ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (١).
قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) فِي أَوَائِلِ الْبَقَرَةِ. (مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِخَلَقَكُمْ، وَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَكَذَلِكَ «مِنْهَا زَوْجَهَا».
وَ (مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا) : نَعْتٌ لِرِجَالٍ؛ وَلَمْ يُؤَنِّثْهُ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ رِجَالًا بِمَعْنَى عَدَدٍ أَوْ جِنْسٍ أَوْ جَمْعٍ كَمَا ذُكِرَ الْفِعْلُ الْمُسْنَدُ إِلَى جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ؛ كَقَوْلِهِ: «وَقَالَ نِسْوَةٌ» وَقِيلَ: (كَثِيرًا) : نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: بَثًّا كَثِيرًا.
(تَسَاءَلُونَ) : يُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ السِّينِ، وَالْأَصْلُ تَتَسَاءَلُونَ، فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ الثَّانِيَةُ سِينًا، فِرَارًا مِنْ تَكْرِيرِ الْمِثْلِ، وَالتَّاءُ تُشْبِهُ السِّينَ فِي الْهَمْسِ، وَيُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى حَذْفِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَةَ تَدُلُّ عَلَيْهَا وَدَخَلَ حَرْفُ الْجَرِّ فِي الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى تَتَحَالَفُونَ بِهِ.
(وَالْأَرْحَامَ) : يُقْرَأُ بِالنَّصْبِ وَفِيهِ وَجْهَانِ:
وَقِيلَ: الْجَرُّ عَلَى الْقَسَمِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ وَرَدَتْ بِالنَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ، وَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْقَسَمِ: وَبِرَبِّ الْأَرْحَامِ، هَذَا قَدْ أَغْنَى عَنْهُ مَا قَبْلَهُ.
وَقَدْ قُرِئَ شَاذًّا بِالرَّفْعِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَالْأَرْحَامُ مُحْتَرَمَةٌ، أَوْ وَاجِبٌ حُرْمَتُهَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا) (٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِالطَّيِّبِ) : هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِتَتَبَدَّلُوا. (إِلَى أَمْوَالِكُمْ) : إِلَى مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ أَيْ: مُضَافَةً إِلَى أَمْوَالِكُمْ، وَقِيلَ: هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ: لَا تُضِيفُوهَا. (إِنَّهُ) : الْهَاءُ ضَمِيرُ الْمَصْدَرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ تَأْكُلُوا؛ أَيْ: إِنَّ الْأَكْلَ وَالْأَخْذَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ الْحَاءِ مِنْ «حُوبًا» وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ، وَقِيلَ: مَصْدَرٌ، وَيُقْرَأُ بِفَتْحِهَا وَهُوَ مَصْدَرُ حَابَ يَحُوبُ إِذَا أَثِمَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) (٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ خِفْتُمْ) : فِي جَوَابِ هَذَا الشَّرْطِ وَجْهَانِ:
قَالَ تَعَالَى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) (٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نِحْلَةً) : مَصْدَرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى آتُوهُنَّ: أَنْحِلُوهُنَّ. وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلَيْنِ؛ أَيْ: نَاحِلِينَ، وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنَ النِّسَاءِ؛ أَيْ: مَنْحُولَاتٍ. (نَفْسًا) : تَمْيِيزٌ وَالْعَامِلُ فِيهِ طِبْنَ، وَالْمُفْرَدُ هُنَا فِي مَوْضِعِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُومٌ، وَحَسَّنَ ذَلِكَ أَنَّ نَفْسًا هُنَا فِي مَعْنَى الْجِنْسِ، فَصَارَ كَدِرْهَمًا فِي قَوْلِكَ: عِنْدِي عِشْرُونَ دِرْهَمًا. (فَكُلُوهُ) : الْهَاءُ تَعُودُ عَلَى شَيْءٍ، وَالْهَاءُ فِي مِنْهُ تَعُودُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَاتِ مَالٌ. (هَنِيئًا) : مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى فَعِيلٍ، وَهُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: أَكْلًا هَنِيئًا، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: مُهَنَّأً أَوْ طَيِّبًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) (٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمْوَالَكُمُ الَّتِي) : الْجُمْهُورُ عَلَى إِفْرَادِ الَّتِي؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنَ الْأَمْوَالِ
مُذَكَّرٌ؛ فَلَوْ قَالَ اللَّوَاتِي لَكَانَ جَمْعًا، كَمَا أَنَّ الْأَمْوَالَ جَمْعٌ، وَالصِّفَةُ إِذَا جُمِعَتْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمَوْصُوفَ جَمْعٌ كَانَ وَاحِدُهَا كَوَاحِدِ الْمَوْصُوفِ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ. وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ اللَّوَاتِي جَمْعًا اعْتِبَارًا بِلَفْظِ الْأَمْوَالِ. (جَعَلَ اللَّهُ) : أَيْ: صَيَّرَهَا، فَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَالْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ الْعَائِدُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى خَلَقَ، فَيَكُونُ قِيَامًا حَالًا. (قِيَامًا) : يُقْرَأُ بِالْيَاءِ وَالْأَلِفِ، وَهُوَ مَصْدَرُ قَامَ، وَالْيَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، وَأُبْدِلَتْ مِنْهَا لَمَّا أُعِلَّتْ فِي الْفِعْلِ، وَكَانَتْ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ سَبَبَ قِيَامِ أَبْدَانِكُمْ؛ أَيْ: بَقَائِهَا.
وَيُقْرَأُ قِيَمًا - بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ الْحَوْلِ وَالْعِوَضِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تُثْبَتَ الْوَاوُ لِتَحَصُّنِهَا بِتَوَسُّطِهَا، كَمَا صَحَّتْ فِي الْحَوْلِ وَالْعِوَضِ، وَلَكِنْ أَبْدَلُوهَا يَاءً حَمْلًا عَلَى «قِيَامٍ» عَلَى اعْتِلَالِهَا فِي الْفِعْلِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا جَمْعُ قِيمَةٍ كَدِيمَةٍ وَدِيَمٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَمْوَالَ كَالْقِيَمِ لِلنُّفُوسِ إِذْ كَانَ بَقَاؤُهَا بِهَا،
(وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ «فِي» عَلَى أَصْلِهَا، وَالْمَعْنَى: اجْعَلُوا لَهُمْ فِيهَا رِزْقًا. وَالثَّانِي: أَنَّهَا بِمَعْنَى مِنْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا) : حَتَّى هَاهُنَا غَيْرُ عَامِلَةٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الْكَلَامِ لِمَعْنَى الْغَايَةِ، كَمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ؛ وَجَوَابُ إِذَا «فَإِنْ آنَسْتُمْ» وَجَوَابُ إِنْ «فَادْفَعُوا»
(وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ «فِي» عَلَى أَصْلِهَا، وَالْمَعْنَى: اجْعَلُوا لَهُمْ فِيهَا رِزْقًا. وَالثَّانِي: أَنَّهَا بِمَعْنَى مِنْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا) : حَتَّى هَاهُنَا غَيْرُ عَامِلَةٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الْكَلَامِ لِمَعْنَى الْغَايَةِ، كَمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ؛ وَجَوَابُ إِذَا «فَإِنْ آنَسْتُمْ» وَجَوَابُ إِنْ «فَادْفَعُوا»
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «مِنْ وَاحِدٍ». (أَنْ يَكْبَرُوا) مَفْعُولُ بِدَارٍ؛ أَيْ: بِدَارًا كِبَرَهُمْ. (وَكَفَى بِاللَّهِ) : فِي فَاعِلِ كَفَى وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ اسْمُ اللَّهِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، دَخَلَتْ لِتَدُلَّ عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ، إِذِ التَّقْدِيرُ: اكْتَفِ بِاللَّهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْفَاعِلَ مُضْمَرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: كَفَى الِاكْتِفَاءُ بِاللَّهِ، فَبِاللَّهِ عَلَى هَذَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ مَفْعُولًا بِهِ. وَ (حَسِيبًا) : حَالٌ. وَقِيلَ: تَمْيِيزٌ. وَكَفَى يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقَدْ حُذِفَا هُنَا؛ وَالتَّقْدِيرُ: كَفَاكَ اللَّهُ شَرَّهُمْ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ) [الْبَقَرَةِ: ١٣٧].
قَالَ تَعَالَى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) (٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَلَّ مِنْهُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا «مِمَّا تَرَكَ» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَحْذُوفِ فِي تَرَكَ؛ أَيْ: مِمَّا تَرَكَهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا أَوْ مُسْتَقِرًّا مِمَّا قَلَّ. (نَصِيبًا) : قِيلَ: هُوَ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ، إِذِ التَّقْدِيرُ: عَطَاءً أَوِ اسْتِحْقَاقًا.
وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ؛ وَالْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي قَوْلِهِ: «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ»، وَلِهَذَا حَسُنَتِ الْحَالُ عَنْهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «مِنْ وَاحِدٍ». (أَنْ يَكْبَرُوا) مَفْعُولُ بِدَارٍ؛ أَيْ: بِدَارًا كِبَرَهُمْ. (وَكَفَى بِاللَّهِ) : فِي فَاعِلِ كَفَى وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ اسْمُ اللَّهِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، دَخَلَتْ لِتَدُلَّ عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ، إِذِ التَّقْدِيرُ: اكْتَفِ بِاللَّهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْفَاعِلَ مُضْمَرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: كَفَى الِاكْتِفَاءُ بِاللَّهِ، فَبِاللَّهِ عَلَى هَذَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ مَفْعُولًا بِهِ. وَ (حَسِيبًا) : حَالٌ. وَقِيلَ: تَمْيِيزٌ. وَكَفَى يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقَدْ حُذِفَا هُنَا؛ وَالتَّقْدِيرُ: كَفَاكَ اللَّهُ شَرَّهُمْ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ) [الْبَقَرَةِ: ١٣٧].
قَالَ تَعَالَى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) (٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَلَّ مِنْهُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا «مِمَّا تَرَكَ» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَحْذُوفِ فِي تَرَكَ؛ أَيْ: مِمَّا تَرَكَهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا أَوْ مُسْتَقِرًّا مِمَّا قَلَّ. (نَصِيبًا) : قِيلَ: هُوَ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ، إِذِ التَّقْدِيرُ: عَطَاءً أَوِ اسْتِحْقَاقًا.
وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ؛ وَالْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي قَوْلِهِ: «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ»، وَلِهَذَا حَسُنَتِ الْحَالُ عَنْهَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) (٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) : الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَقَسَّمِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْقِسْمَةِ عَدْلٌ عَلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) (٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ خَلْفِهِمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِتَرَكُوا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ
«ذُرِّيَّةً». (ضِعَافًا) : يُقْرَأُ بِالتَّفْخِيمِ عَلَى الْأَصْلِ، وَبِالْإِمَالَةِ لِأَجْلِ الْكَسْرَةِ، وَجَازَ ذَلِكَ مَعَ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَكْسُورٌ مُقَدَّمٌ فَفِيهِ انْحِدَارٌ. (خَافُوا) : يُقْرَأُ بِالتَّفْخِيمِ عَلَى الْأَصْلِ وَبِالْإِمَالَةِ؛ لِأَنَّ الْخَاءَ تَنْكَسِرُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ خِفْتُ، وَهُوَ جَوَابُ لَوْ وَمَعْنَاهَا إِنْ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) (١٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ظُلْمًا) : مَفْعُولٌ لَهُ، أَوْ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. (فِي بُطُونِهِمْ نَارًا) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْبَقَرَةِ فِيهِ شَيْءٌ، وَالَّذِي يَخُصُّ هَذَا الْمَوْضِعَ أَنَّ فِي بُطُونِهِمْ حَالٌ مِنْ نَارًا، أَيْ: نَارًا كَائِنَةً فِي بُطُونِهِمْ، وَلَيْسَ بِظَرْفٍ لِيَأْكُلُونِ. ذَكَرَهُ فِي التَّذْكِرَةِ. (
قَالَ تَعَالَى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) (١١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) : الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِيُوصِي؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَفْرِضُ لَكُمْ أَوْ يَشْرَعُ فِي أَوْلَادِكُمْ؛ وَالتَّقْدِيرُ: فِي أَمْرِ أَوْلَادِكُمْ. (فَإِنْ كُنَّ) : الضَّمِيرُ لِلْمَتْرُوكَاتِ؛ أَيْ: فَإِنْ كَانَتِ الْمَتْرُوكَاتُ؛ وَدَلَّ ذِكْرُ الْأَوْلَادِ عَلَيْهِ. (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) : صِفَةُ لِنِسَاءً؛ أَيْ: أَكْثَرَ مِنِ اثْنَتَيْنِ. (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً) : بِالنَّصْبِ؛ أَيْ: كَانَتِ الْوَارِثَةُ وَاحِدَةً بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ. وَ: (النِّصْفُ) : بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ لُغَتَانِ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا.: (فَلِأُمِّهِ) : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَبِكَسْرِهَا اتِّبَاعًا لِكَسْرَةِ اللَّامِ قَبْلَهَا، وَكَسْرِ الْمِيمِ
بَعْدَهَا. (
(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ السُّدُسِ تَقْدِيرُهُ: مُسْتَحَقًّا مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ، وَالْعَامِلُ الظَّرْفُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا؛ أَيْ: يَسْتَقِرُّ لَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ إِخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ هُنَا الْمَالُ الْمُوصَى بِهِ، وَقِيلَ: تَكُونُ الْوَصِيَّةُ مَصْدَرًا مِثْلَ الْفَرِيضَةِ.
(أَوْ دَيْنٍ) :«أَوْ» لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِكَ جَاءَنِي زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو، وَبَيْنَ قَوْلِكَ جَاءَ عَمْرٌو أَوْ زَيْدٌ؛ لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَالْوَاحِدُ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ وَبِهَذَا يُفَسَّرُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: التَّقْدِيرُ: مِنْ بَعْدِ دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّرْتِيبُ فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَا فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَصِيَّةِ. (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ) : مُبْتَدَأٌ. (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) : الْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَأَيُّهُمْ مُبْتَدَأٌ، وَأَقْرَبُ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِتَدْرُونَ؛ وَهِيَ مُعَلَّقَةٌ عَنِ الْعَمَلِ لَفْظًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَ (نَفْعًا) : تَمْيِيزٌ. وَ (فَرِيضَةً) : مَصْدَرٌ لِفِعْلِ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: فُرِضَ ذَلِكَ فَرِيضَةً.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (١٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ) : فِي «كَانَ» وَجْهَانِ:
(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ السُّدُسِ تَقْدِيرُهُ: مُسْتَحَقًّا مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ، وَالْعَامِلُ الظَّرْفُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا؛ أَيْ: يَسْتَقِرُّ لَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ إِخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ هُنَا الْمَالُ الْمُوصَى بِهِ، وَقِيلَ: تَكُونُ الْوَصِيَّةُ مَصْدَرًا مِثْلَ الْفَرِيضَةِ.
(أَوْ دَيْنٍ) :«أَوْ» لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِكَ جَاءَنِي زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو، وَبَيْنَ قَوْلِكَ جَاءَ عَمْرٌو أَوْ زَيْدٌ؛ لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَالْوَاحِدُ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ وَبِهَذَا يُفَسَّرُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: التَّقْدِيرُ: مِنْ بَعْدِ دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّرْتِيبُ فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَا فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَصِيَّةِ. (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ) : مُبْتَدَأٌ. (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) : الْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَأَيُّهُمْ مُبْتَدَأٌ، وَأَقْرَبُ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِتَدْرُونَ؛ وَهِيَ مُعَلَّقَةٌ عَنِ الْعَمَلِ لَفْظًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَ (نَفْعًا) : تَمْيِيزٌ. وَ (فَرِيضَةً) : مَصْدَرٌ لِفِعْلِ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: فُرِضَ ذَلِكَ فَرِيضَةً.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (١٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ) : فِي «كَانَ» وَجْهَانِ:
هَذَا: اسْمٌ لِلْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا، وَلَوْ قُرِئَ - كَلَالَةٌ - بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ، أَوْ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُورَثُ لَجَازَ، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَعْرِفْ أَحَدًا قَرَأَ بِهِ، فَلَا يُقْرَآنِ إِلَّا بِمَا نُقِلَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ كَانَ هِيَ النَّاقِصَةُ، وَرَجُلٌ اسْمُهَا وَيُورَثُ خَبَرُهَا وَ «كَلَالَةً» حَالٌ أَيْضًا. وَقِيلَ: الْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْمَالِ الْمَوْرُوثِ، فَعَلَى هَذَا يَنْتَصِبُ «كَلَالَةً» عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِيُورَثُ كَمَا تَقُولُ وَرِثَ زِيدٌ مَالًا. وَقِيلَ: الْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْوَرَثَةِ الَّذِينَ لَيْسَ فِيهِمْ وَلَدٌ، وَلَا وَالِدٌ، فَعَلَى هَذَا لَا وَجْهَ لِهَذَا الْكَلَامِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ لِأَنَّهُ لَا نَاصِبَ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ زَيْدٌ يُورَثُ إِخْوَةً لَمْ يَسْتَقِمْ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الرَّاءِ مُخَفَّفَةً وَمُثْقَلَةً وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا وَقِيلَ: يَصِحُّ هَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ ذَا كَلَالَةٍ فَذَا حَالٌ أَوْ خَبَرُ كَانَ وَمَنْ كَسَرَ الرَّاءَ جَعَلَ كَلَالَةً مَفْعُولًا بِهِ وَتَكُونُ الْكَلَالَةُ إِمَّا الْوَرَثَةَ وَإِمَا الْمَالَ وَعَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ أَحَدُ الْمَفْعُولَيْنِ مَحْذُوفٌ؛ وَالتَّقْدِيرُ: يُوَرِّثُ أَهْلَهُ مَالًا (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) : إِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَلِمَ أَفْرَدَ الضَّمِيرَ وَذَكَرَهُ؟
قِيلَ: أَمَّا إِفْرَادُهُ فَلِأَنَّ «أَوْ» لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، وَقَدْ قَالَ أَوِ امْرَأَةٌ، فَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِذَلِكَ، وَأَمَّا تَذْكِيرُهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يَرْجِعُ إِلَى الرَّجُلِ لِأَنَّهُ مُذَكَّرٌ مَبْدُوءٌ بِهِ.
، وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَنْوِينِ مُضَارٍّ، وَالتَّقْدِيرُ: غَيْرَ مَضَارٍّ بِوَرَثَتِهِ. وَ (وَصِيَّةً) : مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: وَصَّى اللَّهُ بِذَلِكَ، وَدَلَّ عَلَى الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ غَيْرَ مُضَارٍّ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ: غَيْرَ مُضَارِّ وَصِيَّةٍ بِالْإِضَافَةِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تَقْدِيرُهُ: غَيْرَ مُضَارِّ أَهْلِ وَصِيَّةٍ، أَوْ ذِي وَصِيَّةٍ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ. وَالثَّانِي: تَقْدِيرُهُ: غَيْرَ مُضَارِّ وَقْتِ وَصِيَّةٍ، فَحُذِفَ، وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الزَّمَانِ. وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ هُوَ فَارِسُ حَرْبٍ؛ أَيْ: فَارِسٌ فِي الْحَرْبِ، وَيُقَالُ هُوَ فَارِسُ زَمَانِهِ؛ أَيْ: فِي زَمَانِهِ، كَذَلِكَ التَّقْدِيرُ: لِلْقِرَاءَةِ غَيْرَ مَضَارٍّ فِي وَقْتِ الْوَصِيَّةِ.
قَالَ تَعَالَى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١٣ (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (١٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُدْخِلْهُ) : فِي الْآيَتَيْنِ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. (نَارًا خَالِدًا فِيهَا) : نَارًا: مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيُدْخِلُ، وَخَالِدًا حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ.
، وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَنْوِينِ مُضَارٍّ، وَالتَّقْدِيرُ: غَيْرَ مَضَارٍّ بِوَرَثَتِهِ. وَ (وَصِيَّةً) : مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: وَصَّى اللَّهُ بِذَلِكَ، وَدَلَّ عَلَى الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ غَيْرَ مُضَارٍّ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ: غَيْرَ مُضَارِّ وَصِيَّةٍ بِالْإِضَافَةِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تَقْدِيرُهُ: غَيْرَ مُضَارِّ أَهْلِ وَصِيَّةٍ، أَوْ ذِي وَصِيَّةٍ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ. وَالثَّانِي: تَقْدِيرُهُ: غَيْرَ مُضَارِّ وَقْتِ وَصِيَّةٍ، فَحُذِفَ، وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الزَّمَانِ. وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ هُوَ فَارِسُ حَرْبٍ؛ أَيْ: فَارِسٌ فِي الْحَرْبِ، وَيُقَالُ هُوَ فَارِسُ زَمَانِهِ؛ أَيْ: فِي زَمَانِهِ، كَذَلِكَ التَّقْدِيرُ: لِلْقِرَاءَةِ غَيْرَ مَضَارٍّ فِي وَقْتِ الْوَصِيَّةِ.
قَالَ تَعَالَى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١٣ (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (١٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُدْخِلْهُ) : فِي الْآيَتَيْنِ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. (نَارًا خَالِدًا فِيهَا) : نَارًا: مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيُدْخِلُ، وَخَالِدًا حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) (١٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاللَّاتِي) : هُوَ جَمْعُ «الَّتِي» عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَقِيلَ: هِيَ صِيغَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِلْجَمْعِ، وَمَوْضِعُهَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ. وَالْخَبَرُ: فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ؛ وَجَازَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الشَّرْطِ، حَيْثُ وُصِلَتِ الَّتِي بِالْفِعْلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْسُنِ النَّصْبُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْفِعْلِ قَبْلَ أَدَاةِ الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ؛ وَتَقْدِيرُهُ: بَعْدَ الصِّلَةِ يَحْتَاجُ إِلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ غَيْرِ قَوْلِهِ: «فَاسْتَشْهِدُوا» ؛ لِأَنَّ اسْتَشْهِدُوا لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ النَّصْبَ فِي اللَّاتِي، وَذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَعَ صِحَّةِ الِابْتِدَاءِ، وَأَجَازَ قَوْمٌ النَّصْبَ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: اقْصُدُوا اللَّاتِي، أَوْ تَعَمَّدُوا. وَقِيلَ: الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ حُكْمُ اللَّاتِي. فَفِيمَا يُتْلَى هُوَ الْخَبَرُ، وَحُكْمُ هُوَ الْمُبْتَدَأُ، فَحُذِفَا لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: «فَاسْتَشْهِدُوا» ؛ لِأَنَّهُ الْحُكْمُ الْمَتْلُوُّ عَلَيْهِمْ. (أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ) : أَوْ عَاطِفَةٌ؛ وَالتَّقْدِيرُ: أَوْ إِلَى أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ. وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى إِلَّا أَنْ، وَكِلَاهُمَا مُسْتَقِيمٌ. (لَهُنَّ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ «يَجْعَلَ» وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ: «سَبِيلًا».
قَالَ تَعَالَى: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا) (٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا) : الْكَلَامُ فِي اللَّذَانِ كَالْكَلَامِ فِي اللَّاتِي، إِلَّا أَنَّ مَنْ أَجَازَ النَّصْبَ يَصِحُّ أَنْ يُقَدِّرَ فِعْلًا مِنْ جِنْسِ الْمَذْكُورِ؛ تَقْدِيرُهُ: آذَوُا اللَّذَيْنِ.
يَعْمَلَ مَا بَعْدَ الْفَاءِ فِيمَا قَبْلَهَا هَاهُنَا، وَلَوْ عَرَا مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ هُنَا فِي حُكْمِ الْفَاءِ الْوَاقِعَةِ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ، وَتِلْكَ تَقْطَعُ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا. وَيُقْرَأُ اللَّذَانِ بِتَخْفِيفِ النُّونِ عَلَى أَصْلِ التَّثْنِيَةِ، وَبِتَشْدِيدِهَا عَلَى أَنَّ إِحْدَى النُّونَيْنِ عِوَضٌ مِنَ اللَّامِ الْمَحْذُوفَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اللَّذَيَانِ مِثْلُ الْعَمَيَانِ وَالشَّجَيَانِ، فَحُذِفَتِ الْيَاءُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ مُبْهَمٌ، وَالْمُبْهَمَاتُ لَا تُثَنَّى التَّثْنِيَةَ الصِّنَاعِيَّةَ، وَالْحَذْفُ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ التَّثْنِيَةَ هُنَا مُخَالِفَةٌ لِلْقِيَاسِ، وَقِيلَ: حُذِفَتْ لِطُولِ الْكَلَامِ بِالصِّلَةِ، فَأَمَّا هَذَانِ وَهَاتَيْنِ وَفَذَانِكَ فَنَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (١٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ) : مُبْتَدَأٌ، وَفِي الْخَبَرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ: (عَلَى اللَّهِ) : أَيْ: ثَابِتَةٌ عَلَى اللَّهِ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ «لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ» حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّرْفِ وَهُوَ قَوْلُهُ «عَلَى اللَّهِ»، وَالْعَامِلُ فِيهَا الظَّرْفُ أَوْ الِاسْتِقْرَارُ؛ أَيْ: كَائِنَةٌ لِلَّذِينِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي الْحَالِ التَّوْبَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِالْجَارِّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ «لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ» ؛ وَأَمَّا «عَلَى اللَّهِ» فَيَكُونُ حَالًا مِنْ شَيْءٍ مَحْذُوفٍ؛ تَقْدِيرُهُ: إِنَّمَا التَّوْبَةُ إِذْ كَانَتْ عَلَى اللَّهِ، أَوْ إِذَا كَانَتْ عَلَى اللَّهِ، فَإِذْ أَوْ إِذَا ظَرْفَانِ الْعَامِلُ فِيهِمَا الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ يَعْمَلُ فِيهِ الْمَعْنَى، وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ التَّامَّةُ، وَصَاحِبُ الْحَالِ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ فِي كَانَ،
قَالَ تَعَالَى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (١٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ) : فِي مَوْضِعِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ جَرٌّ عَطْفًا عَلَى الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ؛ أَيْ: وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ «أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ». وَاللَّامُ لَامُ الِابْتِدَاءِ وَلَيْسَتْ لَا النَّافِيَةَ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (١٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تَرِثُوا) : فِي مَوْضِعِ رَفْعِ فَاعِلِ يَحِلُّ؛ وَ «النِّسَاءَ» فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَالنِّسَاءُ عَلَى هَذَا هُنَّ الْمَوْرُوثَاتُ، وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَرِثُ نِسَاءَ آبَائِهَا، وَتَقُولُ نَحْنُ أَحَقُّ بِنِكَاحِهِنَّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي؛ وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ تَرِثُوا مِنَ النِّسَاءِ الْمَالَ.
وَ (كَرْهًا) : مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْمَفْعُولِ، وَفِيهِ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي آلِ عِمْرَانَ، (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى تَرِثُوا؛ أَيْ: وَلَا أَنْ تَعْضُلُوهُنَّ. وَالثَّانِي: هُوَ جَزْمٌ بِالنَّهْيِ فَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ. (
الْفَاعِلَةُ؛ أَيْ: تُبِيِّنُ حَالَ مُرْتَكِبِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنَ اللَّازِمِ يُقَالُ بَانَ الشَّيْءُ، وَأَبَانَ، وَتَبَيَّنَ، وَاسْتَبَانَ، وَبَيَّنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ، وَهُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُشَدَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ. (بِالْمَعْرُوفِ) : مَفْعُولٌ أَوْ حَالٌ. (أَنْ تَكْرَهُوا) : فَاعِلُ عَسَى، وَلَا خَبَرَ لَهَا هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ إِذَا تَقَدَّمَ صَارَتْ عَسَى بِمَعْنَى قَرُبَ، فَاسْتَغْنَتْ عَنْ تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ الْمُسَمَّى خَبَرًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (٢٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ) : ظَرْفٌ لِلِاسْتِبْدَالِ.
وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الثَّانِي فَفِيهِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، وَالْأَصْلُ آتَيْتُمُوهُنَّ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُسْتَبْدَلَ بِهَا مُبْهَمَةٌ، فَقَالَ إِحْدَاهُنَّ إِذْ لَمْ تَتَعَيَّنْ حَتَّى يَرْجِعَ الضَّمِيرُ إِلَيْهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا نَحْوًا مِنْ هَذَا فِي قَوْلِهِ: (فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى). (بُهْتَانًا) : فُعْلَانِ مِنَ الْبَهْتِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (٢١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) : كَيْفَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَتَأْخُذُونَهُ جَائِرِينَ، وَهَذَا يَتَبَيَّنُ لَكَ بِجَوَابِ كَيْفَ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذْ قُلْتَ كَيْفَ أَخَذْتَ مَالَ زِيدٍ كَانَ الْجَوَابُ حَالًا تَقْدِيرُهُ: أَخَذْتُهُ ظَالِمًا أَوْ عَادِلًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَأَبَدًا يَكُونُ مَوْضِعُ كَيْفَ مِثْلَ مَوْضِعِ جَوَابِهَا. (وَقَدْ أَفْضَى) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْضًا (
وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الثَّانِي فَفِيهِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، وَالْأَصْلُ آتَيْتُمُوهُنَّ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُسْتَبْدَلَ بِهَا مُبْهَمَةٌ، فَقَالَ إِحْدَاهُنَّ إِذْ لَمْ تَتَعَيَّنْ حَتَّى يَرْجِعَ الضَّمِيرُ إِلَيْهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا نَحْوًا مِنْ هَذَا فِي قَوْلِهِ: (فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى). (بُهْتَانًا) : فُعْلَانِ مِنَ الْبَهْتِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (٢١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) : كَيْفَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَتَأْخُذُونَهُ جَائِرِينَ، وَهَذَا يَتَبَيَّنُ لَكَ بِجَوَابِ كَيْفَ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذْ قُلْتَ كَيْفَ أَخَذْتَ مَالَ زِيدٍ كَانَ الْجَوَابُ حَالًا تَقْدِيرُهُ: أَخَذْتُهُ ظَالِمًا أَوْ عَادِلًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَأَبَدًا يَكُونُ مَوْضِعُ كَيْفَ مِثْلَ مَوْضِعِ جَوَابِهَا. (وَقَدْ أَفْضَى) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْضًا (
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) (٢٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا نَكَحَ) : مِثْلُ قَوْلِهِ: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ) [النِّسَاءِ: ٢٤] وَكَذَلِكَ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، وَهُوَ يَتَكَرَّرُ فِي الْقُرْآنِ. (مِنَ النِّسَاءِ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ «مَا»، أَوْ مِنَ الْعَائِدِ عَلَيْهَا. (إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) : فِي «مَا» وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى مَنْ وَقَدْ ذُكِرَ. وَالثَّانِي: هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَمَا سَلَفَ مَاضٍ، فَلَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ.
وَمَعْنَى الْمُنْقَطِعِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْأَوَّلِ؛ بَلْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَأْنَفِ، وَتُقَدَّرُ إِلَّا فِيهِ بِلَكِنَّ؛ وَالتَّقْدِيرُ هُنَا: وَلَا تَتَزَوَّجُوا مَنْ تَزَوَّجَهُ آبَاؤُكُمْ، وَلَا تَطَئُوا مَنْ وَطِئَهُ آبَاؤُكُمْ، لَكِنْ مَا سَلَفَ مِنْ ذَلِكَ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ، كَمَا تَقُولُ: مَا مَرَرْتُ بِرَجُلٍ إِلَّا بِامْرَأَةٍ؛ أَيْ: لَكِنْ مَرَرْتُ بِامْرَأَةٍ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ بَيَانُ مَعْنًى زَائِدٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَكَ: مَا مَرَرْتُ بِرَجُلٍ - صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْمُرُورِ بِرَجُلٍ مَا غَيْرِ مُتَعَرِّضٍ بِإِثْبَاتِ الْمُرُورِ بِامْرَأَةٍ أَوْ نَفْيِهِ، فَإِذَا قُلْتَ: إِلَّا بِامْرَأَةٍ، كَانَ إِثْبَاتًا لِمَعْنًى مَسْكُوتٍ عَنْهُ غَيْرِ مَعْلُومٍ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ نَفْيُهُ وَلَا إِثْبَاتُهُ.
(إِنَّهُ) : الْهَاءُ ضَمِيرُ النِّكَاحِ. (وَمَقْتًا) : تَمَامُ الْكَلَامِ، ثُمَّ يُسْتَأْنَفُ. (وَسَاءَ سَبِيلًا) : أَيْ: وَسَاءَ هَذَا السَّبِيلُ مِنْ نِكَاحِ مَنْ نَكَحَهُنَّ الْآبَاءُ. (سَبِيلًا) : تَمْيِيزُهُ،
وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً لِفَسَادِ الْمَعْنَى، وَلِأَنَّ الْهَاءَ فِي «بِهِ» تَعُودُ عَلَى مَا، والْمَصْدَرِيَّةُ لَا يُعُودُ عَلَيْهَا ضَمِيرٌ. (مِنْهُنَّ) : حَالٌ مِنَ الْهَاءِ فِي بِهِ. (فَرِيضَةً) : مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي آيَةِ الْوَصِيَّةِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٥).
إِنَّ الْفَرَزْدَقَ صَخْرَةٌ عَادِيَّةٌ | طَالَتْ فَلَيْسَ يَنَالُهَا الْأَوْعَالَا. |
وَقِيلَ: الْمَحْذُوفُ اللَّامُ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي مَوْضِعِ صِفَةِ طَوْلٍ وَالطَّوْلُ الْمَهْرُ؛ أَيْ: مَهْرًا كَائِنًا لِأَنْ يَنْكِحَ.
وَقِيلَ: هُوَ مَعَ تَقْدِيرِ اللَّامِ مَفْعُولُ الطَّوْلِ؛ أَيْ: طَوْلًا لِأَجْلِ نِكَاحِهِنَّ.
(فَمِنْ مَا) : فِي «مِنْ» وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ زَائِدَةٌ؛ وَالتَّقْدِيرُ: فَلْيَنْكِحْ مَا مَلَكَتْ.
أُحْصِنَّ) : يُقْرَأُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ؛ أَيْ: بِالْأَزْوَاجِ، وَبِفَتْحِهَا؛ أَيْ: فُرُوجَهُنَّ. (فَإِنْ أَتَيْنَ) : الْفَاءُ جَوَابُ إِذَا. (فَعَلَيْهِنَّ) : جَوَابُ إِنْ. (مِنَ الْعَذَابِ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا الْعَامِلُ فِي صَاحِبِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْ مَا؛ لِأَنَّهَا مَجْرُورَةٌ بِالْإِضَافَةِ، فَلَا يَكُونُ لَهَا عَامِلٌ. (
قَالَ تَعَالَى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) : مَفْعُولُ يُرِيدُ مَحْذُوفٌ؛ تَقْدِيرُهُ: يُرِيدُ اللَّهُ ذَلِكَ؛ أَيْ: تَحْرِيمَ مَا حَرَّمَ وَتَحْلِيلَ مَا حَلَّلَ لِيُبَيِّنَ. وَاللَّامُ فِي لِيُبَيِّنَ مُتَعَلِّقَةٌ بِيُرِيدُ، وَقِيلَ: اللَّامُ زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ، فَالنَّصْبُ بِأَنْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) (٢٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ) : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ إِلَّا أَنَّهُ صَدَّرَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى بِالِاسْمِ، وَالثَّانِيَةَ بِالْفِعْلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِالنَّصْبِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَصِيرُ: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، وَيُرِيدُ أَنْ يُرِيدَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (٢٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) : ضَعِيفًا حَالٌ. وَقِيلَ: تَمْيِيزٌ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ بِمِنْ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ شَيْءٍ ضَعِيفٍ؛ أَيْ: مِنْ طِينٍ، أَوْ مِنْ نُطْفَةٍ وَعَلَقَةٍ وَمُضْغَةٍ، كَمَا قَالَ (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) [الرُّومِ: ٥٤] فَلَمَّا حُذِفَ الْجَارُّ وَالْمَوْصُوفُ انْتَصَبَتِ الصِّفَةُ بِالْفِعْلِ نَفْسِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (٢٩).
قَالَ تَعَالَى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) : مَفْعُولُ يُرِيدُ مَحْذُوفٌ؛ تَقْدِيرُهُ: يُرِيدُ اللَّهُ ذَلِكَ؛ أَيْ: تَحْرِيمَ مَا حَرَّمَ وَتَحْلِيلَ مَا حَلَّلَ لِيُبَيِّنَ. وَاللَّامُ فِي لِيُبَيِّنَ مُتَعَلِّقَةٌ بِيُرِيدُ، وَقِيلَ: اللَّامُ زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ، فَالنَّصْبُ بِأَنْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) (٢٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ) : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ إِلَّا أَنَّهُ صَدَّرَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى بِالِاسْمِ، وَالثَّانِيَةَ بِالْفِعْلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِالنَّصْبِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَصِيرُ: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، وَيُرِيدُ أَنْ يُرِيدَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (٢٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) : ضَعِيفًا حَالٌ. وَقِيلَ: تَمْيِيزٌ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ بِمِنْ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ شَيْءٍ ضَعِيفٍ؛ أَيْ: مِنْ طِينٍ، أَوْ مِنْ نُطْفَةٍ وَعَلَقَةٍ وَمُضْغَةٍ، كَمَا قَالَ (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) [الرُّومِ: ٥٤] فَلَمَّا حُذِفَ الْجَارُّ وَالْمَوْصُوفُ انْتَصَبَتِ الصِّفَةُ بِالْفِعْلِ نَفْسِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (٢٩).
وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ؛ أَيْ: إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِهَا تِجَارَةً، أَوْ فِي وَقْتِ كَوْنِهَا تِجَارَةً، وَتِجَارَةٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا النَّاقِصَةُ؛ التَّقْدِيرُ: إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمُعَامَلَةُ أَوِ التِّجَارَةُ تِجَارَةً. وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ: إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ تِجَارَةً. (عَنْ تَرَاضٍ) : فِي مَوْضِعِ صِفَةِ " تِجَارَةً ". (وَمِنْكُمْ) : صِفَةُ تَرَاضٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) (٣٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَفْعَلْ) :" مَنْ " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ).
وَ (عُدْوَانًا وَظُلْمًا) : مَصْدَرَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَوْ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ النُّونِ مِنْ نُصْلِيهِ، وَيُقْرَأُ بِفَتْحِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، يُقَالُ أَصْلَيْتُهُ النَّارَ وَصَلَيْتُهُ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) (٣١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُدْخَلًا) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَهُوَ مَصْدَرُ دَخَلَ وَالتَّقْدِيرُ: وَنُدْخِلُهُ
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (٣٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا فَضَّلَ اللَّهُ) :" مَا " بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَالْعَائِدُ الْهَاءُ فِي " بِهِ " وَالْمَفْعُولُ " بَعْضَكُمْ ".
" وَاسْأَلُوا اللَّهَ " يُقْرَأُ سَلُوا بِغَيْرِ هَمْز، (وَاسْأَلُوا) بِالْهَمْز، وَقَدْ ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ: (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ)، وَمَفْعُولُ اسْأَلُوا مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: شَيْئًا: " مِنْ فَضْلِهِ ".
قَالَ تَعَالَى: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) (٣٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا) : الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَحْذُوفٌ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تُقْدِيرُهُ وَلِكُلِّ أَحَدٍ جَعَلْنَا مَوَالِيَ يَرِثُونَهُ. وَالثَّانِي: وَلِكُلِّ مَالٍ، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لِجَعَلَ " مَوَالِيَ ". وَالثَّانِي: لِكُلٍّ، وَالتَّقْدِيرُ: وَجَعَلْنَا وَرَّاثًا لِكُلِّ مَيِّتٍ، أَوْ لِكُلِّ مَالٍ. (مِمَّا تَرَكَ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ صِفَةُ مَالٍ الْمَحْذُوفِ؛ أَيْ: مِنْ مَالٍ تَرَكَهُ " الْوَالِدَانِ ". وَالثَّانِي: هُوَ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَوَالِي؛ تَقْدِيرُهُ: يَرِثُونَ مَا تَرَكَ. وَقِيلَ: " مَا " بِمَعْنَى مَنْ؛ أَيْ: لِكُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ تَرَكَ الْوَالِدَانِ. (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ) : فِي مَوْضِعِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَوَالِيَ؛ أَيْ: وَجَعَلْنَا الَّذِينَ عَاقَدَتْ وُرَّاثًا، وَكَانَ ذَلِكَ وَنُسِخَ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ " فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ " تَوْكِيدًا؛
قَالَ تَعَالَى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (٣٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) :" عَلَى " مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوَّامُونَ. وَ (بِمَا) : مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ أَيْضًا، وَلَمَّا كَانَ الْحَرْفَانِ بِمَعْنَيَيْنِ، جَازَ تَعَلُّقُهُمَا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ؛ فَـ " عَلَى " عَلَى هَذَا لَهَا مَعْنًى غَيْرُ مَعْنَى الْبَاءِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، فَتَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: مُسْتَحِقِّينَ
بِتَفْضِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ؛ وَصَاحِبُ الْحَالِ الضَّمِيرُ فِي قَوَّامُونَ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ. فَأَمَّا " مَا " فِي قَوْلِهِ " وَبِمَا أَنْفَقُوا " فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، فَتَتَعَلَّقُ مِنْ بِأَنْفَقُوا، وَلَا حَذْفَ فِي الْكَلَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: وَبِالَّذِي أَنْفَقُوهُ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ " مِنْ أَمْوَالِهِمْ " حَالًا. (فَالصَّالِحَاتُ) : مُبْتَدَأٌ. " قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ " خَبَرَانِ عَنْهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) (٣٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) : الشِّقَاقُ الْخِلَافُ؛ فَلِذَلِكَ حَسُنَ إِضَافَتُهُ إِلَى بَيْنَ، وَبَيْنَ هُنَا الْوَصْلُ الْكَائِنُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. (حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ مِنْ بِـ " ابْعَثُوا "، فَيَكُونُ الِابْتِدَاءُ غَايَةَ الْبَعْثِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْحُكْمِ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ. (إِنْ يُرِيدَا) : ضَمِيرُ الِاثْنَيْنِ يَعُودُ عَلَى الْحُكْمَيْنِ. وَقِيلَ: عَلَى الزَّوْجَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ. وَالثَّانِي: يَكُونُ قَوْلُهُ: يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا لِلزَّوْجَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (٣٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) : فِي نَصْبِ «إِحْسَانًا» أَوْجُهٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الْبَقَرَةِ: ٨٣].
وَ (الْجُنُبِ) : يُقْرَأُ بِضَمَّتَيْنِ، وَهُوَ وَصْفٌ مِثْلُ نَاقَةٍ أَجُدٍ، وَيَدٍ سُجُحٍ. وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَسُكُونِ النُّونِ، وَهُوَ وَصْفٌ أَيْضًا، وَهُوَ الْمُجَانِبُ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِكَ: رَجُلٌ عَدْلٌ. (
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) (٣٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مَنْصُوبٌ بَدَلٌ مِنْ «مَنْ» فِي قَوْلِهِ: (مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) وَجُمِعَ عَلَى مَعْنَى مَنْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى قَوْلِهِ: مُخْتَالًا فَخُورًا، وَهُوَ خَبَرُ كَانَ، وَجُمِعَ عَلَى الْمَعْنَى أَيْضًا، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ أَذُمُّ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ؛ تَقْدِيرُهُ: مُبْغِضُونَ؛ وَدَلَّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يُحِبُّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مُعَذَّبُونَ لِقَوْلِهِ: (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا). وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: هُمُ الَّذِينَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَالْخَبَرُ «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ» ؛ أَيْ: لَا يَظْلِمُهُمْ. وَالْبُخْلُ وَالْبَخْلُ لُغَتَانِ، وَقَدْ
قُرِئَ بِهِمَا، وَفِيهِ لُغَتَانِ أُخْرَيَانِ: الْبُخُلُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْبَاءِ، وَالْبَخْلُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ. وَ (مِنْ فَضْلِهِ) : حَالٌ مِنْ «مَا» أَوْ مِنَ الْعَائِدِ الْمَحْذُوفِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) (٣٨).
(فَسَاءَ قَرِينًا) : أَيْ: فَسَاءَ هُوَ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَنْ، أَوْ عَلَى الشَّيْطَانِ، وَقَرِينًا تَمْيِيزٌ، وَسَاءَ هُنَا مَنْقُولَةٌ إِلَى بَابِ نِعْمَ وَبِئْسَ، فَفَاعِلُهَا وَالْمَخْصُوصُ بَعْدَهَا بِالذَّمِّ مِثْلُ فَاعِلِ بِئْسَ وَمَخْصُوصِهَا؛ وَالتَّقْدِيرُ: فَسَاءَ الشَّيْطَانُ وَالْقَرِينُ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ) : فَفِي مَوْضِعِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هُوَ جَرٌّ عَطْفًا عَلَى الْكَافِرِينَ فِي قَوْلِهِ: (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ). وَالثَّانِي: نَصْبٌ عَلَى مَا انْتَصَبَ عَلَيْهِ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ. وَالثَّالِثُ: رَفْعٌ عَلَى مَا ارْتَفَعَ عَلَيْهِ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، وَقَدْ ذُكِرَا، فَأَمَّا «رِئَاءَ النَّاسِ» فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ أَوْ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يُنْفِقُونَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ؛ أَيِ الْمَوْصُولِ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: «وَلَا يُؤْمِنُونَ» مُسْتَأْنَفًا لِئَلَّا يُفْرَقَ بَيْنَ بَعْضِ الصِّلَةِ وَبَعْضٍ بِحَالِ الْمَوْصُولِ.
قَالَ تَعَالَى ﴿وماذا عَلَيْهِم لَو آمنُوا بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وأنفقوا من مَا رزقهم الله وَكَانَ الله بهم عليما﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: «مَا» مُبْتَدَأٌ، وَ «ذَا» بِمَعْنَى الَّذِي، وَعَلَيْهِمْ صِلَتُهَا، وَالَّذِي وَصِلَتُهَا خَبَرُ مَا.
وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ تَكُونَ الَّذِي وَصِلَتُهَا مُبْتَدَأً، وَمَا خَبَرًا مُقَدَّمًا، وَقُدِّمَ الْخَبَرُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ.
هَذَا وَ (لَوْ) : فِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ عَلَى بَابِهَا، وَالْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى؛ أَيْ: لَوْ آمَنُوا لَمْ يَضُرُّهُمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا بِمَعْنَى أَنِ النَّاصِبَةِ لِلْفِعْلِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ: (لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) [الْبَقَرَةِ: ٩٦] وَغَيْرِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى إِنِ الشَّرْطِيَّةِ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ: (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) ؛ أَيْ: وَأَيُّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ إِنْ آمَنُوا؛ وَتَقْدِيرُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ: أَيُّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ فِي الْإِيمَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) (٤٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مَفْعُولٌ لِيَظْلِمُ؛ وَالتَّقْدِيرُ: لَا يَظْلِمُهُمْ، أَوْ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا، وَيَظْلِمُ بِمَعْنَى يَنْتَقِصُ؛ أَيْ: يَنْقُصُ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَالثَّانِي: هُوَ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ تَقْدِيرُهُ: ظُلْمًا قَدْرَ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، فَحُذِفَ الْمَصْدَرُ وَصِفَتُهُ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُمَا. (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً) : حُذِفَتْ نُونُ تَكُنْ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَشِبْهِ النُّونِ لِغُنَّتِهَا وَسُكُونِهَا بِالْوَاوِ، فَإِنْ تَحَرَّكَتْ لَمْ تُحْذَفْ نَحْوُ: (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ) [النِّسَاءِ: ٣٨]، (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ) [الْبَيِّنَةِ: ١] وَ «حَسَنَةً» بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ كَانَ التَّامَّةُ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا النَّاقِصَةُ. وَ «مِنْ لَدُنْهُ» مُتَعَلِّقٌ بِيُؤْتِ، أَوْ حَالٌ مِنَ الْأَجْرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَكَيْفَ إِذَا) : النَّاصِبُ لَهَا مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: كَيْفَ تَصْنَعُونَ أَوْ تَكُونُوا، وَإِذَا ظَرْفٌ لِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ. (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِجِئْنَا أَوْ حَالٌ مِنْ شَهِيدٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ تَقْدِيمَ حَالِ الْمَجْرُورِ عَلَيْهِ. (وَجِئْنَا بِكَ) : مَعْطُوفٌ عَلَى جِئْنَا الْأُولَى. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا، وَتَكُونُ قَدْ مُرَادَةً. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَيَكُونُ الْمَاضِي بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ. وَ (شَهِيدًا) : حَالٌ. وَ «عَلَى» يَتَعَلَّقُ بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْهُ.
قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) (٤٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَئِذٍ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ ظَرْفٌ لِـ «يَوَدُّ»، فَيَعْمَلُ فِيهِ. وَالثَّانِي: يَعْمَلُ فِيهِ شَهِيدًا؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ يَوَدُّ صِفَةً لِيَوْمٍ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: فِيهِ، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي) [الْبَقَرَةِ: ٤٨].
وَالْأَصْلُ فِي «إِذَا» إِذْ، وَهِيَ ظَرْفُ زَمَانٍ مَاضٍ، فَقَدِ اسْتُعْمِلَتْ هُنَا لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، فَزَادُوا عَلَيْهَا التَّنْوِينَ عِوَضًا مِنَ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ؛ تَقْدِيرُهُ: يَوْمَ إِذْ تَأَتِي بِالشُّهَدَاءِ، وَحُرِّكَتِ الذَّالُ بِالْكَسْرِ لِسُكُونِهَا، وَسُكُونِ التَّنْوِينِ بَعْدَهَا. (وَعَصَوُا الرَّسُولَ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَقَدْ مُرَادَةٌ، وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَوَدُّ وَبَيْنَ مَفْعُولِهَا. وَهُوَ «لَوْ تُسَوَّى». وَ (لَوْ) بِمَعْنَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ، وَتُسَوَّى عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ،
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) (٤٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ) : قِيلَ: الْمُرَادُ مَوَاضِعُ الصَّلَاةِ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ. وَقِيلَ: لَا حَذْفَ فِيهِ. (وَأَنْتُمْ سُكَارَى) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي تَقْرَبُوا. وَ (سُكَارَى) : جَمْعُ سَكْرَانَ، وَيَجُوزُ ضَمُّ السِّينِ وَفَتْحُهَا، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا، وَقُرِئَ أَيْضًا «سُكْرَى» بِضَمِّ السِّينِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، وَبِفَتْحِهَا كَذَلِكَ، وَهِيَ صِفَةٌ مُفْرَدَةٌ يَفِي مَوْضِعَ الْجَمْعِ، فَسُكْرَى مِثْلُ حُبْلَى وَسَكْرَى مِثْلُ عَطْشَى. (
وَهِيَ الْمُبَاعَدَةُ. (إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) : هُوَ حَالٌ أَيْضًا؛ وَالتَّقْدِيرُ: لَا تَقْرَبُوهَا فِي حَالِ الْجِنَايَةِ؛ إِلَّا فِي حَالِ السَّفَرِ، أَوْ عُبُورِ الْمَسْجِدِ، عَلَى اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْمُرَادِ بِذَلِكَ. (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) : مُتَعَلِّقٌ بِالْعَامِلِ فِي جُنُبٍ. (مِنْكُمْ) : صِفَةٌ لِأَحَدٍ. وَ «مِنَ الْغَائِطِ» مَفْعُولُ جَاءَ، وَالْجُمْهُورُ يَقْرَءُونَ الْغَائِطَ عَلَى فَاعِلٍ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ غَاطَ الْمَكَانَ يَغُوطُ إِذَا اطْمَأَنَّ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مَصْدَرُ يَغُوطُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ غَوْطًا فَقُلِبَ الْوَاوُ يَاءً وَأُسْكِنَتْ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا لِخِفَّتِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ الْغَيْطَ فَخُفِّفَتْ مِثْلُ سَيِّدٍ وَمَيِّتٍ. (أَوْ لَمَسْتُمْ) : يُقْرَأُ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَبِأَلِفٍ وَهُمَا بِمَعْنًى. وَقِيلَ: لَامَسْتُمْ مَا دُونَ الْجِمَاعِ، أَوْ لَمَسْتُمُ لِلْجِمَاعِ. (فَلَمْ تَجِدُوا) : الْفَاءُ عَطَفَتْ مَا بَعْدَهَا عَلَى جَاءَ وَجَوَابُ الشَّرْطِ «فَتَيَمَّمُوا»، وَ «جَاءَ» مَعْطُوفٌ عَلَى كُنْتُمْ؛ أَيْ: وَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ. (
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (٤٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الْكِتَابِ) : صِفَةٌ لِنَصِيبٍ. (يَشْتَرُونَ) : حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فِي أُوتُوا. «وَيُرِيدُونَ» مِثْلُهُ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُمَا حَالَيْنِ مِنَ الْمَوْصُولِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا» وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَيُقَالُ ضَلَلْتُ «السَّبِيلَ» وَعَنِ السَّبِيلِ، وَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ، وَلَيْسَ بِظَرْفٍ، وَهُوَ كَقَوْلِكَ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ. (وَلِيًّا) وَ (نَصِيرًا) : مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ. وَقِيلَ: عَلَى الْحَالِ.
قَالَ تَعَالَى: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) (٤٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا) : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَفِي ذَلِكَ تَقْدِيرَانِ: أَحَدُهُمَا تَقْدِيرُهُ: هُمْ مِنَ الَّذِينَ، فَـ «يُحَرِّفُونَ» عَلَى هَذَا حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فِي هَادُوا. وَالثَّانِي: تَقْدِيرُهُ: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا قَوْمٌ، فَقَوْمٌ هُوَ الْمُبْتَدَأُ وَمَا قَبْلَهُ الْخَبَرُ، وَيُحَرِّفُونَ نَعْتٌ لِقَوْمٍ. وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا مَنْ يُحَرِّفُونَ، كَمَا قَالَ: (وَمَا
مِنَّا إِلَّا لَهُ) [الصَّافَّاتِ: ١٦٤] ؛ أَيْ:
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (٤٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الْكِتَابِ) : صِفَةٌ لِنَصِيبٍ. (يَشْتَرُونَ) : حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فِي أُوتُوا. «وَيُرِيدُونَ» مِثْلُهُ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُمَا حَالَيْنِ مِنَ الْمَوْصُولِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا» وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَيُقَالُ ضَلَلْتُ «السَّبِيلَ» وَعَنِ السَّبِيلِ، وَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ، وَلَيْسَ بِظَرْفٍ، وَهُوَ كَقَوْلِكَ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ. (وَلِيًّا) وَ (نَصِيرًا) : مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ. وَقِيلَ: عَلَى الْحَالِ.
قَالَ تَعَالَى: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) (٤٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا) : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَفِي ذَلِكَ تَقْدِيرَانِ: أَحَدُهُمَا تَقْدِيرُهُ: هُمْ مِنَ الَّذِينَ، فَـ «يُحَرِّفُونَ» عَلَى هَذَا حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فِي هَادُوا. وَالثَّانِي: تَقْدِيرُهُ: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا قَوْمٌ، فَقَوْمٌ هُوَ الْمُبْتَدَأُ وَمَا قَبْلَهُ الْخَبَرُ، وَيُحَرِّفُونَ نَعْتٌ لِقَوْمٍ. وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا مَنْ يُحَرِّفُونَ، كَمَا قَالَ: (وَمَا
مِنَّا إِلَّا لَهُ) [الصَّافَّاتِ: ١٦٤] ؛ أَيْ:
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) (٤٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ قَبْلِكُمْ) : مُتَعَلِّقٌ بِآمَنُوا، وَ (عَلَى أَدْبَارِهَا) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْوُجُوهِ وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوِّنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) (٤٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) : هُوَ مُسْتَأْنَفٌ غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى يَغْفِرُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ عُطِفَ عَلَيْهِ لَصَارَ مَنْفِيًّا.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) (٤٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) : تَقْدِيرُهُ: أَخْطَئُوا، بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي. (وَلَا يُظْلَمُونَ) : ضَمِيرُ الْجَمْعِ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى مَنْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا؛ أَيْ: مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ، وَمَنْ زَكَّاهُ اللَّهُ. وَ (فَتِيلًا) : مِثْلُ «مِثْقَالَ ذَرَّةٍ» فِي الْإِعْرَابِ، وَقَدْ ذُكِرَ.
قَالَ تَعَالَى: (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا) (٥٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَيْفَ يَفْتَرُونَ) : كَيْفَ مَنْصُوبٌ بِيَفْتَرُونَ، وَمَوْضِعُ الْكَلَامِ نُصِبَ بِانْظُرُوا.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) (٥١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَؤُلَاءِ أَهْدَى) : مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِيَقُولُونَ. وَ (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) : تَخْصِيصٌ وَتَبْيِينٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَقُولُونَ أَيْضًا. (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ)، (وَيَقُولُونَ) مِثْلُ: يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ، وَيُرِيدُونَ، وَقَدْ ذُكِرَ.
قَالَ تَعَالَى: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) (٥٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ) : أَمْ مُنْقَطِعَةٌ؛ أَيْ: بَلْ أَلَهُمْ، وَكَذَلِكَ «أَمْ يَحْسُدُونَ».
(فَإِذَنْ) : حَرْفٌ يَنْصِبُ الْفِعْلَ إِذَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ، وَلَهُ مَوَاضِعُ يُلْغَى فِيهَا، وَهُوَ مُشْبِهٌ فِي عَوَامِلِ الْأَفْعَالِ بِظَنَنْتُ فِي عَوَامِلِ الْأَسْمَاءِ، وَالنُّونُ أَصْلٌ فِيهِ، وَلَيْسَ بِتَنْوِينٍ، فَلِهَذَا يُكْتَبُ بِالنُّونِ، وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ أَنْ يُكْتَبَ بِالْأَلِفِ، وَلَمْ يَعْمَلْ هُنَا مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَهِيَ الْفَاءُ، وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَ الْفَاءِ، وَلَيْسَ الْمُبْطِلُ لِعَمَلِهِ لَا؛ لِأَنَّ لَا يَتَخَطَّاهَا الْعَامِلُ.
قَالَ تَعَالَى: (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) (٥٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ آمَنَ بِهِ) : الْهَاءُ تَعُودُ عَلَى الْكِتَابِ. وَقِيلَ: عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَقِيلَ: عَلَى مُحَمَّدٍ، وَ (سَعِيرًا) بِمَعْنَى مُسْتَعِرًا. (
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا) (٥٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، وَأَنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلَى الْمَوْضِعِ، أَوْ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَالْخَبَرُ «سَنُدْخِلُهُمْ». (خَالِدِينَ فِيهَا) : حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ فِي نُدْخِلُهُمْ أَوْ مِنْ جَنَّاتٍ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا ضَمِيرَ الْكُلِّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِجَنَّاتٍ عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ، وَ (لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ) : حَالٌ، أَوْ صِفَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (٥٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) : الْعَامِلُ فِي إِذَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: فِعْلٌ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَحْكُمُوا إِذَا حَكَمْتُمْ، وَجَعَلَ أَنْ تَحْكُمُوا الْمَذْكُورَةَ مُفَسِّرَةً لِلْمَحْذُوفِ، فَلَا مَوْضِعَ لِأَنْ تَحْكُمُوا، لِأَنَّهُ مُفَسِّرٌ لِلْمَحْذُوفِ، وَالْمَحْذُوفُ مَفْعُولُ يَأْمُرُكُمْ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِي إِذَا أَنْ تَحْكُمُوا؛ لِأَنَّ مَعْمُولَ الْمَصْدَرِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَنْصِبَ «إِذَ» بِيَأْمُرُكُمْ، وَأَنْ تَحْكُمُوا بِهِ أَيْضًا؛ وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ يَكُونَ حَرْفُ الْعَطْفِ مَعَ أَنْ تَحْكُمُوا، لَكِنْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِالظَّرْفِ كَقَوْلِ الْأَعْشَى:
يَوْمَ يَرَاهَا كَشِبْهِ أَرْدِيَةِ الْـ | عَصْبِ وَيَوْمًا أَدِيمُهَا نَغِلَا. |
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (٥٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) : حَالٌ مِنْ أُولِي. وَ (تَأْوِيلًا) : تَمْيِيزٌ.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) (٦٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُرِيدُونَ) : حَالٌ مِنَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَزْعُمُونَ،
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) (٦١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَعَالَوْا) : الْأَصْلُ تَعَالَيُوا، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي آلِ عِمْرَانَ، وَيُقْرَأُ شَاذًّا بِضَمِّ اللَّامِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حُذِفَ الْأَلِفُ مِنْ تَعَالَى اعْتِبَاطًا، ثُمَّ ضُمَّ اللَّامُ مِنْ أَجْلِ وَاوِ الضَّمِيرِ. (يَصُدُّونَ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَ (صُدُودًا) : اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ، وَالْمَصْدَرُ صَدٌّ، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ.
قَالَ تَعَالَى: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) (٦٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) : أَيْ: فَكَيْفَ يَصْنَعُونَ؟. وَ (يَحْلِفُونَ) : حَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) (٦٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي أَنْفُسِهِمْ) : يَتَعَلَّقُ بِقُلْ لَهُمْ. وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِـ «بَلِيغًا» ؛ أَيْ: يَبْلُغُ فِي نُفُوسِهِمْ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا لِيُطَاعَ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبِ مَفْعُولٍ لَهُ، وَاللَّامُ تَتَعَلَّقُ بِأَرْسَلْنَا.
وَ (بِإِذْنِ اللَّهِ) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُطَاعَ. وَقِيلَ: هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ؛ أَيْ: بِسَبَبِ أَمْرِ اللَّهِ. وَ (إِذْ ظَلَمُوا) : ظَرْفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ خَبَرُ إِنَّ، وَهُوَ «جَاءُوكَ» (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) : لَمْ يَقُلْ: وَاسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ لِمَا فِي الِاسْمِ الظَّاهِرِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ الرَّسُولُ. وَ (وَجَدُوا) : يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَقِيلَ: هِيَ الْمُتَعَدِّيَةُ إِلَى وَاحِدٍ. وَ (تَوَّابًا) : حَالٌ. وَ «رَحِيمًا» بَدَلٌ أَوْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي تَوَّابٍ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (٦٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَا وَرَبِّكَ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ «لَا» الْأُولَى زَائِدَةٌ؛ وَالتَّقْدِيرُ: فَوَرَبِّكَ «لَا يُؤْمِنُونَ». وَقِيلَ: الثَّانِيَةُ زَائِدَةٌ، وَالْقَسَمُ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْمَنْفِيِّ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنَّ «لَا» نَفْيٌ لِشَيْءٍ مَحْذُوفٍ؛ تَقْدِيرُهُ: فَلَا يَفْعَلُونَ، ثُمَّ قَالَ: وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ. وَ (بَيْنَهُمْ) : ظَرْفٌ لِشَجَرَ أَوْ حَالٌ مِنْ «مَا» أَوْ مِنْ فَاعِلِ شَجَرَ. وَ (ثُمَّ لَا يَجِدُوا) : مَعْطُوفٌ عَلَى يُحَكِّمُوكَ. وَ (فِي أَنْفُسِهِمْ) : يَتَعَلَّقُ بِيَجِدُوا تَعَلُّقَ الظَّرْفِ بِالْفِعْلِ. وَ (حَرَجًا) : مَفْعُولُ يَجِدُوا،
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (٦٧) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (٦٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنِ اقْتُلُوا) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ «أَنْ» الْمَصْدَرِيَّةُ، وَالْأَمْرُ صِلَتُهَا، وَمَوْضِعُهُمَا نُصْبٌ بِكَتَبْنَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ «أَنْ» بِمَعْنَى أَيِ الْمُفَسِّرَةِ لِلْقَوْلِ، وَكَتَبْنَا قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى أَمَرْنَا أَوْ قُلْنَا. (أَوِ اخْرُجُوا) : يُقْرَأُ بِكَسْرِ الْوَاوِ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَبِالضَّمِّ اتِّبَاعًا لِضَمَّةِ الرَّاءِ، وَلِأَنَّ الْوَاوَ مِنْ جِنْسِ الضَّمَّةِ. (مَا فَعَلُوهُ) : الْهَاءُ ضَمِيرُ أَحَدِ مَصْدَرَيِ الْفِعْلَيْنِ، وَهُوَ الْقَتْلُ أَوِ الْخُرُوجُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الْمَكْتُوبِ، وَدَلَّ الْمَعْنَى كَتَبْنَا. (إِلَّا قَلِيلٌ) : يُقْرَأُ بِالرَّفْعِ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ، وَعَلَيْهِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فَعَلَهُ قَلِيلٌ مِنْهُمْ؛ وَبِالنَّصْبِ عَلَى أَصْلِ
بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى. وَ (مِنْهُمْ) : صِفَةُ «قَلِيلٌ». وَ: (تَثْبِيتًا) : تَمْيِيزٌ. (وَإِذَنْ) : جَوَابُ «لَوْ» مُلْغَاةٌ. وَ (مِنْ لَدُنَّا) : يَتَعَلَّقُ بِآتَيْنَاهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (٦٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ النَّبِيِّينَ) : حَالٌ مِنَ الَّذِينَ أَوْ مِنَ الْمَجْرُورِ فِي عَلَيْهِمْ. (وَحَسُنَ) : الْجُمْهُورُ عَلَى ضَمِّ السِّينِ، وَقُرِئَ بِإِسْكَانِهَا مَعَ فَتْحِ الْحَاءِ عَلَى التَّخْفِيفِ، كَمَا قَالُوا فِي عَضُدَ عَضْدَ. وَ «أُولَئِكَ» فَاعِلُهُ. وَ «رَفِيقًا» تَمْيِيزٌ. وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ، وَهُوَ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعِ الْجَمْعِ؛ أَيْ: رُفَقَاءَ.
قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) (٧٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذَلِكَ) : مُبْتَدَأٌ، وَفِي الْخَبَرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: «الْفَضْلُ» وَ «مِنَ اللَّهِ» حَالٌ، وَالْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَى ذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْفَضْلَ صِفَةٌ، وَمِنَ اللَّهِ الْخَبَرُ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) (٧١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُبَاتٍ) : جَمْعُ ثَبَةٍ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، وَأَصْلُهَا ثُبْوَةٌ، تَصْغِيرُهَا ثُبَيَّةٌ، فَأَمَّا ثُبَةُ الْحَوْضِ، وَهِيَ وَسَطُهُ فَأَصْلُهَا ثَوْبَةٌ، مِنْ ثَابَ يَثُوبُ إِذَا رَجَعَ، وَتَصْغِيرُهَا ثُوَيْبَةٌ، وَ «ثُبَاتٍ» حَالٌ، وَكَذَلِكَ: «جَمِيعًا».
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا) (٧٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَمَنْ) : اسْمُ إِنَّ، وَهِيَ بِمَعْنَى الَّذِي أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ. وَ (لَيُبَطِّئَنَّ) : صِلَةٌ أَوْ صِفَةٌ، وَمِنْكُمْ خَبَرُ إِنَّ، وَ «إِذْ لَمْ» ظَرْفٌ لِأَنْعَمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَيَقُولَنَّ) : بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى لَفْظِ مَنْ، وَقُرِئَ بِضَمِّهَا حَمْلًا عَلَى مَعْنَى مَنْ، وَهُوَ الْجَمْعُ. (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ) : هِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالْيَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَوَدَّةَ وَالْوُدَّ بِمَعْنًى، وَلِأَنَّهُ قَدْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا، وَيُقْرَأُ بِالتَّاءِ عَلَى لَفْظِ الْمَوَدَّةِ، وَهُوَ كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ يَقُولُ وَبَيْنَ الْمَحْكِيِّ بِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: «يَا لَيْتَنِي» وَالتَّقْدِيرُ: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي. وَقِيلَ: لَيْسَ بِمُعْتَرِضٍ؛ بَلْ هُوَ مَحْكِيٌّ أَيْضًا بِيَقُولُ؛ أَيْ: يَقُولُ: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ. وَيَا لَيْتَنِي. وَقِيلَ: كَأَنْ لَمْ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي لَيَقُولَنَّ. وَ (يَالَيْتَنِي) : الْمُنَادَى مَحْذُوفٌ؛ تَقْدِيرُهُ: يَا قَوْمُ لَيْتَنِي؛ وَأَبُو عَلِيٍّ يَقُولُ فِي نَحْوِ هَذَا: لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مُنَادًى مَحْذُوفٌ؛ بَلْ يَدْخُلُ «يَا» عَلَى الْفِعْلِ، وَالْحَرْفُ لِلتَّنْبِيهِ. (فَأَفُوزَ) : بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ التَّمَنِّي، وَبِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ فَأَنَا أَفُوزُ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (٧٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ) : أُدْغِمَتِ الْبَاءُ فِي الْفَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنَ الشَّفَتَيْنِ، وَقَدْ أَظْهَرَهَا بَعْضُهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) (٧٥).
وَ (لَا تُقَاتِلُونَ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا الِاسْتِقْرَارُ كَمَا تَقُولُ: مَا لَكَ قَائِمًا. وَ (الْمُسْتَضْعَفِينَ) : عَطْفٌ عَلَى اسْمِ اللَّهِ؛ أَيْ: وَفِي سَبِيلِ الْمُسْتَضْعَفِينَ. وَقَالَ الْمِبَرِّدُ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى السَّبِيلِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. (الَّذِينَ يَقُولُونَ) : فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِمَنْ عَقَلَ مِنَ الْمَذْكُورِينَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا بِإِضْمَارِ أَعْنِي. (الظَّالِمِ أَهْلُهَا) : الْأَلِفُ وَاللَّامُ بِمَعْنَى الَّتِي، وَلَمْ يُؤَنَّثِ اسْمُ الْفَاعِلِ، وَإِنْ كَانَ نَعْتًا لِلْقَرِيبَةِ فِي اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ فِي الِاسْمِ الظَّاهِرِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَهْلٌ، وَكُلُّ اسْمِ فَاعِلٍ إِذَا جَرَى عَلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ فَتَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ عَلَى حَسَبِ الِاسْمِ الظَّاهِرِ الَّذِي عَمِلَ فِيهِ.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمْ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةِ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) (٧٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ) : إِذَا هُنَا لِلْمُفَاجَأَةِ، وَالَّتِي لِلْمُفَاجَأَةِ ظَرْفُ مَكَانٍ، وَظَرْفُ الْمَكَانِ فِي مِثْلِ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلِاسْمِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَهُوَ فَرِيقٌ هَاهُنَا، وَ «مِنْهُمْ» صِفَةُ فَرِيقٍ. وَ «يَخْشَوْنَ» حَالٌ، وَالْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ عَلَى هَذَا الِاسْتِقْرَارِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِذَا غَيْرَ خَبَرٍ فَيَكُونُ فَرِيقٌ مُبْتَدَأً، وَمِنْهُمْ صِفَتُهُ، وَيَخْشَوْنَ الْخَبَرُ وَهُوَ الْعَامِلُ فِي إِذَا، وَقِيلَ: إِذَا هُنَا الزَّمَانِيَّةُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ إِذَا الزَّمَانِيَّةُ يَعْمَلُ فِيهَا، إِمَّا مَا قَبْلَهَا أَوْ مَا بَعْدَهَا، وَإِذَا عَمِلَ فِيهَا مَا قَبْلَهَا كَانَتْ «مِنْ» صِلَتُهُ، وَهَذَا فَاسِدٌ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ فِي وَقْتِ الْخَشْيَةِ فَرِيقٌ مِنْهُمْ، وَهَذَا يَفْتَقِرُ إِلَى جَوَابِ لَمَّا، وَلَا جَوَابَ لَهَا؛ وَإِذَا عَمِلَ فِيهَا مَا بَعْدَهَا كَانَ الْعَامِلُ فِيهَا جَوَابًا لَهَا، وَإِذَا هُنَا لَيْسَ لَهَا جَوَابٌ؛ بَلْ هِيَ جَوَابُ لَمَّا. (
قَالَ تَعَالَى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) (٧٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَيْنَمَا) : هِيَ شَرْطٌ هَاهُنَا، وَمَا زَائِدَةٌ، وَيَكْثُرُ دُخُولُهَا عَلَى أَيْنَ الشَّرْطِيَّةِ لِتُقَوِّيَ مَعْنَاهَا فِي الشَّرْطِ. وَيَجُوزُ حَذْفُهَا. وَ «يُدْرِكْكُمُ» الْجَوَابُ. وَقَدْ قُرِئَ «يُدْرِكُكُمُ» بِالرَّفْعِ، وَهُوَ شَاذٌّ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حُذِفَ الْفَاءُ. (وَلَوْ كُنْتُمْ) : بِمَعْنَى وَإِنْ كُنْتُمْ، وَقَدْ ذُكِرَ مِرَارًا. (قُلْ كُلٌّ) : مُبْتَدَأٌ وَالْمُضَافُ إِلَيْهِ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: كُلُّ ذَلِكَ. وَ (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) : الْخَبَرُ. (لَا يَكَادُونَ) : حَالٌ. وَمِنَ الْقُرَّاءِ مَنْ يَقِفُ عَلَى اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ مَا لِهَؤُلَاءِ، وَلَيْسَ مَوْضِعَ وَقْفٍ، وَاللَّامُ فِي التَّحْقِيقِ مُتَّصِلَةٌ بِهَؤُلَاءِ، وَهِيَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ.
قَالَ تَعَالَى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) (٧٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) :«مَا» شَرْطِيَّةٌ، وَأَصَابَكَ بِمَعْنَى يُصِيبُكَ، وَالْجَوَابُ «فَمِنَ اللَّهِ»
قَالَ تَعَالَى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) (٨٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَفِيظًا) : حَالٌ مِنَ الْكَافِ. وَعَلَيْهِمْ يَتَعَلَّقُ بِحَفِيظٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْهُ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) (٨١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (طَاعَةٌ) : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: أَمْرُنَا طَاعَةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً؛ أَيْ: عِنْدِنَا أَوْ مِنَّا طَاعَةٌ. (بَيَّتَ) : الْأَصْلُ أَنْ تُفْتَحَ التَّاءُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ، وَلَمْ تَلْحَقْهُ تَاءُ التَّأْنِيثِ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ بِمَعْنَى النَّفَرِ، وَقَدْ قُرِئَ بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الطَّاءِ عَلَى أَنَّهُ سَكَّنَ التَّاءَ لِتَمَكُّنِ إِدْغَامِهَا إِذْ كَانَتْ مِنْ مَخْرَجِ الطَّاءِ، وَالطَّاءُ أَقْوَى مِنْهَا لِاسْتِعْلَائِهَا وَإِطْبَاقِهَا وَجَهْرِهَا.
وَ (تَقُولُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ، وَأَنْ يَكُونَ لِلطَّائِفَةِ. (مَا يُبَيِّتُونَ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، وَمَوْصُولَةً، وَمَصْدَرِيَّةً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَذَاعُوا بِهِ) : الْأَلِفُ فِي أَذَاعُوا بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ، يُقَالُ ذَاعَ الْأَمْرُ يَذِيعُ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ؛ أَيْ: أَذَاعُوهُ. وَقِيلَ: حُمِلَ عَلَى مَعْنَى تَحَدَّثُوا بِهِ. (يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) : حَالٌ مِنَ الَّذِينَ أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَسْتَنْبِطُونَهُ.: (إِلَّا قَلِيلًا) : مُسْتَثْنَى مِنْ فَاعِلِ اتَّبَعْتُمْ، وَالْمَعْنَى لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، لَضَلَلْتُمْ بِاتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ، وَهُوَ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، أَوْ مَنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ. وَقِيلَ: هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: أَذَاعُوا بِهِ؛ أَيْ: أَظْهَرُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ أَوِ الْخَوْفَ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: (لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النِّسَاءِ: ٨٢] ؛ أَيْ: لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ التَّنَاقُضَ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ، وَهُوَ مَنْ لَا يُمْعِنُ النَّظَرَ.
قَالَ تَعَالَى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) (٨٤).
قَوْلُهُ
تَعَالَى
: (فَقَاتِلُوا
) : الْفَاءُ عَاطِفَةٌ لِهَذَا الْفِعْلِ عَلَى قَوْلِهِ: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [النِّسَاءِ: ٧٤]، وَقِيلَ عَلَى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ) [النِّسَاءِ: ٧٥] وَقِيلَ: عَلَى قَوْلِهِ: (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ) [النِّسَاءِ: ٧٦] (لَا تُكَلَّفُ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. (إِلَّا نَفْسَكَ) : الْمَفْعُولُ الثَّانِي. «بَأْسًا» وَ «تَنْكِيلًا» تَمْيِيزٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُقِيتًا) : الْيَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، وَهُوَ مُفْعِلٌ مِنَ الْقُوتِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) (٨٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِتَحِيَّةٍ) : أَصْلُهَا تَحْيِيَةٌ، وَهِيَ تَفْعِلَةٌ مِنْ حَيَيْتُ فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْيَاءِ إِلَى الْحَاءِ ثُمَّ أُدْغِمَتْ. وَ (حَيُّوا) : أَصْلُهَا حَيَيُوا، ثُمَّ حُذِفَتِ الْيَاءُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي مَوَاضِعَ. (بِأَحْسَنَ) : أَيْ: بِتَحِيَّةٍ أَحْسَنَ. (أَوْ رُدُّوهَا) : أَيْ: رُدُّوا مِثْلَهَا، فَحُذِفَ الْمُضَافُ.
قَالَ تَعَالَى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) (٨٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) : قَدْ ذُكِرَ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ. (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) : جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا لَا مَوْضِعَ لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا آخَرَ لِلْمُبْتَدَأِ. (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) : قِيلَ: التَّقْدِيرُ: فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: هِيَ عَلَى بَابِهَا؛ أَيْ: لَيَجْمَعَنَّكُمْ فِي الْقُبُورِ، أَوْ مِنَ الْقُبُورِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا؛ أَيْ: يَجْمَعَنَّكُمْ مُفْضِينَ إِلَى حِسَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (لَا رَيْبَ فِيهِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْهَاءُ تَعُودُ عَلَى الْيَوْمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: جَمْعًا لَا رَيْبَ فِيهِ، وَالْهَاءُ تَعُودُ عَلَى الْجَمْعِ، وَ (حَدِيثًا) : تَمْيِيزٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَمَا لَكُمْ) : مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرٌ. وَ (فِئَتَيْنِ) : حَالٌ، وَالْعَامِلُ فِيهَا الظَّرْفُ الَّذِي هُوَ لَكُمْ، أَوِ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ، وَفِي الْمُنَافِقِينَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَعْنَى فِئَتَيْنِ، وَالْمَعْنَى: وَمَا لَكُمْ تَفْتَرِقُونَ فِي أُمُورِ الْمُنَافِقِينَ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ فِئَتَيْنِ؛ أَيْ: فِئَتَيْنِ مُفْتَرِقَتَيْنِ فِي الْمُنَافِقِينَ فَلَمَّا قَدَّمَهُ نَصَبَهُ عَلَى الْحَالِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) (٨٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَمَا كَفَرُوا) : الْكَافُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ. (فَتَكُونُونَ) : عَطْفٌ عَلَى تَكْفُرُونَ. وَ (سَوَاءً) : بِمَعْنَى مُسْتَوِينَ؛ وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ اسْمِ الْفَاعِلِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا) (٩٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبِ اسْتِثْنَاءٍ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ فِي فَاقْتُلُوهُمْ. (بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) : يَجُوزُ أَنْ تَرْفَعَ «مِيثَاقٌ» بِالظَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ صِفَةً، وَأَنْ تَرْفَعَهُ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ. (حَصِرَتْ) : فِيهِ وَجْهَانِ:
قَالَ تَعَالَى: (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا.) (٩١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أُرْكِسُوا) : الْجُمْهُورُ عَلَى إِثْبَاتِ الْهَمْزَةِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ.
وَقُرِئَ: «رُكِّسُوا» وَالتَّشْدِيدُ لِلثقل وَالتَّكْثِيرِ مَعًا، وَفِيهَا لُغَةٌ أُخْرَى وَهِيَ رَكَسَهُ اللَّهُ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَلَا تَشْدِيدٍ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَرَأَ بِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا) : أَنْ يَقْتُلَ فِي مَوْضِعِ رَفْعِ اسْمِ كَانَ، وَلِمُؤْمِنٍ خَبَرُهُ. (إِلَّا خَطَأً) : اسْتِثْنَاءٌ لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ، وَالْمَعْنَى: لَكِنْ إِنْ قَتَلَ خَطَأً فَحُكْمُهُ كَذَا. (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) : فَتَحْرِيرُ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَالْمُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيرٌ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ مَنْ. وَقُرِئَ «خَطَأً» بِغَيْرِ هَمْزٍ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ خَفَّفَ الْهَمْزَةَ فَقَلَبَهَا أَلِفًا فَصَارَ كَالْمَقْصُورِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَذَفَهَا حَذْفًا، فَبَقِيَ مِثْلَ دَامٍ، وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: قَتْلًا خَطَأً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ أَيْ: مُخْطِئًا، وَأَصْلُ دِيَةٍ وَدْيَةٌ مِثْلُ عِدَةٍ وَزِنَةٍ، وَهَذَا الْمَصْدَرُ اسْمٌ لِلْمُؤَدَّى بِهِ مِثْلُ الْهِبَةِ فِي مَعْنَى الْمَوْهُوبِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: (مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) : وَالْفِعْلُ لَا يُسَلَّمُ. (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) : قِيلَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَقِيلَ: هُوَ مُتَّصِلٌ وَالْمَعْنَى فَعَلَيْهِ دِيَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ، إِلَّا فِي حَالِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ بِهَا.
(فَإِنْ كَانَ) : أَيِ الْمَقْتُولُ، وَ «مِنْ قَوْمٍ» خَبَرُ كَانَ. وَ: «لَكُمْ» صِفَةُ عَدُوٍّ. وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ عَدُوًّا فِي مَعْنَى مُعَادٍ، وَفَعُولٌ يَعْمَلُ عَمَلَ فَاعِلٍ.
شَهْرَيْنِ. (تَوْبَةً) : مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: شَرَعَ ذَلِكَ لَكُمْ تَوْبَةً مِنْهُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ صَوْمٌ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: لِوُقُوعِ تَوْبَةٍ، أَوْ لِحُصُولِ تَوْبَةٍ مِنَ اللَّهِ، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: تَابَ عَلَيْكُمْ تَوْبَةً مِنْهُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ لِأَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ تَائِبًا مِنَ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ قَدَّرْتَ حَذْفَ مُضَافٍ جَازَ؛ أَيْ: صَاحِبُ تَوْبَةٍ مِنَ اللَّهِ. وَ (مِنَ اللَّهِ) : صِفَةُ «تَوْبَةً»، وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ تَوْبَةٌ بِالرَّفْعِ؛ أَيْ: ذَلِكَ تَوْبَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (٩٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَقْتُلْ) : مَنْ مُبْتَدَأٌ، وَ «مُتَعَمِّدًا» حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْقَاتِلِ «فَجَزَاؤُهُ» مُبْتَدَأٌ، وَ «جَهَنَّمُ» خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ مَنْ، وَ (خَالِدًا) : حَالٌ مِنْ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: يُجَازِهَا خَالِدًا فِيهَا، فَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ، وَإِنْ شِئْتَ مِنَ الْمَنْصُوبِ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: جَازَاهُ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ» فَعَطَفَ عَلَيْهِ الْمَاضِيَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ «خَالِدًا» حَالًا مَنَ الْمَنْصُوبِ لَا غَيْرَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْهَاءِ فِي «جَزَاؤُهُ» لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ صَاحِبِ الْحَالِ وَالْحَالِ بِخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (٩٤).
شَهْرَيْنِ. (تَوْبَةً) : مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: شَرَعَ ذَلِكَ لَكُمْ تَوْبَةً مِنْهُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ صَوْمٌ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: لِوُقُوعِ تَوْبَةٍ، أَوْ لِحُصُولِ تَوْبَةٍ مِنَ اللَّهِ، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: تَابَ عَلَيْكُمْ تَوْبَةً مِنْهُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ لِأَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ تَائِبًا مِنَ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ قَدَّرْتَ حَذْفَ مُضَافٍ جَازَ؛ أَيْ: صَاحِبُ تَوْبَةٍ مِنَ اللَّهِ. وَ (مِنَ اللَّهِ) : صِفَةُ «تَوْبَةً»، وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ تَوْبَةٌ بِالرَّفْعِ؛ أَيْ: ذَلِكَ تَوْبَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (٩٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَقْتُلْ) : مَنْ مُبْتَدَأٌ، وَ «مُتَعَمِّدًا» حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْقَاتِلِ «فَجَزَاؤُهُ» مُبْتَدَأٌ، وَ «جَهَنَّمُ» خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ مَنْ، وَ (خَالِدًا) : حَالٌ مِنْ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: يُجَازِهَا خَالِدًا فِيهَا، فَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ، وَإِنْ شِئْتَ مِنَ الْمَنْصُوبِ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: جَازَاهُ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ» فَعَطَفَ عَلَيْهِ الْمَاضِيَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ «خَالِدًا» حَالًا مَنَ الْمَنْصُوبِ لَا غَيْرَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْهَاءِ فِي «جَزَاؤُهُ» لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ صَاحِبِ الْحَالِ وَالْحَالِ بِخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (٩٤).
مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِيمَانِ. وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ اسْمُ الْمَفْعُولِ مِنْ أَمِنْتُهُ.: (تَبْتَغُونَ) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي يَقُولُوا. (كَذَلِكَ) : الْكَافُ خَبَرُ كَانَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا وَعَلَى اسْمِهَا. (إِنَّ اللَّهَ كَانَ) : الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ إِنَّ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَقُرِئَ بِفَتْحِهَا، وَهُوَ مَعْمُولُ تَبَيَّنُوا.
قَالَ تَعَالَى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) (٩٥).
(وَكُلًّا) : الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لِـ «وَعَدَ» وَ «الْحُسْنَى» هُوَ الثَّانِي وَقُرِئَ: وَكُلٌّ؛ أَيْ: وَكُلُّهُمْ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: وَعَدَهُ اللَّهُ: «أَجْرًا». قِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى فَضَّلَهُمْ أَجَرَهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (٩٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (دَرَجَاتٍ) : قِيلَ: هُوَ بَدَلٌ مِنْ أَجْرًا. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: ذَوِي دَرَجَاتٍ. وَقِيلَ: فِي دَرَجَاتٍ. (وَمَغْفِرَةً) : قِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ. وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ؛ أَيْ: وَغَفَرَ لَهُمْ مَغْفِرَةً. وَ (رَحْمَةً) : مِثْلُهُ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (٩٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَوَفَّاهُمُ) : الْأَصْلُ تَتَوَفَّاهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا، وَيُقْرَأُ بِالْإِمَالَةِ.
(ظَالِمِي) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي تَتَوَفَّاهُمْ، وَالْإِضَافَةُ غَيْرُ مَحْضَةٍ؛ أَيْ: ظَالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ. (قَالُوا) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ حَالٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَ «قَدْ» مَعَهُ مُقَدَّرَةٌ، وَخَبَرُ إِنَّ «فَأُولَئِكَ»، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِمَا فِي الَّذِي مِنَ الْإِبْهَامِ الْمُشَابِهِ لِلشَّرْطِ، وَإِنَّ لَا تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُغَيِّرُ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ. وَالثَّانِي: أَنَّ قَالُوا خَبَرَ إِنَّ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: قَالُوا لَهُمْ. (فِيمَ كُنْتُمْ) : حُذِفَتِ الْأَلِفُ مِنْ «مَا» فِي الِاسْتِفْهَامِ مَعَ حَرْفِ الْجَرِّ لِمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ: (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ) [الْبَقَرَةِ: ٩١] وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرُ كُنْتُمْ. وَ (فِي الْأَرْضِ) : يَتَعَلَّقُ بِمُسْتَضْعَفِينَ. (
قَالَ تَعَالَى: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا) (٩٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) : اسْتِثْنَاءٌ لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ: «تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ»، وَإِلَيْهِ يَعُودُ الضَّمِيرُ مِنْ مَأْوَاهُمْ، وَهَؤُلَاءِ عُصَاةٌ بِالتَّخَلُّفِ عَنِ الْهِجْرَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَإِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ هُمُ الْعَاجِزُونَ، فَمِنْ هُنَا كَانَ مُنْقَطِعًا. وَ (مِنَ الرِّجَالِ) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْمُسْتَضْعَفِينَ، أَوْ مِنْ نَفْسِ الْمُسْتَضْعَفِينَ. (لَا يَسْتَطِيعُونَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مُبَيِّنَةً عَنْ مَعْنَى الِاسْتِضْعَافِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (١٠٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُهَاجِرًا) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَخْرُجُ. (ثُمَّ يُدْرِكْهُ) : مَجْزُومٌ عَطْفًا عَلَى يَخْرُجُ، وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ؛ أَيْ: ثُمَّ هُوَ يُدْرِكُهُ. وَقُرِئَ بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَارِ أَنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى الشَّرْطِ لَفْظًا، فَعَطَفَهُ عَلَيْهِ مَعْنًى كَمَا جَاءَ فِي الْوَاوِ وَالْفَاءِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تَقْصُرُوا) : أَيْ: فِي أَنْ تَقْصُرُوا، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظَائِرُهُ. وَ (مِنْ) : زَائِدَةٌ
عِنْدَ الْأَخْفَشِ، وَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ هِيَ صِفَةُ الْمَحْذُوفِ؛ أَيْ: شُئِيَا مِنَ الصَّلَاةِ. (عَدُوًّا) : فِي مَوْضِعِ أَعْدَاءٍ. وَقِيلَ: عَدُوٌّ مَصْدَرٌ عَلَى فَعُولٍ مِثْلُ الْقَبُولِ وَالْوَلُوعِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْمَعْ. وَ (لَكُمْ) : حَالٌ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بَكَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) (١٠٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَمْ يُصَلُّوا) : فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ لِطَائِفَةٌ، وَجَاءَ الضَّمِيرُ عَلَى مَعْنَى الطَّائِفَةِ، وَلَوْ قَالَ: لَمْ تُصَلِّ لَكَانَ عَلَى لَفْظِهَا. وَ (لَوْ تَغْفُلُونَ) : بِمَعْنَى أَنْ تَغْفُلُوا. وَ (أَنْ تَضَعُوا) : أَيْ: فِي أَنْ تَضَعُوا.
قَالَ تَعَالَى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (١٠٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) : أَحْوَالٌ كُلُّهَا.
(اطْمَأْنَنْتُمْ) : الْهَمْزَةُ أَصْلٌ، وَوَزْنُ الْكَلِمَةِ افْعَلَلَّ، وَالْمَصْدَرُ الطُّمَأْنِينَةُ عَلَى فُعَلِّيلَةٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: طَامَنَ رَأْسَهُ فَأَصْلٌ آخَرُ. وَ (مَوْقُوتًا) : مَفْعُولٌ مِنْ وَقَتَ بِالتَّخْفِيفِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) : الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ إِنَّ وَهِيَ شَرْطٌ. وَقُرِئَ: «أَنْ تَكُونُوا» بِفَتْحِهَا؛ أَيْ: لِأَنْ تَكُونُوا. وَيُقْرَأُ: «تِيلَمُونَ» بِكَسْرِ التَّاءِ وَقَلْبِ الْهَمْزَةِ يَاءً، وَهِيَ لُغَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) (١٠٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِالْحَقِّ) : هُوَ حَالٌ مِنَ الْكِتَابِ، وَقَدْ مَرَّ نَظَائِرُهُ. (أَرَاكَ) : الْهَمْزَةُ هَاهُنَا مُعَدِّيَّةٌ، وَالْفِعْلُ مِنْ رَأَيْتَ الشَّيْءَ إِذَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ، وَهُوَ مِنَ الرَّأْيِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَبَعْدَ الْهَمْزَةِ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْكَافُ وَالْآخَرُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: أَرَاكَهُ.
وَقِيلَ: الْمَعْنَى عَلَّمَكَ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ أَيْضًا، وَهُوَ قَبْلَ التَّشْدِيدِ مُتَعَدٍّ إِلَى وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ: «لَا تَعْلَمُونَهُمْ». (خَصِيمًا) : بِمَعْنَى مُخَاصِمٍ، وَاللَّامُ عَلَى بَابِهَا؛ أَيْ: لِأَجْلِ الْخَائِنِينَ. وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى عَنْ.
قَالَ تَعَالَى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) (١٠٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَسْتَخْفُونَ) : بِمَعْنَى يَطْلُبُونَ الْخَفَاءَ، وَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ لَا مَوْضِعَ لَهُ. (إِذْ يُبَيِّتُونَ) : ظَرْفٌ لِلْعَامِلِ فِي مَعَهُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ) : قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ: (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) [الْبَقَرَةِ: ٨٥]. (أَمْ مَنْ) : هُنَا مُنْقَطِعَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) (١١٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ)، أَوْ لِتَفْصِيلِ مَا أُبْهِمَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَثَلَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (١١٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا) : الْهَاءُ تَعُودُ عَلَى الْإِثْمِ، وَفِي عَوْدِهَا عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَطِيئَةَ فِي حُكْمِ الْإِثْمِ. وَقِيلَ: تَعُودُ عَلَى أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِأَوْ، وَقِيلَ: تَعُودُ عَلَى الْكَسْبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: «وَمَنْ يَكْسِبُ». وَقِيلَ: تَعُودُ عَلَى الْمَكْسُوبِ، وَالْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) (١١٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ) : فِي جَوَابِ (لَوْلَا) : وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: «لَهَمَّتْ» وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ قَدْ وُجِدَ مِنَ الطَّائِفَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا هَمٌّ بِإِضْلَالِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (١١٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ نَجْوَاهُمْ) : فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِكَثِيرٍ.
وَفِي النَّجْوَى وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هِيَ التَّنَاجِي، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ أَمَرَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ لِأَنَّ مَنْ لِلْأَشْخَاصِ، وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ التَّنَاجِي. وَالثَّانِي: أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفَ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: إِلَّا نَجْوَى مَنْ أَمَرَ؛ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بَدَلًا مِنْ نَجْوَاهُمْ، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى أَصْلِ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَيَكُونُ مُتَّصِلًا. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنَّ النَّجْوَى الْقَوْمُ الَّذِينَ يَتَنَاجَوْنَ، ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: (وَإِذْ هُمْ نَجْوَى) [الْإِسْرَاءِ: ٤٧] فَعَلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، فَيَكُونُ أَيْضًا فِي مَوْضِعِ جَرٍّ أَوْ نَصْبٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(بَيْنَ النَّاسِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِإِصْلَاحٍ، وَأَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ.
وَ (ابْتِغَاءَ) : مَفْعُولٌ لَهُ، وَأَلِفُ «مَرْضَاةِ» مِنْ وَاوٍ. (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ) : بِالنُّونِ وَالْيَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ) : إِنَّمَا جَازَ إِظْهَارُ الْقَافِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ سَكَنَتْ بِالْجَزْمِ، وَحَرَكَتُهَا عَارِضَةٌ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: (وَنُصْلِهِ) مِثْلُ الْهَاءِ فِي (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) [آلِ عِمْرَانَ: ٧٥] وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) (١١٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِمَنْ يَشَاءُ) : اللَّامُ تَتَعَلَّقُ بِيَغْفِرُ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا) (١١٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا إِنَاثًا) : هُوَ جَمْعُ أُنْثَى عَلَى فِعَالٍ، وَيُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا لَا رُوحَ فِيهِ مِنْ صَخْرَةٍ، وَشَمْسٍ، وَنَحْوِهِمَا، وَيُقْرَأُ أُنْثَى عَلَى الْإِفْرَادِ، وَدَلَّ الْوَاحِدُ عَلَى الْجَمْعِ، وَيُقْرَأُ: «أُنُثًا» مِثْلُ رُسُلٍ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِفَةً مُفْرَدَةً مِثْلَ امْرَأَةٍ جُنُبٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ أَنِيثٍ كَقَلِيبٍ وَقُلُبٍ، وَقَدْ قَالُوا: جِدِيدُ أَنِيثٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى. وَيُقْرَأُ «أُنْثًا» وَالْوَاحِدُ وَثَنٌ، وَهُوَ الصَّنَمُ وَأَصْلُهُ وُثُنٌ فِي الْجَمْعِ، كَمَا فِي الْوَاحِدِ إِلَّا أَنَّ الْوَاوَ قُلِبَتْ هَمْزَةً لَمَّا انْضَمَّتْ ضَمًّا لَازِمًا، وَهُوَ مِثْلُ أَسَدٍ وَأُسُدٍ، وَيُقْرَأُ بِالْوَاوِ عَلَى الْأَصْلِ جَمْعًا، وَيُقْرَأُ بِسُكُونِ الثَّاءِ مَعَ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ. وَ (مَرِيدًا) : فَعِيلٌ مِنَ التَّمَرُّدِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَعَنَهُ اللَّهُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً أُخْرَى لِشَيْطَانٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا عَلَى الدُّعَاءِ. (وَقَالَ) : يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَاطِفَةً لِقَالَ عَلَى «لَعَنَهُ اللَّهُ» وَفَاعِلُ قَالَ ضَمِيرُ الشَّيْطَانِ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِلْحَالِ؛ أَيْ: وَقَدْ قَالَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا) (١١٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) : مَفْعُولُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: لَأُضِلَّنَّهُمْ عَنِ الْهُدَى. (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) : الْبَاطِلَ. (وَلَآمُرَنَّهُمْ) : بِالضَّلَالِ.
قَالَ تَعَالَى: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) (١٢٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَعِدُهُمْ) : الْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ؛ أَيْ: يَعِدُهُمُ النَّصْرَ وَالسَّلَامَةَ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ بِسُكُونِ الدَّالِ، وَذَلِكَ تَخْفِيفٌ لِكَثْرَةِ الْحَرَكَاتِ.
قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا) (١٢١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَعَنَهُ اللَّهُ) : هُوَ حَالٌ مِنْ «مَحِيصًا» وَالتَّقْدِيرُ: مَحِيصًا عَنْهَا، وَالْمَحِيصُ مَصْدَرٌ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ فِيمَا قَبْلَهُ، وَيَجُوزَ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَنْهَا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى تَبْيِينًا؛ أَيْ: غِنًى عَنْهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِيَجِدُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى بِعْنَ. وَالْمِيمُ فِي الْمَحِيصِ زَائِدَةٌ، وَهُوَ مِنْ حَاصَ يَحِيصُ إِذَا تَخَلَّصَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) (١٢٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا) : مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ (سَنُدْخِلُهُمْ)، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ؛ أَيْ: وَنُدْخِلُ الَّذِينَ.
قَالَ تَعَالَى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) (١٢٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ) : اسْمُ لَيْسَ مُضْمَرٌ فِيهَا، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ، وَإِنَّمَا دَلَّ عَلَيْهِ سَبَبُ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا نَحْنُ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ، وَقَالَتِ النَّصَارَى ذَلِكَ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لَا نُبْعَثُ. فَقَالَ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ؛ أَيْ: لَيْسَ مَا ادَّعَيْتُمُوهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (١٢٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَفِي صَاحِبِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: ضَمِيرُ الْفَاعِلِ فِي يَعْمَلُ. وَالثَّانِي: مِنَ الصَّالِحَاتِ؛ أَيْ: كَائِنَةً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ وَاقِعَةً، وَمِنَ الْأُولَى زَائِدَةٌ عِنْدَ الْأَخْفَشِ، وَصِفَةٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ؛ أَيْ: شَيْئًا مِنَ الصَّالِحَاتِ: وَهُوَ مُؤْمِنٌ حَالٌ أَيْضًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) (١٢٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِمَّنْ أَسْلَمَ) : يَعْمَلُ فِيهِ أَحْسَنُ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِكَ زَيْدٌ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو؛ أَيْ: يَفْضُلُ عَمْرًا. وَ (لِلَّهِ) : يَتَعَلَّقُ بِأَسْلَمَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ «وَجْهِهِ». (وَاتَّبَعَ) : مَعْطُوفٌ عَلَى أَسْلَمَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا) (١٢٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا يُتْلَى) : فِي «مَا» وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: مَوْضِعُهَا جَرٌّ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِفِي، وَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ الْعَطْفَ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِّ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى مَعْنًى، وَنُبَيِّنُ لَكُمْ مَا يُتْلَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى يُفْتِيكُمْ: يُبَيِّنُ لَكُمْ. وَالثَّالِثُ: هُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي يُفْتِيكُمْ، وَجَرَى الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مَجْرَى التَّوْكِيدِ؛ وَالثَّانِي: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، وَهُوَ: قُلِ اللَّهُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ يُبَيِّنُ لَكُمْ، وَ «فِي» تَتَعَلَّقُ بِيُتْلَى، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُتْلَى. وَ (فِي يَتَامَى) : تَقْدِيرُهُ: حُكْمُ يَتَامَى، فَفِي الثَّانِيَةِ تَتَعَلَّقُ بِمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا مُخْتَلِفٌ، فَالْأُولَى ظَرْفٌ، وَالثَّانِيَةُ بِمَعْنَى الْبَاءِ؛ أَيْ: بِسَبَبِ الْيَتَامَى كَمَا تَقُولُ: جِئْتُكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي أَمْرِ زَيْدٍ، وَقِيلَ: الثَّانِيَةُ بَدَلٌ مِنَ الْأُولَى،
(وَتَرْغَبُونَ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى تُؤْتُونَ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَا تَرْغَبُونَ. وَالثَّانِي: هُوَ حَالٌ؛ أَيْ: وَأَنْتُمْ تَرْغَبُونَ فِي أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) : فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ فِي «يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ»، وَكَذَلِكَ «وَأَنْ تَقُومُوا» وَهَذَا أَيْضًا عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْكُوفِيُّونَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ فِيهِنَّ، وَالتَّقْدِيرُ: وَيُبَيِّنُ لَكُمْ حَالَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ: يَدْخُلُ فِي مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ، وَالْجَيِّدُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى يَتَامَى النِّسَاءِ، وَأَنْ تَقُومُوا مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ أَيْ: وَفِي أَنْ تَقُومُوا.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (١٢٨).
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ، وَهَذَا عِنْدَنَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الشَّرْطِ لَا مَعْنَى لَهُ فِي الِاسْمِ، فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِلْفِعْلِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ الْفِعْلُ بَعْدَ الِاسْمِ مَجْزُومًا فِي قَوْلِ عَدِيٍّ:
وَمَتَى وَاغِلٌ يَنُبْهُمْ يُحَيُّو هُ وَتُعْطَفْ عَلَيْهِ كَأْسُ السَّاقِي
(مِنْ بَعْلِهَا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِخَافَتْ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ «نُشُوزًا».
وَ (صُلْحًا) : عَلَى هَذَا مَصْدَرٌ وَاقِعٌ مَوْقِعَ تُصَالِحُ،
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: أَنْ يَصَّالَحَا فَيُصْلِحَا صُلْحًا.
وَيُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، وَأَصْلُهُ يَصْطَلِحَا، فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ صَادًا، وَأُدْغِمَتْ فِيهَا الْأُولَى،
وَقُرِئَ (يَصْطَلِحَا) بإبدال التَّاء طاء وَ (صُلْحًا) عَلَيْهِمَا فِي مَوْضِعِ اصْطِلَاحٍ. وَقُرِئَ بِضَمِّ الْيَاءِ، وَإِسْكَانِ الصَّادِ، وَمَاضِيهِ أَصْلَحَ.
وَ (صُلْحًا) عَلَى هَذَا فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ إِصْلَاحٍ، وَالْمَفْعُولُ بِهِ بَيْنَهُمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ صُلْحًا مَفْعُولًا بِهِ، وَبَيْنَهُمَا ظَرْفٌ أَوْ حَالٌ مِنْ صَلُحَ. (
قَالَ تَعَالَى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) (١٢٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كُلَّ الْمَيْلِ) : انْتِصَابُ «كُلَّ» عَلَى الْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّ لَهَا حُكْمَ مَا تُضَافُ إِلَيْهِ، فَإِنْ أُضِيفَتْ إِلَى مَصْدَرٍ كَانَتْ مَصْدَرًا، وَإِنْ أُضِيفَتْ إِلَى ظَرْفٍ كَانَتْ ظَرْفًا. (فَتَذَرُوهَا) : جَوَابُ النَّهْيِ؛ فَهُوَ مَنْصُوبٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى تَمِيلُوا، فَيَكُونَ مَجْزُومًا. (كَالْمُعَلَّقَةِ) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) (١٣١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِيَّاكُمْ) : مَعْطُوفٌ عَلَى الَّذِينَ، وَحُكْمُ الضَّمِيرِ الْمَعْطُوفِ أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا. وَ (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَجَرٍّ عِنْدَ الْخَلِيلِ؛ وَالتَّقْدِيرُ: بِأَنِ اتَّقُوا اللَّهَ، وَأَنْ عَلَى هَذَا مَصْدَرِيَّةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى أَيْ؛ لِأَنَّ وَصَّيْنَا فِي مَعْنَى الْقَوْلِ فَيَصِحُّ أَنْ يُفَسَّرَ بِأَيِ التَّفْسِيرِيَّةِ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (١٣٥).
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) (١٣٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) : قَدْ ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آلِ عِمْرَانَ: ١٧٩].
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) (١٣٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (جَمِيعًا) : هُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لِلَّهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) (١٤٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَدْ نَزَّلَ) : يُقْرَأُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَالْقَائِمُ مَقَامَ الْفَاعِلِ «أَنْ» وَمَا هُوَ تَمَامٌ لَهَا، وَأَنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ؛ أَيْ: أَنَّهُ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) (١٤٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُوَ خَادِعُهُمْ) وَ «كُسَالَى» : حَالَانِ. (يُرَاءُونَ) : يُقْرَأُ بِالْمَدِّ، وَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ، وَيُقْرَأُ بِحَذْفِ الْأَلِفِ، وَتَشْدِيدِ الْهَمْزَةِ؛ أَيْ: يَحْمِلُونَ غَيْرَهُمْ عَلَى الرِّيَاءِ، وَمَوْضِعُهُ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي كُسَالَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ كُسَالَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا. (إِلَّا قَلِيلًا) : نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَوْ زَمَانٍ مَحْذُوفٍ.
قَالَ تَعَالَى: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا) (١٤٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُذَبْذَبِينَ) : هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الذَّمِّ، وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَذْكُرُونَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ الذَّالِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ؛ أَيْ أَنَّ نِفَاقَهُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى التَّقَلُّبِ، وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الذَّالِ الثَّانِيَةِ؛ أَيْ: مُنْقَلِبِينَ، وَلَيْسَتِ الذَّالُ الثَّانِيَةُ بَدَلًا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، بَلْ ذَبْذَبَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) (١٤٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي الدَّرْكِ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ. وَ (مِنَ النَّارِ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الدَّرْكِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْأَسْفَلِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) (١٤٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) : فِي مَوْضِعِ نَصْبِ اسْتِثْنَاءٍ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ: «وَلَنْ تَجِدْ لَهُمْ» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ: «فِي الدَّرْكِ». وَقِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ: «فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ».
قَالَ تَعَالَى: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) (١٤٧).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ) : فِي «مَا» وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُمَا اسْتِفْهَامٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِيَفْعَلُ،
قَالَ تَعَالَى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) (١٤٨).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِالسُّوءِ) : الْبَاءُ تَتَعَلَّقُ بِالْمَصْدَرِ، وَفِي مَوْضِعِهِمَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: نَصْبٌ تَقْدِيرُهُ: لَا يُحِبُّ أَنْ تَجْهَرُوا بِالسُّوءِ. وَالثَّانِي: رَفْعٌ تَقْدِيرُهُ: أَنْ يُجْهَرَ بِالسُّوءِ. وَ (مِنَ الْقَوْلِ) : حَالٌ مِنَ السُّوءِ. (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) : اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. وَقِيلَ: هُوَ مُتَّصِلٌ، وَالْمَعْنَى لَا يُحِبُّ أَنْ يَجْهَرَ أَحَدٌ بِالسُّوءِ؛ إِلَّا مَنْ يُظْلَمُ فَيَجْهَرُ؛ أَيْ: يَدْعُو اللَّهَ بِكَشْفِ السُّوءِ الَّذِي أَصَابَهُ، أَوْ يَشْكُو ذَلِكَ إِلَى إِمَامٍ، أَوْ حَاكِمٍ؛ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بَدَلًا مِنَ الْمَحْذُوفِ، إِذِ التَّقْدِيرُ: أَنْ يَجْهَرَ أَحَدٌ. وَقُرِئَ: ظَلَمَ بِفَتْحِ الظَّاءِ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لَكِنَّ الظَّالِمَ، فَإِنَّهُ مَفْسُوحٌ لِمَنْ ظَلَمُهُ أَنْ يَنْتَصِفَ مِنْهُ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ ضَعِيفَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا) (١٥٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا) : ذَلِكَ يَقَعُ بِمَعْنَى الْمُفْرَدِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى التَّثْنِيَةِ؛ أَيْ: بَيْنَهُمَا.
قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) (١٥١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَقًّا) : مَصْدَرٌ؛ أَيْ: حَقَّ ذَلِكَ حَقًّا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا؛ أَيْ: أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ غَيْرَ شَكٍّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ) : أَيْ: شَيْئًا، أَوْ سُؤَالًا أَكْبَرَ. (جَهْرَةً) : مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ أَيْ: مُجَاهِرِينَ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: قَوْلًا جَهْرَةً، وَقِيلَ: رُؤْيَةً جَهْرَةً.
قَالَ تَعَالَى: (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (١٥٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ) :«فَوْقَهُمْ» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِرَفَعْنَا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ «الطُّورَ». (بِمِيثَاقِهِمْ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ مُتَعَلِّقٌ بِرَفَعْنَا تَقْدِيرُهُ: بِنَقْضِ مِيثَاقِهِمْ، وَالْمَعْنَى: وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الْجَبَلَ تَخْوِيفًا لَهُمْ؛ بِسَبَبِ نَقْضِهِمُ الْمِيثَاقَ. وَ (سُجَّدًا) : حَالٌ. (لَا تَعْدُوا) : يُقْرَأُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ، يُقَالُ عَدَا يَعْدُو، إِذَا تَجَاوَزَ الْحَدَّ، وَيُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ، وَأَصْلُهُ تَعْتَدُوا، فَقَلَبَ التَّاءَ دَالًا، وَأَدْغَمَ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ، وَلَيْسَ الثَّانِي حَرْفَ مَدٍّ.
قَالَ تَعَالَى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) (١٥٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ) :«مَا» زَائِدَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ نَكِرَةٌ تَامَّةٌ، وَنَقْضِهِمْ بَدَلٌ مِنْهَا،
لَا يُؤْمِنُونَ، وَالْفَاءُ زَائِدَةٌ. (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا) : أَيْ: لَيْسَ كَمَا ادَّعَوْا مِنْ أَنَّ قُلُوبَهُمْ أَوْعِيَةٌ لِلْعِلْمِ. وَ (بِكُفْرِهِمْ) : أَيْ: بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ كُفْرَهُمْ صَارَ مُغَطِّيًا عَلَى قُلُوبِهِمْ، كَمَا تَقُولُ: طَبَعْتُ عَلَى الْكِيسِ بِالطِّينِ؛ أَيْ: جَعَلْتُهُ الطَّابِعَ. إِلَّا قَلِيلًا؛ أَيْ: إِيمَانًا أَوْ زَمَانًا قَلِيلًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) (١٥٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَبِكُفْرِهِمْ) : مَعْطُوفٌ عَلَى وَبِكُفْرِهِمُ الْأَوَّلِ، وَ (بُهْتَانًا) : مَصْدَرٌ يَعْمَلُ فِيهِ الْقَوْلُ؛ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْهُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ قَعَدَ الْقُرْفُصَاءَ، فَهُوَ عَلَى هَذَا بِمَثَابَةِ الْقَوْلِ فِي الِانْتِصَابِ. وَقَالَ قَوْمٌ تَقْدِيرُهُ: قَوْلًا بُهْتَانًا. وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: بُهِتُوا بُهْتَانًا. وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ أَيْ: مُبَاهِتِينَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) (١٥٧) (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (١٥٨).
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (رَسُولَ اللَّهِ) صِفَةً لِعِيسَى، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي.
(لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) : مِنْهُ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِشَكٍّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِشَكٍّ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى لَفِي شَكٍّ حَادِثٍ مِنْهُ؛ أَيْ: مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يُقَالُ شَكَكْتُ مِنْهُ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي فَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ عِنْدَنَا.
(مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْجُمْلَةِ الْمَنْفِيَّةِ جَرًّا صِفَةً مُؤَكِّدَةً لِشَكٍّ؛ تَقْدِيرُهُ: لَفِي شَكٍّ مِنْهُ غَيْرِ عِلْمٍ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً، وَمِنْ زَائِدَةً، وَفِي مَوْضِعِ مِنْ عِلْمٍ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَمَا قَبْلَهُ الْخَبَرُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ بِهِ، «وَلَهُمْ» فَضْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ مُخَصِّصَةٌ كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الْإِخْلَاصِ: ٤] فَعَلَى هَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِقْرَارُ. وَالثَّانِي: أَنَّ لَهُمْ هُوَ الْخَبَرُ، وَفِي بِهِ عَلَى هَذَا عِدَّةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَسَّتَكِنِّ فِي الْخَبَرِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الِاسْتِقْرَارُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ مِنْ زَائِدَةٌ، فَلَمْ تَمْنَعْ مِنْ تَقْدِيمِ الْحَالِ، عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْبَصْرِيِّينَ يُجِيزُ تَقْدِيمَ حَالِ الْمَجْرُورِ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَى التَّبْيِينِ؛ أَيْ: مَا لَهُمْ أَعْنِي بِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ عِلْمٍ؛ لِأَنَّ مَعْمُولَ الْمَصْدَرِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ:
أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ «مِنْ عِلْمٍ» رَفْعًا بِأَنَّهُ فَاعِلٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الظَّرْفُ؛ إِمَّا لَهُمْ أَوْ بِهِ. (
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) (١٥٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) : إِنْ بِمَعْنَى «مَا» وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِأَنَّهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَالْمُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ؛ تَقْدِيرُهُ: وَمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحَدٌ.
وَقِيلَ: الْمَحْذُوفُ مَنْ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ؛ إِلَّا أَنَّ تَقْدِيرَ مَنْ هَاهُنَا بِعِيدٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الِاسْمِ، وَمَنِ الْمَوْصُولَةُ وَالْمَوْصُوفَةُ غَيْرُ تَامَّةٍ. (لَيُؤْمِنَنَّ) : جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، وَقِيلَ: أُكِّدَ بِهَا فِي غَيْرِ الْقَسَمِ، كَمَا جَاءَ فِي النَّفْيِ وَالِاسْتِفْهَامِ. وَالْهَاءُ فِي «مَوْتِهِ» تَعُودُ عَلَى أَحَدٍ الْمُقَدَّرِ. وَقِيلَ: تَعُودُ عَلَى عِيسَى. (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ) : ظَرْفٌ لِشَهِيدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ يَكُونُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَبِظُلْمٍ) : الْبَاءُ تَتَعَلَّقُ بِحَرَّمْنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الْفَاءِ قَبْلَ. (كَثِيرًا) : أَيْ: صَدًّا كَثِيرًا، أَوْ زَمَانًا كَثِيرًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (١٦١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَخْذِهِمُ)، وَ (أَكْلِهِمْ) : مَعْطُوفٌ عَلَى صَدِّهِمْ، وَالْجَمِيعُ مُتَعَلِّقٌ بِحَرَّمْنَا، وَالْمَصَادِرُ مُضَافَةٌ إِلَى الْفَاعِلِ. (وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) : حَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) (١٦٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ) : الرَّاسِخُونَ: مُبْتَدَأٌ. وَ (فِي الْعِلْمِ) : مُتَعَلِّقٌ بِهِ. وَ (مِنْهُمْ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «الرَّاسِخُونَ» (وَالْمُؤْمِنُونَ) : مَعْطُوفٌ عَلَى
الرَّاسِخُونَ، وَفِي خَبَرِ الرَّاسِخُونَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: (يُؤْمِنُونَ) : وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالثَّانِي: هُوَ قَوْلُهُ: «أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ». (وَالْمُقِيمِينَ) : قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالْيَاءِ، وَفِيهِ عِدَّةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَدْحِ؛ أَيْ: وَأَعْنِي الْمُقِيمِينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ، وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَبِظُلْمٍ) : الْبَاءُ تَتَعَلَّقُ بِحَرَّمْنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الْفَاءِ قَبْلَ. (كَثِيرًا) : أَيْ: صَدًّا كَثِيرًا، أَوْ زَمَانًا كَثِيرًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (١٦١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَخْذِهِمُ)، وَ (أَكْلِهِمْ) : مَعْطُوفٌ عَلَى صَدِّهِمْ، وَالْجَمِيعُ مُتَعَلِّقٌ بِحَرَّمْنَا، وَالْمَصَادِرُ مُضَافَةٌ إِلَى الْفَاعِلِ. (وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) : حَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) (١٦٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ) : الرَّاسِخُونَ: مُبْتَدَأٌ. وَ (فِي الْعِلْمِ) : مُتَعَلِّقٌ بِهِ. وَ (مِنْهُمْ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «الرَّاسِخُونَ» (وَالْمُؤْمِنُونَ) : مَعْطُوفٌ عَلَى
الرَّاسِخُونَ، وَفِي خَبَرِ الرَّاسِخُونَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: (يُؤْمِنُونَ) : وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالثَّانِي: هُوَ قَوْلُهُ: «أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ». (وَالْمُقِيمِينَ) : قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالْيَاءِ، وَفِيهِ عِدَّةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَدْحِ؛ أَيْ: وَأَعْنِي الْمُقِيمِينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ، وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ.
وَأَمَّا (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) : فَفِي رَفْعِهِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الرَّاسِخُونَ.. وَالثَّانِي: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي الرَّاسِخُونَ. وَالثَّالِثُ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي الْمُؤْمِنُونَ. وَالرَّابِعُ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي يُؤْمِنُونَ. وَالْخَامِسُ: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: وَهُمُ الْمُؤْتُونَ. وَالسَّادِسُ: هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ (أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ).
وَأُولَئِكَ مُبْتَدَأٌ، وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: وَنُؤْتِي أُولَئِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا) (١٦٣).
مَعَ الْهَمْزِ وَتَرْكِهِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ أَعْجَمِيَّةٌ إِلَّا الْأَسْبَاطَ، وَهُوَ جَمْعُ سِبْطٍ، وَالزَّبُورُ فَعَوْلٌ مِنَ الزُّبُرِ، وَهُوَ الْكِتَابَةُ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالرَّكُوبِ وَالْحَلُوبِ، وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الزَّايِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ جَمْعُ زَبُورٍ عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ الْقُعُودِ وَالْجُلُوسِ، وَقَدْ سُمِّيَ بِهِ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ عَلَى دَاوُدَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) (١٦٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَرُسُلًا) : مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَقَصَصْنَا رُسُلًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ أَوْحَيْنَا؛ أَيْ: وَأَمَرْنَا رُسُلًا؛ وَلَا عِوَضٌ لِقَوْلِهِ (قَدْ قَصَصْنَاهُمْ) وَ «لَمْ نَقْصُصْهُمْ» عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُفَسِّرٌ لِلْعَامِلِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي هُمَا صِفَتَانِ. وَ (تَكْلِيمًا) : مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ رَافِعٌ لِلْمَجَازِ.
قَالَ تَعَالَى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (١٦٥).
مَعَ الْهَمْزِ وَتَرْكِهِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ أَعْجَمِيَّةٌ إِلَّا الْأَسْبَاطَ، وَهُوَ جَمْعُ سِبْطٍ، وَالزَّبُورُ فَعَوْلٌ مِنَ الزُّبُرِ، وَهُوَ الْكِتَابَةُ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالرَّكُوبِ وَالْحَلُوبِ، وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الزَّايِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ جَمْعُ زَبُورٍ عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ الْقُعُودِ وَالْجُلُوسِ، وَقَدْ سُمِّيَ بِهِ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ عَلَى دَاوُدَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) (١٦٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَرُسُلًا) : مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَقَصَصْنَا رُسُلًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ أَوْحَيْنَا؛ أَيْ: وَأَمَرْنَا رُسُلًا؛ وَلَا عِوَضٌ لِقَوْلِهِ (قَدْ قَصَصْنَاهُمْ) وَ «لَمْ نَقْصُصْهُمْ» عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُفَسِّرٌ لِلْعَامِلِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي هُمَا صِفَتَانِ. وَ (تَكْلِيمًا) : مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ رَافِعٌ لِلْمَجَازِ.
قَالَ تَعَالَى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (١٦٥).
و ﴿حجَّة﴾ اسْم كَانَ وخبرها للنَّاس
وَ (عَلَى اللَّهِ) : حَالٌ مِنْ حُجَّةٍ، وَالتَّقْدِيرُ: لِلنَّاسِ حُجَّةٌ كَائِنَةٌ عَلَى اللَّهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عَلَى اللَّهِ، وَلِلنَّاسِ حَالٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَى اللَّهِ بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ. وَ (بَعْدَ) : ظَرْفٌ لِحُجَّةٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهَا؛ لِأَنَّ ظَرْفَ الزَّمَانِ يُوصَفُ بِهِ الْمَصَادِرُ كَمَا يُخْبَرُ بِهِ عَنْهَا.
قَالَ تَعَالَى: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) (١٦٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْزَلَهُ) : لَا مَوْضِعَ لَهُ، وَ (بِعِلْمِهِ) : حَالٌ مِنَ الْهَاءِ؛ أَيْ: أَنْزَلَهُ مَعْلُومًا، أَوْ أَنْزَلَهُ وَفِيهِ عِلْمُهُ؛ أَيْ: مَعْلُومُهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ؛ أَيْ: أَنْزَلَهُ عَالِمًا بِهِ. (وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَا مَوْضِعَ لَهُ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا؛ أَيْ: أَنْزَلَهُ وَالْمَلَائِكَةُ شَاهِدُونَ بِصِدْقِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا) (١٦٨).
قَالَ تَعَالَى: (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) (١٦٩).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) : اسْتِثْنَاءٌ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي مَعْنَى الْعُمُومِ؛ كَانَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَ (خَالِدِينَ) : حَالٌ مُقَدَّرَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (١٧٠).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ) : بِالْحَقِّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ أَيْ: وَمَعَهُ الْحَقُّ، أَوْ مُتَكَلِّمًا بِالْحَقِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِجَاءَ؛ أَيْ: جَاءَ بِسَبَبِ إِقَامَةِ الْحَقِّ. وَ (مِنْ) : حَالٌ مِنَ الْحَالِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِجَاءَ؛ أَيْ: جَاءَ الرَّسُولُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. (فَآمِنُوا خَيْرًا) تَقْدِيرُهُ: عِنْدَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، وَأْتُوا خَيْرًا فَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ فَهُوَ يُرِيدُ إِخْرَاجَهُمْ مِنْ أَمْرٍ، وَإِدْخَالَهُمْ فِيمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: إِيمَانًا خَيْرًا، فَهُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ. وَقِيلَ: هُوَ خَبَرُ كَانَ الْمَحْذُوفُ؛ أَيْ: يَكُنِ الْإِيمَانُ خَيْرًا، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ؛ لِأَنَّ كَانَ لَا تُحْذَفُ هِيَ وَاسْمُهَا، وَيَبْقَى خَبَرُهَا إِلَّا فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيَزِيدُ ذَلِكَ ضَعْفًا أَنْ يَكُونَ الْمُقَدَّرَ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٌ، فَيَصِيرُ الْمَحْذُوفُ الشَّرْطَ وَجَوَابَهُ. وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ. وَمِثْلُهُ (انْتَهُوا خَيْرًا) [النِّسَاءِ: ٧١] فِي جَمِيعِ وُجُوهِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا) (١٧٢).
(وَلَا الْمَلَائِكَةُ) : مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَسِيحِ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ؛ أَيْ: أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا.
قَالَ تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا النَّاس قد جَاءَكُم برهَان من ربكُم وأنزلنا إِلَيْكُم نورا مُبينًا﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) : إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ «مِنْ رَبِّكُمْ» نَعْتًا لِبُرْهَانٍ أَوْ مُتَعَلِّقًا بِجَاءَ.
قَالَ تَعَالَى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (١٧٥).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) : هُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِـ «يَهْدِي»، وَقِيلَ: هُوَ مَفْعُولٌ لِـ «يَهْدِي» عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يُعَرِّفُهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١٧٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي الْكَلَالَةِ) :«فِي» يَتَعَلَّقُ بِيُفْتِيكُمْ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: بِيَسْتَفْتُونَكَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ: يُفْتِيكُمْ فِيهَا فِي الْكَلَالَةِ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَتْ. (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) : هُوَ مِثْلُ: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ) [النِّسَاءِ: ١٢٨] (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) : الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «هَلَكَ». (وَلَهُ أُخْتٌ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْضًا، وَجَوَابُ الشَّرْطِ «فَلَهَا» (وَهُوَ يَرِثُهَا) : مُسْتَأْنَفٌ لَا مَوْضِعَ لَهُ، وَقَدْ سَدَّتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَسَدَّ جَوَابِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ). (