند عدمه. لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه. كما في قوله: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء: ٣١]. وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ الخطاب للأزواج. كما عليه أكثر المفسرين. روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس أن الآية في الرجل تكون له المرأة. وهو كاره لصحبتها. ولها عليه مهر. فيضرها لتفتدي به. والعضل الحبس والتضييق. أي: ولا يحل لكم أن تضيقوا عليهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن. أي من الصداق. بأن يدفعن إليكم بعضه اضطرارا فتأخذوه منهن إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أي زنى. كما قاله جماعة من الصحابة والتابعين. يعني إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها وتضاجرها حتى تتركه لك، وتخالعها. كما قال تعالى في سورة البقرة: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ [البقرة: ٢٢٩]. الآية.
وروي عن ابن عباس أيضا وغيره: الفاحشة المبينة النشوز والعصيان. واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله: الزنى والعصيان والنشوز وبذاء اللسان وغير ذلك. يعني أن هذا كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو بعضه، ويفارقها. قال ابن كثير:
وهذا جيد، والله أعلم. قال أبو السعود: (مبينة) على صيغة الفاعل من (بيّن) بمعنى تبين وقرئ على صيغة المفعول. وعلى صيغة الفاعل من (أبان) بمعنى تبين أي بينة القبح من النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء والسلاطة.
ويعضده قراءة أبيّ: إلا أن يفحشن عليكم. انتهى. وفي (الإكليل) استدل قوم بقوله: بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ- على منع الخلق بأكثر مما أعطاها انتهى.
ثم بين تعالى حق الصحبة مع الزوجات بقوله: وَعاشِرُوهُنَّ أي صاحبوهن بِالْمَعْرُوفِ أي بالإنصاف في الفعل والإجمال في القول حتى لا تكونوا سبب الزنى بتركهن. أو سبب النشوز أو سوء الخلق. فلا يحل لكم حينئذ.
52
قال السيوطيّ في (الإكليل) : في الآية وجوب المعروف من توفية المهر والنفقة والقسم واللين في القول وترك الضرب والإغلاظ بلا ذنب. واستدل بعمومها من أوجب لها الخدمة إذا كانت ممن لا تخدم نفسها فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ يعني كرهتم الصحبة معهن فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً أي ولعله يجعل فيهن ذلك بأن يرزقكم منهن ولدا صالحا يكون فيه خير كثير. وبأن ينيلكم الثواب الجزيل في العقبى بالإنفاق عليهن والإحسان إليهن، على خلاف الطبع. وفي (الإكليل) قال الكيا الهراسيّ: في هذه الآية استحباب الإمساك بالمعروف وإن كان على خلاف هوى النفس. وفيها دليل على أن الطلاق مكروه.
وقد روى مسلم «١» في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يفرك مؤمن مؤمنة. إن كره منها خلقا رضي منها آخر.
(يفرك) بفتح الياء والراء، معناه بغض.
لطيفة:
قال أبو السعود: ذكر الفعل الأول مع الاستغناء عنه، وانحصار العلّية في الثاني، للتوسل إلى تعميم مفعوله- ليفيد أن ترتيب الخير الكثير من الله تعالى ليس مخصوصا بمكروه دون مكروه. بل هو سنة إلهية جارية على الإطلاق، حسب اقتضاء الحكمة. وإن ما نحن فيه مادة من موادها. وفيه من المبالغة في الحمل على ترك المفارقة وتعميم الإرشاد، ما لا يخفى.
تنبيه جليل في الوصية بالنساء والإحسان إليهن:
كفى في هذا الباب هذه الآية الجليلة الجامعة. وهي قوله تعالى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. قال ابن كثير: أي طيبوا أقوالكم لهن. وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم. كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله. كما قال تعالى:
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ [البقرة: ٢٢٨].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذيّ عن عائشة، وابن ماجة «٢» عن ابن عباس، والطبرانيّ عن معاوية.
وقال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم للنساء. رواه الحاكم عن ابن عباس.
وقال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. ما أكرم النساء إلا
وقد روى مسلم «١» في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يفرك مؤمن مؤمنة. إن كره منها خلقا رضي منها آخر.
(يفرك) بفتح الياء والراء، معناه بغض.
لطيفة:
قال أبو السعود: ذكر الفعل الأول مع الاستغناء عنه، وانحصار العلّية في الثاني، للتوسل إلى تعميم مفعوله- ليفيد أن ترتيب الخير الكثير من الله تعالى ليس مخصوصا بمكروه دون مكروه. بل هو سنة إلهية جارية على الإطلاق، حسب اقتضاء الحكمة. وإن ما نحن فيه مادة من موادها. وفيه من المبالغة في الحمل على ترك المفارقة وتعميم الإرشاد، ما لا يخفى.
تنبيه جليل في الوصية بالنساء والإحسان إليهن:
كفى في هذا الباب هذه الآية الجليلة الجامعة. وهي قوله تعالى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. قال ابن كثير: أي طيبوا أقوالكم لهن. وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم. كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله. كما قال تعالى:
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ [البقرة: ٢٢٨].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذيّ عن عائشة، وابن ماجة «٢» عن ابن عباس، والطبرانيّ عن معاوية.
وقال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم للنساء. رواه الحاكم عن ابن عباس.
وقال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. ما أكرم النساء إلا
(١) أخرجه في: الرضاع، حديث ٦١.
(٢) أخرجه ابن ماجة في: النكاح، ١١- باب حسن معاشرة النساء، حديث ١٩٧٧.
(٢) أخرجه ابن ماجة في: النكاح، ١١- باب حسن معاشرة النساء، حديث ١٩٧٧.
53
كريم، ولا أهانهن إلا لئيم. رواه ابن عساكر عن عليّ عليه السّلام.
وعن عمر بن الأحوص رضي الله عنه أنه سمع النبيّ ﷺ في حجة الوداع يقول، بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه، وذكر ووعظ، ثم قال: «ألا واستوصوا بالنساء خيرا. فإنما هنّ عوان عندكم. ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. ألا إن لكم على نسائكم حقّا. ولنسائكم عليكم حقا. فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون. ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن». رواه الترمذي «١»
وقال:
حديث حسن صحيح.
وقوله (عوان) أي أسيرات. جمع عانية.
وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلا في البيت. رواه أبو داود «٢».
وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله ﷺ «٣» :«ليس من اللهو إلا ثلاث:
تأديب الرجل فرسه، ورميه بقوسه ونبله، ومداعبة أهله». رواه أبو داود.
وفي رواية له: كل شيء يلهو به الرجل باطل، إلا تأديبه فرسه ورميه عن قوسه ومداعبته أهله.
قال ابن كثير: وكان من أخلاق النبيّ ﷺ أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه. حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، يتودد إليها بذلك. قالت: سابقني رسول الله ﷺ فسبقته. وذلك قبل أن أحمل اللحم. ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني.
وعن عمر بن الأحوص رضي الله عنه أنه سمع النبيّ ﷺ في حجة الوداع يقول، بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه، وذكر ووعظ، ثم قال: «ألا واستوصوا بالنساء خيرا. فإنما هنّ عوان عندكم. ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. ألا إن لكم على نسائكم حقّا. ولنسائكم عليكم حقا. فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون. ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن». رواه الترمذي «١»
وقال:
حديث حسن صحيح.
وقوله (عوان) أي أسيرات. جمع عانية.
وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلا في البيت. رواه أبو داود «٢».
وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله ﷺ «٣» :«ليس من اللهو إلا ثلاث:
تأديب الرجل فرسه، ورميه بقوسه ونبله، ومداعبة أهله». رواه أبو داود.
وفي رواية له: كل شيء يلهو به الرجل باطل، إلا تأديبه فرسه ورميه عن قوسه ومداعبته أهله.
قال ابن كثير: وكان من أخلاق النبيّ ﷺ أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه. حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، يتودد إليها بذلك. قالت: سابقني رسول الله ﷺ فسبقته. وذلك قبل أن أحمل اللحم. ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني.
(١) أخرجه الترمذيّ في: النكاح، ١١- باب ما جاء في حق المرأة على زوجها. [.....]
(٢) أخرجه أبو داود في: النكاح، ٤١- باب في حق المرأة على زوجها، حديث ٢١٤٢.
(٣)
أخرجه الترمذيّ في: فضائل الجهاد، ١١- باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله. ونصه: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسن أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله ليدخل بالسهم الواحد، ثلاثة، الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، والممدّ به» وقال «ارموا واركبوا، ولأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا. كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل. إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهنّ من الحق».
ثم قال: عن عقبة بن عامر الجهنيّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، مثله
.
(٢) أخرجه أبو داود في: النكاح، ٤١- باب في حق المرأة على زوجها، حديث ٢١٤٢.
(٣)
أخرجه الترمذيّ في: فضائل الجهاد، ١١- باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله. ونصه: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسن أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله ليدخل بالسهم الواحد، ثلاثة، الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، والممدّ به» وقال «ارموا واركبوا، ولأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا. كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل. إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهنّ من الحق».
ثم قال: عن عقبة بن عامر الجهنيّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، مثله
.
54
فقال: هذه بتلك. وكان ﷺ يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها. وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد. يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار. وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام. يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. انتهى.
وقال الغزاليّ في (الإحياء) في (آداب المعاشرة وما يجري في دوام النكاح) :
الأدب الثاني- حسن الخلق معهن واحتمال الأذى منهن، ترحما عليهن، لقصور عقلهن. قال الله تعالى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ: وقال في تعظيم حقهن:
وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً [النساء: ٢١]. وقال تعالى: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء: ٣٦]. قيل: هي المرأة.
ثم قال: واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام، وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل. وراجعت امرأة عمر عمر رضي الله عنه فقال: أتراجعيني؟ فقالت: إن أزواج رسول الله ﷺ يراجعنه، وهو خير منك.
وكان رسول الله ﷺ يقول لعائشة «١» :«إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عليّ غضبى. قالت. فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا. ورب محمد! وإذا كنت غضبى قلت: لا. ورب إبراهيم! قالت. قلت: أجل. والله! يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك».
ثم قال الغزالي: الثالث- أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزح والملاعبة. فهي التي تطيب قلوب النساء. وقد كان رسول الله ﷺ يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال. حتى
روي أنه ﷺ كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يوما وسبقها في بعض الأيام. فقال صلى الله عليه وسلم: هذه بتلك.
قال العراقيّ: رواه أبو داود «٢»، والنسائي في (الكبرى) وابن ماجة في حديث عائشة بسند صحيح.
وقالت عائشة رضي الله عنها: سمعت أصوات أناس من الحبشة وغيرهم وهم
وقال الغزاليّ في (الإحياء) في (آداب المعاشرة وما يجري في دوام النكاح) :
الأدب الثاني- حسن الخلق معهن واحتمال الأذى منهن، ترحما عليهن، لقصور عقلهن. قال الله تعالى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ: وقال في تعظيم حقهن:
وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً [النساء: ٢١]. وقال تعالى: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء: ٣٦]. قيل: هي المرأة.
ثم قال: واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام، وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل. وراجعت امرأة عمر عمر رضي الله عنه فقال: أتراجعيني؟ فقالت: إن أزواج رسول الله ﷺ يراجعنه، وهو خير منك.
وكان رسول الله ﷺ يقول لعائشة «١» :«إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عليّ غضبى. قالت. فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا. ورب محمد! وإذا كنت غضبى قلت: لا. ورب إبراهيم! قالت. قلت: أجل. والله! يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك».
ثم قال الغزالي: الثالث- أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزح والملاعبة. فهي التي تطيب قلوب النساء. وقد كان رسول الله ﷺ يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال. حتى
روي أنه ﷺ كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يوما وسبقها في بعض الأيام. فقال صلى الله عليه وسلم: هذه بتلك.
قال العراقيّ: رواه أبو داود «٢»، والنسائي في (الكبرى) وابن ماجة في حديث عائشة بسند صحيح.
وقالت عائشة رضي الله عنها: سمعت أصوات أناس من الحبشة وغيرهم وهم
(١) أخرجه البخاريّ في: النكاح، ١٠٨- باب غيرة النساء ووجدهن.
(٢) أخرجه أبو داود في: الجهاد، ٦١- باب في السبق على الرجل، حديث ٢٥٧٨.
(٢) أخرجه أبو داود في: الجهاد، ٦١- باب في السبق على الرجل، حديث ٢٥٧٨.
55
يلعبون في يوم عيد. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتحبين أن تري لعبهم؟ قالت.
قلت: نعم. فأرسل إليهم فجاؤوا. وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم: بين البابين. فوضع كفه على الباب ووضعت رأسي على منكبه. وجعلوا يلعبون وأنظر. وجعل رسول الله ﷺ يقول: حسبك! وأقول: لا تعجل. (مرتين أو ثلاثا) ثم قال: يا عائشة! حسبك.
فقلت نعم».
وفي رواية للبخاري «١» قالت: رأيت النبيّ ﷺ يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد. حتى أكون أنا الذي أسأم. فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو
. وقال عمر رضي الله عنه: ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبيّ. فإذا التمسوا ما عنده وجد رجلا.
وقال لقمان رحمه الله تعالى: ينبغي للعاقل أن يكون في أهله كالصبيّ. وإذا كان في القوم وجد رجلا.
وقال ﷺ «٢» لجابر: «هلّا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟» رواه الشيخان
. ووصفت أعرابية زوجها وقد مات فقالت: والله! لقد كان ضحوكا إذا ولج، سكوتا إذا خرج، آكلا ما وجد، غير سائل عما فقد. انتهى بتصرف.
ثم نهى تعالى عن أخذ شيء من صداق النساء من أراد فراقهن، بقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢٠]
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠)
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ أي تزوج امرأة ترغبون فيها مَكانَ زَوْجٍ ترغبون
قلت: نعم. فأرسل إليهم فجاؤوا. وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم: بين البابين. فوضع كفه على الباب ووضعت رأسي على منكبه. وجعلوا يلعبون وأنظر. وجعل رسول الله ﷺ يقول: حسبك! وأقول: لا تعجل. (مرتين أو ثلاثا) ثم قال: يا عائشة! حسبك.
فقلت نعم».
وفي رواية للبخاري «١» قالت: رأيت النبيّ ﷺ يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد. حتى أكون أنا الذي أسأم. فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو
. وقال عمر رضي الله عنه: ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبيّ. فإذا التمسوا ما عنده وجد رجلا.
وقال لقمان رحمه الله تعالى: ينبغي للعاقل أن يكون في أهله كالصبيّ. وإذا كان في القوم وجد رجلا.
وقال ﷺ «٢» لجابر: «هلّا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟» رواه الشيخان
. ووصفت أعرابية زوجها وقد مات فقالت: والله! لقد كان ضحوكا إذا ولج، سكوتا إذا خرج، آكلا ما وجد، غير سائل عما فقد. انتهى بتصرف.
ثم نهى تعالى عن أخذ شيء من صداق النساء من أراد فراقهن، بقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢٠]
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠)
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ أي تزوج امرأة ترغبون فيها مَكانَ زَوْجٍ ترغبون
(١) أخرجه البخاريّ في: النكاح، ١١٤- باب نظر المرأة إلى الحبش وغيرهم من غير ريبة.
(٢)
أخرجه البخاريّ في: النكاح، ١٢٢- باب تستحد المغيبة وتمتشط. ونصه: عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع النبيّ ﷺ في غزوة فلما قفلنا كنا قريبا من المدينة تعجلت على بعير لي قطوف.
فلحقني راكب من خلفي فنخس بعيري بعنزة كانت معه. فسار بعيري ما أنت راء من الإبل.
فالتفت فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله! إني حديث عهد بعرس. قال: «أتزوجت؟» قلت: نعم. قال «بكرا أم ثيبا» قال قلت: بل ثيبا. قال «فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟» قال فلما قدمنا ذهبنا لندخل فقال «أمهلوا حتى تدخلوا ليلا (أي عشاء) كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة».
(٢)
أخرجه البخاريّ في: النكاح، ١٢٢- باب تستحد المغيبة وتمتشط. ونصه: عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع النبيّ ﷺ في غزوة فلما قفلنا كنا قريبا من المدينة تعجلت على بعير لي قطوف.
فلحقني راكب من خلفي فنخس بعيري بعنزة كانت معه. فسار بعيري ما أنت راء من الإبل.
فالتفت فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله! إني حديث عهد بعرس. قال: «أتزوجت؟» قلت: نعم. قال «بكرا أم ثيبا» قال قلت: بل ثيبا. قال «فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟» قال فلما قدمنا ذهبنا لندخل فقال «أمهلوا حتى تدخلوا ليلا (أي عشاء) كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة».
عنها بأن تطلقوها وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ أي إحدى الزوجات. فإن المراد بالزوج الجنس. قِنْطاراً أي مالا كثيرا مهرا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أي يسيرا، فضلا عن الكثير أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً أي باطلا وَإِثْماً مُبِيناً بينا. والاستفهام للإنكار والتوبيخ. أي أتأخذونه باهتين وآثمين.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢١]
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١)
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ إنكار لأخذه إثر إنكار، وتنفير عنه غب تنفير، على سبيل التعجب. أي بأي وجه تستحلون المهر وَقَدْ أَفْضى أي وصل بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ فأخذ عوضه وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً أي عهدا وثيقا مؤكدا مزيد تأكيد، يعسر معه نقضه. كالثوب الغليظ يعسر شقه.
قال الزمخشريّ: الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة. ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه. فقد قالوا: صحبة عشرين يوما قرابة. فكيف بما جرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟ انتهى.
قال الشهاب الخفاجيّ: قلت بل قالوا:
صحبة يوم نسب قريب... وذمة يعرفها اللبيب
أو الميثاق الغليظ ما أوثق الله تعالى عليهم في شأنهم بقوله تعالى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ. أو قول الوليّ عند العقد: أنكحتك على ما في كتاب الله: من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
تنبيه في فوائد:
الأولى- في قوله تعالى: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً دليل على جواز الإصداق بالمال الجزيل. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى عن كثرته ثم رجع عن ذلك: كما روى الإمام أحمد «١» عن أبي العجفاء السلميّ قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ألا لا تغلوا صدق النساء. ألا لا تغلوا صدق النساء. فإنها لو كانت
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢١]
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١)
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ إنكار لأخذه إثر إنكار، وتنفير عنه غب تنفير، على سبيل التعجب. أي بأي وجه تستحلون المهر وَقَدْ أَفْضى أي وصل بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ فأخذ عوضه وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً أي عهدا وثيقا مؤكدا مزيد تأكيد، يعسر معه نقضه. كالثوب الغليظ يعسر شقه.
قال الزمخشريّ: الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة. ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه. فقد قالوا: صحبة عشرين يوما قرابة. فكيف بما جرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟ انتهى.
قال الشهاب الخفاجيّ: قلت بل قالوا:
صحبة يوم نسب قريب... وذمة يعرفها اللبيب
أو الميثاق الغليظ ما أوثق الله تعالى عليهم في شأنهم بقوله تعالى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ. أو قول الوليّ عند العقد: أنكحتك على ما في كتاب الله: من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
تنبيه في فوائد:
الأولى- في قوله تعالى: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً دليل على جواز الإصداق بالمال الجزيل. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى عن كثرته ثم رجع عن ذلك: كما روى الإمام أحمد «١» عن أبي العجفاء السلميّ قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ألا لا تغلوا صدق النساء. ألا لا تغلوا صدق النساء. فإنها لو كانت
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ١/ ٤٠.
57
مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبيّ صلى الله عليه وسلم. ما أصدق رسول الله ﷺ امرأة من نسائه، ولا أصدق امرأة من بناته، أكثر من اثنتي عشرة أوقية. وإن الرجل ليبتلى بصدقة امرأته (وقال مرة: وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته) حتى تكون لها عداوة في نفسه. وحتى يقول: كلفت إليك عرق القربة. ورواه أهل السنن. وقال الترمذيّ: هذا حديث صحيح.
وروى أبو يعلى عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله ﷺ ثم قال: أيها الناس! ما إكثاركم في صدق النساء! وقد كان رسول الله ﷺ وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك. ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها. فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم. قال ثم نزل. فاعترضته امرأة من قريش. فقالت: يا أمير المؤمنين! نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم. قال: نعم. فقالت أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأيّ ذلك؟ قالت: أما سمعت الله يقول:
وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً. الآية. قال فقال: اللهم! غفرا. كل الناس أفقه من عمر.
ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس! إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم. فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب.
قال أبو يعلي: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل. إسناده جيّد قويّ. قاله ابن كثير.
وفي (الحجة البالغة) ما نصه: لم يضبط النبيّ ﷺ المهر بحدّ لا يزيد ولا ينقص. إذ العادات في إظهار الاهتمام مختلفة. والرغبات لها مراتب شتى. ولهم في المشاحّة طبقات. فلا يمكن تحديده عليهم. كما لا يمكن أن يضبط ثمن الأشياء المرغوبة بحد مخصوص. ولذلك قال: التمس ولو خاتما من حديد «١». غير أنه سن في صداق أزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشّا. أي نصفا، انتهى.
وروى أبو يعلى عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله ﷺ ثم قال: أيها الناس! ما إكثاركم في صدق النساء! وقد كان رسول الله ﷺ وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك. ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها. فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم. قال ثم نزل. فاعترضته امرأة من قريش. فقالت: يا أمير المؤمنين! نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم. قال: نعم. فقالت أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأيّ ذلك؟ قالت: أما سمعت الله يقول:
وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً. الآية. قال فقال: اللهم! غفرا. كل الناس أفقه من عمر.
ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس! إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم. فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب.
قال أبو يعلي: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل. إسناده جيّد قويّ. قاله ابن كثير.
وفي (الحجة البالغة) ما نصه: لم يضبط النبيّ ﷺ المهر بحدّ لا يزيد ولا ينقص. إذ العادات في إظهار الاهتمام مختلفة. والرغبات لها مراتب شتى. ولهم في المشاحّة طبقات. فلا يمكن تحديده عليهم. كما لا يمكن أن يضبط ثمن الأشياء المرغوبة بحد مخصوص. ولذلك قال: التمس ولو خاتما من حديد «١». غير أنه سن في صداق أزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشّا. أي نصفا، انتهى.
(١)
أخرجه البخاريّ في: النكاح، ٤- باب السلطان وليّ، لقول النبيّ ﷺ «زوجناكها بما معك من القرآن». ونصه: عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فقالت: إني وهبت من نفسي. فقامت طويلا. فقال رجل: زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة. قال: «هل عندك من شيء تصدقها؟» قال: ما عندي إلا إزاري. فقال: «إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك. فالتمس شيئا» فقال: ما أجد شيئا. قال: «التمس ولو خاتما من حديد» فلم يجد. فقال: «أمعك من القرآن شيء؟» قال: نعم. سورة كذا وسورة كذا. لسور سماها. فقال: «زوجناكها بما معك من القرآن»
.
أخرجه البخاريّ في: النكاح، ٤- باب السلطان وليّ، لقول النبيّ ﷺ «زوجناكها بما معك من القرآن». ونصه: عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فقالت: إني وهبت من نفسي. فقامت طويلا. فقال رجل: زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة. قال: «هل عندك من شيء تصدقها؟» قال: ما عندي إلا إزاري. فقال: «إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك. فالتمس شيئا» فقال: ما أجد شيئا. قال: «التمس ولو خاتما من حديد» فلم يجد. فقال: «أمعك من القرآن شيء؟» قال: نعم. سورة كذا وسورة كذا. لسور سماها. فقال: «زوجناكها بما معك من القرآن»
.
58
وقد ورد ما يفيد الندب إلى تخفيفه وكراهة المغالاة فيه.
أخرج أبو داود والحاكم، وصححه، من حديث عقبة بن عامر قال قال رسول الله ﷺ «١» :«خير الصداق أيسره».
وفي صحيح مسلم «٢» عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال له: إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئا. قال: قد نظرت إليها. قال: على كم تزوجتها؟ قال على أربع أواق. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: على أربع أواق! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل. ما عندنا ما نعطيك. ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه. قال فبعث بعثا إلى بني عبس، بعث ذلك الرجل فيهم
. الثانية: خص تعالى ذكر من آتى القنطار من المال بالنهي، تنبيها بالأعلى على الأدنى. لأنه إذا كان هذا، على كثير ما بذل لامرأته من الأموال، منهيّا عن استعادة شيء يسير حقير منها، على هذا الوجه، كان من لم يبذل إلا الحقير منهيّا عن استعادته بطريق الأولى. ومعنى قوله وَآتَيْتُمْ والله أعلم: وكنتم آتيتم. إذ إرادة الاستبدال، في ظاهر الأحمر، واقعة بعد إيتاء المال واستقرار الزوجية- كذا في الانتصاف.
الثالثة: اتفقوا على أن المهر يستقر بالوطء. واختلفوا في استقراره بالخلوة المجردة. ومنشأ ذلك: أن (أفضى) في قوله تعالى: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ.
يجوز حملها على الجماع كناية، جريا على قانون التنزيل من استعمال الكناية فيما يستحيي من ذكره. والخلوة لا يستحيي من ذكرها فلا تحتاج إلى كناية: ويجوز إبقاؤها على ظاهرها.
قال ابن الأعرابيّ: الإفضاء في الحقيقة الانتهاء. ومنه: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ. أي انتهى وآوى. هذا، والكناية أبلغ وأقرب في هذا المقام. ومما يرجحها أنه تعالى ذكر ذلك في معرض التعجب فقال: وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض. والتعجب إنما يتم إذا كان هذا الإفضاء سببا قويا في حصول الألفة والمحبة، وهو الجماع، لا مجرد الخلوة. فوجب حمل الإفضاء إليه- ذكره الرازيّ من
أخرج أبو داود والحاكم، وصححه، من حديث عقبة بن عامر قال قال رسول الله ﷺ «١» :«خير الصداق أيسره».
وفي صحيح مسلم «٢» عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال له: إني تزوجت امرأة من الأنصار. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئا. قال: قد نظرت إليها. قال: على كم تزوجتها؟ قال على أربع أواق. فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: على أربع أواق! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل. ما عندنا ما نعطيك. ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه. قال فبعث بعثا إلى بني عبس، بعث ذلك الرجل فيهم
. الثانية: خص تعالى ذكر من آتى القنطار من المال بالنهي، تنبيها بالأعلى على الأدنى. لأنه إذا كان هذا، على كثير ما بذل لامرأته من الأموال، منهيّا عن استعادة شيء يسير حقير منها، على هذا الوجه، كان من لم يبذل إلا الحقير منهيّا عن استعادته بطريق الأولى. ومعنى قوله وَآتَيْتُمْ والله أعلم: وكنتم آتيتم. إذ إرادة الاستبدال، في ظاهر الأحمر، واقعة بعد إيتاء المال واستقرار الزوجية- كذا في الانتصاف.
الثالثة: اتفقوا على أن المهر يستقر بالوطء. واختلفوا في استقراره بالخلوة المجردة. ومنشأ ذلك: أن (أفضى) في قوله تعالى: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ.
يجوز حملها على الجماع كناية، جريا على قانون التنزيل من استعمال الكناية فيما يستحيي من ذكره. والخلوة لا يستحيي من ذكرها فلا تحتاج إلى كناية: ويجوز إبقاؤها على ظاهرها.
قال ابن الأعرابيّ: الإفضاء في الحقيقة الانتهاء. ومنه: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ. أي انتهى وآوى. هذا، والكناية أبلغ وأقرب في هذا المقام. ومما يرجحها أنه تعالى ذكر ذلك في معرض التعجب فقال: وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض. والتعجب إنما يتم إذا كان هذا الإفضاء سببا قويا في حصول الألفة والمحبة، وهو الجماع، لا مجرد الخلوة. فوجب حمل الإفضاء إليه- ذكره الرازيّ من
(١) أخرجه أبو داود في: النكاح، ٣١- باب فيمن تزوج ولم يسمّ صداقا حتى مات، حديث ٢١١٧.
(٢) أخرجه في: النكاح، ١٢- باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها، حديث ٧٥.
(٢) أخرجه في: النكاح، ١٢- باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها، حديث ٧٥.
59
وجوه. ثم قال: وقوله تعالى وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ كلمة تعجب. أي لأيّ وجه ولأيّ معنى تفعلون هذا؟ فإنها بذلت نفسها لك وجعلت ذاتها لذّتك وتمتعك، وحصلت الألفة التامة والمودة الكاملة بينكما، فكيف يليق بالعاقل أن يسترد منها شيئا بذله لها بطيبة نفسه؟ إن هذا لا يليق بمن له طبع سليم وذوق مستقيم.
الرابعة: في (الإكليل) استدل بهذه الآية من منع الخلع مطلقا. وقال: إنها ناسخة لآية البقرة. وقال غيره: إن هذه الآية منسوخة بها. وقال آخرون: لا ناسخ ولا منسوخ بل هي في الأخذ بغير طيب نفسها انتهى.
أقول: إن القول الثالث متعين. لأن كلّا من آيتي البقرة وهذه في مورد خاص يعلم من مساق النظم الكريم. وذلك لأن قوله في البقرة: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة: ٢٢٩]- صريح في أن الزوجة إذا كرهت خلق زوجها أو خلقه أو نقص دينه أو خافت إثما بترك حقه، أبيح لها أن تفتدي منه وحلّ له أخذ الفداء مما آتاها، لقوله تعالى ثمّ: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ خِفْتُمْ [البقرة: ٢٢٩] إلخ. والحكمة في حل الأخذ ظاهرة. وهي جبر الزوج مما لحقه من ضعة اختلاعها له وهيمنتها حينئذ عليه، واسترداد ما لو أخذ منه، لكان في صورة المظلوم. لأنه لم يجنح للفراق ولا رغب فيه. فكان من العدل الإلهيّ أن لا يجمع عليه بين خسارتي التمتع والمال. وأما هذه الآية فهي في حكم آخر. وهو ما إذا أراد استبدال زوجته لطموح بصره إلى غيرها من غير أن تفتدي منه، أو ترغب في خلع نفسها منه، فيضن بما آتاها ويأسف لأن تحوزه وهو لا يريدها وليس لها في نفسه وقع، فعزم عليه أن لا يأخذ مما أصدقها شيئا قط بعد الإفضاء. لأنه لو أبيح له الأخذ حينئذ لكان ظلما واضحا. لأنه أخذ بلا جريرة منها. فكان في إبقاء ما في يدها مما آتاها جبر لما نابها من ألم الإعراض عنها واطراحها، رحمة منه تعالى، وعدلا في القضيتين. فالقائل بالنسخ فاته سر الحكمين. وليت شعري ماذا يقول
في الحديث المرويّ في البخاري «١» وغيره، وهو قوله ﷺ لامرأة ثابت: «أتردّين عليه حديقته!
الرابعة: في (الإكليل) استدل بهذه الآية من منع الخلع مطلقا. وقال: إنها ناسخة لآية البقرة. وقال غيره: إن هذه الآية منسوخة بها. وقال آخرون: لا ناسخ ولا منسوخ بل هي في الأخذ بغير طيب نفسها انتهى.
أقول: إن القول الثالث متعين. لأن كلّا من آيتي البقرة وهذه في مورد خاص يعلم من مساق النظم الكريم. وذلك لأن قوله في البقرة: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة: ٢٢٩]- صريح في أن الزوجة إذا كرهت خلق زوجها أو خلقه أو نقص دينه أو خافت إثما بترك حقه، أبيح لها أن تفتدي منه وحلّ له أخذ الفداء مما آتاها، لقوله تعالى ثمّ: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ خِفْتُمْ [البقرة: ٢٢٩] إلخ. والحكمة في حل الأخذ ظاهرة. وهي جبر الزوج مما لحقه من ضعة اختلاعها له وهيمنتها حينئذ عليه، واسترداد ما لو أخذ منه، لكان في صورة المظلوم. لأنه لم يجنح للفراق ولا رغب فيه. فكان من العدل الإلهيّ أن لا يجمع عليه بين خسارتي التمتع والمال. وأما هذه الآية فهي في حكم آخر. وهو ما إذا أراد استبدال زوجته لطموح بصره إلى غيرها من غير أن تفتدي منه، أو ترغب في خلع نفسها منه، فيضن بما آتاها ويأسف لأن تحوزه وهو لا يريدها وليس لها في نفسه وقع، فعزم عليه أن لا يأخذ مما أصدقها شيئا قط بعد الإفضاء. لأنه لو أبيح له الأخذ حينئذ لكان ظلما واضحا. لأنه أخذ بلا جريرة منها. فكان في إبقاء ما في يدها مما آتاها جبر لما نابها من ألم الإعراض عنها واطراحها، رحمة منه تعالى، وعدلا في القضيتين. فالقائل بالنسخ فاته سر الحكمين. وليت شعري ماذا يقول
في الحديث المرويّ في البخاري «١» وغيره، وهو قوله ﷺ لامرأة ثابت: «أتردّين عليه حديقته!
(١)
أخرجه البخاريّ في: الطلاق، ١٢- باب الخلع وكيفية الطلاق منه، حديث ٢١٥٣ ونصه: عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقبل الحديقة وطلقها تطليقة»
.
أخرجه البخاريّ في: الطلاق، ١٢- باب الخلع وكيفية الطلاق منه، حديث ٢١٥٣ ونصه: عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقبل الحديقة وطلقها تطليقة»
.
60
فقالت: نعم. فقال ﷺ لزوجها: اقبل الحديقة وطلقها».
ولا يقال: لعل القائل بنسخ الخلع اعتمد فيه قوله تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ. إلخ. وفيه ما فيه من تهويل الأخذ والتنفير عنه كما أسلفنا. لأنا نقول إن دلائل الأحكام الناسخة أو المنسوخة إنما تؤخذ من الجمل التامة في الأصلين. فلا تؤخذ من شرط بلا جوابه مثلا. وبالعكس.
ولا من مبتدأ بدون خبره وبالعكس. ولا من مؤكد بدون مؤكدة. وهكذا. وما نحن فيه لو أخذ عموم تحريم الأخذ من قوله: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ- لكان كالاستدلال من المؤكد بدون ملاحظة مؤكدة. وهذا ساقط. لأنّ قوله: وَكَيْفَ- تنفير عما تقدم، متعلق به. وما قبله خاص. ولو زعم القائل بالنسخ أن قوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ، عام في المخلوعة ومن أريد طلاقها- نقول هذا باطل وفاسد. لأن مورد الآية في إرادته، هو فراقها مبتدئا. فلا يصدق على المختلعة. لأنه لا يراد الاستبدال بغيرها ابتداء من جانب الزوج. وبالجملة فكل من قرأ صدر الآيتين على أن كلا في حكم على حدة. لا تعلق فيها له بالآخر. والنسخ لا يصار إليه بالرأي. وقد كثر في المتأخرين دعوى النسخ في الآيات هكذا بلا استناد قويّ. بل لما يتراءى ظاهرا بلا إمعان. فتثبت هذا.
وفي الصحيحين «١» أن رسول الله ﷺ قال للمتلاعنين، بعد فراغهما من تلاعنهما: «الله يعلم أن أحدكما كاذب. فهل منكما تائب؟ قالها ثلاثا. فقال الرجل: يا رسول الله: مالي؟ يعني ما أصدقها. قال: لا مال لك. إن كنت صدقت فهو بما استحللت من فرجها. وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها».
وفي سنن أبي داود» وغيره، عن بصرة بن أكثم أنه تزوج امرأة بكرا في خدرها. فإذا هي
ولا يقال: لعل القائل بنسخ الخلع اعتمد فيه قوله تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ. إلخ. وفيه ما فيه من تهويل الأخذ والتنفير عنه كما أسلفنا. لأنا نقول إن دلائل الأحكام الناسخة أو المنسوخة إنما تؤخذ من الجمل التامة في الأصلين. فلا تؤخذ من شرط بلا جوابه مثلا. وبالعكس.
ولا من مبتدأ بدون خبره وبالعكس. ولا من مؤكد بدون مؤكدة. وهكذا. وما نحن فيه لو أخذ عموم تحريم الأخذ من قوله: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ- لكان كالاستدلال من المؤكد بدون ملاحظة مؤكدة. وهذا ساقط. لأنّ قوله: وَكَيْفَ- تنفير عما تقدم، متعلق به. وما قبله خاص. ولو زعم القائل بالنسخ أن قوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ، عام في المخلوعة ومن أريد طلاقها- نقول هذا باطل وفاسد. لأن مورد الآية في إرادته، هو فراقها مبتدئا. فلا يصدق على المختلعة. لأنه لا يراد الاستبدال بغيرها ابتداء من جانب الزوج. وبالجملة فكل من قرأ صدر الآيتين على أن كلا في حكم على حدة. لا تعلق فيها له بالآخر. والنسخ لا يصار إليه بالرأي. وقد كثر في المتأخرين دعوى النسخ في الآيات هكذا بلا استناد قويّ. بل لما يتراءى ظاهرا بلا إمعان. فتثبت هذا.
وفي الصحيحين «١» أن رسول الله ﷺ قال للمتلاعنين، بعد فراغهما من تلاعنهما: «الله يعلم أن أحدكما كاذب. فهل منكما تائب؟ قالها ثلاثا. فقال الرجل: يا رسول الله: مالي؟ يعني ما أصدقها. قال: لا مال لك. إن كنت صدقت فهو بما استحللت من فرجها. وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها».
وفي سنن أبي داود» وغيره، عن بصرة بن أكثم أنه تزوج امرأة بكرا في خدرها. فإذا هي
(١)
أخرجه البخاريّ في: الطلاق، ٣٢- باب صداق الملاعنة، حديث ٢١٦٤ ونصه: عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر: رجل قذف امرأة؟ فقال: فرّق النبيّ ﷺ بين أخوي بني عجلان. وقال:
«الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟» فأبيا. وقال: «الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟» فأبيا. فقال «الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ فأبيا ففرّق بينهما... وفي: ٣٣- باب قول الإمام للمتلاعنين: أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ زاد: قال (الرجل) : ما لي؟ قال «لا مال لك. إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها. وإن كنت كذبت عليها، فذاك أبعد ذلك
. (٢)
أخرجه أبو داود في: النكاح، ٣٧- باب في الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى، حديث ٢١٣١ ونصه: عن سعيد بن المسيّب عن رجل من الأنصار يقال له بصرة (بن أكثم) قال: تزوجت امرأة بكرا في سترها. فدخلت عليها فإذا هي حبلى. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لها الصداق بما استحللت من فرجها. والولد عبد لك. فإذا ولدت فاجلدها». وفي رواية: (فاجلدوها) وفي أخرى: (فحدّوها).
أخرجه البخاريّ في: الطلاق، ٣٢- باب صداق الملاعنة، حديث ٢١٦٤ ونصه: عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر: رجل قذف امرأة؟ فقال: فرّق النبيّ ﷺ بين أخوي بني عجلان. وقال:
«الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟» فأبيا. وقال: «الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟» فأبيا. فقال «الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ فأبيا ففرّق بينهما... وفي: ٣٣- باب قول الإمام للمتلاعنين: أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ زاد: قال (الرجل) : ما لي؟ قال «لا مال لك. إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها. وإن كنت كذبت عليها، فذاك أبعد ذلك
. (٢)
أخرجه أبو داود في: النكاح، ٣٧- باب في الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى، حديث ٢١٣١ ونصه: عن سعيد بن المسيّب عن رجل من الأنصار يقال له بصرة (بن أكثم) قال: تزوجت امرأة بكرا في سترها. فدخلت عليها فإذا هي حبلى. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لها الصداق بما استحللت من فرجها. والولد عبد لك. فإذا ولدت فاجلدها». وفي رواية: (فاجلدوها) وفي أخرى: (فحدّوها).
61
حامل من الزنى. فأتى رسول الله ﷺ فذكر ذلك له. فقضى لها بالصداق وفرق بينهما. وأمر بجلدها. وقال: الولد عبد لك، والصداق في مقابلة البضع.
ثم بين تعالى من يحرم نكاحهن من النساء، ومن لا يحرم. فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢٢]
وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢)
وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ بنكاح أو ملك يمين. وإن لم يكنّ أمهاتكم إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ أي سوى ما قد مضى في الجاهلية فإنه معفوّ لكم ولا تؤاخذون به إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً أي خصلة قبيحة جدّا، لأنه يشبه نكاح الأمهات وَمَقْتاً أي بغضا عند الله وعند ذوي المروآت. ولذا كانت العرب تسمي هذا النكاح: نكاح المقت. وتسمي ذلك المتزوج، مقتيّا. قاله ابن سيده. وقال الزجاج:
المقت أشد البغض. ولما علموا أن ذلك في الجاهلية كان يقال له المقت، أعلموا أنه لم يزل منكرا ممقوتا. وَساءَ سَبِيلًا أي بئس مسلكا. إذ فيه هتك حرمة الأب.
وقد روى ابن أبي حاتم أنه لما توفي أبو قيس بن الأسلت، وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه، قيس، امرأته، فقالت: إنما أعدّك ولدا، وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: إن أبا قيس توفي. فقال: خيرا. ثم قالت: إن ابنه قيسا خطبني وهو من صالحي قومه، وإنما كنت أعدّه ولدا. فما ترى؟
فقال لها: ارجعي إلى بيتك. فنزلت: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ
. الآية. وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين. فأنزل الله: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ. وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ [النساء: ٢٣].
لطيفة:
قال الرازيّ: مراتب القبح ثلاثة: القبح في العقول وفي الشرائع وفي العادات.
فقوله تعالى: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً، إشارة إلى القبح العقليّ. وقوله: وَمَقْتاً، إشارة إلى القبح الشرعيّ. وقوله. وَساءَ سَبِيلًا، إشارة إلى القبح في العرف والعادة. ومتى اجتمعت فيه هذه الوجوه، فقد بلغ الغاية في القبح. والله أعلم.
قال ابن كثير: فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه فيقتل ويصير ماله فيئا
ثم بين تعالى من يحرم نكاحهن من النساء، ومن لا يحرم. فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢٢]
وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢)
وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ بنكاح أو ملك يمين. وإن لم يكنّ أمهاتكم إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ أي سوى ما قد مضى في الجاهلية فإنه معفوّ لكم ولا تؤاخذون به إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً أي خصلة قبيحة جدّا، لأنه يشبه نكاح الأمهات وَمَقْتاً أي بغضا عند الله وعند ذوي المروآت. ولذا كانت العرب تسمي هذا النكاح: نكاح المقت. وتسمي ذلك المتزوج، مقتيّا. قاله ابن سيده. وقال الزجاج:
المقت أشد البغض. ولما علموا أن ذلك في الجاهلية كان يقال له المقت، أعلموا أنه لم يزل منكرا ممقوتا. وَساءَ سَبِيلًا أي بئس مسلكا. إذ فيه هتك حرمة الأب.
وقد روى ابن أبي حاتم أنه لما توفي أبو قيس بن الأسلت، وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه، قيس، امرأته، فقالت: إنما أعدّك ولدا، وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: إن أبا قيس توفي. فقال: خيرا. ثم قالت: إن ابنه قيسا خطبني وهو من صالحي قومه، وإنما كنت أعدّه ولدا. فما ترى؟
فقال لها: ارجعي إلى بيتك. فنزلت: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ
. الآية. وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين. فأنزل الله: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ. وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ [النساء: ٢٣].
لطيفة:
قال الرازيّ: مراتب القبح ثلاثة: القبح في العقول وفي الشرائع وفي العادات.
فقوله تعالى: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً، إشارة إلى القبح العقليّ. وقوله: وَمَقْتاً، إشارة إلى القبح الشرعيّ. وقوله. وَساءَ سَبِيلًا، إشارة إلى القبح في العرف والعادة. ومتى اجتمعت فيه هذه الوجوه، فقد بلغ الغاية في القبح. والله أعلم.
قال ابن كثير: فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه فيقتل ويصير ماله فيئا
لبيت المال. كما رواه الإمام أحمد «١» وأهل السنن، من طرق، عن البراء بن عازب.
وفي رواية عن عمه أنه بعثه رسول الله ﷺ إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، أن يقتله ويأخذ ماله.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢٣]
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ من النسب أن تنكحوهن. وشملت الجدات من قبل الأب أو الأم وَبَناتُكُمْ من النسب. وشملت بنات الأولاد وإن سفلن وَأَخَواتُكُمْ من أم أو أب أو منهما وَعَمَّاتُكُمْ أي أخوات آبائكم وأجدادكم وَخالاتُكُمْ أي أخوات أمهاتكم وجداتكم وَبَناتُ الْأَخِ من النسب، من أي وجه يكنّ وَبَناتُ الْأُخْتِ من النسب من أي وجه يكنّ. ويدخل في البنات أولادهن وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ قال المهايميّ: لأن الرضاع جزء منها وقد صار جزءا من الرضيع، فصار كأنه جزؤها فأشبهت أصله. انتهى.
ويعتبر في الإرضاع أمران: أحدهما القدر الذي يتحقق به هذا المعنى. وقد ورد تقييد مطلقه وبيان مجمله في السنّة بخمس رضعات. لحديث عائشة «٢» عند
وفي رواية عن عمه أنه بعثه رسول الله ﷺ إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، أن يقتله ويأخذ ماله.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢٣]
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ من النسب أن تنكحوهن. وشملت الجدات من قبل الأب أو الأم وَبَناتُكُمْ من النسب. وشملت بنات الأولاد وإن سفلن وَأَخَواتُكُمْ من أم أو أب أو منهما وَعَمَّاتُكُمْ أي أخوات آبائكم وأجدادكم وَخالاتُكُمْ أي أخوات أمهاتكم وجداتكم وَبَناتُ الْأَخِ من النسب، من أي وجه يكنّ وَبَناتُ الْأُخْتِ من النسب من أي وجه يكنّ. ويدخل في البنات أولادهن وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ قال المهايميّ: لأن الرضاع جزء منها وقد صار جزءا من الرضيع، فصار كأنه جزؤها فأشبهت أصله. انتهى.
ويعتبر في الإرضاع أمران: أحدهما القدر الذي يتحقق به هذا المعنى. وقد ورد تقييد مطلقه وبيان مجمله في السنّة بخمس رضعات. لحديث عائشة «٢» عند
(١)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٤/ ٢٩٢. ونصه: عن البراء بن عازب قال: مرّ بنا ناس منطلقون.
فقلنا: أين تذهبون؟ فقالوا: بعثنا رسول الله ﷺ إلى رجل أتى امرأة أبيه، أن نقتله. وفي الرواية الأخرى، عن البراء بن عازب قال، مرّ بي عمّي الحارث بن عمرو، ومعه لواء قد عقده له النبيّ صلى الله عليه وسلم.
فقلت: أي عمّ! أين بعثك النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه.
[.....] (٢) أخرجه مسلم في: الرضاع، ٦- باب التحريم بخمس رضعات، حديث ٢٤.
أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٤/ ٢٩٢. ونصه: عن البراء بن عازب قال: مرّ بنا ناس منطلقون.
فقلنا: أين تذهبون؟ فقالوا: بعثنا رسول الله ﷺ إلى رجل أتى امرأة أبيه، أن نقتله. وفي الرواية الأخرى، عن البراء بن عازب قال، مرّ بي عمّي الحارث بن عمرو، ومعه لواء قد عقده له النبيّ صلى الله عليه وسلم.
فقلت: أي عمّ! أين بعثك النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه.
[.....] (٢) أخرجه مسلم في: الرضاع، ٦- باب التحريم بخمس رضعات، حديث ٢٤.
63
مسلم وغيره: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرّمن. ثم نسخن بخمس معلومات. فتوفي رسول الله ﷺ وهنّ فيما يقرأ من القرآن. والثاني أن يكون الرضاع في أول قيام الهيكل وتشبح صورة الولد. وذلك قبل الفطام. وإلا فهو غذاء بمنزلة سائر الأغذية الكائنة بعد التشبح وقيام الهيكل. كالشاب يأكل الخبز.
عن أم سلمة «١» قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام». رواه الترمذي وصححه. والحاكم أيضا.
وأخرج سعيد بن منصور والدّارقطنيّ والبيهقيّ عن ابن عباس مرفوعا: لا رضاع إلا ما كان في الحولين.
وصحح البيهقيّ وقفه. قال السيوطيّ في (الإكليل) : واستدل بعموم الآية من حرم برضاع الكبير. انتهى. وقد ورد الرخصة فيه لحاجة تعرض.
روى مسلم «٢» وغيره عن زينب بنت أم سلمة قالت: قالت أم سلمة لعائشة: إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل عليّ. فقالت عائشة: أما لك في رسول الله ﷺ أسوة؟
وقالت: إن امرأة أبي حذيفة قالت: يا رسول الله! إن سالما يدخل عليّ وهو رجل.
وفي نفس أبي حذيفة منه شيء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه حتى يدخل عليك.
وأخرج نحوه البخاريّ من حديث عائشة أيضا.
وقد روى هذا الحديث، من الصحابة: أمهات المؤمنين وسهلة بنت سهيل وزينب بنت أم سلمة. ورواه من التابعين جماعة كثيرة. ثم رواه عنهم الجمع الجم.
وقد ذهب إلى ذلك عليّ وعائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن علية وداود الظاهريّ وابن حزم. وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك.
قال ابن القيّم: أخذ طائفة من السلف بهذه الفتوى. منهم عائشة. ولم يأخذ به أكثر أهل العلم. وقدموا عليها أحاديث توقيت الرضاع المحرم، بما قبل الفطام، وبالصغر، وبالحولين. لوجوه: أحدها- كثرتها وانفراد حديث سالم. الثاني- أن جميع أزواج النبيّ ﷺ سوى عائشة في شق المنع. الثالث- أنه أحوط. الرابع- أن رضاع الكبير لا ينبت لحما ولا ينشر عظما. فلا يحصل به البعضية التي هي سبب التحريم. الخامس- أنه يحتمل أن هذا كان مختصّا بسالم وحده. ولهذا لم يجئ
عن أم سلمة «١» قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام». رواه الترمذي وصححه. والحاكم أيضا.
وأخرج سعيد بن منصور والدّارقطنيّ والبيهقيّ عن ابن عباس مرفوعا: لا رضاع إلا ما كان في الحولين.
وصحح البيهقيّ وقفه. قال السيوطيّ في (الإكليل) : واستدل بعموم الآية من حرم برضاع الكبير. انتهى. وقد ورد الرخصة فيه لحاجة تعرض.
روى مسلم «٢» وغيره عن زينب بنت أم سلمة قالت: قالت أم سلمة لعائشة: إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل عليّ. فقالت عائشة: أما لك في رسول الله ﷺ أسوة؟
وقالت: إن امرأة أبي حذيفة قالت: يا رسول الله! إن سالما يدخل عليّ وهو رجل.
وفي نفس أبي حذيفة منه شيء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه حتى يدخل عليك.
وأخرج نحوه البخاريّ من حديث عائشة أيضا.
وقد روى هذا الحديث، من الصحابة: أمهات المؤمنين وسهلة بنت سهيل وزينب بنت أم سلمة. ورواه من التابعين جماعة كثيرة. ثم رواه عنهم الجمع الجم.
وقد ذهب إلى ذلك عليّ وعائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن علية وداود الظاهريّ وابن حزم. وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك.
قال ابن القيّم: أخذ طائفة من السلف بهذه الفتوى. منهم عائشة. ولم يأخذ به أكثر أهل العلم. وقدموا عليها أحاديث توقيت الرضاع المحرم، بما قبل الفطام، وبالصغر، وبالحولين. لوجوه: أحدها- كثرتها وانفراد حديث سالم. الثاني- أن جميع أزواج النبيّ ﷺ سوى عائشة في شق المنع. الثالث- أنه أحوط. الرابع- أن رضاع الكبير لا ينبت لحما ولا ينشر عظما. فلا يحصل به البعضية التي هي سبب التحريم. الخامس- أنه يحتمل أن هذا كان مختصّا بسالم وحده. ولهذا لم يجئ
(١) أخرجه الترمذيّ في: الرضاع، ٥- باب ما جاء في ما ذكر أن الرضاعة لا تحرّم إلا في الصغر دون الحولين.
(٢) أخرجه مسلم في: الرضاع، ٧- باب رضاعة الكبير، حديث ٢٩.
(٢) أخرجه مسلم في: الرضاع، ٧- باب رضاعة الكبير، حديث ٢٩.
64
ذلك إلا في قصته. السادس-
أن رسول الله ﷺ «١» دخل على عائشة وعندها رجل قاعد. فاشتد ذلك عليه وغضب. فقالت: إنه أخي من الرضاعة. فقال: انظرن إخوتكن من الرضاعة. فإنما الرضاعة من المجاعة. متفق عليه. واللفظ لمسلم.
وفي قصة سالم مسلك. وهو أن هذا كان موضع حاجة. فإن سالما كان قد تبناه أبو حذيفة ورباه. ولم يكن له منه ومن الدخول على أهله بدّ. فإذا دعت الحاجة إلى مثل ذلك فالقول به مما يسوغ فيه الاجتهاد، ولعل هذا المسلك أقوى المسالك.
وإليه كان شيخنا يجنح. انتهى. يعني تقيّ الدين بن تيمية رضي الله عنهما.
وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ. قال الرازيّ: إنه تعالى نص في هذه الآية على حرمة الأمهات والأخوات من جهة الرضاعة. إلا أن الحرمة غير مقصورة عليهن.
لأنه ﷺ قال «٢» :«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»
. وإنما عرفنا أن الأمر كذلك بدلالة هذه الآيات. وذلك لأنه تعالى لما سمى المرضعة أما، والمرضعة أختا، فقد نبه بذلك على أنه تعالى أجرى الرضاع مجرى النسب. وذلك لأنه تعالى حرم بسبب النسب سبعا: اثنتان منها هما المنتسبتان بطريق الولادة، وهما الأمهات والبنات. وخمس منها بطريق الأخوة، وهن الأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت. ثم إنه تعالى لما شرع بعد ذلك في أحوال الرضاع، ذكر من هذين القسمين صورة واحدة تنبيها بها على الباقي. فذكر من قسم قرابة الولادة، الأمهات. ومن قسم قرابة الأخوة، الأخوات. ونبه بذكر هذين المثالين، من هذين القسمين، على أن الحال في باب الرضاع كالحال في النسب. ثم إنه ﷺ أكد هذا البيان بصريح
قوله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
فصار صريح الحديث مطابقا لمفهوم الآية. وهذا بيان لطيف.
انتهى.
لطيفة:
تعرض بعض المفسرين في هذا المقام لفروع فقهية مسندها مجرد الأقيسة.
أن رسول الله ﷺ «١» دخل على عائشة وعندها رجل قاعد. فاشتد ذلك عليه وغضب. فقالت: إنه أخي من الرضاعة. فقال: انظرن إخوتكن من الرضاعة. فإنما الرضاعة من المجاعة. متفق عليه. واللفظ لمسلم.
وفي قصة سالم مسلك. وهو أن هذا كان موضع حاجة. فإن سالما كان قد تبناه أبو حذيفة ورباه. ولم يكن له منه ومن الدخول على أهله بدّ. فإذا دعت الحاجة إلى مثل ذلك فالقول به مما يسوغ فيه الاجتهاد، ولعل هذا المسلك أقوى المسالك.
وإليه كان شيخنا يجنح. انتهى. يعني تقيّ الدين بن تيمية رضي الله عنهما.
وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ. قال الرازيّ: إنه تعالى نص في هذه الآية على حرمة الأمهات والأخوات من جهة الرضاعة. إلا أن الحرمة غير مقصورة عليهن.
لأنه ﷺ قال «٢» :«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»
. وإنما عرفنا أن الأمر كذلك بدلالة هذه الآيات. وذلك لأنه تعالى لما سمى المرضعة أما، والمرضعة أختا، فقد نبه بذلك على أنه تعالى أجرى الرضاع مجرى النسب. وذلك لأنه تعالى حرم بسبب النسب سبعا: اثنتان منها هما المنتسبتان بطريق الولادة، وهما الأمهات والبنات. وخمس منها بطريق الأخوة، وهن الأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت. ثم إنه تعالى لما شرع بعد ذلك في أحوال الرضاع، ذكر من هذين القسمين صورة واحدة تنبيها بها على الباقي. فذكر من قسم قرابة الولادة، الأمهات. ومن قسم قرابة الأخوة، الأخوات. ونبه بذكر هذين المثالين، من هذين القسمين، على أن الحال في باب الرضاع كالحال في النسب. ثم إنه ﷺ أكد هذا البيان بصريح
قوله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
فصار صريح الحديث مطابقا لمفهوم الآية. وهذا بيان لطيف.
انتهى.
لطيفة:
تعرض بعض المفسرين في هذا المقام لفروع فقهية مسندها مجرد الأقيسة.
(١)
أخرجه مسلم في: الرضاع، ٨- باب إنما الرضاعة من المجاعة، حديث ٣٢. وهذا نصه: عن مسروق قال: قالت عائشة: دخل عليّ رسول الله ﷺ وعندي رجل قاعد. فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه. قالت: فقلت: يا رسول الله! إنه أخي من الرضاعة. قالت: فقال: «انظرن إخوتكن من الرضاعة. فإنما الرضاعة من المجاعة»
. (٢)
أخرجه البخاري في: الشهادات، ٧- باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم، حديث ١٢٨٤ ونصه: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بنت حمزة «لا تحلّ لي. يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. هي ابنة أخي من الرضاعة»
.
أخرجه مسلم في: الرضاع، ٨- باب إنما الرضاعة من المجاعة، حديث ٣٢. وهذا نصه: عن مسروق قال: قالت عائشة: دخل عليّ رسول الله ﷺ وعندي رجل قاعد. فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه. قالت: فقلت: يا رسول الله! إنه أخي من الرضاعة. قالت: فقال: «انظرن إخوتكن من الرضاعة. فإنما الرضاعة من المجاعة»
. (٢)
أخرجه البخاري في: الشهادات، ٧- باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم، حديث ١٢٨٤ ونصه: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بنت حمزة «لا تحلّ لي. يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. هي ابنة أخي من الرضاعة»
.
65
قال الرازي: من تكلم في أحكام القرآن وجب أن لا يذكر إلا ما يستنبطه من الآية.
فأما ما سوى ذلك فإنما يليق بكتب الفقه وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ أي أصول أزواجكم وَرَبائِبُكُمُ جمع ربيبة، بمعنى مربوبة. قال الأزهريّ: ربيبة الرجل بنت امرأته من غيره. انتهى. سميت بذلك لأنه يربّها غالبا، كما يربّ ولده اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ جمع حجر (بفتح أوله وكسره) أي في تربيتكم. يقال فلان في حجر فلان، إذا كان في تربيته. والسبب في هذه الاستعارة أن كل من ربي طفلا أجلسه في حجره، فصار الحجر عبارة عن التربية. وسر تحريمهن كونهن حينئذ يشبهن البنات إلا أنه إنما يتحقق الشبه إذا كن مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ لأنهن حينئذ بنات موطوءاتكم، كبنات الصلب. والدخول بهن كناية عن الجماع. كقولهم: بنى عليها، وضرب عليها الحجاب. أي أدخلتموهن الستر. والباء للتعدية فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أي فلا حرج عليكم في أن تتزوجوا بناتهن إذا فارقتموهن أو متن.
تنبيهات:
(الأول) ذهب بعض السلف إلى أن قيد الدخول في قوله تعالى: اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ- راجع إلى الأمهات والربائب. فقال: لا تحرم واحدة من الأم ولا البنت بمجرد العقد على الأخرى حتى يدخل بها. لقوله: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ.
وروى ابن جرير عن علي رضي الله في رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها: أيتزوج بأمها؟ قال: هي بمنزلة الربيبة
. وروي أيضا عن زيد بن ثابت وعبد الله ابن الزبير ومجاهد وابن جبير وابن عباس. وذهب إليه من الشافعية أبو الحسن أحمد ابن محمد بن الصابونيّ، فيما نقله الرافعيّ عن العباديّ. وقد روي عن ابن مسعود مثله، ثم رجع عنه. وتوقف فيه معاوية. وذلك فيما رواه ابن المنذر عن بكر بن كنانة أن أباه أنكحه امرأة بالطائف. قال: فلم أجامعها حتى توفي عمي عن أمها. وأمها ذات مال كثير. فقال أبي: هل لك في أمها؟ قال فسألت ابن عباس وأخبرته. فقال:
انكح أمها. قال وسألت ابن عمر فقال: لا تنكحها. فأخبرت أبي بما قالا، فكتب إلى معاوية. فأخبره بما قالا. فكتب معاوية: إني لا أحل ما حرم الله. ولا أحرم ما أحل الله. وأنت وذاك. والنساء سواها كثير. فلم ينه ولم يأذن لي، فانصرف أبي عن أمها فلم ينكحنيها.
فأما ما سوى ذلك فإنما يليق بكتب الفقه وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ أي أصول أزواجكم وَرَبائِبُكُمُ جمع ربيبة، بمعنى مربوبة. قال الأزهريّ: ربيبة الرجل بنت امرأته من غيره. انتهى. سميت بذلك لأنه يربّها غالبا، كما يربّ ولده اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ جمع حجر (بفتح أوله وكسره) أي في تربيتكم. يقال فلان في حجر فلان، إذا كان في تربيته. والسبب في هذه الاستعارة أن كل من ربي طفلا أجلسه في حجره، فصار الحجر عبارة عن التربية. وسر تحريمهن كونهن حينئذ يشبهن البنات إلا أنه إنما يتحقق الشبه إذا كن مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ لأنهن حينئذ بنات موطوءاتكم، كبنات الصلب. والدخول بهن كناية عن الجماع. كقولهم: بنى عليها، وضرب عليها الحجاب. أي أدخلتموهن الستر. والباء للتعدية فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أي فلا حرج عليكم في أن تتزوجوا بناتهن إذا فارقتموهن أو متن.
تنبيهات:
(الأول) ذهب بعض السلف إلى أن قيد الدخول في قوله تعالى: اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ- راجع إلى الأمهات والربائب. فقال: لا تحرم واحدة من الأم ولا البنت بمجرد العقد على الأخرى حتى يدخل بها. لقوله: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ.
وروى ابن جرير عن علي رضي الله في رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها: أيتزوج بأمها؟ قال: هي بمنزلة الربيبة
. وروي أيضا عن زيد بن ثابت وعبد الله ابن الزبير ومجاهد وابن جبير وابن عباس. وذهب إليه من الشافعية أبو الحسن أحمد ابن محمد بن الصابونيّ، فيما نقله الرافعيّ عن العباديّ. وقد روي عن ابن مسعود مثله، ثم رجع عنه. وتوقف فيه معاوية. وذلك فيما رواه ابن المنذر عن بكر بن كنانة أن أباه أنكحه امرأة بالطائف. قال: فلم أجامعها حتى توفي عمي عن أمها. وأمها ذات مال كثير. فقال أبي: هل لك في أمها؟ قال فسألت ابن عباس وأخبرته. فقال:
انكح أمها. قال وسألت ابن عمر فقال: لا تنكحها. فأخبرت أبي بما قالا، فكتب إلى معاوية. فأخبره بما قالا. فكتب معاوية: إني لا أحل ما حرم الله. ولا أحرم ما أحل الله. وأنت وذاك. والنساء سواها كثير. فلم ينه ولم يأذن لي، فانصرف أبي عن أمها فلم ينكحنيها.
66
وذهب الجمهور إلى أن الأم تحرم بالعقد على البنت ولا تحرم البنت إلا بالدخول بالأم، قالوا: الاشتراط إنما هو في أمهات الربائب.
وروي في ذلك عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال: أيما رجل نكح امرأة فلا يحل له نكاح ابنتها. وإن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها. وأيما رجل نكح امرأة فلا يحل له أن ينكح أمها. دخل بها أو لم يدخل. أخرجه الترمذي «١».
قال الحافظ ابن كثير: هذا الخبر غريب، وفي إسناده نظر. وقال الزجاج: قد جعل بعض العلماء اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وصفا للنساء المتقدمة والمتأخرة. وليس كذلك. لأن الوصف الواحد لا يقع على موصوفين مختلفي العامل. وهذا، لأنّ النساء الأولى مجرورة بالإضافة. والثانية ب (من) ولا يجوز أن تقول: مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات، على أن تكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء ولهؤلاء النساء.
قال الناصر في (الانتصاف) : والقول المشهور عن الجمهور، إبهام تحريم أم المرأة، وتقييد تحريم الربيبة بدخول الأم. كما هو ظاهر الآية. ولهذا الفرق سر وحكمة. وذلك لأن المتزوج بابنة المرأة لا يخلو بعد العقد وقبل الدخول من محاورة بينه وبين أمها، ومخاطبات ومسارّات. فكانت الحاجة داعية إلى تنجيز التحريم ليقطع شوقه من الأم فيعاملها معاملة ذوات المحارم. ولا كذلك العاقد على الأم فإنه بعيد عن مخاطبة بنتها قبل الدخول بالأم. فلم تدع الحاجة إلى تعجيل نشر الحرمة.
وأما إذا وقع الدخول بالأم فقد وجدت مظنة خلطة الربيبة. فحينئذ تدعو الحاجة إلى نشر الحرمة بينهما. والله أعلم.
الثاني- استدل بقوله تعالى: اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ من لم يحرم نكاح الربيبة الكبيرة والتي لم يربّها.
روى ابن أبي حاتم عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: كانت عندي امرأة فتوفيت وقد ولدت لي. فوجدت عليها. فلقيني علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: مالك: ؟ فقلت: توفيت المرأة. فقال: لها ابنة؟ قلت: نعم.
وروي في ذلك عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال: أيما رجل نكح امرأة فلا يحل له نكاح ابنتها. وإن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها. وأيما رجل نكح امرأة فلا يحل له أن ينكح أمها. دخل بها أو لم يدخل. أخرجه الترمذي «١».
قال الحافظ ابن كثير: هذا الخبر غريب، وفي إسناده نظر. وقال الزجاج: قد جعل بعض العلماء اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وصفا للنساء المتقدمة والمتأخرة. وليس كذلك. لأن الوصف الواحد لا يقع على موصوفين مختلفي العامل. وهذا، لأنّ النساء الأولى مجرورة بالإضافة. والثانية ب (من) ولا يجوز أن تقول: مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات، على أن تكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء ولهؤلاء النساء.
قال الناصر في (الانتصاف) : والقول المشهور عن الجمهور، إبهام تحريم أم المرأة، وتقييد تحريم الربيبة بدخول الأم. كما هو ظاهر الآية. ولهذا الفرق سر وحكمة. وذلك لأن المتزوج بابنة المرأة لا يخلو بعد العقد وقبل الدخول من محاورة بينه وبين أمها، ومخاطبات ومسارّات. فكانت الحاجة داعية إلى تنجيز التحريم ليقطع شوقه من الأم فيعاملها معاملة ذوات المحارم. ولا كذلك العاقد على الأم فإنه بعيد عن مخاطبة بنتها قبل الدخول بالأم. فلم تدع الحاجة إلى تعجيل نشر الحرمة.
وأما إذا وقع الدخول بالأم فقد وجدت مظنة خلطة الربيبة. فحينئذ تدعو الحاجة إلى نشر الحرمة بينهما. والله أعلم.
الثاني- استدل بقوله تعالى: اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ من لم يحرم نكاح الربيبة الكبيرة والتي لم يربّها.
روى ابن أبي حاتم عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: كانت عندي امرأة فتوفيت وقد ولدت لي. فوجدت عليها. فلقيني علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: مالك: ؟ فقلت: توفيت المرأة. فقال: لها ابنة؟ قلت: نعم.
(١) أخرجه الترمذي في: النكاح، ٢٦- باب ما جاء فيمن يتزوج المرأة ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، هل يتزوج ابنتها، أم لا؟
(قال أبو عيسى) : هذا حديث لا يصح من قبل إسناده. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، قالوا: إذا تزوج الرجل امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها، حل له أن ينكح ابنتها. وإذا تزوج الرجل الابنة فطلقها قبل أن يدخل بها، لم يحل له نكاح أمها، لقول الله تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وهو قول الشافعيّ وأحمد وإسحاق.
(قال أبو عيسى) : هذا حديث لا يصح من قبل إسناده. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، قالوا: إذا تزوج الرجل امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها، حل له أن ينكح ابنتها. وإذا تزوج الرجل الابنة فطلقها قبل أن يدخل بها، لم يحل له نكاح أمها، لقول الله تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وهو قول الشافعيّ وأحمد وإسحاق.
67
وهي بالطائف. قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا. هي بالطائف. قال: فانكحها.
قلت: فأين قول الله وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ قال: إنها لم تكن في حجرك.
إنما ذلك إذا كانت في حجرك؟.
قال الحافظ ابن كثير: إسناده قويّ ثابت إلى عليّ بن أبي طالب، على شرط مسلم. وإلى هذا ذهب الأمام داود بن عليّ الظاهريّ وأصحابه. وحكاه أبو القاسم الرافعيّ عن مالك رحمه الله تعالى. واختاره ابن حزم. والجمهور على تحريم الربيبة مطلقا. سواء كانت في حجر الرجل أم لم تكن. قالوا: والخطاب في قوله اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ خرج مخرج الغالب. فإن شأنهن الغالب المعتاد أن يكنّ في حضانة أمهاتهن تحت حماية أزواجهن. ولم يرد كونهن كذلك بالفعل. وفائدة وصفهن بذلك تقوية علة الحرمة وتكميلها. كما أنها النكتة في إيرادهن باسم الربائب دون بنات النساء. فإن كونهن بصدد احتضانهم لهن، وفي شرف التقلب في حجورهم، وتحت حمايتهم وتربيتهم، مما يقوي الملابسة والشبه بينهن وبين أولادهم.
ويستدعي إجراءهن مجرى بناتهم. لا تقييد الحرمة بكونهن في حجورهم بالفعل- كذا قرره أبو السعود-.
وفي (الانتصاف) : إن فائدة وصفهن بذلك، هو تخصيص أعلى صور المنهيّ عنه، بالنهي. فإن النهي عن نكاح الربيبة المدخول بأمها عام. في جميع الصور.
سواء كانت في حجر الزوج أو بائنة عنه في البلاد القاصية. ولكن نكاحه لها وهي في حجره أقبح الصور. والطبع عنها أنفر. فخصت بالنهي لتساعد الجبلة على الانقياد لأحكام الملة. ثم يكون ذلك تدريبا وتدريجا إلى استقباح المحرم في جميع صوره.
والله أعلم.
وفي الصحيحين «١» أن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله! انكح أختي بنت أبي سفيان (وفي لفظ لمسلم: عزة بنت أبي سفيان) فقال: أو تحبين ذلك؟ قالت: نعم. لست لك بمخلية. وأحبّ من شاركني في خير أختي. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إن ذلك لا يحل لي. قلت: فإنا نحدّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة. قال: بنت أم سلمة؟ قلت: نعم. فقال: لو أنها لو لم تكن ربيبتي في حجري، ما حلت لي. إنها لابنة أخي من الرضاعة. أرضعتني وأبا سلمة ثويبة. فلا تعرضن
قلت: فأين قول الله وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ قال: إنها لم تكن في حجرك.
إنما ذلك إذا كانت في حجرك؟.
قال الحافظ ابن كثير: إسناده قويّ ثابت إلى عليّ بن أبي طالب، على شرط مسلم. وإلى هذا ذهب الأمام داود بن عليّ الظاهريّ وأصحابه. وحكاه أبو القاسم الرافعيّ عن مالك رحمه الله تعالى. واختاره ابن حزم. والجمهور على تحريم الربيبة مطلقا. سواء كانت في حجر الرجل أم لم تكن. قالوا: والخطاب في قوله اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ خرج مخرج الغالب. فإن شأنهن الغالب المعتاد أن يكنّ في حضانة أمهاتهن تحت حماية أزواجهن. ولم يرد كونهن كذلك بالفعل. وفائدة وصفهن بذلك تقوية علة الحرمة وتكميلها. كما أنها النكتة في إيرادهن باسم الربائب دون بنات النساء. فإن كونهن بصدد احتضانهم لهن، وفي شرف التقلب في حجورهم، وتحت حمايتهم وتربيتهم، مما يقوي الملابسة والشبه بينهن وبين أولادهم.
ويستدعي إجراءهن مجرى بناتهم. لا تقييد الحرمة بكونهن في حجورهم بالفعل- كذا قرره أبو السعود-.
وفي (الانتصاف) : إن فائدة وصفهن بذلك، هو تخصيص أعلى صور المنهيّ عنه، بالنهي. فإن النهي عن نكاح الربيبة المدخول بأمها عام. في جميع الصور.
سواء كانت في حجر الزوج أو بائنة عنه في البلاد القاصية. ولكن نكاحه لها وهي في حجره أقبح الصور. والطبع عنها أنفر. فخصت بالنهي لتساعد الجبلة على الانقياد لأحكام الملة. ثم يكون ذلك تدريبا وتدريجا إلى استقباح المحرم في جميع صوره.
والله أعلم.
وفي الصحيحين «١» أن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله! انكح أختي بنت أبي سفيان (وفي لفظ لمسلم: عزة بنت أبي سفيان) فقال: أو تحبين ذلك؟ قالت: نعم. لست لك بمخلية. وأحبّ من شاركني في خير أختي. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إن ذلك لا يحل لي. قلت: فإنا نحدّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة. قال: بنت أم سلمة؟ قلت: نعم. فقال: لو أنها لو لم تكن ربيبتي في حجري، ما حلت لي. إنها لابنة أخي من الرضاعة. أرضعتني وأبا سلمة ثويبة. فلا تعرضن
(١) أخرجه البخاري في: النكاح، ٢٠- باب وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ، حديث ٢١١٠.
ومسلم في: الرضاع، ٤- باب تحريم الربيبة وأخت المرأة، حديث ١٥.
ومسلم في: الرضاع، ٤- باب تحريم الربيبة وأخت المرأة، حديث ١٥.
68
عليّ بناتكن ولا أخواتكن. (وفي رواية للبخاري: لو لم أتزوج أم سلمة ما حلت لي).
قال ابن كثير: فجعل المناط في التحريم مجرد تزوجه أم سلمة. وحكم بالتحريم بذلك.
الثالث- اشتهر أن المراد من الدخول في قوله تعالى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ معناه الكنائيّ. وهو الجماع، لأنه أسلوب الكتاب العزيز في نظائره بلاغة وأدبا. ولذا فسره به ابن عباس وغير واحد. فمدلول الآية صريح حينئذ في كون الحرمة مشروطة بالجماع. فلا تتناول غيره من اللمس والتقبيل والنظر لمتاعها. ومن أثبت تحريم الربيبة بذلك لحظ أن معنى الدخول أوسع من الجماع. لأنه يقال: دخل بها، إذا أمسكها وأدخلها البيت. وفي (فتح البيان) : الذي ينبغي التعويل عليه في مثل هذا الخلاف، هو النظر في معنى الدخول شرعا أو لغة. فإن كان خاصا بالجماع فلا وجه لإلحاق غيره به، من لمس أو نظر أو غيرهما. وإن كان معناه أوسع من الجماع بحيث يصدق على ما حصل فيه نوع استمتاع كل مناط التحريم هو ذلك. انتهى.
و (في شرح القاموس للزبيديّ) : ودخل بامرأته كناية عن الجماع. وغلب استعماله في الوطء الحلال. والمرأة مدخول بها. قلت: ومنه الدخلة، لليلة الزفاف.
انتهى.
وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ أي موطوآت فروعكم بنكاح أو ملك يمين. جمع حليلة.
سميت بذلك لحلها للزوج. وقوله تعالى: الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ لإخراج الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية. كما قال تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ [الأحزاب: ٣٧].
وقال تعالى: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ [الأحزاب: ٤]. فالسر في التقييد هو إحلال حليلة المتبنّى، ردّا لمزاعم الجاهلية، لا إحلال حليلة الابن من الرضاع وأبناء الأبناء. كأنه قيل: بخلاف من تبنيتموهم، فلكم نكاح حلائلهم. وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ في حيّز الرفع، عطفا على ما قبله من المحرمات. أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين في الوطء بنكاح أو ملك يمين من نسب أو رضاع، لما فيه من قطيعة الرحم إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ في الجاهلية فإنه معفوّ عنه إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً تعليل لما أفاده الاستثناء.
قال ابن كثير: فجعل المناط في التحريم مجرد تزوجه أم سلمة. وحكم بالتحريم بذلك.
الثالث- اشتهر أن المراد من الدخول في قوله تعالى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ معناه الكنائيّ. وهو الجماع، لأنه أسلوب الكتاب العزيز في نظائره بلاغة وأدبا. ولذا فسره به ابن عباس وغير واحد. فمدلول الآية صريح حينئذ في كون الحرمة مشروطة بالجماع. فلا تتناول غيره من اللمس والتقبيل والنظر لمتاعها. ومن أثبت تحريم الربيبة بذلك لحظ أن معنى الدخول أوسع من الجماع. لأنه يقال: دخل بها، إذا أمسكها وأدخلها البيت. وفي (فتح البيان) : الذي ينبغي التعويل عليه في مثل هذا الخلاف، هو النظر في معنى الدخول شرعا أو لغة. فإن كان خاصا بالجماع فلا وجه لإلحاق غيره به، من لمس أو نظر أو غيرهما. وإن كان معناه أوسع من الجماع بحيث يصدق على ما حصل فيه نوع استمتاع كل مناط التحريم هو ذلك. انتهى.
و (في شرح القاموس للزبيديّ) : ودخل بامرأته كناية عن الجماع. وغلب استعماله في الوطء الحلال. والمرأة مدخول بها. قلت: ومنه الدخلة، لليلة الزفاف.
انتهى.
وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ أي موطوآت فروعكم بنكاح أو ملك يمين. جمع حليلة.
سميت بذلك لحلها للزوج. وقوله تعالى: الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ لإخراج الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية. كما قال تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ [الأحزاب: ٣٧].
وقال تعالى: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ [الأحزاب: ٤]. فالسر في التقييد هو إحلال حليلة المتبنّى، ردّا لمزاعم الجاهلية، لا إحلال حليلة الابن من الرضاع وأبناء الأبناء. كأنه قيل: بخلاف من تبنيتموهم، فلكم نكاح حلائلهم. وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ في حيّز الرفع، عطفا على ما قبله من المحرمات. أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين في الوطء بنكاح أو ملك يمين من نسب أو رضاع، لما فيه من قطيعة الرحم إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ في الجاهلية فإنه معفوّ عنه إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً تعليل لما أفاده الاستثناء.
69
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢٤]
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤)
وَالْمُحْصَناتُ أي وحرمت عليكم المزوجات مِنَ النِّساءِ حرائم وإماء، مسلمات، أو لا. لئلا تختلط المياه فيضيع النسب إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي من اللائي سبين ولهن أزواج في دار الكفر. فهن حلال لغزاة المسلمين، وإن كن محصنات. لأن السبي لهن يرفع نكاحهن ويفيد الحل بعد الاستبراء.
روى الإمام أحمد ومسلم «١» وأبو داود والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجة عن أبي سعيد الخدريّ قال: أصبنا سبايا من سبي أوطاس. ولهن أزواج. فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج.
فسألنا النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فاستحللنا فروجهن.
تنبيه:
استدل بعموم الآية من قال: إن انتقال الملك ببيع أو إرث أو غير ذلك يقطع النكاح. عن ابن مسعود قال: إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحق ببضعها. وعنه:
بيع الأمة طلاقها. وروي ذلك أيضا عن أبيّ بن كعب وجابر وابن عباس رضي الله عنهم قالوا: بيعها طلاقها. وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: طلاق الأمة ست:
بيعها طلاقها، وعتقها طلاقها، وهبتها طلاقها، وبراءتها طلاقها، وطلاق زوجها طلاقها.
كذا قرأته في تفسير ابن كثير. ولا يخفى أن المعدود خمسة. ولعل السادس
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤)
وَالْمُحْصَناتُ أي وحرمت عليكم المزوجات مِنَ النِّساءِ حرائم وإماء، مسلمات، أو لا. لئلا تختلط المياه فيضيع النسب إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي من اللائي سبين ولهن أزواج في دار الكفر. فهن حلال لغزاة المسلمين، وإن كن محصنات. لأن السبي لهن يرفع نكاحهن ويفيد الحل بعد الاستبراء.
روى الإمام أحمد ومسلم «١» وأبو داود والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجة عن أبي سعيد الخدريّ قال: أصبنا سبايا من سبي أوطاس. ولهن أزواج. فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج.
فسألنا النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فاستحللنا فروجهن.
تنبيه:
استدل بعموم الآية من قال: إن انتقال الملك ببيع أو إرث أو غير ذلك يقطع النكاح. عن ابن مسعود قال: إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحق ببضعها. وعنه:
بيع الأمة طلاقها. وروي ذلك أيضا عن أبيّ بن كعب وجابر وابن عباس رضي الله عنهم قالوا: بيعها طلاقها. وروى ابن جرير عن ابن عباس قال: طلاق الأمة ست:
بيعها طلاقها، وعتقها طلاقها، وهبتها طلاقها، وبراءتها طلاقها، وطلاق زوجها طلاقها.
كذا قرأته في تفسير ابن كثير. ولا يخفى أن المعدود خمسة. ولعل السادس
(١)
أخرجه مسلم في: الرضاع، ٩- باب جواز وطء المسبيّة بعد الاستبراء، وإن كان لها زوج انفسخ نكاحها بالسبي، حديث ٣٣ ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم حنين، بعث جيشا إلى أوطاس. فلقوا عدوا. فقاتلوهم. فظهروا عليهم. وأصابوا لهم سبايا. فكأن ناسا من أصحاب رسول الله ﷺ تحرّجوا من غشيانهن، من أجل أزواجهن من المشركين. فأنزل الله عز وجل في ذلك: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ. أي فهنّ لكم حلال إذا انقضت عدتهن
.
أخرجه مسلم في: الرضاع، ٩- باب جواز وطء المسبيّة بعد الاستبراء، وإن كان لها زوج انفسخ نكاحها بالسبي، حديث ٣٣ ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم حنين، بعث جيشا إلى أوطاس. فلقوا عدوا. فقاتلوهم. فظهروا عليهم. وأصابوا لهم سبايا. فكأن ناسا من أصحاب رسول الله ﷺ تحرّجوا من غشيانهن، من أجل أزواجهن من المشركين. فأنزل الله عز وجل في ذلك: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ. أي فهنّ لكم حلال إذا انقضت عدتهن
.
70
بيع زوجها. حيث قال بعد ذلك: وروى عوف عن الحسن بيع الأمة طلاقها وبيعه طلاقها. فهذا قول هؤلاء من السلف. وحجتهم عموم الاستثناء في قوله تعالى: إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ والجمهور على أن بيع الأمة ليس طلاقها لها. واحتجوا بحديث بريرة المخرّج في الصحيحين «١» وغيرهما. فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها وأعتقتها ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث. بل خيرها رسول الله ﷺ بين الفسخ والبقاء، فاختارت الفسخ، وقصتها مشهورة. فلو كان بيع الأمة طلاقها لما خيرت. وتخييرها دال على أن المراد من الآية المسبيات فقط. وبالجملة، فالجمهور قصروا الآية على السبب الذي نزلت فيه.
قال الرازيّ: وهو يرجع إلى تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد. أي وهو مقبول ومعمول به في غير ما موضع. كنصاب السرقة. وفي التنبيه الآتي زيادة لهذا فتأثره.
فائدة:
اتفق القراء على فتح الصاد في الْمُحْصَناتُ هنا. ويقرأ بالفتح والكسر في غير هذا الموضع. وكلاهما مشهور. فالفتح على أنهن أحصنّ بالأزواج أو بالإسلام.
والكسر على أنهن أحصن فروجهن أو أزواجهن. واشتقاق الكلمة من الإحصان وهو المنع كِتابَ اللَّهِ مصدر مؤكد. أي كتب الله عَلَيْكُمْ تحريم هؤلاء كتابا وفرضه فرضا، فالزموا كتابه ولا تخرجوا عن حدوده وشرعه وَأُحِلَّ لَكُمْ عطف على حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ إشارة إلى ما ذكر من المحرمات المعدودة. أي أحل لكم نكاح ما سواهن أَنْ تَبْتَغُوا مفعول له. أي أحل لكم إرادة أن تبتغوا.
أو بدل من (ما) أي ابتغاء النساء بِأَمْوالِكُمْ أي يصرفها إلى مهورهن مُحْصِنِينَ حال من فاعل (تبتغوا) والإحصان: العفة، وتحصين النفس عن الوقوع فيما يوجب اللوم غَيْرَ مُسافِحِينَ غير زانين، والسفاح الزنى والفجور. من السفح وهو الصبّ.
لأنه لا غرض للزاني إلّا سفح النطفة. وكان أهل الجاهلية، إذا خطب الرجل المرأة، قال: انكحيني. فإذا أراد الزنى قال: سافحيني. قال الزجاج: المسافحة أن تقيم امرأة مع رجل على الفجور من غير تزويج صحيح.
قال الرازيّ: وهو يرجع إلى تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد. أي وهو مقبول ومعمول به في غير ما موضع. كنصاب السرقة. وفي التنبيه الآتي زيادة لهذا فتأثره.
فائدة:
اتفق القراء على فتح الصاد في الْمُحْصَناتُ هنا. ويقرأ بالفتح والكسر في غير هذا الموضع. وكلاهما مشهور. فالفتح على أنهن أحصنّ بالأزواج أو بالإسلام.
والكسر على أنهن أحصن فروجهن أو أزواجهن. واشتقاق الكلمة من الإحصان وهو المنع كِتابَ اللَّهِ مصدر مؤكد. أي كتب الله عَلَيْكُمْ تحريم هؤلاء كتابا وفرضه فرضا، فالزموا كتابه ولا تخرجوا عن حدوده وشرعه وَأُحِلَّ لَكُمْ عطف على حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ إشارة إلى ما ذكر من المحرمات المعدودة. أي أحل لكم نكاح ما سواهن أَنْ تَبْتَغُوا مفعول له. أي أحل لكم إرادة أن تبتغوا.
أو بدل من (ما) أي ابتغاء النساء بِأَمْوالِكُمْ أي يصرفها إلى مهورهن مُحْصِنِينَ حال من فاعل (تبتغوا) والإحصان: العفة، وتحصين النفس عن الوقوع فيما يوجب اللوم غَيْرَ مُسافِحِينَ غير زانين، والسفاح الزنى والفجور. من السفح وهو الصبّ.
لأنه لا غرض للزاني إلّا سفح النطفة. وكان أهل الجاهلية، إذا خطب الرجل المرأة، قال: انكحيني. فإذا أراد الزنى قال: سافحيني. قال الزجاج: المسافحة أن تقيم امرأة مع رجل على الفجور من غير تزويج صحيح.
(١)
أخرجه البخاريّ في: الفرائض، ٢٢- باب إذا أسلم على يديه الرجل، حديث ٣٠٢ ونصه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: اشتريت بريرة. فاشترط أهلها ولاءها. فذكرت ذلك للنبيّ ﷺ فقال «أعتقيها فإن الولاء لمن أعطى الورق». قالت: فأعتقتها. قالت فدعاها رسول الله ﷺ فخيّرها في زوجها، فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما بت عنده. فاختارت نفسها.
أخرجه البخاريّ في: الفرائض، ٢٢- باب إذا أسلم على يديه الرجل، حديث ٣٠٢ ونصه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: اشتريت بريرة. فاشترط أهلها ولاءها. فذكرت ذلك للنبيّ ﷺ فقال «أعتقيها فإن الولاء لمن أعطى الورق». قالت: فأعتقتها. قالت فدعاها رسول الله ﷺ فخيّرها في زوجها، فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما بت عنده. فاختارت نفسها.
71
تنبيه:
قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ- عام مخصوص بمحرمات أخر دلت عليها دلائل أخر. فمن ذلك، ما صح عن النبيّ ﷺ من النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها. وقد حكى الترمذيّ المنع من ذلك عن كافة أهل العلم. وقال: لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك. ومن ذلك، نكاح المعتدة. ومن ذلك، أن من كان في نكاحه حرة، لا يجوز له نكاح الأمة. ومن ذلك، القادر على الحرة لا يجوز له نكاح الأمة. ومن ذلك، من عنده أربع زوجات لا يجوز له نكاح خامسة. ومن ذلك، الملاعنة فإنها محرمة على الملاعن أبدا. فالآية مما نزل عامّا ودلت السنة ومواضع من التنزيل على أنها مخصصة بغيرها.
قال الإمام الشافعيّ في الرسالة:
[٢٤٤] فرض الله عز وجل على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم.
[٢٤٥] فقال في كتابه: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
[٢٥٠] وقال: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً.
في آيات نظائرها.
قال الشافعيّ:
[٢٥٢] فذكر الله عز وجل الكتاب وهو القرآن: وذكر الحكمة. فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[٢٥٣] وهذا يشبه ما قال. والله أعلم.
[٢٥٤] لأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة، وذكر الله جل ثناؤه منّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز، والله أعلم، أن يقال: الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[٢٥٥] وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحتّم على الناس اتباع أمره- فلا يجوز أن يقال لقول: فرض، إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
[٢٥٦] لما وصفنا من أن الله تعالى جل ثناؤه جعل الإيمان برسوله ﷺ مقرونا بالإيمان به.
قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ- عام مخصوص بمحرمات أخر دلت عليها دلائل أخر. فمن ذلك، ما صح عن النبيّ ﷺ من النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها. وقد حكى الترمذيّ المنع من ذلك عن كافة أهل العلم. وقال: لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك. ومن ذلك، نكاح المعتدة. ومن ذلك، أن من كان في نكاحه حرة، لا يجوز له نكاح الأمة. ومن ذلك، القادر على الحرة لا يجوز له نكاح الأمة. ومن ذلك، من عنده أربع زوجات لا يجوز له نكاح خامسة. ومن ذلك، الملاعنة فإنها محرمة على الملاعن أبدا. فالآية مما نزل عامّا ودلت السنة ومواضع من التنزيل على أنها مخصصة بغيرها.
قال الإمام الشافعيّ في الرسالة:
[٢٤٤] فرض الله عز وجل على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم.
[٢٤٥] فقال في كتابه: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
[٢٥٠] وقال: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً.
في آيات نظائرها.
قال الشافعيّ:
[٢٥٢] فذكر الله عز وجل الكتاب وهو القرآن: وذكر الحكمة. فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[٢٥٣] وهذا يشبه ما قال. والله أعلم.
[٢٥٤] لأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة، وذكر الله جل ثناؤه منّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز، والله أعلم، أن يقال: الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[٢٥٥] وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحتّم على الناس اتباع أمره- فلا يجوز أن يقال لقول: فرض، إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
[٢٥٦] لما وصفنا من أن الله تعالى جل ثناؤه جعل الإيمان برسوله ﷺ مقرونا بالإيمان به.
72
[٢٥٧] وسنة رسول الله ﷺ مبينة عن الله عز وجل معنى ما أراد- دليلا على خاصه وعامه. ثم قرن الحكمة بها بكتابه، فأتبعها إياه. ولم يجعل هذا لأحد من خلقه، غير رسوله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وإنما أوردنا هذا تزييفا لزعم الخوارج أن
حديث (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) «١»
المرويّ في الصحيحين وغيرهما، خبر واحد. وتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لا يجوز. كما نقله عنهم الرازيّ. وأورد من حججهم أن عموم الكتاب مقطوع المتن ظاهر الدلالة. وخبر الواحد مظنون المتن ظاهر الدلالة. فكان خبر الواحد أضعف من عموم القرآن. فترجيحه عليه بمقتضى تقديم الأضعف على الأقوى. وأنه لا يجوز. انتهى.
وقد توسع الرازيّ هنا في الجواب عن شبهتهم. ومما قيل فيه: إن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها مأخوذ من قوله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.
قال العلامة أبو السعود: ويشترك في هذا الحكم الجمع بين المرأة وعمتها ونظائرها. فإن مدار حرمة الجمع بين الأختين إفضاؤه إلى قطع ما أمر الله بوصله.
وذلك متحقق في الجمع بين هؤلاء. بل أولى. فإن العمة والخالة بمنزلة الأم.
فقوله صلى الله عليه وسلم: لا تنكح المرأة.
إلخ، من قبيل بيان التفسير. لا بيان التغيير. وقيل: هو مشهور يجوز به الزيادة على الكتاب. وقال أيضا: ولعل إيثار اسم الإشارة (يعني في قوله:
ما وَراءَ ذلِكُمْ) المتعرض لوصف المشار إليه وعنوانه، على الضمير المتعرض للذات فقط- لتذكير ما في كل واحدة منهن من العنوان الذي عليه يدور حكم الحرمة. فيفهم مشاركة من في معناهن لهن فيها بطريق الدلالة. فإن حرمة الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها، ليست بطريق العبارة، بل بطريق الدلالة، كما سلف. انتهى.
وفي (تنوير الاقتباس) : ويقال في قوله تعالى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ أن تطلبوا بأموالكم تزوجهن وهي المتعة. وقد نسخت الآن. انتهى. وسيأتي الكلام على ذلك.
وإنما أوردنا هذا تزييفا لزعم الخوارج أن
حديث (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) «١»
المرويّ في الصحيحين وغيرهما، خبر واحد. وتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لا يجوز. كما نقله عنهم الرازيّ. وأورد من حججهم أن عموم الكتاب مقطوع المتن ظاهر الدلالة. وخبر الواحد مظنون المتن ظاهر الدلالة. فكان خبر الواحد أضعف من عموم القرآن. فترجيحه عليه بمقتضى تقديم الأضعف على الأقوى. وأنه لا يجوز. انتهى.
وقد توسع الرازيّ هنا في الجواب عن شبهتهم. ومما قيل فيه: إن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها مأخوذ من قوله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.
قال العلامة أبو السعود: ويشترك في هذا الحكم الجمع بين المرأة وعمتها ونظائرها. فإن مدار حرمة الجمع بين الأختين إفضاؤه إلى قطع ما أمر الله بوصله.
وذلك متحقق في الجمع بين هؤلاء. بل أولى. فإن العمة والخالة بمنزلة الأم.
فقوله صلى الله عليه وسلم: لا تنكح المرأة.
إلخ، من قبيل بيان التفسير. لا بيان التغيير. وقيل: هو مشهور يجوز به الزيادة على الكتاب. وقال أيضا: ولعل إيثار اسم الإشارة (يعني في قوله:
ما وَراءَ ذلِكُمْ) المتعرض لوصف المشار إليه وعنوانه، على الضمير المتعرض للذات فقط- لتذكير ما في كل واحدة منهن من العنوان الذي عليه يدور حكم الحرمة. فيفهم مشاركة من في معناهن لهن فيها بطريق الدلالة. فإن حرمة الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها، ليست بطريق العبارة، بل بطريق الدلالة، كما سلف. انتهى.
وفي (تنوير الاقتباس) : ويقال في قوله تعالى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ أن تطلبوا بأموالكم تزوجهن وهي المتعة. وقد نسخت الآن. انتهى. وسيأتي الكلام على ذلك.
(١)
أخرجه البخاريّ في: النكاح، ٢٧- باب لا تنكح المرأة على عمتها، حديث ٢١١٢ ونصه: عن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله ﷺ أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها
.
أخرجه البخاريّ في: النكاح، ٢٧- باب لا تنكح المرأة على عمتها، حديث ٢١١٢ ونصه: عن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله ﷺ أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها
.
73
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ أي من تمتعتم به من المنكوحات بالجماع فَآتُوهُنَّ فأعطوهن أُجُورَهُنَّ مهورهن كاملة فَرِيضَةً أي من الله عليكم أن تعطوا المهر تامّا. وفَرِيضَةً حال من الأجور. بمعنى مفروضة. أو نعت لمصدر محذوف. أي إيتاء مفروضا. أو مصدر مؤكد أي فرض ذلك فريضة وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ لا حرج عليكم فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ أنتم وهن مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ أي من حطها أو بعضها أو زيادة عليها بالتراضي إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً فيما شرع من الأحكام.
تنبيه:
حمل قوم الآية على نكاح المتعة. قالوا: معنى وقوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ أي فمن جامعتموهن ممن نكحتموهن نكاح المتعة، فآتوهن أجورهن.
قال الحافظ ابن كثير: وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة. ولا شك أنه كان مشروعا في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك. وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة. وهو رواية عن الإمام أحمد. وكان ابن عباس وأبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والسدّيّ يقرءون: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، فآتوهن أجورهن فريضة. وقال مجاهد: نزلت في نكاح المتعة. ولكن الجمهور على خلاف ذلك. والعمدة ما
ثبت في الصحيحين «١» عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب قال: نهى رسول الله ﷺ عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر.
وفي صحيح مسلم «٢» عن الربيع بن سبرة الجهنيّ عن أبيه أنه كان مع رسول الله ﷺ فقال: «يا أيها الناس! إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء. وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة. فمن كان عنده منهن شيء فليخلّ سبيله. ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا»
. انتهى.
وفي (الكشاف) : قيل نزلت هذه الآية في المتعة. كان الرجل نكح المرأة وقتا معلوما. ليلة أو ليلتين أو أسبوعا. بثبوت أو غير ذلك. ويقضي منها وطره ثم يسرحها. وسميت متعة لاستمتاعه بها، أو لتمتيعه لها بما يعطيها.
وقال الخفاجي: روي أن سعيد بن جبير قال لابن عباس رضي الله عنهما:
أتدري ما صنعت بفتواك؟ قال سارت بها الركبان وقيل فيها الشعر. كقوله:
تنبيه:
حمل قوم الآية على نكاح المتعة. قالوا: معنى وقوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ أي فمن جامعتموهن ممن نكحتموهن نكاح المتعة، فآتوهن أجورهن.
قال الحافظ ابن كثير: وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة. ولا شك أنه كان مشروعا في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك. وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة. وهو رواية عن الإمام أحمد. وكان ابن عباس وأبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والسدّيّ يقرءون: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، فآتوهن أجورهن فريضة. وقال مجاهد: نزلت في نكاح المتعة. ولكن الجمهور على خلاف ذلك. والعمدة ما
ثبت في الصحيحين «١» عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب قال: نهى رسول الله ﷺ عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر.
وفي صحيح مسلم «٢» عن الربيع بن سبرة الجهنيّ عن أبيه أنه كان مع رسول الله ﷺ فقال: «يا أيها الناس! إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء. وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة. فمن كان عنده منهن شيء فليخلّ سبيله. ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا»
. انتهى.
وفي (الكشاف) : قيل نزلت هذه الآية في المتعة. كان الرجل نكح المرأة وقتا معلوما. ليلة أو ليلتين أو أسبوعا. بثبوت أو غير ذلك. ويقضي منها وطره ثم يسرحها. وسميت متعة لاستمتاعه بها، أو لتمتيعه لها بما يعطيها.
وقال الخفاجي: روي أن سعيد بن جبير قال لابن عباس رضي الله عنهما:
أتدري ما صنعت بفتواك؟ قال سارت بها الركبان وقيل فيها الشعر. كقوله:
(١)
أخرجه البخاريّ في: الذبائح والصيد، ٢٨- باب لحوم الحمر الإنسية، حديث ١٩٠٨ ونصه: عن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله ﷺ عن المتعة، عام خيبر، ولحوم حمر الإنسيّة
. (٢) أخرجه في: النكاح، ٣- باب نكاح المتعة، حديث ٢١.
أخرجه البخاريّ في: الذبائح والصيد، ٢٨- باب لحوم الحمر الإنسية، حديث ١٩٠٨ ونصه: عن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله ﷺ عن المتعة، عام خيبر، ولحوم حمر الإنسيّة
. (٢) أخرجه في: النكاح، ٣- باب نكاح المتعة، حديث ٢١.
74
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه | يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس؟ |
هل لك في رخصة الأطراف آنسة | تكون مثواك حتى مصدر الناس؟ |
وقال الإمام شمس الدين بن القيّم رضوان الله عليه في (زاد المعاد) في الكلام على ما في غزوة الفتح من الفقه، ما نصه: ومما وقع في هذه الغزوة إباحة متعة النساء. ثم حرمها ﷺ قبل خروجه من مكة. واختلف في الوقت الذي حرمت فيه المتعة على أربعة أقوال: أحدها- إنه يوم خيبر. وهذا قول طائفة من العلماء. منهم الشافعيّ وغيره. والثاني- إنه عام فتح مكة. وهذا قول ابن عيينة وطائفة. والثالث- إنه عام حنين. وهذا في الحقيقة هو القول الثاني- لاتصال غزاة حنين بالفتح. والرابع- إنه عام حجة الوداع. وهو وهم من بعض الرواة. سافر فيه وهمه من فتح مكة إلى حجة الوداع. وسفر الوهم من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان ومن واقعة إلى واقعة، كثيرا ما يعرض للحفاظ فمن دونهم. والصحيح أن المتعة إنما حرمت عام الفتح. لأنه قد ثبت في صحيح مسلم «١» أنهم استمتعوا عام الفتح مع النبيّ ﷺ بإذنه. ولو كان التحريم زمن خيبر لزم النسخ مرتين. وهذا لا عهدة بمثله في الشريعة البتة. ولا يقع مثله فيها. وأيضا، فإن خيبر لم يكن فيها مسلمات. وإنما كن يهوديات. وإباحة نساء أهل الكتاب لم تكن ثبتت بعد. إنما أبحن بعد ذلك في سورة المائدة بقوله: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ، وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ، وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: ٥]. وهذا متصل بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.
[المائدة: ٣]. وبقوله: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ. وهذا كان في آخر الأمر بعد حجة الوداع، أو فيها. فلم تكن إباحة نساء أهل الكتاب ثابتة من خيبر. ولا كان للمسلمين رغبة في الاستمتاع. ونساء عدوهم قبل الفتح وبعد الفتح، استرق من استرق منهم وصرن إماء المسلمين. فإن قيل: فما تصنعون بما ثبت في الصحيحين من حديث عليّ بن أبي طالب أن رسول الله ﷺ نهى عن متعة النساء.
(١)
أخرجه في صحيحه في: النكاح، ٣- باب نكاح المتعة، حديث ١٣ ونصه: عن جابر وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله ﷺ فقال: إن رسول الله ﷺ قد أذن لكم أن تستمتعوا.
يعني متعة النساء
.
أخرجه في صحيحه في: النكاح، ٣- باب نكاح المتعة، حديث ١٣ ونصه: عن جابر وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله ﷺ فقال: إن رسول الله ﷺ قد أذن لكم أن تستمتعوا.
يعني متعة النساء
.
75
يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية؟ وهذا صحيح صريح. قيل: هذا الحديث قد صحت روايته بلفظين: هذا أحدهما. والثاني الاقتصار على نهي النبيّ ﷺ عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، هذه
رواية ابن عيينة عن الزهريّ. قال: قال قاسم بن أصبغ: قال سفيان بن عيينة: يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر لا عن نكاح المتعة. ذكره أبو عمر في (التمهيد)
ثم قال: على هذا أكثر الناس. انتهى، فتوهم بعض الرواة أن (يوم خيبر) ظرف لتحريمهن فرواه: حرّم رسول الله ﷺ المتعة زمن خيبر والحمر الأهلية. واقتصر بعضهم على رواية بعض الحديث فقال: حرم رسول الله ﷺ المتعة زمن خيبر. فجاء بالغلط البيّن. فإن قيل: فأي فائدة في الجمع بين التحريمين إذا لم يكونا قد وقعا في وقت واحد؟ وأين المتعة من تحريم الخمر؟ قيل: هذا الحديث رواه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه محتجا به على ابن عمه، عبد الله بن عباس في المسألتين. فإنه كان يبيح المتعة ولحوم الحمر.
فناظره عليّ بن أبي طالب في المسألتين وروى له التحريمين. وقيد تحريم الحمر زمن خيبر. وأطلق تحريم المتعة وقال: إنك امرؤ تائه. إن رسول الله ﷺ حرم المتعة وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. كما قاله سفيان بن عيينة. وعليه أكثر الناس.
فروى الأمرين محتجا عليه بهما، لا مقيدا لهما بيوم خيبر. والله الموفق.
ولكن هاهنا نظر آخر. وهو إنه هل حرمها تحريم الفواحش التي لا تباح بحال، أو حرمها عند الاستغناء عنها وأباحها للمضطر؟ هذا هو الذي نظر فيه ابن عباس وقال: أنا أبحتها للمضطر كالميتة والدم. فلما توسع فيها من توسع ولم يقف عند الضرورة، أمسك ابن عباس عن الإفتاء بحلّها ورجع عنه: وقد كان ابن مسعود يرى إباحتها ويقرأ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: ٨٧].
ففي الصحيحين «١» عنه: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم. وليس لنا نساء فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب ثم قرأ عبد الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: ٨٧]
. وقراءة عبد الله الآية عقيب هذا الحديث تحتمل أمرين: أحدهما- الرد على من يحرمها وأنها لو لم
رواية ابن عيينة عن الزهريّ. قال: قال قاسم بن أصبغ: قال سفيان بن عيينة: يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر لا عن نكاح المتعة. ذكره أبو عمر في (التمهيد)
ثم قال: على هذا أكثر الناس. انتهى، فتوهم بعض الرواة أن (يوم خيبر) ظرف لتحريمهن فرواه: حرّم رسول الله ﷺ المتعة زمن خيبر والحمر الأهلية. واقتصر بعضهم على رواية بعض الحديث فقال: حرم رسول الله ﷺ المتعة زمن خيبر. فجاء بالغلط البيّن. فإن قيل: فأي فائدة في الجمع بين التحريمين إذا لم يكونا قد وقعا في وقت واحد؟ وأين المتعة من تحريم الخمر؟ قيل: هذا الحديث رواه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه محتجا به على ابن عمه، عبد الله بن عباس في المسألتين. فإنه كان يبيح المتعة ولحوم الحمر.
فناظره عليّ بن أبي طالب في المسألتين وروى له التحريمين. وقيد تحريم الحمر زمن خيبر. وأطلق تحريم المتعة وقال: إنك امرؤ تائه. إن رسول الله ﷺ حرم المتعة وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. كما قاله سفيان بن عيينة. وعليه أكثر الناس.
فروى الأمرين محتجا عليه بهما، لا مقيدا لهما بيوم خيبر. والله الموفق.
ولكن هاهنا نظر آخر. وهو إنه هل حرمها تحريم الفواحش التي لا تباح بحال، أو حرمها عند الاستغناء عنها وأباحها للمضطر؟ هذا هو الذي نظر فيه ابن عباس وقال: أنا أبحتها للمضطر كالميتة والدم. فلما توسع فيها من توسع ولم يقف عند الضرورة، أمسك ابن عباس عن الإفتاء بحلّها ورجع عنه: وقد كان ابن مسعود يرى إباحتها ويقرأ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: ٨٧].
ففي الصحيحين «١» عنه: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم. وليس لنا نساء فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب ثم قرأ عبد الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: ٨٧]
. وقراءة عبد الله الآية عقيب هذا الحديث تحتمل أمرين: أحدهما- الرد على من يحرمها وأنها لو لم
(١) أخرجه البخاري في: التفسير، ٥- سورة المائدة، ٩- باب قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ، حديث ١٩٨٨.
ومسلم في: النكاح، ٣- باب نكاح المتعة، حديث ١١. [.....]
ومسلم في: النكاح، ٣- باب نكاح المتعة، حديث ١١. [.....]
76
تكن من الطيبات لما أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني- أن يكون أراد آخر هذه الآية وهو الرد على من أباحها مطلقا، وأنه معتد. فإن رسول الله ﷺ إنما رخص فيها للضرورة عند الحاجة في الغزو، وعند عدم النساء وشدة الحاجة إلى المرأة. فمن رخص فيها في الحضر مع كثرة النساء وإمكان النكاح المعتاد فقد اعتدى والله لا يحب المعتدين. فإن قيل: فما تصنعون بما
روى مسلم في صحيحه من حديث جابر وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله ﷺ فقال: إن رسول الله ﷺ قد أذن لكم أن تستمتعوا (يعني متعة النساء)
قيل: هذا كان زمن الفتح قبل التحريم ثم حرمها بعد ذلك بدليل ما
رواه مسلم «١» في صحيحه عن سلمة بن الأكوع قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عام أوطاس، في المتعة ثلاثا. ثم نهى عنها
. وعام أوطاس هو وعام الفتح واحد. لأن غزاة أوطاس متصلة بفتح مكة. فإن قيل: فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه «٢» عن جابر بن عبد الله قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق، الأيام، على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر. حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث. وفيما ثبت عن عمر أنه قال «٣» : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أنهي عنهما: متعة النساء ومتعة الحج؟ قيل: الناس في هذا طائفتان: طائفة تقول: إن عمر هو الذي حرمها ونهى عنها. وقد أمر رسول الله ﷺ باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون. ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح. فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده. وقد تكلم فيه ابن معين. ولم ير البخاريّ إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه، وكونه أصلا من أصول الإسلام. ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه أو الاحتجاج به. قالوا: ولو صح حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود حتى يروي أنهم فعلوها ويحتج بالآية. قالوا أيضا: ولو صح لم يقل عمر: إنها كانت على عهد رسول الله ﷺ وأنا أنهى عنها وأعاقب عليها. بل كان يقول: إنه ﷺ حرمها ونهى عنها.
روى مسلم في صحيحه من حديث جابر وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله ﷺ فقال: إن رسول الله ﷺ قد أذن لكم أن تستمتعوا (يعني متعة النساء)
قيل: هذا كان زمن الفتح قبل التحريم ثم حرمها بعد ذلك بدليل ما
رواه مسلم «١» في صحيحه عن سلمة بن الأكوع قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عام أوطاس، في المتعة ثلاثا. ثم نهى عنها
. وعام أوطاس هو وعام الفتح واحد. لأن غزاة أوطاس متصلة بفتح مكة. فإن قيل: فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه «٢» عن جابر بن عبد الله قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق، الأيام، على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر. حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث. وفيما ثبت عن عمر أنه قال «٣» : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أنهي عنهما: متعة النساء ومتعة الحج؟ قيل: الناس في هذا طائفتان: طائفة تقول: إن عمر هو الذي حرمها ونهى عنها. وقد أمر رسول الله ﷺ باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون. ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح. فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده. وقد تكلم فيه ابن معين. ولم ير البخاريّ إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه، وكونه أصلا من أصول الإسلام. ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه أو الاحتجاج به. قالوا: ولو صح حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود حتى يروي أنهم فعلوها ويحتج بالآية. قالوا أيضا: ولو صح لم يقل عمر: إنها كانت على عهد رسول الله ﷺ وأنا أنهى عنها وأعاقب عليها. بل كان يقول: إنه ﷺ حرمها ونهى عنها.
(١) أخرجه في: النكاح، ٣- باب نكاح المتعة، حديث ١٨.
(٢) أخرجه في: النكاح، ٣- باب نكاح المتعة، حديث ١٦.
(٣) في المسند، حديث رقم ٣٦٩ ونصه: عن أبي نضرة قال: قلت لجابر بن عبد الله: إن ابن الزبير ينهى عن المتعة، وإن ابن عباس يأمر بها؟ قال فقال لي: على يدي جرى الحديث: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر، فلما وليّ عمر خطب الناس فقال: إن القرآن هو القرآن. وإن رسول الله ﷺ هو الرسول. وإنهما كانتا، متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إحداهما متعة الحج، والأخرى متعة النساء.
(٢) أخرجه في: النكاح، ٣- باب نكاح المتعة، حديث ١٦.
(٣) في المسند، حديث رقم ٣٦٩ ونصه: عن أبي نضرة قال: قلت لجابر بن عبد الله: إن ابن الزبير ينهى عن المتعة، وإن ابن عباس يأمر بها؟ قال فقال لي: على يدي جرى الحديث: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر، فلما وليّ عمر خطب الناس فقال: إن القرآن هو القرآن. وإن رسول الله ﷺ هو الرسول. وإنهما كانتا، متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إحداهما متعة الحج، والأخرى متعة النساء.
77
قالوا: ولو صح لم يفعل على عهد الصديق، وهو عهد خلافة النبوة حقّا. والطائفة الثانية رأت صحة حديث سبرة. ولو لم يصح فقد صح حديث عليّ رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ حرم متعة النساء. فوجب حمل حديث جابر على أن الذي أخبر عنه بفعلها لم يبلغه التحريم، ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر رضي الله عنه.
فلما وقع فيها ظهر واشتهر. وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها، وبالله التوفيق.
انتهى.
هذا، والذين حملوا الآية على بيان حكم النكاح قالوا: المراد من قوله تعالى وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ إلخ أنه إذا كان المهر مقدرا بمقدار معين فلا حرج في أن تحط عنه شيئا من المهر، أو تبرئه عنه بالكلية، بالتراضي، كما تقدم. وهو كقوله تعالى فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً وقوله إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ.
وقد روى ابن جرير عن حضرميّ أن رجلا كانوا يقرضون المهر. ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة. فقال الله وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إلخ. يعني إن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ. وأما الذين حملوا الآية على بيان المتعة، قالوا: المراد من نفي الجناح أنه إذا انقضى أجل المتعة لم يبق للرجل على المرأة سبيل البتة. فإن قال لها: زيديني في الأيام وأزيدك في الأجرة- كانت المرأة بالخيار. إن شاءت فعلت وإن شاءت لم تفعل. فهذا هو المراد من قوله: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ. أي من بعد المقدار المذكور أولا من الأجر والأجل. أفاده الرازيّ.
قال السدّيّ: إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى. يعني الأحر الذي أعطاها على تمتعه بها قبل انقضاء الأجل بينهما. فقال: أتمتع منك أيضا بكذا وكذا. فإن شاء زاد قبل أن يستبرئ رحمها يوم تنقضي المدة. وهو قوله تعالى وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ قال السّديّ: إذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل. وهي منه بريئة. وعليها أن تستبرئ ما في رحمها. وليس بينهما ميراث. فلا يرث واحد منهما صاحبه.
قال ابن جرير الطبري: أولى التأويلين في ذلك بالصواب، التأويل الأول. لقيام الحجة بتحريم الله تعالى متعة النساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
قال المهايميّ: ثم أشار تعالى إلى نكاح ما يستباح للضرورة كنكاح المتعة.
فلما وقع فيها ظهر واشتهر. وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها، وبالله التوفيق.
انتهى.
هذا، والذين حملوا الآية على بيان حكم النكاح قالوا: المراد من قوله تعالى وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ إلخ أنه إذا كان المهر مقدرا بمقدار معين فلا حرج في أن تحط عنه شيئا من المهر، أو تبرئه عنه بالكلية، بالتراضي، كما تقدم. وهو كقوله تعالى فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً وقوله إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ.
وقد روى ابن جرير عن حضرميّ أن رجلا كانوا يقرضون المهر. ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة. فقال الله وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إلخ. يعني إن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ. وأما الذين حملوا الآية على بيان المتعة، قالوا: المراد من نفي الجناح أنه إذا انقضى أجل المتعة لم يبق للرجل على المرأة سبيل البتة. فإن قال لها: زيديني في الأيام وأزيدك في الأجرة- كانت المرأة بالخيار. إن شاءت فعلت وإن شاءت لم تفعل. فهذا هو المراد من قوله: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ. أي من بعد المقدار المذكور أولا من الأجر والأجل. أفاده الرازيّ.
قال السدّيّ: إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى. يعني الأحر الذي أعطاها على تمتعه بها قبل انقضاء الأجل بينهما. فقال: أتمتع منك أيضا بكذا وكذا. فإن شاء زاد قبل أن يستبرئ رحمها يوم تنقضي المدة. وهو قوله تعالى وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ قال السّديّ: إذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل. وهي منه بريئة. وعليها أن تستبرئ ما في رحمها. وليس بينهما ميراث. فلا يرث واحد منهما صاحبه.
قال ابن جرير الطبري: أولى التأويلين في ذلك بالصواب، التأويل الأول. لقيام الحجة بتحريم الله تعالى متعة النساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
قال المهايميّ: ثم أشار تعالى إلى نكاح ما يستباح للضرورة كنكاح المتعة.
78
لكنها ضرورة مستمرة لا تنقطع بكثرة الإسلام فقال:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢٥]
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥)
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أي لم يقدر مِنْكُمْ أيها الأحرار، بخلاف العبيد، أن يحصل طَوْلًا أي غنى يمكنه به أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ أي الحرائر المتعففات، بخلاف الزواني إذ لا عبرة بهن الْمُؤْمِناتِ إذ لا عبرة بالكوافر فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي فله أن ينكح بعض ما يملكه أيمان إخوانكم مِنْ فَتَياتِكُمُ أي إمائكم حال الرق الْمُؤْمِناتِ لا الكتابية. لأنه لا يحتمل مع عار الرق عار الكفر.
وقد استفيد من سياق هذه الآية أن الله تعالى شرط في نكاح الإماء شرائط ثلاثة:
اثنان منها في الناكح والثالث في المنكوحة. أما اللذان في الناكح فأحدهما أن يكون غير واجد لما يتزوج به الحرة المؤمنة من الصداق. وهو معنى قوله وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فعدم استطاعة الطول عبارة عن عدم ما ينكح به الحرة. فإن قيل: الرجل إذا كان يستطيع التزوج بالأمة، يقدر على التزوج بالحرة الفقيرة، فمن أين هذا التفاوت؟ قلنا: كانت العادة في الإماء تخفيف مهورهن ونفقتهن لاشتغالهن بخدمة السادات. وعلى هذا التقدير يظهر التفاوت. وأما الشرط الثاني فهو المذكور في آخر الآية وهو قوله ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ أي الزنى بأن بلغ الشدة في العزوبة. وأما الشرط الثالث المعتبر في المنكوحة، فأن تكون الأمة مؤمنة لا كافرة. فإن الأمة إذا كانت كافرة كانت ناقصة من وجهين: الرق والكفر. ولا شك أن الولد تابع للأم في الحرية والرق. وحينئذ يعلق الولد رقيقا على ملك الكافر.
فيحصل فيه نقصان الرق ونقصان كونه ملكا للكافر. وما ذكرناه هو المطابق لمعنى الآية. ولا يخلو ما عداه عن تكلف لا يساعده نظم الآية.
قال الزمخشري: فإن قلت: لم كان نكاح الأمة منحطا عن نكاح الحرة؟ قلت:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢٥]
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥)
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أي لم يقدر مِنْكُمْ أيها الأحرار، بخلاف العبيد، أن يحصل طَوْلًا أي غنى يمكنه به أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ أي الحرائر المتعففات، بخلاف الزواني إذ لا عبرة بهن الْمُؤْمِناتِ إذ لا عبرة بالكوافر فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي فله أن ينكح بعض ما يملكه أيمان إخوانكم مِنْ فَتَياتِكُمُ أي إمائكم حال الرق الْمُؤْمِناتِ لا الكتابية. لأنه لا يحتمل مع عار الرق عار الكفر.
وقد استفيد من سياق هذه الآية أن الله تعالى شرط في نكاح الإماء شرائط ثلاثة:
اثنان منها في الناكح والثالث في المنكوحة. أما اللذان في الناكح فأحدهما أن يكون غير واجد لما يتزوج به الحرة المؤمنة من الصداق. وهو معنى قوله وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فعدم استطاعة الطول عبارة عن عدم ما ينكح به الحرة. فإن قيل: الرجل إذا كان يستطيع التزوج بالأمة، يقدر على التزوج بالحرة الفقيرة، فمن أين هذا التفاوت؟ قلنا: كانت العادة في الإماء تخفيف مهورهن ونفقتهن لاشتغالهن بخدمة السادات. وعلى هذا التقدير يظهر التفاوت. وأما الشرط الثاني فهو المذكور في آخر الآية وهو قوله ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ أي الزنى بأن بلغ الشدة في العزوبة. وأما الشرط الثالث المعتبر في المنكوحة، فأن تكون الأمة مؤمنة لا كافرة. فإن الأمة إذا كانت كافرة كانت ناقصة من وجهين: الرق والكفر. ولا شك أن الولد تابع للأم في الحرية والرق. وحينئذ يعلق الولد رقيقا على ملك الكافر.
فيحصل فيه نقصان الرق ونقصان كونه ملكا للكافر. وما ذكرناه هو المطابق لمعنى الآية. ولا يخلو ما عداه عن تكلف لا يساعده نظم الآية.
قال الزمخشري: فإن قلت: لم كان نكاح الأمة منحطا عن نكاح الحرة؟ قلت:
79
لما فيه من اتباع الولد الأم في الرق، ولثبوت حق المولى فيها وفي استخدامها. ولأنها ممتهنة مبتذلة خرّاجة ولّاجة. وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح، ومهانة. والعزة من صفات المؤمنين. وسيأتي مزيد لهذا عند قوله تعالى وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وقوله تعالى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ إشارة إلى أنه لا يشترط الاطلاع على بواطنهن. بل يكتفي بظاهر إيمانهن. أي فاكتفوا بظاهر الإيمان. فإنه تعالى العالم بالسرائر وبتفاضل ما بينكم في الإيمان. فرب أمة تفضل الحرة فيه. وقوله تعالى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ اعتراض آخر جيء به لتأنيسهم بنكاح الإماء حالتئذ. أي أنتم وأرقاؤكم متناسبون، نسبكم من آدم ودينكم الإسلام فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ أي مواليهن لا استقلالا. وذلك لآن منافعهن لهم لا يجوز لغيرهم أن ينتفع بشيء منها إلا بإذن من هي له وَآتُوهُنَّ أعطوهن أُجُورَهُنَّ أي مهورهن بِالْمَعْرُوفِ أي بلا مطل وضرار وإلجاء إلى الاقتضاء. واستدل الإمام مالك بهذا على أنهن أحق بمهورهن. وأنه لا حق فيه للسيد. وذهب الجمهور إلى أن المهر للسيد. وإنما أضافها إليهن لأن التأدية إليهن، تأدية إلى سيدهن لكونهن ماله مُحْصَناتٍ حال من مفعول فَانْكِحُوهُنَّ أي حال كونهن عفائف عن الزنى غَيْرَ مُسافِحاتٍ حال مؤكدة. أي غير زانيات بكل من دعاهن وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ أي أخلة يتخصصن بهم في الزنى. قال أبو زيد: الأخدان الأصدقاء على الفاحشة. والواحد خدن وخدين. وقال الراغب: أكثر ذلك يستعمل فيمن يصاحب بشهوة نفسانية. ومن لطائف وقوع قوله تعالى مُحْصَناتٍ إلخ إثر قوله: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ- الإشعار بأنهن لو كن إحدى هاتين، فلكم المناقشة في أداء مهورهن ليفتدين نفوسهن فَإِذا أُحْصِنَّ أي بالتزويج. وقرئ على البناء للفاعل أي أحصن فروجهن أو أزواجهن فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ أي فعلن فاحشة وهي الزنى فَعَلَيْهِنَّ أي فثابت عليهن شرعا نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ أي الحرائر مِنَ الْعَذابِ أي من الحد الذي هو جلد مائة فنصفه خمسون جلدة. لا الرجم. قال المهايميّ: لأنهن من أهل المهانة. فلا يفيد فيهن المبالغة في الزجر.
تنبيه:
قال ابن كثير: مذهب الجمهور أن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة. سواء كانت مسلمة أو كافرة. مزوجة أو بكرا. مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لا حد على غير المحصنة ممن زنى من الإماء. وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك. فأما الجمهور فقالوا: لا شك أن المنطوق مقدم على المفهوم. وقد وردت أحاديث عامة في إقامة
تنبيه:
قال ابن كثير: مذهب الجمهور أن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة. سواء كانت مسلمة أو كافرة. مزوجة أو بكرا. مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لا حد على غير المحصنة ممن زنى من الإماء. وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك. فأما الجمهور فقالوا: لا شك أن المنطوق مقدم على المفهوم. وقد وردت أحاديث عامة في إقامة
80
الحد على الإماء. فقدمناها على مفهوم الآية. فمن ذلك ما
رواه مسلم «١» في صحيحه عن عليّ رضي الله عنه أنه خطب فقال: يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحدّ من أحصن منهن ومن لم يحصن: فإن أمة لرسول الله ﷺ زنت. فأمرني أن أجلدها. فإذا هي حديث عهد بنفاس. فخشيت، إن أنا جلدتها، أن أقتلها. فذكرت ذلك للنبيّ ﷺ فقال: أحسنت: اتركها حتى تماثل.
وعند عبد الله بن أحمد عن غير أبيه (فإذا تعافت من نفاسها فاجلدها خمسين).
وعن أبي هريرة «٢» قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها. ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها. ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر.
ولمسلم «٣» : إذا زنت ثلاثا. ثم ليبعها في الرابعة.
وروى مالك «٤» عن عبد الله بن عياش المخزوميّ قال: أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين، في الزنى.
الجواب الثاني- جواب من ذهب إلى أن الأمة إذا زنت ولم تحصن فلا حد عليها. وإنما تضرب تأديبا. وهو المحكيّ عن ابن عباس رضي الله عنه. وإليه ذهب طاوس وسعيد بن جبير وأبو عبيد القاسم بن سلام، وداود بن عليّ الظاهريّ (في رواية عنه) وعمدتهم مفهوم الآية. وهو من مفاهيم الشرط. وهو حجة عند أكثرهم. فقدم على العموم عندهم.
وحديث «٥» أبي هريرة وزيد بن خالد: أن رسول الله ﷺ سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: «إن زنت فاجلدوها. ثم إن زنت فاجلدوها. ثم إن زنت فاجلدوها. ثم بيعوها ولو بضفير».
قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة، أخرجاه في الصحيحين.
وعند مسلم، قال ابن شهاب: الضفير الحبل. قالوا فلم يؤقت فيه عدد كما أقت في المحصنة، وكما وقت في القرآن بنصف ما على المحصنات. فوجب الجمع بين الآية والحديث بذلك. والله أعلم.
رواه مسلم «١» في صحيحه عن عليّ رضي الله عنه أنه خطب فقال: يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحدّ من أحصن منهن ومن لم يحصن: فإن أمة لرسول الله ﷺ زنت. فأمرني أن أجلدها. فإذا هي حديث عهد بنفاس. فخشيت، إن أنا جلدتها، أن أقتلها. فذكرت ذلك للنبيّ ﷺ فقال: أحسنت: اتركها حتى تماثل.
وعند عبد الله بن أحمد عن غير أبيه (فإذا تعافت من نفاسها فاجلدها خمسين).
وعن أبي هريرة «٢» قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها. ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها. ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر.
ولمسلم «٣» : إذا زنت ثلاثا. ثم ليبعها في الرابعة.
وروى مالك «٤» عن عبد الله بن عياش المخزوميّ قال: أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين، في الزنى.
الجواب الثاني- جواب من ذهب إلى أن الأمة إذا زنت ولم تحصن فلا حد عليها. وإنما تضرب تأديبا. وهو المحكيّ عن ابن عباس رضي الله عنه. وإليه ذهب طاوس وسعيد بن جبير وأبو عبيد القاسم بن سلام، وداود بن عليّ الظاهريّ (في رواية عنه) وعمدتهم مفهوم الآية. وهو من مفاهيم الشرط. وهو حجة عند أكثرهم. فقدم على العموم عندهم.
وحديث «٥» أبي هريرة وزيد بن خالد: أن رسول الله ﷺ سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: «إن زنت فاجلدوها. ثم إن زنت فاجلدوها. ثم إن زنت فاجلدوها. ثم بيعوها ولو بضفير».
قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة، أخرجاه في الصحيحين.
وعند مسلم، قال ابن شهاب: الضفير الحبل. قالوا فلم يؤقت فيه عدد كما أقت في المحصنة، وكما وقت في القرآن بنصف ما على المحصنات. فوجب الجمع بين الآية والحديث بذلك. والله أعلم.
(١) أخرجه في: الحدود، حديث ٣٤.
(٢) أخرجه البخاري في: البيوع، ١١٠- باب بيع المدبّر، حديث ١٠٨٨.
ومسلم في: الحدود، حديث ٣٠.
(٣) مسلم في: الحدود، حديث ٣١.
(٤) أخرجه مالك في الموطأ في: الحدود، حديث ١٦.
(٥) أخرجه البخاريّ في: الحدود، ٣٥- باب إذا زنت الأمة حديث ١٠٨٨ و ١٠٨٩.
(٢) أخرجه البخاري في: البيوع، ١١٠- باب بيع المدبّر، حديث ١٠٨٨.
ومسلم في: الحدود، حديث ٣٠.
(٣) مسلم في: الحدود، حديث ٣١.
(٤) أخرجه مالك في الموطأ في: الحدود، حديث ١٦.
(٥) أخرجه البخاريّ في: الحدود، ٣٥- باب إذا زنت الأمة حديث ١٠٨٨ و ١٠٨٩.
81
وأصرح من ذلك ما
رواه سعيد بن منصور عن ابن عباس مرفوعا: ليس على أمة حدّ حتى تحصن. يعني تزوج. فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات.
ورواه ابن خزيمة مرفوعا أيضا. وقال: رفعه خطأ. إنما هو من قول ابن عباس.
وكذا رواه البيهقيّ، وقال مثل قول ابن خزيمة.
قالوا: وحديث علي وعمر قضايا أعيان. وحديث أبي هريرة عنه أجوبة: أحدها- إن ذلك محمول على الأمة المزوّجة، جمعا بينه وبين هذا الحديث. الثاني- أن لفظة الحد في قوله: فليقم عليها الحد، مقحمة من بعض الرواة. بدليل.
الجواب الثالث- وهو أن هذا من حديث صحابيين وذلك من رواية أبي هريرة فقط. وما كان عن اثنين فهو أولى بالتقديم من رواية واحد. وأيضا
فقد رواه النسائيّ بإسناد على شرط مسلم من حديث عباد بن تميم عن عمه، وكان قد شهد بدرا: إن رسول الله ﷺ قال: إذا زنت الأمة فاجلدوها. ثم إذا زنت فاجلدوها ثم إذا زنت فاجلدوها. ثم إذا زنت فبيعوها ولو بضفير.
الرابع- أنه لا يبعد أن بعض الرواة أطلق لفظ (الحد) في الحديث على (الجلد). لأنه لما كان الجلد اعتقد أنه حد. أو أنه أطلق لفظ (الحد) على التأديب. كما أطلق (الحد) على ضرب من زنى من المرضى بعثكال نخل فيه مائة شمراخ. وعلى جلد من زنى بأمة امرأته إذا أذنت له فيها، مائة. وإنما ذلك تعزير وتأديب عند من يراه. كأحمد وغيره من السلف. وإنما الحد الحقيقيّ هو جلد البكر مائة ورجم الثيّب، انتهى. وله تتمة سابغة.
وقال الإمام ابن القيّم في (زاد المعاد) : وحكم في الأمة إذا زنت ولم تحصن بالحد. وأما قوله تعالى في الإماء: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ
، فهو نص في أن حدها بعد التزويج نصف حد الحرة من الجلد. وأما قبل التزويج فأمر بجلدها. وفي هذا الحد قولان:
أحدهما- أنه الحد. ولكن يختلف الحال قبل التزويج وبعده. فإن للسيد إقامته قبله. وأما بعده فلا يقيمه إلا الإمام.
والقول الثاني- إنّ جلدها قبل الإحصان تعزير لا حدّ. ولا يبطل هذا ما
رواه مسلم «١» في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، يرفعه: إذا زنت أمة
رواه سعيد بن منصور عن ابن عباس مرفوعا: ليس على أمة حدّ حتى تحصن. يعني تزوج. فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات.
ورواه ابن خزيمة مرفوعا أيضا. وقال: رفعه خطأ. إنما هو من قول ابن عباس.
وكذا رواه البيهقيّ، وقال مثل قول ابن خزيمة.
قالوا: وحديث علي وعمر قضايا أعيان. وحديث أبي هريرة عنه أجوبة: أحدها- إن ذلك محمول على الأمة المزوّجة، جمعا بينه وبين هذا الحديث. الثاني- أن لفظة الحد في قوله: فليقم عليها الحد، مقحمة من بعض الرواة. بدليل.
الجواب الثالث- وهو أن هذا من حديث صحابيين وذلك من رواية أبي هريرة فقط. وما كان عن اثنين فهو أولى بالتقديم من رواية واحد. وأيضا
فقد رواه النسائيّ بإسناد على شرط مسلم من حديث عباد بن تميم عن عمه، وكان قد شهد بدرا: إن رسول الله ﷺ قال: إذا زنت الأمة فاجلدوها. ثم إذا زنت فاجلدوها ثم إذا زنت فاجلدوها. ثم إذا زنت فبيعوها ولو بضفير.
الرابع- أنه لا يبعد أن بعض الرواة أطلق لفظ (الحد) في الحديث على (الجلد). لأنه لما كان الجلد اعتقد أنه حد. أو أنه أطلق لفظ (الحد) على التأديب. كما أطلق (الحد) على ضرب من زنى من المرضى بعثكال نخل فيه مائة شمراخ. وعلى جلد من زنى بأمة امرأته إذا أذنت له فيها، مائة. وإنما ذلك تعزير وتأديب عند من يراه. كأحمد وغيره من السلف. وإنما الحد الحقيقيّ هو جلد البكر مائة ورجم الثيّب، انتهى. وله تتمة سابغة.
وقال الإمام ابن القيّم في (زاد المعاد) : وحكم في الأمة إذا زنت ولم تحصن بالحد. وأما قوله تعالى في الإماء: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ
، فهو نص في أن حدها بعد التزويج نصف حد الحرة من الجلد. وأما قبل التزويج فأمر بجلدها. وفي هذا الحد قولان:
أحدهما- أنه الحد. ولكن يختلف الحال قبل التزويج وبعده. فإن للسيد إقامته قبله. وأما بعده فلا يقيمه إلا الإمام.
والقول الثاني- إنّ جلدها قبل الإحصان تعزير لا حدّ. ولا يبطل هذا ما
رواه مسلم «١» في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، يرفعه: إذا زنت أمة
(١)
أخرج مسلم: عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال «إن زنت فاجلدوها. ثم إن زنت فاجلدوها. ثم إن زنت فاجلدوها. ثم بيعوها ولو بضفير». أخرجه في:
الحدود، حديث ٣٢.
أخرج مسلم: عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال «إن زنت فاجلدوها. ثم إن زنت فاجلدوها. ثم إن زنت فاجلدوها. ثم بيعوها ولو بضفير». أخرجه في:
الحدود، حديث ٣٢.
82
أحدكم فليجلدها ولا يعيرها، ثلاث مرات. فإن عادت في الرابعة فليجلدها وليبعها ولو بضفير (وفي لفظ فليضربها بكتاب الله)
وفي صحيحه أيضا من حديث علي كرم الله وجهه إنه قال: أيها الناس! أقيموا على أرقائكم الحد. من أحصن منهن ومن لم يحصن. فإن أمة رسول الله ﷺ زنت فأمرني أن أجلدها. الحديث.
فإن التعزير يدخل فيه لفظ (الحد) في لسان الشارع. كما في
قوله صلى الله عليه وسلم: لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود الله تعالى
. وقد ثبت التعزير بالزيادة على العشرة جنسا وقدرا، في مواضع عديدة لم يثبت نسخها ولم تجتمع الأمة على خلافها. وعلى كل حال، فلا بد أن يخالف حالها بعد الإحصان حالها قبله. وإلا لم يكن للتقييد فائدة. فإما أن يقال قبل الإحصان: لا حد عليها، والسنة الصحيحة تبطل ذلك. وإما أن يقال: حدها قبل الإحصان حد الحرة، وبعده نصفه، وهذا باطل قطعا، مخالف لقواعد الشرع وأصوله. وإما أن يقال: حدها قبل الإحصان تعزير، وبعده حدّ، وهذا أقوى. وإما أن يقال: الافتراق بين الحالين في إقامة الحد لا في قدره وإنه في إحدى الحالتين للسيّد وفي الأخرى للإمام. وهذا أقرب ما يقال.
وقد يقال: إن تنصيصه على التنصيف بعد الإحصان لئلا يتوهم متوهم أن بالإحصان يزول التنصيف ويصير حدها حد الحرة. كما أن الجلد عن البكر يزال بالإحصان وانتقل إلى الرجم، فبقي على التنصيف في أكمل حالتيها وهي الإحصان، تنبيها على أنه إذا اكتفى به فيها ففي ما قبل الإحصان أولى وأحرى. والله أعلم ذلِكَ أي إباحة نكاح الإماء لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ أي المشقة في التحفظ من الزنى مِنْكُمْ أيها الأحرار وَأَنْ تَصْبِرُوا على تحمل تلك المشقة متعففين عن نكاحهن خَيْرٌ لَكُمْ من نكاحهن، وإن سبقت كلمة الرخصة، لما فيه من تعريض الولد للرق. قال عمر رضي الله عنه: أيما حرّ تزوج بأمة فقد أرقّ نصفه. ولأن حق المولى فيها أقوى فلا تخلص للزوج خلوص الحرائر، ولأن المولى يقدر على استخدامها كيفما يريد في السفر والحضر، وعلى بيعها للحاضر والبادي. وفيه من اختلال حال الزوج وأولاده ما لا مزيد عليه. ولأنها ممتهنة مبتذلة خرّاجة ولّاجة.
وذلك كله ذل ومهانة سارية إلى الناكح. والعزة هي اللائقة بالمؤمنين. ولأن مهرها لمولاها. فلا تقدر على التمتع به ولا على هبته للزوج. فلا ينتظم أمر المنزل. كذا حرره أبو السعود. وقد قيل:
وأما الشرك في العبادة فهو أسهل من هذا الشرك وأخف أمرا. فإنه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلا الله. وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع إلا الله. وأنه لا إله غيره ولا رب سواه. ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته. بل يعمل لحظّ نفسه تارة وطلب الدنيا تارة. ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة. فلله من عمله وسعيه نصيب. ولنفسه وحظه وهواه نصيب. وللشيطان نصيب. وللخلق نصيب.
هذا حال أكثر الناس. وهو الشرك الذي
قال فيه النبي ﷺ فيما رواه ابن حبان في صحيحه «١» :«الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل. قالوا: وكيف ننجو منه؟
يا رسول الله! قال: قل: اللهم! إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم».
فالرياء كله شرك. قال تعالى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف: ١١٠].
أي كما أنه إله واحد، لا إله سواه، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده.
فكما تفرّد بالإلهية، يجب أن يفرد بالعبودية. فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء، المقيد بالسنة. وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم! اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا. ولا تجعل لأحد فيه شيئا. وهذا الشرك في العبادة يبطل العمل. وقد يعاقب عليه إذا كان العمل واجبا. فإنه ينزله منزلة من لم يعمله، فيعاقب على ترك الأمر. فإن الله سبحانه إنما أمر بعبادته خالصة. قال تعالى:
وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ [البينة: ٥].
فمن لم يخلص لله في عبادته لم يفعل ما أمر به. بل الذي أتى به، شيء غير المأمور به، فلا يصح ولا يقبل منه. ويقول الله تعالى «٢» : أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه. وهذا الشرك ينقسم إلى مغفور وغير مغفور. وأكبر وأصغر. والنوع الأول ينقسم إلى كبير وأكبر. وليس شيء منه مغفورا. فمنه الشرك بالله في المحبة والتعظيم بأن يحب المخلوق كما يحب
وأما الشرك في الإرادات والنيات، فذلك البحر الذي لا ساحل له، وقلّ من ينجو منه. فمن أراد بعمله غير وجه الله، ونوى شيئا غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه، فقد أشرك في نيته وإرادته. والإخلاص: أن يخلص لله في أقواله وأفعاله وإرادته ونيته.
وهذه هي الحنيفية، ملة إبراهيم، التي أمر الله بها عباده كلهم. ولا يقبل من أحد غيرها. وهي حقيقة الإسلام. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ [آل عمران: ٨٥]. وهي ملة إبراهيم عليه السلام، التي من رغب عنها فهو من أسفه السفهاء.
وإذا عرفت هذه المقدمة انفتح لك باب الجواب عن السؤال المذكور. فنقول (ومن الله وحده نستمد الصواب) : حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به. وهذا هو التشبيه في الحقيقة. لا إثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه ووصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعكس من نكس الله قلبه وأعمى عين بصيرته وأركسه بلبسه الأمر وجعل التوحيد تشبيها والتشبيه تعظيما وطاعة. فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية. فإن من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل به وحده. فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق. وجعل من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، أفضل من غيره. تشبيها بمن له الأمر كله. فأزمّة الأمور كلها بيده، ومرجعها إليه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع. بل إذا فتح لعبده باب رحمته لم يمسكها أحد. وإن أمسكها عنه لم يرسلها إليه أحد. فمن أقبح التشبيه تشبيه هذا العاجز الفقير بالذات، بالقادر الغنيّ بالذات. ومن خصائص الإلهية الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه. وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده. والتعظيم والإجلال والخشية والدعاء والرجاء والإنابة والتوكل والاستعانة وغاية الذل مع غاية الحب، كل ذلك يجب عقلا وشرعا وفطرة أن يكون له وحده. ويمنع عقلا وشرعا وفطرة أن يكون لغيره. فمن جعل شيئا من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا ند له. وذلك أقبح التشبيه وأبطله. ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم، أخبر سبحانه عباده أنه لا يغفره. مع أنه كتب على نفسه الرحمة. ومن خصائص
وفي صحيحه أيضا من حديث علي كرم الله وجهه إنه قال: أيها الناس! أقيموا على أرقائكم الحد. من أحصن منهن ومن لم يحصن. فإن أمة رسول الله ﷺ زنت فأمرني أن أجلدها. الحديث.
فإن التعزير يدخل فيه لفظ (الحد) في لسان الشارع. كما في
قوله صلى الله عليه وسلم: لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود الله تعالى
. وقد ثبت التعزير بالزيادة على العشرة جنسا وقدرا، في مواضع عديدة لم يثبت نسخها ولم تجتمع الأمة على خلافها. وعلى كل حال، فلا بد أن يخالف حالها بعد الإحصان حالها قبله. وإلا لم يكن للتقييد فائدة. فإما أن يقال قبل الإحصان: لا حد عليها، والسنة الصحيحة تبطل ذلك. وإما أن يقال: حدها قبل الإحصان حد الحرة، وبعده نصفه، وهذا باطل قطعا، مخالف لقواعد الشرع وأصوله. وإما أن يقال: حدها قبل الإحصان تعزير، وبعده حدّ، وهذا أقوى. وإما أن يقال: الافتراق بين الحالين في إقامة الحد لا في قدره وإنه في إحدى الحالتين للسيّد وفي الأخرى للإمام. وهذا أقرب ما يقال.
وقد يقال: إن تنصيصه على التنصيف بعد الإحصان لئلا يتوهم متوهم أن بالإحصان يزول التنصيف ويصير حدها حد الحرة. كما أن الجلد عن البكر يزال بالإحصان وانتقل إلى الرجم، فبقي على التنصيف في أكمل حالتيها وهي الإحصان، تنبيها على أنه إذا اكتفى به فيها ففي ما قبل الإحصان أولى وأحرى. والله أعلم ذلِكَ أي إباحة نكاح الإماء لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ أي المشقة في التحفظ من الزنى مِنْكُمْ أيها الأحرار وَأَنْ تَصْبِرُوا على تحمل تلك المشقة متعففين عن نكاحهن خَيْرٌ لَكُمْ من نكاحهن، وإن سبقت كلمة الرخصة، لما فيه من تعريض الولد للرق. قال عمر رضي الله عنه: أيما حرّ تزوج بأمة فقد أرقّ نصفه. ولأن حق المولى فيها أقوى فلا تخلص للزوج خلوص الحرائر، ولأن المولى يقدر على استخدامها كيفما يريد في السفر والحضر، وعلى بيعها للحاضر والبادي. وفيه من اختلال حال الزوج وأولاده ما لا مزيد عليه. ولأنها ممتهنة مبتذلة خرّاجة ولّاجة.
وذلك كله ذل ومهانة سارية إلى الناكح. والعزة هي اللائقة بالمؤمنين. ولأن مهرها لمولاها. فلا تقدر على التمتع به ولا على هبته للزوج. فلا ينتظم أمر المنزل. كذا حرره أبو السعود. وقد قيل:
إذا لم يكن في منزل المرء حرة | تدبره ضاعت مصالح داره |
مهلا بني عمنا مهلا موالينا | لا يظهرن بيننا ما كان مدفونا |
قال ابن الأعرابي: ابن العم مولى. وابن الأخت مولى. وقول الشاعر:
هم المولى وإن جنفوا علينا | وإنا من لقائهم لزور |
مهلا بني عمنا، مهلا موالينا | امشوا رويدا كما كنتم تكونونا |
شده. والأيمان جمع يمين إما بمعنى اليد اليمنى لوضعهم الأيدي في العهود، أو بمعنى القسم وهو الأظهر، لأن العقد خلاف النقض. وقد جاء مقرونا بالحلف في قوله تعالى: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها [النحل: ٩١] وفي قوله: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ [المائدة: ٨٩]. وفي
(١) أخرجه البخاريّ في: الفرائض، ٥- باب ميراث الولد من أبيه وأمه.
وأخرجه مسلم في: الفرائض، حديث ٢.
وأخرجه مسلم في: الفرائض، حديث ٢.
91
هذه الآية محامل كثيرة ووجوه للسلف والخلف. أظهرها السلف المفسرين رضوان الله عليهم. وهو أن المعنيّ بالموصول، الحلفاء. وهو المرويّ عن ابن عباس في البخاريّ كما سيأتي: قال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والحسن وابن المسيب وأبي صالح وسليمان بن يسار والشعبيّ وعكرمة والسدّي والضحّاك وقتادة ومقاتل بن حيان، أنهم قالوا: هم الحلفاء. انتهى.
ويزاد أيضا: علي بن أبي طلحة.
وكان الحلفاء يرثون السدس من محالفيهم. وروى الطبري من طريق قتادة:
كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول: دمي دمك. وترثني وأرثك. وتطلب بي وأطلب بك. فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس. فأمروا بأن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس. ثم نسخ ذلك بالميراث، فقال: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ.
ولذا قال سعيد بن جبير: فآتوهم نصيبهم من الميراث. قال: وعاقد أبو بكر مولى فورثه.
قال الزمخشريّ: والمراد. ب (الذين عاقدت أيمانكم) موالي الموالاة. كان الرجل يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك. وهدمي هدمك. وثأري ثأرك. وحربي حربك. وسلمي سلمك. وترثني وأرثك. وتطلب بي وأطلب بك. وتعقل عني وأعقل عنك. فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف. انتهى.
وعلى هذا، فمعنى الآية: والذين عاقدتموهم على المؤاخاة والموالاة، وتحالفتم بالأيمان المؤكدة أنتم وهم على النصر والإرث، قبل نزول هذه الآية، فآتوهم نصيبهم من الميراث وفاء بالعقود والعهود. إذ وعدتموهم ذلك في الأيمان المغلظة.
وروى ابن أبي حاتم: كان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل ويقول. وترثني وأرثك. وكان الأحياء يتحالفون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل حلف في الجاهلية، أو عقد أدركه الإسلام، فلا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا عقد ولا حلف في الإسلام».
وروى الإمام أحمد ومسلم «١» والنسائي عن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال
ويزاد أيضا: علي بن أبي طلحة.
وكان الحلفاء يرثون السدس من محالفيهم. وروى الطبري من طريق قتادة:
كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول: دمي دمك. وترثني وأرثك. وتطلب بي وأطلب بك. فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس. فأمروا بأن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس. ثم نسخ ذلك بالميراث، فقال: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ.
ولذا قال سعيد بن جبير: فآتوهم نصيبهم من الميراث. قال: وعاقد أبو بكر مولى فورثه.
قال الزمخشريّ: والمراد. ب (الذين عاقدت أيمانكم) موالي الموالاة. كان الرجل يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك. وهدمي هدمك. وثأري ثأرك. وحربي حربك. وسلمي سلمك. وترثني وأرثك. وتطلب بي وأطلب بك. وتعقل عني وأعقل عنك. فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف. انتهى.
وعلى هذا، فمعنى الآية: والذين عاقدتموهم على المؤاخاة والموالاة، وتحالفتم بالأيمان المؤكدة أنتم وهم على النصر والإرث، قبل نزول هذه الآية، فآتوهم نصيبهم من الميراث وفاء بالعقود والعهود. إذ وعدتموهم ذلك في الأيمان المغلظة.
وروى ابن أبي حاتم: كان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل ويقول. وترثني وأرثك. وكان الأحياء يتحالفون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل حلف في الجاهلية، أو عقد أدركه الإسلام، فلا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا عقد ولا حلف في الإسلام».
وروى الإمام أحمد ومسلم «١» والنسائي عن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال
(١)
أخرجه في المسند ١/ ١٩٠. وحديث ١٦٥٥ ونصه: عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف عن النبيّ ﷺ قال: شهدت حلف المطيّبين مع عمومتي وأنا غلام. فما أحبّ أن لي حمر النعم وأني أنكثه.
أخرجه في المسند ١/ ١٩٠. وحديث ١٦٥٥ ونصه: عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف عن النبيّ ﷺ قال: شهدت حلف المطيّبين مع عمومتي وأنا غلام. فما أحبّ أن لي حمر النعم وأني أنكثه.
92
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حلف في الإسلام وأيّما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة.
وروى الإمام أحمد «١» عن قيس بن عاصم أنه سأل النبيّ ﷺ عن الحلف؟ قال فقال: ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به. ولا حلف في الإسلام. ورواه أيضا «٢» عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: لما دخل رسول الله ﷺ مكة عام الفتح، قام خطيبا في الناس، فقال: يا أيها الناس! ما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة. ولا حلف في الإسلام.
قال ابن الأثير: الحلف في الأصل المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق. فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام
بقوله صلى الله عليه وسلم: لا حلف في الإسلام.
وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيّبين وما جرى مجراه، فذلك الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة. يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق. وبذلك يجتمع الحديثان. وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام. والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام. انتهى.
قال الحافظ ابن كثير: كان هذا، أي التوارث بالحلف، في ابتداء الإسلام. ثم نسخ بعد ذلك وأمروا أن يوفوا لمن عاقدوا ولا ينشئوا بعد هذه الآية معاقدة.
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ فكان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل ويقول: وترثني وأرثك. كان الأحياء يتحالفون
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل حلف في الجاهلية أو عقد أدركه الإسلام، فلا يزيده إلا شدة
. ولا عقد ولا حلف في الإسلام. فنسختها هذه الآية:
وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ [الأنفال: ٧٥].
وروى أبو داود «٣» عن ابن عباس في هذه الآية: كان الرجل يحالف الرجل وليس
وروى الإمام أحمد «١» عن قيس بن عاصم أنه سأل النبيّ ﷺ عن الحلف؟ قال فقال: ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به. ولا حلف في الإسلام. ورواه أيضا «٢» عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: لما دخل رسول الله ﷺ مكة عام الفتح، قام خطيبا في الناس، فقال: يا أيها الناس! ما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة. ولا حلف في الإسلام.
قال ابن الأثير: الحلف في الأصل المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق. فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام
بقوله صلى الله عليه وسلم: لا حلف في الإسلام.
وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيّبين وما جرى مجراه، فذلك الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة. يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق. وبذلك يجتمع الحديثان. وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام. والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام. انتهى.
قال الحافظ ابن كثير: كان هذا، أي التوارث بالحلف، في ابتداء الإسلام. ثم نسخ بعد ذلك وأمروا أن يوفوا لمن عاقدوا ولا ينشئوا بعد هذه الآية معاقدة.
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ فكان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل ويقول: وترثني وأرثك. كان الأحياء يتحالفون
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل حلف في الجاهلية أو عقد أدركه الإسلام، فلا يزيده إلا شدة
. ولا عقد ولا حلف في الإسلام. فنسختها هذه الآية:
وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ [الأنفال: ٧٥].
وروى أبو داود «٣» عن ابن عباس في هذه الآية: كان الرجل يحالف الرجل وليس
قال الزهري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يصب الإسلام حلفا إلا زاده شدة، ولا حلف في الإسلام» وقد ألّف رسول الله ﷺ بين قريش والأنصار.
وأخرجه مسلم في: فضائل الصحابة، حديث ٢٠٦.
(١) أخرجه في المسند ٥/ ٦١.
(٢)
حديث رقم ٦٩١٧ ونصه: «كل حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة، ولا حلف في الإسلام».
(٣) أخرجه في: الفرائض، ١٦- باب نسخ ميراث العقد بميراث الرحم، حديث ٢٩٢١.
وأخرجه مسلم في: فضائل الصحابة، حديث ٢٠٦.
(١) أخرجه في المسند ٥/ ٦١.
(٢)
حديث رقم ٦٩١٧ ونصه: «كل حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة، ولا حلف في الإسلام».
(٣) أخرجه في: الفرائض، ١٦- باب نسخ ميراث العقد بميراث الرحم، حديث ٢٩٢١.
93
بينهما نسب. فيرث أحدهما الآخر. فنسخ ذلك في الأنفال فقال: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ الآية.
وروى ابن جرير عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر. فأنزل الله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً
. يقول:
إلا أن توصوا لأوليائهم الذين عاقدوا، وصية. فهو لهم جائز من ثلث مال الميت.
ذلك هو المعروف.
وهكذا نص غير واحد من السلف أنها منسوخة بقول: وَأُولُوا الْأَرْحامِ، الآية.
أقول: على ما ذكر، تكون الآية محكمة في صدر الإسلام، منسوخة بعده:
وثمة وجه آخر فيها. وهو أنها ناسخة لميراث الحليف بتأويل آخر. وهو ما رواه البخاريّ «١» عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ورثة وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ. كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجريّ الأنصاريّ دون ذوي رحمه، للأخوّة التي آخى النبيّ ﷺ بينهم. فلما نزلت وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ نسخت: ثم قال: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ. من النصر والرفادة والنصيحة. وقد ذهب الميراث ويوصى له.
وقد فهم بعضهم من هذا الأثر أن هذه الآية نسخت الحلف في المستقبل، وحكم الحلف الماضي أيضا. وأنه لا توارث به. والصحيح ما أسلفناه من ثبوت التوارث بالحلف السابق على نزول الآية في ابتداء الإسلام، كما حكاه غير واحد من السلف. وكما قال ابن عباس: كان المهاجريّ يرث الأنصاريّ دون ذوي رحمه حتى نسخ ذلك.
وقد حاول الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) الجمع بين الروايات المتقدمة ورواية البخاريّ باحتمال أن يكون النسخ وقع مرتين: الأولى- حيث كان المعاقد يرث وحده دون العصبة، فنزلت: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا. فصاروا جميعا يرثون. ثم نسخ ذلك آية الأحزاب وخص الميراث بالعصبة وبقي للمعاقد النصر والإرفاد ونحوهما.
والله أعلم.
وروى ابن جرير عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر. فأنزل الله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً
. يقول:
إلا أن توصوا لأوليائهم الذين عاقدوا، وصية. فهو لهم جائز من ثلث مال الميت.
ذلك هو المعروف.
وهكذا نص غير واحد من السلف أنها منسوخة بقول: وَأُولُوا الْأَرْحامِ، الآية.
أقول: على ما ذكر، تكون الآية محكمة في صدر الإسلام، منسوخة بعده:
وثمة وجه آخر فيها. وهو أنها ناسخة لميراث الحليف بتأويل آخر. وهو ما رواه البخاريّ «١» عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ورثة وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ. كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجريّ الأنصاريّ دون ذوي رحمه، للأخوّة التي آخى النبيّ ﷺ بينهم. فلما نزلت وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ نسخت: ثم قال: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ. من النصر والرفادة والنصيحة. وقد ذهب الميراث ويوصى له.
وقد فهم بعضهم من هذا الأثر أن هذه الآية نسخت الحلف في المستقبل، وحكم الحلف الماضي أيضا. وأنه لا توارث به. والصحيح ما أسلفناه من ثبوت التوارث بالحلف السابق على نزول الآية في ابتداء الإسلام، كما حكاه غير واحد من السلف. وكما قال ابن عباس: كان المهاجريّ يرث الأنصاريّ دون ذوي رحمه حتى نسخ ذلك.
وقد حاول الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) الجمع بين الروايات المتقدمة ورواية البخاريّ باحتمال أن يكون النسخ وقع مرتين: الأولى- حيث كان المعاقد يرث وحده دون العصبة، فنزلت: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا. فصاروا جميعا يرثون. ثم نسخ ذلك آية الأحزاب وخص الميراث بالعصبة وبقي للمعاقد النصر والإرفاد ونحوهما.
والله أعلم.
(١) أخرجه البخاري في: التفسير، ٤- سورة النساء، ٧- باب وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ... الآية. [.....]
94
هذا وثمة روايات أخر في سبب نزولها. منها ما روى أبو داود «١» وابن أبي حاتم عن داود بن الحصين. قال: كنت أقرأ على أم سعد بنت الربيع. وكانت يتيمة في حجر أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقرأت: (والذين عاقدت أيمانكم).
فقالت: لا تقرأ هكذا ولكن: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ إنما أنزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن رضي الله عنهما حين أبى الإسلام. فحلف أبو بكر لا يورثه. فلما أسلم أمره الله تعالى أن يورثه نصيبه.
ومنها ما روى ابن جرير عن الزهريّ عن ابن المسيب قال: نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم يورثونهم. فأنزل الله فيهم. فجعل لهم نصيبا في الوصية وردّ الميراث إلى الموالي في ذي الرحم والعصبة. وأبى الله أن يكون للمدّعين ميراثا ممن ادعاهم وتبناهم. ولكن جعل لهم نصيبا من الوصية.
واعلم أن هذه الوجوه السلفية المروية في نزول الآية، كلها مما تصدق عليها الآية وتشملها وينطبق حكمها عليها: ولا تنافي بينها. لما أسلفناه في مقدمة التفسير. فراجعها ولا تغفل عنها.
هذا ولأبي عليّ الجبائيّ تأويل آخر في الآية. قال: تقدير الآية: ولكن شيء مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم موالي، ورثة، فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ. أي فآتوا الموالي والورثة نصيبهم. فقوله: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ. معطوف على قوله: الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ. والمعنى: إن ما ترك الذين عاقدت أيمانكم فله وارث هو أولى به. وسمى الله تعالى الوارث مولى. والمعنى: لا تدفعوا المال إلى الحليف بل إلى المولى والوارث.
وقال أبو مسلم الأصفهانيّ: المراد ب الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ الزوج والزوجة.
والنكاح يسمى عقدا. قال تعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ [البقرة: ٢٣٥].
فذكر تعالى الوالدين والأقربين وذكر معهم الزوج والزوجة. ونظيره آية المواريث، في أنه لما بيّن ميراث الولد والوالدين، ذكر معهم ميراث الزوج والزوجة.
أقول: هذا التأويل المذكور وما قبله طريقة من لا يقف مع الآثار السلفية في التفسير. ويرى مزاحمتهم في الاجتهاد في ذلك. ذهابا إلى أن ما لم يتواتر في معنى الآية، من خبر أو إجماع، فلا حجة في المرويّ منه آحادا، مرفوعا أو موقوفا، وإن
فقالت: لا تقرأ هكذا ولكن: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ إنما أنزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن رضي الله عنهما حين أبى الإسلام. فحلف أبو بكر لا يورثه. فلما أسلم أمره الله تعالى أن يورثه نصيبه.
ومنها ما روى ابن جرير عن الزهريّ عن ابن المسيب قال: نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم يورثونهم. فأنزل الله فيهم. فجعل لهم نصيبا في الوصية وردّ الميراث إلى الموالي في ذي الرحم والعصبة. وأبى الله أن يكون للمدّعين ميراثا ممن ادعاهم وتبناهم. ولكن جعل لهم نصيبا من الوصية.
واعلم أن هذه الوجوه السلفية المروية في نزول الآية، كلها مما تصدق عليها الآية وتشملها وينطبق حكمها عليها: ولا تنافي بينها. لما أسلفناه في مقدمة التفسير. فراجعها ولا تغفل عنها.
هذا ولأبي عليّ الجبائيّ تأويل آخر في الآية. قال: تقدير الآية: ولكن شيء مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم موالي، ورثة، فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ. أي فآتوا الموالي والورثة نصيبهم. فقوله: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ. معطوف على قوله: الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ. والمعنى: إن ما ترك الذين عاقدت أيمانكم فله وارث هو أولى به. وسمى الله تعالى الوارث مولى. والمعنى: لا تدفعوا المال إلى الحليف بل إلى المولى والوارث.
وقال أبو مسلم الأصفهانيّ: المراد ب الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ الزوج والزوجة.
والنكاح يسمى عقدا. قال تعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ [البقرة: ٢٣٥].
فذكر تعالى الوالدين والأقربين وذكر معهم الزوج والزوجة. ونظيره آية المواريث، في أنه لما بيّن ميراث الولد والوالدين، ذكر معهم ميراث الزوج والزوجة.
أقول: هذا التأويل المذكور وما قبله طريقة من لا يقف مع الآثار السلفية في التفسير. ويرى مزاحمتهم في الاجتهاد في ذلك. ذهابا إلى أن ما لم يتواتر في معنى الآية، من خبر أو إجماع، فلا حجة في المرويّ منه آحادا، مرفوعا أو موقوفا، وإن
(١) أخرجه أبو داود في: الفرائض، ١٦- باب نسخ ميراث العقد بميراث الرحم، حديث ٢٩٢٣.
95
صح. وهذه الطريقة سبيل طائفة قصّرت في علم السمع وأقلت البحث عنه. فنشأ من ذلك النقص من الدين والزيادة فيه بالرأي المحض.
ومذهبنا أن لا غنى عن الرجوع إلى تفسير الصحابة رضي الله عنهم. لما ثبت من الثناء عليهم في الكتاب والسنة. ولأن القرآن أنزل على لغتهم. فالغلط أبعد عنهم من غيرهم. لا سيما تفسير حبر الأمة وبحرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
فمتى صح الإسناد إليه كان تفسيره من أصح التفاسير، مقدما على كثير من الأئمة الجماهير. لوجوه متعددة: منها أنه رضي الله عنه ثبت عنه أنه كان لا يستحل التأويل بالرأي.
روي عنه أنه قال: من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار وفي رواية (بغير علم) رواه أبو داود في العلم، والنسائيّ والترمذي «١»
. فإذا جزم رضي الله عنه بأمر كان دليلا على رفعه. كما أسلفنا في المقدمة. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الأشياء التي من جملتها الإيتاء والمنع شَهِيداً أي عالما. ففيه وعد ووعيد.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣٤]
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤)
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ جمع قوام، وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب. أي مسلطون على أدب النساء يقومون عليهن، آمرين ناهين، قيام الولاة على الرعية. وذلك لأمرين: وهبيّ وكسبيّ. أشار للأول بقوله تعالى: بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ والضمير للرجال والنساء جميعا. يعني إنما كانوا مسيطرين عليهن بسبب تفضيل الله بعضهم، وهم الرجال، على بعض، وهم النساء. وقد ذكروا، في فضل الرجال، العقل والحزم والعزم والقوة والفروسية والرمي. وإن منهم الأنبياء وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد والأذان والخطبة والشهادة في مجامع القضايا والولاية في النكاح والطلاق والرجعة وعدد الأزواج وزيادة السهم والتعصيب. وهم أصحاب اللحى والعمائم. والكامل بنفسه له حق الولاية على
ومذهبنا أن لا غنى عن الرجوع إلى تفسير الصحابة رضي الله عنهم. لما ثبت من الثناء عليهم في الكتاب والسنة. ولأن القرآن أنزل على لغتهم. فالغلط أبعد عنهم من غيرهم. لا سيما تفسير حبر الأمة وبحرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
فمتى صح الإسناد إليه كان تفسيره من أصح التفاسير، مقدما على كثير من الأئمة الجماهير. لوجوه متعددة: منها أنه رضي الله عنه ثبت عنه أنه كان لا يستحل التأويل بالرأي.
روي عنه أنه قال: من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار وفي رواية (بغير علم) رواه أبو داود في العلم، والنسائيّ والترمذي «١»
. فإذا جزم رضي الله عنه بأمر كان دليلا على رفعه. كما أسلفنا في المقدمة. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الأشياء التي من جملتها الإيتاء والمنع شَهِيداً أي عالما. ففيه وعد ووعيد.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣٤]
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤)
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ جمع قوام، وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب. أي مسلطون على أدب النساء يقومون عليهن، آمرين ناهين، قيام الولاة على الرعية. وذلك لأمرين: وهبيّ وكسبيّ. أشار للأول بقوله تعالى: بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ والضمير للرجال والنساء جميعا. يعني إنما كانوا مسيطرين عليهن بسبب تفضيل الله بعضهم، وهم الرجال، على بعض، وهم النساء. وقد ذكروا، في فضل الرجال، العقل والحزم والعزم والقوة والفروسية والرمي. وإن منهم الأنبياء وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد والأذان والخطبة والشهادة في مجامع القضايا والولاية في النكاح والطلاق والرجعة وعدد الأزواج وزيادة السهم والتعصيب. وهم أصحاب اللحى والعمائم. والكامل بنفسه له حق الولاية على
(١) رواه الترمذي في: التفسير، ١- باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه. عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
96
الناقص. وأشار الثاني بقوله سبحانه وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ في مهورهن ونفقاتهن فصرن كالأرقاء. ولكون القوامين في معنى السادات وجبت عليهن طاعتهم. كما يجب على العبيد طاعة السادات،
وروى ابن مردويه عن عليّ رضي الله عنه قال. أتى رسول الله ﷺ رجل من الأنصار بامرأة. فقالت: يا رسول الله! إن زوجها فلان بن فلان الأنصاريّ. وإنه ضربها فأثر في وجهها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس له ذلك.
فأنزل الله تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ في الأدب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أردت أمرا وأراد الله غيره». ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم مرسلا من طرق.
قال السيوطيّ: وشواهده يقوي بعضها بعضا. وقال عليّ بن أبي طلحة في هذه الآية عن ابن عباس: يعني أمراء عليهن. أي تطيعه فيما أمرها الله به من طاعة.
وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله.
وروى الترمذي «١» عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»
. فَالصَّالِحاتُ أي من النساء قانِتاتٌ أي مطيعات لله في أزواجهن حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ قال الزمخشريّ: الغيب خلاف الشهادة. أي حافظات لمواجب الغيب. إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة، من الفروج والأموال والبيوت بِما حَفِظَ اللَّهُ أي بحفظ الله إياهن وعصمتهن بالتوفيق لحفظ الغيب. فالمحفوظ من حفظه الله. أي لا يتيسر لهن حفظ إلا بتوفيق الله. أو المعنى: بما حفظ الله لهن من إيجاب حقوقهن على الرجال. أي عليهن أن يحفظن حقوق الزوج في مقابلة ما حفظ الله حقوقهن على أزواجهن. حيث أمرهم بالعدل عليهن وإمساكهن بالمعروف وإعطائهن أجورهن. فقوله: بما حفظ الله، يجري مجرى ما يقال: هذا بذاك. أي في مقابلته. وجعل المهايميّ الباء للاستعانة حيث قال: مستعينات بحفظه مخافة أن يغلب عليهن نفوسهن وإن بلغن من الصلاح ما بلغن. انتهى.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعا: خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت حفظتك في نفسها ومالك. قال: ثم قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ، إلى آخرها.
وروى الإمام أحمد «٢» عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وروى ابن مردويه عن عليّ رضي الله عنه قال. أتى رسول الله ﷺ رجل من الأنصار بامرأة. فقالت: يا رسول الله! إن زوجها فلان بن فلان الأنصاريّ. وإنه ضربها فأثر في وجهها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس له ذلك.
فأنزل الله تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ في الأدب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أردت أمرا وأراد الله غيره». ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم مرسلا من طرق.
قال السيوطيّ: وشواهده يقوي بعضها بعضا. وقال عليّ بن أبي طلحة في هذه الآية عن ابن عباس: يعني أمراء عليهن. أي تطيعه فيما أمرها الله به من طاعة.
وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله.
وروى الترمذي «١» عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»
. فَالصَّالِحاتُ أي من النساء قانِتاتٌ أي مطيعات لله في أزواجهن حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ قال الزمخشريّ: الغيب خلاف الشهادة. أي حافظات لمواجب الغيب. إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة، من الفروج والأموال والبيوت بِما حَفِظَ اللَّهُ أي بحفظ الله إياهن وعصمتهن بالتوفيق لحفظ الغيب. فالمحفوظ من حفظه الله. أي لا يتيسر لهن حفظ إلا بتوفيق الله. أو المعنى: بما حفظ الله لهن من إيجاب حقوقهن على الرجال. أي عليهن أن يحفظن حقوق الزوج في مقابلة ما حفظ الله حقوقهن على أزواجهن. حيث أمرهم بالعدل عليهن وإمساكهن بالمعروف وإعطائهن أجورهن. فقوله: بما حفظ الله، يجري مجرى ما يقال: هذا بذاك. أي في مقابلته. وجعل المهايميّ الباء للاستعانة حيث قال: مستعينات بحفظه مخافة أن يغلب عليهن نفوسهن وإن بلغن من الصلاح ما بلغن. انتهى.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعا: خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت حفظتك في نفسها ومالك. قال: ثم قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ، إلى آخرها.
وروى الإمام أحمد «٢» عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(١) أخرجه الترمذي في: النكاح، ١٠- باب ما جاء في حق الزوج على المرأة.
(٢) أخرجه في المسند ١/ ١٩١. وحديث رقم ١٦٦١.
(٢) أخرجه في المسند ١/ ١٩١. وحديث رقم ١٦٦١.
97
«إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها:
ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت».
تنبيه:
قال السيوطيّ في (الإكليل) في قوله تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ: إن الزوج يقوم بتربية زوجته وتأديبها ومنعها من الخروج وإن عليها طاعته إلا في معصية.
وإن ذلك لأجل ما يجب لها عليه من النفقة. ففهم العلماء من هذا أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها، وسقط ما له من منعها من الخروج. واستدل بذلك من أجاز لها الفسخ حينئذ. ولأنه إذا خرج من كونه قواما عليها فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح. واستدل بالآية من جعل للزوج الحجر على زوجته في نفسها ومالها. فلا تتصرف فيه إلا بإذنه. لأنه جعله (قواما) بصيغة المبالغة. وهو الناظر في الشيء الحافظ له. واستدل بها على أن المرأة لا تجوز أن تلي القضاء كالإمامة العظمى. لأنه جعل الرجال قوامين عليهن، فلم يجز أن يقمن على الرجال. انتهى.
وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ أي عصيانهن وسوء عشرتهن وترفعهن عن مطاوعتكم، من (النشز) وهو ما ارتفع من الأرض يقال: نشزت المرأة بزوجها وعلى زوجها: استعصت عليه، وارتفعت عليه وأبغضته، وخرجت عن طاعته فَعِظُوهُنَّ أي خوفوهن بالقول. كاتقي الله، واعلمي أن طاعتك لي فرض عليك، واحذري عقاب الله في عصياني. وذلك لأن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته. وحرم عليها معصيته، لما له عليها من الفضل والإفضال.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». رواه الترمذي «١» عن أبي هريرة والإمام أحمد عن معاذ، والحاكم عن بريدة.
وروى البخاري «٢» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح».
ورواه مسلم، ولفظه: إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح وَاهْجُرُوهُنَّ بعد ذلك إن لم ينفع الوعظ والنصيحة فِي الْمَضاجِعِ أي المراقد فلا تدخلوهن تحت اللحف.
ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت».
تنبيه:
قال السيوطيّ في (الإكليل) في قوله تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ: إن الزوج يقوم بتربية زوجته وتأديبها ومنعها من الخروج وإن عليها طاعته إلا في معصية.
وإن ذلك لأجل ما يجب لها عليه من النفقة. ففهم العلماء من هذا أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها، وسقط ما له من منعها من الخروج. واستدل بذلك من أجاز لها الفسخ حينئذ. ولأنه إذا خرج من كونه قواما عليها فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح. واستدل بالآية من جعل للزوج الحجر على زوجته في نفسها ومالها. فلا تتصرف فيه إلا بإذنه. لأنه جعله (قواما) بصيغة المبالغة. وهو الناظر في الشيء الحافظ له. واستدل بها على أن المرأة لا تجوز أن تلي القضاء كالإمامة العظمى. لأنه جعل الرجال قوامين عليهن، فلم يجز أن يقمن على الرجال. انتهى.
وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ أي عصيانهن وسوء عشرتهن وترفعهن عن مطاوعتكم، من (النشز) وهو ما ارتفع من الأرض يقال: نشزت المرأة بزوجها وعلى زوجها: استعصت عليه، وارتفعت عليه وأبغضته، وخرجت عن طاعته فَعِظُوهُنَّ أي خوفوهن بالقول. كاتقي الله، واعلمي أن طاعتك لي فرض عليك، واحذري عقاب الله في عصياني. وذلك لأن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته. وحرم عليها معصيته، لما له عليها من الفضل والإفضال.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». رواه الترمذي «١» عن أبي هريرة والإمام أحمد عن معاذ، والحاكم عن بريدة.
وروى البخاري «٢» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح».
ورواه مسلم، ولفظه: إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح وَاهْجُرُوهُنَّ بعد ذلك إن لم ينفع الوعظ والنصيحة فِي الْمَضاجِعِ أي المراقد فلا تدخلوهن تحت اللحف.
(١) أخرجه الترمذي في: النكاح، ١٠- باب ما جاء في حق الزوج على المرأة.
(٢) أخرجه البخاريّ في: بدء الخلق، ٧- باب إذا قال أحدكم آمين. والملائكة في السماء، حديث ١٥٢٩.
ومسلم في: النكاح، حديث ١٢٠- ١٢٢.
(٢) أخرجه البخاريّ في: بدء الخلق، ٧- باب إذا قال أحدكم آمين. والملائكة في السماء، حديث ١٥٢٩.
ومسلم في: النكاح، حديث ١٢٠- ١٢٢.
98
ولا تباشروهن. فيكون كناية عن الجماع. قال حماد بن سلمة البصريّ: يعني النكاح. وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: الهجر هو أن لا يجامعها، ويضاجعها على فراشها، ويوليها ظهره. وكذا قال غير واحد. وزاد آخرون منهم السدّي والضحاك وعكرمة وابن عباس (في رواية) : ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها. وقيل: المضاجع المبايت. أي لا تبايتوهن. وفي السنن والمسند «١» عن معاوية بن حيدة القشيريّ أنه قال: يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال. أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت. ولا تضرب الوجه، ولا تقبح. ولا تهجر إلا في البيت وَاضْرِبُوهُنَّ إن لم ينجع ما فعلتم من العظمة والهجران، ضربا غير مبرح، أي شديد ولا شاق. كما
ثبت في صحيح مسلم «٢» عن جابر عن النبيّ ﷺ أنه قال في حجة الوداع: «واتقوا الله في النساء. فإنهن عوان عندكم. ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه. فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرّح».
قال الفقهاء: هو أن لا يجرحها ولا يكسر لها عظما ولا يؤثر شينا ويجتنب الوجه لأنه مجمع المحاسن. ويكون مفرّقا على بدنها. ولا يوالي به في موضع واحد لئلا يعظم ضرره. ومنهم من قال: ينبغي أن يكون الضرب بمنديل ملفوف. أو بيده! لا بسوط ولا عصا. قال عطاء: ضرب بالسواك.
قال الرازيّ: وبالجملة، فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه.
والذي يدل عليه أنه تعالى ابتدأ بالوعظ. ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع. ثم ترقى منه إلى الضرب. وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخف، وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق. وهذه طريقة من قال: حكم هذه الآية مشروع على الترتيب. فإن ظاهر اللفظ، وإن دل على الجمع، إلا أن فحوى الآية يدل على الترتيب.
قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: يهجرها في المضجع. فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح. ولا تكسر لها عظما. فإن أقبلت وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية. وقال آخرون: هذا الترتيب مراعى عند خوف النشوز.
أما عند تحققه فلا بأس بالجمع بين الكل.
ثبت في صحيح مسلم «٢» عن جابر عن النبيّ ﷺ أنه قال في حجة الوداع: «واتقوا الله في النساء. فإنهن عوان عندكم. ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه. فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرّح».
قال الفقهاء: هو أن لا يجرحها ولا يكسر لها عظما ولا يؤثر شينا ويجتنب الوجه لأنه مجمع المحاسن. ويكون مفرّقا على بدنها. ولا يوالي به في موضع واحد لئلا يعظم ضرره. ومنهم من قال: ينبغي أن يكون الضرب بمنديل ملفوف. أو بيده! لا بسوط ولا عصا. قال عطاء: ضرب بالسواك.
قال الرازيّ: وبالجملة، فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه.
والذي يدل عليه أنه تعالى ابتدأ بالوعظ. ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع. ثم ترقى منه إلى الضرب. وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخف، وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق. وهذه طريقة من قال: حكم هذه الآية مشروع على الترتيب. فإن ظاهر اللفظ، وإن دل على الجمع، إلا أن فحوى الآية يدل على الترتيب.
قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: يهجرها في المضجع. فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح. ولا تكسر لها عظما. فإن أقبلت وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية. وقال آخرون: هذا الترتيب مراعى عند خوف النشوز.
أما عند تحققه فلا بأس بالجمع بين الكل.
(١) أخرجه أبو داود في: النكاح، ٤١- باب حق المرأة على زوجها، حديث ٢١٤٢.
والمسند في ٥/ ٥.
(٢) أخرجه مسلم في: الحج، ١٩- باب حجة النبيّ صلى الله عليه وسلم، حديث ١٤٧.
والمسند في ٥/ ٥.
(٢) أخرجه مسلم في: الحج، ١٩- باب حجة النبيّ صلى الله عليه وسلم، حديث ١٤٧.
99
وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم: علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه آدب لهم. رواه عبد ابن حميد والطبرانيّ عن ابن عباس، وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أي إذا رجعن عن النشوز عند هذا التأديب إلى الطاعة في جميع ما يراد منهن مما أباحه الله منهن، فلا سبيل للرجال عليهن بعد ذلك بالتوبيخ والأذية بالضرب والهجران إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً فاحذروه. تهديد للأزواج على ظلم النسوان من غير سبب. فإنهن، وإن ضعفن عن دفع ظلمكم، وعجزن عن الانتصاف منكم، فالله سبحانه عليّ قاهر كبير قادر، ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن، فلا تغتروا بكونكم أعلى يدا منهن وأكبر درجة منهن. فإن الله أعلى منكم وأقدر منكم عليهن. فختم الآية بهذين الاسمين، فيه تمام المناسبة. ولما ذكر تعالى حكم النفور والنشوز من الزوجة، ذكر ما إذا كان النفور من الزوجين بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣٥]
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥)
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما أصله شقاقا بينهما فأضيف الشقاق إلى الظرف.
إما على إجرائه مجرى المفعول به اتساعا. كقوله: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [سبأ: ٣٣]. أصله بل مكر في الليل والنهار. أو مجرى الفاعل بجعل البين مشاقا والليل والنهار ماكرين. كما في قولك: نهارك صائم. والضمير للزوجين. ولم يجر ذكرهما لجري ما يدل عليهما، وهو الرجال والنساء. أي إن علمتم مخالفة مفرقة بينهما، واشتبه عليكم أنه من جهته أو من جهتها، ولا يفعل الزوج الصالح ولا الصفح ولا الفرقة، ولا تؤدي المرأة الحق ولا الفدية فَابْعَثُوا أي إلى الزوجين لإصلاح ذات البين وتبيّن الأمر حَكَماً رجلا صالحا للحكومة، والإصلاح ومنع الظالم من الظلم مِنْ أَهْلِهِ أي أقارب الزوج وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها على صفة الأول.
فإن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال. وأطلب للإصلاح. فيلزمها أن يخلوا ويستكشفا حقيقة الحال فيعرفا أن رغبتهما في الإقامة أو الفرقة إِنْ يُرِيدا أي الحكمان إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما أي يوقع بينهما الموافقة فيتفقان على الكلمة الواحدة ويتساندان في طلب الوفاق حتى يحصل الغرض ويتم المراد. أو الضمير الأول للحكمين، والثاني للزوجين. أي إن قصدا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله، بورك في وساطتهما، وأوقع الله بحسن سعيهما بين
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أي إذا رجعن عن النشوز عند هذا التأديب إلى الطاعة في جميع ما يراد منهن مما أباحه الله منهن، فلا سبيل للرجال عليهن بعد ذلك بالتوبيخ والأذية بالضرب والهجران إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً فاحذروه. تهديد للأزواج على ظلم النسوان من غير سبب. فإنهن، وإن ضعفن عن دفع ظلمكم، وعجزن عن الانتصاف منكم، فالله سبحانه عليّ قاهر كبير قادر، ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن، فلا تغتروا بكونكم أعلى يدا منهن وأكبر درجة منهن. فإن الله أعلى منكم وأقدر منكم عليهن. فختم الآية بهذين الاسمين، فيه تمام المناسبة. ولما ذكر تعالى حكم النفور والنشوز من الزوجة، ذكر ما إذا كان النفور من الزوجين بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣٥]
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥)
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما أصله شقاقا بينهما فأضيف الشقاق إلى الظرف.
إما على إجرائه مجرى المفعول به اتساعا. كقوله: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [سبأ: ٣٣]. أصله بل مكر في الليل والنهار. أو مجرى الفاعل بجعل البين مشاقا والليل والنهار ماكرين. كما في قولك: نهارك صائم. والضمير للزوجين. ولم يجر ذكرهما لجري ما يدل عليهما، وهو الرجال والنساء. أي إن علمتم مخالفة مفرقة بينهما، واشتبه عليكم أنه من جهته أو من جهتها، ولا يفعل الزوج الصالح ولا الصفح ولا الفرقة، ولا تؤدي المرأة الحق ولا الفدية فَابْعَثُوا أي إلى الزوجين لإصلاح ذات البين وتبيّن الأمر حَكَماً رجلا صالحا للحكومة، والإصلاح ومنع الظالم من الظلم مِنْ أَهْلِهِ أي أقارب الزوج وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها على صفة الأول.
فإن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال. وأطلب للإصلاح. فيلزمها أن يخلوا ويستكشفا حقيقة الحال فيعرفا أن رغبتهما في الإقامة أو الفرقة إِنْ يُرِيدا أي الحكمان إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما أي يوقع بينهما الموافقة فيتفقان على الكلمة الواحدة ويتساندان في طلب الوفاق حتى يحصل الغرض ويتم المراد. أو الضمير الأول للحكمين، والثاني للزوجين. أي إن قصدا إصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله، بورك في وساطتهما، وأوقع الله بحسن سعيهما بين
100
الزوجين الوفاق والألفة، وألقى في نفوسهما المودة والرحمة إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً بظواهر الحكمين وبواطنهما. إن قصدا إفسادا يجازيهما عليه. وإلا يجازيهما على الإصلاح. روى ابن أبي حاتم وابن جرير «١» عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: أمر الله عز وجل أن يبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ومثله من أهل المرأة، فينظران أيهما المسيء. فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة. وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ومنعوها النفقة. فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز. فإن رأيا أن يجمعا، فرضي أحد الزوجين وكره الآخر، ثم مات أحدهما، فإن الذي رضي يرث الذي لم يرض. ولا يرث الكاره الراضي.
وروى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عباس قال: بعثت أنا ومعاوية حكمين.
قال معمر: بلغني أن عثمان بعثهما وقال لهما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما. وإن رأيتهما أن تفرقا ففرقا. (وأسند) عن ابن أبي مليكة «٢» أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقالت: تصير إليّ وأنفق عليك. فكان إذا دخل عليها قالت: أين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة؟ فقال: على يسارك في النار إذا دخلت.
فشدت عليها ثيابها. فجاءت عثمان فذكرت له ذلك. فضحك. فأرسل ابن عباس ومعاوية. فقال ابن عباس: لأفرقنّ بينهما. فقال معاوية: ما كنت لأفرق بين شخصين من بني عبد مناف. فأتياهما فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما. فرجعا.
وأسند عن عبيدة قال: شهدت عليّا وجاءته امرأة وزوجها. مع كل واحد منهما فئام من الناس. فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما. فقال عليّ للحكمين: أتدريان ما عليكما؟ إن عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما. فقالت المرأة. رضيت الله لي وعليّ. وقال الزوج: أما الفرقة فلا. فقال عليّ: كذبت. والله! لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك. ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير.
قال الحافظ ابن كثير: وقد أجمع العلماء على أن الحكمين لهما الجمع والتفرقة. حتى قال إبراهيم النخعيّ: إن شاء الحكمان أن يفرقا بينهما بطلقة أو
وروى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عباس قال: بعثت أنا ومعاوية حكمين.
قال معمر: بلغني أن عثمان بعثهما وقال لهما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما. وإن رأيتهما أن تفرقا ففرقا. (وأسند) عن ابن أبي مليكة «٢» أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقالت: تصير إليّ وأنفق عليك. فكان إذا دخل عليها قالت: أين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة؟ فقال: على يسارك في النار إذا دخلت.
فشدت عليها ثيابها. فجاءت عثمان فذكرت له ذلك. فضحك. فأرسل ابن عباس ومعاوية. فقال ابن عباس: لأفرقنّ بينهما. فقال معاوية: ما كنت لأفرق بين شخصين من بني عبد مناف. فأتياهما فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما. فرجعا.
وأسند عن عبيدة قال: شهدت عليّا وجاءته امرأة وزوجها. مع كل واحد منهما فئام من الناس. فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما. فقال عليّ للحكمين: أتدريان ما عليكما؟ إن عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما. فقالت المرأة. رضيت الله لي وعليّ. وقال الزوج: أما الفرقة فلا. فقال عليّ: كذبت. والله! لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك. ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير.
قال الحافظ ابن كثير: وقد أجمع العلماء على أن الحكمين لهما الجمع والتفرقة. حتى قال إبراهيم النخعيّ: إن شاء الحكمان أن يفرقا بينهما بطلقة أو
(١) الأثر رقم ٩٤١٨ من التفسير.
(٢) الأثر رقم ٩٤٢٧ من تفسير الطبريّ ونصه: أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة ابنة عتبة. فكان بينهما كلام. فجاءت عثمان فذكرت ذلك له، فأرسل ابن عباس ومعاوية. فقال ابن عباس: لأفرّقن بينهما. وقال معاوية: ما كنت لأفرّق بين شيخين من بني عبد مناف. فأتياهما وقد اصطلحا.
(٢) الأثر رقم ٩٤٢٧ من تفسير الطبريّ ونصه: أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة ابنة عتبة. فكان بينهما كلام. فجاءت عثمان فذكرت ذلك له، فأرسل ابن عباس ومعاوية. فقال ابن عباس: لأفرّقن بينهما. وقال معاوية: ما كنت لأفرّق بين شيخين من بني عبد مناف. فأتياهما وقد اصطلحا.
101
بطلقتين أو ثلاثا، فعلا. وهو رواية عن مالك. وقال الحسن البصري: الحكمان يحكمان في الجمع لا في التفرقة. وكذا قال قتادة وزيد بن أسلم. وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود. ومأخذهم قوله تعالى إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما ولم يذكر التفريق. وأما إذا كانا وكيلين من جهة الزوجين فإنه ينفذ حكمهما في الجمع والتفرقة بلا خلاف. انتهى. وفي (الإكليل) : أخرج ابن منصور أن المأمور بالبعث الحكام. وعن السدّيّ: إنه الزوجان. فعلى الأول استدل به من قال: إنهما مولّيان من الحاكم. فلا يشترط رضا الزوجين عما يفعلانه من طلاق وغيره. وعلى الثاني استدل من قال: إنّهما وكيلان من الزوجين. فيشترط.
وقال ابن كثير: الجمهور على الأول. أعني أنهما منصوبان من جهة الحاكم.
لقوله تعالى. فَابْعَثُوا حَكَماً إلخ، فسماهما حكمين: ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه. وهذا ظاهر الآية.
وذهب الشافعيّ وأبو حنيفة إلى الثاني.
لقول عليّ رضي الله عنه للزوج، (حين قال: أما الفرقة فلا) - فقال: كذبت. حتى تقر بما أقرّت به.
قالوا: فلو كانا حكمين لما افتقر إلى إقرار الزوج. والله أعلم.
وفي الآية تنبيه على أن من أصلح نيته فيما يتوخاه، وفقه الله تعالى لمبتغاه.
تنبيه:
قال الحاكم: في الآية دلالة على أن كل من خاف فرقة وفتنة جاز له بعث الحكمين. وقد استدل بها أمير المؤمنين على الخوارج فيما فعل من التحكيم. قال مشايخ المعتزلة: لأن المصاحف لما رفعت، فظهرت الفرقة في عسكره، وخاف على نفسه، جازت المحاكمة، بل وجبت. ولهذا صالح ﷺ يوم الحديبية. وعلى هذا يحمل صلح الحسن عليه السّلام.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣٦]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦)
وقال ابن كثير: الجمهور على الأول. أعني أنهما منصوبان من جهة الحاكم.
لقوله تعالى. فَابْعَثُوا حَكَماً إلخ، فسماهما حكمين: ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه. وهذا ظاهر الآية.
وذهب الشافعيّ وأبو حنيفة إلى الثاني.
لقول عليّ رضي الله عنه للزوج، (حين قال: أما الفرقة فلا) - فقال: كذبت. حتى تقر بما أقرّت به.
قالوا: فلو كانا حكمين لما افتقر إلى إقرار الزوج. والله أعلم.
وفي الآية تنبيه على أن من أصلح نيته فيما يتوخاه، وفقه الله تعالى لمبتغاه.
تنبيه:
قال الحاكم: في الآية دلالة على أن كل من خاف فرقة وفتنة جاز له بعث الحكمين. وقد استدل بها أمير المؤمنين على الخوارج فيما فعل من التحكيم. قال مشايخ المعتزلة: لأن المصاحف لما رفعت، فظهرت الفرقة في عسكره، وخاف على نفسه، جازت المحاكمة، بل وجبت. ولهذا صالح ﷺ يوم الحديبية. وعلى هذا يحمل صلح الحسن عليه السّلام.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣٦]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦)
102
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً يأمر تعالى بعبادته وحده وبالإخلاص فيها بقوله وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً كما قال تعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: ٥]. لأنه تعالى هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الأوقات والحالات. فهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئا من الشرك. الجليّ والخفيّ. للنفس وشهواتها. وما يتوصل به إليها من المال والجاه.
وهذه العبادة حق الله علينا. كما
في الصحيحين «١» عن معاذ بن جبل أن رسول الله ﷺ قال له: «يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت:
الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا».
ثم أوصى سبحانه بالإحسان إلى الوالدين، إثر تصدير ما يتعلق بحقوق الله عز وجل التي هي آكد الحقوق وأعظمها، تنبيها على جلالة شأن الوالدين بنظمها في سلكها بقول وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وقد كثرت مواقع هذا النظم في التنزيل العزيز كقوله: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ [لقمان: ١٤]. وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [الإسراء: ٢٣]. أي أحسنوا بهما إحسانا يفي بحق تربيتهما.
فإن شكرهما يدعو إلى شكر الله المقرب إليه. مع ما فيه من صلة أقرب الأقارب الموجب لوصلة الله، وقطعها لقطعه. ثم عطف، على الإحسان إليهما، الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء، بقوله وَبِذِي الْقُرْبى أي الأقارب.
وقد جاء في الحديث الصحيح عن سلمان بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة. وهي على ذي الرحم اثنتان: صلة وصدقة. رواه الإمام أحمد «٢» والترمذي والنسائيّ والحاكم وابن ماجة.
ثم قال تعالى وَالْيَتامى وذلك لأنهم فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم فأمر الله بالإحسان إليهم والحنوّ عليهم، تنزلا لرحمته عز وجل وَالْمَساكِينِ وهم المحاويج الذين لا يجدون ما يقوم
وهذه العبادة حق الله علينا. كما
في الصحيحين «١» عن معاذ بن جبل أن رسول الله ﷺ قال له: «يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت:
الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا».
ثم أوصى سبحانه بالإحسان إلى الوالدين، إثر تصدير ما يتعلق بحقوق الله عز وجل التي هي آكد الحقوق وأعظمها، تنبيها على جلالة شأن الوالدين بنظمها في سلكها بقول وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وقد كثرت مواقع هذا النظم في التنزيل العزيز كقوله: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ [لقمان: ١٤]. وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [الإسراء: ٢٣]. أي أحسنوا بهما إحسانا يفي بحق تربيتهما.
فإن شكرهما يدعو إلى شكر الله المقرب إليه. مع ما فيه من صلة أقرب الأقارب الموجب لوصلة الله، وقطعها لقطعه. ثم عطف، على الإحسان إليهما، الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء، بقوله وَبِذِي الْقُرْبى أي الأقارب.
وقد جاء في الحديث الصحيح عن سلمان بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة. وهي على ذي الرحم اثنتان: صلة وصدقة. رواه الإمام أحمد «٢» والترمذي والنسائيّ والحاكم وابن ماجة.
ثم قال تعالى وَالْيَتامى وذلك لأنهم فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم فأمر الله بالإحسان إليهم والحنوّ عليهم، تنزلا لرحمته عز وجل وَالْمَساكِينِ وهم المحاويج الذين لا يجدون ما يقوم
(١)
أخرجه البخاري في: الجهاد، ٤٦- باب اسم الفرس والحمار، حديث ١٣٧١ ونصه: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف النبيّ ﷺ على حمار، يقال له عفير، فقال «يا معاذ! هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا».
فقلت: يا رسول الله! أفلا أبشر به الناس؟ قال «لا تبشرهم فيتكلوا».
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ٤٨- ٥١.
(٢) أخرجه في المسند ٤/ ٢١٤.
أخرجه البخاري في: الجهاد، ٤٦- باب اسم الفرس والحمار، حديث ١٣٧١ ونصه: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف النبيّ ﷺ على حمار، يقال له عفير، فقال «يا معاذ! هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا».
فقلت: يا رسول الله! أفلا أبشر به الناس؟ قال «لا تبشرهم فيتكلوا».
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ٤٨- ٥١.
(٢) أخرجه في المسند ٤/ ٢١٤.
103
بكفايتهم. فأمر الله سبحانه بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم، وتزول به ضرورتهم وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى أي الذي قرب جواره. أو الذي له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين وَالْجارِ الْجُنُبِ أي الذي جواره بعيد. أو الأجنبيّ. وقال نوف البكاليّ: الجار ذي القربى. يعني الجار المسلم. والجار الجنب يعني اليهوديّ والنصرانيّ.
وقد ورد في الوصية بالجار أحاديث كثيرة. منها
قوله صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه». أخرجاه في الصحيحين «١» عن ابن عمر.
ومنها ما
رواه الإمام أحمد «٢» والترمذيّ عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبيّ ﷺ قال: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه. وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره».
وروى الإمام أحمد «٣» عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يشبع الرجل دون جاره».
قال ابن كثير: تفرد به أحمد.
وعن المقدار بن الأسود قال: قال رسول الله ﷺ لأصحابه: «ما تقولون في الزنى؟ قالوا: حرمه الله ورسوله. فهو حرام إلى يوم القيامة. قال فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره. قال فقال:
ما تقولون في السرقة؟ قالوا: حرمها الله ورسوله. فهي حرام. قال: لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات، أيسر عليه من أن يسرق من جاره».
قال ابن كثير: تفرد به أحمد «٤». وله شاهد
في الصحيحين «٥» من حديث ابن مسعود. قال: سألت (أو سئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: أن
وقد ورد في الوصية بالجار أحاديث كثيرة. منها
قوله صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه». أخرجاه في الصحيحين «١» عن ابن عمر.
ومنها ما
رواه الإمام أحمد «٢» والترمذيّ عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبيّ ﷺ قال: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه. وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره».
وروى الإمام أحمد «٣» عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يشبع الرجل دون جاره».
قال ابن كثير: تفرد به أحمد.
وعن المقدار بن الأسود قال: قال رسول الله ﷺ لأصحابه: «ما تقولون في الزنى؟ قالوا: حرمه الله ورسوله. فهو حرام إلى يوم القيامة. قال فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره. قال فقال:
ما تقولون في السرقة؟ قالوا: حرمها الله ورسوله. فهي حرام. قال: لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات، أيسر عليه من أن يسرق من جاره».
قال ابن كثير: تفرد به أحمد «٤». وله شاهد
في الصحيحين «٥» من حديث ابن مسعود. قال: سألت (أو سئل) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: أن
(١) أخرجه البخاري في: الأدب، ٢٨- باب الوصاة الجار، حديث ٢٣٢٥.
ومسلم في: البر والصلة والآداب، حديث ١٤١.
(٢) أخرجه في المسند ٢/ ١٦٨، وحديث رقم ٦٥٦٦. [.....]
(٣) أخرجه في المسند ص ٥٥ ج ١ وحديث رقم ٣٩٠.
(٤) أخرجه في المسند ٦/ ٨.
(٥) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٢٥- سورة الفرقان، ٢- باب وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، حديث ١٩٦٢.
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ١٤٢.
ومسلم في: البر والصلة والآداب، حديث ١٤١.
(٢) أخرجه في المسند ٢/ ١٦٨، وحديث رقم ٦٥٦٦. [.....]
(٣) أخرجه في المسند ص ٥٥ ج ١ وحديث رقم ٣٩٠.
(٤) أخرجه في المسند ٦/ ٨.
(٥) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٢٥- سورة الفرقان، ٢- باب وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، حديث ١٩٦٢.
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ١٤٢.
104
تجعل لله ندّا وهو خلقك. قلت: ثم أيّ؟ قال: ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك.
وروى الإمام أحمد «١» عن أبي العالية عن رجل من الأنصار قال: «خرجت من أهلي أريد النبيّ صلى الله عليه وسلم. فإذا أنا به قائم ورجل معه مقبل عليه. فظننت أن لهما حاجة.
قال فقال الأنصاريّ: والله! لقد قام رسول الله ﷺ حتى جعلت أرثي لرسول الله ﷺ من طول القيام. فلما انصرف قلت: يا رسول الله! لقد قام بك الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام. قال: ولقد رأيته؟ قلت: نعم. قال: أتدري من هو؟
قلت: لا. قال: ذاك جبريل. ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. ثم قال:
أما إنك لو سلمت عليه ردّ عليك السلام».
ورواه عبد بن حميد عن جابر عن عبد الله قال: جاء رجل من العوالي ورسول الله ﷺ وجبريل عليه السّلام يصليان حيث يصلي على الجنائز. فلما انصرف قال الرجل: يا رسول الله! من هذا الرجل الذي رأيت يصلي معك؟ قال: وقد رأيته؟ قال:
نعم. قال: لقد رأيت خيرا كثيرا. هذا جبريل ما زال يوصيني بالجار حتى رأيت إنه سيورثه.
قال ابن كثير: تفرد به من هذا الوجه. وهو شاهد للذي قبله.
وروى البزار عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجيران ثلاثة:
جار له حق واحد وهو أدنى الجيران حقّا. وجار له حقان. وجار له ثلاثة حقوق وهو أفضل الجيران حقّا. فأما الجار الذي له حق واحد فجار مشرك، لا رحم له، له حق.
وأما الجار الذي له حقان، فجار مسلم له حق الإسلام وحق الجوار. وأما الذي له ثلاثة حقوق. فجار مسلم ذو رحم، له حق الجوار، وحق الإسلام، وحق الرحم».
وروى الإمام أحمد والبخاريّ «٢» عن عائشة أنها سألت رسول الله ﷺ فقالت:
إن لي جارين. فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابا.
وروى الإمام مسلم «٣» عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر! إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك.
وروى الإمام أحمد «١» عن أبي العالية عن رجل من الأنصار قال: «خرجت من أهلي أريد النبيّ صلى الله عليه وسلم. فإذا أنا به قائم ورجل معه مقبل عليه. فظننت أن لهما حاجة.
قال فقال الأنصاريّ: والله! لقد قام رسول الله ﷺ حتى جعلت أرثي لرسول الله ﷺ من طول القيام. فلما انصرف قلت: يا رسول الله! لقد قام بك الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام. قال: ولقد رأيته؟ قلت: نعم. قال: أتدري من هو؟
قلت: لا. قال: ذاك جبريل. ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. ثم قال:
أما إنك لو سلمت عليه ردّ عليك السلام».
ورواه عبد بن حميد عن جابر عن عبد الله قال: جاء رجل من العوالي ورسول الله ﷺ وجبريل عليه السّلام يصليان حيث يصلي على الجنائز. فلما انصرف قال الرجل: يا رسول الله! من هذا الرجل الذي رأيت يصلي معك؟ قال: وقد رأيته؟ قال:
نعم. قال: لقد رأيت خيرا كثيرا. هذا جبريل ما زال يوصيني بالجار حتى رأيت إنه سيورثه.
قال ابن كثير: تفرد به من هذا الوجه. وهو شاهد للذي قبله.
وروى البزار عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجيران ثلاثة:
جار له حق واحد وهو أدنى الجيران حقّا. وجار له حقان. وجار له ثلاثة حقوق وهو أفضل الجيران حقّا. فأما الجار الذي له حق واحد فجار مشرك، لا رحم له، له حق.
وأما الجار الذي له حقان، فجار مسلم له حق الإسلام وحق الجوار. وأما الذي له ثلاثة حقوق. فجار مسلم ذو رحم، له حق الجوار، وحق الإسلام، وحق الرحم».
وروى الإمام أحمد والبخاريّ «٢» عن عائشة أنها سألت رسول الله ﷺ فقالت:
إن لي جارين. فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابا.
وروى الإمام مسلم «٣» عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر! إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك.
(١) أخرجه في المسند ٥/ ٣٢.
(٢) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ٣٢- باب حق الجوار في قرب الأبواب، حديث ١١٢٨.
(٣) أخرجه مسلم في: البر والصلة والآداب، حديث ١٤٢ و ١٤٣.
(٢) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ٣٢- باب حق الجوار في قرب الأبواب، حديث ١١٢٨.
(٣) أخرجه مسلم في: البر والصلة والآداب، حديث ١٤٢ و ١٤٣.
105
وفي رواية قال: إذا طبخت مرقا فأكثر ماءها ثم انظر إلى أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف.
وروى الشيخان «١» عن أبي هريرة أن النبيّ ﷺ قال: «والله! لا يؤمن. والله! لا يؤمن. والله! لا يؤمن. قيل: ومن؟ يا رسول الله! قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه».
ولمسلم «٢» : لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه.
والبوائق: الغوائل والشرور.
ورويا عنه «٣» قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا نساء المؤمنات! لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة»
. معناه: ولو أن تهدي لها فرسن شاة. وهو الظلف المحرق. وأراد به الشيء الحقير.
ورويا عنه «٤» أن رسول الله ﷺ قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره
. وقوله تعالى وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ قال سعيد بن جبير: هو الرفيق الصالح.
وقال زيد بن أسلم: هو جليسك في الحضر ورفيقك في السفر. أي فإنه كالجار.
وأوضحه الزمخشري بقوله: هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك. إما رفيقا في سفر.
وإما جارا ملاصقا. وإما شريكا في تعلم علم أو حرفة. وإما قاعدا إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك، من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه. فعليك أن تراعي ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإحسان.
وروي عن عليّ وابن مسعود قالا:
هي المرأة
. أي لأنها تكون معك وتضجع إلى جنبك وَابْنِ السَّبِيلِ أي ابن الطريق.
أي المسافر الغريب الذي انقطع عن بلده وأهله، وهو يريد الرجوع إلى بلده ولا يجد ما يتبلغ به. نسب إلى السبيل الذي هو الطريق لمروره عليه وملابسته له. أو الذي
وروى الشيخان «١» عن أبي هريرة أن النبيّ ﷺ قال: «والله! لا يؤمن. والله! لا يؤمن. والله! لا يؤمن. قيل: ومن؟ يا رسول الله! قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه».
ولمسلم «٢» : لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه.
والبوائق: الغوائل والشرور.
ورويا عنه «٣» قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا نساء المؤمنات! لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة»
. معناه: ولو أن تهدي لها فرسن شاة. وهو الظلف المحرق. وأراد به الشيء الحقير.
ورويا عنه «٤» أن رسول الله ﷺ قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره
. وقوله تعالى وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ قال سعيد بن جبير: هو الرفيق الصالح.
وقال زيد بن أسلم: هو جليسك في الحضر ورفيقك في السفر. أي فإنه كالجار.
وأوضحه الزمخشري بقوله: هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك. إما رفيقا في سفر.
وإما جارا ملاصقا. وإما شريكا في تعلم علم أو حرفة. وإما قاعدا إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك، من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه. فعليك أن تراعي ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإحسان.
وروي عن عليّ وابن مسعود قالا:
هي المرأة
. أي لأنها تكون معك وتضجع إلى جنبك وَابْنِ السَّبِيلِ أي ابن الطريق.
أي المسافر الغريب الذي انقطع عن بلده وأهله، وهو يريد الرجوع إلى بلده ولا يجد ما يتبلغ به. نسب إلى السبيل الذي هو الطريق لمروره عليه وملابسته له. أو الذي
(١) أخرجه البخاري في: الأدب، ٢٩- باب إثم من لم يأمن جاره بوائقه، حديث ٢٣٢٦.
(٢) أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ٧٣ عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ٣٠- باب لا تحقرن جارة لجارتها، حديث ١٢٥٤.
ومسلم في: الزكاة، حديث ٩٠.
(٤)
أخرجه البخاريّ في: الرقاق، ٢٣- باب حفظ اللسان، حديث ٢١٣٢ ونصه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».
ومسلم في: الإيمان، حديث ٧٥.
(٢) أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ٧٣ عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ٣٠- باب لا تحقرن جارة لجارتها، حديث ١٢٥٤.
ومسلم في: الزكاة، حديث ٩٠.
(٤)
أخرجه البخاريّ في: الرقاق، ٢٣- باب حفظ اللسان، حديث ٢١٣٢ ونصه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».
ومسلم في: الإيمان، حديث ٧٥.
106
يريد البلد غير بلده، لأمر يلزمه. وقال ابن عرفة: هو الضيف المنقطع به، يعطى قدر ما يتبلغ به إلى وطنه. وقال ابن برّي: هو الذي أتى به الطريق. كذا في (تاج العروس). ولم يذكر السلف من المفسرين وأهل اللغة (السائل) في معنى ابن السبيل. لأنه جاء تابعا لابن السبيل في البقرة، في قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ- إلى قوله- وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ.
قال بعضهم في (ابن السبيل) :
وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعني المماليك. فإنهم ضعفاء الحيلة. أسرى في أيدي الناس كالمساكين. لا يملكون شيئا.
وقد ثبت عن عليّ عليه السلام أن رسول الله ﷺ جعل يوصي أمته في مرض الموت، يقول: الصلاة. الصلاة. اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم. رواه أبو داود وابن ماجة «١» وهذا لفظ أبي داود.
وروى الإمام «٢» أحمد عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة. وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة. ما أطعمت زوجك فهو لك صدقة. وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة. ورواه النسائيّ.
قال الحافظ ابن كثير. وإسناده صحيح ولله الحمد.
وعن عبد الله بن عمرو أنه قال لقهرمان له: هل أعطيت الرقيق قوتهم؟ قال:
لا. قال: فانطلق فأعطهم. فإن رسول الله ﷺ قال: «كفى بالمرء إثما أن يحبس، عمن يملك قوته». رواه مسلم «٣».
وعن أبي هريرة عن النبيّ ﷺ قال: «للمملوك طعامه وكسوته. ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق». رواه مسلم «٤» أيضا.
وعنه أيضا عن النبيّ ﷺ قال: إذا أتى أحدكم بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله أكلة أو لقمة أو لقمتين. فإنه ولي حرّه وعلاجه. أخرجاه «٥». ولفظه للبخاريّ.
قال بعضهم في (ابن السبيل) :
ومنسوب إلى ما لم يلده | كذاك الله نزّل في الكتاب |
وقد ثبت عن عليّ عليه السلام أن رسول الله ﷺ جعل يوصي أمته في مرض الموت، يقول: الصلاة. الصلاة. اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم. رواه أبو داود وابن ماجة «١» وهذا لفظ أبي داود.
وروى الإمام «٢» أحمد عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة. وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة. ما أطعمت زوجك فهو لك صدقة. وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة. ورواه النسائيّ.
قال الحافظ ابن كثير. وإسناده صحيح ولله الحمد.
وعن عبد الله بن عمرو أنه قال لقهرمان له: هل أعطيت الرقيق قوتهم؟ قال:
لا. قال: فانطلق فأعطهم. فإن رسول الله ﷺ قال: «كفى بالمرء إثما أن يحبس، عمن يملك قوته». رواه مسلم «٣».
وعن أبي هريرة عن النبيّ ﷺ قال: «للمملوك طعامه وكسوته. ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق». رواه مسلم «٤» أيضا.
وعنه أيضا عن النبيّ ﷺ قال: إذا أتى أحدكم بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله أكلة أو لقمة أو لقمتين. فإنه ولي حرّه وعلاجه. أخرجاه «٥». ولفظه للبخاريّ.
(١) أخرجه أبو داود في: الأدب، ١٢٤- باب في حق المملوك، حديث ٥١٥٦.
وابن ماجة في: الوصايا، ١- باب هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حديث ٢٦٩٨.
(٢) أخرجه في المسند ٤/ ١٣١.
(٣) أخرجه في: الزكاة، حديث ٤٠.
(٤) أخرجه في: الإيمان، حديث ٤١. [.....]
(٥) أخرجه البخاريّ في: الأطعمة، ٥٥- باب الأكل مع الخادم، حديث ١٢٥٢.
وابن ماجة في: الوصايا، ١- باب هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حديث ٢٦٩٨.
(٢) أخرجه في المسند ٤/ ١٣١.
(٣) أخرجه في: الزكاة، حديث ٤٠.
(٤) أخرجه في: الإيمان، حديث ٤١. [.....]
(٥) أخرجه البخاريّ في: الأطعمة، ٥٥- باب الأكل مع الخادم، حديث ١٢٥٢.
107
وعن أبي ذرّ رضي الله عنه عن النبيّ ﷺ قال: هم إخوانكم خولكم. جعلهم الله تحت أيديكم. فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم. فإن كلفتموهم فأعينوهم. أخرجاه «١»
إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا أي متكبرا عن الإحسان إلى من أمر ببرّه فَخُوراً يعدّد مناقبه كبرا. وإنما خص تعالى هذين الوصفين بالذم، في هذا الموضع، لأن المختال هو المتكبر. وكل من كان متكبرا فإنه قلما يقوم برعاية الحقوق. ثم أضاف إليه ذم الفخور لئلا يقدم على رعاية هذه الحقوق لأجل الرياء والسمعة. بل لمحض أمر الله تعالى.
روى أبو داود «٢» والحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: «الكبر من بطر الحق وغمط الناس».
وروى ابن جرير عن أبي رجاء الهرويّ قال. لا تجد سيّئ الملكة (الملكة) إلا وجدته مختالا فخورا. وتلا وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ... الآية ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيّا. وتلا وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا [مريم: ٣٢] وقد ورد في ذم الخيلاء والفخر ما هو معروف.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣٧]
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ أي بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به فيما تقدم
إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا أي متكبرا عن الإحسان إلى من أمر ببرّه فَخُوراً يعدّد مناقبه كبرا. وإنما خص تعالى هذين الوصفين بالذم، في هذا الموضع، لأن المختال هو المتكبر. وكل من كان متكبرا فإنه قلما يقوم برعاية الحقوق. ثم أضاف إليه ذم الفخور لئلا يقدم على رعاية هذه الحقوق لأجل الرياء والسمعة. بل لمحض أمر الله تعالى.
روى أبو داود «٢» والحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: «الكبر من بطر الحق وغمط الناس».
وروى ابن جرير عن أبي رجاء الهرويّ قال. لا تجد سيّئ الملكة (الملكة) إلا وجدته مختالا فخورا. وتلا وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ... الآية ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيّا. وتلا وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا [مريم: ٣٢] وقد ورد في ذم الخيلاء والفخر ما هو معروف.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣٧]
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ أي بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به فيما تقدم
(١)
أخرجه البخاري في: الإيمان، ٢٢- باب المعاصي من أمر الجاهلية، حديث ٢٨ ونصه: عن المعرور قال: لقيت أبا ذر في الربذة، وعليه حلة وعلى غلامه حلة. فسألته عن ذلك؟ فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه. فقال لي النبيّ ﷺ «يا أبا ذر! أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية.
إخوانكم خولكم. جعلهم الله تحت أيديكم. فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم. فإن كلفتموهم فأعينوهم».
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ٣٨
. (٢)
أخرجه أبو داود في: اللباس، ٢٦- باب ما جاء في الكبر، حديث ٤٠٩٢ ونصه: عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان رجلا جميلا، فقال: يا رسول الله! إني رجل حبّب إليّ الجمال.
أعطيت منه ما ترى. حتى ما أحب أن يفوقني أحد بشراك نعلي (بشسع نعلي) أفمن بالكبر ذلك؟ قال «لا. ولكن الكبر من بطر الحق وغمط الناس»
.
أخرجه البخاري في: الإيمان، ٢٢- باب المعاصي من أمر الجاهلية، حديث ٢٨ ونصه: عن المعرور قال: لقيت أبا ذر في الربذة، وعليه حلة وعلى غلامه حلة. فسألته عن ذلك؟ فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه. فقال لي النبيّ ﷺ «يا أبا ذر! أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية.
إخوانكم خولكم. جعلهم الله تحت أيديكم. فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم. فإن كلفتموهم فأعينوهم».
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ٣٨
. (٢)
أخرجه أبو داود في: اللباس، ٢٦- باب ما جاء في الكبر، حديث ٤٠٩٢ ونصه: عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان رجلا جميلا، فقال: يا رسول الله! إني رجل حبّب إليّ الجمال.
أعطيت منه ما ترى. حتى ما أحب أن يفوقني أحد بشراك نعلي (بشسع نعلي) أفمن بالكبر ذلك؟ قال «لا. ولكن الكبر من بطر الحق وغمط الناس»
.
وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ أي ولا يكونون سبب الإحسان. بل يبخلون بذات أيديهم وبما في أيدي غيرهم.
فيأمرونهم بأن يبخلوا به مقتا للسخاء ممن وجد. وفي أمثال العرب: أبخل من الضنين بنائل غيره. قال:
قال الزمخشريّ بعد حكاية ما تقدم: ولقد رأينا ممن بلي بداء البخل، من إذا طرق سمعه أن أحدا جاد على أحد، شخص به، وحل حبوته واضطرب، ودارت عيناه في رأسه. كأنما نهب رحله، وكسرت خزانته، ضجرا من ذلك وحسرة على وجوده.
انتهى وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي من المال والغنى. فيوهمون الفقر مع الغنى والإعسار مع اليسار والعجز مع الإمكان وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً وضع الظاهر موضع المضمر إشعارا بأن من هذا شأنه فهو كافر بنعمة الله تعالى. ومن كان كافرا بنعمة الله تعالى فله عذاب يهينه، كما أهان النعمة بالبخل والإخفاء.
فائدة:
قال أبو البقاء: في قوله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وجهان: أحدهما- هو منصوب بدل من مَنْ في قوله مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً وجمع على معنى مَنْ ويجوز أن يكون محمولا على قوله مُخْتالًا فَخُوراً وهو خبر كانَ وجمع على المعنى أيضا، أو على إضمار: أذم. والثاني- أن يكون مبتدأ والخبر محذوف تقديره: مبغضون. ودل عليه ما تقدم من قوله لا يُحِبُّ ويجوز أن يكون الخبر: معذبون. لقوله وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً ويجوز أن يكون التقدير: هم الذين. ويجوز أن يكون مبتدأ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ معطوف عليه، والخبر إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ أي يظلمهم.
ثم قال: والبخل والبخل لغتان. وقد قرئ بهما. وفيه لغتان أخريان البخل بضم الخاء والباء، والبخل بفتح وسكون الخاء. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣٨]
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨)
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ أي قصد رؤية الخلق إياه، غفلة عن الخالق
فيأمرونهم بأن يبخلوا به مقتا للسخاء ممن وجد. وفي أمثال العرب: أبخل من الضنين بنائل غيره. قال:
وإن امرءا ضنّت يداه على امرئ | بنيل يد من غيره، لبخيل |
انتهى وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي من المال والغنى. فيوهمون الفقر مع الغنى والإعسار مع اليسار والعجز مع الإمكان وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً وضع الظاهر موضع المضمر إشعارا بأن من هذا شأنه فهو كافر بنعمة الله تعالى. ومن كان كافرا بنعمة الله تعالى فله عذاب يهينه، كما أهان النعمة بالبخل والإخفاء.
فائدة:
قال أبو البقاء: في قوله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وجهان: أحدهما- هو منصوب بدل من مَنْ في قوله مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً وجمع على معنى مَنْ ويجوز أن يكون محمولا على قوله مُخْتالًا فَخُوراً وهو خبر كانَ وجمع على المعنى أيضا، أو على إضمار: أذم. والثاني- أن يكون مبتدأ والخبر محذوف تقديره: مبغضون. ودل عليه ما تقدم من قوله لا يُحِبُّ ويجوز أن يكون الخبر: معذبون. لقوله وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً ويجوز أن يكون التقدير: هم الذين. ويجوز أن يكون مبتدأ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ معطوف عليه، والخبر إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ أي يظلمهم.
ثم قال: والبخل والبخل لغتان. وقد قرئ بهما. وفيه لغتان أخريان البخل بضم الخاء والباء، والبخل بفتح وسكون الخاء. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣٨]
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨)
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ أي قصد رؤية الخلق إياه، غفلة عن الخالق
109
تقدس، وعماية عنه، ليقال: ما أسخاهم وما أجودهم وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ أي الذي يتقرب إليه وحده ويتحرى بالاتفاق رضاه وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الذي هو يوم الجزاء وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً معينا في الدنيا فَساءَ قَرِيناً فبئس القرين والصاحب الشيطان. لأنه يضله عن الهدى ويحجبه عن الحق. وإنما اتصل الكلام هنا بذكر الشيطان، تقريعا لهم على طاعته. والمعنى: من يكن عمله بما سول له الشيطان فبئس العمل عمله. ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن الشيطان يقرن بهم في النار.
لطيفة:
قوله تعالى وَالَّذِينَ عطف على الَّذِينَ يَبْخَلُونَ أو على لِلْكافِرِينَ وإنما شاركوهم في الذم والوعيد لأن البخل كالإنفاق رياء، سواء في القبح واستتباع اللائمة والذم. ويجوز أن يكون العطف بناء على إجراء التغاير الوصفيّ مجرى التغاير الذاتيّ. كما في قوله:
أو مبتدأ خبره محذوف. يدل عليه قوله تعالى وَمَنْ يَكُنِ إلخ أي: فقرينهم الشيطان. وإنما حذف للإيذان بظهوره واستغنائه عن التصريح به. أو التقدير: فلا يقبل إحسانهم لأن رياءهم يدل على تفضيلهم الخلق على الله، ورؤيتهم على ثوابه.
وقد روى مسلم «١» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه.
وروى ابن أبي حاتم، في سبب نزول الآية، عن سعيد بن جبير قال: كان علماء بني إسرائيل يبخلون بما عندهم من العلم. فأنزل الله: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ الآية.
وأخرج ابن جرير «٢» من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس، أن رجالا من اليهود
لطيفة:
قوله تعالى وَالَّذِينَ عطف على الَّذِينَ يَبْخَلُونَ أو على لِلْكافِرِينَ وإنما شاركوهم في الذم والوعيد لأن البخل كالإنفاق رياء، سواء في القبح واستتباع اللائمة والذم. ويجوز أن يكون العطف بناء على إجراء التغاير الوصفيّ مجرى التغاير الذاتيّ. كما في قوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام | وليث الكتيبة في المزدحم |
وقد روى مسلم «١» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه.
وروى ابن أبي حاتم، في سبب نزول الآية، عن سعيد بن جبير قال: كان علماء بني إسرائيل يبخلون بما عندهم من العلم. فأنزل الله: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ الآية.
وأخرج ابن جرير «٢» من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس، أن رجالا من اليهود
(١) أخرجه مسلم في: الزهد، حديث ٤٦.
(٢) الأثر ٩٥٠١ من التفسير وهذا نصه: عن ابن عباس قال: كان كردم بن زيد، حليف كعب بن الأشرف، وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، وبحري بن عمرو، وحييّ بن أخطب، ورفاعة بن زيد بن التابوت، يأتون رجالا من الأنصار- وكانوا يخالطونهم وينتصحون لهم- من أصحاب رسول الله ﷺ فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم. فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها. ولا تسارعوا في النفقة، فإنكم لا تدرون ما يكون. فأنزل الله فيهم الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ
(٢) الأثر ٩٥٠١ من التفسير وهذا نصه: عن ابن عباس قال: كان كردم بن زيد، حليف كعب بن الأشرف، وأسامة بن حبيب، ونافع بن أبي نافع، وبحري بن عمرو، وحييّ بن أخطب، ورفاعة بن زيد بن التابوت، يأتون رجالا من الأنصار- وكانوا يخالطونهم وينتصحون لهم- من أصحاب رسول الله ﷺ فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم. فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها. ولا تسارعوا في النفقة، فإنكم لا تدرون ما يكون. فأنزل الله فيهم الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ
110
كانوا يأتون رجالا من الأنصار ينتصحون لهم. فيقولون: لا تنفقوا أموالكم. فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها. ولا تسارعوا في النفقة، فإنكم لا تدرون ما يكون.
فأنزل الله فيهم: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ. الآية.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣٩]
وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩)
وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ أي فلم يرجحوا الخلق عليه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بالبعث والجزاء فلم يرجحوا تعظيمهم وحطامهم على ثوابه وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ أعطاهم الله من المال، أي طلبا لرضاه وأجر آخرته.
قال العلامة أبو السعود: وإنما لم يصرح به تعويلا على التفصيل السابق، واكتفاء بذكر الإيمان بالله واليوم الآخر. فإنه يقتضي أن يكون الإنفاق لابتغاء وجهه تعالى وطلب ثوابه البتة. أي: وما الذي عليهم. أو: وأيّ تبعة ووبال عليهم في الإيمان بالله والإنفاق في سبيله؟ وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة، والاعتقاد في الشيء بخلاف ما هو عليه، وتحريض على التفكر لطلب الجواب. لعله يؤدي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة والعوائد الجميلة. وتنبيه على أن المدعوّ إلى أمر لا ضرر فيه يجيب إليه احتياطا. فكيف إذا كان فيه منافع لا تحصى.
وتقديم الإيمان بهما، لأهمّيّته في نفسه، ولعدم الاعتداد بالإنفاق بدونه. وأما تقديم (إنفاقهم رئاء الناس) على عدم إيمانهم بهما، مع كون المؤخر أقبح من المقدم، فلرعاية المناسبة بين إنفاقهم ذلك وبين ما قبله من بخلهم وأمرهم للناس به. انتهى وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً وعيد لهم بالعقاب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٠]
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠)
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ أي لا يبخس أحدا من ثواب عمله ولا يزيد في
فأنزل الله فيهم: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ. الآية.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٣٩]
وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩)
وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ أي فلم يرجحوا الخلق عليه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بالبعث والجزاء فلم يرجحوا تعظيمهم وحطامهم على ثوابه وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ أعطاهم الله من المال، أي طلبا لرضاه وأجر آخرته.
قال العلامة أبو السعود: وإنما لم يصرح به تعويلا على التفصيل السابق، واكتفاء بذكر الإيمان بالله واليوم الآخر. فإنه يقتضي أن يكون الإنفاق لابتغاء وجهه تعالى وطلب ثوابه البتة. أي: وما الذي عليهم. أو: وأيّ تبعة ووبال عليهم في الإيمان بالله والإنفاق في سبيله؟ وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة، والاعتقاد في الشيء بخلاف ما هو عليه، وتحريض على التفكر لطلب الجواب. لعله يؤدي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة والعوائد الجميلة. وتنبيه على أن المدعوّ إلى أمر لا ضرر فيه يجيب إليه احتياطا. فكيف إذا كان فيه منافع لا تحصى.
وتقديم الإيمان بهما، لأهمّيّته في نفسه، ولعدم الاعتداد بالإنفاق بدونه. وأما تقديم (إنفاقهم رئاء الناس) على عدم إيمانهم بهما، مع كون المؤخر أقبح من المقدم، فلرعاية المناسبة بين إنفاقهم ذلك وبين ما قبله من بخلهم وأمرهم للناس به. انتهى وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً وعيد لهم بالعقاب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٠]
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠)
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ أي لا يبخس أحدا من ثواب عمله ولا يزيد في
وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي من النبوة (من التوراة، كما في ابن هشام) التي فيها تصديق ما جاء به محمد ﷺ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً إلى قوله وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً.
111
عقابه شيئا مقدار ذرة، وهي النملة الصغيرة، في قول أهل اللغة. قال ثعلب: مائة من الذر زنة حبة شعير. وهذا مثل ضربه الله تعالى لأقل الأشياء. والمعنى: إن الله تعالى لا يظلم أحدا شيئا، قليلا ولا كثيرا. فخرج الكلام على أصغر شيء يعرفه الناس وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها أي وإن تك مثقال ذرة حسنة يضاعف ثوابها. وإنما أنث ضمير المثقال لتأنيث الخبر. أو لإضافته إلى الذرة وَيُؤْتِ أي زيادة على الأضعاف مِنْ لَدُنْهُ مما يناسب عظمته على نهج التفضل أَجْراً عَظِيماً أي عطاء جزيلا. وقد ورد في معنى هذه الآية أحاديث كثيرة. منها ما
في الصحيحين «١» عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله ﷺ في حديث الشفاعة الطويل: وفيه: فيقول الله عز وجل:
ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار.
وفي لفظ: أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، فأخرجوه من النار. فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقول أبو سعيد: اقرؤا إن شئتم إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ.
وقد روى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في هذه الآية قال: فأما المشرك فيخفف عنه العذاب يوم القيامة. أي بحسنته. ولا يخرج من النار أبدا.
قال الحافظ ابن كثير: وقد يستدل له
بالحديث الصحيح «٢»
إن العباس قال: يا رسول الله! هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم.
هو في ضحضاح من نار. ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار.
وقد يكون هذا خاصا بأبي طالب من دون الكفار. بدليل ما
رواه أبو داود «٣» الطيالسيّ في مسنده عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: إن الله عز وجل لا يظلم المؤمن حسنة. يثاب عليها الرزق في الدنيا. ويجزي بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا. فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنة.
انتهى.
ورواه مسلم «٤» أيضا عن أنس أيضا مرفوعا. ولفظه: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسنات ما
في الصحيحين «١» عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله ﷺ في حديث الشفاعة الطويل: وفيه: فيقول الله عز وجل:
ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار.
وفي لفظ: أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، فأخرجوه من النار. فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقول أبو سعيد: اقرؤا إن شئتم إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ.
وقد روى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في هذه الآية قال: فأما المشرك فيخفف عنه العذاب يوم القيامة. أي بحسنته. ولا يخرج من النار أبدا.
قال الحافظ ابن كثير: وقد يستدل له
بالحديث الصحيح «٢»
إن العباس قال: يا رسول الله! هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم.
هو في ضحضاح من نار. ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار.
وقد يكون هذا خاصا بأبي طالب من دون الكفار. بدليل ما
رواه أبو داود «٣» الطيالسيّ في مسنده عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: إن الله عز وجل لا يظلم المؤمن حسنة. يثاب عليها الرزق في الدنيا. ويجزي بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا. فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنة.
انتهى.
ورواه مسلم «٤» أيضا عن أنس أيضا مرفوعا. ولفظه: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسنات ما
(١) هذا حديث الشفاعة الطويل أخرجه البخاريّ في: التوحيد، ٢٤- باب قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، حديث ٢١.
ومسلم في: الإيمان، حديث ٣٠٢.
(٢) أخرجه البخاري في: الأدب، ١١٥- باب كنية المشرك، حديث ١٨١٤.
ومسلم في: الإيمان، حديث ٣٥٧.
(٣) الحديث رقم ٢٠١١.
(٤) أخرجه في: صفات المنافقين وأحكامهم، حديث ٥٦.
ومسلم في: الإيمان، حديث ٣٠٢.
(٢) أخرجه البخاري في: الأدب، ١١٥- باب كنية المشرك، حديث ١٨١٤.
ومسلم في: الإيمان، حديث ٣٥٧.
(٣) الحديث رقم ٢٠١١.
(٤) أخرجه في: صفات المنافقين وأحكامهم، حديث ٥٦.
112
عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنة يجزى بها.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤١]
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١)
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً قال الرازيّ:
وجه النظم هو أنه تعالى بيّن أن في الآخرة لا يجري على أحد ظلم وأنه تعالى يجازي المحسن على إحسانه ويزيده على قدر حقه. فبيّن تعالى في هذه الآية أن ذلك يجري بشهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق لتكون الحجة على المسيء أبلغ. والتبكيت له أعظم. وحسرته أشد. ويكون سرور من قبل ذلك من الرسول وأظهر الطاعة أعظم. ويكون هذا وعيدا للكفار الذين قال الله فيهم إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ووعدا للمطيعين الذين قال الله فيهم وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها.
ثمن قال: من عادة العرب أنهم يقولون في الشيء الذي يتوقعونه: كيف بك إذا كان كذا وكذا، وإذا فعل فلان كذا، أو إذا جاء وقت كذا؟ فمعنى هذا الكلام:
كيف ترون يوم القيامة إذا استشهد الله على كل أمة برسولها. واستشهدك على هؤلاء. يعني قومه المخاطبين بالقرآن الذين شاهدهم وعرف أحوالهم. ثم إن أهل كل عصر يشهدون على غيرهم ممن شاهدوا أحوالهم. وعلى هذا الوجه قال عيسى عليه السّلام: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ [المائدة: ١١٧] ونظير هذه الآية قوله تعالى: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [النحل: ٨٩]. إلخ.
وروى الشيخان «١» وغيرهما عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليّ. فقلت: يا رسول الله؟ أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم. إني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأت عليه سورة النساء. حتى أتيت إلى هذه الآية: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً. فقال: حسبك الآن. فإذا عيناه تذرفان.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤١]
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١)
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً قال الرازيّ:
وجه النظم هو أنه تعالى بيّن أن في الآخرة لا يجري على أحد ظلم وأنه تعالى يجازي المحسن على إحسانه ويزيده على قدر حقه. فبيّن تعالى في هذه الآية أن ذلك يجري بشهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق لتكون الحجة على المسيء أبلغ. والتبكيت له أعظم. وحسرته أشد. ويكون سرور من قبل ذلك من الرسول وأظهر الطاعة أعظم. ويكون هذا وعيدا للكفار الذين قال الله فيهم إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ووعدا للمطيعين الذين قال الله فيهم وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها.
ثمن قال: من عادة العرب أنهم يقولون في الشيء الذي يتوقعونه: كيف بك إذا كان كذا وكذا، وإذا فعل فلان كذا، أو إذا جاء وقت كذا؟ فمعنى هذا الكلام:
كيف ترون يوم القيامة إذا استشهد الله على كل أمة برسولها. واستشهدك على هؤلاء. يعني قومه المخاطبين بالقرآن الذين شاهدهم وعرف أحوالهم. ثم إن أهل كل عصر يشهدون على غيرهم ممن شاهدوا أحوالهم. وعلى هذا الوجه قال عيسى عليه السّلام: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ [المائدة: ١١٧] ونظير هذه الآية قوله تعالى: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [النحل: ٨٩]. إلخ.
وروى الشيخان «١» وغيرهما عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليّ. فقلت: يا رسول الله؟ أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم. إني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأت عليه سورة النساء. حتى أتيت إلى هذه الآية: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً. فقال: حسبك الآن. فإذا عيناه تذرفان.
(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ٩- باب فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، حديث ١٩٩٠.
وأخرجه مسلم في: صلاة المسافرين وقصرها، حديث ٢٤٧- ٢٤٩.
وأخرجه مسلم في: صلاة المسافرين وقصرها، حديث ٢٤٧- ٢٤٩.
زاد مسلم: شهيدا ما دمت فيهم. أو قال ما كنت فيهم
. شك أحد رواته.
وروى ابن جرير عن ابن مسعود في هذه الآية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شهيد عليهم ما دمت فيهم. فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٢]
يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (٤٢)
يَوْمَئِذٍ أي يوم القيامة يَوَدُّ أي يتمنى الَّذِينَ كَفَرُوا بالله وَعَصَوُا الرَّسُولَ بالإجابة لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ أي يهلكون فيها. أي يدفنون. فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى. إذ هو أعزّ لهم من الهوان الذي يلحقهم من فضائحهم. كقوله: وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ...
الآية. ف (تسوّى) بمعنى: تجعل مستوية. والباء للملابسة. أي تسوى الأرض متلبسة بهم. وقيل: الباء بمعنى (على) وفي (الدر المصون) : وتسوية الأرض بهم أو عليهم: دفنهم. أو أن تنشق وتبلعهم. أو أنهم يبقون ترابا على أصلهم من غير خلق. وقوله تعالى وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً عطف على (يود) أي ويعترفون بجميع ما فعلوه لا يقدرون على كتمانه. لأن جوارحهم تشهد عليهم. أو (الواو) للحال. أي يودون أن يدفنوا في الأرض وحالهم أنهم لا يكتمون من الله حديثا. ولا يكذبونه بقولهم: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. كما روى ابن جرير «١» عن الضحاك أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس! قول الله تعالى. وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً. وقوله: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. فقال له ابن عباس: إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت:
ألقي على ابن عباس متشابه القرآن. فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله تعالى يجمع الناس يوم القيامة في بقيع واحد. فيقول المشركون: إن الله لا يقبل من أحد شيئا إلا ممن وحده. فيقولون (تعالوا نقل). فيسألهم فيقولون: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. قال فيختم على أفواههم ويستنطق جوارحهم فتشهد عليهم- جوارحهم أنهم كانوا مشركين. فعند ذلك تمنّوا لو أن الأرض سويت بهم ولا يكتمون الله حديثا.
وروى عبد الرزاق عن سعيد بن جبير نحو ما تقدم. واعتمده الإمام أحمد في
. شك أحد رواته.
وروى ابن جرير عن ابن مسعود في هذه الآية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شهيد عليهم ما دمت فيهم. فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٢]
يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (٤٢)
يَوْمَئِذٍ أي يوم القيامة يَوَدُّ أي يتمنى الَّذِينَ كَفَرُوا بالله وَعَصَوُا الرَّسُولَ بالإجابة لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ أي يهلكون فيها. أي يدفنون. فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى. إذ هو أعزّ لهم من الهوان الذي يلحقهم من فضائحهم. كقوله: وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ...
الآية. ف (تسوّى) بمعنى: تجعل مستوية. والباء للملابسة. أي تسوى الأرض متلبسة بهم. وقيل: الباء بمعنى (على) وفي (الدر المصون) : وتسوية الأرض بهم أو عليهم: دفنهم. أو أن تنشق وتبلعهم. أو أنهم يبقون ترابا على أصلهم من غير خلق. وقوله تعالى وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً عطف على (يود) أي ويعترفون بجميع ما فعلوه لا يقدرون على كتمانه. لأن جوارحهم تشهد عليهم. أو (الواو) للحال. أي يودون أن يدفنوا في الأرض وحالهم أنهم لا يكتمون من الله حديثا. ولا يكذبونه بقولهم: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. كما روى ابن جرير «١» عن الضحاك أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس! قول الله تعالى. وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً. وقوله: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. فقال له ابن عباس: إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت:
ألقي على ابن عباس متشابه القرآن. فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله تعالى يجمع الناس يوم القيامة في بقيع واحد. فيقول المشركون: إن الله لا يقبل من أحد شيئا إلا ممن وحده. فيقولون (تعالوا نقل). فيسألهم فيقولون: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. قال فيختم على أفواههم ويستنطق جوارحهم فتشهد عليهم- جوارحهم أنهم كانوا مشركين. فعند ذلك تمنّوا لو أن الأرض سويت بهم ولا يكتمون الله حديثا.
وروى عبد الرزاق عن سعيد بن جبير نحو ما تقدم. واعتمده الإمام أحمد في
(١) الأثر ٩٥٢٢ من التفسير.
كتاب (الرد على الجهمية) في باب (بيان ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن) وساق مثل ما تقدم عن ابن عباس. ثم قال: فهذا تفسير ما شكّت فيه الزنادقة. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر في جماعة كانوا يشربونها ثم يصلّون. أي من مقتضى إيمانكم الحياء من الله. ومن الحياء منه أن لا تقوموا إلى الصلاة وأنتم سكارى لا تعلمون ما تخاطبونه. فالحياء من الله يوجب ذلك. وتصدير الكلام بحرفي النداء والتنبيه، للمبالغة في حملهم على العمل بموجب النهي. وتوجيه النهي إلى قربان الصلاة، مع أن المراد هو النهي عن إقامتها، للمبالغة في ذلك.
قال الحافظ ابن كثير: كان هذا النهي قبل تحريم الخمر. كما دل عليه الحديث الذي ذكرناه في سورة البقرة عند قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة: ٢١٩]. الآية. فإن رسول الله ﷺ تلاها على عمر. فقال: اللهم! بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فلما نزلت هذه الآية تلاها عليه. فقال: اللهم! بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلوات. حتى نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إلى قوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:
٩٠- ٩١]. فقال عمر: انتهينا. انتهينا.
ولفظ أبي داود «١» عن عمر بن الخطاب في قصة تحريم الخمر فذكر الحديث.
وفيه: نزلت الآية التي في النساء: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ. فكان منادي رسول الله ﷺ إذا قامت الصلاة، ينادي: لا يقربن الصلاة سكران.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر في جماعة كانوا يشربونها ثم يصلّون. أي من مقتضى إيمانكم الحياء من الله. ومن الحياء منه أن لا تقوموا إلى الصلاة وأنتم سكارى لا تعلمون ما تخاطبونه. فالحياء من الله يوجب ذلك. وتصدير الكلام بحرفي النداء والتنبيه، للمبالغة في حملهم على العمل بموجب النهي. وتوجيه النهي إلى قربان الصلاة، مع أن المراد هو النهي عن إقامتها، للمبالغة في ذلك.
قال الحافظ ابن كثير: كان هذا النهي قبل تحريم الخمر. كما دل عليه الحديث الذي ذكرناه في سورة البقرة عند قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة: ٢١٩]. الآية. فإن رسول الله ﷺ تلاها على عمر. فقال: اللهم! بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فلما نزلت هذه الآية تلاها عليه. فقال: اللهم! بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلوات. حتى نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إلى قوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:
٩٠- ٩١]. فقال عمر: انتهينا. انتهينا.
ولفظ أبي داود «١» عن عمر بن الخطاب في قصة تحريم الخمر فذكر الحديث.
وفيه: نزلت الآية التي في النساء: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ. فكان منادي رسول الله ﷺ إذا قامت الصلاة، ينادي: لا يقربن الصلاة سكران.
(١) أخرجه في: الأشربة، ١- باب في تحريم الخمر، حديث ٣٦٧٠.
115
وروى ابن أبي شيبة وابن حاتم عن سعد رضي الله عنه قال: نزلت فيّ أربع آيات:
صنع رجل من الأنصار طعاما فدعا أناسا من المهاجرين وأناسا من الأنصار. فأكلنا وشربنا حتى سكرنا. ثم افتخرنا. فرفع رجل لحى بعير فغرز بها أنف سعد فكان سعد مغروز الأنف وذلك قبل تحريم الخمر. فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى. الآية. والحديث بطوله عند مسلم «١» ورواه أهل السنن إلا ابن ماجة.
وروى أبو داود «٢» والنسائيّ عن عليّ رضي الله عنه، أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر. فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ.
فخلط فيها. فنزلت: لا تَقْرَبُوا. الآية.
وروى ابن أبي حاتم عن عليّ رضي الله عنه: قال صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر. فأخذت الخمر منا. وحضرت الصلاة. فقدموا فلانا. قال: فقرأ قل يا أيها الكافرون ما أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون. فأنزل الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا. الآية. وكذا رواه الترمذي «٣» وقال: حسن صحيح وَلا جُنُباً عطف على قوله وَأَنْتُمْ سُكارى إذ الجملة في موضع النصب على الحال. والجنب الذي أصابته الجنابة. يستوي فيه المذكر والمؤنث، والواحد والجمع. لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ أي مارّين بلا لبث حَتَّى تَغْتَسِلُوا من الجنابة: أي لا تقربوا موضع الصلاة، وهو المسجد، وأنتم جنب، إلا مجتازين فيه. إما للخروج منه أو للدخول فيه.
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في معنى الآية قال: لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل. قال: تمر به مرّا، ولا تجلس. ثم رواه عن كثير من الصحابة.
منهم ابن مسعود وثلة من التابعين.
وروى ابن جرير «٤» عن الليث قال حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن قول الله عز وجل: وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ. أن رجالا من المسجد تصيبهم جنابة ولا ماء عنهم فيريدون الماء. ولا يجدون ممرا إلا في المسجد. فأنزل الله تعالى: وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ.
صنع رجل من الأنصار طعاما فدعا أناسا من المهاجرين وأناسا من الأنصار. فأكلنا وشربنا حتى سكرنا. ثم افتخرنا. فرفع رجل لحى بعير فغرز بها أنف سعد فكان سعد مغروز الأنف وذلك قبل تحريم الخمر. فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى. الآية. والحديث بطوله عند مسلم «١» ورواه أهل السنن إلا ابن ماجة.
وروى أبو داود «٢» والنسائيّ عن عليّ رضي الله عنه، أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر. فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ.
فخلط فيها. فنزلت: لا تَقْرَبُوا. الآية.
وروى ابن أبي حاتم عن عليّ رضي الله عنه: قال صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر. فأخذت الخمر منا. وحضرت الصلاة. فقدموا فلانا. قال: فقرأ قل يا أيها الكافرون ما أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون. فأنزل الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا. الآية. وكذا رواه الترمذي «٣» وقال: حسن صحيح وَلا جُنُباً عطف على قوله وَأَنْتُمْ سُكارى إذ الجملة في موضع النصب على الحال. والجنب الذي أصابته الجنابة. يستوي فيه المذكر والمؤنث، والواحد والجمع. لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ أي مارّين بلا لبث حَتَّى تَغْتَسِلُوا من الجنابة: أي لا تقربوا موضع الصلاة، وهو المسجد، وأنتم جنب، إلا مجتازين فيه. إما للخروج منه أو للدخول فيه.
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في معنى الآية قال: لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل. قال: تمر به مرّا، ولا تجلس. ثم رواه عن كثير من الصحابة.
منهم ابن مسعود وثلة من التابعين.
وروى ابن جرير «٤» عن الليث قال حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن قول الله عز وجل: وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ. أن رجالا من المسجد تصيبهم جنابة ولا ماء عنهم فيريدون الماء. ولا يجدون ممرا إلا في المسجد. فأنزل الله تعالى: وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ.
(١) أخرجه مسلم في: فضائل الصحابة، حديث ٤٣. [.....]
(٢) أخرجه في: الأشربة، ١- باب تحريم الخمر، حديث ٣٦٧١.
(٣) أخرجه الترمذيّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١٢- حدثنا سويد.
(٤) الأثر رقم ٩٥٦٧ من التفسير.
(٢) أخرجه في: الأشربة، ١- باب تحريم الخمر، حديث ٣٦٧١.
(٣) أخرجه الترمذيّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١٢- حدثنا سويد.
(٤) الأثر رقم ٩٥٦٧ من التفسير.
116
قال الحافظ ابن كثير: ويشهد لصحة ما قاله يزيد بن أبي حبيب رحمه الله، ما
ثبت في صحيح البخاري «١» أن رسول الله ﷺ قال: سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر
. وهذا قاله ﷺ في آخر حياته. علما منه أن أبا بكر. رضي الله عنه سيلبي الأمر بعده ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيرا للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين. فأمر بسد الأبواب الشارعة. إلى المسجد إلا بابه رضي الله عنه ومن روى: إلا باب عليّ، كما وقع في بعض السنن، فهو خطأ والصواب ما ثبت في الصحيح.
ومن هذا التأويل احتج كثير من الأئمة على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد. ويجوز له المرور. وثمة تأويل آخر في قوله تعالى إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ وهو أن المراد منه المسافرون. أي لا تقربوا الصلاة جنبا في حال من الأحوال إلا حال كونكم مسافرين. فيكون هذا الاستثناء دليلا على أنه يجوز للجنب الإقدام على الصلاة عند العجز عن الماء.
وقد روى ابن أبي حاتم عن زر بن حبيش عن عليّ في هذه الآية، قال: لا يقرب الصلاة لا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة، فلا يجد الماء، فيصلي حتى يجد الماء.
ثم
رواه من وجه آخر عن عليّ: ورواه عن جماعة من السلف أيضا: أنه في السفر.
قال ابن كثير: ويستشهد لهذا القول
بالحديث الذي رواه الإمام أحمد «٢» وأهل
ثبت في صحيح البخاري «١» أن رسول الله ﷺ قال: سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر
. وهذا قاله ﷺ في آخر حياته. علما منه أن أبا بكر. رضي الله عنه سيلبي الأمر بعده ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيرا للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين. فأمر بسد الأبواب الشارعة. إلى المسجد إلا بابه رضي الله عنه ومن روى: إلا باب عليّ، كما وقع في بعض السنن، فهو خطأ والصواب ما ثبت في الصحيح.
ومن هذا التأويل احتج كثير من الأئمة على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد. ويجوز له المرور. وثمة تأويل آخر في قوله تعالى إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ وهو أن المراد منه المسافرون. أي لا تقربوا الصلاة جنبا في حال من الأحوال إلا حال كونكم مسافرين. فيكون هذا الاستثناء دليلا على أنه يجوز للجنب الإقدام على الصلاة عند العجز عن الماء.
وقد روى ابن أبي حاتم عن زر بن حبيش عن عليّ في هذه الآية، قال: لا يقرب الصلاة لا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة، فلا يجد الماء، فيصلي حتى يجد الماء.
ثم
رواه من وجه آخر عن عليّ: ورواه عن جماعة من السلف أيضا: أنه في السفر.
قال ابن كثير: ويستشهد لهذا القول
بالحديث الذي رواه الإمام أحمد «٢» وأهل
(١)
أخرجه البخاريّ في: فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، ٣- باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر»، حديث ٣١١ ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: خطب رسول الله ﷺ الناس، وقال: «إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله» قال فبكى أبو بكر. فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله ﷺ عن عبد خير، فكان رسول الله ﷺ هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر. ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر. ولكن أخوّة الإسلام ومودته. لا يبقين في المسجد بابا إلا سدّ. إلا باب أبي بكر»
. (٢)
أخرجه في المسند ٥/ ١٤٦. وهاكموه بنصه لنفاسته: عن رجل من بني عامر قال: كنت كافرا فهداني الله للإسلام. وكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة. فوقع ذلك في نفسي.
وقد نعت لي أبو ذر. فحججت فدخلت مسجد منى، فعرفته بالنعت. فإذا شيخ معروق آدم عليه حلة قطري. فذهبت حتى قمت إلى جنبه وهو يصلي. فسلمت عليه فلم يرد علي. ثم صلى صلاة أتمها وأحسنها وأطالها. فلما فرغ ردّ عليّ. قلت: أنت أبو ذر؟ قال: إن أهلي ليزعمون ذلك. قال: كنت كافرا فهداني الله للإسلام وأهمني ديني، وكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة. فوقع ذلك في نفسي. قال: أتعرف أبا ذر؟ قلت: نعم. قال: فإني اجتويت المدينة، فأمر لي رسول الله ﷺ بذود من إبل وغنم. فكنت أكون فيها. فكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة. فوقع
أخرجه البخاريّ في: فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، ٣- باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر»، حديث ٣١١ ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: خطب رسول الله ﷺ الناس، وقال: «إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله» قال فبكى أبو بكر. فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله ﷺ عن عبد خير، فكان رسول الله ﷺ هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر. ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر. ولكن أخوّة الإسلام ومودته. لا يبقين في المسجد بابا إلا سدّ. إلا باب أبي بكر»
. (٢)
أخرجه في المسند ٥/ ١٤٦. وهاكموه بنصه لنفاسته: عن رجل من بني عامر قال: كنت كافرا فهداني الله للإسلام. وكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة. فوقع ذلك في نفسي.
وقد نعت لي أبو ذر. فحججت فدخلت مسجد منى، فعرفته بالنعت. فإذا شيخ معروق آدم عليه حلة قطري. فذهبت حتى قمت إلى جنبه وهو يصلي. فسلمت عليه فلم يرد علي. ثم صلى صلاة أتمها وأحسنها وأطالها. فلما فرغ ردّ عليّ. قلت: أنت أبو ذر؟ قال: إن أهلي ليزعمون ذلك. قال: كنت كافرا فهداني الله للإسلام وأهمني ديني، وكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة. فوقع ذلك في نفسي. قال: أتعرف أبا ذر؟ قلت: نعم. قال: فإني اجتويت المدينة، فأمر لي رسول الله ﷺ بذود من إبل وغنم. فكنت أكون فيها. فكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة. فوقع
117
السنن عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصعيد الطيب طهور المسلم. وإن لم تجد الماء عشر حجج، فإذا وجدت الماء فأمسّه بشرتك فإن ذلك خير لك.
وفي هذا التأويل بقاء لفظ الصلاة على معناه الحقيقيّ في الجملتين المتعاطفتين. وفي التأويل السابق تكون الصلاة، في الجملة الثانية محمولة على مواضعها.
قال في (فتح البيان) : وبالجملة، فالحال الأولى أعني قوله وَأَنْتُمْ سُكارى تقوّي بقاء الصلاة على معناه الحقيقي، من دون تقدير مضاف. وسبب نزول الآية السابق يقوّي ذلك. وقوله إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ يقوّي تقدير المضاف. أي لا تقربوا مواضع الصلاة. ويمكن أن يقال: إن بعض قيود النهي (أعني لا تقربوا وهو قوله:
وَأَنْتُمْ سُكارى) يدل على أن المراد بالصلاة معناها الحقيقيّ. وبعض قيود النهي (وهو قوله: إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) يدل على أن المراد مواضع الصلاة. ولا مانع من اعتبار كل واحد منهما مع قيده الدال عليه. ويكون ذلك بمنزلة نهيين مقيد كل واحد منهما بقيد. وهما: لا تقربوا الصلاة التي هي ذات الأذكار والأركان وأنتم سكارى. ولا تقربوا مواضع الصلاة حال كونكم جنبا إلا حال عبوركم المسجد من جانب إلى جانب. وغاية ما يقال في هذا إنه من الجمع بين الحقيقة والمجاز. وهو جائز بتأويل مشهور.
وقال ابن جرير «١» (بعد حكايته للتأويلين) : وأولى القولين بالتأويل لذلك، تأويل من تأوله وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ، إلا مجتازي طريق فيه. وذلك أنه قد بيّن حكم المسافر إذا عدم الماء. وهو جنب، في قوله وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ إلى آخره. فكان معلوما بذلك أن قوله وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا لو كان معنيّا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ معنى مفهوم. وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك.
وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد
وفي هذا التأويل بقاء لفظ الصلاة على معناه الحقيقيّ في الجملتين المتعاطفتين. وفي التأويل السابق تكون الصلاة، في الجملة الثانية محمولة على مواضعها.
قال في (فتح البيان) : وبالجملة، فالحال الأولى أعني قوله وَأَنْتُمْ سُكارى تقوّي بقاء الصلاة على معناه الحقيقي، من دون تقدير مضاف. وسبب نزول الآية السابق يقوّي ذلك. وقوله إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ يقوّي تقدير المضاف. أي لا تقربوا مواضع الصلاة. ويمكن أن يقال: إن بعض قيود النهي (أعني لا تقربوا وهو قوله:
وَأَنْتُمْ سُكارى) يدل على أن المراد بالصلاة معناها الحقيقيّ. وبعض قيود النهي (وهو قوله: إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) يدل على أن المراد مواضع الصلاة. ولا مانع من اعتبار كل واحد منهما مع قيده الدال عليه. ويكون ذلك بمنزلة نهيين مقيد كل واحد منهما بقيد. وهما: لا تقربوا الصلاة التي هي ذات الأذكار والأركان وأنتم سكارى. ولا تقربوا مواضع الصلاة حال كونكم جنبا إلا حال عبوركم المسجد من جانب إلى جانب. وغاية ما يقال في هذا إنه من الجمع بين الحقيقة والمجاز. وهو جائز بتأويل مشهور.
وقال ابن جرير «١» (بعد حكايته للتأويلين) : وأولى القولين بالتأويل لذلك، تأويل من تأوله وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ، إلا مجتازي طريق فيه. وذلك أنه قد بيّن حكم المسافر إذا عدم الماء. وهو جنب، في قوله وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ إلى آخره. فكان معلوما بذلك أن قوله وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا لو كان معنيّا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ معنى مفهوم. وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك.
وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد
في نفسي أني قد هلكت. فقعدت على بعير منها. فانتهيت إلى رسول الله ﷺ نصف النهار وهو جالس في ظل المجلس في نفر من أصحابه فنزلت عن البعير وقلت: يا رسول الله! هلكت. قال «وما أهلكك» ؟ فحدثته فضحك. فدعا إنسانا من أهله. فجاءت جارية سوداء بعسّ فيه ماء، ما هو بملآن، إنه ليتخضخض. فاستترت بالبعير. فأمر رسول الله ﷺ رجلا من القوم فسترني. فاغتسلت ثم أتيته.
فقال «إن الصعيد الطيّب طهور، ما لم تجد الماء، ولو إلى عشر حجج. فإذا وجدت الماء فأمسّ بشرتك».
(١) تفسير ابن جرير، ٨/ ٣٨٤.
فقال «إن الصعيد الطيّب طهور، ما لم تجد الماء، ولو إلى عشر حجج. فإذا وجدت الماء فأمسّ بشرتك».
(١) تفسير ابن جرير، ٨/ ٣٨٤.
118
للصلاة، مصلين فيها، وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا تقربوها أيضا جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل.
قال: و (العابر السبيل) المجتازه مرّا وقطعا. يقال منه: عبرت هذا الطريق فأنا أعبره عبرا وعبورا. ومه قيل: عبر فلان النهر إذا قطعه وجازه. ومنه قيل، للناقة القوية على الأسفار: هي عبر أسفار. وعبر أسفار، لقوتها على الأسفار.
قال ابن كثير: وهذا الذي نصره (يعني ابن جرير) هو قول الجمهور وهو الظاهر من الآية. وكأنه تعالى نهى عن تعاطي الصلاة على هيئة ناقصة تناقض مقصودها. وعن الدخول إلى محلها على هيئة ناقصة وهي الجنابة المباعدة للصلاة ولمحلها أيضا، والله أعلم.
وقوله تعالى حَتَّى تَغْتَسِلُوا غاية للنهي عن قربان الصلاة ومواضعها، حال الجنابة. والمعنى: لا تقربوها حال الجنابة حتى تغتسلوا. إلا حال عبوركم السبيل.
تنبيهات:
الأول- في الآية تحريم الصلاة على السكران حال سكره حتى يصحو.
وبطلانها وبطلان الاقتداء به. وعلى الجنب حتى يغتسل إلا أن يكون مسافرا. فيباح له التيمم.
الثاني- تمسك بالآية من قال: إن طلاق السكران لا يقع لأنه إذا لم يعلم ما يقوله انتفى القصد. وبه قال عثمان بن عفان وابن عباس وطاوس وعطاء والقاسم وربيعة والليث بن سعد وإسحاق وأبو ثور والمزنيّ واختاره الطحاويّ. والمسألة مبسوطة في (زاد المعاد) للإمام ابن القيّم.
الثالث- في الآية دليل على أن ردة السكران ليست بردة: لأن قراءة سورة الكافرين، بطرح اللاءات، كفر. ولم يحكم بكفره حتى خاطبهم باسم الإيمان. وما أمر النبيّ ﷺ بالتفريق بينه وبين امرأته. ولا بتجديد الإيمان. ولأن الأمة اجتمعت على أن من أجرى كلمة الكفر على لسانه مخطئا، لا يحكم بكفره. قاله النسفيّ.
الرابع- استدل بأحد التأويلين السابقين على تحريم دخول المسجد على السكران. لما يتوقع منه من التلويث وفحش القول. فيقاس به كل ذي نجاسة يخشى منها التلويث والسباب ونحوه. كذا في (الإكليل).
الخامس- استدل ابن الفرس بتوجيه الخطاب لهم في الآية على تكليف
قال: و (العابر السبيل) المجتازه مرّا وقطعا. يقال منه: عبرت هذا الطريق فأنا أعبره عبرا وعبورا. ومه قيل: عبر فلان النهر إذا قطعه وجازه. ومنه قيل، للناقة القوية على الأسفار: هي عبر أسفار. وعبر أسفار، لقوتها على الأسفار.
قال ابن كثير: وهذا الذي نصره (يعني ابن جرير) هو قول الجمهور وهو الظاهر من الآية. وكأنه تعالى نهى عن تعاطي الصلاة على هيئة ناقصة تناقض مقصودها. وعن الدخول إلى محلها على هيئة ناقصة وهي الجنابة المباعدة للصلاة ولمحلها أيضا، والله أعلم.
وقوله تعالى حَتَّى تَغْتَسِلُوا غاية للنهي عن قربان الصلاة ومواضعها، حال الجنابة. والمعنى: لا تقربوها حال الجنابة حتى تغتسلوا. إلا حال عبوركم السبيل.
تنبيهات:
الأول- في الآية تحريم الصلاة على السكران حال سكره حتى يصحو.
وبطلانها وبطلان الاقتداء به. وعلى الجنب حتى يغتسل إلا أن يكون مسافرا. فيباح له التيمم.
الثاني- تمسك بالآية من قال: إن طلاق السكران لا يقع لأنه إذا لم يعلم ما يقوله انتفى القصد. وبه قال عثمان بن عفان وابن عباس وطاوس وعطاء والقاسم وربيعة والليث بن سعد وإسحاق وأبو ثور والمزنيّ واختاره الطحاويّ. والمسألة مبسوطة في (زاد المعاد) للإمام ابن القيّم.
الثالث- في الآية دليل على أن ردة السكران ليست بردة: لأن قراءة سورة الكافرين، بطرح اللاءات، كفر. ولم يحكم بكفره حتى خاطبهم باسم الإيمان. وما أمر النبيّ ﷺ بالتفريق بينه وبين امرأته. ولا بتجديد الإيمان. ولأن الأمة اجتمعت على أن من أجرى كلمة الكفر على لسانه مخطئا، لا يحكم بكفره. قاله النسفيّ.
الرابع- استدل بأحد التأويلين السابقين على تحريم دخول المسجد على السكران. لما يتوقع منه من التلويث وفحش القول. فيقاس به كل ذي نجاسة يخشى منها التلويث والسباب ونحوه. كذا في (الإكليل).
الخامس- استدل ابن الفرس بتوجيه الخطاب لهم في الآية على تكليف
119
السكران ودخوله تحت الخطاب. وفيه نظر. لأن الخطاب عام لكل مؤمن. وعلى تقدير أنه قصد به الذين صلوا في حال السكر، فإنما نزل بعد صحوهم. كذا في (الإكليل).
السادس- في قوله تعالى حَتَّى تَغْتَسِلُوا رد على من أباح جلوس الجنب مطلقا إذا توضأ. لأن الله تعالى جعل غاية التحريم الغسل. فلا يقوم مقامه الوضوء.
كذا في (الإكليل).
أقول: إنما يكون هذا حجة لو كانت الآية نصّا في تأويل واحد. وحيث تطرق الاحتمال لها، على ما رأيت، فلا.
وقد تمسك المبيح، وهو الإمام أحمد، بما روى هو وسعيد بن منصور في (سننه) بسند صحيح، أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك.
قال سعيد بن منصور في (سننه) : حدثنا عبد العزيز بن محمد، هو الدراورديّ، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجلا من أصحاب رسول الله ﷺ يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضؤوا وضوء الصلاة.
قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
السابع- قال العلامة أبو السعود: لعل تقديم الاستثناء على قوله حَتَّى تَغْتَسِلُوا للإيذان، من أول الأمر، بأن حكم النهي في هذه الصورة ليس على الإطلاق، كما في صورة السكر، تشويقا إلى البيان، وروما لزيادة تقرره في الأذهان.
الثامن- قال أيضا: في الآية الكريمة إشارة إلى أن المصلي حقه أن يتحرز عما يليه ويشغل قلبه، وأن يزكي نفسه عما يدنسها، ولا يكتفي بأدنى مراتب التزكية، عند إمكان أعاليها.
التاسع- أشعر قوله تعالى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ بالنهي عن الصلاة حال النعاس. كما
روى الإمام أحمد والبخاريّ «١» والنسائيّ عن أنس قال: قال رسول الله
السادس- في قوله تعالى حَتَّى تَغْتَسِلُوا رد على من أباح جلوس الجنب مطلقا إذا توضأ. لأن الله تعالى جعل غاية التحريم الغسل. فلا يقوم مقامه الوضوء.
كذا في (الإكليل).
أقول: إنما يكون هذا حجة لو كانت الآية نصّا في تأويل واحد. وحيث تطرق الاحتمال لها، على ما رأيت، فلا.
وقد تمسك المبيح، وهو الإمام أحمد، بما روى هو وسعيد بن منصور في (سننه) بسند صحيح، أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك.
قال سعيد بن منصور في (سننه) : حدثنا عبد العزيز بن محمد، هو الدراورديّ، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجلا من أصحاب رسول الله ﷺ يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضؤوا وضوء الصلاة.
قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
السابع- قال العلامة أبو السعود: لعل تقديم الاستثناء على قوله حَتَّى تَغْتَسِلُوا للإيذان، من أول الأمر، بأن حكم النهي في هذه الصورة ليس على الإطلاق، كما في صورة السكر، تشويقا إلى البيان، وروما لزيادة تقرره في الأذهان.
الثامن- قال أيضا: في الآية الكريمة إشارة إلى أن المصلي حقه أن يتحرز عما يليه ويشغل قلبه، وأن يزكي نفسه عما يدنسها، ولا يكتفي بأدنى مراتب التزكية، عند إمكان أعاليها.
التاسع- أشعر قوله تعالى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ بالنهي عن الصلاة حال النعاس. كما
روى الإمام أحمد والبخاريّ «١» والنسائيّ عن أنس قال: قال رسول الله
(١)
أخرجه البخاريّ في: الوضوء، ٥٣- باب الوضوء من النوم، حديث ١٦٤ ونصه: عن النبيّ ﷺ قال «إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرأ».
وهذا نص
حديث عائشة الذي أخرجه البخاريّ في الباب نفسه، حديث ١٦١. «إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه».
وقريب منه في المسند ٦/ ٥٦.
أخرجه البخاريّ في: الوضوء، ٥٣- باب الوضوء من النوم، حديث ١٦٤ ونصه: عن النبيّ ﷺ قال «إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرأ».
وهذا نص
حديث عائشة الذي أخرجه البخاريّ في الباب نفسه، حديث ١٦١. «إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه».
وقريب منه في المسند ٦/ ٥٦.
120
صلى الله عليه وسلم: «إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف ولينم حتى يعلم ما يقول».
وفي رواية: فلعله يذهب يستغفر فيسب نفسه.
وقد روى ابن جرير عن الضحاك في الآية قال: لم يعن بها سكر الخمر. وإنما عنى بها سكر النوم.
قال ابن جرير: والصواب أن المراد سكر الشراب.
قال الرازيّ: ويدل عليه وجهان:
الأول- أن لفظ السكر حقيقة في السكر من شرب الخمر. والأصل في الكلام الحقيقة.
والثاني- أن جميع المفسرين اتفقوا على أن هذه الآية إنما نزلت في شرب الخمر. وقد ثبت في أصول الفقه أن الآية إذا نزلت في واقعة معينة، ولأجل سبب معين، امتنع أن لا يكون ذلك السبب مرادا بتلك الآية.
العاشر- قال الحافظ ابن كثير: قد يحتمل أن يكون المراد من الآية التعريض بالنهي عن السكر بالكلية. لكونهم مأمورين بالصلاة في الخمسة الأوقات، من الليل والنهار. فلا يتمكن شارب الخمر من أداء الصلاة في أوقاتها دائما. والله أعلم.
وعلى هذا فيكون كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: ١٠٢]. وهو الأمر لهم بالتأهب للموت على الإسلام، والمداومة على الطاعة لأجل ذلك. انتهى.
الحادي عشر- قال الرازيّ: قال بعضهم: هذه الآية، أي لا تَقْرَبُوا إلخ منسوخة بآية المائدة. وأقول: الذي يمكن ادعاء النسخ فيه أن يقال: نهى عن قربان الصلاة حال السكر ممدودا إلى غاية أن يصير بحيث يعلم ما يقول. والحكم الممدود إلى غاية، يقتضي انتهاء ذلك الحكم عند تلك الغاية. فهذا يقتضي جواز قربان الصلاة مع السكر إذا صار بحيث يعلم ما يقول. ومعلوم أن الله تعالى لما حرم الخمر بآية المائدة، فقد رفع هذا الجواز. فثبت أن آية المائدة ناسخة لبعض مدلولات هذه الآية. هذا ما حضر ببالي في تقرير هذا النسخ.
والجواب عنه: أنا بيّنا أن حاصل هذا النهي راجع إلى النهي عن الشرب الموجب للسكر عند القرب من الصلاة. وتخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه إلا على سبيل الظن الضعيف. ومثل هذا لا يكون نسخا. انتهى.
وفي رواية: فلعله يذهب يستغفر فيسب نفسه.
وقد روى ابن جرير عن الضحاك في الآية قال: لم يعن بها سكر الخمر. وإنما عنى بها سكر النوم.
قال ابن جرير: والصواب أن المراد سكر الشراب.
قال الرازيّ: ويدل عليه وجهان:
الأول- أن لفظ السكر حقيقة في السكر من شرب الخمر. والأصل في الكلام الحقيقة.
والثاني- أن جميع المفسرين اتفقوا على أن هذه الآية إنما نزلت في شرب الخمر. وقد ثبت في أصول الفقه أن الآية إذا نزلت في واقعة معينة، ولأجل سبب معين، امتنع أن لا يكون ذلك السبب مرادا بتلك الآية.
العاشر- قال الحافظ ابن كثير: قد يحتمل أن يكون المراد من الآية التعريض بالنهي عن السكر بالكلية. لكونهم مأمورين بالصلاة في الخمسة الأوقات، من الليل والنهار. فلا يتمكن شارب الخمر من أداء الصلاة في أوقاتها دائما. والله أعلم.
وعلى هذا فيكون كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: ١٠٢]. وهو الأمر لهم بالتأهب للموت على الإسلام، والمداومة على الطاعة لأجل ذلك. انتهى.
الحادي عشر- قال الرازيّ: قال بعضهم: هذه الآية، أي لا تَقْرَبُوا إلخ منسوخة بآية المائدة. وأقول: الذي يمكن ادعاء النسخ فيه أن يقال: نهى عن قربان الصلاة حال السكر ممدودا إلى غاية أن يصير بحيث يعلم ما يقول. والحكم الممدود إلى غاية، يقتضي انتهاء ذلك الحكم عند تلك الغاية. فهذا يقتضي جواز قربان الصلاة مع السكر إذا صار بحيث يعلم ما يقول. ومعلوم أن الله تعالى لما حرم الخمر بآية المائدة، فقد رفع هذا الجواز. فثبت أن آية المائدة ناسخة لبعض مدلولات هذه الآية. هذا ما حضر ببالي في تقرير هذا النسخ.
والجواب عنه: أنا بيّنا أن حاصل هذا النهي راجع إلى النهي عن الشرب الموجب للسكر عند القرب من الصلاة. وتخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه إلا على سبيل الظن الضعيف. ومثل هذا لا يكون نسخا. انتهى.
121
وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أي ولم تجدوا بقربكم ماء تستعملونه. ومنه فقد من يناوله إياه، أو خشيته الضرر به أَوْ عَلى سَفَرٍ لا تجدونه فيه أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أي أو كنتم محدثين. والغائط هو المكان المنخفض. فالمجيء منه كناية عن الحدث.
لأن المعتاد أن من يريده يذهب إليه ليواري شخصه عن أعين الناس.
قال الخازن: كانت عادة العرب إتيان الغائط للحدث. فكنوا به عن الحدث.
وذلك أن الرجل منهم، كان إذا أراد قضاء الحاجة، طلب غائطا من الأرض، يعني مكانا منخفضا منها يحجبه عن أعين الناس. فسمي الحدث بهذا الاسم. فهو من باب تسمية الشيء باسم مكانه. انتهى. وإسناد المجيء إلى واحد مبهم من المخاطبين دونهم، للتفادي عن التصريح بنسبتهم إلى ما يستحيا منه أو يستهجن التصريح به. كذا قاله أبو السعود. ثم قال: وكذلك إيثار الكناية فيما عطف عليه من قوله عز وجل أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ على التصريح بالجماع. قال الشهاب: وفي ذكر (أحد) دون غيره إشارة إلى أن الإنسان ينفرد عند قضاء الحاجة كما هو دأبه وأدبه فَلَمْ تَجِدُوا ماءً قال المهايميّ: أي فلا تستحيوا من الله، بل اعتذروا إليه فَتَيَمَّمُوا أي اقصدوا صَعِيداً أي ترابا أو وجه الأرض طَيِّباً أي طاهرا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً تعليل للترخيص والتيسير، وتقرير لهما. فإن من عادته المستمرة أن يعفو عن الخاطئين ويغفر للمذنبين، لا بد أن يكون ميسرا لا معسرا. وفي هذه الآية مسائل:
الأول- الظاهر أن قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا راجع إلى جميع ما قبلها وحينئذ لا يجوز التيمم في الكل إلا عند عدم الماء. وأما ما قيل أنه راجع إلى قوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ لأنه قد وجد المانع هاهنا من تقييد السفر والمرض، بعدم الوجود للماء، وهو أن كل واحد منهما عذر مستقل في غير هذا الموضع كالصوم- فلا يفيد. لأن عدم الوجود معتبر فيهما لإباحة التيمم قطعا. إذ ليس السفر بمجرده مبيحا. وكذلك المرض. وأما ما يقال من أنه قد يباح للمريض التيمم مع وجود الماء إذا خشي الضرر به، فعدم الوجود في حقه إذن غير قيد.
فالجواب: أن هذا داخل تحت عدم الماء لأن من تعذر عليه استعماله هو، عادم له، إذ ليس المراد الوجود الذي لا ينفع. فمن كان يشاهد ماء في قعر بئر، يتعذر عليه الوصول إليه بوجه من الوجوه، فهو عادم له. وهكذا خوف السبيل الذي يسلك إلى الماء. وهكذا من كان يحتاجه للشرب فهو عادم له. ولئن سلمنا، تنزلا، أن المراد مطلق الوجود فنقول: المدعي أنه تعالى جوز التيمم للمريض إذا لم يجد الماء.
لأن المعتاد أن من يريده يذهب إليه ليواري شخصه عن أعين الناس.
قال الخازن: كانت عادة العرب إتيان الغائط للحدث. فكنوا به عن الحدث.
وذلك أن الرجل منهم، كان إذا أراد قضاء الحاجة، طلب غائطا من الأرض، يعني مكانا منخفضا منها يحجبه عن أعين الناس. فسمي الحدث بهذا الاسم. فهو من باب تسمية الشيء باسم مكانه. انتهى. وإسناد المجيء إلى واحد مبهم من المخاطبين دونهم، للتفادي عن التصريح بنسبتهم إلى ما يستحيا منه أو يستهجن التصريح به. كذا قاله أبو السعود. ثم قال: وكذلك إيثار الكناية فيما عطف عليه من قوله عز وجل أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ على التصريح بالجماع. قال الشهاب: وفي ذكر (أحد) دون غيره إشارة إلى أن الإنسان ينفرد عند قضاء الحاجة كما هو دأبه وأدبه فَلَمْ تَجِدُوا ماءً قال المهايميّ: أي فلا تستحيوا من الله، بل اعتذروا إليه فَتَيَمَّمُوا أي اقصدوا صَعِيداً أي ترابا أو وجه الأرض طَيِّباً أي طاهرا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً تعليل للترخيص والتيسير، وتقرير لهما. فإن من عادته المستمرة أن يعفو عن الخاطئين ويغفر للمذنبين، لا بد أن يكون ميسرا لا معسرا. وفي هذه الآية مسائل:
الأول- الظاهر أن قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا راجع إلى جميع ما قبلها وحينئذ لا يجوز التيمم في الكل إلا عند عدم الماء. وأما ما قيل أنه راجع إلى قوله تعالى أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ لأنه قد وجد المانع هاهنا من تقييد السفر والمرض، بعدم الوجود للماء، وهو أن كل واحد منهما عذر مستقل في غير هذا الموضع كالصوم- فلا يفيد. لأن عدم الوجود معتبر فيهما لإباحة التيمم قطعا. إذ ليس السفر بمجرده مبيحا. وكذلك المرض. وأما ما يقال من أنه قد يباح للمريض التيمم مع وجود الماء إذا خشي الضرر به، فعدم الوجود في حقه إذن غير قيد.
فالجواب: أن هذا داخل تحت عدم الماء لأن من تعذر عليه استعماله هو، عادم له، إذ ليس المراد الوجود الذي لا ينفع. فمن كان يشاهد ماء في قعر بئر، يتعذر عليه الوصول إليه بوجه من الوجوه، فهو عادم له. وهكذا خوف السبيل الذي يسلك إلى الماء. وهكذا من كان يحتاجه للشرب فهو عادم له. ولئن سلمنا، تنزلا، أن المراد مطلق الوجود فنقول: المدعي أنه تعالى جوز التيمم للمريض إذا لم يجد الماء.
122
وليس فيه دلالة على منعه من التيمم عند وجوده لعارض يمنعه من الماء. فإن قيل:
من أين تستدلون حينئذ على إباحة تيممه؟ قلنا: من التحقيق الذي ذكرناه وهو أن المتعذر استعماله معدوم شرعا وكذا من قوله تعالى وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: ٢٩] وقوله وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: ١٩٥] وقوله وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: ٧٨]، ومما
أخرجه أبو داود «١» وابن ماجة والدّارقطنيّ من حديث جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر. فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه. ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل فمات. فلما قدمنا على النبيّ ﷺ أخبر بذلك. فقال: قتلوه، قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا؟
فإنما شفاء العيّ السؤال. إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصر (ويعصب) على جرحه، ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده.
ومما
رواه أحمد وأبو داود «٢» وابن حبان والحاكم والدّارقطنيّ عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت، أن أهلك. فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح.
فذكروا ذلك للنبيّ ﷺ فقال: يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً فضحك رسول الله ﷺ ولم يقل شيئا
. فهذا وما قبله يدل على جواز العدول إلى التيمم لخشية الضرر.
قال مجد الدين ابن تيمية: في حديث عمرو، من العلم، أن التمسك بالعمومات حجة صحيحة. انتهى.
وقد روى ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى قال:
نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ. ولم يكن له خادم فيناوله. فأتى النبيّ ﷺ فذكر ذلك له، فأنزل الله هذه الآية.
قال ابن كثير: هذا مرسل.
الثانية- ما يصدق عليه مفهوم عدم الوجود المقيد بالقيام إلى الصلاة، هو المعتبر في تسويغ التيمم. كما هو الظاهر من الآية. لا عدم الوجود مع طلب
من أين تستدلون حينئذ على إباحة تيممه؟ قلنا: من التحقيق الذي ذكرناه وهو أن المتعذر استعماله معدوم شرعا وكذا من قوله تعالى وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: ٢٩] وقوله وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: ١٩٥] وقوله وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: ٧٨]، ومما
أخرجه أبو داود «١» وابن ماجة والدّارقطنيّ من حديث جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر. فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه. ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل فمات. فلما قدمنا على النبيّ ﷺ أخبر بذلك. فقال: قتلوه، قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا؟
فإنما شفاء العيّ السؤال. إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصر (ويعصب) على جرحه، ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده.
ومما
رواه أحمد وأبو داود «٢» وابن حبان والحاكم والدّارقطنيّ عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت، أن أهلك. فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح.
فذكروا ذلك للنبيّ ﷺ فقال: يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً فضحك رسول الله ﷺ ولم يقل شيئا
. فهذا وما قبله يدل على جواز العدول إلى التيمم لخشية الضرر.
قال مجد الدين ابن تيمية: في حديث عمرو، من العلم، أن التمسك بالعمومات حجة صحيحة. انتهى.
وقد روى ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى قال:
نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ. ولم يكن له خادم فيناوله. فأتى النبيّ ﷺ فذكر ذلك له، فأنزل الله هذه الآية.
قال ابن كثير: هذا مرسل.
الثانية- ما يصدق عليه مفهوم عدم الوجود المقيد بالقيام إلى الصلاة، هو المعتبر في تسويغ التيمم. كما هو الظاهر من الآية. لا عدم الوجود مع طلب
(١) أخرجه أبو داود في: الطهارة، ١٢٥- باب في المجروح يتيمم، حديث ٣٣٦.
(٢) أخرجه أبو داود في: الطهارة، ٢٤- باب إذا خاف الجنب البرد، أيتيمم؟ حديث ٣٣٤.
(٢) أخرجه أبو داود في: الطهارة، ٢٤- باب إذا خاف الجنب البرد، أيتيمم؟ حديث ٣٣٤.
123
مخصوص، كما قيل: إنه يطلب في كل جهة من الجهات الأربع في ميل أو ينتظر إلى آخر الوقت حتى لا يبقى إلا ما يسع الصلاة بعد التيمم. إذ لا دليل على ذلك. فإذا دخل الوقت المضروب للصلاة، وأراد المصلي القيام إليها فلم يجد حينئذ ما يتوضأ به، أو يغتسل في منزله أو مسجده، أو ما يقرب منهما، كان ذلك عذرا مسوّغا للتيمم.
فليس المراد بعدم الوجود في ذلك أن لا يجده بعد الكشف والبحث وإحفاء السؤال.
بل المراد أن لا يكون معه علم أو ظن بوجود شيء منه هنالك، ولم يتمكن في تلك الحالة من تحصيله بشراء أو نحوه. فهذا يصدق عليه أنه لم يجد الماء عند أهل اللغة. والواجب حمل كلام الله تعالى على ذلك، مع عدم وجود عرف شرعيّ. وقد وقع منه ﷺ ما يشعر بما ذكرناه. فإنه تيمم في المدينة من جدار. كما ثبت ذلك في الصحيحين «١» من دون أن يسأل ويطلب. ولم يصح عنه في الطلب شيء تقوم به الحجة. فهذا، كما يدل على وجوب الطلب، يدل على عدم وجوب انتظار آخر الوقت، ويدل على ذلك حديث الرجلين اللذين تيمما في سفر ثم وجدا الماء. فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر:
فقال ﷺ للذي لم يعد: أصبت السنة. أخرجه أبو داود «٢» والحاكم وغيرهما من حديث أبي سعيد.
فإنه يردّ قول من قال بوجوب الانتظار إلى آخر الوقت على المتيمم. سواء كان مسافرا أو مقيما. كذا في (الروضة الندية).
الثالثة- دلت الآية على أن المسافر إذا لم يجد الماء تيمم. طال سفره أو قصر.
الرابعة- قرئ في السبع (لامستم ولمستم) والملامسة واللمس يردان، لغة، بمعنى الجس باليد، وبمعنى الجماع. قال المجد في (القاموس) لمسه يلمسه
فليس المراد بعدم الوجود في ذلك أن لا يجده بعد الكشف والبحث وإحفاء السؤال.
بل المراد أن لا يكون معه علم أو ظن بوجود شيء منه هنالك، ولم يتمكن في تلك الحالة من تحصيله بشراء أو نحوه. فهذا يصدق عليه أنه لم يجد الماء عند أهل اللغة. والواجب حمل كلام الله تعالى على ذلك، مع عدم وجود عرف شرعيّ. وقد وقع منه ﷺ ما يشعر بما ذكرناه. فإنه تيمم في المدينة من جدار. كما ثبت ذلك في الصحيحين «١» من دون أن يسأل ويطلب. ولم يصح عنه في الطلب شيء تقوم به الحجة. فهذا، كما يدل على وجوب الطلب، يدل على عدم وجوب انتظار آخر الوقت، ويدل على ذلك حديث الرجلين اللذين تيمما في سفر ثم وجدا الماء. فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر:
فقال ﷺ للذي لم يعد: أصبت السنة. أخرجه أبو داود «٢» والحاكم وغيرهما من حديث أبي سعيد.
فإنه يردّ قول من قال بوجوب الانتظار إلى آخر الوقت على المتيمم. سواء كان مسافرا أو مقيما. كذا في (الروضة الندية).
الثالثة- دلت الآية على أن المسافر إذا لم يجد الماء تيمم. طال سفره أو قصر.
الرابعة- قرئ في السبع (لامستم ولمستم) والملامسة واللمس يردان، لغة، بمعنى الجس باليد، وبمعنى الجماع. قال المجد في (القاموس) لمسه يلمسه
(١) أخرجه البخاريّ في: التيمم، ٣- باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء، حديث ٢٣٢ ونصه:
عن حميد الأعرج، قال: سمعت عميرا مولى ابن عباس، قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار، مولى ميمونة، زوج النبيّ ﷺ حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاريّ. فقال أبو الجهيم: أقبل النبيّ ﷺ من نحو بئر جمل. فلقيه رجل فسلّم عليه. فلم يردّ عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم. حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السّلام.
وأخرجه مسلم في: الحيض، حديث ١١٤.
(٢)
أخرجه أبو داود في: الطهارة، ١٢٦- باب المتيمم يجد الماء بعد ما يصلي في الوقت، حدث ٣٣٨ ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء.
فتيمما صعيدا طيبا. فصليا. ثم وجدا الماء في الوقت. فأعاد أحدهم الصلاة والوضوء. ولم يعد الآخر. ثم أتيا رسول الله ﷺ فذكرا ذلك له. فقال للذي لم يعد «أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك» وقال للذي توضأ وأعاد «لك الأجر مرتين».
عن حميد الأعرج، قال: سمعت عميرا مولى ابن عباس، قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار، مولى ميمونة، زوج النبيّ ﷺ حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاريّ. فقال أبو الجهيم: أقبل النبيّ ﷺ من نحو بئر جمل. فلقيه رجل فسلّم عليه. فلم يردّ عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم. حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السّلام.
وأخرجه مسلم في: الحيض، حديث ١١٤.
(٢)
أخرجه أبو داود في: الطهارة، ١٢٦- باب المتيمم يجد الماء بعد ما يصلي في الوقت، حدث ٣٣٨ ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء.
فتيمما صعيدا طيبا. فصليا. ثم وجدا الماء في الوقت. فأعاد أحدهم الصلاة والوضوء. ولم يعد الآخر. ثم أتيا رسول الله ﷺ فذكرا ذلك له. فقال للذي لم يعد «أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك» وقال للذي توضأ وأعاد «لك الأجر مرتين».
124
ويلمسه: مسّه بيده. والجارية جامعها. ثم قال: والملامسة المماسة والمجامعة.
ومن ثمة اختلف المفسرون والأئمة في المعنيّ بذلك هنا. فمن قائل بأن اللمس حقيقة في الجس باليد، مجاز في غيره. والأصل حمل الكلام على حقيقته لأنه الراجح، لا سيما على قراءة (لمستم) إذ لم يشتهر في الوقاع كالملامسة. وروي عن ابن مسعود من طرق متعددة أنه قال «١» : الملامسة ما دون الجماع. وعنه «٢» : القبلة من المس وفيها الوضوء. رواهما ابن جرير.
وروى الطبرانيّ بإسناده عن عبد الله بن مسعود قال: يتوضأ الرجل من المباشرة، ومن اللمس بيده، ومن القبلة. وكان يقول في هذه الآية أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ: هو الغمز.
وروى ابن جرير «٣» عن نافع أن ابن عمر كان يتوضأ من قبلة المرأة. ويرى فيها الوضوء. ويقول: هي من اللّماس. وذكر ابن أبي حاتم أنه روي عن كثير من التابعين نحو ذلك. قالوا: ومما يؤيد بقاء اللمس على معناه الحقيقيّ قوله تعالى وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [الأنعام: ٧] أي جسّوه.
وقال ﷺ «٤»
لماعز، حين أقر بالزنى، يعرّض له بالرجوع عن الإقرار: «لعلك قبلت أو لمست» ؟
وفي الحديث الصحيح «٥» : واليد زناها اللمس.
وقالت عائشة «٦» : قلّ يوم إلا ورسول
ومن ثمة اختلف المفسرون والأئمة في المعنيّ بذلك هنا. فمن قائل بأن اللمس حقيقة في الجس باليد، مجاز في غيره. والأصل حمل الكلام على حقيقته لأنه الراجح، لا سيما على قراءة (لمستم) إذ لم يشتهر في الوقاع كالملامسة. وروي عن ابن مسعود من طرق متعددة أنه قال «١» : الملامسة ما دون الجماع. وعنه «٢» : القبلة من المس وفيها الوضوء. رواهما ابن جرير.
وروى الطبرانيّ بإسناده عن عبد الله بن مسعود قال: يتوضأ الرجل من المباشرة، ومن اللمس بيده، ومن القبلة. وكان يقول في هذه الآية أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ: هو الغمز.
وروى ابن جرير «٣» عن نافع أن ابن عمر كان يتوضأ من قبلة المرأة. ويرى فيها الوضوء. ويقول: هي من اللّماس. وذكر ابن أبي حاتم أنه روي عن كثير من التابعين نحو ذلك. قالوا: ومما يؤيد بقاء اللمس على معناه الحقيقيّ قوله تعالى وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [الأنعام: ٧] أي جسّوه.
وقال ﷺ «٤»
لماعز، حين أقر بالزنى، يعرّض له بالرجوع عن الإقرار: «لعلك قبلت أو لمست» ؟
وفي الحديث الصحيح «٥» : واليد زناها اللمس.
وقالت عائشة «٦» : قلّ يوم إلا ورسول
(١) الأثر رقم ٩٦٠٦.
(٢) الأثر رقم ٩٦٠٧. [.....]
(٣) الأثر رقم ٩٦١٧.
(٤)
أخرجه البخاريّ في: الحدود، ٢٨- باب قول الإمام للمقرّ: لعلك لمست أو غمزت؟ حديث ٢٥١٦ ونصه: عن ابن عباس رضي الله عنهما قالا: لما أتى ماعز بن مالك النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال له «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟» قال: لا، يا رسول الله! قال «أنكتها» ؟ لا يكنى. قال فعند ذلك أمر برجمه.
(٥)
أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢/ ٣٤٩، ونصه: عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال «كل ابن آدم أصاب من الزنى لا محالة. فالعين زناها النظر، واليد زناها اللمس. والنفس تهوى وتحدث. ويصدق ذلك ويكذبه الفرج»
. (٦)
أخرجه الإمام أحمد في المسند ٦/ ١٠٨. ونصه: عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا، امرأة امرأة. فيدنو ويلمس من غير مسيس. حتى يفضي إلى التي هو يومها، فيبيت عندها
.
(٢) الأثر رقم ٩٦٠٧. [.....]
(٣) الأثر رقم ٩٦١٧.
(٤)
أخرجه البخاريّ في: الحدود، ٢٨- باب قول الإمام للمقرّ: لعلك لمست أو غمزت؟ حديث ٢٥١٦ ونصه: عن ابن عباس رضي الله عنهما قالا: لما أتى ماعز بن مالك النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال له «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟» قال: لا، يا رسول الله! قال «أنكتها» ؟ لا يكنى. قال فعند ذلك أمر برجمه.
(٥)
أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢/ ٣٤٩، ونصه: عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال «كل ابن آدم أصاب من الزنى لا محالة. فالعين زناها النظر، واليد زناها اللمس. والنفس تهوى وتحدث. ويصدق ذلك ويكذبه الفرج»
. (٦)
أخرجه الإمام أحمد في المسند ٦/ ١٠٨. ونصه: عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا، امرأة امرأة. فيدنو ويلمس من غير مسيس. حتى يفضي إلى التي هو يومها، فيبيت عندها
.
125
الله ﷺ يطوف علينا. فيقبل ويلمس.
ومنه ما
ثبت في الصحيحين «١» : أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الملامسة.
وهو يرجع إلى الجس باليد. واستأنسوا أيضا
بالحديث الذي رواه أحمد «٢» عن معاذ أن رسول الله ﷺ أتاه رجل فقال: يا رسول الله! ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئا إلا أتاه منها غير أنه لم يجامعها. قال فأنزل الله عز وجل هذه الآية وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ [هود: ١١٤] الآية. قال فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: توضأ ثم صلّ. قال معاذ: فقلت: يا رسول الله! أله خاصة أم للمؤمنين عامة؟ فقال: بل للمؤمنين عامة.
ورواه الترمذيّ «٣»
وقال: ليس بمتصل. والنسائيّ مرسلا. قالوا: فأمره بالوضوء لأنه لمس المرأة ولم يجامعها.
ومن قائل: إن المعنيّ باللمس هنا الجماع. وذلك لوروده في غير هذه الآية بمعناه. فدل على أنه من كنايات التنزيل. قال تعالى وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة: ٢٣٧]. وقال تعالى إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب: ٤٩]. وقال في آية الظهار فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة: ٣]. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ قال: الجماع. وروى ابن جرير»
عنه. قال: إن اللمس والمس والمباشرة: الجماع. ولكن الله يكني ما يشاء بما شاء. وقد صح من غير وجه عن ابن عباس أنه قال ذلك. وقد تقرر أن تفسيره أرجح من تفسير غيره، لاستجابة دعوة الرسول ﷺ فيه بتعليمه تأويل الكتاب «٥». كما أسلفنا بيان ذلك في مقدمة التفسير. ويؤيد عدم النقض بالمس ما
رواه مسلم «٦» والترمذيّ وصححه عن عائشة
ومنه ما
ثبت في الصحيحين «١» : أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الملامسة.
وهو يرجع إلى الجس باليد. واستأنسوا أيضا
بالحديث الذي رواه أحمد «٢» عن معاذ أن رسول الله ﷺ أتاه رجل فقال: يا رسول الله! ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئا إلا أتاه منها غير أنه لم يجامعها. قال فأنزل الله عز وجل هذه الآية وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ [هود: ١١٤] الآية. قال فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: توضأ ثم صلّ. قال معاذ: فقلت: يا رسول الله! أله خاصة أم للمؤمنين عامة؟ فقال: بل للمؤمنين عامة.
ورواه الترمذيّ «٣»
وقال: ليس بمتصل. والنسائيّ مرسلا. قالوا: فأمره بالوضوء لأنه لمس المرأة ولم يجامعها.
فصل
ومن قائل: إن المعنيّ باللمس هنا الجماع. وذلك لوروده في غير هذه الآية بمعناه. فدل على أنه من كنايات التنزيل. قال تعالى وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة: ٢٣٧]. وقال تعالى إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب: ٤٩]. وقال في آية الظهار فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة: ٣]. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ قال: الجماع. وروى ابن جرير»
عنه. قال: إن اللمس والمس والمباشرة: الجماع. ولكن الله يكني ما يشاء بما شاء. وقد صح من غير وجه عن ابن عباس أنه قال ذلك. وقد تقرر أن تفسيره أرجح من تفسير غيره، لاستجابة دعوة الرسول ﷺ فيه بتعليمه تأويل الكتاب «٥». كما أسلفنا بيان ذلك في مقدمة التفسير. ويؤيد عدم النقض بالمس ما
رواه مسلم «٦» والترمذيّ وصححه عن عائشة
(١)
أخرجه البخاريّ في: البيوع، ٦٢- باب بيع الملامسة، حديث ٢٤٣ ونصه: عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ نهى عن المنابذة
، وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلّبه أو ينظر إليه. ونهى عن الملامسة. والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه.
(٢) أخرجه في المسند ٥/ ٢٤٤.
(٣) أخرجه الترمذيّ في: التفسير، ١١- سورة هود، ٥- حدثنا عبد بن حميد.
(٤) الأثر رقم ٩٥٨١.
(٥)
أخرجه البخاريّ في: العلم، ١٧- باب قول النبيّ ﷺ «اللهم علمه الكتاب». حديث ٦٥ ونصه:
عن ابن عباس قال: ضمني رسول الله ﷺ وقال: «اللهم علمه الكتاب»
. (٦) أخرجه مسلم في: الصلاة، حديث ٢٢٢.
أخرجه البخاريّ في: البيوع، ٦٢- باب بيع الملامسة، حديث ٢٤٣ ونصه: عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ نهى عن المنابذة
، وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلّبه أو ينظر إليه. ونهى عن الملامسة. والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه.
(٢) أخرجه في المسند ٥/ ٢٤٤.
(٣) أخرجه الترمذيّ في: التفسير، ١١- سورة هود، ٥- حدثنا عبد بن حميد.
(٤) الأثر رقم ٩٥٨١.
(٥)
أخرجه البخاريّ في: العلم، ١٧- باب قول النبيّ ﷺ «اللهم علمه الكتاب». حديث ٦٥ ونصه:
عن ابن عباس قال: ضمني رسول الله ﷺ وقال: «اللهم علمه الكتاب»
. (٦) أخرجه مسلم في: الصلاة، حديث ٢٢٢.
126
قالت: فقدت رسول الله ﷺ ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد. وهما منصوبتان. وهو يقول: «اللهم! إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».
وروى «١» النسائيّ عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كان رسول الله ﷺ ليصلي وإني لمعترضته بين يديه اعتراض الجنازة. حتى إذا أراد أن يوتر مسّني برجله.
قال الحافظ ابن حجر في (التلخيص) : إسناده صحيح. وقوله في (الفتح) :
يحتمل أنه كان بحائل أو أنه خاص به صلى الله عليه وسلم، تكلف، ومخالفة للظاهر.
وعن إبراهيم التيميّ عن عائشة رضي الله عنها. أن النبيّ ﷺ كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ. رواه أبو داود «٢» والنسائيّ
: قال أبو داود: هو مرسل.
إبراهيم التيميّ لم يسمع من عائشة. وقال النسائيّ: ليس في هذا الباب أحسن من هذا الحديث، وإن كان مرسلا. وصححه ابن عبد البر وجماعة. وشهد له ما تقدم وما
رواه الطبرانيّ في المعجم الصغير من حديث عمرة عن عائشة قالت: فقدت رسول الله ﷺ ذات ليلة. فقلت: إنه قام إلى جاريته مارية. فقمت ألتمس الجدار فوجدته قائما يصلي. فأدخلت يدي في شعره لأنظر: أغتسل أم لا؟ فلما انصرف قال: أخذك شيطانك يا عائشة
. وفيه محمد بن إبراهيم عن عائشة. قال ابن أبي حاتم: ولم يسمع منها.
قال ابن جرير «٣» : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى الله بقوله أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ الجماع دون غيره من معاني اللمس. لصحة الخبر عن رسول الله ﷺ أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ. ثم أسنده من طرق. وبه يعلم أن حديث عائشة قرينة صرفت إرادة المعنى الحقيقيّ من اللمس، وأوجبت المصير إلى معناه المجازيّ. وأما ما روي عن ابن عمر وابن مسعود، فنحن لا ننكر صحة إطلاق
وروى «١» النسائيّ عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كان رسول الله ﷺ ليصلي وإني لمعترضته بين يديه اعتراض الجنازة. حتى إذا أراد أن يوتر مسّني برجله.
قال الحافظ ابن حجر في (التلخيص) : إسناده صحيح. وقوله في (الفتح) :
يحتمل أنه كان بحائل أو أنه خاص به صلى الله عليه وسلم، تكلف، ومخالفة للظاهر.
وعن إبراهيم التيميّ عن عائشة رضي الله عنها. أن النبيّ ﷺ كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ. رواه أبو داود «٢» والنسائيّ
: قال أبو داود: هو مرسل.
إبراهيم التيميّ لم يسمع من عائشة. وقال النسائيّ: ليس في هذا الباب أحسن من هذا الحديث، وإن كان مرسلا. وصححه ابن عبد البر وجماعة. وشهد له ما تقدم وما
رواه الطبرانيّ في المعجم الصغير من حديث عمرة عن عائشة قالت: فقدت رسول الله ﷺ ذات ليلة. فقلت: إنه قام إلى جاريته مارية. فقمت ألتمس الجدار فوجدته قائما يصلي. فأدخلت يدي في شعره لأنظر: أغتسل أم لا؟ فلما انصرف قال: أخذك شيطانك يا عائشة
. وفيه محمد بن إبراهيم عن عائشة. قال ابن أبي حاتم: ولم يسمع منها.
قال ابن جرير «٣» : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى الله بقوله أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ الجماع دون غيره من معاني اللمس. لصحة الخبر عن رسول الله ﷺ أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ. ثم أسنده من طرق. وبه يعلم أن حديث عائشة قرينة صرفت إرادة المعنى الحقيقيّ من اللمس، وأوجبت المصير إلى معناه المجازيّ. وأما ما روي عن ابن عمر وابن مسعود، فنحن لا ننكر صحة إطلاق
(١) أخرجه النسائيّ في: الطهارة، ١١٩- باب ترك الوضوء من مسّ الرجل امرأته من غير شهوة.
(٢) رواه أبو داود في: الطهارة، ٦٨- باب الوضوء من القبلة، حديث ١٧٨ ونصه: عن عائشة أن النبيّ ﷺ قبلها ولم يتوضأ.
والنسائي في: الطهارة، ١٢١- باب ترك الوضوء من القبلة. ونصه نص المتن.
(٣) التفسير ٨/ ٣٩٦.
(٢) رواه أبو داود في: الطهارة، ٦٨- باب الوضوء من القبلة، حديث ١٧٨ ونصه: عن عائشة أن النبيّ ﷺ قبلها ولم يتوضأ.
والنسائي في: الطهارة، ١٢١- باب ترك الوضوء من القبلة. ونصه نص المتن.
(٣) التفسير ٨/ ٣٩٦.
127
اللمس على الجسّ باليد. بل هو المعنى الحقيقيّ. ولكنا ندعي أن المقام محفوف بقرائن توجب المصير إلى المجاز. وأما قولهم: بأن القبلة فيها الوضوء، فلا حجة في قول الصحابيّ. لا سيما إذا وقع معارضا لما ورد عن الشارع. ويؤيد ذلك قول اللغويين. أن المراد بقول بعض الأعراب للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن امرأته لا تردّ يد لامس، الكناية عن كونها زانية. ولهذا قال له صلى الله عليه وسلم: طلقها.
وأما حديث معاذ الذي استأنسوا به فلا دلالة فيه على النقض. لأنه لم يثبت أنه كان متوضئا قبل أن يأمره النبيّ ﷺ بالوضوء. ولا ثبت أنه كان متوضئا عند اللمس، فأخبره النبيّ ﷺ أنه قد انتقض وضوؤه كذا في (نيل الأوطار).
وقال ابن كثير: هو منقطع بين ابن أبي ليلى ومعاذ. فإنه لم يلقه. ثم يحتمل أنه إنما أمره بالوضوء والصلاة المكتوبة، كما تقدم في حديث الصديق «١» : ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له. وهو مذكور في سورة آل عمران عند قوله ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران: ١٣٥] الآية.
الخامسة- التيمم، لغة، القصد. يقال: تيممته وتأممته ويممته وآممته أي قصدته. وأما الصعيد فهو فعيل بمعنى الصاعد. قال الزجاج: الصعيد وجه الأرض، ترابا كان أو غيره. لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك. وفي (المصباح) الصعيد في كلام العرب يطلق على وجوه: على التراب الذي على وجه الأرض وعلى وجه الأرض. وعلى الطريق وفي (القاموس) : الصعيد التراب أو وجه الأرض.
قال الأزهريّ: ومذهب أكثر العلماء أن الصعيد من قوله تعالى صَعِيداً طَيِّباً هو التراب. انتهى.
واحتجوا بما
في صحيح مسلم «٢» عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله ﷺ فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة. وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا. وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء.
وفي لفظ: وجعل ترابها لنا طهورا إذا لم نجد الماء
. قالوا: فخصص الطهورية بالتراب في مقام الامتنان.
فلو كان غيره يقوم مقامه لذكره معه. قالوا: وحديث جابر «٣» المتفق عليه: جعلت
وأما حديث معاذ الذي استأنسوا به فلا دلالة فيه على النقض. لأنه لم يثبت أنه كان متوضئا قبل أن يأمره النبيّ ﷺ بالوضوء. ولا ثبت أنه كان متوضئا عند اللمس، فأخبره النبيّ ﷺ أنه قد انتقض وضوؤه كذا في (نيل الأوطار).
وقال ابن كثير: هو منقطع بين ابن أبي ليلى ومعاذ. فإنه لم يلقه. ثم يحتمل أنه إنما أمره بالوضوء والصلاة المكتوبة، كما تقدم في حديث الصديق «١» : ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له. وهو مذكور في سورة آل عمران عند قوله ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران: ١٣٥] الآية.
الخامسة- التيمم، لغة، القصد. يقال: تيممته وتأممته ويممته وآممته أي قصدته. وأما الصعيد فهو فعيل بمعنى الصاعد. قال الزجاج: الصعيد وجه الأرض، ترابا كان أو غيره. لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك. وفي (المصباح) الصعيد في كلام العرب يطلق على وجوه: على التراب الذي على وجه الأرض وعلى وجه الأرض. وعلى الطريق وفي (القاموس) : الصعيد التراب أو وجه الأرض.
قال الأزهريّ: ومذهب أكثر العلماء أن الصعيد من قوله تعالى صَعِيداً طَيِّباً هو التراب. انتهى.
واحتجوا بما
في صحيح مسلم «٢» عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله ﷺ فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة. وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا. وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء.
وفي لفظ: وجعل ترابها لنا طهورا إذا لم نجد الماء
. قالوا: فخصص الطهورية بالتراب في مقام الامتنان.
فلو كان غيره يقوم مقامه لذكره معه. قالوا: وحديث جابر «٣» المتفق عليه: جعلت
(١) أخرجه أبو داود في: الصلاة، ٢٦- باب في الاستغفار، حديث ١٥٢١. [.....]
(٢) أخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث ٤.
(٣)
أخرجه البخاريّ في: التيمم، ١- باب قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ، حديث ٢٣١، ونصه: عن جابر أن النبيّ ﷺ قال: «أعطيت
(٢) أخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث ٤.
(٣)
أخرجه البخاريّ في: التيمم، ١- باب قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ، حديث ٢٣١، ونصه: عن جابر أن النبيّ ﷺ قال: «أعطيت
128
لي الأرض مسجدا وطهورا، خصصه ما قبله لأن الخاص يحمل عليه العام. واحتجوا أيضا بأن الطيّب لا يكون إلا ترابا. قال الواحديّ: إنه تعالى أوجب في هذه الآية كون الصعيد طيّبا. والأرض الطيبة هي التي تنبت بدليل قوله تعالى وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ [الأعراف: ٥٨] فوجب في التي لا تنبت أن لا تكون طيبة.
فكان قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أمرا بالتيمم بالتراب فقط. وظاهر الأمر للوجوب.
واحتجوا أيضا بآية المائدة. قالوا: الآية هاهنا مطلقة ولكنها في سورة المائدة مقيّدة وهي قوله سبحانه وتعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة: ٦] وكلمة (من) للتبعيض وهذا لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه.
قال الزمخشريّ: وقولهم إن (من) لابتداء الغاية، قول متعسف. ولا يفهم أحد من العرب، من قول القائل: (مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب) إلا معنى التبعيض. ثم قال: والإذعان للحق أحق من المراء. انتهى.
وأجاب القائلون، بجواز التيمم بالأرض وما عليها، عن هذه الحجج- بأن الظاهر من لفظ الصعيد وجه الأرض لأنه ما صعد أي علا وارتفع على وجه الأرض.
وهذه الصفة لا تختص بالتراب. ويؤيد ذلك
حديث: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا.
وهو متفق عليه من حديث جابر وغيره. وما
ثبت في رواية بلفظ (وتربتها طهورا) كما أخرجه مسلم من حديث حذيفة
- فهو غير مستلزم لاختصاص التراب بذلك عند عدم الماء. لأن غاية ذلك أن لفظ التراب دل بمفهومه على أن غيره من أجزاء الأرض لا يشاركه في الطهورية. وهذا مفهوم لقب لا ينتهض لتخصيص عموم الكتاب والسنة. ولهذا لم يعمل به من يعتد به من أئمة الأصول. فيكون ذكر التراب، في تلك الرواية من باب التنصيص على بعض أفراد العام. وهكذا يكون الجواب عن ذكر التراب في غير هذا الحديث. ووجه ذكره أنه الذي يغلب استعماله في هذه الطهارة. ويؤيد هذا ما ثبت من تيممه ﷺ من جدار. وأما الاستدلال بوصف الصعيد بالطيب، ودعوى أن الطيب لا يكون إلا ترابا طاهرا منبتا لقوله تعالى
فكان قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أمرا بالتيمم بالتراب فقط. وظاهر الأمر للوجوب.
واحتجوا أيضا بآية المائدة. قالوا: الآية هاهنا مطلقة ولكنها في سورة المائدة مقيّدة وهي قوله سبحانه وتعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة: ٦] وكلمة (من) للتبعيض وهذا لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه.
قال الزمخشريّ: وقولهم إن (من) لابتداء الغاية، قول متعسف. ولا يفهم أحد من العرب، من قول القائل: (مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب) إلا معنى التبعيض. ثم قال: والإذعان للحق أحق من المراء. انتهى.
وأجاب القائلون، بجواز التيمم بالأرض وما عليها، عن هذه الحجج- بأن الظاهر من لفظ الصعيد وجه الأرض لأنه ما صعد أي علا وارتفع على وجه الأرض.
وهذه الصفة لا تختص بالتراب. ويؤيد ذلك
حديث: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا.
وهو متفق عليه من حديث جابر وغيره. وما
ثبت في رواية بلفظ (وتربتها طهورا) كما أخرجه مسلم من حديث حذيفة
- فهو غير مستلزم لاختصاص التراب بذلك عند عدم الماء. لأن غاية ذلك أن لفظ التراب دل بمفهومه على أن غيره من أجزاء الأرض لا يشاركه في الطهورية. وهذا مفهوم لقب لا ينتهض لتخصيص عموم الكتاب والسنة. ولهذا لم يعمل به من يعتد به من أئمة الأصول. فيكون ذكر التراب، في تلك الرواية من باب التنصيص على بعض أفراد العام. وهكذا يكون الجواب عن ذكر التراب في غير هذا الحديث. ووجه ذكره أنه الذي يغلب استعماله في هذه الطهارة. ويؤيد هذا ما ثبت من تيممه ﷺ من جدار. وأما الاستدلال بوصف الصعيد بالطيب، ودعوى أن الطيب لا يكون إلا ترابا طاهرا منبتا لقوله تعالى
خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر. وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ. وأحل لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي. وأعطيت الشفاعة. وكان النبيّ يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة».
وأخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث ٣
.
وأخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث ٣
.
129
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً [الأعراف: ٥٨]- فغير مفيد للمطلوب إلا بعد بيان اختصاص الطيّب بما ذكر. والضرورة تدفعه. فإن التراب المختلط بالأزبال أجود إخراجا للنبات. كذا في (الروضة الندية).
وأما الاستدلال بآية المائدة وظهور التبعيض في (من) فذاك إذا كان الضمير عائدا إلى الصعيد.
قال الناصر في (الانتصاف) : وثمة وجه آخر وهو عود الضمير على الحدث المدلول عليه بقوله وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى إلى آخرها فإن المفهوم منه: وإن كنتم على حدث في حال من هذه الأحوال: سفر أو مرض، أو مجيء من الغائط، أو ملامسة النساء فلم تجدوا ماء تتطهرون به من الحدث، فتيمموا منه. يقال: تيممت من الجنابة. قال: وموقع (من) على هذا مستعمل متداول. وهي على هذا الإعراب إما للتعليل أو الغاية. وكلاهما فيها متمكن. والله أعلم.
السادسة- أفاد قوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ أن الواجب في التيمم عن وضوء أو غسل هو مسح الوجه واليدين فقط. وهذا إجماع. إلا أن في اليدين مذاهب للأئمة. فمن قائل بأنهما يمسحان إلى المرفقين، لأن لفظ اليدين يصدق في إطلاقهما على ما يبلغ المنكبين وعلى ما يبلغ المرفقين. كما في آية الوضوء. وعلى ما يبلغ الكفين كما في آية السرقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما. وقالوا:
وحمل ما أطلق هاهنا، على ما قيد في آية الوضوء، أولى لجامع الطهورية.
وروى الشافعيّ عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الأعرج عن ابن الصمة قال: مررت على النبي ﷺ وهو يبول. فسلمت عليه فلم يرد عليّ. حتى قام إلى الجدار فحتّه بعصا كانت معه. ثم وضع يده على الجدار فمسح وجهه وذراعيه.
ثم رد عليّ.
وهذا الحديث منقطع. لأن الأعرج، وهو عبد الرحمن بن هرمز، لم يسمع هذا من ابن الصمة. وإنما سمعه من عمير مولى ابن عباس عن ابن الصمة. وكذا هو مخرج في الصحيحين عن عمير مولى ابن عباس قال: دخلنا على أبي جهيم بن الحارث. فقال أبو جهيم: أقبل رسول الله ﷺ من نحو بئر جمل. فلقيه رجل فسلم عليه. فلم يردّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتى أقبل على الجدار. فوضع يده على الحائط. فمسح بوجهه ويديه. ثم ردّ عليه السلام.
وأما الاستدلال بآية المائدة وظهور التبعيض في (من) فذاك إذا كان الضمير عائدا إلى الصعيد.
قال الناصر في (الانتصاف) : وثمة وجه آخر وهو عود الضمير على الحدث المدلول عليه بقوله وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى إلى آخرها فإن المفهوم منه: وإن كنتم على حدث في حال من هذه الأحوال: سفر أو مرض، أو مجيء من الغائط، أو ملامسة النساء فلم تجدوا ماء تتطهرون به من الحدث، فتيمموا منه. يقال: تيممت من الجنابة. قال: وموقع (من) على هذا مستعمل متداول. وهي على هذا الإعراب إما للتعليل أو الغاية. وكلاهما فيها متمكن. والله أعلم.
السادسة- أفاد قوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ أن الواجب في التيمم عن وضوء أو غسل هو مسح الوجه واليدين فقط. وهذا إجماع. إلا أن في اليدين مذاهب للأئمة. فمن قائل بأنهما يمسحان إلى المرفقين، لأن لفظ اليدين يصدق في إطلاقهما على ما يبلغ المنكبين وعلى ما يبلغ المرفقين. كما في آية الوضوء. وعلى ما يبلغ الكفين كما في آية السرقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما. وقالوا:
وحمل ما أطلق هاهنا، على ما قيد في آية الوضوء، أولى لجامع الطهورية.
وروى الشافعيّ عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الأعرج عن ابن الصمة قال: مررت على النبي ﷺ وهو يبول. فسلمت عليه فلم يرد عليّ. حتى قام إلى الجدار فحتّه بعصا كانت معه. ثم وضع يده على الجدار فمسح وجهه وذراعيه.
ثم رد عليّ.
وهذا الحديث منقطع. لأن الأعرج، وهو عبد الرحمن بن هرمز، لم يسمع هذا من ابن الصمة. وإنما سمعه من عمير مولى ابن عباس عن ابن الصمة. وكذا هو مخرج في الصحيحين عن عمير مولى ابن عباس قال: دخلنا على أبي جهيم بن الحارث. فقال أبو جهيم: أقبل رسول الله ﷺ من نحو بئر جمل. فلقيه رجل فسلم عليه. فلم يردّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتى أقبل على الجدار. فوضع يده على الحائط. فمسح بوجهه ويديه. ثم ردّ عليه السلام.
130
ولأبي داود «١» عن نافع قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس.
فقضى ابن عمر حاجته. فكان من حديثه يومئذ أن قال: مر رجل على رسول الله ﷺ في سكة من السكك. وقد خرج من غائط أو بول. فسلم عليه فلم يرد عليه. حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة، ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه. ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه. ثم رد على الرجل السلام. وقال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام، إلا أني لم أكن على طهر. وفي رواية: فمسح ذراعيه إلى المرفقين
. فهذا أجود ما في الباب. فإن البيهقيّ أشار إلى صحته. كذا في (لباب التأويل).
قال ابن كثير في حديث أبي داود ما نصه: ولكن في إسناده محمد بن ثابت العبديّ. وقد ضعفه بعض الحفاظ. ورواه غيره من الثقات فوقفوه على فعل ابن عمر.
قال البخاريّ، وأبو زرعة وابن عديّ: هو الصحيح.
وقال البيهقيّ: رفع هذا الحديث منكر.
قال ابن كثير: وذكر بعضهم ما رواه الدّارقطنيّ عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين.
ولكن لا يصح. لأن في إسناده ضعفا لا يثبت الحديث به. انتهى.
وذلك لأن فيه عليّ بن ظبيان. قال الحافظ ابن حجر: هو ضعيف، ضعفه القطان وابن معين وغير واحد. وبه يعلم أن ما استدل به على إيجاب الضربتين، مما ذكر، ففيه نظر. لأن طرقها جميعها لا تخلو من مقال. ولو صحت لكان الأخذ بها متعينا لما فيها من الزيادة.
ذهب الزهريّ إلى أنه يمسح اليدين إلى المنكبين. ويدل على ذلك ما روي عن عمار بن ياسر قال: تمسّحوا وهم مع رسول الله ﷺ بالصعيد لصلاة الفجر.
فضربوا بأكفهم الصعيد ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة. ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى. فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم.
أخرجه أبو داود «٢».
فقضى ابن عمر حاجته. فكان من حديثه يومئذ أن قال: مر رجل على رسول الله ﷺ في سكة من السكك. وقد خرج من غائط أو بول. فسلم عليه فلم يرد عليه. حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة، ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه. ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه. ثم رد على الرجل السلام. وقال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام، إلا أني لم أكن على طهر. وفي رواية: فمسح ذراعيه إلى المرفقين
. فهذا أجود ما في الباب. فإن البيهقيّ أشار إلى صحته. كذا في (لباب التأويل).
قال ابن كثير في حديث أبي داود ما نصه: ولكن في إسناده محمد بن ثابت العبديّ. وقد ضعفه بعض الحفاظ. ورواه غيره من الثقات فوقفوه على فعل ابن عمر.
قال البخاريّ، وأبو زرعة وابن عديّ: هو الصحيح.
وقال البيهقيّ: رفع هذا الحديث منكر.
قال ابن كثير: وذكر بعضهم ما رواه الدّارقطنيّ عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين.
ولكن لا يصح. لأن في إسناده ضعفا لا يثبت الحديث به. انتهى.
وذلك لأن فيه عليّ بن ظبيان. قال الحافظ ابن حجر: هو ضعيف، ضعفه القطان وابن معين وغير واحد. وبه يعلم أن ما استدل به على إيجاب الضربتين، مما ذكر، ففيه نظر. لأن طرقها جميعها لا تخلو من مقال. ولو صحت لكان الأخذ بها متعينا لما فيها من الزيادة.
فصل
ذهب الزهريّ إلى أنه يمسح اليدين إلى المنكبين. ويدل على ذلك ما روي عن عمار بن ياسر قال: تمسّحوا وهم مع رسول الله ﷺ بالصعيد لصلاة الفجر.
فضربوا بأكفهم الصعيد ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة. ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى. فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم.
أخرجه أبو داود «٢».
(١) أخرجه أبو داود في: الطهارة، ١٢٢- باب التيمم في الحضر، حديث ٣٣٠.
(٢) أخرجه أبو داود: الطهارة، ١٢١- باب التيمم، حديث ٣١٨.
(٢) أخرجه أبو داود: الطهارة، ١٢١- باب التيمم، حديث ٣١٨.
131
قال الحافظ في (الفتح) : وأما رواية الآباط فقال الشافعيّ وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبيّ ﷺ فكل تيمم صح للنبيّ ﷺ بعده فهو ناسخ له. وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به.
والحق الوقوف في صفة التيمم على ما ثبت في الصحيحين «١» من حديث عمار، من الاقتصار على ضربة واحدة للوجه والكفين.
قال عمار: أجنبت فلم أصب الماء. فتمعكت في الصعيد وصليت. فذكرت ذلك للنبيّ ﷺ فقال: إنما كان يكفيك هكذا. وضرب النبيّ ﷺ بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه
. متفق عليه.
وفي لفظ: إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين. رواه الدّارقطنيّ.
وروى الإمام أحمد وأبو داود «٢» عن عمار بن ياسر أن النبيّ ﷺ قال في التيمم ضربة للوجه واليدين.
وفي لفظ: إن النبيّ ﷺ أمره بالتيمم للوجه والكفين. رواه الترمذيّ «٣»
وصححه.
قال ابن عبد البر: أكثر الآثار المرفوعة عن عمار ضربة واحدة. وما روي عنه من ضربتين فكلها مضطربة. وأما الجواب عن المتفق عليه من حديث عمار بأن المراد منه بيان صورة الضرب، وليس المراد منه جميع ما يحصل به التيمم- فتكلف واضح، ومخالفة للظاهر.
وقد سرى هذا إلى العلامة السنديّ في (حواشي البخاريّ) حيث كتب على
فصل
والحق الوقوف في صفة التيمم على ما ثبت في الصحيحين «١» من حديث عمار، من الاقتصار على ضربة واحدة للوجه والكفين.
قال عمار: أجنبت فلم أصب الماء. فتمعكت في الصعيد وصليت. فذكرت ذلك للنبيّ ﷺ فقال: إنما كان يكفيك هكذا. وضرب النبيّ ﷺ بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه
. متفق عليه.
وفي لفظ: إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين. رواه الدّارقطنيّ.
وروى الإمام أحمد وأبو داود «٢» عن عمار بن ياسر أن النبيّ ﷺ قال في التيمم ضربة للوجه واليدين.
وفي لفظ: إن النبيّ ﷺ أمره بالتيمم للوجه والكفين. رواه الترمذيّ «٣»
وصححه.
قال ابن عبد البر: أكثر الآثار المرفوعة عن عمار ضربة واحدة. وما روي عنه من ضربتين فكلها مضطربة. وأما الجواب عن المتفق عليه من حديث عمار بأن المراد منه بيان صورة الضرب، وليس المراد منه جميع ما يحصل به التيمم- فتكلف واضح، ومخالفة للظاهر.
وقد سرى هذا إلى العلامة السنديّ في (حواشي البخاريّ) حيث كتب على
(١)
أخرجه البخاريّ في: التيمم، ٤- باب المتيمم هل ينفخ فيهما؟ حديث ٢٣٣ ونصه: عن عبد الرحمن بن أبزى قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء. فقال عمّار ابن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر، أنا وأنت. فأما أنت فلم تصلّ. وأما أنا فتمعكت فصليت. فذكرت للنبيّ صلى الله عليه وسلم. فقال النبيّ ﷺ «إنما كان يكفيك هكذا» فضرب النبيّ ﷺ وأخرجه مسلم في: الحيض، حديث ١١٢.
(٢) أخرجه أبو داود في: الطهارة، ١٢١- باب التيمم، حديث ٣٢٧.
(٣) أخرجه الترمذيّ في: الطهارة، ١١٠- باب ما جاء في التيمم.
أخرجه البخاريّ في: التيمم، ٤- باب المتيمم هل ينفخ فيهما؟ حديث ٢٣٣ ونصه: عن عبد الرحمن بن أبزى قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء. فقال عمّار ابن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر، أنا وأنت. فأما أنت فلم تصلّ. وأما أنا فتمعكت فصليت. فذكرت للنبيّ صلى الله عليه وسلم. فقال النبيّ ﷺ «إنما كان يكفيك هكذا» فضرب النبيّ ﷺ وأخرجه مسلم في: الحيض، حديث ١١٢.
(٢) أخرجه أبو داود في: الطهارة، ١٢١- باب التيمم، حديث ٣٢٧.
(٣) أخرجه الترمذيّ في: الطهارة، ١١٠- باب ما جاء في التيمم.
132
حديث عمار ما نصه: قد استدل المصنف (يعني البخاريّ) بهذا الحديث على عدم لزوم الذراعين في التيمم في موضع. وعلى عدم وجوب الضربة الثانية في موضع آخر، وكذا سيجيء في الروايات هذا الحديث أنه ﷺ قدم في هذه الواقعة الكفين على الوجه. فاستدل به القائل لعدم لزوم الترتيب. فلعل القائل بخلاف ذلك يقول: إن هذا الحديث ليس مسوقا لبيان عدد الضربات ولا لبيان تحديد اليد في التيمم ولا لبيان عدم لزوم الترتيب. بل ذلك أمر مفوض إلى أدلة خارجة، وإنما هو مسوق لرد ما زعمه عمار من أن الجنب يستوعب البدن كله، والقصر في قوله: (إنما كان يكفيك) معتبر بالنسبة إليه. كما هو القاعدة أن القصر يعتبر بالنظر إلى زعم المخاطب.
فالمعنى: إنما يكفيك استعمال الصعيد في عضوين: وهما الوجه واليد. وأشار إلى اليد ب (الكف). ولا حاجة إلى استعماله في تمام البدن. وعلى هذا يستدل على عدد الضربات وتحديد اليد ولزوم الترتيب أو عدمه بأدلة أخر. كحديث: التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين. وغير ذلك. فإنه صحيح كما نص عليه بعض الحفاظ. وهو مسوق لمعرفة عدد الضربات وتحديد اليد، فيقدم على غير المسوق لذلك. والله تعالى أعلم. انتهى كلامه.
وقوله: فإنه حديث صحيح، فيه ما تقدم.
وقد قال الإمام ابن القيم في (زاد العماد) في (فصل هديه ﷺ بالتيمم) ما نصه: كان ﷺ يتيمم بضربة واحدة للوجه والكفين. ولم يصح عنه أنه تيمم بضربتين ولا إلى المرفقين. قال الإمام أحمد: من قال: إن التيمم إلى المرفقين فإنما هو شيء زاده من عنده. وكذلك كان يتيمم بالأرض التي يصلي عليها. ترابا كانت أو سبخة أو رملا. وصح عنه أنه
قال: حيثما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره
. وهذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل فالرمل له طهور. ولما سافر ﷺ هو وأصحابه في غزوة تبوك، قطعوا تلك الرمال في طريقهم، وماؤهم في غاية القلة. ولم يرو عنه أنه حمل معه التراب، ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه. مع القطع بأن في المفاوز، الرمال أكثر من التراب. وكذلك أرض الحجاز وغيره. ومن تدبر هذا قطع بأنه كان يتيمم بالرمل. والله أعلم. وهذا قول الجمهور.
وأما ما ذكر في صفة التيمم من وضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور اليمنى، ثم إمرارها إلى المرفق، ثم إدارة بطن كفه على بطن الذراع، وإقامة إبهامه اليسرى كالمؤذن إلى أن يصل إلى إبهامه اليمنى، فيطبقها عليها- فهذا مما يعلم
فالمعنى: إنما يكفيك استعمال الصعيد في عضوين: وهما الوجه واليد. وأشار إلى اليد ب (الكف). ولا حاجة إلى استعماله في تمام البدن. وعلى هذا يستدل على عدد الضربات وتحديد اليد ولزوم الترتيب أو عدمه بأدلة أخر. كحديث: التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين. وغير ذلك. فإنه صحيح كما نص عليه بعض الحفاظ. وهو مسوق لمعرفة عدد الضربات وتحديد اليد، فيقدم على غير المسوق لذلك. والله تعالى أعلم. انتهى كلامه.
وقوله: فإنه حديث صحيح، فيه ما تقدم.
وقد قال الإمام ابن القيم في (زاد العماد) في (فصل هديه ﷺ بالتيمم) ما نصه: كان ﷺ يتيمم بضربة واحدة للوجه والكفين. ولم يصح عنه أنه تيمم بضربتين ولا إلى المرفقين. قال الإمام أحمد: من قال: إن التيمم إلى المرفقين فإنما هو شيء زاده من عنده. وكذلك كان يتيمم بالأرض التي يصلي عليها. ترابا كانت أو سبخة أو رملا. وصح عنه أنه
قال: حيثما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره
. وهذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل فالرمل له طهور. ولما سافر ﷺ هو وأصحابه في غزوة تبوك، قطعوا تلك الرمال في طريقهم، وماؤهم في غاية القلة. ولم يرو عنه أنه حمل معه التراب، ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه. مع القطع بأن في المفاوز، الرمال أكثر من التراب. وكذلك أرض الحجاز وغيره. ومن تدبر هذا قطع بأنه كان يتيمم بالرمل. والله أعلم. وهذا قول الجمهور.
وأما ما ذكر في صفة التيمم من وضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور اليمنى، ثم إمرارها إلى المرفق، ثم إدارة بطن كفه على بطن الذراع، وإقامة إبهامه اليسرى كالمؤذن إلى أن يصل إلى إبهامه اليمنى، فيطبقها عليها- فهذا مما يعلم
133
قطعا أن النبيّ ﷺ لم يفعله. ولا علّمه أحدا من أصحابه. ولا أمر به ولا استحسنه.
وهذا هديه. إليه التحاكم. وكذلك لم يصح عنه التيمم لكل صلاة. ولا أمر به. بل أطلق وجعله قائما مقام الوضوء. وهذا يقتضي أن يكون حكمه حكمه، إلا فيما اقتضى الدليل خلافه. انتهى.
السابعة- ذكر هنا الحافظ ابن كثير سبب مشروعية التيمم قال: وإنما ذكرنا ذلك هاهنا، لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة. وبيانه: أن هذه نزلت قبل تحريم الخمر. والخمر إنما حرم بعد أحد بيسير. في محاصرة النبيّ ﷺ لبني النضير. وأما المائدة فإنها من آخر ما نزل. ولا سيما صدرها. فناسب أن يذكر السبب هنا. وبالله الثقة.
قال الإمام أحمد «١» حدثنا ابن نمير حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة. أنها استعارت من أسماء قلادة. فهلكت. فبعث رسول الله ﷺ رجالا في طلبها.
فوجدوها. فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء. فصلوا بغير وضوء. فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله عز وجل التيمم. فقال أسيد بن الحضير، لعائشة: جزاك الله خيرا. فو الله! ما نزل بك أمر تكرهينه، إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا.
(طريق أخرى)
قال البخاريّ «٢» : حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة زوج النبيّ ﷺ قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض أسفاره: حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش، انقطع عقد لي. فأقام رسول الله ﷺ على التماسه. وأقام الناس معه. وليسوا على ماء.
وليس معهم ماء. فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟
أقامت برسول الله ﷺ وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر، ورسول الله ﷺ واضع رأسه على فخذي، قد نام. فقال: حبست رسول الله ﷺ والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول. فجعل يطعنني بيده في خاصرتي. فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله ﷺ على فخذي. فقام رسول الله ﷺ حتى أصبح على غير ماء.
فأنزل الله آية التيمم. فتيمموا. فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.
وهذا هديه. إليه التحاكم. وكذلك لم يصح عنه التيمم لكل صلاة. ولا أمر به. بل أطلق وجعله قائما مقام الوضوء. وهذا يقتضي أن يكون حكمه حكمه، إلا فيما اقتضى الدليل خلافه. انتهى.
السابعة- ذكر هنا الحافظ ابن كثير سبب مشروعية التيمم قال: وإنما ذكرنا ذلك هاهنا، لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة. وبيانه: أن هذه نزلت قبل تحريم الخمر. والخمر إنما حرم بعد أحد بيسير. في محاصرة النبيّ ﷺ لبني النضير. وأما المائدة فإنها من آخر ما نزل. ولا سيما صدرها. فناسب أن يذكر السبب هنا. وبالله الثقة.
قال الإمام أحمد «١» حدثنا ابن نمير حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة. أنها استعارت من أسماء قلادة. فهلكت. فبعث رسول الله ﷺ رجالا في طلبها.
فوجدوها. فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء. فصلوا بغير وضوء. فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله عز وجل التيمم. فقال أسيد بن الحضير، لعائشة: جزاك الله خيرا. فو الله! ما نزل بك أمر تكرهينه، إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا.
(طريق أخرى)
قال البخاريّ «٢» : حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة زوج النبيّ ﷺ قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض أسفاره: حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش، انقطع عقد لي. فأقام رسول الله ﷺ على التماسه. وأقام الناس معه. وليسوا على ماء.
وليس معهم ماء. فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟
أقامت برسول الله ﷺ وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر، ورسول الله ﷺ واضع رأسه على فخذي، قد نام. فقال: حبست رسول الله ﷺ والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول. فجعل يطعنني بيده في خاصرتي. فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله ﷺ على فخذي. فقام رسول الله ﷺ حتى أصبح على غير ماء.
فأنزل الله آية التيمم. فتيمموا. فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.
(١) أخرجه في المسند ٦/ ٥٧.
(٢) أخرجه البخاريّ في: التيمم، ١- باب قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ، حديث ٢٣٠.
(٢) أخرجه البخاريّ في: التيمم، ١- باب قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ، حديث ٢٣٠.
134
قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
وقد رواه البخاريّ «١» أيضا عن قتيبة بن سعيد عن مالك.
ورواه مسلم «٢» عن يحيى بن يحيى عن مالك.
انتهى كلام ابن كثير.
وأورد الواحديّ في (أسباب النزول) هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضا.
وقال ابن العربيّ: لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة. قال ابن بطال: هي آية النساء أو آية المائدة. وقال القرطبيّ: هي آية النساء. ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء، فيتجه تخصيصها بآية التيمم.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : وخفي على الجميع ما ظهر للبخاريّ «٣» من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد. لرواية عمرو بن الحارث. إذ صرح فيها بقوله:
فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الآية.
وقال الحافظ قبل: استدل به (أي بحديث عائشة) على أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول آية الوضوء. ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء. ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع. وقال ابن عبد البر: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه ﷺ لم يصلّ منذ افترضت الصلاة عليه إلا بوضوء. ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند، قال:
وفي قوله في هذا الحديث (آية التيمم) إشارة إلى أن الذي طرأ عليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء، قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به، ليكون فرضه متلوّا بالتنزيل.
قال السيوطيّ في (لباب النقول) بعد تصويب هذا الكلام: فإن فرض الوضوء كان مع فرض الصلاة بمكة. والآية مدنية. انتهى.
وقد رواه البخاريّ «١» أيضا عن قتيبة بن سعيد عن مالك.
ورواه مسلم «٢» عن يحيى بن يحيى عن مالك.
انتهى كلام ابن كثير.
وأورد الواحديّ في (أسباب النزول) هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضا.
وقال ابن العربيّ: لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة. قال ابن بطال: هي آية النساء أو آية المائدة. وقال القرطبيّ: هي آية النساء. ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء، فيتجه تخصيصها بآية التيمم.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : وخفي على الجميع ما ظهر للبخاريّ «٣» من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد. لرواية عمرو بن الحارث. إذ صرح فيها بقوله:
فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الآية.
وقال الحافظ قبل: استدل به (أي بحديث عائشة) على أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول آية الوضوء. ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء. ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع. وقال ابن عبد البر: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه ﷺ لم يصلّ منذ افترضت الصلاة عليه إلا بوضوء. ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند، قال:
وفي قوله في هذا الحديث (آية التيمم) إشارة إلى أن الذي طرأ عليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء، قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به، ليكون فرضه متلوّا بالتنزيل.
قال السيوطيّ في (لباب النقول) بعد تصويب هذا الكلام: فإن فرض الوضوء كان مع فرض الصلاة بمكة. والآية مدنية. انتهى.
(١) أخرجه في: فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، ٥- باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا».
(٢) أخرجه مسلم في: الحيض، حديث ١٠٨.
(٣)
أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٥- سورة المائدة، ٣- باب قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً، حديث ٢٣٠، حدثنا يحيى بن سليمان ونصه: عن عائشة رضي الله عنها: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة. فأناخ النبيّ ﷺ ونزل. فثنى رأسه في حجري راقدا. أقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال: حبست الناس في قلادة. فبي الموت لمكان رسول الله ﷺ وقد أوجعني. ثم إن النبيّ ﷺ استيقظ وحضرت الصبح، فالتمس الماء فلم يوجد. فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ... الآية. فقال أسيد بن حضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل بكر، ما أنتم إلا بركة لهم.
(٢) أخرجه مسلم في: الحيض، حديث ١٠٨.
(٣)
أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٥- سورة المائدة، ٣- باب قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً، حديث ٢٣٠، حدثنا يحيى بن سليمان ونصه: عن عائشة رضي الله عنها: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة. فأناخ النبيّ ﷺ ونزل. فثنى رأسه في حجري راقدا. أقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال: حبست الناس في قلادة. فبي الموت لمكان رسول الله ﷺ وقد أوجعني. ثم إن النبيّ ﷺ استيقظ وحضرت الصبح، فالتمس الماء فلم يوجد. فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ... الآية. فقال أسيد بن حضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل بكر، ما أنتم إلا بركة لهم.
135
وقال الحافظ ابن حجر أيضا في قول أسيد (ما هي بأول بركتكم) : يشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك. فيقوّي قول من ذهب إلى تعدد ضياع العقد.
وممن جزم بذلك محمد بن حبيب الأخباريّ فقال: سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع وفي غزوة بني المصطلق.
وقد روى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع... الحديث. فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق. لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة، وهي بعدها بلا خلاف قال: وسيأتي في المغازي أن البخاريّ يرى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبي موسى، وقدومه كان في وقت إسلام أبي هريرة. ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة الإفك، ما رواه الطبرانيّ من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت: لما كان من أمر عقدي ما كان وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله ﷺ في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه. فقال لي أبو بكر: يا بنية! في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس؟ فأنزل الله عز وجل الرخصة في التيمم. فقال أبو بكر: إنك لمباركة (ثلاثا). وفي إسناده محمد بن حميد الرازيّ وفيه مقال. وفي سياقه من الفوائد بيان عتاب أبي بكر الذي أبهم في حديث الباب، والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين. والله أعلم. انتهى كلام الحافظ.
وقال الإمام شمس الدين ابن القيّم في (زاد المعاد) في (غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق) : إنها كانت في شعبان سنة خمس. وبعد ذكرها قال: قال ابن سعد: وفي هذه الغزوة سقط عقد لعائشة فاحتبسوا على طلبه، فنزلت آية التيمم. ثم ساق حديث الطبرانيّ المتقدم وقال: هذا يدل على أن قصة العقد التي نزل التيمم لأجلها بعد هذه الغزوة. وهو الظاهر. ولكن فيها كانت قصة الإفك بسبب فقد العقد والتماسه. فالتبس على بعضهم إحدى القصتين بالأخرى. انتهى.
وقد روي سبب نزول الآية المذكورة أيضا عن عمار بن ياسر رضي الله عنه «١» قال: إن رسول الله ﷺ عرّس بأولات الجيش ومعه عائشة فانقطع عقد لها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء. فتغيظ عليها أبو بكر. وقال: حبست الناس وليس معهم ماء! فأنزل الله تعالى على رسوله ﷺ رخصة التطهّر بالصعيد الطيب. فقام المسلمون مع رسول الله ﷺ فضربوا
وممن جزم بذلك محمد بن حبيب الأخباريّ فقال: سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع وفي غزوة بني المصطلق.
وقد روى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع... الحديث. فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق. لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة، وهي بعدها بلا خلاف قال: وسيأتي في المغازي أن البخاريّ يرى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبي موسى، وقدومه كان في وقت إسلام أبي هريرة. ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة الإفك، ما رواه الطبرانيّ من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت: لما كان من أمر عقدي ما كان وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله ﷺ في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه. فقال لي أبو بكر: يا بنية! في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس؟ فأنزل الله عز وجل الرخصة في التيمم. فقال أبو بكر: إنك لمباركة (ثلاثا). وفي إسناده محمد بن حميد الرازيّ وفيه مقال. وفي سياقه من الفوائد بيان عتاب أبي بكر الذي أبهم في حديث الباب، والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين. والله أعلم. انتهى كلام الحافظ.
وقال الإمام شمس الدين ابن القيّم في (زاد المعاد) في (غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق) : إنها كانت في شعبان سنة خمس. وبعد ذكرها قال: قال ابن سعد: وفي هذه الغزوة سقط عقد لعائشة فاحتبسوا على طلبه، فنزلت آية التيمم. ثم ساق حديث الطبرانيّ المتقدم وقال: هذا يدل على أن قصة العقد التي نزل التيمم لأجلها بعد هذه الغزوة. وهو الظاهر. ولكن فيها كانت قصة الإفك بسبب فقد العقد والتماسه. فالتبس على بعضهم إحدى القصتين بالأخرى. انتهى.
وقد روي سبب نزول الآية المذكورة أيضا عن عمار بن ياسر رضي الله عنه «١» قال: إن رسول الله ﷺ عرّس بأولات الجيش ومعه عائشة فانقطع عقد لها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء. فتغيظ عليها أبو بكر. وقال: حبست الناس وليس معهم ماء! فأنزل الله تعالى على رسوله ﷺ رخصة التطهّر بالصعيد الطيب. فقام المسلمون مع رسول الله ﷺ فضربوا
(١) أخرجه أبو داود في: الطهارة، ١٢١- باب التيمم، حديث ٣٢٠. [.....]
136
بأيديهم إلى الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئا. فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط.
ورواه أيضا ابن جرير عن أبي اليقظان رضي الله عنه «١» قال: كنا مع رسول الله ﷺ فهلك عقد لعائشة فأقام رسول الله ﷺ حتى أضاء الصبح. فتغيظ أبو بكر على عائشة. فنزلت عليه الرخصة، المسح بالصعيد. فدخل أبو بكر فقال لها: إنك لمباركة. نزل فيك رخصة.
فضربنا بأيدينا: ضربة لوجوهنا وضربة لأيدينا إلى المناكب والآباط.
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه في سبب نزولها وجها آخر عن الأسلع بن شريك رضي الله عنه قال: كنت أرحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأصابتني جنابة في ليلة باردة. وأراد رسول الله ﷺ الرحلة فكرهت أن أرحل ناقة رسول الله ﷺ وأنا جنب.
وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض. فأمرت رجلا من الأنصار فرحلها ثم رضفت أحجارا فأسخنت بها ماء واغتسلت. ثم لحقت رسول الله ﷺ وأصحابه فقال: يا أسلع! مالي أرى رحلتك قد تغيرت؟ قلت: يا رسول الله! لم أرحلها رحلها رجل من الأنصار. قال: ولم؟ قلت: إني أصابتني جنابة فخشيت القرّ على نفسي، فأمرته أن يرحلها ورضفت أحجارا فأسخنت بها ماء فاغتسلت به. فأنزل الله عز وجل لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى إلى قوله إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً.
قال ابن كثير: وقد روي من وجه آخر، عنه.
وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٤]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤)
أَلَمْ تَرَ من رؤية القلب. وضمن معنى الانتهاء. أي: ألم ينته علمك إليهم.
أو من رؤية البصر. أو: ألم تنظر إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ أي حظّا من علم التوراة. وهم أحبار اليهود. قال العلامة أبو السعود: المراد بالذي أوتوه، ما بيّن لهم فيها من الأحكام والعلوم التي من جملتها ما علموه من نعوت النبيّ ﷺ وحقية الإسلام. والتعبير عنه بالنصيب، المنبئ عن كونه حقّا من حقوقهم، التي يجب مراعاتها والمحافظة عليها للإيذان بكمال ركاكة آرائهم حيث ضيعوه تضييعا.
ورواه أيضا ابن جرير عن أبي اليقظان رضي الله عنه «١» قال: كنا مع رسول الله ﷺ فهلك عقد لعائشة فأقام رسول الله ﷺ حتى أضاء الصبح. فتغيظ أبو بكر على عائشة. فنزلت عليه الرخصة، المسح بالصعيد. فدخل أبو بكر فقال لها: إنك لمباركة. نزل فيك رخصة.
فضربنا بأيدينا: ضربة لوجوهنا وضربة لأيدينا إلى المناكب والآباط.
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه في سبب نزولها وجها آخر عن الأسلع بن شريك رضي الله عنه قال: كنت أرحل ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأصابتني جنابة في ليلة باردة. وأراد رسول الله ﷺ الرحلة فكرهت أن أرحل ناقة رسول الله ﷺ وأنا جنب.
وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض. فأمرت رجلا من الأنصار فرحلها ثم رضفت أحجارا فأسخنت بها ماء واغتسلت. ثم لحقت رسول الله ﷺ وأصحابه فقال: يا أسلع! مالي أرى رحلتك قد تغيرت؟ قلت: يا رسول الله! لم أرحلها رحلها رجل من الأنصار. قال: ولم؟ قلت: إني أصابتني جنابة فخشيت القرّ على نفسي، فأمرته أن يرحلها ورضفت أحجارا فأسخنت بها ماء فاغتسلت به. فأنزل الله عز وجل لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى إلى قوله إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً.
قال ابن كثير: وقد روي من وجه آخر، عنه.
وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٤]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤)
أَلَمْ تَرَ من رؤية القلب. وضمن معنى الانتهاء. أي: ألم ينته علمك إليهم.
أو من رؤية البصر. أو: ألم تنظر إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ أي حظّا من علم التوراة. وهم أحبار اليهود. قال العلامة أبو السعود: المراد بالذي أوتوه، ما بيّن لهم فيها من الأحكام والعلوم التي من جملتها ما علموه من نعوت النبيّ ﷺ وحقية الإسلام. والتعبير عنه بالنصيب، المنبئ عن كونه حقّا من حقوقهم، التي يجب مراعاتها والمحافظة عليها للإيذان بكمال ركاكة آرائهم حيث ضيعوه تضييعا.
(١) الأثر ٩٦٧٠ من التفسير.
وتنوينه تفخيميّ مؤيد للتشنيع عليهم، والتعجيب من حالهم. فالتعبير عنهم بالموصول للتنبيه بما في حيز الصلة على كمال شناعتهم، والإشعار بمكان ما طوي ذكره في المعاملة المحكية عنهم من الهدى الذي هو أحد العوضين يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وهو البقاء على اليهودية، بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه هو النبيّ المبشّر به في التوراة والإنجيل. أي يأخذون الضلالة ويتركون ما أوتوه من الهدى ليشتروا ثمنا قليلا من حطام الدنيا.
وإنما طوى ذكر المتروك لغاية ظهور الأمر. لا سيما بعد الإشعار المذكور.
والتعبير عن ذلك بالاشتراء، الذي هو عبارة عن استبدال السلعة بالثمن، أي أخذها بدلا منه، أخذا ناشئا عن الرغبة فيها والإعراض عنه- للإيذان بكمال رغبتهم في الضلالة، التي حقها أن يعرض عنها كلّ الإعراض. وإعراضهم عن الهداية التي يتنافس فيها المتنافسون. وفيه من التسجيل على نهاية سخافة عقولهم، وغاية ركاكة آرائهم- ما لا يخفى. حيث صورت حالهم بصورة ما لا يكاد يتعاطاه أحد ممن له أدنى تمييز. قاله أبو السعود وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ أي لا يكتفون بضلال أنفسهم بل يريدون بما فعلوا، من كتمان نعوته صلى الله عليه وسلم، أن تضلوا أيها المؤمنون سبيل الحق كما ضلوا، ويودون لو تكفرون بما أنزل عليكم من الهدى والعلم النافع.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٥]
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (٤٥)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ أي منكم بِأَعْدائِكُمْ أي وقد أخبركم بعداوتهم لكم، وما يريدون بكم، فاحذروهم. ولا تستنصحوهم في أموركم، ولا تستشيروهم وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا يلي أموركم وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً ينصركم. أي: فثقوا بولايته ونصرته دونهم. ولا تتولوا غيره. أو: ولا تبالوا بهم وبما يسومونكم من السوء. فإنه تعالى يكفيكم مكرهم وشرهم. ففيه وعد ووعيد.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٦]
مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦)
وإنما طوى ذكر المتروك لغاية ظهور الأمر. لا سيما بعد الإشعار المذكور.
والتعبير عن ذلك بالاشتراء، الذي هو عبارة عن استبدال السلعة بالثمن، أي أخذها بدلا منه، أخذا ناشئا عن الرغبة فيها والإعراض عنه- للإيذان بكمال رغبتهم في الضلالة، التي حقها أن يعرض عنها كلّ الإعراض. وإعراضهم عن الهداية التي يتنافس فيها المتنافسون. وفيه من التسجيل على نهاية سخافة عقولهم، وغاية ركاكة آرائهم- ما لا يخفى. حيث صورت حالهم بصورة ما لا يكاد يتعاطاه أحد ممن له أدنى تمييز. قاله أبو السعود وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ أي لا يكتفون بضلال أنفسهم بل يريدون بما فعلوا، من كتمان نعوته صلى الله عليه وسلم، أن تضلوا أيها المؤمنون سبيل الحق كما ضلوا، ويودون لو تكفرون بما أنزل عليكم من الهدى والعلم النافع.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٥]
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (٤٥)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ أي منكم بِأَعْدائِكُمْ أي وقد أخبركم بعداوتهم لكم، وما يريدون بكم، فاحذروهم. ولا تستنصحوهم في أموركم، ولا تستشيروهم وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا يلي أموركم وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً ينصركم. أي: فثقوا بولايته ونصرته دونهم. ولا تتولوا غيره. أو: ولا تبالوا بهم وبما يسومونكم من السوء. فإنه تعالى يكفيكم مكرهم وشرهم. ففيه وعد ووعيد.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٦]
مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦)
138
مِنَ الَّذِينَ هادُوا بيان للموصول وهو الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ فإن متناول لأهل الكتابين. وقد وسط بينهما ما وسط لمزيد الاعتناء ببيان محل التشنيع والتعجيب والمسارعة إلى تنفير المؤمنين منهم، وتحذيرهم عن مخالطتهم، والاهتمام بحملهم على الثقة بالله عز وجل، والاكتفاء بولايته ونصرته. وقوله تعالى يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ هو وما عطف عليه بيان لاشترائهم المذكور، وتفصيل لفنون ضلالهم. فقد روعيت في النظم الكريم طريقة التفسير بعد الإبهام، والتفصيل إثر الإجمال. روما لزيادة تقرير يقتضيه الحال. أفاده أبو السعود.
قال الإمام ابن كثير: قوله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ أي يتناولونه على غير تأويله، ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل، قصدا منهم وافتراء.
وقال العلامة الرازيّ: في كيفية التحريف وجوه: أحدها- إنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر. ثم قال: والثاني- أن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة والتأويلات الفاسدة وصرف اللفظ من معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية. كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا، بالآيات المخالفة لمذاهبهم، وهذا هو الأصح. والثالث- أنهم كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به. فإذا خرجوا من عنده حرّفوا كلامه. انتهى.
وقال الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى في (إغاثة اللهفان) : قد اختلف في التوراة التي بأيديهم. هل هي مبدلة أم التبديل وقع في التأويل دون التنزيل؟ على ثلاثة أقوال: قالت طائفة: كلها أو أكثرها مبدل. وغلا بعضهم حتى قال: يجوز الاستجمار بها. وقالت طائفة من أئمة الحديث والفقه الكلام: إنما وقع التبديل في التأويل. قال البخاريّ «١» في (صحيحه) : يحرفون يزيلون. وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله. ولكنهم يتأولونه على غير تأويله. وهو اختيار الرازيّ أيضا.
وسمعت شيخنا يقول: وقع النزاع بين الفضلاء. فأجاز هذا المذهب ووهّى غيره. فأنكر عليه. فأظهر خمسة عشر نقلا به. ومن حجة هؤلاء، أن التوراة قد طبقت مشارق الأرض ومغاربها. وانتشرت جنوبا وشمالا. ولا يعلم عدد نسخها إلا الله.
فيمتنع التواطؤ على التبديل والتغيير في جميع تلك النسخ، حتى لا تبقى في الأرض
قال الإمام ابن كثير: قوله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ أي يتناولونه على غير تأويله، ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل، قصدا منهم وافتراء.
وقال العلامة الرازيّ: في كيفية التحريف وجوه: أحدها- إنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر. ثم قال: والثاني- أن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة والتأويلات الفاسدة وصرف اللفظ من معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية. كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا، بالآيات المخالفة لمذاهبهم، وهذا هو الأصح. والثالث- أنهم كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به. فإذا خرجوا من عنده حرّفوا كلامه. انتهى.
وقال الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى في (إغاثة اللهفان) : قد اختلف في التوراة التي بأيديهم. هل هي مبدلة أم التبديل وقع في التأويل دون التنزيل؟ على ثلاثة أقوال: قالت طائفة: كلها أو أكثرها مبدل. وغلا بعضهم حتى قال: يجوز الاستجمار بها. وقالت طائفة من أئمة الحديث والفقه الكلام: إنما وقع التبديل في التأويل. قال البخاريّ «١» في (صحيحه) : يحرفون يزيلون. وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله. ولكنهم يتأولونه على غير تأويله. وهو اختيار الرازيّ أيضا.
وسمعت شيخنا يقول: وقع النزاع بين الفضلاء. فأجاز هذا المذهب ووهّى غيره. فأنكر عليه. فأظهر خمسة عشر نقلا به. ومن حجة هؤلاء، أن التوراة قد طبقت مشارق الأرض ومغاربها. وانتشرت جنوبا وشمالا. ولا يعلم عدد نسخها إلا الله.
فيمتنع التواطؤ على التبديل والتغيير في جميع تلك النسخ، حتى لا تبقى في الأرض
(١) أخرجه البخاريّ في: التوحيد، ٥٥- باب قول الله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ.
139
نسخة إلا مبدلة. وهذا مما يحيله العقل. قالوا: وقد قال الله لنبيه قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قالوا: وقد اتفقوا على ترك فريضة الرجم. ولم يمكنهم تغييرها من التوراة. ولذا لما قرءوها على النبيّ ﷺ وضع القارئ يده على آية الرجم.
فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفعها فإذا هي تلوح تحتها. وتوسطت طائفة فقالوا: قد زيد فيها وغيّر أشياء يسيرة جدا. واختاره شيخنا في (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) قال: وهذا كما في التوراة عندهم: إن الله سبحانه قال لإبراهيم: اذبح ابنك بكرك أو وحيدك، إسحاق. ثم قال: قلت والزيادة باطلة من وجوه عشرة. ثم ساقها فارجع إليه. وقد نقلها عنه هنا الإمام صدّيق خان. فانظره في تفسيره (فتح الرحمن).
لطيفة:
قال الزمخشريّ: فإن قلت: كيف قيل هاهنا عَنْ مَواضِعِهِ وفي المائدة مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ؟ قلت: أما عَنْ مَواضِعِهِ فعلى ما فسرنا من إزالته عن مواضعه التي أوجبت حكمة الله وضعه فيها، بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه. وأما مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ فالمعنى أنه كانت له مواضع، هو قمن بأن يكون فيها. فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقارّه. والمعنيان متقاربان.
وقال الرازي: ذكر الله تعالى هاهنا عَنْ مَواضِعِهِ وفي المائدة مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ والفرق: أنا إذا فسرنا التحريف بالتأويلات الباطلة، فههنا قوله يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ معناه أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص. وليس فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب. وأما الآية المذكورة في سورة المائدة، فهي دالة على أنهم جمعوا بين الأمرين. فكانوا يذكرون التأويلات الفاسدة وكانوا يخرجون اللفظ أيضا من الكتاب. فقوله يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ إشارة إلى التأويل الباطل.
وقوله مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ إشارة إلى إخراجه عن الكتاب.
وقال الناصر في (الانتصاف) : الظاهر أن الكلم المحرف إنما أريد به، في هذه الصورة مثل غَيْرَ مُسْمَعٍ وراعِنا ولم يقصد هاهنا تبديل الأحكام. وتوسطها بين الكلمتين، بين قوله يُحَرِّفُونَ وبين قوله لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ والمراد أيضا تحريف مشاهد بيّن على أن المحرف هما وأمثالهما. وأما في سورة المائدة فالظاهر، والله أعلم، أن المراد فيها ب الْكَلِمَ الأحكام. وتحريفها تبديلها. كتبديلهم الرجم بالجلد. ألا تراه عقبه بقوله يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا؟
فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفعها فإذا هي تلوح تحتها. وتوسطت طائفة فقالوا: قد زيد فيها وغيّر أشياء يسيرة جدا. واختاره شيخنا في (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) قال: وهذا كما في التوراة عندهم: إن الله سبحانه قال لإبراهيم: اذبح ابنك بكرك أو وحيدك، إسحاق. ثم قال: قلت والزيادة باطلة من وجوه عشرة. ثم ساقها فارجع إليه. وقد نقلها عنه هنا الإمام صدّيق خان. فانظره في تفسيره (فتح الرحمن).
لطيفة:
قال الزمخشريّ: فإن قلت: كيف قيل هاهنا عَنْ مَواضِعِهِ وفي المائدة مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ؟ قلت: أما عَنْ مَواضِعِهِ فعلى ما فسرنا من إزالته عن مواضعه التي أوجبت حكمة الله وضعه فيها، بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه. وأما مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ فالمعنى أنه كانت له مواضع، هو قمن بأن يكون فيها. فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقارّه. والمعنيان متقاربان.
وقال الرازي: ذكر الله تعالى هاهنا عَنْ مَواضِعِهِ وفي المائدة مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ والفرق: أنا إذا فسرنا التحريف بالتأويلات الباطلة، فههنا قوله يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ معناه أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص. وليس فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب. وأما الآية المذكورة في سورة المائدة، فهي دالة على أنهم جمعوا بين الأمرين. فكانوا يذكرون التأويلات الفاسدة وكانوا يخرجون اللفظ أيضا من الكتاب. فقوله يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ إشارة إلى التأويل الباطل.
وقوله مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ إشارة إلى إخراجه عن الكتاب.
وقال الناصر في (الانتصاف) : الظاهر أن الكلم المحرف إنما أريد به، في هذه الصورة مثل غَيْرَ مُسْمَعٍ وراعِنا ولم يقصد هاهنا تبديل الأحكام. وتوسطها بين الكلمتين، بين قوله يُحَرِّفُونَ وبين قوله لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ والمراد أيضا تحريف مشاهد بيّن على أن المحرف هما وأمثالهما. وأما في سورة المائدة فالظاهر، والله أعلم، أن المراد فيها ب الْكَلِمَ الأحكام. وتحريفها تبديلها. كتبديلهم الرجم بالجلد. ألا تراه عقبه بقوله يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا؟
140
ولاختلاف المراد بالكلم في السورتين. قيل في سورة المائدة: يحرفون الكلم من بعد مواضعه. أي ينقلونه عن الموضع الذي وضعه الله فيه، فصار وطنه ومستقره، إلى غير الموضع. فبقي كالغريب المتأسف عليه الذي يقال فيه هذا غريب من بعد مواضعه ومقارّه. ولا يوجد هذا المعنى في مثل راعِنا وغَيْرَ مُسْمَعٍ وإن وجد على بعد فليس الوضع اللغويّ مما يعبأ بانتقاله عن موضعه كالوضع الشرعيّ. ولولا اشتمال هذا النقل على الهزء والسخرية لما عظم أمره. فلذلك جاء هنا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ غير مقرون بما قرن به الأول من صورة التأسف. والله أعلم.
انتهى.
وقال العلامة أبو السعود: والمراد بالتحريف هاهنا، إما ما في التوراة خاصة وإما ما هو أعم منه، ومما سيحكى عنهم من الكلمات المعهودة الصادرة عنهم في أثناء المحاورة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا مساغ لإرادة تلك الكلمات خاصة بأن يجعل عطف قوله تعالى وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وما بعده، على ما قبله عطفا تفسيريا. لأنه يستدعي اختصاص حكم الشرطية الآتية وما بعدها بهنّ من غير تعرض لتحريفهم التوراة. مع أنه معظم جناياتهم المعدودة فقولهم سَمِعْنا وَعَصَيْنا ينبغي أن يجري على إطلاقه من غير تقييد بزمان أو مكان ولا تخصيص بمادة دون مادة. بل وأن يحمل على ما هو أعم من القول الحقيقيّ ومما يترجم عنه عنادهم ومكابرتهم. أي يقول في كل أمر مخالف لأهوائهم الفاسدة سواء كان بمحضر النبيّ ﷺ أو لا، بلسان المقال أو الحال: سَمِعْنا وَعَصَيْنا عنادا أو تحقيقا للمخالفة. انتهى.
قال ابن كثير: ويقولون سمعنا أي: سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه.
هكذا فسره مجاهد وابن زيد، وهو المراد. وهذا أبلغ في كفرهم وعنادهم وأنهم يتولون عن كتاب الله بعد ما عقلوه وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة. وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ عطف على سَمِعْنا وَعَصَيْنا داخل تحت القول أي: ويقولون ذلك في أثناء مخاطبته عليه الصلاة والسلام خاصة. وهو كلام ذو وجهين محتمل للشر. بأن يحمل على معنى اسْمَعْ، حال كونك غير مسمع كلاما أصلا. بصمم أو موت. أي مدعوّا عليك بلا سمعت. أو غير مسمع كلاما ترضاه. وللخير بأن يحمل على: اسمع منا غير مسمع مكروها. كانوا يخاطبون به النبيّ ﷺ استهزاء به (عليهم اللعنة) مظهرين له إرادة المعنى الأخير وهم مضمرون المعنى الأول مطمئنون به وَراعِنا عطف على ما قبله. أي ويقولون في أثناء خطابهم له ﷺ هذا أيضا. وهي كلمة ذات وجهين أيضا محتملة للخير بحملها
انتهى.
وقال العلامة أبو السعود: والمراد بالتحريف هاهنا، إما ما في التوراة خاصة وإما ما هو أعم منه، ومما سيحكى عنهم من الكلمات المعهودة الصادرة عنهم في أثناء المحاورة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا مساغ لإرادة تلك الكلمات خاصة بأن يجعل عطف قوله تعالى وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وما بعده، على ما قبله عطفا تفسيريا. لأنه يستدعي اختصاص حكم الشرطية الآتية وما بعدها بهنّ من غير تعرض لتحريفهم التوراة. مع أنه معظم جناياتهم المعدودة فقولهم سَمِعْنا وَعَصَيْنا ينبغي أن يجري على إطلاقه من غير تقييد بزمان أو مكان ولا تخصيص بمادة دون مادة. بل وأن يحمل على ما هو أعم من القول الحقيقيّ ومما يترجم عنه عنادهم ومكابرتهم. أي يقول في كل أمر مخالف لأهوائهم الفاسدة سواء كان بمحضر النبيّ ﷺ أو لا، بلسان المقال أو الحال: سَمِعْنا وَعَصَيْنا عنادا أو تحقيقا للمخالفة. انتهى.
قال ابن كثير: ويقولون سمعنا أي: سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه.
هكذا فسره مجاهد وابن زيد، وهو المراد. وهذا أبلغ في كفرهم وعنادهم وأنهم يتولون عن كتاب الله بعد ما عقلوه وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة. وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ عطف على سَمِعْنا وَعَصَيْنا داخل تحت القول أي: ويقولون ذلك في أثناء مخاطبته عليه الصلاة والسلام خاصة. وهو كلام ذو وجهين محتمل للشر. بأن يحمل على معنى اسْمَعْ، حال كونك غير مسمع كلاما أصلا. بصمم أو موت. أي مدعوّا عليك بلا سمعت. أو غير مسمع كلاما ترضاه. وللخير بأن يحمل على: اسمع منا غير مسمع مكروها. كانوا يخاطبون به النبيّ ﷺ استهزاء به (عليهم اللعنة) مظهرين له إرادة المعنى الأخير وهم مضمرون المعنى الأول مطمئنون به وَراعِنا عطف على ما قبله. أي ويقولون في أثناء خطابهم له ﷺ هذا أيضا. وهي كلمة ذات وجهين أيضا محتملة للخير بحملها
141
على معنى ارقبنا وانظرنا نكلمك. وللشر بحملها على شبه كلمة عبرانية كانوا يتسابّون بها. أو على السب بالرعونة أي الحمق. وبالجملة فكانوا، سخرية بالدين وهزؤا برسول الله صلى الله عليه وسلم، يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والإهانة ويظهرون به التوقير والإكرام لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ أي فتلا بها وصرفا للكلام من وجه إلى وجه وتحريفا. أي يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون راعِنا موضع انْظُرْنا وغَيْرَ مُسْمَعٍ موضع (لا أسمعت مكروها) أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقا. فإن قلت: كيف جاءوا بالقول المحتمل ذي الوجهين بعد ما صرحوا وقالوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا؟ قلت: جميع الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان ولا يواجهونه بالسب ودعاء السوء. ويجوز أن يقولوه فيما بينهم ويجوز أن لا ينطقوا بذلك ولكنهم لما لم يؤمنوا جعلوا كأنهم نطقوا به. كذا في الكشاف.
وأصل لَيًّا لويا لأنه من لويت أدغمت الواو في الياء لسبقها بالسكون.
ومثله (الطيّ) وَطَعْناً فِي الدِّينِ أي قدحا فيه بالاستهزاء والسخرية وانتصابهما على العلّية ل يَقُولُونَ باعتبار تعلقه بالقولين الأخيرين. أي يقولون ذلك لصرف الكلام عن وجهه إلى السب والطعن في الدين. أو على الحالية. أي: لاوين وطاعنين في الدين. أفاده أبو السعود.
وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا أي عند ما سمعوا ما يتلى عليهم من أوامره تعالى: سَمِعْنا وَأَطَعْنا أي بدل قولهم سَمِعْنا وَعَصَيْنا والقول هنا كسابقه أعم من أن يكون بلسان المقال أو بلسان الحال وَاسْمَعْ أي لو قالوا عند مخاطبة النبيّ ﷺ بدل قولهم اسْمَعْ فقط بلا زيادة غَيْرَ مُسْمَعٍ المحتمل للشرّ وَانْظُرْنا يعني بدل قولهم راعِنا المحتمل للمعنى الفاسد كما سلف لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ في الدنيا بحقن دمائهم وأموالهم وعلوّ رتبتهم بإحاطة الكتب السماوية. وفي الآخرة بضعف الثواب. أفاده المهايميّ.
قال أبو السعود: وصيغة التفضيل إما على بابها واعتبار أصل الفضل في المفضل عليه بناء على اعتقادهم. أو بطريق التهكم. وإما بمعنى اسم الفاعل وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ أي: ولكن لم يقولوا ذلك واستمروا على كفرهم فطردهم الله عن رحمته وأبعدهم عن الهدى، بسبب كفرهم فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا منصوب على الاستثناء من لَعَنَهُمُ أي ولكن لعنهم الله إلا فريقا قليلا منهم. آمنوا
وأصل لَيًّا لويا لأنه من لويت أدغمت الواو في الياء لسبقها بالسكون.
ومثله (الطيّ) وَطَعْناً فِي الدِّينِ أي قدحا فيه بالاستهزاء والسخرية وانتصابهما على العلّية ل يَقُولُونَ باعتبار تعلقه بالقولين الأخيرين. أي يقولون ذلك لصرف الكلام عن وجهه إلى السب والطعن في الدين. أو على الحالية. أي: لاوين وطاعنين في الدين. أفاده أبو السعود.
وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا أي عند ما سمعوا ما يتلى عليهم من أوامره تعالى: سَمِعْنا وَأَطَعْنا أي بدل قولهم سَمِعْنا وَعَصَيْنا والقول هنا كسابقه أعم من أن يكون بلسان المقال أو بلسان الحال وَاسْمَعْ أي لو قالوا عند مخاطبة النبيّ ﷺ بدل قولهم اسْمَعْ فقط بلا زيادة غَيْرَ مُسْمَعٍ المحتمل للشرّ وَانْظُرْنا يعني بدل قولهم راعِنا المحتمل للمعنى الفاسد كما سلف لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ في الدنيا بحقن دمائهم وأموالهم وعلوّ رتبتهم بإحاطة الكتب السماوية. وفي الآخرة بضعف الثواب. أفاده المهايميّ.
قال أبو السعود: وصيغة التفضيل إما على بابها واعتبار أصل الفضل في المفضل عليه بناء على اعتقادهم. أو بطريق التهكم. وإما بمعنى اسم الفاعل وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ أي: ولكن لم يقولوا ذلك واستمروا على كفرهم فطردهم الله عن رحمته وأبعدهم عن الهدى، بسبب كفرهم فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا منصوب على الاستثناء من لَعَنَهُمُ أي ولكن لعنهم الله إلا فريقا قليلا منهم. آمنوا
142
فلم يلعنوا. أو على الوصفية لمصدر محذوف. أي: إلا إيمانا قليلا أي ضعيفا ركيكا لا يعبأ به. فإنهم كانوا يؤمنون بالله والتوراة وموسى، ويكفرونه ببقية المرسلين وكتبهم المنزلة. ورجّح أبو علي الفارسيّ هذا. قال: لأن قَلِيلًا لفظ مفرد: ولو أريد به (ناس) لجمع نحو قوله: إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ [الشعراء: ٥٤].
ويمكن أن يجاب عنه بأنه قد جاء فعيل مفردا. والمراد به الجمع قال تعالى:
وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: ٦٩]. وقال: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً [المعارج: ١٠] يبصرونهم. أفاده الرازيّ. وقد جوز على هذا أن يراد بالقلة العدم بالكلية. كقوله:
أي هو كثير الهم مختلف الوجوه والطرق لا يقف أمله على فن واحد بل يتجاوزه إلى فنون مختلفة. صبور على النوائب لا يكاد يتشكى منها. فاستعمل لفظ (قليل) وأراد به نفي الكل. أو منصوب على الاستثناء من فاعل (لا يؤمنون) أي:
فلا يؤمن منهم إلا نفر قليل. وأما قول الخفاجيّ: كان الوجه فيه الرفع على البدل لأنه من كلام غير موجب. وأبي السعود: بأنه فيه نسبة القراء إلى الاتفاق على غير المختار- فمردود بأن النصب عربيّ جيد. وقد قرئ به في السبع في (قليل) من قوله تعالى: ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [النساء: ٦٦] وفي (امرأتك) من قوله تعالى:
وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ [هود: ٨١] كما قاله ابن هشام في التوضيح.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٤٧)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا يعني القرآن مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ أي موافقا للتوراة مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً أي نمحو تخطيط صورها من عين وحاجب وأنف وفم. وقال العوفيّ عن ابن عباس: طمسها أن تعمى فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أي فنجعلها على هيئة أدبارها وهي الأقفاء مطموسة مثلها جزاء على الكفر.
فالفاء للتسبيب. أو ننكسها بعد الطمس فنردها إلى موضع الأقفاء والأقفاء إلى موضعها. وقد اكتفى بذكر أشدهما. فالفاء للتعقيب.
ويمكن أن يجاب عنه بأنه قد جاء فعيل مفردا. والمراد به الجمع قال تعالى:
وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: ٦٩]. وقال: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً [المعارج: ١٠] يبصرونهم. أفاده الرازيّ. وقد جوز على هذا أن يراد بالقلة العدم بالكلية. كقوله:
قليل التشكي للمهم يصيبه | كثير الهوى شتى النوى والمسالك |
فلا يؤمن منهم إلا نفر قليل. وأما قول الخفاجيّ: كان الوجه فيه الرفع على البدل لأنه من كلام غير موجب. وأبي السعود: بأنه فيه نسبة القراء إلى الاتفاق على غير المختار- فمردود بأن النصب عربيّ جيد. وقد قرئ به في السبع في (قليل) من قوله تعالى: ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [النساء: ٦٦] وفي (امرأتك) من قوله تعالى:
وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ [هود: ٨١] كما قاله ابن هشام في التوضيح.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٤٧)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا يعني القرآن مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ أي موافقا للتوراة مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً أي نمحو تخطيط صورها من عين وحاجب وأنف وفم. وقال العوفيّ عن ابن عباس: طمسها أن تعمى فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أي فنجعلها على هيئة أدبارها وهي الأقفاء مطموسة مثلها جزاء على الكفر.
فالفاء للتسبيب. أو ننكسها بعد الطمس فنردها إلى موضع الأقفاء والأقفاء إلى موضعها. وقد اكتفى بذكر أشدهما. فالفاء للتعقيب.
143
قال الرازيّ: وهذا المعنى إنما جعله الله عقوبة لما فيه من التشويه في الخلقة والمثلة والفضيحة. لأن عند ذلك يعظم الغم والحسرة أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ أي: أو نفعل بهم أبلغ من ذلك. وهو أن نطردهم عن الإنسانية بالمسخ الكليّ جزاء على اعتدائهم بترك الإيمان. كما أخزينا به أوائلهم أصحاب السبت جزاء على اعتدائهم على السبت بالحيلة على الاصطياد. فمسخناهم قردة وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ أي ما أمر به مَفْعُولًا أي نافذا كائنا لا محالة. هذا وفي الآية تأويل آخر.
وهو أن المراد من طمس الوجوه مجازه. وهو صرفهم عن الحق وردهم إلى الباطل ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبيل الضلالة. يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم.
قال ابن كثير: وهذا كما قال بعضهم في قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس: ٨- ٩] : أي هذا مثل سوء ضربه الله لهم في ضلالهم ومنعهم عن الهدى. قال مجاهد: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً، يقول: عن صراط الحق. فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أي في الضلال. قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عباس والحسن نحو هذا. قال السديّ: فنردّها على أدبارها: فنمنعها عن الحق، نرجعها كفارا.
قال الرازيّ: والمقصود على هذا بيان إلقائها في أنواع الخذلان وظلمات الضلالات. ونظيره قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال: ٢٤]. تحقيق القول فيه أن الإنسان في مبدأ خلقته ألف هذا العالم المحسوس. ثم إنه عند الفكر والعبودية كأنه يسافر من عالم المحسوسات إلى عالم المعقولات. فقدامه عالم المعقولات، ووراءه عالم المحسوسات. فالمخذول هو الذي يرد عن قدامه إلى خلفه. كما قال تعالى في صفتهم: ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ [السجدة: ١٢].
ثم قال الرازيّ: قال عبد الرحمن بن زيد: هذا الوعيد قد لحق اليهود ومضى.
وتأول ذلك في إجلاء قريظة والنضير إلى الشام. فرد الله وجوههم على أدبارهم حين عادوا إلى أذرعات وأريحاء، من أرض الشام. كما جاءوا منها و (طمس الوجوه) على هذا التأويل يحتمل معنيين: أحدهما- تقبيح صورتهم. يقال: طمس الله صورته،
وهو أن المراد من طمس الوجوه مجازه. وهو صرفهم عن الحق وردهم إلى الباطل ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبيل الضلالة. يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم.
قال ابن كثير: وهذا كما قال بعضهم في قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس: ٨- ٩] : أي هذا مثل سوء ضربه الله لهم في ضلالهم ومنعهم عن الهدى. قال مجاهد: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً، يقول: عن صراط الحق. فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أي في الضلال. قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عباس والحسن نحو هذا. قال السديّ: فنردّها على أدبارها: فنمنعها عن الحق، نرجعها كفارا.
قال الرازيّ: والمقصود على هذا بيان إلقائها في أنواع الخذلان وظلمات الضلالات. ونظيره قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال: ٢٤]. تحقيق القول فيه أن الإنسان في مبدأ خلقته ألف هذا العالم المحسوس. ثم إنه عند الفكر والعبودية كأنه يسافر من عالم المحسوسات إلى عالم المعقولات. فقدامه عالم المعقولات، ووراءه عالم المحسوسات. فالمخذول هو الذي يرد عن قدامه إلى خلفه. كما قال تعالى في صفتهم: ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ [السجدة: ١٢].
ثم قال الرازيّ: قال عبد الرحمن بن زيد: هذا الوعيد قد لحق اليهود ومضى.
وتأول ذلك في إجلاء قريظة والنضير إلى الشام. فرد الله وجوههم على أدبارهم حين عادوا إلى أذرعات وأريحاء، من أرض الشام. كما جاءوا منها و (طمس الوجوه) على هذا التأويل يحتمل معنيين: أحدهما- تقبيح صورتهم. يقال: طمس الله صورته،
144
كقوله: قبح الله وجهه. والثاني- إزالة آثارهم عن بلاد العرب ومحو أحوالهم عنها.
وثمة تأويل آخر. وهو: أن المراد بالوجوه الوجهاء. على أن الطمس بمعنى مطلق التغيير. أي من قبل أن نغيّر أحوال وجهائهم، فنسلب إقبالهم ووجاهتهم، ونكسوهم صغارا وإدبارا.
وقال بعضهم: الأظهر حمل قوله أَوْ نَلْعَنَهُمْ إلخ على اللعن المتعارف. قال:
ألا ترى إلى قوله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ [المائدة: ٦٠]. ففصل تعالى بين اللعن وبين مسخهم قردة وخنازير.
وأقول: لا يخفى أن جميع ما ذكر من التأويلات، غير الأول، لا يساعده مقام تشديد الوعيد، وتعميم التهديد. فإن المتبادر من اللفظ الحقيقة. ولا يصار إلى المجاز إلا إذا تعذر إرادتها. ولا تعذر هنا. كما أن المتبادر من اللعن، المشبه بلعن أصحاب السبت، هو المسخ. وهو الذي تقتضيه بلاغة التنزيل. إذ فيه الترقي إلى الوعيد الأفظع. ولا ننكر أن تكون هذه التأويلات مما يشمله لفظ الآية. وإنما البحث في دعوى إرادتها دون سابقها. فالحق أن المتبادر من النظم الكريم هو الأول لأنه أدخل في الزجر. ويؤيده ما روي، أن كعب الأحبار أسلم حين سمع هذه الآية.
رواه ابن جرير «١» وابن أبي حاتم ولفظه بعد إسناده: عن أبي إدريس عائذ الله الخولانيّ قال: كان أبو مسلم الجليليّ معلم كعب. وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال فبعثه إليه ينظر أهو هو؟ قال كعب: فركبت حتى أتيت المدينة. فإذا تال يقرأ القرآن، يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها. فاغتسلت، وإني لأمسّ وجهي مخافة أن أطمس.
ثم أسلمت.
وروى، من غير طريق، نحوه أيضا.
فإن قيل: قرينة المجاز عدم وقوع المتوعد به. فالجواب: أن عدم وقوعه لا يعين إرادة المجاز. إذ ليس في الآية دلالة على تحتم وقوعه إن لم يؤمنوا. ولو فهم منها هذا فهما أوليّا لكان إيمانهم بعدها إيمان إلجاء واضطرار. وهو ينافي التكليف الشرعيّ. إذ لم تجر سنته تعالى بهذا. بل النظم الكريم في هذا المقام محتمل ابتداء
وثمة تأويل آخر. وهو: أن المراد بالوجوه الوجهاء. على أن الطمس بمعنى مطلق التغيير. أي من قبل أن نغيّر أحوال وجهائهم، فنسلب إقبالهم ووجاهتهم، ونكسوهم صغارا وإدبارا.
وقال بعضهم: الأظهر حمل قوله أَوْ نَلْعَنَهُمْ إلخ على اللعن المتعارف. قال:
ألا ترى إلى قوله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ [المائدة: ٦٠]. ففصل تعالى بين اللعن وبين مسخهم قردة وخنازير.
وأقول: لا يخفى أن جميع ما ذكر من التأويلات، غير الأول، لا يساعده مقام تشديد الوعيد، وتعميم التهديد. فإن المتبادر من اللفظ الحقيقة. ولا يصار إلى المجاز إلا إذا تعذر إرادتها. ولا تعذر هنا. كما أن المتبادر من اللعن، المشبه بلعن أصحاب السبت، هو المسخ. وهو الذي تقتضيه بلاغة التنزيل. إذ فيه الترقي إلى الوعيد الأفظع. ولا ننكر أن تكون هذه التأويلات مما يشمله لفظ الآية. وإنما البحث في دعوى إرادتها دون سابقها. فالحق أن المتبادر من النظم الكريم هو الأول لأنه أدخل في الزجر. ويؤيده ما روي، أن كعب الأحبار أسلم حين سمع هذه الآية.
رواه ابن جرير «١» وابن أبي حاتم ولفظه بعد إسناده: عن أبي إدريس عائذ الله الخولانيّ قال: كان أبو مسلم الجليليّ معلم كعب. وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال فبعثه إليه ينظر أهو هو؟ قال كعب: فركبت حتى أتيت المدينة. فإذا تال يقرأ القرآن، يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها. فاغتسلت، وإني لأمسّ وجهي مخافة أن أطمس.
ثم أسلمت.
وروى، من غير طريق، نحوه أيضا.
فإن قيل: قرينة المجاز عدم وقوع المتوعد به. فالجواب: أن عدم وقوعه لا يعين إرادة المجاز. إذ ليس في الآية دلالة على تحتم وقوعه إن لم يؤمنوا. ولو فهم منها هذا فهما أوليّا لكان إيمانهم بعدها إيمان إلجاء واضطرار. وهو ينافي التكليف الشرعيّ. إذ لم تجر سنته تعالى بهذا. بل النظم الكريم في هذا المقام محتمل ابتداء
(١) الأثر رقم ٩٧٢٥.
145
للقطع بوقوع المتوعد به. ولوقوعه معلقا بأمره تعالى ومشيئته بذلك، وهو المراد.
كما ينبئ عنه قوله تعالى: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [الأحزاب: ٣٧] : أي ما يأمر به، ويريد وقوعه. وإذا كان الوعيد منوطا بأمره سبحانه، فله أن يمضيه على حقيقته وله أن يصرفه لما هو أعلم به. إلا أن ورود نظم الآية بهذا الخطاب المتبادر في الوقوع غير المعلق، ليكون أدخل في الترهيب، ومزجرة عن مخالفة الأمر. هكذا ظهر لنا الآن.
وهو أقرب مما نحاه المفسرون هنا من أن العقاب منتظر، أو، أنه مشروط بعدم الإيمان. إلى غير ذلك. فقد زيفها جميعها العلامة أبو السعود. ثم اختار أن المراد من الوعيد الأخرويّ. قال: لأنه لم يتضح وقوعه. وهذا فيه بعد أيضا، لنبوّ مثل هذا الخطاب عن إرادة الوعيد الأخرويّ. لا سيما والجملة الثانية التي هددوا بها، أعني لعنهم كأصحاب السبت، كان عقابها دنيويّا. فالوجه ما قررناه. وما أشبه هذه الآية، في وعيديها، بآية يس. أعني قوله تعالى: وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ [يس: ٦٦- ٦٧]. بل هذه عندي تفسير لتلك. والقرآن يفسر بعضه بعضا. فبرح الخفاء والحمد لله.
لطيفة:
الضمير في (نلعنهم) لأصحاب الوجوه. أو (للذين) على طريقة الالتفات أو (للوجوه) إن أريد بها الوجهاء.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٨]
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨)
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ قال أبو السعود: كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من الوعيد، وتأكيد وجوب الامتثال بالأمر بالإيمان، ببيان استحالة المغفرة بدونه. فإنهم كانوا يفعلون ما يفعلون من التحريف ويطمعون في المغفرة. كما في قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ [الأعراف: ١٦٩].
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى (أي على التحريف) وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا. والمراد بالشرك مطلق الكفر المنتظم لكفر اليهود انتظاما أوليّا. فإن الشرع قد نص على إشراك أهل الكتاب قاطبة. وقضى بخلود أصناف الكفرة في النار. ونزوله في حق اليهود،
كما ينبئ عنه قوله تعالى: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [الأحزاب: ٣٧] : أي ما يأمر به، ويريد وقوعه. وإذا كان الوعيد منوطا بأمره سبحانه، فله أن يمضيه على حقيقته وله أن يصرفه لما هو أعلم به. إلا أن ورود نظم الآية بهذا الخطاب المتبادر في الوقوع غير المعلق، ليكون أدخل في الترهيب، ومزجرة عن مخالفة الأمر. هكذا ظهر لنا الآن.
وهو أقرب مما نحاه المفسرون هنا من أن العقاب منتظر، أو، أنه مشروط بعدم الإيمان. إلى غير ذلك. فقد زيفها جميعها العلامة أبو السعود. ثم اختار أن المراد من الوعيد الأخرويّ. قال: لأنه لم يتضح وقوعه. وهذا فيه بعد أيضا، لنبوّ مثل هذا الخطاب عن إرادة الوعيد الأخرويّ. لا سيما والجملة الثانية التي هددوا بها، أعني لعنهم كأصحاب السبت، كان عقابها دنيويّا. فالوجه ما قررناه. وما أشبه هذه الآية، في وعيديها، بآية يس. أعني قوله تعالى: وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ [يس: ٦٦- ٦٧]. بل هذه عندي تفسير لتلك. والقرآن يفسر بعضه بعضا. فبرح الخفاء والحمد لله.
لطيفة:
الضمير في (نلعنهم) لأصحاب الوجوه. أو (للذين) على طريقة الالتفات أو (للوجوه) إن أريد بها الوجهاء.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٨]
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨)
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ قال أبو السعود: كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من الوعيد، وتأكيد وجوب الامتثال بالأمر بالإيمان، ببيان استحالة المغفرة بدونه. فإنهم كانوا يفعلون ما يفعلون من التحريف ويطمعون في المغفرة. كما في قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ [الأعراف: ١٦٩].
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى (أي على التحريف) وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا. والمراد بالشرك مطلق الكفر المنتظم لكفر اليهود انتظاما أوليّا. فإن الشرع قد نص على إشراك أهل الكتاب قاطبة. وقضى بخلود أصناف الكفرة في النار. ونزوله في حق اليهود،
146
كما قال مقاتل، وهو الأنسب بسياق النظم الكريم، وسياقه لا يقتضي اختصاصه بكفرهم، بل يكفي اندراجه فيه قطعا. بل لا وجه له أصلا. لاقتضائه جواز مغفرة ما دون كفرهم في الشدة من أنواع الكفر. أي لا يغفر الكفر لمن اتصف به بلا توبة وإيمان. لأن الحكمة التشريعية مقتضية لسد باب الكفر. وجواز مغفرته بلا إيمان مما يؤدي إلى فتحه. ولأن ظلمات الكفر والمعاصي إنما يسترها نور الإيمان. فمن لم يكن له إيمان لم يغفر له شيء من الكفر والمعاصي. انتهى.
قال الشهاب: الشرك يكون بمعنى اعتقاد أن لله شريكا، وبمعنى الكفر مطلقا، وهو المراد هنا. وقد صرح به في قوله تعالى في سورة (البينة) بقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها [البينة: ٦].
فلا يبقى شبهة في عمومه. انتهى.
وقال الرازيّ: هذه الآية دالة على أن اليهوديّ يسمى مشركا، في عرف الشرع.
ويدل عليه وجهان: الأول- أن الآية دالة على أن ما سوى الشرك مغفور. فلو كانت اليهودية مغايرة للشرك لوجب أن تكون مغفورة بحكم هذه الآية. وبالإجماع هي غير مغفورة. فدل على أنها داخلة تحت اسم الشرك. الثاني- إن اتصال هذه الآية بما قبلها، إنما كان لأنها تتضمن تهديد اليهود. فلولا أن اليهودية داخلة تحت اسم الشرك، وإلا لم يكن الأمر كذلك. فإن قيل: قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا... إلى قوله: وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [الحج: ١٧]. فعطف المشرك على اليهوديّ، وذلك يقتضي المغايرة- قلنا المغايرة حاصلة بسبب المفهوم اللغويّ.
والاتحاد حاصل بسبب المفهوم الشرعيّ. ولا بد من المصير إلا ما ذكرناه، دفعا للتناقض. انتهى.
لطيفة:
قال أبو البقاء: الشرك أنواع: شرك الاستقلال وهو إثبات إلهين مستقلين.
كشرك المجوس. وشرك التبعيض، وهو تركيب الإله من آلهة كشرك النصارى. وشرك التقريب، وهو عبادة غير الله ليقرب إلى الله زلفى، كشرك متقدمي الجاهلية. وشرك التقليد، وهو عبادة غير الله تبعا للغير. كشرك متأخري الجاهلية. وشرك الأسباب.
وهو إسناد التأثير للأسباب العادية، كشرك الفلاسفة والطبائعيين ومن تبعهم على ذلك. وشرك الأغراض، وهو العمل لغير الله. فحكم الأربعة الأولى الكفر بإجماع.
وحكم السادس المعصية من غير كفر بإجماع. وحكم الخامس التفصيل. فمن قال في الأسباب العادية إنها تؤثر بطبعها فقد حكى الإجماع على كفره. ومن قال إنها
قال الشهاب: الشرك يكون بمعنى اعتقاد أن لله شريكا، وبمعنى الكفر مطلقا، وهو المراد هنا. وقد صرح به في قوله تعالى في سورة (البينة) بقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها [البينة: ٦].
فلا يبقى شبهة في عمومه. انتهى.
وقال الرازيّ: هذه الآية دالة على أن اليهوديّ يسمى مشركا، في عرف الشرع.
ويدل عليه وجهان: الأول- أن الآية دالة على أن ما سوى الشرك مغفور. فلو كانت اليهودية مغايرة للشرك لوجب أن تكون مغفورة بحكم هذه الآية. وبالإجماع هي غير مغفورة. فدل على أنها داخلة تحت اسم الشرك. الثاني- إن اتصال هذه الآية بما قبلها، إنما كان لأنها تتضمن تهديد اليهود. فلولا أن اليهودية داخلة تحت اسم الشرك، وإلا لم يكن الأمر كذلك. فإن قيل: قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا... إلى قوله: وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [الحج: ١٧]. فعطف المشرك على اليهوديّ، وذلك يقتضي المغايرة- قلنا المغايرة حاصلة بسبب المفهوم اللغويّ.
والاتحاد حاصل بسبب المفهوم الشرعيّ. ولا بد من المصير إلا ما ذكرناه، دفعا للتناقض. انتهى.
لطيفة:
قال أبو البقاء: الشرك أنواع: شرك الاستقلال وهو إثبات إلهين مستقلين.
كشرك المجوس. وشرك التبعيض، وهو تركيب الإله من آلهة كشرك النصارى. وشرك التقريب، وهو عبادة غير الله ليقرب إلى الله زلفى، كشرك متقدمي الجاهلية. وشرك التقليد، وهو عبادة غير الله تبعا للغير. كشرك متأخري الجاهلية. وشرك الأسباب.
وهو إسناد التأثير للأسباب العادية، كشرك الفلاسفة والطبائعيين ومن تبعهم على ذلك. وشرك الأغراض، وهو العمل لغير الله. فحكم الأربعة الأولى الكفر بإجماع.
وحكم السادس المعصية من غير كفر بإجماع. وحكم الخامس التفصيل. فمن قال في الأسباب العادية إنها تؤثر بطبعها فقد حكى الإجماع على كفره. ومن قال إنها
147
تؤثر بقوة أودعها الله فيها فهو فاسق. انتهى. وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ أي ما دون الشرك من المعاصي، صغيرة كانت أو كبيرة لِمَنْ يَشاءُ تفضلا منه وإحسانا. قال ابن جرير: وقد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة في مشيئة الله عز وجل. إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه عليه. ما لم تكن كبيرته شركا بالله عز وجل. وظاهره أن المغفرة منه سبحانه تكون لمن اقتضته مشيئته تفضلا منه ورحمة. وإن لم يقع من ذلك المذنب توبة. وقيد ذلك المعتزلة بالتوبة. وقد تقدم قوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [النساء: ٣١]. وهي تدل على أن الله سبحانه يغفر سيئات من اجتنب الكبائر. فيكون مجتنب الكبائر ممن قد شاء الله غفران سيئاته. ولذا قال الرازيّ: هذه الآية من أقوى الدلائل لنا على العفو عن أصحاب الكبائر. ثم جوّد وجوه الاستدلال. ومنها: أن ما سوى الشرك يدخل فيه الكبيرة قبل التوبة. ومنها أن غفران الكبيرة بعد التوبة وغفران الصغيرة مقطوع به وغير معلق على المشيئة. فوجب أن يكون الغفران المذكور، في هذه الآية، هو غفران الكبيرة قبل التوبة. وهو المطلوب.
وأول الزمخشريّ هذه الآية على مذهبه: بأن الفعل المنفيّ والمثبت جميعا، موجّهان إلى قوله تعالى لِمَنْ يَشاءُ على قاعدة التنازع. كأنه قيل: إن الله لا يغفر لمن يشاء الشرك، ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك. على أن المراد بالأول من لم يتب وبالثاني من تاب. قال: ونظيره قولك: إن الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء. تريد لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله، ويبذل القنطار لمن يستأهله. انتهى.
قال ناصر الدين في (الانتصاف) : عقيدة أهل السنة أن الشرك غير مغفور البتة. وما دونه من الكبائر مغفور لمن يشاء الله أن يغفره له. هذا مع عدم التوبة. وأما مع التوبة فكلاهما مغفور. والآية إنما وردت فيمن لم يتب ولم يذكر فيها توبة كما ترى. فلذلك أطلق الله تعالى نفي مغفرة الشرك وأثبت مغفرة ما دونه مقرونة بالمشيئة، كما ترى. فهذا وجه انطباق الآية على عقيدة أهل السنة. وأما القدرية فإنهم يظنون التسوية بين الشرك وبين ما دونه من الكبائر. في أن كل واحد من النوعين لا يغفر بدون التوبة، ولا شاء الله أن يغفرهما إلا للتائبين. فإذا عرض الزمخشريّ هذا المعتقد على هذه الآية ردته ونبت عنه. إذ المغفرة منفية فيها عن الشرك وثابتة لما دونه مقرونة بالمشيئة فأما أن يكون المراد فيهما من لم يتب، فلا وجه للتفصيل بينهما بتعليق المغفرة في أحدهما بالمشيئة وتعليقها بالآخر مطلقا.
إذ هما سيّان في استحالة المغفرة. وأما أن يكون المراد فيهما التائب فقد قال في
وأول الزمخشريّ هذه الآية على مذهبه: بأن الفعل المنفيّ والمثبت جميعا، موجّهان إلى قوله تعالى لِمَنْ يَشاءُ على قاعدة التنازع. كأنه قيل: إن الله لا يغفر لمن يشاء الشرك، ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك. على أن المراد بالأول من لم يتب وبالثاني من تاب. قال: ونظيره قولك: إن الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء. تريد لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله، ويبذل القنطار لمن يستأهله. انتهى.
قال ناصر الدين في (الانتصاف) : عقيدة أهل السنة أن الشرك غير مغفور البتة. وما دونه من الكبائر مغفور لمن يشاء الله أن يغفره له. هذا مع عدم التوبة. وأما مع التوبة فكلاهما مغفور. والآية إنما وردت فيمن لم يتب ولم يذكر فيها توبة كما ترى. فلذلك أطلق الله تعالى نفي مغفرة الشرك وأثبت مغفرة ما دونه مقرونة بالمشيئة، كما ترى. فهذا وجه انطباق الآية على عقيدة أهل السنة. وأما القدرية فإنهم يظنون التسوية بين الشرك وبين ما دونه من الكبائر. في أن كل واحد من النوعين لا يغفر بدون التوبة، ولا شاء الله أن يغفرهما إلا للتائبين. فإذا عرض الزمخشريّ هذا المعتقد على هذه الآية ردته ونبت عنه. إذ المغفرة منفية فيها عن الشرك وثابتة لما دونه مقرونة بالمشيئة فأما أن يكون المراد فيهما من لم يتب، فلا وجه للتفصيل بينهما بتعليق المغفرة في أحدهما بالمشيئة وتعليقها بالآخر مطلقا.
إذ هما سيّان في استحالة المغفرة. وأما أن يكون المراد فيهما التائب فقد قال في
148
الشرك إنّه لا يَغْفِرُ والتائب من الشرك مغفور له. وعند ذلك أخذ الزمخشريّ يقطع أحدهما عن الآخر. فيجعل المراد مع الشرك عدم التوبة ومع الكبائر التوبة. حتى تنزل الآية على وفق معتقده فيحملها أمرين لا تحمل واحد منهما: أحدهما- إضافة التوبة إلى المشيئة وهي غير مذكورة ولا دليل عليها فيما ذكر. وأيضا لو كانت مرادة لكانت هي السبب الموجب للمغفرة على زعمهم عقلا. ولا يمكن تعلق المشيئة بخلافها على ظنهم في العقل. فكيف يليق السكوت عن ذكر ما هو العمدة والموجب، وذكر ما لا مدخل له على هذا المعتقد الرديء؟ الثاني- أنه بعد تقريره التوبة احتكم فقدرها على أحد القسمين دون الآخر. وما هذا إلا من جعل القرآن تبعا للرأي. نعوذ بالله من ذلك.
وأما القدرية فهم بهذا المعتقد يقع عليه بهم المثل السائر (السيد يعطي والعبد يمنع). لأن الله تعالى يصرح كرمه بالمغفرة للمصرّ على الكبائر، إن شاء.
وهم يدفعون في وجه هذا التصريح ويحيلون المغفرة بناء على قاعدة الأصلح والصلاح، التي هي بالفساد أجدر وأحق. انتهى.
فائدة:
وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة:
الأول-
عن عائشة «١» قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدواوين عند الله عز وجل ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئا. وديوان لا يترك الله منه شيئا. وديوان لا يغفره الله.
فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله. قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ الآية. وقال: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة: ٧٢]. وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها. فإن الله عز وجل يغفر ذلك ويتجاوز، إن شاء. وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا، فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة». رواه الإمام أحمد. وقد تفرد به.
الثاني-
عن أنس بن مالك عن النبيّ ﷺ قال: «الظلم ثلاثة فظلم لا يغفره الله. وظلم يغفره الله. وظلم لا يترك الله منه شيئا. فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك. وقال: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: ١٣]. وأما الظلم الذي يغفره
وأما القدرية فهم بهذا المعتقد يقع عليه بهم المثل السائر (السيد يعطي والعبد يمنع). لأن الله تعالى يصرح كرمه بالمغفرة للمصرّ على الكبائر، إن شاء.
وهم يدفعون في وجه هذا التصريح ويحيلون المغفرة بناء على قاعدة الأصلح والصلاح، التي هي بالفساد أجدر وأحق. انتهى.
فائدة:
وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة:
الأول-
عن عائشة «١» قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدواوين عند الله عز وجل ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئا. وديوان لا يترك الله منه شيئا. وديوان لا يغفره الله.
فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله. قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ الآية. وقال: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة: ٧٢]. وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها. فإن الله عز وجل يغفر ذلك ويتجاوز، إن شاء. وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا، فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة». رواه الإمام أحمد. وقد تفرد به.
الثاني-
عن أنس بن مالك عن النبيّ ﷺ قال: «الظلم ثلاثة فظلم لا يغفره الله. وظلم يغفره الله. وظلم لا يترك الله منه شيئا. فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك. وقال: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: ١٣]. وأما الظلم الذي يغفره
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٦/ ٢٤٠.
149
الله، فظلم العباد لأنفسهم، فيما بينهم وبين ربهم. وأما الظلم الذي لا يتركه، فظلم العباد بعضهم بعضا حتى يدين لبعضهم من بعض». رواه أبو بكر البزار في مسنده.
الثالث-
عن معاوية قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره. إلا الرجل يموت كافرا. أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا». رواه الإمام أحمد «١» والنسائيّ.
الرابع-
عن أبي ذر «٢» : أن رسول الله ﷺ قال: «ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق (ثلاثا) ثم قال في الرابعة:
على رغم أنف أبي ذر.
قال فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر.
وكان أبو ذر يحدث بهذا بعد ويقول: وإن رغم أنف أبي ذر. أخرجه الإمام أحمد والشيخان.
وفي رواية لهما عن أبي ذر: قال صلى الله عليه وسلم: «قال لي جبريل: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قلت: يا جبريل! وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم.
قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم. قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم. وإن شرب الخمر».
الخامس-
عن جابر قال: «جاء أعرابيّ إلى النبيّ ﷺ فقال: يا رسول الله! ما الموجبتان؟ قال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. ومن مات يشرك به دخل النار». أخرجه مسلم «٣» وعبد بن حميد في مسنده.
السادس-
عن أبي سعيد الخدريّ «٤» قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة». رواه الإمام أحمد.
الثالث-
عن معاوية قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره. إلا الرجل يموت كافرا. أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا». رواه الإمام أحمد «١» والنسائيّ.
الرابع-
عن أبي ذر «٢» : أن رسول الله ﷺ قال: «ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق (ثلاثا) ثم قال في الرابعة:
على رغم أنف أبي ذر.
قال فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر.
وكان أبو ذر يحدث بهذا بعد ويقول: وإن رغم أنف أبي ذر. أخرجه الإمام أحمد والشيخان.
وفي رواية لهما عن أبي ذر: قال صلى الله عليه وسلم: «قال لي جبريل: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قلت: يا جبريل! وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم.
قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم. قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم. وإن شرب الخمر».
الخامس-
عن جابر قال: «جاء أعرابيّ إلى النبيّ ﷺ فقال: يا رسول الله! ما الموجبتان؟ قال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. ومن مات يشرك به دخل النار». أخرجه مسلم «٣» وعبد بن حميد في مسنده.
السادس-
عن أبي سعيد الخدريّ «٤» قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة». رواه الإمام أحمد.
(١) أخرجه في المسند ٩٩/ ٤.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٥/ ١٦٦.
وأخرجه البخاريّ في: اللباس، ٢٤- باب الثياب البيض، حديث ٦٦٠.
ومسلم في: الإيمان، حديث ر ١٥٤.
(٣) أخرجه مسلم في: الإيمان حديث ١٥١.
(٤) أخرجه في المسند ٣/ ٧٩.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٥/ ١٦٦.
وأخرجه البخاريّ في: اللباس، ٢٤- باب الثياب البيض، حديث ٦٦٠.
ومسلم في: الإيمان، حديث ر ١٥٤.
(٣) أخرجه مسلم في: الإيمان حديث ١٥١.
(٤) أخرجه في المسند ٣/ ٧٩.
150
السابع-
عن ابن عباس عن النبيّ ﷺ قال: «قال الله عز وجل: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي». رواه الطبرانيّ.
الثامن-
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له. ومن توعده على عمل عقابا، فهو فيه بالخيار. رواه البزار وأبو يعلى.
التاسع- عن ابن عمر، قال: كنا، معشر أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، لا نشك في قاتل النفس، وآكل مال اليتيم، وشاهد الزور، وقاطع الرحم، حتى نزلت هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ، فأمسكنا عن الشهادة. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير «١».
وفي رواية لابن أبي حاتم: فلما سمعناها كففنا عن الشهادة وأرجينا الأمور إلى الله عز وجل.
العاشر-
عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: ما في القرآن أحبّ إليّ من هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. رواه الترمذيّ «٢»
وقال: حديث حسن غريب.
الحادي عشر-
عن أنس «٣» رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي. يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم! إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة». رواه الترمذيّ
وقال: حديث حسن غريب. لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وروى نحوه الإمام أحمد عن أبي ذرّ «٤» ولفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «قال: إن الله عز وجل يقول: يا عبدي! ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان فيك.
ويا عبدي! إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة ما لم تشرك بي، لقيتك بقرابها مغفرة».
عن ابن عباس عن النبيّ ﷺ قال: «قال الله عز وجل: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي». رواه الطبرانيّ.
الثامن-
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له. ومن توعده على عمل عقابا، فهو فيه بالخيار. رواه البزار وأبو يعلى.
التاسع- عن ابن عمر، قال: كنا، معشر أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، لا نشك في قاتل النفس، وآكل مال اليتيم، وشاهد الزور، وقاطع الرحم، حتى نزلت هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ، فأمسكنا عن الشهادة. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير «١».
وفي رواية لابن أبي حاتم: فلما سمعناها كففنا عن الشهادة وأرجينا الأمور إلى الله عز وجل.
العاشر-
عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: ما في القرآن أحبّ إليّ من هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. رواه الترمذيّ «٢»
وقال: حديث حسن غريب.
الحادي عشر-
عن أنس «٣» رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي. يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم! إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة». رواه الترمذيّ
وقال: حديث حسن غريب. لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وروى نحوه الإمام أحمد عن أبي ذرّ «٤» ولفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «قال: إن الله عز وجل يقول: يا عبدي! ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان فيك.
ويا عبدي! إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة ما لم تشرك بي، لقيتك بقرابها مغفرة».
(١) الأثر رقم ٩٧٣٢.
(٢) أخرجه الترمذيّ في: التفسير، ٥- سورة المائدة، ٢٣- حدثنا خلاد بن أسلم.
(٣) أخرجه الترمذيّ في: الدعوات، ٩٨- باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده.
(٤) أخرجه في المسند ٥/ ١٥٤.
(٢) أخرجه الترمذيّ في: التفسير، ٥- سورة المائدة، ٢٣- حدثنا خلاد بن أسلم.
(٣) أخرجه الترمذيّ في: الدعوات، ٩٨- باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده.
(٤) أخرجه في المسند ٥/ ١٥٤.
151
والأحاديث في ذلك متوافرة. ويكفي هذا المقدار.
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً أي افترى واختلق، مرتكبا إثما لا يقادر قدره. ويستحقر دونه جميع الآثام. فلا تتعلق به المغفرة قطعا.
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى في كتابه (الجواب الكافي) : الشرك بالرب تعالى نوعان: شرك به في أسمائه وصفاته، وجعل آلهة أخرى معه. وشرك به في معاملته. وهذا الثاني قد لا يوجب دخول النار، وإن أحبط العمل الذي أشرك فيه مع الله غيره. وهذا القسم أعظم أنواع الذنوب، ويدخل فيه القول على الله بلا علم، في خلقه وأمره. فمن كان من أهل هذه الذنوب، فقد نازع الله، سبحانه وتعالى، ربوبيته وملكه. وجعل له ندّا. وهذا أعظم الذنوب عند الله. ولا ينفع معه عمل.
وقال بعد ذلك: وكشف الغطاء عن هذه المسألة أن يقال: إن الله عز وجل أرسل رسله وأنزل كتبه وخلق السموات والأرض، ليعرف ويعبد ويوحد ويكون الدين كله له، والطاعة كلها له، والدعوة له. كما قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦]. وقال تعالى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الحجر: ٨٥]. وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطلاق: ١٢]. وقال تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة: ٩٧]. فأخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر أن يعرف بأسمائه وصفاته، ويعبد وحده لا يشرك به، وأن يقوم الناس بالقسط. وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض. كما قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد: ٢٥]. فأخبر سبحانه أنه أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل. ومن أعظم القسط التوحيد. بل هو رأس العدل وقوامه. وإن الشرك ظلم عظيم. كما قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: ١٣]. فالشرك أظلم الظلم. والتوحيد أعدل العدل. فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر.
وتفاوتها في درجاتها بحسب منافاتها له. وما كان أشد موافقة لهذا المقصود، فهو أوجب الواجبات وأفرض الطاعات. فتأمل هذا الأصل حق التأمل واعتبر به تفاصيله، تعرف به أحكم الحاكمين وأعلم العالمين، فيما فرض على عباده وحرمه عليهم.
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً أي افترى واختلق، مرتكبا إثما لا يقادر قدره. ويستحقر دونه جميع الآثام. فلا تتعلق به المغفرة قطعا.
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى في كتابه (الجواب الكافي) : الشرك بالرب تعالى نوعان: شرك به في أسمائه وصفاته، وجعل آلهة أخرى معه. وشرك به في معاملته. وهذا الثاني قد لا يوجب دخول النار، وإن أحبط العمل الذي أشرك فيه مع الله غيره. وهذا القسم أعظم أنواع الذنوب، ويدخل فيه القول على الله بلا علم، في خلقه وأمره. فمن كان من أهل هذه الذنوب، فقد نازع الله، سبحانه وتعالى، ربوبيته وملكه. وجعل له ندّا. وهذا أعظم الذنوب عند الله. ولا ينفع معه عمل.
وقال بعد ذلك: وكشف الغطاء عن هذه المسألة أن يقال: إن الله عز وجل أرسل رسله وأنزل كتبه وخلق السموات والأرض، ليعرف ويعبد ويوحد ويكون الدين كله له، والطاعة كلها له، والدعوة له. كما قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦]. وقال تعالى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الحجر: ٨٥]. وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطلاق: ١٢]. وقال تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة: ٩٧]. فأخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر أن يعرف بأسمائه وصفاته، ويعبد وحده لا يشرك به، وأن يقوم الناس بالقسط. وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض. كما قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد: ٢٥]. فأخبر سبحانه أنه أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل. ومن أعظم القسط التوحيد. بل هو رأس العدل وقوامه. وإن الشرك ظلم عظيم. كما قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: ١٣]. فالشرك أظلم الظلم. والتوحيد أعدل العدل. فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر.
وتفاوتها في درجاتها بحسب منافاتها له. وما كان أشد موافقة لهذا المقصود، فهو أوجب الواجبات وأفرض الطاعات. فتأمل هذا الأصل حق التأمل واعتبر به تفاصيله، تعرف به أحكم الحاكمين وأعلم العالمين، فيما فرض على عباده وحرمه عليهم.
152
وتفاوت مراتب الطاعات والمعاصي. فلما كان الشرك بالله منافيا بالذات لهذا المقصود، وكان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحرم الله الجنة على كل مشرك، وأباح دمه وماله لأهل التوحيد، وأن يتخذوهم عبيدا لهم لما تركوا القيام بعبوديته، وأبى الله سبحانه أن يقبل من مشرك عملا، أو يقبل فيه شفاعة، أو يستجيب له في الآخرة دعوة، أو يقيل له فيها عثرة- فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله حيث جعل له من خلقه ندّا، وذلك غاية الجهل به. كما أنه غاية الظلم منه. وإن كان المشرك لم يظلم ربه وإنما ظلم نفسه. ووقعت مسألة: وهي أن المشرك إنما قصده تعظيم جناب الرب تبارك وتعالى. وأنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء. كحال الملوك. فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبية. وإنما قصد تعظيمه.
وقال: إنما أعبد هذه الوسائط لتقربني وتدخلني عليه. فهو المقصود. وهذه وسائل وشفعاء. فلم كان هذا القدر موجبا لسخطه وغضبه تبارك وتعالى ومخلدا في النار وموجبا لسفك دماء أصحابه واستباحة حريمهم وأموالهم؟ وترتب على هذا سؤال آخر: وهو أنه هل يجوز أن يشرع الله سبحانه لعباده التقريب إليه بالشفعاء والوسائط؟ فيكون تحريم هذا إنما استفيد من الشرع، أم ذلك قبيح في الفطر والعقول، يمتنع أن تأتي به شريعة، بل جاءت بتقرير ما في الفطر والعقول من قبحه الذي هو أقبح من كل قبيح؟ وما السبب في كونه لا يغفره من دون سائر الذنوب؟
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. فتأمل هذا السؤال. واجمع قلبك وذهنك على جوابه. ولا تستهونه فإن به يحصل الفرق بين المشركين والموحدين، والعالمين بالله والجاهلين به، وأهل الجنة وأهل النار. فنقول (وبالله التوفيق والتأييد، ومنه نستمد المعونة والتسديد. فإنه من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له. ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع) : الشرك شركان: شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله. وشرك في عبادته ومعاملته، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. والشرك الأول نوعان: أحدهما- شرك التعطيل وهو أقبح أنواع الشرك.
كشرك فرعون إذ قال وَما رَبُّ الْعالَمِينَ [الشعراء: ٢٣] ؟ وقال تعالى مخبرا عنه أنه قال: وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً [غافر: ٣٦- ٣٧]. فالشرك والتعطيل متلازمان. فكل مشرك معطل وكل معطل مشرك. لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل بل قد يكون المشرك مقرّا بالخالق سبحانه وصفاته. ولكن عطل حق
وقال: إنما أعبد هذه الوسائط لتقربني وتدخلني عليه. فهو المقصود. وهذه وسائل وشفعاء. فلم كان هذا القدر موجبا لسخطه وغضبه تبارك وتعالى ومخلدا في النار وموجبا لسفك دماء أصحابه واستباحة حريمهم وأموالهم؟ وترتب على هذا سؤال آخر: وهو أنه هل يجوز أن يشرع الله سبحانه لعباده التقريب إليه بالشفعاء والوسائط؟ فيكون تحريم هذا إنما استفيد من الشرع، أم ذلك قبيح في الفطر والعقول، يمتنع أن تأتي به شريعة، بل جاءت بتقرير ما في الفطر والعقول من قبحه الذي هو أقبح من كل قبيح؟ وما السبب في كونه لا يغفره من دون سائر الذنوب؟
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. فتأمل هذا السؤال. واجمع قلبك وذهنك على جوابه. ولا تستهونه فإن به يحصل الفرق بين المشركين والموحدين، والعالمين بالله والجاهلين به، وأهل الجنة وأهل النار. فنقول (وبالله التوفيق والتأييد، ومنه نستمد المعونة والتسديد. فإنه من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له. ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع) : الشرك شركان: شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله. وشرك في عبادته ومعاملته، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. والشرك الأول نوعان: أحدهما- شرك التعطيل وهو أقبح أنواع الشرك.
كشرك فرعون إذ قال وَما رَبُّ الْعالَمِينَ [الشعراء: ٢٣] ؟ وقال تعالى مخبرا عنه أنه قال: وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً [غافر: ٣٦- ٣٧]. فالشرك والتعطيل متلازمان. فكل مشرك معطل وكل معطل مشرك. لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل بل قد يكون المشرك مقرّا بالخالق سبحانه وصفاته. ولكن عطل حق
153
التوحيد. وأصل الشرك وقاعدته التي ترجع إليها هو التعطيل. وهو ثلاثة أقسام:
تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه. وتعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله. وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد. ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود، الذين يقولون: ما ثمّ خالق ومخلوق، ولا هاهنا شيئان. بل الحق المنزه هو عين الخلق المشبه. ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديّته وإنه لم يكن معدوما أصلا. بل لم يزل ولا يزال. والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها.
يسمونها العقول والنفوس. ومن هذا أشرك من عطل أسماء الرب تعالى وأوصافه وأفعاله من غلاة الجهميّة والقرامطة. فلم يثبتوا له اسما ولا صفة. بل جعلوا المخلوق أكمل منه. إذ كمال الذات بأسمائها وصفاتها.
النوع الثاني. شرك من جعل معه إلها آخر ولم يعطل أسماءه وربوبيته وصفاته.
كشرك النصارى الذي جعلوه ثالث ثلاثة. فجعلوا المسيح إلها وأمه إلها. ومن هذا شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور وحوادث الشر إلى الظلمة. ومن هذا شرك القدرية القائلين بأن الحيوان هو الذي يخلق أفعال نفسه، وإنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته وإرادته. ولهذا كانوا من أشباه المجوس. ومن هذا شرك الذي حاج إبراهيم في ربه: إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة: ٢٥٨]. فهذا جعل نفسه ندّا لله، يحيي ويميت بزعمه. كما يحيي الله ويميت. فألزمه إبراهيم، عليه السلام ورحمة الله وبركاته، أن طرد قولك، أن تقدر على الإتيان بالشمس من غير الجهة التي يأتي الله بها منها. وليس هذا انتقالا كما زعم بعض أهل الجدل، بل إلزاما على طرد الدليل إن كان حقا. ومن هذا شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات ويجعلها أربابا مدبرة لأمر هذا العالم. كما هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم. ومن هذا شرك عباد الشمس وعباد النار وغيرهم. ومن هؤلاء من يزعم أن معبوده هو الإله على الحقيقة. ومنهم من يزعم أنه أكبر الآلهة. ومنهم من يزعم أنه إله من جملة الآلهة، وأنه إذا خصه بعبادته والتبتل إليه والانقطاع إليه، أقبل إليه واغتنى به. ومنهم من يزعم أنه معبودهم الأدنى يقربه إلى المعبود الذي هو فوقه. والفوقانيّ يقربه إلى من هو فوقه. حتى تقربه تلك الآلهة.
إلى الله سبحانه. فتارة تكثر الوسائط وتارة تقل.
تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه. وتعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله. وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد. ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود، الذين يقولون: ما ثمّ خالق ومخلوق، ولا هاهنا شيئان. بل الحق المنزه هو عين الخلق المشبه. ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديّته وإنه لم يكن معدوما أصلا. بل لم يزل ولا يزال. والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها.
يسمونها العقول والنفوس. ومن هذا أشرك من عطل أسماء الرب تعالى وأوصافه وأفعاله من غلاة الجهميّة والقرامطة. فلم يثبتوا له اسما ولا صفة. بل جعلوا المخلوق أكمل منه. إذ كمال الذات بأسمائها وصفاتها.
فصل
النوع الثاني. شرك من جعل معه إلها آخر ولم يعطل أسماءه وربوبيته وصفاته.
كشرك النصارى الذي جعلوه ثالث ثلاثة. فجعلوا المسيح إلها وأمه إلها. ومن هذا شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور وحوادث الشر إلى الظلمة. ومن هذا شرك القدرية القائلين بأن الحيوان هو الذي يخلق أفعال نفسه، وإنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته وإرادته. ولهذا كانوا من أشباه المجوس. ومن هذا شرك الذي حاج إبراهيم في ربه: إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة: ٢٥٨]. فهذا جعل نفسه ندّا لله، يحيي ويميت بزعمه. كما يحيي الله ويميت. فألزمه إبراهيم، عليه السلام ورحمة الله وبركاته، أن طرد قولك، أن تقدر على الإتيان بالشمس من غير الجهة التي يأتي الله بها منها. وليس هذا انتقالا كما زعم بعض أهل الجدل، بل إلزاما على طرد الدليل إن كان حقا. ومن هذا شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات ويجعلها أربابا مدبرة لأمر هذا العالم. كما هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم. ومن هذا شرك عباد الشمس وعباد النار وغيرهم. ومن هؤلاء من يزعم أن معبوده هو الإله على الحقيقة. ومنهم من يزعم أنه أكبر الآلهة. ومنهم من يزعم أنه إله من جملة الآلهة، وأنه إذا خصه بعبادته والتبتل إليه والانقطاع إليه، أقبل إليه واغتنى به. ومنهم من يزعم أنه معبودهم الأدنى يقربه إلى المعبود الذي هو فوقه. والفوقانيّ يقربه إلى من هو فوقه. حتى تقربه تلك الآلهة.
إلى الله سبحانه. فتارة تكثر الوسائط وتارة تقل.
154
فصل
وأما الشرك في العبادة فهو أسهل من هذا الشرك وأخف أمرا. فإنه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلا الله. وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع إلا الله. وأنه لا إله غيره ولا رب سواه. ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته. بل يعمل لحظّ نفسه تارة وطلب الدنيا تارة. ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة. فلله من عمله وسعيه نصيب. ولنفسه وحظه وهواه نصيب. وللشيطان نصيب. وللخلق نصيب.
هذا حال أكثر الناس. وهو الشرك الذي
قال فيه النبي ﷺ فيما رواه ابن حبان في صحيحه «١» :«الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل. قالوا: وكيف ننجو منه؟
يا رسول الله! قال: قل: اللهم! إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم».
فالرياء كله شرك. قال تعالى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف: ١١٠].
أي كما أنه إله واحد، لا إله سواه، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده.
فكما تفرّد بالإلهية، يجب أن يفرد بالعبودية. فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء، المقيد بالسنة. وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم! اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا. ولا تجعل لأحد فيه شيئا. وهذا الشرك في العبادة يبطل العمل. وقد يعاقب عليه إذا كان العمل واجبا. فإنه ينزله منزلة من لم يعمله، فيعاقب على ترك الأمر. فإن الله سبحانه إنما أمر بعبادته خالصة. قال تعالى:
وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ [البينة: ٥].
فمن لم يخلص لله في عبادته لم يفعل ما أمر به. بل الذي أتى به، شيء غير المأمور به، فلا يصح ولا يقبل منه. ويقول الله تعالى «٢» : أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه. وهذا الشرك ينقسم إلى مغفور وغير مغفور. وأكبر وأصغر. والنوع الأول ينقسم إلى كبير وأكبر. وليس شيء منه مغفورا. فمنه الشرك بالله في المحبة والتعظيم بأن يحب المخلوق كما يحب
(١) أخرجه أحمد في المسند ٤/ ٤٠٣.
(٢) أخرجه مسلم في: الزهد والرقائق، حديث ٤٦. [.....]
(٢) أخرجه مسلم في: الزهد والرقائق، حديث ٤٦. [.....]
155
الله. فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله. وهو الشرك الذي قال سبحانه فيه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً [البقرة: ١٦٥] الآية.
وقال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم وقد جمعتهم الجحيم: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ [الشعراء: ٩٧- ٩٨]. ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق والرزق، والإماتة والإحياء، والملك والقدرة. وإنما سووهم به في الحب والتأله والخضوع لهم والتذلل. وهذا غاية الجهل والظلم.
فكيف يسوّى من خلق من التراب برب الأرباب؟ وكيف يسوى العبيد بمالك الرقاب؟ وكيف يسوى الفقير بالذات، الضعيف بالذات، العاجز بالذات، المحتاج بالذات، الذي ليس له من ذاته إلا العدم- بالغنيّ بالذات، القادر بالذات، الذي غناه وقدرته وملكه وجوده وإحسانه وعلمه ورحمته، وكماله المطلق التام من لوازم ذاته؟
فأيّ ظلم أقبح من هذا؟ وأيّ حكم أشد جورا منه؟ حيث عدل من لا عدل له بخلقه، كما قال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام: ١]. فعدل المشرك من خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور بمن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض. فيا لك من عدل تضمن أكبر الظلم وأقبحه!!
ويتبع هذا الشرك، الشرك به سبحانه في الأقوال والأفعال والإرادات والنيات.
فالشرك في الأفعال كالسجود لغيره، والطواف بغير بيته، وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره، وتقبيل الأحجار، غير الحجر الأسود الذي هو يمين الله في الأرض، أو تقبيل القبور واستلامها والسجود لها. وقد لعن النبيّ ﷺ من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلي لله فيها. فكيف بمن اتخذ القبور أوثانا يعبدوها من دون الله.
وفي الصحيحين «١» عنه أنه قال: «لعنة الله على اليهود والنصارى. اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
وفي الصحيح «٢» عنه: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة
وقال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم وقد جمعتهم الجحيم: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ [الشعراء: ٩٧- ٩٨]. ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق والرزق، والإماتة والإحياء، والملك والقدرة. وإنما سووهم به في الحب والتأله والخضوع لهم والتذلل. وهذا غاية الجهل والظلم.
فكيف يسوّى من خلق من التراب برب الأرباب؟ وكيف يسوى العبيد بمالك الرقاب؟ وكيف يسوى الفقير بالذات، الضعيف بالذات، العاجز بالذات، المحتاج بالذات، الذي ليس له من ذاته إلا العدم- بالغنيّ بالذات، القادر بالذات، الذي غناه وقدرته وملكه وجوده وإحسانه وعلمه ورحمته، وكماله المطلق التام من لوازم ذاته؟
فأيّ ظلم أقبح من هذا؟ وأيّ حكم أشد جورا منه؟ حيث عدل من لا عدل له بخلقه، كما قال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام: ١]. فعدل المشرك من خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور بمن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض. فيا لك من عدل تضمن أكبر الظلم وأقبحه!!
فصل
ويتبع هذا الشرك، الشرك به سبحانه في الأقوال والأفعال والإرادات والنيات.
فالشرك في الأفعال كالسجود لغيره، والطواف بغير بيته، وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره، وتقبيل الأحجار، غير الحجر الأسود الذي هو يمين الله في الأرض، أو تقبيل القبور واستلامها والسجود لها. وقد لعن النبيّ ﷺ من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلي لله فيها. فكيف بمن اتخذ القبور أوثانا يعبدوها من دون الله.
وفي الصحيحين «١» عنه أنه قال: «لعنة الله على اليهود والنصارى. اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
وفي الصحيح «٢» عنه: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة
(١) أخرجه البخاري في: الصلاة، ٥٥- حدثنا أبو اليمان، حديث ٢٨٥ و ٢٨٦.
ومسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث ١٩.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ١/ ٤٣٥.
وهو في البخاريّ في: الفتن، ٥- باب ظهور الفتن، حديث ٢٥٥٠.
وفي مسلم في: الفتن وأشراط الساعة، حديث ١٣١.
ومسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث ١٩.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ١/ ٤٣٥.
وهو في البخاريّ في: الفتن، ٥- باب ظهور الفتن، حديث ٢٥٥٠.
وفي مسلم في: الفتن وأشراط الساعة، حديث ١٣١.
156
وهم أحياء. ومن يتخذ القبور مساجد».
وفي الصحيح «١» «أيضا عنه: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد. ألا فلا تتخذوا القبور مساجد. فإني أنهاكم عن ذلك».
وفي مسند الإمام أحمد «٢» رضي الله عنه وصحيح ابن حبان عنه صلى الله عليه وسلم: «لعن رسول الله ﷺ زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. وقال: اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
وقال «٣» :«إن من كان قبلكم، إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدا وصوّروا فيه تلك الصور. أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة».
فهذا حال من سجد لله في مسجد على قبر. فكيف حال من سجد للقبر بنفسه؟
وقد قال النبيّ ﷺ «٤» :«اللهم! لا تجعل قبري وثنا يعبد»
. وقد حمى النبيّ جانب التوحيد أعظم حماية حتى نهى «٥» عن صلاة التطوّع لله سبحانه عند طلوع الشمس وعند غروبها. لئلا يكون ذريعة إلى التشبيه بعبّاد الشمس الذين يسجدون لها في هاتين الحالتين. وسد الذريعة بأن منع الصلاة بعد العصر والصبح، لاتصال هذين الوقتين بالوقتين اللذين يسجد المشركون فيهما للشمس. وأما السجود لغير الله
فقال «٦» :«لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا لله»
. و (لا ينبغي) في كلام الله
وفي الصحيح «١» «أيضا عنه: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد. ألا فلا تتخذوا القبور مساجد. فإني أنهاكم عن ذلك».
وفي مسند الإمام أحمد «٢» رضي الله عنه وصحيح ابن حبان عنه صلى الله عليه وسلم: «لعن رسول الله ﷺ زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. وقال: اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
وقال «٣» :«إن من كان قبلكم، إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدا وصوّروا فيه تلك الصور. أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة».
فهذا حال من سجد لله في مسجد على قبر. فكيف حال من سجد للقبر بنفسه؟
وقد قال النبيّ ﷺ «٤» :«اللهم! لا تجعل قبري وثنا يعبد»
. وقد حمى النبيّ جانب التوحيد أعظم حماية حتى نهى «٥» عن صلاة التطوّع لله سبحانه عند طلوع الشمس وعند غروبها. لئلا يكون ذريعة إلى التشبيه بعبّاد الشمس الذين يسجدون لها في هاتين الحالتين. وسد الذريعة بأن منع الصلاة بعد العصر والصبح، لاتصال هذين الوقتين بالوقتين اللذين يسجد المشركون فيهما للشمس. وأما السجود لغير الله
فقال «٦» :«لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا لله»
. و (لا ينبغي) في كلام الله
(١) أخرجه مسلم في: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث ٢٣.
(٢) أخرجه في المسند ١/ ٢٢٩.
(٣)
أخرجه البخاريّ في: مناقب الأنصار، حديث ٢٨١، ونصه: عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير. فذكرتا للنبيّ ﷺ فقال «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوّروا فيه تيك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة».
ومسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث ١٦
. (٤) أخرجه مالك في: قصر الصلاة في السفر، حديث ٨٥.
(٥)
أخرجه البخاريّ في: مواقيت الصلاة، ٣١- باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس، حديث ٣٧٩ ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس».
(٦)
أخرجه ابن ماجة في: النكاح، ٤- باب حق الزوج على المرأة، حديث ١٨٥٣ ونصه: عن عبد الله بن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبيّ صلى الله عليه وسلم. قال «ما هذا؟ يا معاذ!» قال: أتيت الشام فوجدتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم. فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك. فقال رسول الله ﷺ «فلا تفعلوا. فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.
والذي نفس محمد بيده! لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها. ولو سألها نفسها، وهي على قتب، لم تمنعه»
.
(٢) أخرجه في المسند ١/ ٢٢٩.
(٣)
أخرجه البخاريّ في: مناقب الأنصار، حديث ٢٨١، ونصه: عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير. فذكرتا للنبيّ ﷺ فقال «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوّروا فيه تيك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة».
ومسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث ١٦
. (٤) أخرجه مالك في: قصر الصلاة في السفر، حديث ٨٥.
(٥)
أخرجه البخاريّ في: مواقيت الصلاة، ٣١- باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس، حديث ٣٧٩ ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس».
(٦)
أخرجه ابن ماجة في: النكاح، ٤- باب حق الزوج على المرأة، حديث ١٨٥٣ ونصه: عن عبد الله بن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبيّ صلى الله عليه وسلم. قال «ما هذا؟ يا معاذ!» قال: أتيت الشام فوجدتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم. فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك. فقال رسول الله ﷺ «فلا تفعلوا. فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.
والذي نفس محمد بيده! لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها. ولو سألها نفسها، وهي على قتب، لم تمنعه»
.
157
ورسوله صلى الله عليه وسلم- للذي هو في غاية الامتناع شرعا. كقوله تعالى: وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً [مريم: ٩٢]. وقوله: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [يس: ٦٩].
وقوله: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ [الشعراء: ٢١٠- ٢١١]. وقوله عن الملائكة: ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ [الفرقان: ١٨].
ومن الشرك به سبحانه الشرك به في اللفظ. كالحلف بغيره. كما
رواه أحمد «١» وأبو داود عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك».
وصححه الحاكم وابن حبان. ومن ذلك قول القائل للمخلوق: ما شاء الله وشئت. كما
ثبت عن النبيّ ﷺ «٢»
«أنه قال له رجل: ما شاء الله وشئت. قال: أجعلتني لله ندّا؟ قل:
ما شاء الله وحده»
. وهذا، مع أن الله قد أثبت للعبد مشيئة، كقوله: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ [التكوير: ٢٨]- فكيف من يقول: أنا متوكل على الله وعليك؟ وأنا في حسب الله وحسبك؟ وما لي إلا الله وأنت؟ وهذا من الله ومنك؟
وهذا من بركات الله وبركاتك؟ والله لي في السماء وأنت لي في الأرض؟ أو يقول:
والله! وحياة فلان. أو يقول: نذرا لله ولفلان. وأنا تائب لله ولفلان. وأرجو الله وفلانا ونحو ذلك. فوازن بين هذه الألفاظ وبين قول القائل: ما شاء الله وشئت، ثم انظر أيهما أفحش؟ يتبين لك أن قائلها أولى لجواب النبيّ ﷺ لقائل تلك الكلمة.
وأنه إذا كان قد جعله ندّا لله بها، فهذا قد جعل من لا يداني رسول الله ﷺ في شيء من الأشياء، بل لعله أن يكون من أعدائه، ندّا لرب العالمين. فالسجود والعبادة، والتوكل والإنابة، والتقوى والخشية، والتحسب والتوبة، والنذر والحلف، والتسبيح والتكبير، والتهليل والتحميد، والاستغفار وحلق الرأس، خضوعا وتعبدا، والطواف بالبيت، والدعاء- كل ذلك محض حق الله. لا يصلح ولا ينبغي لسواه، من ملك مقرب ولا نبيّ مرسل.
وفي مسند الإمام أحمد «٣»
أن رجلا أتي به إلى النبيّ ﷺ قد أذنب ذنبا. فلما وقف بين يديه قال: اللهم! إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد.
قال: قد عرف الحق لأهله.
وقوله: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ [الشعراء: ٢١٠- ٢١١]. وقوله عن الملائكة: ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ [الفرقان: ١٨].
فصل
ومن الشرك به سبحانه الشرك به في اللفظ. كالحلف بغيره. كما
رواه أحمد «١» وأبو داود عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك».
وصححه الحاكم وابن حبان. ومن ذلك قول القائل للمخلوق: ما شاء الله وشئت. كما
ثبت عن النبيّ ﷺ «٢»
«أنه قال له رجل: ما شاء الله وشئت. قال: أجعلتني لله ندّا؟ قل:
ما شاء الله وحده»
. وهذا، مع أن الله قد أثبت للعبد مشيئة، كقوله: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ [التكوير: ٢٨]- فكيف من يقول: أنا متوكل على الله وعليك؟ وأنا في حسب الله وحسبك؟ وما لي إلا الله وأنت؟ وهذا من الله ومنك؟
وهذا من بركات الله وبركاتك؟ والله لي في السماء وأنت لي في الأرض؟ أو يقول:
والله! وحياة فلان. أو يقول: نذرا لله ولفلان. وأنا تائب لله ولفلان. وأرجو الله وفلانا ونحو ذلك. فوازن بين هذه الألفاظ وبين قول القائل: ما شاء الله وشئت، ثم انظر أيهما أفحش؟ يتبين لك أن قائلها أولى لجواب النبيّ ﷺ لقائل تلك الكلمة.
وأنه إذا كان قد جعله ندّا لله بها، فهذا قد جعل من لا يداني رسول الله ﷺ في شيء من الأشياء، بل لعله أن يكون من أعدائه، ندّا لرب العالمين. فالسجود والعبادة، والتوكل والإنابة، والتقوى والخشية، والتحسب والتوبة، والنذر والحلف، والتسبيح والتكبير، والتهليل والتحميد، والاستغفار وحلق الرأس، خضوعا وتعبدا، والطواف بالبيت، والدعاء- كل ذلك محض حق الله. لا يصلح ولا ينبغي لسواه، من ملك مقرب ولا نبيّ مرسل.
وفي مسند الإمام أحمد «٣»
أن رجلا أتي به إلى النبيّ ﷺ قد أذنب ذنبا. فلما وقف بين يديه قال: اللهم! إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد.
قال: قد عرف الحق لأهله.
(١) أخرجه في المسند ١/ ٤٧.
(٢)
أخرجه في المسند ١/ ٢١٤. ونصه: عن ابن عباس أن رجلا قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. فقال له النبيّ ﷺ «أجعلتني والله عدلا؟ بل ما شاء الله وحده»
. (٣) أخرجه في المسند ٣/ ٤٣٥.
(٢)
أخرجه في المسند ١/ ٢١٤. ونصه: عن ابن عباس أن رجلا قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. فقال له النبيّ ﷺ «أجعلتني والله عدلا؟ بل ما شاء الله وحده»
. (٣) أخرجه في المسند ٣/ ٤٣٥.
158
فصل
وأما الشرك في الإرادات والنيات، فذلك البحر الذي لا ساحل له، وقلّ من ينجو منه. فمن أراد بعمله غير وجه الله، ونوى شيئا غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه، فقد أشرك في نيته وإرادته. والإخلاص: أن يخلص لله في أقواله وأفعاله وإرادته ونيته.
وهذه هي الحنيفية، ملة إبراهيم، التي أمر الله بها عباده كلهم. ولا يقبل من أحد غيرها. وهي حقيقة الإسلام. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ [آل عمران: ٨٥]. وهي ملة إبراهيم عليه السلام، التي من رغب عنها فهو من أسفه السفهاء.
فصل
وإذا عرفت هذه المقدمة انفتح لك باب الجواب عن السؤال المذكور. فنقول (ومن الله وحده نستمد الصواب) : حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به. وهذا هو التشبيه في الحقيقة. لا إثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه ووصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعكس من نكس الله قلبه وأعمى عين بصيرته وأركسه بلبسه الأمر وجعل التوحيد تشبيها والتشبيه تعظيما وطاعة. فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية. فإن من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل به وحده. فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق. وجعل من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، أفضل من غيره. تشبيها بمن له الأمر كله. فأزمّة الأمور كلها بيده، ومرجعها إليه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع. بل إذا فتح لعبده باب رحمته لم يمسكها أحد. وإن أمسكها عنه لم يرسلها إليه أحد. فمن أقبح التشبيه تشبيه هذا العاجز الفقير بالذات، بالقادر الغنيّ بالذات. ومن خصائص الإلهية الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه. وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده. والتعظيم والإجلال والخشية والدعاء والرجاء والإنابة والتوكل والاستعانة وغاية الذل مع غاية الحب، كل ذلك يجب عقلا وشرعا وفطرة أن يكون له وحده. ويمنع عقلا وشرعا وفطرة أن يكون لغيره. فمن جعل شيئا من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا ند له. وذلك أقبح التشبيه وأبطله. ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم، أخبر سبحانه عباده أنه لا يغفره. مع أنه كتب على نفسه الرحمة. ومن خصائص
159
الإلهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما: غاية الحب مع غاية الذل. هذا تمام العبودية. وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الأصلين. فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله، فقد شبهه به في خالص حقه.
وهذا من المحال أن تأتي به شريعة من الشرائع. وقبحه مستقر في كل فطرة وعقل.
ولكن غيرت الشيطان فطر أكثر الخلق وعقولهم، وأفسدتها عليهم، واجتالتهم عنها.
ومضى على الفطرة الأولى من سبقت له من الله الحسنى. فأرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه بما يوافق فطرتهم وعقولهم. فازدادوا بذلك نورا على نور. يهدي الله لنوره من يشاء.
إذا عرف هذا، فمن خصائص الإلهية السجود. فمن سجد لغيره فقد شبه المخلوق به. ومنها التوكل. فمن توكل على غيره فقد شبهه به. ومنها التوبة. فمن تاب لغيره فقد شبهه به. ومنها الحلف باسمه تعظيما وإجلالا. فمن حلف بغيره فقد شبهه به. هذا في جانب التشبيه. وأما في جانب التشبه به، فمن تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم، والخضوع والرجاء، وتعليق القلب به خوفا ورجاء، والتجاء واستعانة، فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وإلهيته. وهو حقيق بأن يهينه غاية الهوان. ويذله غاية الذل ويجعله تحت أقدام خلقه.
وفي الصحيح «١» عنه ﷺ قال: «يقول الله عز وجل: العظمة إزاري والكبرياء ردائي. فمن نازعني واحدا منهما عذبته»
. وإذا كان المصور، الذي يصنع الصورة بيده، من أشد الناس عذابا يوم القيامة، لتشبهه بالله في مجرد الصنعة- فما الظن بالتشبه بالله في الربوبية والإلهية، كما
قال النبيّ ﷺ «٢» :«أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون»
. يقال لهم: أحيوا ما خلقتم.
وفي الصحيح «٣» عنه ﷺ أنه قال: «قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن
وهذا من المحال أن تأتي به شريعة من الشرائع. وقبحه مستقر في كل فطرة وعقل.
ولكن غيرت الشيطان فطر أكثر الخلق وعقولهم، وأفسدتها عليهم، واجتالتهم عنها.
ومضى على الفطرة الأولى من سبقت له من الله الحسنى. فأرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه بما يوافق فطرتهم وعقولهم. فازدادوا بذلك نورا على نور. يهدي الله لنوره من يشاء.
إذا عرف هذا، فمن خصائص الإلهية السجود. فمن سجد لغيره فقد شبه المخلوق به. ومنها التوكل. فمن توكل على غيره فقد شبهه به. ومنها التوبة. فمن تاب لغيره فقد شبهه به. ومنها الحلف باسمه تعظيما وإجلالا. فمن حلف بغيره فقد شبهه به. هذا في جانب التشبيه. وأما في جانب التشبه به، فمن تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم، والخضوع والرجاء، وتعليق القلب به خوفا ورجاء، والتجاء واستعانة، فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وإلهيته. وهو حقيق بأن يهينه غاية الهوان. ويذله غاية الذل ويجعله تحت أقدام خلقه.
وفي الصحيح «١» عنه ﷺ قال: «يقول الله عز وجل: العظمة إزاري والكبرياء ردائي. فمن نازعني واحدا منهما عذبته»
. وإذا كان المصور، الذي يصنع الصورة بيده، من أشد الناس عذابا يوم القيامة، لتشبهه بالله في مجرد الصنعة- فما الظن بالتشبه بالله في الربوبية والإلهية، كما
قال النبيّ ﷺ «٢» :«أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون»
. يقال لهم: أحيوا ما خلقتم.
وفي الصحيح «٣» عنه ﷺ أنه قال: «قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن
(١)
أخرجه مسلم في: البر والصلة والآداب، ٣٨- باب تحريم الكبر، حديث ١٣٦ ونصه: عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله ﷺ «العز إزاره، والكبرياء رداؤه. فمن ينازعني عذبته».
(٢)
أخرجه البخاريّ في: الأدب، ٧٥- باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله، حديث ١٢٢٣ ونصه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ النبيّ ﷺ وفي البيت قرام فيه صور. فتلوّن وجهه، ثم تناول الستر فهتكه. وقالت: قال النبيّ ﷺ «من أشد الناس عذابا يوم القيامة، الذين يصورون هذه الصور».
(٣)
أخرجه البخاريّ في: اللباس، ٩٠- باب نقض الصور، حديث ٢٣٠٨ ونصه: عن أبي زرعة قال: دخلت مع أبي هريرة دارا بالمدينة. فرأى أعلاها مصوّرا يصور. قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي. فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة».
[.....]
أخرجه مسلم في: البر والصلة والآداب، ٣٨- باب تحريم الكبر، حديث ١٣٦ ونصه: عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله ﷺ «العز إزاره، والكبرياء رداؤه. فمن ينازعني عذبته».
(٢)
أخرجه البخاريّ في: الأدب، ٧٥- باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله، حديث ١٢٢٣ ونصه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ النبيّ ﷺ وفي البيت قرام فيه صور. فتلوّن وجهه، ثم تناول الستر فهتكه. وقالت: قال النبيّ ﷺ «من أشد الناس عذابا يوم القيامة، الذين يصورون هذه الصور».
(٣)
أخرجه البخاريّ في: اللباس، ٩٠- باب نقض الصور، حديث ٢٣٠٨ ونصه: عن أبي زرعة قال: دخلت مع أبي هريرة دارا بالمدينة. فرأى أعلاها مصوّرا يصور. قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي. فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة».
[.....]
160
ذهب يخلق خلقا كخلقي؟ فليخلقوا ذرة. فليخلقوا شعيرة»
. فنبه بالذرة والشعيرة على ما هو أعظم منهما وأكبر. والمقصود أن هذا حال من تشبه به في صنعة صورة.
فكيف حال من تشبه به في خواص ربوبيته وإلهيته؟ وكذلك من تشبه به في الاسم الذي لا ينبغي إلا لله وحده. كملك الأملاك وحاكم الحكام ونحوه.
وقد ثبت في الصحيح «١» عنه ﷺ أنه قال: «إن أخنع الأسماء عند الله رجل يتسمى بشاهان شاه ملك الملوك. ولا ملك إلا الله».
وفي لفظ: أغيظ رجل على الله رجل يسمى بملك الأملاك.
فهذا مقت الله وغضبه على من تشبه به في الاسم الذي لا ينبغي إلا له. فهو سبحانه ملك الملوك وحده. وهو حاكم الحكام وحده. فهو الذي يحكم على الحكام كلهم، ويقضي عليهم كلهم، لا غيره.
تنبيه:
حيثما وقع في حديث: من فعل كذا فقد أشرك. أو فقد كفر- لا يراد به الكفر المخرج من الملة، والشرك الأكبر المخرج عن الإسلام الذي تجري عليه أحكام الردة، والعياذ بالله تعالى. وقد قال البخاريّ «٢» : باب كفران العشير وكفر دون كفر.
قال القاضي أبو بكر ابن العربيّ في (شرحه) : مراده أن يبيّن أن الطاعات، كما تسمى إيمانا، كذلك المعاصي تسمى كفرا. لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد عليه الكفر المخرج عن الملة. فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة، ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركا أو كافرا، فإنه يعذر بالجهل والخطأ، حتى تتبين له الحجة، الذي يكفر تاركها، بيانا واضحا ما يلتبس على مثله. وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام مما أجمعوا عليه إجماعا جليّا قطعيا. يعرفه كل من المسلمين من غير نظر وتأمل. كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع. قال الشيخ تقيّ الدين في (كتاب الإيمان) : لم يكفّر الإمام أحمد الخوارج ولا المرجئة ولا القدرية. وإنما المنقول عنه وعن أمثاله تكفير الجهمية. مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية. ولا كل من قال: أنا جهميّ- كفّره. بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم
. فنبه بالذرة والشعيرة على ما هو أعظم منهما وأكبر. والمقصود أن هذا حال من تشبه به في صنعة صورة.
فكيف حال من تشبه به في خواص ربوبيته وإلهيته؟ وكذلك من تشبه به في الاسم الذي لا ينبغي إلا لله وحده. كملك الأملاك وحاكم الحكام ونحوه.
وقد ثبت في الصحيح «١» عنه ﷺ أنه قال: «إن أخنع الأسماء عند الله رجل يتسمى بشاهان شاه ملك الملوك. ولا ملك إلا الله».
وفي لفظ: أغيظ رجل على الله رجل يسمى بملك الأملاك.
فهذا مقت الله وغضبه على من تشبه به في الاسم الذي لا ينبغي إلا له. فهو سبحانه ملك الملوك وحده. وهو حاكم الحكام وحده. فهو الذي يحكم على الحكام كلهم، ويقضي عليهم كلهم، لا غيره.
تنبيه:
حيثما وقع في حديث: من فعل كذا فقد أشرك. أو فقد كفر- لا يراد به الكفر المخرج من الملة، والشرك الأكبر المخرج عن الإسلام الذي تجري عليه أحكام الردة، والعياذ بالله تعالى. وقد قال البخاريّ «٢» : باب كفران العشير وكفر دون كفر.
قال القاضي أبو بكر ابن العربيّ في (شرحه) : مراده أن يبيّن أن الطاعات، كما تسمى إيمانا، كذلك المعاصي تسمى كفرا. لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد عليه الكفر المخرج عن الملة. فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة، ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركا أو كافرا، فإنه يعذر بالجهل والخطأ، حتى تتبين له الحجة، الذي يكفر تاركها، بيانا واضحا ما يلتبس على مثله. وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام مما أجمعوا عليه إجماعا جليّا قطعيا. يعرفه كل من المسلمين من غير نظر وتأمل. كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع. قال الشيخ تقيّ الدين في (كتاب الإيمان) : لم يكفّر الإمام أحمد الخوارج ولا المرجئة ولا القدرية. وإنما المنقول عنه وعن أمثاله تكفير الجهمية. مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية. ولا كل من قال: أنا جهميّ- كفّره. بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم
(١)
أخرجه البخاريّ في: الأدب، ١١٤- باب أبغض الأسماء إلى الله، حديث ٢٣٦٧ ونصه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «أخنع الأسماء يوم القيامة عند الله رجل تسمى بملك الأملاك».
قال سفيان (أحد رجال السند) : يقول غيره تفسيره: شاهان شاه.
(٢) صحيح البخاريّ في: الإيمان، ٢١- باب كفران العشير وكفر دون كفر.
أخرجه البخاريّ في: الأدب، ١١٤- باب أبغض الأسماء إلى الله، حديث ٢٣٦٧ ونصه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «أخنع الأسماء يوم القيامة عند الله رجل تسمى بملك الأملاك».
قال سفيان (أحد رجال السند) : يقول غيره تفسيره: شاهان شاه.
(٢) صحيح البخاريّ في: الإيمان، ٢١- باب كفران العشير وكفر دون كفر.
161
بالعقوبات الغليظة. ولم يكفرهم أحمد وأمثاله بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ويدعو لهم ويرى لهم الائتمام بالصلاة خلفهم، والحج والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم بما يراه لأمثالهم من الأئمة. وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم. وإن لم يعلموا هم أنه كفر. كان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان. فيجمع بين طاعة الله ورسوله ﷺ في إظهار السنة والدين وإنكار بدع الجهمية الملحدين، وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة وإن كانوا جهالا مبتدعين. وظلمة فاسقين. انتهى كلام الشيخ. فتأمله تأملا خاليا عن الميل والحيف.
وقال الشيخ تقيّ الدين أيضا: من كان في قلبه الإيمان بالرسول وبما جاء به، وقد غلط في بعض ما تأوله من البدع ولو دعا إليها، فهذا ليس بكافر أصلا. والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتالا للأمة وتكفيرا لها. ولم يكن في الصحابة من يكفرهم، لا عليّ ولا غيره. بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين. كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع. وكذلك سائر الثنتين والسبعين فرقة، من كان منهم منافقا فهو كافر في الباطن. من كان مؤمنا بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافرا في الباطن. وإن كان أخطأ في التأويل كائنا ما كان خطؤه.
وقد يكون في بعضهم شعبة من النفاق. ولا يكون فيه النفاق الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار. ومن قال: إن الثنتين والسبعين فرقة، كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل عن الملة، فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة. بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة. فليس فيهم من كفّر كل واحد من الثنتين والسبعين فرقة. انتهى.
وقال ابن القيّم في طرق أهل البدع: الموافقون على أصل الإسلام ولكنهم مختلفون في بعض الأصول، كالخوارج والمعتزلة والقدرية والرافضة والجهمية وغلاة المرجئة- فهؤلاء أقسام: أحدها- الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له. فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى. وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان.
القسم الثاني- متمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق. ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورئاسته ولذاته ومعاشه. فهذا مفرّط مستحق للوعيد، آثم بترك ما أوجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته. فهذا، إن غلب ما فيه من البدعة والهوى، على ما فيه من السنة والهدى، ردّت شهادته. وإن غلب ما فيه من السنة
وقال الشيخ تقيّ الدين أيضا: من كان في قلبه الإيمان بالرسول وبما جاء به، وقد غلط في بعض ما تأوله من البدع ولو دعا إليها، فهذا ليس بكافر أصلا. والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتالا للأمة وتكفيرا لها. ولم يكن في الصحابة من يكفرهم، لا عليّ ولا غيره. بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين. كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع. وكذلك سائر الثنتين والسبعين فرقة، من كان منهم منافقا فهو كافر في الباطن. من كان مؤمنا بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافرا في الباطن. وإن كان أخطأ في التأويل كائنا ما كان خطؤه.
وقد يكون في بعضهم شعبة من النفاق. ولا يكون فيه النفاق الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار. ومن قال: إن الثنتين والسبعين فرقة، كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل عن الملة، فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة. بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة. فليس فيهم من كفّر كل واحد من الثنتين والسبعين فرقة. انتهى.
وقال ابن القيّم في طرق أهل البدع: الموافقون على أصل الإسلام ولكنهم مختلفون في بعض الأصول، كالخوارج والمعتزلة والقدرية والرافضة والجهمية وغلاة المرجئة- فهؤلاء أقسام: أحدها- الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له. فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى. وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان.
القسم الثاني- متمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق. ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورئاسته ولذاته ومعاشه. فهذا مفرّط مستحق للوعيد، آثم بترك ما أوجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته. فهذا، إن غلب ما فيه من البدعة والهوى، على ما فيه من السنة والهدى، ردّت شهادته. وإن غلب ما فيه من السنة
162
والهدى، على ما فيه من البدعة والهوى، قبلت شهادته.
الثالث- أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى ويترك، تعصبا أو معاداة لأصحابه.
فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا. وتكفيره محل اجتهاد. انتهى كلامه. فانظره وتأمله. فقد ذكر هذا التفصيل في غالب كتبه. وذكر أن الأئمة وأهل السنة لا يكفرونهم. هذا مع ما وصفهم به من الشرك الأكبر، والكفر الأكبر. وبين في غالب كتبه مخازيهم. ولنذكر من كلامه طرفا تصديقا لما ذكرنا عنه. قال رحمه الله في (المدارج) : المثبتون للصانع نوعان: أحدهما- أهل الإشراك به في ربوبيته وإلهيته.
كالمجوس ومن ضاهاهم من القدرية. فإنهم يثبتون مع الله إلها آخر. والمجوسية القدرية تثبت مع الله خالقا للأفعال. ليست أفعالهم مخلوقة لله ولا مقدورة له. وهي صادرة بغير مشيئته تعالى وقدرته. ولا قدرة له عليها. بل هم الذين جعلوا أنفسهم فاعلين مريدين شيّائين. وحقيقة قول هؤلاء: إن الله ليس ربّا خالقا لأفعال الحيوان.
انتهى كلامه. وقد ذكرهم بهذا الشرك في سائر كتبه. وشبههم بالمجوس الذين يقولون: إن للعالم خالقين. وانظر لما تكلم على التكفير هو وشيخه، كيف حكيا عدم تكفيرهم عن جميع أهل السنة. حتى مع معرفة الحق والمعاندة. قال: كفره محل اجتهاد. كما تقدم كلامه قريبا.
وقال ابن تيمية، وقد سئل عن رجلين تكلما في مسألة التكفير. فأجاب وأطال. وقال في آخر الجواب: لو فرض أن رجلا دفع التكفير عمن يعتقد أنه ليس بكافر، حماية له ونصرا لأخيه المسلم، لكان هذا غرضا شرعيّا حسنا. وهو إذا اجتهد في ذلك فأصاب فله أجران. وإن اجتهد فيه فأخطأ فله أجر. وقال رحمه الله: التكفير إنما يكون بإنكار ما علم من الدين بالضرورة. أو بإنكار الأحكام المتواترة المجمع عليها. وسئل أيضا، قدس الله روحه، عن التكفير الواقع في هذه الأمة، من أوّل من أحدثه وابتدعه؟ فأجاب: أول من أحدثه في الإسلام المعتزلة. وعنهم تلقاه من تلقاه. وكذلك الخوارج هم أول من أظهره. واضطرب الناس في ذلك. فمن الناس من يحكي عن مالك فيه قولين. وعن الشافعيّ كذلك. وعن أحمد روايتان. وأبو الحسن الأشعريّ وأصحابه لهم قولان. وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفرا. فيطلق القول بتكفير قائله. ويقال: من قال كذا فهو كافر. لكن الشخص المعين الذي قاله لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، من تعريف الحكم الشرعي، من سلطان، أو أمير مطاع. كما هو المنصوص عليه في كتب الأحكام. فإذا عرفه الحكم وزالت عنه الجهالة قامت عليه الحجة. وهذا كما هو في نصوص الوعيد من الكتاب
الثالث- أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى ويترك، تعصبا أو معاداة لأصحابه.
فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا. وتكفيره محل اجتهاد. انتهى كلامه. فانظره وتأمله. فقد ذكر هذا التفصيل في غالب كتبه. وذكر أن الأئمة وأهل السنة لا يكفرونهم. هذا مع ما وصفهم به من الشرك الأكبر، والكفر الأكبر. وبين في غالب كتبه مخازيهم. ولنذكر من كلامه طرفا تصديقا لما ذكرنا عنه. قال رحمه الله في (المدارج) : المثبتون للصانع نوعان: أحدهما- أهل الإشراك به في ربوبيته وإلهيته.
كالمجوس ومن ضاهاهم من القدرية. فإنهم يثبتون مع الله إلها آخر. والمجوسية القدرية تثبت مع الله خالقا للأفعال. ليست أفعالهم مخلوقة لله ولا مقدورة له. وهي صادرة بغير مشيئته تعالى وقدرته. ولا قدرة له عليها. بل هم الذين جعلوا أنفسهم فاعلين مريدين شيّائين. وحقيقة قول هؤلاء: إن الله ليس ربّا خالقا لأفعال الحيوان.
انتهى كلامه. وقد ذكرهم بهذا الشرك في سائر كتبه. وشبههم بالمجوس الذين يقولون: إن للعالم خالقين. وانظر لما تكلم على التكفير هو وشيخه، كيف حكيا عدم تكفيرهم عن جميع أهل السنة. حتى مع معرفة الحق والمعاندة. قال: كفره محل اجتهاد. كما تقدم كلامه قريبا.
وقال ابن تيمية، وقد سئل عن رجلين تكلما في مسألة التكفير. فأجاب وأطال. وقال في آخر الجواب: لو فرض أن رجلا دفع التكفير عمن يعتقد أنه ليس بكافر، حماية له ونصرا لأخيه المسلم، لكان هذا غرضا شرعيّا حسنا. وهو إذا اجتهد في ذلك فأصاب فله أجران. وإن اجتهد فيه فأخطأ فله أجر. وقال رحمه الله: التكفير إنما يكون بإنكار ما علم من الدين بالضرورة. أو بإنكار الأحكام المتواترة المجمع عليها. وسئل أيضا، قدس الله روحه، عن التكفير الواقع في هذه الأمة، من أوّل من أحدثه وابتدعه؟ فأجاب: أول من أحدثه في الإسلام المعتزلة. وعنهم تلقاه من تلقاه. وكذلك الخوارج هم أول من أظهره. واضطرب الناس في ذلك. فمن الناس من يحكي عن مالك فيه قولين. وعن الشافعيّ كذلك. وعن أحمد روايتان. وأبو الحسن الأشعريّ وأصحابه لهم قولان. وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفرا. فيطلق القول بتكفير قائله. ويقال: من قال كذا فهو كافر. لكن الشخص المعين الذي قاله لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، من تعريف الحكم الشرعي، من سلطان، أو أمير مطاع. كما هو المنصوص عليه في كتب الأحكام. فإذا عرفه الحكم وزالت عنه الجهالة قامت عليه الحجة. وهذا كما هو في نصوص الوعيد من الكتاب
163
والسنة. وهي كثيرة جدا. والقول بموجبها واجب على وجه العموم. والإطلاق، من غير أن يعين شخص من الأشخاص، فيقال: هذا كافر أو فاسق أو ملعون أو مغضوب عليه أو مستحق للنار، لا سيما إن كان للشخص فضائل وحسنات- فإن ما سوى الأنبياء يجوز عليهم الصغائر والكبائر. مع إمكان أن يكون ذلك الشخص صديقا أو شهيدا أو صالحا. كما قد بسط في غير هذا الموضع. من أن موجب الذنوب تتخلف عنه بتوبة أو باستغفار أو حسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو شفاعة مقبولة أو لمحض مشيئة الله ورحمته. فإذا قلنا بموجب قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً [النساء: ٩٣] الآية، وقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً، وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء: ١٠]. وقوله: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ [النساء: ١٤] الآية. وقوله: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ- إلى قوله- وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً [النساء: ٣٠] الآية. إلى غير ذلك من آيات الوعيد، وقلنا بموجب
قوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله من شرب الخمر «١»
أو من عقّ والديه «٢» أو من غير منار الأرض «٣» أو من ذبح لغير الله أو لعن الله السارق أو لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهده وكاتبه أو لعن الله لاوي الصدقة والمتعدي فيها أو من أحدث «٤» في المدينة حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، إلى غير ذلك من أحاديث الوعيد- لم يجز أن تعين شخصا، ممن فعل بعض هذه الأفعال، وتقول: هذا المعين قد أصاب هذا الوعيد. لإمكان التوبة وغيرها
قوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله من شرب الخمر «١»
أو من عقّ والديه «٢» أو من غير منار الأرض «٣» أو من ذبح لغير الله أو لعن الله السارق أو لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهده وكاتبه أو لعن الله لاوي الصدقة والمتعدي فيها أو من أحدث «٤» في المدينة حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، إلى غير ذلك من أحاديث الوعيد- لم يجز أن تعين شخصا، ممن فعل بعض هذه الأفعال، وتقول: هذا المعين قد أصاب هذا الوعيد. لإمكان التوبة وغيرها
(١) أخرجه أبو داود في: الأشربة، ٢- باب العنب يعصر للخمر، حديث ٣٦٧٤.
(٢)
أخرجه البخاريّ في: الشهادات، ١٠- باب ما قيل في شهادة الزور، حديث ١٢٩١ ونصه: عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبيّ ﷺ «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» (ثلاثا) قالوا: بلى، يا رسول الله! قال «الإشراك بالله وعقوق الوالدين» وجلس وكان متكئا فقال «ألا، وقول الزور» قال فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
ومسلم في: الإيمان، حديث ١٤٣.
(٣)
أخرجه مسلم في: الأضاحيّ، حديث ٤٣ وهذا نصه: عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: كنت عند عليّ بن أبي طالب، فأتاه رجل فقال: ما كان النبيّ ﷺ يسرّ إليك؟ قال فغضب وقال: ما كان النبيّ ﷺ يسرّ إليّ شيئا يكتمه الناس. غير أنه قد حدثني بكلمات أربع. قال فقال: ما هنّ يا أمير المؤمنين؟
قال: قال «لعن الله من لعن والده. ولعن الله من ذبح لغير الله. ولعن الله من آوى محدثا. ولعن الله من غيّر منار الأرض».
(٤)
أخرجه البخاريّ في: فضائل المدينة، ١- باب حرم المدينة، حديث ١٧٤ عن أنس رضي الله عنه عن النبيّ ﷺ قال «المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث. من أحدث حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
(٢)
أخرجه البخاريّ في: الشهادات، ١٠- باب ما قيل في شهادة الزور، حديث ١٢٩١ ونصه: عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبيّ ﷺ «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» (ثلاثا) قالوا: بلى، يا رسول الله! قال «الإشراك بالله وعقوق الوالدين» وجلس وكان متكئا فقال «ألا، وقول الزور» قال فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
ومسلم في: الإيمان، حديث ١٤٣.
(٣)
أخرجه مسلم في: الأضاحيّ، حديث ٤٣ وهذا نصه: عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: كنت عند عليّ بن أبي طالب، فأتاه رجل فقال: ما كان النبيّ ﷺ يسرّ إليك؟ قال فغضب وقال: ما كان النبيّ ﷺ يسرّ إليّ شيئا يكتمه الناس. غير أنه قد حدثني بكلمات أربع. قال فقال: ما هنّ يا أمير المؤمنين؟
قال: قال «لعن الله من لعن والده. ولعن الله من ذبح لغير الله. ولعن الله من آوى محدثا. ولعن الله من غيّر منار الأرض».
(٤)
أخرجه البخاريّ في: فضائل المدينة، ١- باب حرم المدينة، حديث ١٧٤ عن أنس رضي الله عنه عن النبيّ ﷺ قال «المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث. من أحدث حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
164
من مسقطات العقوبة. إلى أن قال: ففعل هذه الأمور ممن يحسب أنها مباحة باجتهاد أو تقليد ونحو ذلك، وغايته أنه معذور من لحوق الوعيد به لمانع، كما امتنع لحوق الوعيد بهم لتوبة أو حسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو غير ذلك. وهذه السبيل هي التي يجب اتباعها. فإن ما سواها طريقان خبيثان: أحدهما- القول بلحوق الوعيد بكل فرد من الأفراد بعينه. ودعوى أنها عمل بموجب النصوص. وهذا أقبح من قول الخوارج المكفرين بالذنوب، والمعتزلة وغيرهم. وفساده معلوم بالاضطرار. وأدلته معلومة في غير هذا الموضع. فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق.
لكن الشخص المعين الذي فعله لا يشهد عليه بالوعيد. فلا يشهد على معين من أهل القبلة بالنار، لفوات شرط أو لحصول مانع. وهكذا الأقوال الذي يكفر قائلها. قد يكون القائل لها لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق. وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده. أو لم يتمكن من معرفتها وفهمها. أو قد عرضت له شبهات يعذره الله بها.
فمن كان مؤمنا بالله وبرسوله، مظهرا للإسلام، محبّا لله ورسوله، فإن الله يغفر له لو قارف بعض الذنوب القولية أو العملية. سواء أطلق عليه لفظ الشرك أو لفظ المعاصي. هذا الذي عليه أصحاب رسول الله ﷺ وجماهير أئمة الإسلام. لكن المقصود أن مذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل، بالفرق بين النوع والعين. بل لا يختلف القول عن الإمام أحمد وسائر أئمة الإسلام كمالك وأبي حنيفة والشافعيّ، أنهم لا يكفرون المرجئة الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل. ونصوصهم صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم. وإنما كان الإمام أحمد يطلق القول بتكفير الجهمية لأنه ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم، وأنه يدور على التعطيل.
وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة. لكن ما كانوا يكفرون أعيانهم. فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقوله ولا يدعو إليه. والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط. والذي يكفّر مخالفه أعظم من الذي يعاقب. ومع هذا فالذين من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية: إن القرآن مخلوق. وإن الله لا يرى في الآخرة. وإن ظاهر القرآن لا يحتج به في معرفة الله، ولا الأحاديث الصحيحة. وإن الدين لا يتم إلا بما زخرفوه من الآراء والخيالات الباطلة والعقول الفاسدة. وأن خيالاتهم وجهالاتهم أحكم في دين الله من كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان. وإن أقوال الجهمية والمعطلة من النفي والإثبات أحكم في دين الله. بسبب ذلك امتحنوا المسلمين وسجنوا الإمام أحمد وجلدوه وقتلوا جماعة وصلبوا آخرين. ومع ذلك لا يطلقون أسيرا ولا يعطون من بيت المال إلا من وافقهم ويقرّ بقولهم. وجرى على الإسلام منهم أمور مبسوطة في غير هذا
لكن الشخص المعين الذي فعله لا يشهد عليه بالوعيد. فلا يشهد على معين من أهل القبلة بالنار، لفوات شرط أو لحصول مانع. وهكذا الأقوال الذي يكفر قائلها. قد يكون القائل لها لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق. وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده. أو لم يتمكن من معرفتها وفهمها. أو قد عرضت له شبهات يعذره الله بها.
فمن كان مؤمنا بالله وبرسوله، مظهرا للإسلام، محبّا لله ورسوله، فإن الله يغفر له لو قارف بعض الذنوب القولية أو العملية. سواء أطلق عليه لفظ الشرك أو لفظ المعاصي. هذا الذي عليه أصحاب رسول الله ﷺ وجماهير أئمة الإسلام. لكن المقصود أن مذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل، بالفرق بين النوع والعين. بل لا يختلف القول عن الإمام أحمد وسائر أئمة الإسلام كمالك وأبي حنيفة والشافعيّ، أنهم لا يكفرون المرجئة الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل. ونصوصهم صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم. وإنما كان الإمام أحمد يطلق القول بتكفير الجهمية لأنه ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم، وأنه يدور على التعطيل.
وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة. لكن ما كانوا يكفرون أعيانهم. فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقوله ولا يدعو إليه. والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط. والذي يكفّر مخالفه أعظم من الذي يعاقب. ومع هذا فالذين من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية: إن القرآن مخلوق. وإن الله لا يرى في الآخرة. وإن ظاهر القرآن لا يحتج به في معرفة الله، ولا الأحاديث الصحيحة. وإن الدين لا يتم إلا بما زخرفوه من الآراء والخيالات الباطلة والعقول الفاسدة. وأن خيالاتهم وجهالاتهم أحكم في دين الله من كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان. وإن أقوال الجهمية والمعطلة من النفي والإثبات أحكم في دين الله. بسبب ذلك امتحنوا المسلمين وسجنوا الإمام أحمد وجلدوه وقتلوا جماعة وصلبوا آخرين. ومع ذلك لا يطلقون أسيرا ولا يعطون من بيت المال إلا من وافقهم ويقرّ بقولهم. وجرى على الإسلام منهم أمور مبسوطة في غير هذا
165
الموضع. ومع هذا التعطيل الذي هو شر من الشرك، فالإمام أحمد ترحّم عليهم واستغفر لهم، وقال: ما علمت أنهم مكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم، ولا جاحدون لما جاء به.
لكنهم تأوّلوا فأخطأوا. وقلدوا من قال ذلك. والإمام الشافعيّ لما ناظر حفص الفرد، من أئمة المعطلة، في مسألة (القرآن مخلوق) قال له الإمام الشافعيّ: كفرت بالله العظيم. فكفّره ولم يحكم بردته بمجرد ذلك. ولو اعتقد ردته وكفره لسعى في قتله.
وأفتى العلماء بقتل دعاتهم مثل غيلان القدريّ والجعد بن درهم وجهم بن صفوان إمام الجهمية وغيرهم. وصلى الناس عليهم ودفنوهم مع المسلمين. وصار قتلهم من باب قتل الصائل. لكفّ ضررهم، لا لردتهم. ولو كانوا كفارا لرءاهم المسلمون كغيرهم. وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع. وقال ابن القيّم في (شرح المنازل) : أهل السنة متفقون على أن الشخص الواحد يكون فيه ولاية لله وعداوة، من وجهين مختلفين. ويكون محبوبا لله ومبغوضا من وجهين. بل يكون فيه إيمان ونفاق، وإيمان وكفر، ويكون إلى أحدهما أقرب من الآخر. فيكون إلى أهله كما قال تعالى: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ [آل عمران: ١٦٧]. وقال: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ. فأثبت لهم، تبارك وتعالى، الإيمان مع مقارنة الشرك. فإن كان مع هذا الشرك تكذيب لرسله لم ينفعهم ما معهم من الإيمان. وإن كان تصديق برسله وهم يرتكبون لأنواع من الشرك لا تخرجهم عن الإيمان بالرسل واليوم الآخر- فهم مستحقون للوعيد أعظم من استحقاق أهل الكبائر. وبهذا الأصل أثبت أهل السنة دخول أهل الكبائر النار ثم خروجهم منها ودخولهم الجنة، لما قام بهم من السببين. قال: وقال ابن عباس، في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [المائدة: ٤٤] قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس بكفر ينقل عن الملة. إذا فعله فهو به كفر. وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر.
وكذلك قال طاوس وعطاء. انتهى كلامه.
وقال الشيخ تقيّ الدين: كان الصحابة والسلف يقولون: إنه يكون في العبد إيمان ونفاق. وهذا يدل عليه قوله عز وجل: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ [آل عمران: ١٦٧]. وهذا كثير في كلام السلف. يبيّنون أن القلب يكون فيه إيمان ونفاق. والكتاب والسنة يدل على ذلك. ولهذا
قال النبيّ ﷺ «١» :«يخرج
لكنهم تأوّلوا فأخطأوا. وقلدوا من قال ذلك. والإمام الشافعيّ لما ناظر حفص الفرد، من أئمة المعطلة، في مسألة (القرآن مخلوق) قال له الإمام الشافعيّ: كفرت بالله العظيم. فكفّره ولم يحكم بردته بمجرد ذلك. ولو اعتقد ردته وكفره لسعى في قتله.
وأفتى العلماء بقتل دعاتهم مثل غيلان القدريّ والجعد بن درهم وجهم بن صفوان إمام الجهمية وغيرهم. وصلى الناس عليهم ودفنوهم مع المسلمين. وصار قتلهم من باب قتل الصائل. لكفّ ضررهم، لا لردتهم. ولو كانوا كفارا لرءاهم المسلمون كغيرهم. وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع. وقال ابن القيّم في (شرح المنازل) : أهل السنة متفقون على أن الشخص الواحد يكون فيه ولاية لله وعداوة، من وجهين مختلفين. ويكون محبوبا لله ومبغوضا من وجهين. بل يكون فيه إيمان ونفاق، وإيمان وكفر، ويكون إلى أحدهما أقرب من الآخر. فيكون إلى أهله كما قال تعالى: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ [آل عمران: ١٦٧]. وقال: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ. فأثبت لهم، تبارك وتعالى، الإيمان مع مقارنة الشرك. فإن كان مع هذا الشرك تكذيب لرسله لم ينفعهم ما معهم من الإيمان. وإن كان تصديق برسله وهم يرتكبون لأنواع من الشرك لا تخرجهم عن الإيمان بالرسل واليوم الآخر- فهم مستحقون للوعيد أعظم من استحقاق أهل الكبائر. وبهذا الأصل أثبت أهل السنة دخول أهل الكبائر النار ثم خروجهم منها ودخولهم الجنة، لما قام بهم من السببين. قال: وقال ابن عباس، في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [المائدة: ٤٤] قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس بكفر ينقل عن الملة. إذا فعله فهو به كفر. وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر.
وكذلك قال طاوس وعطاء. انتهى كلامه.
وقال الشيخ تقيّ الدين: كان الصحابة والسلف يقولون: إنه يكون في العبد إيمان ونفاق. وهذا يدل عليه قوله عز وجل: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ [آل عمران: ١٦٧]. وهذا كثير في كلام السلف. يبيّنون أن القلب يكون فيه إيمان ونفاق. والكتاب والسنة يدل على ذلك. ولهذا
قال النبيّ ﷺ «١» :«يخرج
(١) أخرجه البخاريّ في: التوحيد، ٢٤- باب قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، حديث ٢١.
166
من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان»
. فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل قليل لم يخلد في النار. وإن كان معه كثير من النفاق، فهذا يعذب في النار على قدر ما معه ثم يخرج. إلى أن قال: وتمام هذا أن الإنسان قد يكون فيه شعبة من شعب الإيمان وشعبة من شعب الكفر وشعبة من شعب النفاق. وقد يكون مسلما وفيه كفر دون الكفر الذي ينقل عن الإسلام بالكلية. كما قال الصحابة، ابن عباس وغيره: كفر دون كفر. وهذا عامة قول السلف انتهى.
فتأمل هذا الفصل وانظر حكايتهم الإجماع من السلف. ولا تظن أن هذا في المخطئ. فإن ذلك مرفوع عنه إثم خطئه كما تقدم مرارا عديدة.
وقال الشيخ تقيّ الدين في كتاب (الإيمان) : الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن. وإن المنافقين الذين قالوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: ٨]، هم في الظاهر مؤمنون يصلون مع المسلمين ويناكحونهم ويوارثونهم. كما كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يحكم النبيّ ﷺ فيهم بحكم الكفار المظهرين الكفر لا في مناكحتهم ولا في موارثتهم ولا نحو ذلك. بل لما مات عبد الله بن أبيّ، وهو من أشهر الناس في النفاق، ورثه عبد الله ابنه، وهو من خيار المؤمنين. وكذلك سائر من يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون. وإذا مات لهم وارث ورثوه مع المسلمين وإن علم أنه منافق في الباطن. وكذلك كانوا في الحدود والحقوق كسائر المسلمين. وكانوا يغزون مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنهم من همّ بقتل النبيّ ﷺ في غزوة تبوك. ومع هذا، ففي الظاهر، تجرى عليهم أحكام أهل الإيمان. إلى أن قال: ودماؤهم وأموالهم معصومة ولا يستحل منهم ما يستحل من الكفار. والذين يظهرون أنهم مؤمنون، بل يظهرون الكفر دون الإيمان، فإنه
صلى الله عليه وسلم قال «١» : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها. وحسابهم على الله.
وكما
قال لأسامة «٢» : أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال: فقلت: إنما قالها
. فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل قليل لم يخلد في النار. وإن كان معه كثير من النفاق، فهذا يعذب في النار على قدر ما معه ثم يخرج. إلى أن قال: وتمام هذا أن الإنسان قد يكون فيه شعبة من شعب الإيمان وشعبة من شعب الكفر وشعبة من شعب النفاق. وقد يكون مسلما وفيه كفر دون الكفر الذي ينقل عن الإسلام بالكلية. كما قال الصحابة، ابن عباس وغيره: كفر دون كفر. وهذا عامة قول السلف انتهى.
فتأمل هذا الفصل وانظر حكايتهم الإجماع من السلف. ولا تظن أن هذا في المخطئ. فإن ذلك مرفوع عنه إثم خطئه كما تقدم مرارا عديدة.
وقال الشيخ تقيّ الدين في كتاب (الإيمان) : الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن. وإن المنافقين الذين قالوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: ٨]، هم في الظاهر مؤمنون يصلون مع المسلمين ويناكحونهم ويوارثونهم. كما كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يحكم النبيّ ﷺ فيهم بحكم الكفار المظهرين الكفر لا في مناكحتهم ولا في موارثتهم ولا نحو ذلك. بل لما مات عبد الله بن أبيّ، وهو من أشهر الناس في النفاق، ورثه عبد الله ابنه، وهو من خيار المؤمنين. وكذلك سائر من يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون. وإذا مات لهم وارث ورثوه مع المسلمين وإن علم أنه منافق في الباطن. وكذلك كانوا في الحدود والحقوق كسائر المسلمين. وكانوا يغزون مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنهم من همّ بقتل النبيّ ﷺ في غزوة تبوك. ومع هذا، ففي الظاهر، تجرى عليهم أحكام أهل الإيمان. إلى أن قال: ودماؤهم وأموالهم معصومة ولا يستحل منهم ما يستحل من الكفار. والذين يظهرون أنهم مؤمنون، بل يظهرون الكفر دون الإيمان، فإنه
صلى الله عليه وسلم قال «١» : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها. وحسابهم على الله.
وكما
قال لأسامة «٢» : أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال: فقلت: إنما قالها
(١)
أخرجه أبو داود في: الجهاد، ٩٥- باب على ما يقاتل المشركون، حديث ٢٦٤١ وهذا نصه: عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا. فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها: لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين»
. (٢)
أخرجه مسلم في صحيحه في: الإيمان، حديث ١٥٨ ونصه: عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله ﷺ في سرية. فصبّحنا الحرقات من جهينة. فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله. فطعنته، فوقع
أخرجه أبو داود في: الجهاد، ٩٥- باب على ما يقاتل المشركون، حديث ٢٦٤١ وهذا نصه: عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا. فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها: لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين»
. (٢)
أخرجه مسلم في صحيحه في: الإيمان، حديث ١٥٨ ونصه: عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله ﷺ في سرية. فصبّحنا الحرقات من جهينة. فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله. فطعنته، فوقع
167
تعوذا. قال: هل شققت عن قلبه؟
وقال «١» : إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم. وكان إذا استؤذن في قتل رجل يقول: أليس يصلي؟ أليس يشهد؟ فإذا قيل له: إنه منافق، قال ذلك. فكان حكمه في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم ولا يستحل منها شيئا مع أنه يعلم نفاق كثير منهم
. انتهى كلام الشيخ.
وقد أوضح حجة الإسلام الغزاليّ رضي الله عنه في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) الكفر المخرج عن الملة، والعياذ بالله تعالى، بعد مقدمته المدهشة بقوله:
لعلك تشتهي أن تعرف حد الكفر بعد أن تتناقض عليك حدود أصناف المقلدين.
فاعلم أن شرح ذلك طويل ومدركه غامض. ولكني أعطيك علامة صحيحة فتطردها وتعكسها لتتخذها مطمح نظرك وترعوي بسببها عن تكفير الفرق وتطويل اللسان في أهل الإسلام. وإن اختلفت طرقهم ما داموا متمسكين بقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) صادقين بها غير مناقضين لها. فأقول: الكفر هو تكذيب الرسول عليه السلام في شيء مما جاء به. والإيمان تصديقه في جميع ما جاء به. فاليهوديّ والنصرانيّ كافران لتكذيبهما للرسول عليه السلام. والبرهميّ كافر بالطريق الأولى لأنه أنكر، مع رسولنا، سائر المرسلين. والدهريّ كافر بالطريق الأولى، لأنه أنكر، مع
وقال «١» : إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم. وكان إذا استؤذن في قتل رجل يقول: أليس يصلي؟ أليس يشهد؟ فإذا قيل له: إنه منافق، قال ذلك. فكان حكمه في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم ولا يستحل منها شيئا مع أنه يعلم نفاق كثير منهم
. انتهى كلام الشيخ.
وقد أوضح حجة الإسلام الغزاليّ رضي الله عنه في (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) الكفر المخرج عن الملة، والعياذ بالله تعالى، بعد مقدمته المدهشة بقوله:
لعلك تشتهي أن تعرف حد الكفر بعد أن تتناقض عليك حدود أصناف المقلدين.
فاعلم أن شرح ذلك طويل ومدركه غامض. ولكني أعطيك علامة صحيحة فتطردها وتعكسها لتتخذها مطمح نظرك وترعوي بسببها عن تكفير الفرق وتطويل اللسان في أهل الإسلام. وإن اختلفت طرقهم ما داموا متمسكين بقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) صادقين بها غير مناقضين لها. فأقول: الكفر هو تكذيب الرسول عليه السلام في شيء مما جاء به. والإيمان تصديقه في جميع ما جاء به. فاليهوديّ والنصرانيّ كافران لتكذيبهما للرسول عليه السلام. والبرهميّ كافر بالطريق الأولى لأنه أنكر، مع رسولنا، سائر المرسلين. والدهريّ كافر بالطريق الأولى، لأنه أنكر، مع
في نفسي من ذلك. فذكرته للنبيّ صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله ﷺ «أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟» قال قلت: يا رسول الله! إنما قالها خوفا من السلاح قال: «أشققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟» فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ
. (١)
أخرجه البخاريّ في: المغازي، ٦١- باب بعث عليّ بن أبي طالب. عليه السلام وخالد بن الوليد رضي الله عنه إلى اليمن قبل حجة الوداع، حديث ١٥٨١ ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ قال: بعث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله ﷺ من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ، لم تحصّل من ترابها. قال فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل. والرابع، إما علقمة، وإما عامر بن الطفيل. فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. قال فبلغ ذلك النبيّ ﷺ فقال «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء؟» قال فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمّر الإزار، فقال:
يا رسول الله! اتق الله. قال: «ويلك! أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟ قال ثم ولى الرجل.
قال خالد بن الوليد: يا رسول الله! ألا أضرب عنقه؟ قال «لا. لعله أن يكون يصلي» فقال خالد: وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه! قال رسول الله ﷺ «إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم».
قال ثم نظر إليه وهو مقفّ فقال: «إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم. يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (وأظنه قال) لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود».
. (١)
أخرجه البخاريّ في: المغازي، ٦١- باب بعث عليّ بن أبي طالب. عليه السلام وخالد بن الوليد رضي الله عنه إلى اليمن قبل حجة الوداع، حديث ١٥٨١ ونصه: عن أبي سعيد الخدريّ قال: بعث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله ﷺ من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ، لم تحصّل من ترابها. قال فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل. والرابع، إما علقمة، وإما عامر بن الطفيل. فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. قال فبلغ ذلك النبيّ ﷺ فقال «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء؟» قال فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمّر الإزار، فقال:
يا رسول الله! اتق الله. قال: «ويلك! أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟ قال ثم ولى الرجل.
قال خالد بن الوليد: يا رسول الله! ألا أضرب عنقه؟ قال «لا. لعله أن يكون يصلي» فقال خالد: وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه! قال رسول الله ﷺ «إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم».
قال ثم نظر إليه وهو مقفّ فقال: «إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم. يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (وأظنه قال) لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود».
168
رسولنا المرسل، سائر الرسل. وهذا لأن الكفر حكم شرعيّ كالرق والحرية مثلا.
إذ معناه. إباحة الدم والحكم بالخلود في النار. ومدركه شرعيّ فيدرك إما بنص وإما بقياس على منصوص. وقد وردت النصوص في اليهود والنصارى. والتحق بهم بالطريق الأولى البراهمة والثنوية والزنادقة والدهرية. وكلهم مشركون. فإنهم مكذبون للرسول. فكل كافر مكذب للرسول، وكل مكذب فهو كافر. فهذه هي العلامة المطردة المنعكسة.
وتتمة هذا البحث في هذا الكتاب الذي لا يستغني عنه فاضل. فارجع إليه.
وعض بنواجذك عليه. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٩]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ تعجيب من تمادحهم بالتزكية التي هي التطهير والتبرئة من القبيح فعلا وقولا، المنافية لما هم عليه من الطغيان والشرك الذي قصه تعالى عنهم قبل. فالمراد بهم اليهود. وقد حكى تعالى عنهم أنهم يقولون:
نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة: ١٨]. وحكى عنهم أيضا أنهم قالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [البقرة: ٨٠]. وأنهم قالوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [البقرة: ١١١]. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب. وكذبوا. قال الله: إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له. وأنزل الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ. أي انظر إليهم فتعجب من ادعائهم أنهم أزكياء عند الله تعالى مع ما هم فيه من الكفر والإثم العظيم. أو من ادعائهم تكفير ذنوبهم مع استحالة أن يغفر للكافر شيء من كفره أو معاصيه. وقوله تعالى بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ تنبيه على أن تزكيته هي المعتد بها دون تزكية غيره. فإنه العالم بما ينطوي عليه الإنسان من حسن وقبيح. وقد ذمهم وزكى المرتضين من عباده المؤمنين.
تنبيه:
قال الزمخشريّ: يدخل في الآية كل من زكى نفسه ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى والزلفى عند الله. فإن قلت: أما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله! إني لأمين في السماء، أمين في الأرض؟ قلت: إنما قال ذلك حين قال له المنافقون:
إذ معناه. إباحة الدم والحكم بالخلود في النار. ومدركه شرعيّ فيدرك إما بنص وإما بقياس على منصوص. وقد وردت النصوص في اليهود والنصارى. والتحق بهم بالطريق الأولى البراهمة والثنوية والزنادقة والدهرية. وكلهم مشركون. فإنهم مكذبون للرسول. فكل كافر مكذب للرسول، وكل مكذب فهو كافر. فهذه هي العلامة المطردة المنعكسة.
وتتمة هذا البحث في هذا الكتاب الذي لا يستغني عنه فاضل. فارجع إليه.
وعض بنواجذك عليه. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٩]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ تعجيب من تمادحهم بالتزكية التي هي التطهير والتبرئة من القبيح فعلا وقولا، المنافية لما هم عليه من الطغيان والشرك الذي قصه تعالى عنهم قبل. فالمراد بهم اليهود. وقد حكى تعالى عنهم أنهم يقولون:
نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة: ١٨]. وحكى عنهم أيضا أنهم قالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [البقرة: ٨٠]. وأنهم قالوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [البقرة: ١١١]. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب. وكذبوا. قال الله: إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له. وأنزل الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ. أي انظر إليهم فتعجب من ادعائهم أنهم أزكياء عند الله تعالى مع ما هم فيه من الكفر والإثم العظيم. أو من ادعائهم تكفير ذنوبهم مع استحالة أن يغفر للكافر شيء من كفره أو معاصيه. وقوله تعالى بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ تنبيه على أن تزكيته هي المعتد بها دون تزكية غيره. فإنه العالم بما ينطوي عليه الإنسان من حسن وقبيح. وقد ذمهم وزكى المرتضين من عباده المؤمنين.
تنبيه:
قال الزمخشريّ: يدخل في الآية كل من زكى نفسه ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى والزلفى عند الله. فإن قلت: أما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله! إني لأمين في السماء، أمين في الأرض؟ قلت: إنما قال ذلك حين قال له المنافقون:
169
اعدل في القسمة، إكذابا لهم إذ وصفوه بخلاف ما وصفه به ربه. وشتان من شهد الله له بالتزكية ومن شهد لنفسه أو شهد له من لا يعلم.
وقد ورد في ذم التمادح والتزكية أحاديث كثيرة. منها
عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال «١» : سمع النبيّ ﷺ رجلا يثني على رجل ويطريه في المدح فقال:
أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل»
. متفق عليه.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه «٢» أن رجلا ذكر عند النبيّ ﷺ فأثنى عليه رجل خيرا فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ويحك! قطعت عنق صاحبك (يقوله مرارا) إن كان أحدكم مادحا، لا محالة، فليقل: أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك. وحسيبه الله.
ولا يزكي على الله أحدا». متفق عليه. وعن همّام بن الحارث عن المقداد رضي الله عنه «٣» أن رجلا جعل يمدح عثمان رضي الله عنه. فعمد المقداد فجثا على ركبتيه.
فجعل يحثو في وجهه الحصاء. فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله ﷺ قال: إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب. رواه مسلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا معتمر عن أبيه عن نعيم بن أبي هند قال: قال عمر ابن الخطاب: من قال: أنا مؤمن فهو كافر. ومن قال: هو عالم، فهو جاهل. ومن قال:
هو في الجنة فهو في النار. ورواه ابن مردويه عن طريق موسى بن عبيدة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز عن عمر أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه.
فمن قال إنه مؤمن فهو كافر. ومن قال هو عالم فهو جاهل. ومن قال هو في الجنة فهو في النار.
وروى الإمام أحمد عن معبد الجهنيّ قال: كان معاوية قلّما كان يحدث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال: وكان قلّما يدع، يوم الجمعة، هؤلاء الكلمات أن يحدث بهن عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، يقول: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. وإن هذا المال حلو خضر فمن يأخذه بحقه يبارك له فيه. وإياكم والتمادح فإنه الذبح.
وروى ابن ماجة عنه «٤» : إياكم والتمادح فإنه الذبح.
وقد ورد في ذم التمادح والتزكية أحاديث كثيرة. منها
عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال «١» : سمع النبيّ ﷺ رجلا يثني على رجل ويطريه في المدح فقال:
أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل»
. متفق عليه.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه «٢» أن رجلا ذكر عند النبيّ ﷺ فأثنى عليه رجل خيرا فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ويحك! قطعت عنق صاحبك (يقوله مرارا) إن كان أحدكم مادحا، لا محالة، فليقل: أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك. وحسيبه الله.
ولا يزكي على الله أحدا». متفق عليه. وعن همّام بن الحارث عن المقداد رضي الله عنه «٣» أن رجلا جعل يمدح عثمان رضي الله عنه. فعمد المقداد فجثا على ركبتيه.
فجعل يحثو في وجهه الحصاء. فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله ﷺ قال: إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب. رواه مسلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا معتمر عن أبيه عن نعيم بن أبي هند قال: قال عمر ابن الخطاب: من قال: أنا مؤمن فهو كافر. ومن قال: هو عالم، فهو جاهل. ومن قال:
هو في الجنة فهو في النار. ورواه ابن مردويه عن طريق موسى بن عبيدة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز عن عمر أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه.
فمن قال إنه مؤمن فهو كافر. ومن قال هو عالم فهو جاهل. ومن قال هو في الجنة فهو في النار.
وروى الإمام أحمد عن معبد الجهنيّ قال: كان معاوية قلّما كان يحدث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال: وكان قلّما يدع، يوم الجمعة، هؤلاء الكلمات أن يحدث بهن عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، يقول: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. وإن هذا المال حلو خضر فمن يأخذه بحقه يبارك له فيه. وإياكم والتمادح فإنه الذبح.
وروى ابن ماجة عنه «٤» : إياكم والتمادح فإنه الذبح.
(١) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ٥٤- باب ما يكره من التمادح، حديث ١٢٩٣.
(٢) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ٥٤- باب ما يكره من التمادح، حديث ١٢٩٤.
(٣) أخرجه مسلم في: الزهد والرقائق، حديث ٦٩. [.....]
(٤) أخرجه في: الأدب، ٣٦- باب المدح، حديث ٣٧٤٣.
(٢) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ٥٤- باب ما يكره من التمادح، حديث ١٢٩٤.
(٣) أخرجه مسلم في: الزهد والرقائق، حديث ٦٩. [.....]
(٤) أخرجه في: الأدب، ٣٦- باب المدح، حديث ٣٧٤٣.
170
وروى ابن جرير بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال «١» : إن الرجل ليغدو بدينه ثم يرجع وما معه منه شيء. يلقى الرجل ليس يملك له نفعا ولا ضرّا فيقول له: والله! إنك لذيت وذيت فلعله أن يرجع ولم يحل من حاجته بشيء، وقد أسخط الله عليه، ثم قرأ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ... الآية وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا عطف على جملة قد حذفت، تعويلا على دلالة الحال عليها وإيذانا بأنها غنية عن الذكر. أي يعاقبون بتلك الفعلة القبيحة ولا يظلمون في ذلك العقاب فتيلا، أي أدنى ظلم وأصغره. والفتيل الخيط الذي في شق النواة أو ما يفتل بين الأصابع من الوسخ.
يضرب به المثل في القلة والحقارة. وقيل: التقدير، يثاب المزكون ولا ينقص من ثوابهم شيء أصلا. ولا يساعده مقام الوعيد. قاله أبو السعود.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٠]
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠)
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ أي في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وقولهم: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [البقرة: ١١١] وقولهم: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [البقرة: ٨٠] واتكالهم على أعمال آبائهم الصالحة. وقد حكم الله أن أعمال الآباء لا تجزي عن الأبناء شيئا، في قوله: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ [البقرة: ١٣٤]. الآية.
قال العلامة أبو السعود: (كيف) نصب إما على التشبيه بالظرف أو بالحال.
والعامل (يفترون) وبه تتعلق (على) أي: في أي حال أو على أي حال يفترون عليه تعالى الكذب. والمراد بيان شناعة تلك الحال وكمال فظاعتها. والجملة في محل النصب بعد نزع الخافض و (النظر) متعلق بهما. وهو تعجيب إثر تعجيب. وتنبيه على أن ما ارتكبوه متضمن لأمرين عظيمين موجبين للتعجيب: ادعاؤهم الاتصاف بما هم متصفون بنقيضه. وافتراؤهم على الله سبحانه. فإن ادعاءهم الزكاء عنده تعالى متضمن لادعائهم قبول الله وارتضاءه إياهم. تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
ولكون هذا أشنع من الأول جرما، وأعظم قبحا لما فيه من نسبته سبحانه وتعالى إلى ما يستحيل عليه بالكلية من قبول الكفر وارتضائه لعباده، ومغفرة كفر الكافر وسائر معاصيه- وجّه النظر إلى كيفيته تشديدا للتشنيع وتأكيدا للتعجيب. والتصريح
يضرب به المثل في القلة والحقارة. وقيل: التقدير، يثاب المزكون ولا ينقص من ثوابهم شيء أصلا. ولا يساعده مقام الوعيد. قاله أبو السعود.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٠]
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠)
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ أي في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وقولهم: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [البقرة: ١١١] وقولهم: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [البقرة: ٨٠] واتكالهم على أعمال آبائهم الصالحة. وقد حكم الله أن أعمال الآباء لا تجزي عن الأبناء شيئا، في قوله: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ [البقرة: ١٣٤]. الآية.
قال العلامة أبو السعود: (كيف) نصب إما على التشبيه بالظرف أو بالحال.
والعامل (يفترون) وبه تتعلق (على) أي: في أي حال أو على أي حال يفترون عليه تعالى الكذب. والمراد بيان شناعة تلك الحال وكمال فظاعتها. والجملة في محل النصب بعد نزع الخافض و (النظر) متعلق بهما. وهو تعجيب إثر تعجيب. وتنبيه على أن ما ارتكبوه متضمن لأمرين عظيمين موجبين للتعجيب: ادعاؤهم الاتصاف بما هم متصفون بنقيضه. وافتراؤهم على الله سبحانه. فإن ادعاءهم الزكاء عنده تعالى متضمن لادعائهم قبول الله وارتضاءه إياهم. تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
ولكون هذا أشنع من الأول جرما، وأعظم قبحا لما فيه من نسبته سبحانه وتعالى إلى ما يستحيل عليه بالكلية من قبول الكفر وارتضائه لعباده، ومغفرة كفر الكافر وسائر معاصيه- وجّه النظر إلى كيفيته تشديدا للتشنيع وتأكيدا للتعجيب. والتصريح
(١) الأثر رقم ٩٤٧٧.
بالكذب، مع أن الافتراء لا يكون إلا كذبا، للمبالغة في تقبيح حالهم وَكَفى بِهِ أي بافترائهم هذا من حيث هو افتراء عليه تعالى مع قطع النظر عن مقارنته لتزكية أنفسهم وسائر آثامهم العظام إِثْماً مُبِيناً ظاهرا بينا كونه إثما. والمعنى: كفى ذلك وحده في كونهم أشد إثما من كل كفّار أثيم. أو في استحقاقهم لأشد العقوبات. ثم حكى تعالى عن اليهود نوعا آخر من المكر. وهو أنهم كانوا يفضلون عبدة الأصنام على المؤمنين، تعصبا وعنادا، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥١]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ أي علما بالتوراة الداعية إلى التوحيد وترجيح أهله. والكفر بالجبت والطاغوت. ووصفهم بما ذكر، من إيتاء النصيب، لما مر من منافاته لما صدر عنهم من القبائح يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الجبت يطلق، لغة، على الصنم والكاهن والساحر والسحر والذي لا خير فيه وكل ما عبد من دون الله تعالى. وكذا الطاغوت. فيطلق على الكاهن والشيطان وكل رأس ضلال والأصنام وكل ما عبد من دون الله ومردة أهل الكتاب. كما في القاموس. وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي أشركوا بالله، وهم كفار مكة، أي لأجلهم وفي حقهم هؤُلاءِ يعنونهم أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بالله وحده سَبِيلًا أي أرشد طريقة. وإيرادهم بعنوان الإيمان ليس من قبل القائلين، بل من جهة الله تعالى، تعريفا لهم بالوصف الجميل، وتخطئة لمن رجّح عليهم المتصفين بأقبح القبائح.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٢]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢)
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ أي أبعدهم عن رحمته وطردهم وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ أي يبعده عن رحمته فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً يدفع عنه العذاب دنيويّا كان أو أخرويّا.
لا بشفاعة ولا بغيرها.
قال الرازيّ: إنما استحقوا هذا اللعن الشديد لأن الذي ذكروه من تفضيل عبدة الأوثان على الذين آمنوا بمحمد ﷺ يجري مجرى المكابرة. فمن يعبد غير الله كيف يكون أفضل حالا ممن لا يرضى بمعبود غير الله؟ ومن كان دينه الإقبال
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥١]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ أي علما بالتوراة الداعية إلى التوحيد وترجيح أهله. والكفر بالجبت والطاغوت. ووصفهم بما ذكر، من إيتاء النصيب، لما مر من منافاته لما صدر عنهم من القبائح يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الجبت يطلق، لغة، على الصنم والكاهن والساحر والسحر والذي لا خير فيه وكل ما عبد من دون الله تعالى. وكذا الطاغوت. فيطلق على الكاهن والشيطان وكل رأس ضلال والأصنام وكل ما عبد من دون الله ومردة أهل الكتاب. كما في القاموس. وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي أشركوا بالله، وهم كفار مكة، أي لأجلهم وفي حقهم هؤُلاءِ يعنونهم أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بالله وحده سَبِيلًا أي أرشد طريقة. وإيرادهم بعنوان الإيمان ليس من قبل القائلين، بل من جهة الله تعالى، تعريفا لهم بالوصف الجميل، وتخطئة لمن رجّح عليهم المتصفين بأقبح القبائح.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٢]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢)
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ أي أبعدهم عن رحمته وطردهم وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ أي يبعده عن رحمته فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً يدفع عنه العذاب دنيويّا كان أو أخرويّا.
لا بشفاعة ولا بغيرها.
قال الرازيّ: إنما استحقوا هذا اللعن الشديد لأن الذي ذكروه من تفضيل عبدة الأوثان على الذين آمنوا بمحمد ﷺ يجري مجرى المكابرة. فمن يعبد غير الله كيف يكون أفضل حالا ممن لا يرضى بمعبود غير الله؟ ومن كان دينه الإقبال
بالكلية على خدمة الخالق والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة، كيف يكون أقل حالا ممن كان بالضد في كل هذه الأحوال؟
وقد روى الإمام أحمد عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش: ألا ترى هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية، قال: أنتم خير. قال فنزلت فيهم:
إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر: ٣]. ونزل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ- إلى- نَصِيراً.
وقال الإمام ابن إسحاق رضي الله عنه: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة، حييّ بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وأبو رافع والربيع بن أبي الحقيق وأبو عامر ووحوح بن عامر وهودة بن قيس. فأما وحوح وأبو عامر وهودة فمن بني وائل وكان سائرهم من بني النضير. فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتاب الأول. فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم فقالوا: دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه وممن اتبعه. فأنزل الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ... إلى قوله عز وجل: وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. وهذا لعن لهم وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة. لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين. وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم وقد أجابوهم وجاءوا معهم يوم الأحزاب حتى حفر النبيّ ﷺ وأصحابه حول المدينة الخندق (فكفى الله شرّهم). (وردّ الله الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا)، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [الأحزاب: ٢٥].
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٣]
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣)
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً. لما ذم سبحانه اليهود بتزكيتهم أنفسهم وتفضيلهم المشركين على الموحدين، شرع في تفصيل بعض آخر من مثالبهم. وهو وصفهم بالبخل والحسد اللذين هما شر خصلتين. و (أم) منقطعة. والهمزة لإنكار أن يكون لهم نصيب من الملك، والفاء للسببية الجزائية لشرط محذوف. أي لو كان لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون أحدا مقدار نقير
وقد روى الإمام أحمد عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش: ألا ترى هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية، قال: أنتم خير. قال فنزلت فيهم:
إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر: ٣]. ونزل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ- إلى- نَصِيراً.
وقال الإمام ابن إسحاق رضي الله عنه: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة، حييّ بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وأبو رافع والربيع بن أبي الحقيق وأبو عامر ووحوح بن عامر وهودة بن قيس. فأما وحوح وأبو عامر وهودة فمن بني وائل وكان سائرهم من بني النضير. فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتاب الأول. فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم فقالوا: دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه وممن اتبعه. فأنزل الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ... إلى قوله عز وجل: وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. وهذا لعن لهم وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة. لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين. وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم وقد أجابوهم وجاءوا معهم يوم الأحزاب حتى حفر النبيّ ﷺ وأصحابه حول المدينة الخندق (فكفى الله شرّهم). (وردّ الله الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا)، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [الأحزاب: ٢٥].
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٣]
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣)
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً. لما ذم سبحانه اليهود بتزكيتهم أنفسهم وتفضيلهم المشركين على الموحدين، شرع في تفصيل بعض آخر من مثالبهم. وهو وصفهم بالبخل والحسد اللذين هما شر خصلتين. و (أم) منقطعة. والهمزة لإنكار أن يكون لهم نصيب من الملك، والفاء للسببية الجزائية لشرط محذوف. أي لو كان لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون أحدا مقدار نقير
لفرط بخلهم. و (النقير) النقرة في ظهر النواة وهو مثل في القلة والحقارة. كالفتيل والقطمير. والمراد بالملك إما ملك أهل الدنيا وإما ملك الله. كقوله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ [الإسراء: ١٠٠].
وقال أبو السعود: وهذا هو البيان الكاشف عن كنه حالهم. وإذا كان شأنهم كذلك وهم ملوك فما ظنك بهم وهم أذلاء متفاقرون؟ ويجوز أن لا تكون الهمزة لإنكار الوقوع بل لإنكار الواقع والتوبيخ عليه. أي لعده منكرا غير لائق بالوقوع. على أن الفاء للعطف والإنكار متوجه إلى مجموع المعطوفين على معنى: ألهم نصيب وافر من الملك حيث كانوا أصحاب أموال وبساتين وقصور مشيدة كالملوك فلا يؤتون الناس مع ذلك نقيرا؟ كما تقول لغنيّ لا يراعي أباه: ألك هذا القدر من المال فلا تنفق على أبيك شيئا؟ وفائدة (إذن) تأكيد الإنكار والتوبيخ. حيث يجعلون ثبوت النصيب سببا للمنع مع كونه سببا للإعطاء. وهي ملغاة عن العمل. كأنه قيل: فلا يؤتون الناس إذن: وقرئ: (فإذن لا يؤتوا) بالنصب على إعمالها.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٤]
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤)
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ منقطعة أيضا مفيدة للانتقال من توبيخهم بما سبق، أعني البخل، إلى توبيخهم بالحسد. وهما شر الرذائل كما قدمنا. وكأن بينهما تلازما وتجاذبا. واللام في (الناس) للعهد والإشارة إلى رسول الله ﷺ والمؤمنين.
وروى الطبرانيّ بسنده عن ابن عباس في هذه الآية قال: نحن الناس دون الناس.
والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه.
قال الرازيّ: وإنما حسن ذكر الناس لإرادة طائفة معينة من الناس. لأن المقصود من الخلق إنما هو القيام بالعبودية كما قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] فما كان القائمون بهذا المقصود ليس إلا محمدا ﷺ ومن كان على دينه- كان هو وأصحابه كأنهم كل الناس. فلهذا حسن إطلاق لفظ (الناس) وإرادتهم على التعيين عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وهو النبوة والكتاب والرشد وازدياد العز والنصر يوما فيوما. وقوله تعالى فَقَدْ آتَيْنا تعليل للإنكار والاستقباح وإلزام لهم بما هو مسلم عندهم. وحسم لمادة حسدهم واستبعادهم،
وقال أبو السعود: وهذا هو البيان الكاشف عن كنه حالهم. وإذا كان شأنهم كذلك وهم ملوك فما ظنك بهم وهم أذلاء متفاقرون؟ ويجوز أن لا تكون الهمزة لإنكار الوقوع بل لإنكار الواقع والتوبيخ عليه. أي لعده منكرا غير لائق بالوقوع. على أن الفاء للعطف والإنكار متوجه إلى مجموع المعطوفين على معنى: ألهم نصيب وافر من الملك حيث كانوا أصحاب أموال وبساتين وقصور مشيدة كالملوك فلا يؤتون الناس مع ذلك نقيرا؟ كما تقول لغنيّ لا يراعي أباه: ألك هذا القدر من المال فلا تنفق على أبيك شيئا؟ وفائدة (إذن) تأكيد الإنكار والتوبيخ. حيث يجعلون ثبوت النصيب سببا للمنع مع كونه سببا للإعطاء. وهي ملغاة عن العمل. كأنه قيل: فلا يؤتون الناس إذن: وقرئ: (فإذن لا يؤتوا) بالنصب على إعمالها.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٤]
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤)
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ منقطعة أيضا مفيدة للانتقال من توبيخهم بما سبق، أعني البخل، إلى توبيخهم بالحسد. وهما شر الرذائل كما قدمنا. وكأن بينهما تلازما وتجاذبا. واللام في (الناس) للعهد والإشارة إلى رسول الله ﷺ والمؤمنين.
وروى الطبرانيّ بسنده عن ابن عباس في هذه الآية قال: نحن الناس دون الناس.
والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه.
قال الرازيّ: وإنما حسن ذكر الناس لإرادة طائفة معينة من الناس. لأن المقصود من الخلق إنما هو القيام بالعبودية كما قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] فما كان القائمون بهذا المقصود ليس إلا محمدا ﷺ ومن كان على دينه- كان هو وأصحابه كأنهم كل الناس. فلهذا حسن إطلاق لفظ (الناس) وإرادتهم على التعيين عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وهو النبوة والكتاب والرشد وازدياد العز والنصر يوما فيوما. وقوله تعالى فَقَدْ آتَيْنا تعليل للإنكار والاستقباح وإلزام لهم بما هو مسلم عندهم. وحسم لمادة حسدهم واستبعادهم،
المبنيّين على توهم عدم استحقاق المحسود لما أوتي من الفضل ببيان استحقاقه له بطريق الوراثة كابرا عن كابر. وإجراء الكلام على سنن الكبرياء بطريق الالتفات لإظهار كمال العناية بالأمر. والمعنى: أن حسدهم المذكور في غاية القبح والبطلان. فإنا قد آتينا من قبل هذا آلَ إِبْراهِيمَ الذين هم أسلاف محمد ﷺ وأبناء أعمامه الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ النبوة وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً لا يقادر قدره. فكيف يستبعدون نبوته ويحسدونه على إيتائها؟ أفاده أبو السعود.
قال الرازيّ: إن الحسد لا يحصل إلا عند الفضيلة. فكلما كانت فضيلة الإنسان أتم وأكمل كان حسد الحاسدين عليه أعظم. ومعلوم أن النبوة أعظم المناصب في الدين. ثم إنه تعالى أعطاها لمحمد ﷺ وضم إليها أنه جعله كل يوم أقوى دولة وأعظم شوكة وأكثر أنصارا وأعوانا. فلما كانت هذه النعم سببا لحسد هؤلاء، بيّن تعالى ما يدفع ذلك فقال: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. والمعنى: أنه حصل في أولاد إبراهيم جماعة كثيرون جمعوا بين النبوة والملك وأنتم لا تتعجبون من ذلك ولا تحسدونهم. فلم تتعجبون من حال محمد ﷺ ولم تحسدونه؟
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٥]
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥)
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ حكاية لما صدر عن أسلافهم. أي:
فمن جنس هؤلاء الحاسدين وآبائهم من آمن بما أوتي آل إبراهيم. ومنهم من كفر به وأعرض عنه وسعى في صد الناس عنه. وهو منهم ومن جنسهم. أي من بني إسرائيل.
وقد اختلفوا عليهم. فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل؟ فالكفرة منهم أشد تكذيبا لك وأبعد عما جئتهم به من الهدى والحق المبين. وفيه تسلية لرسول الله ﷺ وأن ذلك ديدنهم المستمر وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً أي نارا مسعّرة يعذبون بها على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسله. ثم أخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصدّ عن رسله فقال:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٦]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً أي عظيمة هائلة كُلَّما نَضِجَتْ
قال الرازيّ: إن الحسد لا يحصل إلا عند الفضيلة. فكلما كانت فضيلة الإنسان أتم وأكمل كان حسد الحاسدين عليه أعظم. ومعلوم أن النبوة أعظم المناصب في الدين. ثم إنه تعالى أعطاها لمحمد ﷺ وضم إليها أنه جعله كل يوم أقوى دولة وأعظم شوكة وأكثر أنصارا وأعوانا. فلما كانت هذه النعم سببا لحسد هؤلاء، بيّن تعالى ما يدفع ذلك فقال: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. والمعنى: أنه حصل في أولاد إبراهيم جماعة كثيرون جمعوا بين النبوة والملك وأنتم لا تتعجبون من ذلك ولا تحسدونهم. فلم تتعجبون من حال محمد ﷺ ولم تحسدونه؟
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٥]
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥)
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ حكاية لما صدر عن أسلافهم. أي:
فمن جنس هؤلاء الحاسدين وآبائهم من آمن بما أوتي آل إبراهيم. ومنهم من كفر به وأعرض عنه وسعى في صد الناس عنه. وهو منهم ومن جنسهم. أي من بني إسرائيل.
وقد اختلفوا عليهم. فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل؟ فالكفرة منهم أشد تكذيبا لك وأبعد عما جئتهم به من الهدى والحق المبين. وفيه تسلية لرسول الله ﷺ وأن ذلك ديدنهم المستمر وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً أي نارا مسعّرة يعذبون بها على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسله. ثم أخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصدّ عن رسله فقال:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٦]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً أي عظيمة هائلة كُلَّما نَضِجَتْ
جُلُودُهُمْ
أي احترقت احتراقا تامّا بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ أي ليدوم لهم. وذلك أبلغ في العذاب للشخص. لأن إحساسه لعمل النار في الجلد الذي لم يحترق، أبلغ من إحساسه لعملها في المحترق.
تنبيه:
لهم في التبديل وجهان: الأول- أنه تبديل حقيقيّ ماديّ. فيخلق مكانها جلود أخر جديدة مغايرة للمحترقة. الثاني- أنه تبديل وصفيّ: أي أعدنا الجلود جديدة مغايرة للمحترقة صورة. وإن كانت عينها مادة. بأن يزال عنها الاحتراق ليعود إحساسها للعذاب. فلم تبدل إلا صفتها، لا مادتها الأصلية. وفيه بعد. إذ يأباه معنى التبديل.
وقال الرازيّ: يمكن أن يقال: هذا استعارة عن الدوام وعدم الانقطاع. كما يقال لمن يراد وصفه بالدوام: كلما انتهى فقد ابتدأ. وكلما وصل إلى آخره فقد ابتدأ. من أوله. فكذا قوله كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ الآية. يعني: كلما ظنوا أنهم نضجوا واحترقوا وانتهوا إلى الهلاك، أعطيناهم قوة جديدة من الحياة. بحيث ظنوا أنهم الآن حدثوا ووجدوا. فيكون المقصود بيان دوام العذاب وعدم انقطاعه. انتهى.
وهذا أبعد مما قبله. إذ ليس لنا أن نعدل في كلام الله تعالى عن الحقيقة إلى المجاز، إلا عند الضرورة. لا سيما وقد روي عن السلف، صحابة وتابعين، أنهم يبدلون في اليوم أو الساعة مرات عديدة. كما رواه ابن جرير وغيره مفصّلا. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً لا يمتنع عليه ما يريد حَكِيماً فيما يقضيه. ومنه هذا التبديل. إذ لا يتم تخليد العذاب الموعود، على الكفر الذي لا ينزجرون عنه، بالعذاب المنقطع.
وعدا لا بد من إيفائه. ثم بيّن مآل أهل السعادة فقال:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٧]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧)
وَالَّذِينَ آمَنُوا أي بمحمد ﷺ والقرآن وجملة الكتب والرسل وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي الطاعات فيما بينهم وبين ربهم بالإخلاص سَنُدْخِلُهُمْ أي في الآخرة جَنَّاتٍ
أي بساتين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا أي من تحت شجرها وقصورها الْأَنْهارُ أي أنهار الخمر واللبن والعسل والماء خالِدِينَ فِيها أَبَداً أي مقيمين في
أي احترقت احتراقا تامّا بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ أي ليدوم لهم. وذلك أبلغ في العذاب للشخص. لأن إحساسه لعمل النار في الجلد الذي لم يحترق، أبلغ من إحساسه لعملها في المحترق.
تنبيه:
لهم في التبديل وجهان: الأول- أنه تبديل حقيقيّ ماديّ. فيخلق مكانها جلود أخر جديدة مغايرة للمحترقة. الثاني- أنه تبديل وصفيّ: أي أعدنا الجلود جديدة مغايرة للمحترقة صورة. وإن كانت عينها مادة. بأن يزال عنها الاحتراق ليعود إحساسها للعذاب. فلم تبدل إلا صفتها، لا مادتها الأصلية. وفيه بعد. إذ يأباه معنى التبديل.
وقال الرازيّ: يمكن أن يقال: هذا استعارة عن الدوام وعدم الانقطاع. كما يقال لمن يراد وصفه بالدوام: كلما انتهى فقد ابتدأ. وكلما وصل إلى آخره فقد ابتدأ. من أوله. فكذا قوله كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ الآية. يعني: كلما ظنوا أنهم نضجوا واحترقوا وانتهوا إلى الهلاك، أعطيناهم قوة جديدة من الحياة. بحيث ظنوا أنهم الآن حدثوا ووجدوا. فيكون المقصود بيان دوام العذاب وعدم انقطاعه. انتهى.
وهذا أبعد مما قبله. إذ ليس لنا أن نعدل في كلام الله تعالى عن الحقيقة إلى المجاز، إلا عند الضرورة. لا سيما وقد روي عن السلف، صحابة وتابعين، أنهم يبدلون في اليوم أو الساعة مرات عديدة. كما رواه ابن جرير وغيره مفصّلا. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً لا يمتنع عليه ما يريد حَكِيماً فيما يقضيه. ومنه هذا التبديل. إذ لا يتم تخليد العذاب الموعود، على الكفر الذي لا ينزجرون عنه، بالعذاب المنقطع.
وعدا لا بد من إيفائه. ثم بيّن مآل أهل السعادة فقال:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٧]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧)
وَالَّذِينَ آمَنُوا أي بمحمد ﷺ والقرآن وجملة الكتب والرسل وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي الطاعات فيما بينهم وبين ربهم بالإخلاص سَنُدْخِلُهُمْ أي في الآخرة جَنَّاتٍ
أي بساتين تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا أي من تحت شجرها وقصورها الْأَنْهارُ أي أنهار الخمر واللبن والعسل والماء خالِدِينَ فِيها أَبَداً أي مقيمين في
الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها لَهُمْ فِيها أي الجنة أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ أي من الحيض والنفاس والأذى والأخلاق الرذيلة والصفات الناقصة وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا أي كنّا كنينا لا تنسخه الشمس، ولا حرّ فيه ولا برد. و (ظليل) صفة مشتقة من لفظ (الظل) لتأكيد معناه، كما يقال: ليل أليل، ويوم أيوم.
وفي الصحيحين «١» عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النبيّ ﷺ قال: «إن في الجنة لشجرة يسير، الراكب الجواد المضمّر السريع، مائه عام ما يقطعها».
وفيهما «٢» أيضا من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: «يسير الراكب في ظلها مائة سنة ما يقطعها».
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٨]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨)
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع.
قال أبو السعود: في تصدير الكلام بكلمة التحقيق وإظهار الاسم الجليل وإيراد الأمر على صورة الإخبار، من الفخامة وتأكيد وجوب الامتثال به والدلالة على الاعتناء بشأنه ما لا مزيد عليه. وهو خطاب يعم حكمه المكلفين قاطبة. كما أن الأمانات تعم جميع الحقوق المتعلقة بذممهم: من حقوق الله تعالى وحقوق العباد. سواء كانت فعلية أو قولية أو اعتقادية. وإن ورد في شأن عثمان بن طلحة. انتهى.
أي لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. كما تقرر في الأصول.
وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها. الأبرار منهم والفجار، كما قال ابن المنذر.
وفي حديث سمرة: إن رسول الله ﷺ قال: «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك». رواه الإمام أحمد وأهل السنن.
قال الحافظ ابن كثير: وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة. واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزّى بن عثمان بن
وفي الصحيحين «١» عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النبيّ ﷺ قال: «إن في الجنة لشجرة يسير، الراكب الجواد المضمّر السريع، مائه عام ما يقطعها».
وفيهما «٢» أيضا من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: «يسير الراكب في ظلها مائة سنة ما يقطعها».
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٨]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨)
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع.
قال أبو السعود: في تصدير الكلام بكلمة التحقيق وإظهار الاسم الجليل وإيراد الأمر على صورة الإخبار، من الفخامة وتأكيد وجوب الامتثال به والدلالة على الاعتناء بشأنه ما لا مزيد عليه. وهو خطاب يعم حكمه المكلفين قاطبة. كما أن الأمانات تعم جميع الحقوق المتعلقة بذممهم: من حقوق الله تعالى وحقوق العباد. سواء كانت فعلية أو قولية أو اعتقادية. وإن ورد في شأن عثمان بن طلحة. انتهى.
أي لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. كما تقرر في الأصول.
وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها. الأبرار منهم والفجار، كما قال ابن المنذر.
وفي حديث سمرة: إن رسول الله ﷺ قال: «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك». رواه الإمام أحمد وأهل السنن.
قال الحافظ ابن كثير: وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة. واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزّى بن عثمان بن
(١) أخرجه البخاريّ في: الرقاق، ٥١- باب صفة الجنة والنار، حديث ٢٤٦١.
(٢)
أخرجه البخاريّ في: بدء الخلق، ٨- باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، ١٥٣٩ ونصه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ ﷺ قال «إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة». واقرءوا إن شئتم وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة: ٣٠].
(٢)
أخرجه البخاريّ في: بدء الخلق، ٨- باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، ١٥٣٩ ونصه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ ﷺ قال «إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة». واقرءوا إن شئتم وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة: ٣٠].
177
عبد الدار بن قصيّ بن كلاب القرشيّ العبدريّ حاجب الكعبة المعظمة، وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم. أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكة، هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص.
وأما عمه عثمان بن طلحة بن أبي طلحة فكان معه لواء المشركين يوم أحد وقتل يومئذ كافرا. وإنما نبهنا على هذا النسب لأن كثيرا من المفسرين قد يشتبه عليه هذا بهذا. وسبب نزولها فيه: لما أخذ رسول الله ﷺ مفتاح الكعبة يوم الفتح ثم رده عليه. قال محمد بن إسحاق (في غزوة الفتح) : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن صفية بنت شيبة، أن رسول الله ﷺ لما نزل بمكة واطمأن الناس، خرج حتى جاء إلى البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده. فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له. فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ثم وقف على باب الكعبة وقد استكفّ له الناس في المسجد.
قال ابن إسحاق: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله ﷺ قام على باب الكعبة فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. صدق وعده. ونصر عبده. وهزم الأحزاب وحده. ألا كلّ مأثرة أو دم أو مال يدّعى، فهو تحت قدميّ هاتين: إلّا سدانة البيت وسقاية الحاج. وذكر بقية الحديث في خطبة النبيّ ﷺ يومئذ. إلى أن قال:
ثم جلس رسول الله ﷺ في المسجد. فقام إليه عليّ بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده. فقال: يا رسول الله! اجمع لنا الحجابة مع السقاية. صلى الله عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين عثمان بن طلحة؟ فدعي له. فقال هاك مفتاحك، يا عثمان! اليوم يوم برّ ووفاء.
وروى ابن جرير «١» عن ابن جريج، في الآية قال: نزلت في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة. قبض منه النبيّ ﷺ مفتاح الكعبة. ودخل به البيت يوم الفتح. فخرج وهو يتلو هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها فدعا عثمان إليه.
فدفع إليه المفتاح. قال: وقال عمر بن الخطاب (لما خرج رسول الله ﷺ من الكعبة وهو يتلو هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها: فداه أبي وأمي. ما سمعته يتلوها قبل ذلك.
وأما عمه عثمان بن طلحة بن أبي طلحة فكان معه لواء المشركين يوم أحد وقتل يومئذ كافرا. وإنما نبهنا على هذا النسب لأن كثيرا من المفسرين قد يشتبه عليه هذا بهذا. وسبب نزولها فيه: لما أخذ رسول الله ﷺ مفتاح الكعبة يوم الفتح ثم رده عليه. قال محمد بن إسحاق (في غزوة الفتح) : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن صفية بنت شيبة، أن رسول الله ﷺ لما نزل بمكة واطمأن الناس، خرج حتى جاء إلى البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده. فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له. فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ثم وقف على باب الكعبة وقد استكفّ له الناس في المسجد.
قال ابن إسحاق: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله ﷺ قام على باب الكعبة فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. صدق وعده. ونصر عبده. وهزم الأحزاب وحده. ألا كلّ مأثرة أو دم أو مال يدّعى، فهو تحت قدميّ هاتين: إلّا سدانة البيت وسقاية الحاج. وذكر بقية الحديث في خطبة النبيّ ﷺ يومئذ. إلى أن قال:
ثم جلس رسول الله ﷺ في المسجد. فقام إليه عليّ بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده. فقال: يا رسول الله! اجمع لنا الحجابة مع السقاية. صلى الله عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين عثمان بن طلحة؟ فدعي له. فقال هاك مفتاحك، يا عثمان! اليوم يوم برّ ووفاء.
وروى ابن جرير «١» عن ابن جريج، في الآية قال: نزلت في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة. قبض منه النبيّ ﷺ مفتاح الكعبة. ودخل به البيت يوم الفتح. فخرج وهو يتلو هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها فدعا عثمان إليه.
فدفع إليه المفتاح. قال: وقال عمر بن الخطاب (لما خرج رسول الله ﷺ من الكعبة وهو يتلو هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها: فداه أبي وأمي. ما سمعته يتلوها قبل ذلك.
(١) الأثر رقم ٩٨٤٦.
178
قال السيوطيّ: ظاهر هذا أنها نزلت في جوف الكعبة. انتهى.
وعن محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب أن هذه الآية نزلت في الأمراء. يعني الحكام بين الناس.
وقال السيوطيّ في (الإكليل) : في هذه الآية وجوب ردّ كل أمانة من وديعة وقراض وقرض وغير ذلك. واستدل المالكية، بعموم الآية، على أن الحربيّ إذا دخل دارنا بأمان فأودع وديعة ثم مات أو قتل، إنه يجب رد وديعته إلى أهله. وأن المسلم إذا استدان من الحربيّ بدار الحرب ثم خرج، يجب وفاؤه. وأن الأسير إذا ائتمنه الحربيّ على شيء لا يجوز له أن يخونه. وعلى أن من أودع مالا وكان المودع خانه قبل ذلك، فليس له أن يجحده كما جحده. ويوافق هذه المسألة حديث: أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، في هذه الآية قال: مبهمة للبر والفاجر.
يعني عامة.
وقد أخرج ابن جرير وغيره أنها نزلت في شأن مفتاح الكعبة. لما أخذه النبيّ ﷺ من عثمان بن طلحة. واختار ما رواه عليّ وغيره أنها خطاب لولاة المسلمين.
أمروا بأداء الأمانة لمن ولوا عليه. فيستدل بالآية على أن على الحكام والأئمة ونظار الأوقاف أداء الحقوق المتعلقة بذممهم من توليه المناصب وغيرها إلى من يستحقها.
كما أن قوله تعالى: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ. أمر لهم بإيصال الحقوق المتعلقة بذمم الغير إلى أصحابها. وحيث كان المأمور به ههنا مختصا بوقت المرافعة، قيد به. بخلاف المأمور به أولا. فإنه لما لم يتعلق بوقت دون وقت أطلق إطلاقا. وأصل العدل هو المساواة في الأشياء. فكل ما خرج من الظلم والاعتداء سمي عدلا.
روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص «١» قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن. وكلتا يديه يمين.
الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا».
وروى الترمذيّ عن أبي سعيد الخدريّ «٢» قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب
وعن محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب أن هذه الآية نزلت في الأمراء. يعني الحكام بين الناس.
وقال السيوطيّ في (الإكليل) : في هذه الآية وجوب ردّ كل أمانة من وديعة وقراض وقرض وغير ذلك. واستدل المالكية، بعموم الآية، على أن الحربيّ إذا دخل دارنا بأمان فأودع وديعة ثم مات أو قتل، إنه يجب رد وديعته إلى أهله. وأن المسلم إذا استدان من الحربيّ بدار الحرب ثم خرج، يجب وفاؤه. وأن الأسير إذا ائتمنه الحربيّ على شيء لا يجوز له أن يخونه. وعلى أن من أودع مالا وكان المودع خانه قبل ذلك، فليس له أن يجحده كما جحده. ويوافق هذه المسألة حديث: أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، في هذه الآية قال: مبهمة للبر والفاجر.
يعني عامة.
وقد أخرج ابن جرير وغيره أنها نزلت في شأن مفتاح الكعبة. لما أخذه النبيّ ﷺ من عثمان بن طلحة. واختار ما رواه عليّ وغيره أنها خطاب لولاة المسلمين.
أمروا بأداء الأمانة لمن ولوا عليه. فيستدل بالآية على أن على الحكام والأئمة ونظار الأوقاف أداء الحقوق المتعلقة بذممهم من توليه المناصب وغيرها إلى من يستحقها.
كما أن قوله تعالى: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ. أمر لهم بإيصال الحقوق المتعلقة بذمم الغير إلى أصحابها. وحيث كان المأمور به ههنا مختصا بوقت المرافعة، قيد به. بخلاف المأمور به أولا. فإنه لما لم يتعلق بوقت دون وقت أطلق إطلاقا. وأصل العدل هو المساواة في الأشياء. فكل ما خرج من الظلم والاعتداء سمي عدلا.
روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص «١» قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن. وكلتا يديه يمين.
الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا».
وروى الترمذيّ عن أبي سعيد الخدريّ «٢» قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب
(١) أخرجه مسلم في: الإمارة، حديث ١٨.
(٢) أخرجه في: الأحكام، ٤- باب ما جاء في الإمام العادل.
(٢) أخرجه في: الأحكام، ٤- باب ما جاء في الإمام العادل.
179
الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم عنده مجلسا: إمام عادل. وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم منه مجلسا: إمام جائر».
وروى الحاكم والبيهقيّ بسند صحيح عن ابن أبي أوفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى مع القاضي ما لم يجر. فإذا جار تبرأ الله منه وألزمه الشيطان».
قال الإمام ابن تيمية رضي الله عنه في رسالته (السياسة الشرعية) بعد الخطبة:
هذه الرسالة مبنية على آية الأمراء في كتاب الله تعالى. وهي قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها... الآية. قال العلماء: نزلت في ولاة الأمور، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل. ثم قال: وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها: والحكم بالعدل، فهذان جماع السياسة العادلة والولاية الصالحة. ثم قال: أما أداء الأمانات ففيه نوعان:
أحدهما- الولايات وهو كان سبب نزول الآية. فإن النبيّ ﷺ لما فتح مكة وتسلم مفاتيح الكعبة من بني شيبة وطلبها العباس ليجمع له بين سقاية الحاج وسدانة البيت فأنزل الله هذه الآية. فرد مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة. فيجب على وليّ الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل.
قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من ولي من أمر المسلمين شيئا، فولّى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين». رواه الحاكم في صحيحه.
وفي رواية: من قلد رجلا عملا على عصابة، وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه، فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين
. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمسلمين. فيجب عليه البحث عن المستحقين للولايات من نوابه على الأمصار، من الأمراء الذين هم نواب ذي السلطان والقضاة. ومن أمراء الأجناد ومقدمي العساكر الكبار والصغار وولاة الأموال من الوزراء والكتاب والشادين والسعاة على الخراج والصدقات وغير ذلك من الأموال التي للمسلمين. وعلى كل واحد من هؤلاء أن يستنيب ويستعمل أصلح من يجده، وينتهي ذلك إلى أئمة الصلاة والمؤذنين والمقرئين والمعلمين وأمراء الحاج والبرد وخزان الأموال ونقباء العساكر الكبار والصغار وعرفاء القبائل والأسواق.
على كل من ولي شيئا من أمور المسلمين من الأمراء وغيرهم أن يستعمل فيما تحت يده، في كل موضع، أصلح من يقدر عليه. ولا يقدم الرجل لكونه طلب أو
وروى الحاكم والبيهقيّ بسند صحيح عن ابن أبي أوفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى مع القاضي ما لم يجر. فإذا جار تبرأ الله منه وألزمه الشيطان».
قال الإمام ابن تيمية رضي الله عنه في رسالته (السياسة الشرعية) بعد الخطبة:
هذه الرسالة مبنية على آية الأمراء في كتاب الله تعالى. وهي قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها... الآية. قال العلماء: نزلت في ولاة الأمور، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل. ثم قال: وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها: والحكم بالعدل، فهذان جماع السياسة العادلة والولاية الصالحة. ثم قال: أما أداء الأمانات ففيه نوعان:
أحدهما- الولايات وهو كان سبب نزول الآية. فإن النبيّ ﷺ لما فتح مكة وتسلم مفاتيح الكعبة من بني شيبة وطلبها العباس ليجمع له بين سقاية الحاج وسدانة البيت فأنزل الله هذه الآية. فرد مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة. فيجب على وليّ الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل.
قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من ولي من أمر المسلمين شيئا، فولّى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين». رواه الحاكم في صحيحه.
وفي رواية: من قلد رجلا عملا على عصابة، وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه، فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين
. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمسلمين. فيجب عليه البحث عن المستحقين للولايات من نوابه على الأمصار، من الأمراء الذين هم نواب ذي السلطان والقضاة. ومن أمراء الأجناد ومقدمي العساكر الكبار والصغار وولاة الأموال من الوزراء والكتاب والشادين والسعاة على الخراج والصدقات وغير ذلك من الأموال التي للمسلمين. وعلى كل واحد من هؤلاء أن يستنيب ويستعمل أصلح من يجده، وينتهي ذلك إلى أئمة الصلاة والمؤذنين والمقرئين والمعلمين وأمراء الحاج والبرد وخزان الأموال ونقباء العساكر الكبار والصغار وعرفاء القبائل والأسواق.
على كل من ولي شيئا من أمور المسلمين من الأمراء وغيرهم أن يستعمل فيما تحت يده، في كل موضع، أصلح من يقدر عليه. ولا يقدم الرجل لكونه طلب أو
180
سبق في الطلب. بل ذلك سبب المنع. فإن
في الصحيح «١» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أن قوما دخلوا عليه فسألوه ولاية فقال: إنا لا نولي أمرنا هذا من طلبه».
وقال «٢» لعبد الرحمن بن سمرة: «يا عبد الرحمن! لا تسأل الإمارة. فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها من مسألة وكلت إليها». أخرجاه في الصحيحين.
وقال «٣» :«من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه. ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل الله إليه ملكا يسدده». رواه أهل السنن
. فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره، لأجل قرابة بينهما، أو ولّاه عتاقة أو صداقة أو موافقة في مذهب أو بلد أو طريقة أو جنس، كالعربية والفارسية والتركية والرومية. أو لرشوة يأخذها منه من ماله أو منفعة. أو غير ذلك من الأسباب. أو لضغن في قلبه على الأحق. أو عداوة بينهما- فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهى عنه في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال: ٢٧].
ثم قال الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
[الأنفال: ٢٨]. فإن الرجل لحبه لولده أو عتيقه قد يؤثره في بعض الولايات أو يعطيه ما لا يستحقه فيكون قد خان أمانته. وكذلك قد يؤثر زيادة حفظه أو ماله بأخذ ما لا يستحقه أو محاباة من يداهنه في بعض الولايات فيكون قد خان الله ورسوله وخان أمانته. ثم إن المؤدي الأمانة، مع مخالفة هواه، يثيبه الله فيحفظه في أهله وماله بعده. والمطيع لهواه يعاقبه بنقيض قصده. فيذل أهله ويذهب ماله. وفي ذلك الحكاية المشهورة: إن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدّث
في الصحيح «١» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أن قوما دخلوا عليه فسألوه ولاية فقال: إنا لا نولي أمرنا هذا من طلبه».
وقال «٢» لعبد الرحمن بن سمرة: «يا عبد الرحمن! لا تسأل الإمارة. فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها من مسألة وكلت إليها». أخرجاه في الصحيحين.
وقال «٣» :«من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه. ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل الله إليه ملكا يسدده». رواه أهل السنن
. فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره، لأجل قرابة بينهما، أو ولّاه عتاقة أو صداقة أو موافقة في مذهب أو بلد أو طريقة أو جنس، كالعربية والفارسية والتركية والرومية. أو لرشوة يأخذها منه من ماله أو منفعة. أو غير ذلك من الأسباب. أو لضغن في قلبه على الأحق. أو عداوة بينهما- فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهى عنه في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال: ٢٧].
ثم قال الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
[الأنفال: ٢٨]. فإن الرجل لحبه لولده أو عتيقه قد يؤثره في بعض الولايات أو يعطيه ما لا يستحقه فيكون قد خان أمانته. وكذلك قد يؤثر زيادة حفظه أو ماله بأخذ ما لا يستحقه أو محاباة من يداهنه في بعض الولايات فيكون قد خان الله ورسوله وخان أمانته. ثم إن المؤدي الأمانة، مع مخالفة هواه، يثيبه الله فيحفظه في أهله وماله بعده. والمطيع لهواه يعاقبه بنقيض قصده. فيذل أهله ويذهب ماله. وفي ذلك الحكاية المشهورة: إن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدّث
(١)
جاء في معناه حديث رواه البخاريّ في: الأحكام، ٧- باب ما يكره من الحرص على الإمارة، حديث ١١٢٩ ونصه: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: دخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنا ورجلان من قومي. فقال أحد الرجلين: أمّرنا يا رسول الله! وقال الآخر مثله. فقال «إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه»
. (٢)
أخرجه البخاريّ في: الأحكام، ٥- باب من لم يسأل الإمارة أعانه الله عليها. و ٦- باب من سأل الإمارة وكل إليها، حديث ٢٤٨٨ ونصه: عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن! لا تسأل الإمارة. فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها. وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها، فكفّر عن يمينك وأت الذي هو خير»
. (٣) أخرجه أبو داود في: الأقضية، ٣- باب في طلب القضاء والتسرع إليه، حديث ٣٥٧٨. عن أنس ابن مالك.
جاء في معناه حديث رواه البخاريّ في: الأحكام، ٧- باب ما يكره من الحرص على الإمارة، حديث ١١٢٩ ونصه: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: دخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنا ورجلان من قومي. فقال أحد الرجلين: أمّرنا يا رسول الله! وقال الآخر مثله. فقال «إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه»
. (٢)
أخرجه البخاريّ في: الأحكام، ٥- باب من لم يسأل الإمارة أعانه الله عليها. و ٦- باب من سأل الإمارة وكل إليها، حديث ٢٤٨٨ ونصه: عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن! لا تسأل الإمارة. فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها. وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها، فكفّر عن يمينك وأت الذي هو خير»
. (٣) أخرجه أبو داود في: الأقضية، ٣- باب في طلب القضاء والتسرع إليه، حديث ٣٥٧٨. عن أنس ابن مالك.
181
بما أدرك. فقال: أدركت عمر بن عبد العزيز، فقيل له: يا أمير المؤمنين! أفقرت أفواه بنيك من هذا المال وتركتهم فقراء لا شيء لهم. وكان في مرض موته، فقال:
أدخلوهم عليّ. فأدخلوهم وهم بضعة عشر ذكرا. ليس فيهم بالغ. فلما رآهم ذرفت عيناه ثم قال: والله! يا بنيّ! ما منعتكم حقّا هو لكم. ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم. وإنما أنتم أحد رجلين: إما صالح فالله يتولى الصالحين. وإما غير صالح فلا أخلف له ما يستعين به على معصية الله. قوموا عني.
قال: ولقد رأيت بعض ولده حمل على مائة في سبيل الله. يعني أعطاها لمن يغرو عليها.
قلت: هذا وقد كان خليفة المسلمين من أقصى المشرق ببلاد الترك إلى أقصى المغرب بالأندلس وغيرها من جزيرة قبرص وثغور الشام والعواصم كطرسوس ونحوها، إلى أقصى اليمن. وإنما أخذ كل واحد من أولاده من تركته شيئا يسيرا، يقال أقل من عشرين درهما.
قال: وحضرت بعض الخلفاء وقد اقتسم تركته بنوه. فأخذ كل واحد ستمائة ألف دينار. ولقد رأيت بعضهم يتكفّف الناس، أي يسألهم بكفه. وفي هذا الباب من الحكايات والوقائع المشاهدة في الزمان، والمسموعة عما قبله، عبرة لكل ذي لب. وقد دلت سنة رسول الله ﷺ على أن الولاية أمانة يجب أداؤها، في موضع مثل ما تقدم. ومثل
قوله لأبي ذر رضي الله عنه في الإمارة: «إنها أمانة وإنها يوم القيامة حسرة وندامة. إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه». فيما رواه مسلم «١».
وروى البخاريّ «٢» في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ ﷺ قال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قيل: يا رسول الله! وما إضاعتها؟ قال: إذا وسّد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة».
أدخلوهم عليّ. فأدخلوهم وهم بضعة عشر ذكرا. ليس فيهم بالغ. فلما رآهم ذرفت عيناه ثم قال: والله! يا بنيّ! ما منعتكم حقّا هو لكم. ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم. وإنما أنتم أحد رجلين: إما صالح فالله يتولى الصالحين. وإما غير صالح فلا أخلف له ما يستعين به على معصية الله. قوموا عني.
قال: ولقد رأيت بعض ولده حمل على مائة في سبيل الله. يعني أعطاها لمن يغرو عليها.
قلت: هذا وقد كان خليفة المسلمين من أقصى المشرق ببلاد الترك إلى أقصى المغرب بالأندلس وغيرها من جزيرة قبرص وثغور الشام والعواصم كطرسوس ونحوها، إلى أقصى اليمن. وإنما أخذ كل واحد من أولاده من تركته شيئا يسيرا، يقال أقل من عشرين درهما.
قال: وحضرت بعض الخلفاء وقد اقتسم تركته بنوه. فأخذ كل واحد ستمائة ألف دينار. ولقد رأيت بعضهم يتكفّف الناس، أي يسألهم بكفه. وفي هذا الباب من الحكايات والوقائع المشاهدة في الزمان، والمسموعة عما قبله، عبرة لكل ذي لب. وقد دلت سنة رسول الله ﷺ على أن الولاية أمانة يجب أداؤها، في موضع مثل ما تقدم. ومثل
قوله لأبي ذر رضي الله عنه في الإمارة: «إنها أمانة وإنها يوم القيامة حسرة وندامة. إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه». فيما رواه مسلم «١».
وروى البخاريّ «٢» في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ ﷺ قال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قيل: يا رسول الله! وما إضاعتها؟ قال: إذا وسّد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة».
(١)
أخرجه في: الإمارة، حديث ١٦ ونصه: عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله! ألا تستعملني؟ قال فضرب بيده على منكبي ثم قال «يا أبا ذر! إنك ضعيف. وإنها أمانة. وإنها يوم القيامة خزي وندامة. إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها».
(٢)
أخرجه في: العلم، ٢- باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل، حديث ٥٢ ونصه: عن أبي هريرة قال: بينما النبيّ ﷺ في مجلس يحدّث القوم جاءه أعرابيّ فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله ﷺ يحدّث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال.
أخرجه في: الإمارة، حديث ١٦ ونصه: عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله! ألا تستعملني؟ قال فضرب بيده على منكبي ثم قال «يا أبا ذر! إنك ضعيف. وإنها أمانة. وإنها يوم القيامة خزي وندامة. إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها».
(٢)
أخرجه في: العلم، ٢- باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل، حديث ٥٢ ونصه: عن أبي هريرة قال: بينما النبيّ ﷺ في مجلس يحدّث القوم جاءه أعرابيّ فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله ﷺ يحدّث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال.
182
وقد أجمع المسلمون على هذا.
ثم قال ابن تيمية رحمه الله: القسم الثاني- أمانات الأموال كما قال الله تعالى في الديون: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ [البقرة: ٢٨٣]. ويدخل في هذا القسم الأعيان والديون الخاصة والعامة. مثل رد الودائع ومال الشريك والموكل والمضارب ومال المولى من اليتيم وأهل الوقف ونحو ذلك. وكذلك وفاء الديون من أثمان المبيعات وبدل القرض وصدقات النساء وأجور المنافع ونحو ذلك. وقد قال الله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ- إلى قوله- وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ [المعارج: ١٩- ٣٢]. وقال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً [النساء: ١٠٥]. أي لا تخاصم عنهم.
وقال النبيّ ﷺ «١» :«المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم. والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه. والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله».
وهو حديث صحيح، بعضه في الصحيحين وبعضه في سنن الترمذيّ.
وقال النبيّ ﷺ «٢» : من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله. رواه البخاريّ.
وإذا كان الله تعالى قد أوجب أداء الأمانات التي قبضت بحق، ففيه تنبيه على وجوب أداء الغصب والسرقة والخيانة ونحو ذلك من المظالم. وكذلك أداء العارية.
ثم قال ابن تيمية رحمه الله: القسم الثاني- أمانات الأموال كما قال الله تعالى في الديون: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ [البقرة: ٢٨٣]. ويدخل في هذا القسم الأعيان والديون الخاصة والعامة. مثل رد الودائع ومال الشريك والموكل والمضارب ومال المولى من اليتيم وأهل الوقف ونحو ذلك. وكذلك وفاء الديون من أثمان المبيعات وبدل القرض وصدقات النساء وأجور المنافع ونحو ذلك. وقد قال الله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ- إلى قوله- وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ [المعارج: ١٩- ٣٢]. وقال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً [النساء: ١٠٥]. أي لا تخاصم عنهم.
وقال النبيّ ﷺ «١» :«المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم. والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه. والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله».
وهو حديث صحيح، بعضه في الصحيحين وبعضه في سنن الترمذيّ.
وقال النبيّ ﷺ «٢» : من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله. رواه البخاريّ.
وإذا كان الله تعالى قد أوجب أداء الأمانات التي قبضت بحق، ففيه تنبيه على وجوب أداء الغصب والسرقة والخيانة ونحو ذلك من المظالم. وكذلك أداء العارية.
وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال «أين أراه السائل عن الساعة؟» قال: ها أنا يا رسول الله! قال «فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» قال: كيف إضاعتها؟ قال «إذا وسّد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة».
(١)
جاء في الترمذيّ في: الإيمان، ١٢- باب ما جاء في أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم».
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. [.....]
(٢) أخرجه البخاريّ في: الاستقراض وأداء الديون، ٢- باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها، حديث ١١٨٨، عن أبي هريرة.
(١)
جاء في الترمذيّ في: الإيمان، ١٢- باب ما جاء في أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم».
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. [.....]
(٢) أخرجه البخاريّ في: الاستقراض وأداء الديون، ٢- باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها، حديث ١١٨٨، عن أبي هريرة.
183
ولينظر تتمة هذا البحث في الرسالة المذكورة. فإن الوقوف عليها من المهمات. إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ أي نعم ما يأمركم به من أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس وغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة. و (ما) إما منصوبة موصوفة ب (يعظكم) أو مرفوعة موصولة. كأنه قيل نعم شيئا يعظكم به. أو نعم الشيء الذي يعظكم به. والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها متضمنة لمزيد لطف بالمخاطبين وحسن استدعائهم إلى الامتثال بالأمر إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً لأقوالكم في الأمانات والأحكام بَصِيراً بأفعالكم فيهما. فإن سمع ورأى خيرا جازاكم عليه خير الجزاء.
وإن سمع ورأى شرّا جازاكم عليه. فهو وعد ووعيد. وروى ابن أبي حاتم بسنده عن أبي يونس قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها إلى قوله- سَمِيعاً بَصِيراً. ويضع إبهامه على أذنه، والتي تليها على عينه ويقول: هكذا سمعت رسول الله ﷺ يقرؤها ويضع إصبعه.
وقال أبو زكريا: وصفه لنا المقري ووضع أبو زكريا إبهامه الأيمن على عينه اليمنى. والتي تليها على الأذن اليمنى. وأرانا، فقال: هكذا. وهكذا رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وابن مردويه في تفسيره.
وأبو يونس هذا مولى أبي هريرة. واسمه سليم بن جبير. أفاده ابن كثير.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ اعلم أنه تعالى، لما أمر الرعاة والولاة بأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل، أمر الرعية من الجيوش وغيرهم بطاعة أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك. إلا أن يأمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال الرازيّ: قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: حقّ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة. فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا
. وقد روى الطبريّ «١» بسند صحيح عن أبي هريرة: إن أولي الأمر هم الأمراء. واحتج له
وإن سمع ورأى شرّا جازاكم عليه. فهو وعد ووعيد. وروى ابن أبي حاتم بسنده عن أبي يونس قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها إلى قوله- سَمِيعاً بَصِيراً. ويضع إبهامه على أذنه، والتي تليها على عينه ويقول: هكذا سمعت رسول الله ﷺ يقرؤها ويضع إصبعه.
وقال أبو زكريا: وصفه لنا المقري ووضع أبو زكريا إبهامه الأيمن على عينه اليمنى. والتي تليها على الأذن اليمنى. وأرانا، فقال: هكذا. وهكذا رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وابن مردويه في تفسيره.
وأبو يونس هذا مولى أبي هريرة. واسمه سليم بن جبير. أفاده ابن كثير.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٥٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ اعلم أنه تعالى، لما أمر الرعاة والولاة بأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل، أمر الرعية من الجيوش وغيرهم بطاعة أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك. إلا أن يأمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال الرازيّ: قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: حقّ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة. فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا
. وقد روى الطبريّ «١» بسند صحيح عن أبي هريرة: إن أولي الأمر هم الأمراء. واحتج له
(١) الأثر رقم ر ٩٨٥٦.
184
الشافعيّ بأن قريشا ومن يليها من العرب كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير.
فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر، والانقياد له إذا بعثهم في السرايا، وإذا ولاهم البلاد. فلا يخرجوا عليهم ولا يمتنعوا عليهم، لئلا تفترق الكلمة. ولذلك
قال «١» صلى الله عليه وسلم: «من أطاع أميري فقد أطاعني».
متفق عليه. وفي البخاريّ «٢» عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عديّ إذ بعثه النبيّ ﷺ في سرية.
قال ابن كثير: وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجة وقال الترمذيّ: حديث حسن غريب. ولا نعرفه إلا من حديث ابن جريج.
وروى الطبريّ «٣» عن السدّيّ أنها نزلت في قصة جرت لعمار بن ياسر مع خالد ابن الوليد. وكان خالد أميرا. فأجار عمار رجلا بغير أمره. فتخاصما وارتفعا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية على أمير.
فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر، والانقياد له إذا بعثهم في السرايا، وإذا ولاهم البلاد. فلا يخرجوا عليهم ولا يمتنعوا عليهم، لئلا تفترق الكلمة. ولذلك
قال «١» صلى الله عليه وسلم: «من أطاع أميري فقد أطاعني».
متفق عليه. وفي البخاريّ «٢» عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عديّ إذ بعثه النبيّ ﷺ في سرية.
قال ابن كثير: وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجة وقال الترمذيّ: حديث حسن غريب. ولا نعرفه إلا من حديث ابن جريج.
وروى الطبريّ «٣» عن السدّيّ أنها نزلت في قصة جرت لعمار بن ياسر مع خالد ابن الوليد. وكان خالد أميرا. فأجار عمار رجلا بغير أمره. فتخاصما وارتفعا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية على أمير.
(١)
أخرجه البخاريّ في: الأحكام، ١- باب قول الله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، حديث ١٤٠٩ ونصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني»
. (٢) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١١- باب قوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، حديث ١٩٩١.
(٣)
الأثر ٩٨٦١ ونصه: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن مفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدّي: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال: بعث رسول الله ﷺ سرّية عليها خالد بن الوليد، وفيها عمار بن ياسر. فساروا قبل القوم الذين يريدون. فلما بلغوا قريبا منهم عرّسوا. وأتاهم ذو العيينتين (الجاسوس) فأخبرهم فأصبحوا قد هربوا. غير رجل أمر أهله فجمعوا متاعهم ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد. فسأل عن عمار بن ياسر فأتاه فقال: يا أبا اليقظان! إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا، وإني بقيت. فهل إسلامي نافعي غدا، وإلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك فأقم. فأقام. فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدا غير الرجل. فأخذه وأخذ ماله. فبلغ عمارا الخبر. فأتى خالدا فقال: خلّ عن الرجل فإنه قد أسلم، وهو في أمان مني. فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبّا وارتفعا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فأجاز أمان عمار، ونهاه أن يجير الثانية على أمير.
فاستبا عند رسول الله ﷺ فقال خالد: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! أتترك هذا العبد الأجدع يسبني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا خالد! لا تسب عمارا فإنه من سب عمارا سبه الله. ومن أبغض عمارا أبغضه الله. ومن لعن عمارا لعنه الله».
فغضب عمار فقام. فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه، فرضي عنه.
فأنزل الله تعالى قوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
.
أخرجه البخاريّ في: الأحكام، ١- باب قول الله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، حديث ١٤٠٩ ونصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني»
. (٢) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١١- باب قوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، حديث ١٩٩١.
(٣)
الأثر ٩٨٦١ ونصه: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن مفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدّي: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال: بعث رسول الله ﷺ سرّية عليها خالد بن الوليد، وفيها عمار بن ياسر. فساروا قبل القوم الذين يريدون. فلما بلغوا قريبا منهم عرّسوا. وأتاهم ذو العيينتين (الجاسوس) فأخبرهم فأصبحوا قد هربوا. غير رجل أمر أهله فجمعوا متاعهم ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد. فسأل عن عمار بن ياسر فأتاه فقال: يا أبا اليقظان! إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا، وإني بقيت. فهل إسلامي نافعي غدا، وإلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك فأقم. فأقام. فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدا غير الرجل. فأخذه وأخذ ماله. فبلغ عمارا الخبر. فأتى خالدا فقال: خلّ عن الرجل فإنه قد أسلم، وهو في أمان مني. فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبّا وارتفعا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فأجاز أمان عمار، ونهاه أن يجير الثانية على أمير.
فاستبا عند رسول الله ﷺ فقال خالد: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! أتترك هذا العبد الأجدع يسبني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا خالد! لا تسب عمارا فإنه من سب عمارا سبه الله. ومن أبغض عمارا أبغضه الله. ومن لعن عمارا لعنه الله».
فغضب عمار فقام. فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه، فرضي عنه.
فأنزل الله تعالى قوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
.
185
قال ابن كثير: وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عن السدّي مرسلا. ورواه ابن مردويه عن السدّيّ عن أبي صالح عن ابن عباس. فذكره بنحوه.
ولا تنافي بين الروايتين لما أسلفناه في مقدمة التفسير في بحث سبب النزول.
فتذكر.
وقال الزمخشريّ: المراد بأولي الأمر منكم، أمراء الحق. لأن أمراء الجور، الله ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم، وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق والأمر بهما والنهي عن أضدادهما. كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان. وكان الخلفاء يقولون: أطيعوني ما عدلت فيكم فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم.
وفي الصحيحين «١» عن عليّ رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: «إنما الطاعة في المعروف».
وروى الإمام أحمد «٢» عن عمران بن حصين عن النبيّ ﷺ قال: «لا طاعة في معصية الله».
لطيفة:
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : النكتة في إعادة العامل في الرسول دون أولي الأمر، مع أن المطاع في الحقيقة هو الله تعالى- كون الذي يعرف به ما يقع به التكليف هما القرآن والسنة. فكان التقدير: وأطيعوا الله فيما قضى عليكم في القرآن، وأطيعوا الرسول فيما بين لكم من القرآن وما ينصه عليكم من السنة.
والمعنى: أطيعوا الله فيما يأمركم به من الوحي المتعبّد بتلاوته. وأطيعوا الرسول فيما يأمركم به من الوحي الذي ليس بقرآن.
ومن بديع الجواب قول بعض التابعين لبعض الأمراء من بني أمية. لما قال له:
أليس الله أمركم أن تطيعونا في قوله: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ؟ فقال له: أليس قد نزعت
ولا تنافي بين الروايتين لما أسلفناه في مقدمة التفسير في بحث سبب النزول.
فتذكر.
وقال الزمخشريّ: المراد بأولي الأمر منكم، أمراء الحق. لأن أمراء الجور، الله ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم، وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق والأمر بهما والنهي عن أضدادهما. كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان. وكان الخلفاء يقولون: أطيعوني ما عدلت فيكم فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم.
وفي الصحيحين «١» عن عليّ رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: «إنما الطاعة في المعروف».
وروى الإمام أحمد «٢» عن عمران بن حصين عن النبيّ ﷺ قال: «لا طاعة في معصية الله».
لطيفة:
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : النكتة في إعادة العامل في الرسول دون أولي الأمر، مع أن المطاع في الحقيقة هو الله تعالى- كون الذي يعرف به ما يقع به التكليف هما القرآن والسنة. فكان التقدير: وأطيعوا الله فيما قضى عليكم في القرآن، وأطيعوا الرسول فيما بين لكم من القرآن وما ينصه عليكم من السنة.
والمعنى: أطيعوا الله فيما يأمركم به من الوحي المتعبّد بتلاوته. وأطيعوا الرسول فيما يأمركم به من الوحي الذي ليس بقرآن.
ومن بديع الجواب قول بعض التابعين لبعض الأمراء من بني أمية. لما قال له:
أليس الله أمركم أن تطيعونا في قوله: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ؟ فقال له: أليس قد نزعت
(١)
أخرجه في: الأحكام، ٤- باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، حديث ١٩٣٣ ونصه:
عن عليّ رضي الله عنه قال: بعث النبيّ ﷺ سرية وأمّر عليهم رجلا من الأنصار. وأمرهم أن يطيعوه. فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبيّ ﷺ أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها. فجمعوا حطبا فأوقدوا (نارا) فلما هموا بالدخول فقام ينظر إلى بعض. قال بعضهم: إنما تبعنا النبيّ ﷺ فرارا من النار، أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه. فذكر النبيّ ﷺ فقال «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا.
إنما الطاعة في المعروف».
(٢) أخرجه في المسند ٤/ ٤٢٦.
أخرجه في: الأحكام، ٤- باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، حديث ١٩٣٣ ونصه:
عن عليّ رضي الله عنه قال: بعث النبيّ ﷺ سرية وأمّر عليهم رجلا من الأنصار. وأمرهم أن يطيعوه. فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبيّ ﷺ أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها. فجمعوا حطبا فأوقدوا (نارا) فلما هموا بالدخول فقام ينظر إلى بعض. قال بعضهم: إنما تبعنا النبيّ ﷺ فرارا من النار، أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه. فذكر النبيّ ﷺ فقال «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا.
إنما الطاعة في المعروف».
(٢) أخرجه في المسند ٤/ ٤٢٦.
186
عنكم، يعني الطاعة، إذا خالفتم الحق بقوله: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ؟
قال الطيبيّ: أعاد الفعل في قوله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة. ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته. ثم بين ذلك بقوله: فإن تنازعتم في شيء. كأنه قيل فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم وردّوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله. انتهى.
تنبيه:
يشمل عموم وقوله وَأُولِي الْأَمْرِ العلماء. كما روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه يعني أهل الفقه والدين. وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن البصريّ وأبو العالية. وهذا ليس قولا ثانيا في الآية بل هو مما يشمله لفظها. فهي عامة في أولي الأمر من الأمراء والعلماء وإن نزلت على سبب خاص. وقد كثرت الأوامر بطاعة العلماء كالأمراء. قال تعالى: لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [المائدة: ٦٣]. وقال تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل: ٤٣]، وقال تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: ٨٣].
وفي الحديث الصحيح المتفق على صحته عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال «١» :«من أطاعني فقد أطاع الله. ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصى أميري فقد عصاني».
وروى أبو داود «٢» عن عبد الله بن عمر عن رسول الله ﷺ قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية. فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».
وروى البخاريّ «٣» عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشيّ كأن رأسه زبيبة»
. والأحاديث في هذا كثيرة.
قال الطيبيّ: أعاد الفعل في قوله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة. ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته. ثم بين ذلك بقوله: فإن تنازعتم في شيء. كأنه قيل فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم وردّوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله. انتهى.
تنبيه:
يشمل عموم وقوله وَأُولِي الْأَمْرِ العلماء. كما روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه يعني أهل الفقه والدين. وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن البصريّ وأبو العالية. وهذا ليس قولا ثانيا في الآية بل هو مما يشمله لفظها. فهي عامة في أولي الأمر من الأمراء والعلماء وإن نزلت على سبب خاص. وقد كثرت الأوامر بطاعة العلماء كالأمراء. قال تعالى: لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [المائدة: ٦٣]. وقال تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل: ٤٣]، وقال تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: ٨٣].
وفي الحديث الصحيح المتفق على صحته عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال «١» :«من أطاعني فقد أطاع الله. ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصى أميري فقد عصاني».
وروى أبو داود «٢» عن عبد الله بن عمر عن رسول الله ﷺ قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية. فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».
وروى البخاريّ «٣» عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشيّ كأن رأسه زبيبة»
. والأحاديث في هذا كثيرة.
(١)
أخرجه البخاريّ في: الجهاد، ١٠٩- باب يقاتل من وراء الإمام ويتّقى به، حديث ١٤٠٩ ونصه:
عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله ﷺ يقول «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني. وإنما الإمام جنّة يقاتل من ورائه ويتقى به. فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرا. وإن قال بغيره فإن عليه منه
. (٢) أخرجه أبو داود في: الجهاد، ٨٧- باب في الطاعة، حديث ٢٦٢٦.
(٣) أخرجه البخاريّ في: الأحكام، ٤- باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، حديث ٤٣٤.
أخرجه البخاريّ في: الجهاد، ١٠٩- باب يقاتل من وراء الإمام ويتّقى به، حديث ١٤٠٩ ونصه:
عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله ﷺ يقول «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني. وإنما الإمام جنّة يقاتل من ورائه ويتقى به. فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرا. وإن قال بغيره فإن عليه منه
. (٢) أخرجه أبو داود في: الجهاد، ٨٧- باب في الطاعة، حديث ٢٦٢٦.
(٣) أخرجه البخاريّ في: الأحكام، ٤- باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، حديث ٤٣٤.
187
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه (الحسبة في الإسلام) :
وقد أمر الله تعالى في كتابه بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر من المؤمنين.
وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه وهم الذين يأمرون الناس، وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام. فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء والأمراء. فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس. كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه «١» (للأحمسية لما سألته ما بقاؤنا على هذا الأمر) قال: ما استقامت لكم أئمتكم.
ويدخل فيهم الملوك والمشايخ وأهل الديوان وكل من كان متبوعا فإنه من أولي الأمر. وعلى كل واحد من هؤلاء أن يأمر بما أمر الله به وينهي عما نهى عنه. وعلى كل واحد ممن له عليه طاعة أن يطيعه في طاعة الله ولا يطيعه في معصية الله. كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حين تولى أمر المسلمين وخطبهم، فقال في خطبته: أيها الناس! القويّ فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم القويّ عندي حتى آخذ له الحق. أطيعوني ما أطعت الله. فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم فَإِنْ تَنازَعْتُمْ أي اختلفتم أنتم وأولو الأمر فِي شَيْءٍ من الأحكام فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ أي فارجعوا فيه إلى كتابه وَالرَّسُولِ بالسؤال منه في زمانه ﷺ والرجوع إلى سننه بعده لا إلى ما تهوون ولا إلى ما يهواه الحكام إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ الواضع لشرائع العدل وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الذي يجازى فيه الموافق والمخالف لتلك الشرائع ذلِكَ أي الرد إلى كتاب الله وسنة الرسول، والرجوع إليهما فصل النزاع خَيْرٌ أي لكم ولحكامكم وأصلح وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أي عاقبة ومآلا، كما قاله السدّيّ وغير واحد. وقال مجاهد: وأحسن جزاء. وهو قريب.
وقد أمر الله تعالى في كتابه بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر من المؤمنين.
وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه وهم الذين يأمرون الناس، وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام. فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء والأمراء. فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس. كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه «١» (للأحمسية لما سألته ما بقاؤنا على هذا الأمر) قال: ما استقامت لكم أئمتكم.
ويدخل فيهم الملوك والمشايخ وأهل الديوان وكل من كان متبوعا فإنه من أولي الأمر. وعلى كل واحد من هؤلاء أن يأمر بما أمر الله به وينهي عما نهى عنه. وعلى كل واحد ممن له عليه طاعة أن يطيعه في طاعة الله ولا يطيعه في معصية الله. كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حين تولى أمر المسلمين وخطبهم، فقال في خطبته: أيها الناس! القويّ فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم القويّ عندي حتى آخذ له الحق. أطيعوني ما أطعت الله. فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم فَإِنْ تَنازَعْتُمْ أي اختلفتم أنتم وأولو الأمر فِي شَيْءٍ من الأحكام فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ أي فارجعوا فيه إلى كتابه وَالرَّسُولِ بالسؤال منه في زمانه ﷺ والرجوع إلى سننه بعده لا إلى ما تهوون ولا إلى ما يهواه الحكام إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ الواضع لشرائع العدل وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الذي يجازى فيه الموافق والمخالف لتلك الشرائع ذلِكَ أي الرد إلى كتاب الله وسنة الرسول، والرجوع إليهما فصل النزاع خَيْرٌ أي لكم ولحكامكم وأصلح وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أي عاقبة ومآلا، كما قاله السدّيّ وغير واحد. وقال مجاهد: وأحسن جزاء. وهو قريب.
(١) أخرجه الدارميّ في مسنده: المقدمة، ٢٣- باب في كراهية أخذ الرأي. ونصه: عن أبي زرعة بن عمرو عن حية بنت أبي حية قالت: دخل علينا رجل بالظهيرة. فقلت: يا عبد الله: من أين أقبلت؟ قال: أقبلت أنا وصاحب لي في بغاء لنا. فانطلق صاحبي يبغي ودخلت أنا أستظل بالظل وأشرب من الشراب.
فقمت إلى لبينة حامضة فسقيته منها فشرب وشربت.
قالت وتوسمته فقلت: يا عبد الله! من أنت؟ فقال: أنا أبو بكر. فقلت: أنت أبو بكر، صاحب رسول الله ﷺ الذي سمعت به؟ قال: نعم.
قالت فذكرت غزونا خثعما وغزوة بعضنا بعضا في الجاهلية وما جاء الله به من الألفة وأطناب الفساطيط. فقلت: يا عبد الله! حتى متى ترى أمر الناس هذا؟ قال: ما استقامت الأئمة. قلت: ما الأئمة؟ قال: أما رأيت السيّد يكون في الحواء (بيوت مجتمعة على الماء) فيتبعونه ويطيعونه؟
فما استقام أولئك.
فقمت إلى لبينة حامضة فسقيته منها فشرب وشربت.
قالت وتوسمته فقلت: يا عبد الله! من أنت؟ فقال: أنا أبو بكر. فقلت: أنت أبو بكر، صاحب رسول الله ﷺ الذي سمعت به؟ قال: نعم.
قالت فذكرت غزونا خثعما وغزوة بعضنا بعضا في الجاهلية وما جاء الله به من الألفة وأطناب الفساطيط. فقلت: يا عبد الله! حتى متى ترى أمر الناس هذا؟ قال: ما استقامت الأئمة. قلت: ما الأئمة؟ قال: أما رأيت السيّد يكون في الحواء (بيوت مجتمعة على الماء) فيتبعونه ويطيعونه؟
فما استقام أولئك.
188
قال الحافظ ابن كثير: هذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع فيه الناس من أصول الدين وفروعه، أن يردّ التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة. كما قال تعالى:
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى: ١٠]. فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق. وماذا بعد الحق إلا الضلال. ولهذا قال تعالى:
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله. فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، فدل على أن من لم يتحاكم، في محل النزاع، إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر. انتهى.
تنبيهات
الأول- قال البيضاويّ: إن قوله تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ، يؤيد أن المراد بأولي الأمر الأمراء لا العلماء. قال: إذ ليس للمقلد أن ينازع المجتهد في حكمه بخلاف المرؤوس. ثم قال: إلا أن يقال: الخطاب لأولي الأمر، على طريقة الالتفات. وتابعه أبو السعود.
قال الخفاجيّ: وجه التأييد أن للناس والعامة منازعة الأمراء في بعض الأمور وليس لهم منازعة العلماء. إذ المراد بهم المجتهدون. والناس ممن سواهم لا ينازعونهم في أحكامهم. والمراد بالمرؤوس (على وزن المفعول) العامة التابعة للرائس والرئيس. فإذا كان الخطاب في (تنازعتم) لأولي الأمر على الالتفات صح إرادة العلماء. لأن للمجتهدين أن ينازع بعضهم بعضا مجادلة ومحاجة. فيكون المراد أمرهم بالتمسك بما يقتضيه الدليل. انتهى. وفي وقوله: (إذ ليس للمقلد إلخ) ما ستراه.
الثاني- فيهم كثير من الناس والمفسرين أيضا أن طاعة أولي الأمر العلماء، تقليدهم فيما يفتون به. وهو غلط قال الإمام ابن القيّم في (أعلام الموقعين) في:
في عقد مجلس مناظرة بين مقلد وبين صاحب حجة منقاد للحق حيث كان.
قال المقلد: وقد أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله ﷺ وأولي الأمر- وهم العلماء. أو العلماء والأمراء- وطاعتهم تقليدهم فيما يفتون به، فإنه لولا التقليد، لم
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى: ١٠]. فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق. وماذا بعد الحق إلا الضلال. ولهذا قال تعالى:
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله. فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، فدل على أن من لم يتحاكم، في محل النزاع، إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر. انتهى.
تنبيهات
الأول- قال البيضاويّ: إن قوله تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ، يؤيد أن المراد بأولي الأمر الأمراء لا العلماء. قال: إذ ليس للمقلد أن ينازع المجتهد في حكمه بخلاف المرؤوس. ثم قال: إلا أن يقال: الخطاب لأولي الأمر، على طريقة الالتفات. وتابعه أبو السعود.
قال الخفاجيّ: وجه التأييد أن للناس والعامة منازعة الأمراء في بعض الأمور وليس لهم منازعة العلماء. إذ المراد بهم المجتهدون. والناس ممن سواهم لا ينازعونهم في أحكامهم. والمراد بالمرؤوس (على وزن المفعول) العامة التابعة للرائس والرئيس. فإذا كان الخطاب في (تنازعتم) لأولي الأمر على الالتفات صح إرادة العلماء. لأن للمجتهدين أن ينازع بعضهم بعضا مجادلة ومحاجة. فيكون المراد أمرهم بالتمسك بما يقتضيه الدليل. انتهى. وفي وقوله: (إذ ليس للمقلد إلخ) ما ستراه.
الثاني- فيهم كثير من الناس والمفسرين أيضا أن طاعة أولي الأمر العلماء، تقليدهم فيما يفتون به. وهو غلط قال الإمام ابن القيّم في (أعلام الموقعين) في:
فصل
في عقد مجلس مناظرة بين مقلد وبين صاحب حجة منقاد للحق حيث كان.
قال المقلد: وقد أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله ﷺ وأولي الأمر- وهم العلماء. أو العلماء والأمراء- وطاعتهم تقليدهم فيما يفتون به، فإنه لولا التقليد، لم
189
يكن هناك طاعة تختص بهم. قال: وجوابه أن أولي الأمر، قيل: هم الأمراء. وقيل:
هم العلماء. وهما روايتان عن الإمام أحمد. والتحقيق أن الآية تتناول الطائفتين.
وطاعتهم من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. لكن خفي على المقلدين أنهم يطاعون في طاعة الله إذا أمروا بأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. فأين في الآية تقديم آراء الرجال على سنة رسول الله ﷺ وإيثار التقليد عليها؟ ثم قال ابن القيّم: إن هذه الآية من أكبر الحجج عليهم وأعظمها إبطالا للتقليد. وذلك من وجوه: أحدها- الأمر بطاعة الله التي هي امتثال أمره واجتناب نهيه. الثاني- طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يكون العبد مطيعا لله ولرسوله حتى يكون عالما بأمر الله تعالى ورسوله. وأما من هو مقلد فيها لأهل العلم لم يمكنه تحقيق طاعة الله ورسوله ﷺ البتة. الثالث- أن أولي الأمر قد نهوا عن تقليدهم، كما صح ذلك عن معاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وغيرهم من الصحابة. وذكرناه عن الأئمة الأربعة وغيرهم.
وحينئذ فطاعتهم في ذلك إن كانت واجبة بطل التقليد. وإن لم تكن واجبة الاستدلال. الرابع- أنه سبحانه وتعالى، قال في الآية نفسها: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وهذا صريح في إبطال التقليد والمنع من رد المتنازع فيه إلى رأي أو مذهب أو تقليد. فإن قيل: فما هي طاعتهم المختصة بهم؟
فإن كانت الطاعة فيما يخبرون به عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، كانت الطاعة لله ورسوله ﷺ لا لهم. قيل: هذا هو الحق. وطاعتهم إنما هي تبع لا استقلال. ولهذا قرنها بطاعة الرسول. وأعاد العامل لئلا يتوهم أنه إنما يطاع تبعا كما يطاع أولو الأمر تبعا. وليس كذلك. بل طاعته واجبة استقلالا. كان، ما أمر به أو نهى عنه في القرآن، أو لم يكن. انتهى.
وقال رحمه الله تعالى قبل ذلك: إن فرقة التقليد قد ارتكبت مخالفة أمر الله تعالى وأمر رسوله ﷺ وهدي أصحابه وأحوال أئمتهم. وسلكوا ضد طريق أهل العلم. أما أمر الله تعالى، فإنه أمر أن يرد ما تنازع فيه المسلمون إليه وإلى رسوله.
والمقلدون قالوا: إنما نردّه إلى من قلدناه. وأما أمر رسوله فإنه ﷺ أمر عند الاختلاف بالأخذ بسنته وسنة خلفائه الراشدين المهديين، وأمر أن يتمسك بها ويعض عليها بالنواجذ. وقال المقلدون: بل عند الاختلاف نتمسك بقول من قلدناه ونقدمه على كل ما عداه. وأما هدي الصحابة رضي الله عنهم فمن المعلوم بالضرورة أنه لم يكن
هم العلماء. وهما روايتان عن الإمام أحمد. والتحقيق أن الآية تتناول الطائفتين.
وطاعتهم من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. لكن خفي على المقلدين أنهم يطاعون في طاعة الله إذا أمروا بأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. فأين في الآية تقديم آراء الرجال على سنة رسول الله ﷺ وإيثار التقليد عليها؟ ثم قال ابن القيّم: إن هذه الآية من أكبر الحجج عليهم وأعظمها إبطالا للتقليد. وذلك من وجوه: أحدها- الأمر بطاعة الله التي هي امتثال أمره واجتناب نهيه. الثاني- طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يكون العبد مطيعا لله ولرسوله حتى يكون عالما بأمر الله تعالى ورسوله. وأما من هو مقلد فيها لأهل العلم لم يمكنه تحقيق طاعة الله ورسوله ﷺ البتة. الثالث- أن أولي الأمر قد نهوا عن تقليدهم، كما صح ذلك عن معاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وغيرهم من الصحابة. وذكرناه عن الأئمة الأربعة وغيرهم.
وحينئذ فطاعتهم في ذلك إن كانت واجبة بطل التقليد. وإن لم تكن واجبة الاستدلال. الرابع- أنه سبحانه وتعالى، قال في الآية نفسها: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وهذا صريح في إبطال التقليد والمنع من رد المتنازع فيه إلى رأي أو مذهب أو تقليد. فإن قيل: فما هي طاعتهم المختصة بهم؟
فإن كانت الطاعة فيما يخبرون به عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، كانت الطاعة لله ورسوله ﷺ لا لهم. قيل: هذا هو الحق. وطاعتهم إنما هي تبع لا استقلال. ولهذا قرنها بطاعة الرسول. وأعاد العامل لئلا يتوهم أنه إنما يطاع تبعا كما يطاع أولو الأمر تبعا. وليس كذلك. بل طاعته واجبة استقلالا. كان، ما أمر به أو نهى عنه في القرآن، أو لم يكن. انتهى.
وقال رحمه الله تعالى قبل ذلك: إن فرقة التقليد قد ارتكبت مخالفة أمر الله تعالى وأمر رسوله ﷺ وهدي أصحابه وأحوال أئمتهم. وسلكوا ضد طريق أهل العلم. أما أمر الله تعالى، فإنه أمر أن يرد ما تنازع فيه المسلمون إليه وإلى رسوله.
والمقلدون قالوا: إنما نردّه إلى من قلدناه. وأما أمر رسوله فإنه ﷺ أمر عند الاختلاف بالأخذ بسنته وسنة خلفائه الراشدين المهديين، وأمر أن يتمسك بها ويعض عليها بالنواجذ. وقال المقلدون: بل عند الاختلاف نتمسك بقول من قلدناه ونقدمه على كل ما عداه. وأما هدي الصحابة رضي الله عنهم فمن المعلوم بالضرورة أنه لم يكن
190
شخص واحد يقلد رجلا في جميع أقواله ويخالف من عداه من الصحابة بحيث لا يرد من أقواله شيئا ولا يقبل من أقوالهم شيئا. وهذا من أعظم البدع وأقبح الحوادث. وأما مخالفتهم لأئمتهم فإن الأئمة نهوا عن تقليدهم وحذروا منه. كما تقدم ذكر بعض ذلك عنهم وضبطها والنظر فيها وعرضها على القرآن والسنن الثابتة عن رسول الله ﷺ وأقوال خلفائه الراشدين. فما وافق ذلك منها قبلوه ودانوا الله تعالى به. وقبضوا به وأفتوا به. وما خالف ذلك منها لم يلتفتوا إليه وردوه. وما لم يتبين لهم كان عندهم من مسائل الاجتهاد التي غايتها أن تكون سائغة الاتّباع لا واجبة الاتّباع. من غير أن يلزموا بها أحدا ولا يقولوا إنها الحق دون ما خالفها. هذه طريقة أهل العلم سلفا وخلفا. وأما هؤلاء الخلف فعكسوا الطريق وقلبوا أوضاع الدين. فزيفوا كتاب الله سبحانه وسنة رسوله ﷺ وأقوال خلفائه وجميع أصحابه، وعرضوها على أقوال من قلدوه، فما وافقها منها قالوا: لنا وانقادوا له مذعنين. وما خالف أقوال متبوعهم منها قالوا: احتج الخصم بكذا وكذا. ولم يقبلوه ولم يدينوا به. واحتال فضلاؤهم في ردها بكل ممكن. وتطلبوا لها وجوه الحيل التي يرونها. حتى إذا كانت موافقة لمذهبهم، وكانت تلك الوجوه بعينها قائمة فيها، شنعوا على منازعهم وأنكروا عليهم ردها بمثل تلك الوجوه بعينها. وقالوا: لا تردّ النصوص بهذا. ومن له همة تسمو إلى الله ومرضاته، ونصر الحق الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أين كان ومع من كان، لا يرضى لنفسه بمثل هذا المسلك الوخيم والخلق الذميم. انتهى.
الثالث- إن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ أي فوّضوا علمه إلى الله واسكتوا عنه ولا تتعرضوا له؟ وأيضا، لم لا يجوز أن يكون المراد فردوا هذه الأحكام إلى البراءة الأصلية؟ قلنا: أما الأول فمدفوع. وذلك لأن هذه الآية دلت على أنه تعالى جعل الوقائع قسمين: منها ما يكون حكمها منصوصا عليه. ومنها ما لا يكون كذلك. ثم أمر في القسم الأول بالطاعة والانقياد. وأمر في القسم الثاني بالاجتهاد فيه، وهو الرد إلى الله وإلى الرسول. ولا يجوز أن يكون المراد بهذا الردّ السكوت، لأن الواقعة ربما كانت لا تحتمل ذلك. بل لا بد من قطع الشغب والخصومة فيها، بنفي أو إثبات. وإذا كان كذلك امتنع حمل الرد إلى الله، على السكوت عن تلك الواقعة. وأما السؤال الثاني- فجوابه أن البراءة الأصلية معلومة بحكم العقل. فلا يكون رد الواقعة إليها ردا إلى الله بوجه من الوجوه. أما إذا رددنا حكم الواقعة إلى الأحكام المنصوص عليها، كان هذا ردا للواقعة على أحكام
الثالث- إن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ أي فوّضوا علمه إلى الله واسكتوا عنه ولا تتعرضوا له؟ وأيضا، لم لا يجوز أن يكون المراد فردوا هذه الأحكام إلى البراءة الأصلية؟ قلنا: أما الأول فمدفوع. وذلك لأن هذه الآية دلت على أنه تعالى جعل الوقائع قسمين: منها ما يكون حكمها منصوصا عليه. ومنها ما لا يكون كذلك. ثم أمر في القسم الأول بالطاعة والانقياد. وأمر في القسم الثاني بالاجتهاد فيه، وهو الرد إلى الله وإلى الرسول. ولا يجوز أن يكون المراد بهذا الردّ السكوت، لأن الواقعة ربما كانت لا تحتمل ذلك. بل لا بد من قطع الشغب والخصومة فيها، بنفي أو إثبات. وإذا كان كذلك امتنع حمل الرد إلى الله، على السكوت عن تلك الواقعة. وأما السؤال الثاني- فجوابه أن البراءة الأصلية معلومة بحكم العقل. فلا يكون رد الواقعة إليها ردا إلى الله بوجه من الوجوه. أما إذا رددنا حكم الواقعة إلى الأحكام المنصوص عليها، كان هذا ردا للواقعة على أحكام
191
الله تعالى. فكان حمل اللفظ على هذا الوجه أولى: أفاده الرازيّ.
الرابع- استدل مثبتو القياس بقوله تعالى فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ إلخ قالوا: معنى الآية: فإن تنازعتم في شيء حكمه غير مذكور في الكتاب والسنة، فردوا حكمه إلى الأحكام المنصوصة في الوقائع المشابهة له. وذلك هو القياس. قالوا: ولو كان المراد من قوله تعالى فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ طلب حكمه من نصوص الكتاب والسنة- لكان داخلا تحت قوله أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وهو إعادة لعين ماضي (كذا) وهو غير جائز. وقد توسع الرازيّ في تقرير ذلك هاهنا، كما توسع في أن قوله تعالى (وأولي الأمر) إشارة إلى الإجماع. فتكون الآية، بزعمه، دلت على الأصول الأربع.
ولا يخفى ما في هذا التعمق من دقيق الاستنباط.
الخامس- قدمنا رواية البخاريّ في سبب نزول هذه الآية. وأن ابن عباس قال:
نزلت في عبد الله بن حذافة.
قال الداوديّ (شارح الصحيح) : هذا وهم على ابن عباس. فإن عبد الله بن حذافة خرج على جيش فغضب عليهم. فأمرهم أن يوقدوا نارا ويقتحموها. فامتنع بعض وهم بعض أن يفعل.
قال: فإن كانت الآية نزلت قبل، فكيف يخص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره؟ وإن كانت نزلت بعد فإنما قيل لهم: إنما الطاعة في المعروف، وما قيل لهم:
لم لم تطيعوه؟ انتهى.
وأجاب الحافظ ابن حجر: أي المقصود في قصته قوله فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ لأنهم تنازعوا في امتثال ما أمرهم به. وسببه أن الذين هموا أن يعطوه وقفوا عند امتثال الأمر بالطاعة. والذين امتنعوا عارضه عندهم الفرار من النار. فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع. وهو الرد إلى الله وإلى رسوله. أي: إن تنازعتم في جواز الشيء وعدم جوازه فارجعوا إلى الكتاب والسنة.
والله أعلم.
ولما أوجب تعالى على جميع المكلفين أن يطيعوا الله ورسوله، آثرها بأن المنافقين والذين في قلوبهم مرض لا يطيعون الرسول ولا يرضون بحكمه، وإنما يريدون حكم غيره، فقال:
الرابع- استدل مثبتو القياس بقوله تعالى فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ إلخ قالوا: معنى الآية: فإن تنازعتم في شيء حكمه غير مذكور في الكتاب والسنة، فردوا حكمه إلى الأحكام المنصوصة في الوقائع المشابهة له. وذلك هو القياس. قالوا: ولو كان المراد من قوله تعالى فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ طلب حكمه من نصوص الكتاب والسنة- لكان داخلا تحت قوله أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وهو إعادة لعين ماضي (كذا) وهو غير جائز. وقد توسع الرازيّ في تقرير ذلك هاهنا، كما توسع في أن قوله تعالى (وأولي الأمر) إشارة إلى الإجماع. فتكون الآية، بزعمه، دلت على الأصول الأربع.
ولا يخفى ما في هذا التعمق من دقيق الاستنباط.
الخامس- قدمنا رواية البخاريّ في سبب نزول هذه الآية. وأن ابن عباس قال:
نزلت في عبد الله بن حذافة.
قال الداوديّ (شارح الصحيح) : هذا وهم على ابن عباس. فإن عبد الله بن حذافة خرج على جيش فغضب عليهم. فأمرهم أن يوقدوا نارا ويقتحموها. فامتنع بعض وهم بعض أن يفعل.
قال: فإن كانت الآية نزلت قبل، فكيف يخص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره؟ وإن كانت نزلت بعد فإنما قيل لهم: إنما الطاعة في المعروف، وما قيل لهم:
لم لم تطيعوه؟ انتهى.
وأجاب الحافظ ابن حجر: أي المقصود في قصته قوله فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ لأنهم تنازعوا في امتثال ما أمرهم به. وسببه أن الذين هموا أن يعطوه وقفوا عند امتثال الأمر بالطاعة. والذين امتنعوا عارضه عندهم الفرار من النار. فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع. وهو الرد إلى الله وإلى رسوله. أي: إن تنازعتم في جواز الشيء وعدم جوازه فارجعوا إلى الكتاب والسنة.
والله أعلم.
ولما أوجب تعالى على جميع المكلفين أن يطيعوا الله ورسوله، آثرها بأن المنافقين والذين في قلوبهم مرض لا يطيعون الرسول ولا يرضون بحكمه، وإنما يريدون حكم غيره، فقال:
192
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦٠]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعني القرآن وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يعني التوراة. ووصفهم بادعاء الإيمان بالقرآن وبما أنزل من قبله، لتأكيد العجيب من حالهم وتشديد التوبيخ والاستقباح، ببيان كمال المباينة بين دعواهم المقتضية حتما للتحاكم إلى الرسول، وبين ما صدر عنهم من مخالفة الأمر المحتوم يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ الداعي إلى الطغيان بالحكم على خلاف المنزل إليك والمنزل على من قبلك. وتقدم قريبا معاني الطاغوت. والمراد به هاهنا ما سوى كتاب الله وسنة رسوله، من الباطل وَقَدْ أُمِرُوا في جميع تلك الكتب أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ أي يتبرؤوا منه. لأنه تحاكم على خلاف ما أنزل الله في كتبه فيعصونه ويطيعون الشيطان وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أي من الجن والإنس أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً عن الحق والهدى. وقوله وَيُرِيدُ إلخ عطف على (يريدون) داخل في حكم التعجيب. فإن اتباعهم لمن يريد إضلالهم وإعراضهم عمن يريد هدايتهم، أعجب من كل عجيب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦١]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ أي: إلى حكم ما أنزل الله في القرآن الذي تدعون الإيمان به وَإِلَى الرَّسُولِ أي: حكمه رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ أي يمنعون خصومهم فيبعدونهم عَنْكَ صُدُوداً بليغا ليتمكنوا مما يريدونه بالرشوة.
وقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ إلخ تكملة لمادة التعجيب ببيان إعراضهم صريحا عن التحاكم إلى كتاب الله تعالى ورسوله، إثر بيان إعراضهم عن ذلك في ضمن التحاكم إلى الطاغوت. وإظهار (المنافقين) في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بالنفاق.
وذمهم به. والإشعار بعلة الحكم.
تنبيه- في سبب نزولها
أخرج ابن أبي حاتم والطبرانيّ بسند صحيح عن ابن عباس قال: كان أبو برزة
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعني القرآن وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يعني التوراة. ووصفهم بادعاء الإيمان بالقرآن وبما أنزل من قبله، لتأكيد العجيب من حالهم وتشديد التوبيخ والاستقباح، ببيان كمال المباينة بين دعواهم المقتضية حتما للتحاكم إلى الرسول، وبين ما صدر عنهم من مخالفة الأمر المحتوم يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ الداعي إلى الطغيان بالحكم على خلاف المنزل إليك والمنزل على من قبلك. وتقدم قريبا معاني الطاغوت. والمراد به هاهنا ما سوى كتاب الله وسنة رسوله، من الباطل وَقَدْ أُمِرُوا في جميع تلك الكتب أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ أي يتبرؤوا منه. لأنه تحاكم على خلاف ما أنزل الله في كتبه فيعصونه ويطيعون الشيطان وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أي من الجن والإنس أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً عن الحق والهدى. وقوله وَيُرِيدُ إلخ عطف على (يريدون) داخل في حكم التعجيب. فإن اتباعهم لمن يريد إضلالهم وإعراضهم عمن يريد هدايتهم، أعجب من كل عجيب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦١]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ أي: إلى حكم ما أنزل الله في القرآن الذي تدعون الإيمان به وَإِلَى الرَّسُولِ أي: حكمه رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ أي يمنعون خصومهم فيبعدونهم عَنْكَ صُدُوداً بليغا ليتمكنوا مما يريدونه بالرشوة.
وقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ إلخ تكملة لمادة التعجيب ببيان إعراضهم صريحا عن التحاكم إلى كتاب الله تعالى ورسوله، إثر بيان إعراضهم عن ذلك في ضمن التحاكم إلى الطاغوت. وإظهار (المنافقين) في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بالنفاق.
وذمهم به. والإشعار بعلة الحكم.
تنبيه- في سبب نزولها
أخرج ابن أبي حاتم والطبرانيّ بسند صحيح عن ابن عباس قال: كان أبو برزة
193
الأسلميّ كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه. فتنافر إليه ناس من المسلمين.
فأنزل الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا. إلى قوله- إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً.
أقول: ثم أسلم أبو برزة وصحب النبيّ صلى الله عليه وسلم. واسمه نضلة بن عبيد.
قال الحافظ ابن حجر في (التقريب) : صحابيّ مشهور بكنيته. أسلم قبل الفتح. وغزا سبع غزوات. ثم نزل البصرة. وغزا خراسان ومات بها سنة خمس وستين على الصحيح. انتهى.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة، أو سعيد، عن ابن عباس قال: كان الجلاس بن الصامت ومعتب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشر يدّعون الإسلام. فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين، في خصومة كانت بينهم، إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فدعوهم إلى الكهان، حكام الجاهلية. فأنزل الله فيهم أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ... الآية.
وأخرج ابن جرير عن الشعبيّ قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة. فقال اليهوديّ: أحاكمك إلى أهل دينك، أو قال: إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
لأنه قد علم أن لا يأخذ الرشوة في الحكم. فاختلفا. واتفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة. فنزلت. ولا تعارض. لما أسلفناه في المقدمة في بحث سبب النزول. فتذكر.
قال أبو مسلم الأصفهاني: ظاهر الآية يدل على أنه كان منافقا من أهل الكتاب. مثل: إنه كان يهوديّا فأظهر الإسلام على سبيل النفاق. لأن قوله تعالى يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ إنما يليق بمثل هذا المنافق. انتهى.
أقول: ما استظهره مناف لما أسلفناه مما روي في نزولها. على أن توصيفهم بالإيمان ب (ما أنزل من قبل) لا يؤيد ما ذكره. لأن هذا كثيرا ما يذكر تنويها به وتثبيتا لركنيته في الإيمان. وتذكيرا له. كما لا يخفى على من سبر قاعدة التنزيل في أمثاله. فاعرفه.
مباحث
الأول- قال الحافظ ابن كثير: هذه الآية إنكار من الله عز وجل على من يدّعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين. وهو مع ذلك، يريد أن يتحاكم، في فصل الخصومات، إلى غير كتاب الله وسنة رسوله. كما ذكر في سبب
فأنزل الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا. إلى قوله- إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً.
أقول: ثم أسلم أبو برزة وصحب النبيّ صلى الله عليه وسلم. واسمه نضلة بن عبيد.
قال الحافظ ابن حجر في (التقريب) : صحابيّ مشهور بكنيته. أسلم قبل الفتح. وغزا سبع غزوات. ثم نزل البصرة. وغزا خراسان ومات بها سنة خمس وستين على الصحيح. انتهى.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة، أو سعيد، عن ابن عباس قال: كان الجلاس بن الصامت ومعتب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشر يدّعون الإسلام. فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين، في خصومة كانت بينهم، إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فدعوهم إلى الكهان، حكام الجاهلية. فأنزل الله فيهم أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ... الآية.
وأخرج ابن جرير عن الشعبيّ قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة. فقال اليهوديّ: أحاكمك إلى أهل دينك، أو قال: إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
لأنه قد علم أن لا يأخذ الرشوة في الحكم. فاختلفا. واتفقا على أن يأتيا كاهنا في جهينة. فنزلت. ولا تعارض. لما أسلفناه في المقدمة في بحث سبب النزول. فتذكر.
قال أبو مسلم الأصفهاني: ظاهر الآية يدل على أنه كان منافقا من أهل الكتاب. مثل: إنه كان يهوديّا فأظهر الإسلام على سبيل النفاق. لأن قوله تعالى يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ إنما يليق بمثل هذا المنافق. انتهى.
أقول: ما استظهره مناف لما أسلفناه مما روي في نزولها. على أن توصيفهم بالإيمان ب (ما أنزل من قبل) لا يؤيد ما ذكره. لأن هذا كثيرا ما يذكر تنويها به وتثبيتا لركنيته في الإيمان. وتذكيرا له. كما لا يخفى على من سبر قاعدة التنزيل في أمثاله. فاعرفه.
مباحث
الأول- قال الحافظ ابن كثير: هذه الآية إنكار من الله عز وجل على من يدّعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين. وهو مع ذلك، يريد أن يتحاكم، في فصل الخصومات، إلى غير كتاب الله وسنة رسوله. كما ذكر في سبب
194
نزول هذه الآية. ثم ساق ما قدمناه وقال: الآية أعم من ذلك كله. فإنها ذامّة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل. وهو المراد ب (الطاغوت) هاهنا، وأعرضوا كالمستكبرين كما قال تعالى عن المشركين وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا [البقرة: ١٧٠]، وهؤلاء بخلاف المؤمنين الذين قال الله فيهم إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا... [النور: ٥١]، الآية.
الثاني- قال القاضي: يجب أن يكون التحاكم إلى هذا الطاغوت كالكفر.
وعدم الرضا بحكم محمد ﷺ كفر. ويدل عليه وجوه: الأول- أنه تعالى قال يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ فجعل التحاكم إلى الطاغوت يكون إيمانا به. ولا شك أن الإيمان بالطاغوت كفر بالله. كما أن الكفر بالطاغوت إيمان بالله. الثاني- قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ... إلى قوله: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء: ٦٥]، وهذا نص في تكفير من لم يرض بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثالث- قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [النور: ٦٣]، وهذا يدل على أن مخالفته معصية عظيمة.
وفي هذه الآيات دلائل على أن من رد شيئا من أوامر الله أو أوامر الرسول ﷺ فهو خارج عن الإسلام. سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد. وذلك يوجب صحة ما ذهبت الصحابة إليه من الحكم بارتداد مانعي الزكاة وقتلهم وسبي ذراريّهم. نقله الرازي.
الرابع- قال بعض المفسرين: في هذه الآية وجوب الرضا بقضاء الله سبحانه.
والرضا بما شرعه. وتدل على أنه لا يجوز التحاكم إلى غير شريعة الإسلام.
قال الحاكم: وتدل على أن من لم يرض بحكمه كفر. وما ورد من فعل عمر وقتله المنافق يدل على أن دمه هدر. لا قصاص فيه ولا دية.
وهاهنا فرع. وهو أن يقال: إذا تحاكم رجلان في أمر فرضي أحدهما بحكم المسلمين وأبى الثاني. وطلب المحاكمة إلى حاكم الملاحدة. فإنه يكفر. لأن في ذلك رضا بشعار الكفرة. انتهى.
الخامس- في قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا دقيقة بديعة. قال أبو السعود: الاقتصار في معرض التعجب والاستقباح على ذكر إرادة التحاكم، دون
الثاني- قال القاضي: يجب أن يكون التحاكم إلى هذا الطاغوت كالكفر.
وعدم الرضا بحكم محمد ﷺ كفر. ويدل عليه وجوه: الأول- أنه تعالى قال يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ فجعل التحاكم إلى الطاغوت يكون إيمانا به. ولا شك أن الإيمان بالطاغوت كفر بالله. كما أن الكفر بالطاغوت إيمان بالله. الثاني- قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ... إلى قوله: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء: ٦٥]، وهذا نص في تكفير من لم يرض بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثالث- قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [النور: ٦٣]، وهذا يدل على أن مخالفته معصية عظيمة.
وفي هذه الآيات دلائل على أن من رد شيئا من أوامر الله أو أوامر الرسول ﷺ فهو خارج عن الإسلام. سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد. وذلك يوجب صحة ما ذهبت الصحابة إليه من الحكم بارتداد مانعي الزكاة وقتلهم وسبي ذراريّهم. نقله الرازي.
الرابع- قال بعض المفسرين: في هذه الآية وجوب الرضا بقضاء الله سبحانه.
والرضا بما شرعه. وتدل على أنه لا يجوز التحاكم إلى غير شريعة الإسلام.
قال الحاكم: وتدل على أن من لم يرض بحكمه كفر. وما ورد من فعل عمر وقتله المنافق يدل على أن دمه هدر. لا قصاص فيه ولا دية.
وهاهنا فرع. وهو أن يقال: إذا تحاكم رجلان في أمر فرضي أحدهما بحكم المسلمين وأبى الثاني. وطلب المحاكمة إلى حاكم الملاحدة. فإنه يكفر. لأن في ذلك رضا بشعار الكفرة. انتهى.
الخامس- في قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا دقيقة بديعة. قال أبو السعود: الاقتصار في معرض التعجب والاستقباح على ذكر إرادة التحاكم، دون
195
نفسه، مع وقوعه أيضا- للتنبيه على أن إرادته مما يقضي منه العجب ولا ينبغي أن يدخل تحت الوقوع، فما ظنك بنفسه؟
السادس- قال المفسرون: إنما صد المنافقون عن حكم الرسول ﷺ لأنهم كانوا ظالمين. وعلموا أنه لا يأخذ الرشا. وأنه لا يحكم إلا بمرّ الحكم. وقيل: كان ذلك الصدّ لعداوتهم في الدين. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦٢]
فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢)
فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ متصل بما قبله، مبين غائلة جناياتهم المحكية ووخامة عاقبتها. أي كيف يكون حالهم إذا ساقتهم التقادير إليك، في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم، التي منها المحاكمة إلى الطاغوت والكراهة لحكمك، واحتاجوا إليك في ذلك ثُمَّ جاؤُكَ للاعتذار عما صنعوا من القبائح يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ كذبا إِنْ أَرَدْنا أي ما أردنا بذلك التحاكم إِلَّا إِحْساناً أي فصلا بالوجه الحسن وَتَوْفِيقاً بالصلح بين الخصمين. ولم نرد مخالفة لك ولا تسخطا لحكمك. فلا تؤاخذنا بما فعلنا. وهذا وعيد لهم على ما فعلوا. وأنهم سيندمون عليه حين لا ينفعهم الندم. ولا يغني عنهم الاعتذار.
قال الرازيّ: ذكروا في تفسير قوله تعالى أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ وجوها: الأول- إن المراد منه قتل عمر صاحبهم الذي أقرّ أنه لا يرضى بحكم الرسول عليه السلام.
فهم جاءوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فطالبوا عمر بدمه. وحلفوا أنهم ما أرادوا بالذهاب إلى غير الرسول إلا المصلحة. وهذا اختيار الزجاج.
قلت: واختياره غير مختار. لأن قصة قتل عمر لم ترو من طريق صحيح ولا حسن. فهي ساقطة عند المحققين. واستدلال الحاكم، الذي قدمناه، مسلم. لو صحّت. الثاني- قال أبو عليّ الجبائيّ: المراد من هذه المصيبة ما أمر الله تعالى الرسول عليه الصلاة والسلام من أنه لا يستصحبهم في الغزوات. وأنه يخصهم بمزيد الإذلال والطرد عن حضرته. وهو قوله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ، أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الأحزاب: ٦٠- ٦١] وقوله فَقُلْ لَنْ
السادس- قال المفسرون: إنما صد المنافقون عن حكم الرسول ﷺ لأنهم كانوا ظالمين. وعلموا أنه لا يأخذ الرشا. وأنه لا يحكم إلا بمرّ الحكم. وقيل: كان ذلك الصدّ لعداوتهم في الدين. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦٢]
فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢)
فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ متصل بما قبله، مبين غائلة جناياتهم المحكية ووخامة عاقبتها. أي كيف يكون حالهم إذا ساقتهم التقادير إليك، في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم، التي منها المحاكمة إلى الطاغوت والكراهة لحكمك، واحتاجوا إليك في ذلك ثُمَّ جاؤُكَ للاعتذار عما صنعوا من القبائح يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ كذبا إِنْ أَرَدْنا أي ما أردنا بذلك التحاكم إِلَّا إِحْساناً أي فصلا بالوجه الحسن وَتَوْفِيقاً بالصلح بين الخصمين. ولم نرد مخالفة لك ولا تسخطا لحكمك. فلا تؤاخذنا بما فعلنا. وهذا وعيد لهم على ما فعلوا. وأنهم سيندمون عليه حين لا ينفعهم الندم. ولا يغني عنهم الاعتذار.
قال الرازيّ: ذكروا في تفسير قوله تعالى أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ وجوها: الأول- إن المراد منه قتل عمر صاحبهم الذي أقرّ أنه لا يرضى بحكم الرسول عليه السلام.
فهم جاءوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فطالبوا عمر بدمه. وحلفوا أنهم ما أرادوا بالذهاب إلى غير الرسول إلا المصلحة. وهذا اختيار الزجاج.
قلت: واختياره غير مختار. لأن قصة قتل عمر لم ترو من طريق صحيح ولا حسن. فهي ساقطة عند المحققين. واستدلال الحاكم، الذي قدمناه، مسلم. لو صحّت. الثاني- قال أبو عليّ الجبائيّ: المراد من هذه المصيبة ما أمر الله تعالى الرسول عليه الصلاة والسلام من أنه لا يستصحبهم في الغزوات. وأنه يخصهم بمزيد الإذلال والطرد عن حضرته. وهو قوله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ، أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الأحزاب: ٦٠- ٦١] وقوله فَقُلْ لَنْ
تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً
[التوبة: ٨٣] وبالجملة، فأمثال هذه الآيات توجب لهم الذل العظيم. فكانت معدودة في مصائبهم. وإنما يصيبهم ذلك لأجل نفاقهم.
الثالث- قال أبو مسلم الأصفهانيّ: إنه تعالى لمّا أخبر عن المنافقين أنهم رغبوا في حكم الطاغوت وكرهوا حكم الرسول، بشّر الرسول ﷺ أنه ستصيبهم مصائب تلجئهم إليه وإلى أن يظهروا له الإيمان به، وإلى أن يحلفوا بأن مرادهم الإحسان والتوفيق. قال: ومن عادة العرب عند التبشير والإنذار أن يقولوا: كيف أنت إذا كان كذا وكذا؟ ومثاله. قوله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [النساء: ٤١]، وقوله فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ [آل عمران: ٢٥].
ثم أمره تعالى، إذا كان منهم ذلك، أن يعرض عنهم ويعظهم. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦٣]
أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (٦٣)
أُولئِكَ إشارة إلى المنافقين الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ من النفاق والميل إلى الباطل وإن أظهروا إسلامهم وعذرهم بحلفهم فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أي لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم ولا تزد على كفهم، بالموعظة والنصيحة عما هم عليه وَعِظْهُمْ أي ازجرهم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً أي مؤثرا وأصلا إلى كنه المراد. فإن قيل: بم تعلق قوله تعالى فِي أَنْفُسِهِمْ؟ فالجواب: بقوله بَلِيغاً على رأي من يجيز تقديم معمول الصفة على الموصوف. أي قل لهم قولا بليغا في أنفسهم مؤثرا في قلوبهم يغتمون به اغتماما.
ويستشعرون منه الخوف استشعارا. وهو التوعد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق وأطلع قرنه. وأخبرهم أن ما في نفوسهم من الدغل والنفاق، معلوم عند الله.
وإنه لا فرق بينكم وبين المشركين. وما هذه المكافّة إلا لإظهاركم الإيمان وإسراركم الكفر وإضماره. فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيف. أو يتعلق بقوله قُلْ لَهُمْ أي: قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النّفاق، قولا بليغا. وإن الله يعلم ما في قلوبكم. لا يخفى عليه. فلا يغني عنكم إبطانه فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم وداووها من مرض النفاق. وإلا أنزل الله بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك، من انتقامه، وشرّا من ذلك وأغلظ. أو قل لهم في أنفسهم خاليا بهم، ليس معهم غيرهم، مسارّا لهم بالنصيحة، لأنها في السر أنجع وفي الإمحاض
[التوبة: ٨٣] وبالجملة، فأمثال هذه الآيات توجب لهم الذل العظيم. فكانت معدودة في مصائبهم. وإنما يصيبهم ذلك لأجل نفاقهم.
الثالث- قال أبو مسلم الأصفهانيّ: إنه تعالى لمّا أخبر عن المنافقين أنهم رغبوا في حكم الطاغوت وكرهوا حكم الرسول، بشّر الرسول ﷺ أنه ستصيبهم مصائب تلجئهم إليه وإلى أن يظهروا له الإيمان به، وإلى أن يحلفوا بأن مرادهم الإحسان والتوفيق. قال: ومن عادة العرب عند التبشير والإنذار أن يقولوا: كيف أنت إذا كان كذا وكذا؟ ومثاله. قوله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [النساء: ٤١]، وقوله فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ [آل عمران: ٢٥].
ثم أمره تعالى، إذا كان منهم ذلك، أن يعرض عنهم ويعظهم. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦٣]
أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (٦٣)
أُولئِكَ إشارة إلى المنافقين الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ من النفاق والميل إلى الباطل وإن أظهروا إسلامهم وعذرهم بحلفهم فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أي لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم ولا تزد على كفهم، بالموعظة والنصيحة عما هم عليه وَعِظْهُمْ أي ازجرهم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً أي مؤثرا وأصلا إلى كنه المراد. فإن قيل: بم تعلق قوله تعالى فِي أَنْفُسِهِمْ؟ فالجواب: بقوله بَلِيغاً على رأي من يجيز تقديم معمول الصفة على الموصوف. أي قل لهم قولا بليغا في أنفسهم مؤثرا في قلوبهم يغتمون به اغتماما.
ويستشعرون منه الخوف استشعارا. وهو التوعد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق وأطلع قرنه. وأخبرهم أن ما في نفوسهم من الدغل والنفاق، معلوم عند الله.
وإنه لا فرق بينكم وبين المشركين. وما هذه المكافّة إلا لإظهاركم الإيمان وإسراركم الكفر وإضماره. فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيف. أو يتعلق بقوله قُلْ لَهُمْ أي: قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النّفاق، قولا بليغا. وإن الله يعلم ما في قلوبكم. لا يخفى عليه. فلا يغني عنكم إبطانه فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم وداووها من مرض النفاق. وإلا أنزل الله بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك، من انتقامه، وشرّا من ذلك وأغلظ. أو قل لهم في أنفسهم خاليا بهم، ليس معهم غيرهم، مسارّا لهم بالنصيحة، لأنها في السر أنجع وفي الإمحاض
أدخل قَوْلًا بَلِيغاً يبلغ منهم ويؤثر فيهم. كذا يستفاد من الكشاف.
قال الناصر في (الانتصاف) ولكل من هذه التأويلات شاهد على الصحة. أما الأول. فلأن حاصله أمره بتهديدهم على وجه مبلغ صميم قلوبهم. وسياق التهديد في قوله فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يشهد له. فإنه أخبر بما سيقع لهم على سبيل التهديد. وأما الثاني- فيلائمه من السياق قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ يعني ما انطوت عليه من الخبث والمكر والحيل. ثم أمره بوعظهم والإعراض عن جرائمهم حتى لا تكون مؤاخذتهم بها مانعة من نصحهم ووعظهم. ثم جاء قوله وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً كالشرح للوعظ ولذكر أهم ما يعظهم فيه. وتلك نفوسهم التي علم الله ما انطوت عليه من المذامّ. وعلى هذا يكون المراد الوعظ وما يتعلق به. وأما الثالث- فيشهد له سيرته عليه الصلاة والسلام في كتم عناد المنافقين، والتجافي عن إفصاحهم والستر عليهم، حتى عدّ حذيفة رضي الله عنه، صاحب سره عليه الصلاة والسلام. لتخصيصه إياه بالاطلاع على أعيانهم وتسميتهم له بأسمائهم. وأخباره في هذا المعنى كثيرة.
تنبيه:
قال بعض المفسرين: وثمرة الآية قبح الرياء والنفاق واليمين الكاذبة والعذر الكاذب. لأنهم اعتذروا بإرادتهم الإحسان. وذلك كذب. ثم قال: ودلت الآية على لزوم الوعظ والمبالغة فيه. انتهى. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦٤]
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤)
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ كلام مبتدأ. جيء به تمهيدا لبيان خطئهم في ترك طاعة الرسول، والاشتغال بسر جنايتهم بالاعتذار بالأباطيل وعدم تلافيها بالتوبة. أي: وما أرسلنا رسولا إلا ليطاع فيما حكم، لا ليطلب الحكم من غيره. فطاعته فرض على من أرسل إليهم. وإنكار فرضيتها كفر.
وقوله بِإِذْنِ اللَّهِ أي: بسبب إذنه في طاعته، وبأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه ويتبعوه، لأنه مؤدّ عن الله. فطاعته طاعة الله. ومعصيته معصية الله مَنْ
قال الناصر في (الانتصاف) ولكل من هذه التأويلات شاهد على الصحة. أما الأول. فلأن حاصله أمره بتهديدهم على وجه مبلغ صميم قلوبهم. وسياق التهديد في قوله فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يشهد له. فإنه أخبر بما سيقع لهم على سبيل التهديد. وأما الثاني- فيلائمه من السياق قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ يعني ما انطوت عليه من الخبث والمكر والحيل. ثم أمره بوعظهم والإعراض عن جرائمهم حتى لا تكون مؤاخذتهم بها مانعة من نصحهم ووعظهم. ثم جاء قوله وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً كالشرح للوعظ ولذكر أهم ما يعظهم فيه. وتلك نفوسهم التي علم الله ما انطوت عليه من المذامّ. وعلى هذا يكون المراد الوعظ وما يتعلق به. وأما الثالث- فيشهد له سيرته عليه الصلاة والسلام في كتم عناد المنافقين، والتجافي عن إفصاحهم والستر عليهم، حتى عدّ حذيفة رضي الله عنه، صاحب سره عليه الصلاة والسلام. لتخصيصه إياه بالاطلاع على أعيانهم وتسميتهم له بأسمائهم. وأخباره في هذا المعنى كثيرة.
تنبيه:
قال بعض المفسرين: وثمرة الآية قبح الرياء والنفاق واليمين الكاذبة والعذر الكاذب. لأنهم اعتذروا بإرادتهم الإحسان. وذلك كذب. ثم قال: ودلت الآية على لزوم الوعظ والمبالغة فيه. انتهى. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦٤]
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤)
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ كلام مبتدأ. جيء به تمهيدا لبيان خطئهم في ترك طاعة الرسول، والاشتغال بسر جنايتهم بالاعتذار بالأباطيل وعدم تلافيها بالتوبة. أي: وما أرسلنا رسولا إلا ليطاع فيما حكم، لا ليطلب الحكم من غيره. فطاعته فرض على من أرسل إليهم. وإنكار فرضيتها كفر.
وقوله بِإِذْنِ اللَّهِ أي: بسبب إذنه في طاعته، وبأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه ويتبعوه، لأنه مؤدّ عن الله. فطاعته طاعة الله. ومعصيته معصية الله مَنْ
198
يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ
ويجوز أن يراد: بتيسير الله وتوفيقه في طاعته: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ هذا الظلم العظيم غاية العظم، إذ عرضوها لعذاب، على عذاب النفاق، بترك طاعتك والتحاكم إلى الطاغوت جاؤُكَ تائبين من النفاق متنصلين عما ارتكبوا فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ من ذلك وتابوا إليه تعالى من صنيعهم وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ أي دعا لهم بالمغفرة، فكان استغفاره شفاعة لقبول استغفارهم لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً أي قابلا لتوبتهم رَحِيماً أي متفضلا عليهم بالرحمة وراء قبول التوبة.
لطيفة:
قال الزمخشريّ: ولم يقل: واستغفرت لهم، وعدل عنه إلى طريقة الالتفات، تفخيما لشأن رسول الله ﷺ وتعظيما لاستغفاره وتنبيها على أن شفاعة من اسمه الرسول، من الله بمكان. قال في (الانتصاف) : وفي هذا النوع من الالتفات خصوصية. وهي اشتماله على ذكر صفة مناسبة لما أضيف إليه. وذلك زائد على الالتفات بذكر الأعلام الجامدة.
تنبيهات:
الأول- دلت الآية على أن توبة المنافق مقبولة عند الله وفاقا. وأما الظاهر فظاهر الآية قبولها. لأنه جعل النبيّ ﷺ مستغفرا لهم وشافعا. وعن الراضي بالله في (الباطنية) : إن أظهروا شبههم وما يعتادون كتمه، دل ذلك على صدق توبتهم.
فيقبل وإلا فلا. ودلت الآية على أن من تكررت منه المعصية والتوبة صحت توبته لقوله تعالى: تَوَّاباً وذلك ينبئ عن التكرار. كذا في بعض التفاسير.
الثاني- قال الرازيّ: لقائل أن يقول: أليس لو استغفروا الله وتابوا على وجه صحيح، لكانت توبتهم مقبولة؟ فما الفائدة في ضم استغفار الرسول إلى استغفارهم:
قلنا: الجواب عنه من وجوه: الأول- أن ذلك التحاكم إلى الطاغوت كان مخالفة لحكم الله. وكان أيضا إساءة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. ومن كان ذنبه كذلك وجب عليه الاعتذار عن ذلك الذنب لغيره. فلهذا المعنى وجب عليهم أن يطلبوا من الرسول أن يستغفر لهم. الثاني- إن القوم لما لم يرضوا بحكم الرسول، ظهر منهم ذلك التمرد. فإذا تابوا وجب عليهم أن يفعلوا ما يزيل عنهم ذلك التمرد. وما ذاك إلا بأن يذهبوا إلى الرسول ﷺ ويطلبوا منه الاستغفار.
الثالث- لعلهم إذا أتوا بالتوبة أتوا بها على وجه الخلل، فإذا انضم إليها استغفار الرسول صارت مستحقة للقبول. انتهى.
ويجوز أن يراد: بتيسير الله وتوفيقه في طاعته: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ هذا الظلم العظيم غاية العظم، إذ عرضوها لعذاب، على عذاب النفاق، بترك طاعتك والتحاكم إلى الطاغوت جاؤُكَ تائبين من النفاق متنصلين عما ارتكبوا فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ من ذلك وتابوا إليه تعالى من صنيعهم وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ أي دعا لهم بالمغفرة، فكان استغفاره شفاعة لقبول استغفارهم لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً أي قابلا لتوبتهم رَحِيماً أي متفضلا عليهم بالرحمة وراء قبول التوبة.
لطيفة:
قال الزمخشريّ: ولم يقل: واستغفرت لهم، وعدل عنه إلى طريقة الالتفات، تفخيما لشأن رسول الله ﷺ وتعظيما لاستغفاره وتنبيها على أن شفاعة من اسمه الرسول، من الله بمكان. قال في (الانتصاف) : وفي هذا النوع من الالتفات خصوصية. وهي اشتماله على ذكر صفة مناسبة لما أضيف إليه. وذلك زائد على الالتفات بذكر الأعلام الجامدة.
تنبيهات:
الأول- دلت الآية على أن توبة المنافق مقبولة عند الله وفاقا. وأما الظاهر فظاهر الآية قبولها. لأنه جعل النبيّ ﷺ مستغفرا لهم وشافعا. وعن الراضي بالله في (الباطنية) : إن أظهروا شبههم وما يعتادون كتمه، دل ذلك على صدق توبتهم.
فيقبل وإلا فلا. ودلت الآية على أن من تكررت منه المعصية والتوبة صحت توبته لقوله تعالى: تَوَّاباً وذلك ينبئ عن التكرار. كذا في بعض التفاسير.
الثاني- قال الرازيّ: لقائل أن يقول: أليس لو استغفروا الله وتابوا على وجه صحيح، لكانت توبتهم مقبولة؟ فما الفائدة في ضم استغفار الرسول إلى استغفارهم:
قلنا: الجواب عنه من وجوه: الأول- أن ذلك التحاكم إلى الطاغوت كان مخالفة لحكم الله. وكان أيضا إساءة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. ومن كان ذنبه كذلك وجب عليه الاعتذار عن ذلك الذنب لغيره. فلهذا المعنى وجب عليهم أن يطلبوا من الرسول أن يستغفر لهم. الثاني- إن القوم لما لم يرضوا بحكم الرسول، ظهر منهم ذلك التمرد. فإذا تابوا وجب عليهم أن يفعلوا ما يزيل عنهم ذلك التمرد. وما ذاك إلا بأن يذهبوا إلى الرسول ﷺ ويطلبوا منه الاستغفار.
الثالث- لعلهم إذا أتوا بالتوبة أتوا بها على وجه الخلل، فإذا انضم إليها استغفار الرسول صارت مستحقة للقبول. انتهى.
199
أقول: وثمة وجه رابع- وهو التنويه بشأن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن طاعته طاعته تعالى، فرضاه رضاه وسخطه سخطه.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦٥]
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥)
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ في السر ولا يستحقون اسم الإيمان في السر حَتَّى يُحَكِّمُوكَ يجعلوك حاكما ويترافعوا إليك فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ أي فيما اختلف بينهم من الأمور والتبس ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ في قلوبهم حَرَجاً أي ضيقا مِمَّا قَضَيْتَ بينهم وَيُسَلِّمُوا أي: ينقادوا لأمر ويذعنوا لحكمك تَسْلِيماً تأكيد للفعل. بمنزلة تكريره. أي تسليما تاما بظاهرهم وباطنهم من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة. كما ورد في الحديث: والذي نفسي بيده! لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به.
تنبيهات:
الأول-
روى البخاريّ «١» عن الزهريّ عن عروة قال: خاصم الزبير رجلا في شراج الحرة. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك. فقال الأنصاريّ: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله ﷺ ثم قال:
اسق يا زبير. ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر. ثم أرسل الماء إلى جارك».
واستوعى النبيّ ﷺ للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاريّ. وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة.
قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ.
قال ابن كثير: هكذا رواه البخاريّ في (كتاب التفسير) في (صحيحه) من حديث معمر. وفي كتاب (المساقاة) من حديث ابن جريج «٢» ومعمر «٣» أيضا. وفي
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٦٥]
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥)
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ في السر ولا يستحقون اسم الإيمان في السر حَتَّى يُحَكِّمُوكَ يجعلوك حاكما ويترافعوا إليك فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ أي فيما اختلف بينهم من الأمور والتبس ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ في قلوبهم حَرَجاً أي ضيقا مِمَّا قَضَيْتَ بينهم وَيُسَلِّمُوا أي: ينقادوا لأمر ويذعنوا لحكمك تَسْلِيماً تأكيد للفعل. بمنزلة تكريره. أي تسليما تاما بظاهرهم وباطنهم من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة. كما ورد في الحديث: والذي نفسي بيده! لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به.
تنبيهات:
الأول-
روى البخاريّ «١» عن الزهريّ عن عروة قال: خاصم الزبير رجلا في شراج الحرة. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك. فقال الأنصاريّ: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله ﷺ ثم قال:
اسق يا زبير. ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر. ثم أرسل الماء إلى جارك».
واستوعى النبيّ ﷺ للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاريّ. وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة.
قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ.
قال ابن كثير: هكذا رواه البخاريّ في (كتاب التفسير) في (صحيحه) من حديث معمر. وفي كتاب (المساقاة) من حديث ابن جريج «٢» ومعمر «٣» أيضا. وفي
(١) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٤- سورة النساء، ١٢- باب فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ، حديث ١١٨٠.
(٢) أخرجه البخاريّ في: المساقاة، ٨- باب شرب الأعلى إلى الكعبين.
(٣) أخرجه البخاريّ في: المساقاة، ٧- باب شرب الأعلى قبل الأسفل. [.....]
(٢) أخرجه البخاريّ في: المساقاة، ٨- باب شرب الأعلى إلى الكعبين.
(٣) أخرجه البخاريّ في: المساقاة، ٧- باب شرب الأعلى قبل الأسفل. [.....]
200
كتاب (الصلح) من حديث شعيب بن أبي حمزة «١». ثلاثتهم عن الزهريّ عن عروة فذكره. وصورته الإرسال وهو متصل في المعنى.
وقد رواه الإمام أحمد «٢» من هذا الوجه فصرّح بالإرسال فقال: حدثنا أبو اليمان. أخبرنا شعيب عن الزهريّ أخبرني عروة بن الزبير أن الزبير كان يحدث أنه كان يخاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا، إلى النبيّ ﷺ في شراج الحرّة. كان يستقيان بها كلاهما. فقال النبيّ ﷺ للزبير:
«اسق: ثم أرسل الماء إلى جارك. فغضب الأنصاريّ وقال يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال للزبير: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر». فاستوعى النبيّ ﷺ للزبير حقه. وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم، قبل ذلك، أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاريّ. فلما أحفظ الأنصاريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، استوعى النبيّ ﷺ للزبير حقه في صريح الحكم.
قال عروة: فقال الزبير: والله! ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
(هكذا رواه الإمام أحمد وهو منقطع بين عروة وبين أبيه الزبير فإنه لم يسمع منه. والذي يقطع به أنه سمعه من أخيه عبد الله. فإن أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رواه كذلك في (تفسيره). فقال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى. حدثنا ابن وهب. أخبرني الليث ويونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عبد الله بن الزبير حدثه عن الزبير بن العوام أنه خاصم رجلا... الحديث). قال ابن كثير:
وهكذا رواه النسائيّ «٣» من حديث ابن وهب به. ورواه أحمد والجماعة كلهم من حديث الليث به. وجعله أصحاب الأطراف في مسند عبد الله بن الزبير. وهكذا ساقه الإمام أحمد في مسند عبد الله بن الزبير. والله أعلم.
وروى ابن أبي حاتم عن الزهريّ عن سعيد بن المسيب في هذه الآية قال: نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة. اختصما في ماء. فقضى النبيّ ﷺ أن يسقى الأعلى ثم الأسفل.
وقد رواه الإمام أحمد «٢» من هذا الوجه فصرّح بالإرسال فقال: حدثنا أبو اليمان. أخبرنا شعيب عن الزهريّ أخبرني عروة بن الزبير أن الزبير كان يحدث أنه كان يخاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا، إلى النبيّ ﷺ في شراج الحرّة. كان يستقيان بها كلاهما. فقال النبيّ ﷺ للزبير:
«اسق: ثم أرسل الماء إلى جارك. فغضب الأنصاريّ وقال يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال للزبير: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر». فاستوعى النبيّ ﷺ للزبير حقه. وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم، قبل ذلك، أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاريّ. فلما أحفظ الأنصاريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، استوعى النبيّ ﷺ للزبير حقه في صريح الحكم.
قال عروة: فقال الزبير: والله! ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
(هكذا رواه الإمام أحمد وهو منقطع بين عروة وبين أبيه الزبير فإنه لم يسمع منه. والذي يقطع به أنه سمعه من أخيه عبد الله. فإن أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رواه كذلك في (تفسيره). فقال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى. حدثنا ابن وهب. أخبرني الليث ويونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عبد الله بن الزبير حدثه عن الزبير بن العوام أنه خاصم رجلا... الحديث). قال ابن كثير:
وهكذا رواه النسائيّ «٣» من حديث ابن وهب به. ورواه أحمد والجماعة كلهم من حديث الليث به. وجعله أصحاب الأطراف في مسند عبد الله بن الزبير. وهكذا ساقه الإمام أحمد في مسند عبد الله بن الزبير. والله أعلم.
وروى ابن أبي حاتم عن الزهريّ عن سعيد بن المسيب في هذه الآية قال: نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة. اختصما في ماء. فقضى النبيّ ﷺ أن يسقى الأعلى ثم الأسفل.
(١) أخرجه البخاريّ في: الصلح، ١٢- باب إذا أشار الإمام بالصلح فأبى حكم عليه بالحكم البيّن.
(٢) أخرجه في المسند ١/ ١٦٥، الحديث ١٤١٩.
(٣) أخرجه النسائي في: آداب القضاة، ١٩- باب الرخصة للحاكم الأمين أن يحكم وهو غضبان، و ٢٧- باب إشارة الحاكم بالرفق.
(٢) أخرجه في المسند ١/ ١٦٥، الحديث ١٤١٩.
(٣) أخرجه النسائي في: آداب القضاة، ١٩- باب الرخصة للحاكم الأمين أن يحكم وهو غضبان، و ٢٧- باب إشارة الحاكم بالرفق.
201
قال ابن كثير: هذا مرسل. لكن فيه فائدة تسمية الأنصاريّ. انتهى.
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : وحكى الواحديّ وشيخه الثعلبيّ والمهدويّ أنه حاطب بن أبي بلتعة. وتعقب بأن حاطبا، وإن كان بدريّا، لكنه من المهاجرين. لكن مستند ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عبد العزيز عن الزهريّ عن سعيد بن المسيّب في قوله تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ... الآية. قال: نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة.
اختصما في ماء... الحديث. وإسناده قويّ مع إرساله. فإن كان سعيد بن المسيب سمعه من الزبير، فيكون موصولا. وعلى هذا فيؤوّل قوله (من الأنصار) على إرادة المعنى الأعم. كما وقع ذلك في حق غير واحد كعبد الله بن حذافة. وأما قول الكرمانيّ بأن حاطبا كان حليفا للأنصار- ففيه نظر.
وأما قوله (من بني أمية بن زيد) فلعله كان مسكنه هناك، كعمر. ثم قال:
ويترشح بأن حاطبا كان حليفا لآل الزبير بن العوام من بني أسد وكأنه كان مجاورا للزبير. والله أعلم.
أقول: وقع في التفسير المنسوب لابن عباس، هاهنا، ذكر حاطب بن أبي بلتعة وتلقيبه بالمنافق وإدراجه تحت قوله تعالى رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ. وفي صحة هذا عن ابن عباس نظر. وكيف؟ وقد كان رضي الله عنه من البدريين. وقد انتفى النفاق عمن شهدها.
قال التوربشتيّ: يحتمل أنه أصدر ذلك منه بادرة النفس. كما وقع لغيره ممن صحت توبته. إذ لم تجر عادة السلف بوصف المنافقين بصفة النصرة التي هي المدح ولو شاركهم في النسب. قال: بل هي زلة من الشيطان تمكن به منها عند الغضب، وليس ذلك بمستنكر من غير المعصوم في تلك الحالة. انتهى.
ولما همّ عمر رضي الله عنه بضرب عنقه في قصة الظعينة «١»، قال حاطب: لا
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : وحكى الواحديّ وشيخه الثعلبيّ والمهدويّ أنه حاطب بن أبي بلتعة. وتعقب بأن حاطبا، وإن كان بدريّا، لكنه من المهاجرين. لكن مستند ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عبد العزيز عن الزهريّ عن سعيد بن المسيّب في قوله تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ... الآية. قال: نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة.
اختصما في ماء... الحديث. وإسناده قويّ مع إرساله. فإن كان سعيد بن المسيب سمعه من الزبير، فيكون موصولا. وعلى هذا فيؤوّل قوله (من الأنصار) على إرادة المعنى الأعم. كما وقع ذلك في حق غير واحد كعبد الله بن حذافة. وأما قول الكرمانيّ بأن حاطبا كان حليفا للأنصار- ففيه نظر.
وأما قوله (من بني أمية بن زيد) فلعله كان مسكنه هناك، كعمر. ثم قال:
ويترشح بأن حاطبا كان حليفا لآل الزبير بن العوام من بني أسد وكأنه كان مجاورا للزبير. والله أعلم.
أقول: وقع في التفسير المنسوب لابن عباس، هاهنا، ذكر حاطب بن أبي بلتعة وتلقيبه بالمنافق وإدراجه تحت قوله تعالى رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ. وفي صحة هذا عن ابن عباس نظر. وكيف؟ وقد كان رضي الله عنه من البدريين. وقد انتفى النفاق عمن شهدها.
قال التوربشتيّ: يحتمل أنه أصدر ذلك منه بادرة النفس. كما وقع لغيره ممن صحت توبته. إذ لم تجر عادة السلف بوصف المنافقين بصفة النصرة التي هي المدح ولو شاركهم في النسب. قال: بل هي زلة من الشيطان تمكن به منها عند الغضب، وليس ذلك بمستنكر من غير المعصوم في تلك الحالة. انتهى.
ولما همّ عمر رضي الله عنه بضرب عنقه في قصة الظعينة «١»، قال حاطب: لا
(١)
أخرجه البخاريّ في: الجهاد، ١٤١- باب الجاسوس وقول الله تعالى: لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ، حديث ١٩٢٤، ونصه: عن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت عليّا رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا والزبير والمقداد بن الأسود. قال «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها» فأنطقنا تعادى بنا خيلنا. حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة. فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لنلقينّ الثياب. فأخرجته من عقاصها. فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا فيه: من حاطب بن أبي
أخرجه البخاريّ في: الجهاد، ١٤١- باب الجاسوس وقول الله تعالى: لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ، حديث ١٩٢٤، ونصه: عن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت عليّا رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا والزبير والمقداد بن الأسود. قال «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها» فأنطقنا تعادى بنا خيلنا. حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة. فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لنلقينّ الثياب. فأخرجته من عقاصها. فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا فيه: من حاطب بن أبي
202
تعجل عليّ يا رسول الله! والله! إني لمؤمن بالله ورسوله. وما ارتددت ولا بدلت.
فأقرّه صلى الله عليه وسلم، وكفّ عمر عنه.
وقال ﷺ لعمر: إنه قد شهد بدرا. وما يدريك، يا عمر؟
لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. فذرفت عينا عمر... الحديث.
ولله در أصحاب الصحاح حيث أبهموا في قصة الزبير اسم خصمه سترا عليه كيلا يغض من مقامه. وهكذا ليكن الأدب. وكفانا أصلا عظيما في هذا الباب إبهام التنزيل الجليل في كثير من قصصه الكريمة. فهو ينبوع المعارف والآداب على مرور السنين والأحقاب. هذا كله على الجزم بأنها نزلت في قصة الزبير وخصمه. وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : والراجح رواية الأكثر. وأن الزبير كان لا يجزم بذلك.
ثم قال الحافظ ابن حجر: وجزم مجاهد والشعبيّ بأن الآية إنما نزلت فيمن نزلت فيه الآية التي قبلها وهي قوله تعالى أَلَمْ تَرَ إلخ فروى إسحاق بن راهويه في (تفسيره) بإسناد صحيح عن الشعبيّ. قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة. فدعا اليهوديّ المنافق إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة. ودعا المنافق اليهوديّ إلى حكامهم. لأنه علم أنهم يأخذونها. فأنزل الله هذه الآيات، إلى... وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، نحوه.
وروى الطبريّ «١» بإسناد صحيح عن ابن عباس أن حاكم اليهود يومئذ كان أبا برزة الأسلميّ قبل أن يسلم ويصحب.
وروي «٢» بإسناد آخر صحيح إلى مجاهد أنه كعب بن الأشرف. انتهى.
وقال ابن كثير: ذكر سبب آخر غريب جدا.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس
فأقرّه صلى الله عليه وسلم، وكفّ عمر عنه.
وقال ﷺ لعمر: إنه قد شهد بدرا. وما يدريك، يا عمر؟
لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. فذرفت عينا عمر... الحديث.
ولله در أصحاب الصحاح حيث أبهموا في قصة الزبير اسم خصمه سترا عليه كيلا يغض من مقامه. وهكذا ليكن الأدب. وكفانا أصلا عظيما في هذا الباب إبهام التنزيل الجليل في كثير من قصصه الكريمة. فهو ينبوع المعارف والآداب على مرور السنين والأحقاب. هذا كله على الجزم بأنها نزلت في قصة الزبير وخصمه. وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : والراجح رواية الأكثر. وأن الزبير كان لا يجزم بذلك.
ثم قال الحافظ ابن حجر: وجزم مجاهد والشعبيّ بأن الآية إنما نزلت فيمن نزلت فيه الآية التي قبلها وهي قوله تعالى أَلَمْ تَرَ إلخ فروى إسحاق بن راهويه في (تفسيره) بإسناد صحيح عن الشعبيّ. قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة. فدعا اليهوديّ المنافق إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة. ودعا المنافق اليهوديّ إلى حكامهم. لأنه علم أنهم يأخذونها. فأنزل الله هذه الآيات، إلى... وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، نحوه.
وروى الطبريّ «١» بإسناد صحيح عن ابن عباس أن حاكم اليهود يومئذ كان أبا برزة الأسلميّ قبل أن يسلم ويصحب.
وروي «٢» بإسناد آخر صحيح إلى مجاهد أنه كعب بن الأشرف. انتهى.
وقال ابن كثير: ذكر سبب آخر غريب جدا.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس
بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله ﷺ «يا حاطب! ما هذا؟» قال: يا رسول الله! لا تعجل عليّ. إني كنت امرءا ملصقا في قريش. ولم أكن من أنفسها. وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم.
فأحببت، إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي. وما فعلت كفرا ولا ارتدادا، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله ﷺ «لقد صدقكم» قال عمر: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال «إنه قد شهد بدرا. وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم».
(١) لم أعثر على هذا الأثر في نسخة التفسير التي بين يديّ.
(٢) الأثر رقم ١٩١٥.
فأحببت، إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي. وما فعلت كفرا ولا ارتدادا، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله ﷺ «لقد صدقكم» قال عمر: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال «إنه قد شهد بدرا. وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم».
(١) لم أعثر على هذا الأثر في نسخة التفسير التي بين يديّ.
(٢) الأثر رقم ١٩١٥.
203
ابن عبد الأعلى قراءة. أخبرنا ابن وهب. أخبرني عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله ﷺ فقضى بينهما. فقال المقضيّ عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. انطلقا إليه. فلما أتيا إليه، فقال الرجل:
يا ابن الخطاب! قضى لي رسول الله ﷺ على هذا، فقال: ردنا إلى عمر بن الخطاب فردنا إليك. فقال: أكذاك؟ قال: نعم. فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما. فخرج إليهما مشتملا على سيفه فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر. فقتله.
وأدبر الآخر. فأتى إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله! قتل عمر، والله! صاحبي.
ولولا أني أعجزته لقتلني.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن. فأنزل الله فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ... الآية فهدر دم ذلك الرجل وبرئ عمر من قتله. فكره الله أن يسنّ ذلك بعد. فأنزل: لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الآية وكذا رواه ابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود به
، وهو أثر غريب مرسل. وابن لهيعة ضعيف. والله أعلم.
طريق أخرى: قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم في (تفسيره) : حدثنا شعيب بن شعيب. حدثنا أبو المغيرة. حدثنا عتبة بن حمزة. حدثني أبي. أن رجلين اختصما إلى النبيّ ﷺ فقضى للمحق على المبطل.
فقال المقضيّ عليه: لا أرضى. فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى أبي بكر الصديق. فذهبا إليه. فقال الذي قضى له: قد اختصمنا إلى النبيّ ﷺ فقضى لي.
فقال أبو بكر: أنتما على ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبى صاحبه أن يرضى. فقال:
نأتي عمر بن الخطاب. فقال المقضيّ له: قد اختصمنا إلى النبيّ ﷺ فقضى لي عليه. فأبى أن يرضى. فسأله عمر بن الخطاب، فقال كذلك. فدخل عمر منزله وخرج والسيف في يده قد سله. فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى. فقتله. فأنزل الله فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُون
يا ابن الخطاب! قضى لي رسول الله ﷺ على هذا، فقال: ردنا إلى عمر بن الخطاب فردنا إليك. فقال: أكذاك؟ قال: نعم. فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما. فخرج إليهما مشتملا على سيفه فضرب الذي قال: ردنا إلى عمر. فقتله.
وأدبر الآخر. فأتى إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله! قتل عمر، والله! صاحبي.
ولولا أني أعجزته لقتلني.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن. فأنزل الله فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ... الآية فهدر دم ذلك الرجل وبرئ عمر من قتله. فكره الله أن يسنّ ذلك بعد. فأنزل: لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الآية وكذا رواه ابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود به
، وهو أثر غريب مرسل. وابن لهيعة ضعيف. والله أعلم.
طريق أخرى: قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم في (تفسيره) : حدثنا شعيب بن شعيب. حدثنا أبو المغيرة. حدثنا عتبة بن حمزة. حدثني أبي. أن رجلين اختصما إلى النبيّ ﷺ فقضى للمحق على المبطل.
فقال المقضيّ عليه: لا أرضى. فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى أبي بكر الصديق. فذهبا إليه. فقال الذي قضى له: قد اختصمنا إلى النبيّ ﷺ فقضى لي.
فقال أبو بكر: أنتما على ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبى صاحبه أن يرضى. فقال:
نأتي عمر بن الخطاب. فقال المقضيّ له: قد اختصمنا إلى النبيّ ﷺ فقضى لي عليه. فأبى أن يرضى. فسأله عمر بن الخطاب، فقال كذلك. فدخل عمر منزله وخرج والسيف في يده قد سله. فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى. فقتله. فأنزل الله فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُون