تفسير سورة سورة النساء من كتاب تأويلات أهل السنة
المعروف بـتفسير الماتريدي
.
لمؤلفه
أبو منصور المَاتُرِيدي
.
المتوفي سنة 333 هـ
ﰡ
سُورَةُ النِّسَاءِ
قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ)
في كل ما كان الخطاب للكفرة: ذكر اللَّه - سبحانه وتعالى - على أثره حُجج وحدانيته، ودلائل ربوبيته؛ لأنهم لم يعرفوا ربهم، من نحو ما ذكر: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ...) الآية، وكقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ...) الآية، وكقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)، ونحوه كثير: ذكر الحجج والدلائل التي بها يوصل إلى معرفة الصانع وتوحيده؛ لينظروا فيها وليتفكروا؛ فيعرفوا بها خالقهم وإلههم.
وفي كل ما كان الخطابُ للمؤمنين: لم يذكر حجج الوحدانية، ولا دلائل الربوبية؛ لأنهم قد عرفوا ربهم قبل الخطاب، ولكن ذكر على أثره نعمه التي أنعمها عليهم، وثوابه الذي وعد لهم، نحو قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا...) إلى آخر ما ذكر، ذكر نعمه التي أنعمها عليهم، وكقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ...) كذا إلى آخر ما ذكر؛ على هذا يخرج الخطاب في الأغلب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اتَّقُوا رَبَّكُمُ).
قيل: اتقوا عذابه ونقمته.
وقيل: اتقوا عصيانه في أمره ونهيه.
وقيل: اتقوا اللَّه بحقه في أمره ونهيه.
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)
أضاف خلقنا إلى آدم؛ إذ صورة الإنسان في النطفة.
قال: دلت إضافة خلقنا من آدم -وإن لم تكن أنفسنا مستخرجة منه- على أمرين:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ)
في كل ما كان الخطاب للكفرة: ذكر اللَّه - سبحانه وتعالى - على أثره حُجج وحدانيته، ودلائل ربوبيته؛ لأنهم لم يعرفوا ربهم، من نحو ما ذكر: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ...) الآية، وكقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ...) الآية، وكقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)، ونحوه كثير: ذكر الحجج والدلائل التي بها يوصل إلى معرفة الصانع وتوحيده؛ لينظروا فيها وليتفكروا؛ فيعرفوا بها خالقهم وإلههم.
وفي كل ما كان الخطابُ للمؤمنين: لم يذكر حجج الوحدانية، ولا دلائل الربوبية؛ لأنهم قد عرفوا ربهم قبل الخطاب، ولكن ذكر على أثره نعمه التي أنعمها عليهم، وثوابه الذي وعد لهم، نحو قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا...) إلى آخر ما ذكر، ذكر نعمه التي أنعمها عليهم، وكقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ...) كذا إلى آخر ما ذكر؛ على هذا يخرج الخطاب في الأغلب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اتَّقُوا رَبَّكُمُ).
قيل: اتقوا عذابه ونقمته.
وقيل: اتقوا عصيانه في أمره ونهيه.
وقيل: اتقوا اللَّه بحقه في أمره ونهيه.
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)
أضاف خلقنا إلى آدم؛ إذ صورة الإنسان في النطفة.
قال: دلت إضافة خلقنا من آدم -وإن لم تكن أنفسنا مستخرجة منه- على أمرين:
3
أحدهما: جوازُ إضافة الشيء إلى الأصل الذي إليه المرجع، وإنْ بَعُدَ ذلك عن الراجع إليه؛ على التوالد والتتابع.
والثاني: أنا لم نكن بأبداننا فيه، وإن أضيف خلقنا إليه؛ إذ لو كنا فيه لكُنا منه بحق الإخراج لا بحق الخلق منه. وذلك يبطل قول من يجعل صورة الإنسان في النطفة مع الإحالة أن يكون معنانا في التراب أو النطفة؛ إذ هما من الموات الخارج من احتمال الدرك، ونحن أحياء داركون، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)
أي: فرق، ونشر، وأظهر منهما أولادًا كثيرًا: ذكورا وإناثًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)
قوله: (تَسَاءَلُونَ بِهِ)، أي: اتقوا اللَّه الذي تساءلون بعضكم من بعض، أي: يسأل بعضكم من بعض الحوائج والحقوق به، يقول: أسألك بوجه اللَّه، وبحق اللَّه، وباللَّه.
ويسأل بعضكم من بعض بالرحم، يقول الرجل لآخر: أسألك بالرَّحم وبالقرابة أن تعطيني.
وقوله: (وَالْأَرْحَامَ)، روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ)، واتقوا في الأرحام وصلوها.
وقرئ بالنصب والخفض: (وَالْأَرْحَامَ): فمن قرأ بالنصب يقول: اتقوا اللَّه فلا تعصوه، واتقوه الأرحام فلا تقطعوها.
ومن قرأ بالخفض يقول: اتقوا اللَّه الذي تساءلون به والأرحام.
وروي في الخبر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " اتقُوا اللهَ وَصِلُوا الأَرْحَامَ؛ فَإِنَّهُ أَتْقَى لكُم فِي الدُّنْيَا، وَخَيرٌ لكُمْ فِي الْآخِرَةِ ". والآية في الظاهر على العظة والتنبيه.
وكذلك قوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
هو على التنبيه والاتعاظ.
والثاني: أنا لم نكن بأبداننا فيه، وإن أضيف خلقنا إليه؛ إذ لو كنا فيه لكُنا منه بحق الإخراج لا بحق الخلق منه. وذلك يبطل قول من يجعل صورة الإنسان في النطفة مع الإحالة أن يكون معنانا في التراب أو النطفة؛ إذ هما من الموات الخارج من احتمال الدرك، ونحن أحياء داركون، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)
أي: فرق، ونشر، وأظهر منهما أولادًا كثيرًا: ذكورا وإناثًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)
قوله: (تَسَاءَلُونَ بِهِ)، أي: اتقوا اللَّه الذي تساءلون بعضكم من بعض، أي: يسأل بعضكم من بعض الحوائج والحقوق به، يقول: أسألك بوجه اللَّه، وبحق اللَّه، وباللَّه.
ويسأل بعضكم من بعض بالرحم، يقول الرجل لآخر: أسألك بالرَّحم وبالقرابة أن تعطيني.
وقوله: (وَالْأَرْحَامَ)، روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ)، واتقوا في الأرحام وصلوها.
وقرئ بالنصب والخفض: (وَالْأَرْحَامَ): فمن قرأ بالنصب يقول: اتقوا اللَّه فلا تعصوه، واتقوه الأرحام فلا تقطعوها.
ومن قرأ بالخفض يقول: اتقوا اللَّه الذي تساءلون به والأرحام.
وروي في الخبر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " اتقُوا اللهَ وَصِلُوا الأَرْحَامَ؛ فَإِنَّهُ أَتْقَى لكُم فِي الدُّنْيَا، وَخَيرٌ لكُمْ فِي الْآخِرَةِ ". والآية في الظاهر على العظة والتنبيه.
وكذلك قوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
هو على التنبيه والاتعاظ.
4
قوله تعالى: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣)
قوله - تعالى -: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) يحتمل هذا وجهين:
أحدهما: احفظوا أموالهم إلى أن يخرجوا من اليتم، فإذا خرجوا من اليتم أعطوهم أموالهم.
ويحتمل قوله: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)، أي: أنفقوا عليهم من أموالهم، ووسعوا عليهم النفقة ولا تضيقوها لينظروا إلى أموال غيرهم.
(وَآتُوا)، بمعنى: آتوا لوقت الخروج من اليتم، أي: احفظوا؛ لتؤتوا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)
أي: لا تأخذوا الخبيث فتتركوا لهم ما وعد لكم في الآخرة بحفظ أموالهم.
وقيل: لا تأخذوا الجياد من ماله وتعطي الدون من ماله؛ فذلك تبديل الخبيث بالطيب.
وقيل: لا تأكلوا الخبيث: وهو أموال اليتامى، وتذروا الطيب: وهو أموالكم؛ إشفاقًا على أموالكم أن تفنى.
وقيل: لا تأكلوا الحرام مكان الحلال؛ لأن أكل مال اليتيم حرامٌ، وأكل ماله حلال؛
قوله - تعالى -: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) يحتمل هذا وجهين:
أحدهما: احفظوا أموالهم إلى أن يخرجوا من اليتم، فإذا خرجوا من اليتم أعطوهم أموالهم.
ويحتمل قوله: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)، أي: أنفقوا عليهم من أموالهم، ووسعوا عليهم النفقة ولا تضيقوها لينظروا إلى أموال غيرهم.
(وَآتُوا)، بمعنى: آتوا لوقت الخروج من اليتم، أي: احفظوا؛ لتؤتوا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)
أي: لا تأخذوا الخبيث فتتركوا لهم ما وعد لكم في الآخرة بحفظ أموالهم.
وقيل: لا تأخذوا الجياد من ماله وتعطي الدون من ماله؛ فذلك تبديل الخبيث بالطيب.
وقيل: لا تأكلوا الخبيث: وهو أموال اليتامى، وتذروا الطيب: وهو أموالكم؛ إشفاقًا على أموالكم أن تفنى.
وقيل: لا تأكلوا الحرام مكان الحلال؛ لأن أكل مال اليتيم حرامٌ، وأكل ماله حلال؛
5
فنهي أن يبدلوا الخبيث بالطيب.
ويحتمل: لا تأخذ ماله -وهو خبيث- ليؤخذ منك الذي لك وهو طيب.
ويحتمل: لا تأكلوا ذلك؛ إبقاء لأموالكم التي طيبها اللَّه - تعالى - لكم، بما جعل اللَّه لكم خبيثًا.
ويحتمل: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ) في الدنيا؛ فتكون هي نارا تأكلونها؛ فتتركون الموعود لكم في إبقاء الخبيث؛ كقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا...) الآية.
وقوله: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)
يحتمل هذا - واللَّه أعلم - وجهين:
يحتمل قوله: (أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)، أي: مع أموالكم، أي: لا تخلطوا أموالهم مع أموالكم فتأكلوها؛ ففيه نهي عن الخلط والجمع.
ويحتمل: (أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)، أي: بأموالكم؛ ففيه النهي عن أكل أموالهم بأموال أنفسهم تبعًا؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
وقوله - تعالى -: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)، بمعنى: لا تجمعوها إليها فتأكلونهما معًا.
ويحتمل: مع أموالكم، واللَّه أعلم.
وقوله - جل وعز -: (إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)
قيل: جورًا.
وقيل: الحوب: الإثم، وهو واحد.
وقيل: خطأ.
وقِيل: ذنبًا كبيرًا.
ويحتمل: لا تأخذ ماله -وهو خبيث- ليؤخذ منك الذي لك وهو طيب.
ويحتمل: لا تأكلوا ذلك؛ إبقاء لأموالكم التي طيبها اللَّه - تعالى - لكم، بما جعل اللَّه لكم خبيثًا.
ويحتمل: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ) في الدنيا؛ فتكون هي نارا تأكلونها؛ فتتركون الموعود لكم في إبقاء الخبيث؛ كقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا...) الآية.
وقوله: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)
يحتمل هذا - واللَّه أعلم - وجهين:
يحتمل قوله: (أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)، أي: مع أموالكم، أي: لا تخلطوا أموالهم مع أموالكم فتأكلوها؛ ففيه نهي عن الخلط والجمع.
ويحتمل: (أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)، أي: بأموالكم؛ ففيه النهي عن أكل أموالهم بأموال أنفسهم تبعًا؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
وقوله - تعالى -: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)، بمعنى: لا تجمعوها إليها فتأكلونهما معًا.
ويحتمل: مع أموالكم، واللَّه أعلم.
وقوله - جل وعز -: (إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)
قيل: جورًا.
وقيل: الحوب: الإثم، وهو واحد.
وقيل: خطأ.
وقِيل: ذنبًا كبيرًا.
6
وقيل إثمًا؛ وكذلك روي عن ابن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ (٣)
اختلف في تأويله:
فقيل: إنهم كانوا يخافون من أموال اليتامى ويتحرجون منها؛ لكثرة ما جاء من الوعيد فيها؛ فنزل هذا: (وَإِنْ خِفْتُمْ) وتحرجتم من أموال اليتامى؛ فكذا فتحرجوا من الزنا: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ...) الآية.
عن عائشة - رضي اللَّه عنها - أنها قالت: نزلت في يتامى من يتامى النساء كُنَّ عند الرجال؛ فتكون اليتيمة الشوهاء عند الرجل -وهي ذات مال- فلا ينكحها؛ لشوهتها، ولا يُنْكِحُهَا؛ ضنًّا بمالها؛ لتموتَ فيرثَها، وإن نكحها أمسكها على غير عدل منه في أداء حقها إليها، ولا ولي لها سواه يطالبه بحقها؛ فأنزل اللَّه - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) فذروهن، ولا تنكحوهن، (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ).
وروي عنها -أيضًا- أنها سئلت عن هذه الآية؟ فقالت: نزلت في اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها، وينقص من صداقها؛ فنهوا عن نكاحهن، إلا أن يقسطوا في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء.
قالت عائشة - رضي اللَّه عنها -: واستفتى الناس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك؛ فأنزل اللَّه: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ...) إلى قوله: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) فأنزل اللَّه - تعالى - لهم في هذه الآية: أن اليتيمة إذا كانت ذات جمالٍ ومال رغبوا فيها -في نكاحها- وسنتها في إكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبًا عنها في شوهتها، وقلة
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ (٣)
اختلف في تأويله:
فقيل: إنهم كانوا يخافون من أموال اليتامى ويتحرجون منها؛ لكثرة ما جاء من الوعيد فيها؛ فنزل هذا: (وَإِنْ خِفْتُمْ) وتحرجتم من أموال اليتامى؛ فكذا فتحرجوا من الزنا: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ...) الآية.
عن عائشة - رضي اللَّه عنها - أنها قالت: نزلت في يتامى من يتامى النساء كُنَّ عند الرجال؛ فتكون اليتيمة الشوهاء عند الرجل -وهي ذات مال- فلا ينكحها؛ لشوهتها، ولا يُنْكِحُهَا؛ ضنًّا بمالها؛ لتموتَ فيرثَها، وإن نكحها أمسكها على غير عدل منه في أداء حقها إليها، ولا ولي لها سواه يطالبه بحقها؛ فأنزل اللَّه - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) فذروهن، ولا تنكحوهن، (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ).
وروي عنها -أيضًا- أنها سئلت عن هذه الآية؟ فقالت: نزلت في اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها، وينقص من صداقها؛ فنهوا عن نكاحهن، إلا أن يقسطوا في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء.
قالت عائشة - رضي اللَّه عنها -: واستفتى الناس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك؛ فأنزل اللَّه: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ...) إلى قوله: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) فأنزل اللَّه - تعالى - لهم في هذه الآية: أن اليتيمة إذا كانت ذات جمالٍ ومال رغبوا فيها -في نكاحها- وسنتها في إكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبًا عنها في شوهتها، وقلة
7
مالها؛ تركوها وأخذوا غيرها من النساء.
قالت: فكما تتركونها حين ترغبون عنها؛ فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق.
وقيل: لما أنزل اللَّه - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا...) الآية ترك المؤمنون مخالطة اليتامى، وتنزهوا عنها؛ فشق ذلك عليهم؛ فاستفتوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في مخالطتهم، وكان يكون عند الرجل عدد من النساء ثم لا يعدل ببنهن؛ فأنزل اللَّه - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ) الجور في مخالطة اليتامى؛ فكذلك خافوا جمع النساء وترك التسوية بينهن في النفقة والجماع.
ثم من الناس من يبيح نكاح التسع بقوله تعالى: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) فذلك تسع.
وأما عندنا: فإنه لا يحتمل ذلك؛ لأن معنى قوله - تعالى -: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ): مثنى أو ثلاث أو رباع؛ لأنه قال: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً): استثنى الواحدة إذا خاف ألا يعدل بينهن، فلو كان ما ذكر؛ لكان لا معنى لاستثناء واحدة منهن، ولكن يقول: وإن خفتم ألا تعدلوا " بين التسع؛ فثمان، أو سبع، أو ست؛ فلما لم يستثن إلا واحدة دل أن التأويل ما ذكرنا: مثنى أو ثلاث أو رباع، على الانفراد.
قالت: فكما تتركونها حين ترغبون عنها؛ فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق.
وقيل: لما أنزل اللَّه - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا...) الآية ترك المؤمنون مخالطة اليتامى، وتنزهوا عنها؛ فشق ذلك عليهم؛ فاستفتوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في مخالطتهم، وكان يكون عند الرجل عدد من النساء ثم لا يعدل ببنهن؛ فأنزل اللَّه - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ) الجور في مخالطة اليتامى؛ فكذلك خافوا جمع النساء وترك التسوية بينهن في النفقة والجماع.
ثم من الناس من يبيح نكاح التسع بقوله تعالى: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) فذلك تسع.
وأما عندنا: فإنه لا يحتمل ذلك؛ لأن معنى قوله - تعالى -: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ): مثنى أو ثلاث أو رباع؛ لأنه قال: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً): استثنى الواحدة إذا خاف ألا يعدل بينهن، فلو كان ما ذكر؛ لكان لا معنى لاستثناء واحدة منهن، ولكن يقول: وإن خفتم ألا تعدلوا " بين التسع؛ فثمان، أو سبع، أو ست؛ فلما لم يستثن إلا واحدة دل أن التأويل ما ذكرنا: مثنى أو ثلاث أو رباع، على الانفراد.
8
والثاني: ما ذكر في القصة: أنه كان عند الرجل عدد من النساء عشر أو أكثر أو أقل، فخرج ذلك على بيان ما يحل من العدد، وذلك أربعة.
وروي أن رجلا أسلم وتحته ثماني نسوة، فأسلمن، فقال له رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " اختَر مِنْهُنَّ أَرْبعًا، وفَارِقِ الْبَوَاقِي ".
والخبر في بيان منتهى ما يحل من العدد دون وجه الحل؛ فاحتمل أن يختار أربعًا على استقبال النكاح.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى...) الآية: قيل فيه بوجوه:
أحدها: أنه قال: إذا خفتم الجور في كفالة اليتامى فاتقيتموها؛ فخافوا في كفالة النساء؛ فلا تكثروا منهن.
والثاني: أنكم إذا خفتم في أموال اليتامى؛ فتحرجتم ضم أموالهم إليكم؛ إشفاقا على أنفسكم أن تأكلوا منها - فخافوا النساء مواقعتهن من وجهٍ يحرم عليكم؛ فانكحوهن.
والثالث: أنه إذا خفتم الجور في يتامى النساء لو تزوجتموهن من حيث ليس معهن من يمنعكم من ظلمهن، فانكحوهن من غيرهن ممن إذا جرْتُمْ فيهن مُنِعْتُمْ من ذلك.
وروي أن رجلا أسلم وتحته ثماني نسوة، فأسلمن، فقال له رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " اختَر مِنْهُنَّ أَرْبعًا، وفَارِقِ الْبَوَاقِي ".
والخبر في بيان منتهى ما يحل من العدد دون وجه الحل؛ فاحتمل أن يختار أربعًا على استقبال النكاح.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى...) الآية: قيل فيه بوجوه:
أحدها: أنه قال: إذا خفتم الجور في كفالة اليتامى فاتقيتموها؛ فخافوا في كفالة النساء؛ فلا تكثروا منهن.
والثاني: أنكم إذا خفتم في أموال اليتامى؛ فتحرجتم ضم أموالهم إليكم؛ إشفاقا على أنفسكم أن تأكلوا منها - فخافوا النساء مواقعتهن من وجهٍ يحرم عليكم؛ فانكحوهن.
والثالث: أنه إذا خفتم الجور في يتامى النساء لو تزوجتموهن من حيث ليس معهن من يمنعكم من ظلمهن، فانكحوهن من غيرهن ممن إذا جرْتُمْ فيهن مُنِعْتُمْ من ذلك.
10
لكنه معلوم أن الحد في عدد النساء؛ لخوف الجور، وبما علم اللَّه من عجز البشر على ما جُبِل عليه، أخبر أنه لا يقوم بوفاء الحق في أكثر من ما ذكر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)
ليس على الحكم والحتم؛ ولكنه أدب؛ لأنه وإن خاف ألا يعدل فتزوج أربعًا - جاز، وهو مثل الذي نهى -في الإصرار- المراجعة، وأمر بالقصد فيها والعدل، فإن فعل ذلك أثم ورجعته صحيحة، وكذلك كالأمر بالطلاق في العدة، والنهي عنه في غير العدة، ثم إذا طلق في غير العدة وقع؛ فكذلك الأول.
وقوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا): في القسم والجماع والنفقة.
(فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) إن خفتم ألا تعدلوا في واحدة؛ لأنه ليس للإماء قِبَلَ سادتهن حق الجماع والقسم؛ ينكح ما شاء؛ كأنه قال هذا؛ لما ليس لأكثرهن غاية؛ فله أن يجمع ما شاء من الإماء في ملكه، وليس له أن يجمع بالنكاح أكثر من أربع، ولو كان التأويل ما ذهب إليه لم يكن لقوله: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) وجهٌ.
وفيه إذن بتكثير العيال، مع ما أن كثرة العيال معدودة من الكرم؛ إذا أحسن إليهم لم يحتمل أن يزهد فيه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)
ليس على الحكم والحتم؛ ولكنه أدب؛ لأنه وإن خاف ألا يعدل فتزوج أربعًا - جاز، وهو مثل الذي نهى -في الإصرار- المراجعة، وأمر بالقصد فيها والعدل، فإن فعل ذلك أثم ورجعته صحيحة، وكذلك كالأمر بالطلاق في العدة، والنهي عنه في غير العدة، ثم إذا طلق في غير العدة وقع؛ فكذلك الأول.
وقوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا): في القسم والجماع والنفقة.
(فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) إن خفتم ألا تعدلوا في واحدة؛ لأنه ليس للإماء قِبَلَ سادتهن حق الجماع والقسم؛ ينكح ما شاء؛ كأنه قال هذا؛ لما ليس لأكثرهن غاية؛ فله أن يجمع ما شاء من الإماء في ملكه، وليس له أن يجمع بالنكاح أكثر من أربع، ولو كان التأويل ما ذهب إليه لم يكن لقوله: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) وجهٌ.
وفيه إذن بتكثير العيال، مع ما أن كثرة العيال معدودة من الكرم؛ إذا أحسن إليهم لم يحتمل أن يزهد فيه.
11
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا):
قال بعضُ أهل العلم: إن قوله - تعالى -: (أَلَّا تَعُولُوا): من كثرة العيال، وهو قول الشافعي - رحمه - اللَّه تعالى - ولكن هذا لا يستقيم في اللغة؛ لأنه يقال من كثرة العيال: أعال يُعِيل إعالة؛ فهو معيل، ولا يقال: عال يعول، وإنما يقال ذلك في الجور.
فَإِنْ قِيلَ: روي في الخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ " لكن تأويله - والله أعلم -: ابدأ بمن يلزمُك نفقته، أي: ابدأ بمن تصير جائرًا بترك النفقة عليه، وكذلك يقال: عال يعول عولا؛ إذا أنفق على عياله، وليس من كثرة العيال في شيء، ألا ترى أن على الرجل أن يبدأ بمن يعول؛ فلو كان قوله: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) من العيال؛ لكان المتزوج واحدة ذا عيال، وإن قول اللَّه - تعالى -: (أَلَّا تَعُولُوا)، والمتزوج واحدة يعولها؛ فدل بما ذكرنا أن قوله: (أَلَّا تَعُولُوا)، أي: لا تجوروا ولا تميلوا؛ على ما قيل.
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها -: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا): ألا تميلوا.
قال بعضُ أهل العلم: إن قوله - تعالى -: (أَلَّا تَعُولُوا): من كثرة العيال، وهو قول الشافعي - رحمه - اللَّه تعالى - ولكن هذا لا يستقيم في اللغة؛ لأنه يقال من كثرة العيال: أعال يُعِيل إعالة؛ فهو معيل، ولا يقال: عال يعول، وإنما يقال ذلك في الجور.
فَإِنْ قِيلَ: روي في الخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ " لكن تأويله - والله أعلم -: ابدأ بمن يلزمُك نفقته، أي: ابدأ بمن تصير جائرًا بترك النفقة عليه، وكذلك يقال: عال يعول عولا؛ إذا أنفق على عياله، وليس من كثرة العيال في شيء، ألا ترى أن على الرجل أن يبدأ بمن يعول؛ فلو كان قوله: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) من العيال؛ لكان المتزوج واحدة ذا عيال، وإن قول اللَّه - تعالى -: (أَلَّا تَعُولُوا)، والمتزوج واحدة يعولها؛ فدل بما ذكرنا أن قوله: (أَلَّا تَعُولُوا)، أي: لا تجوروا ولا تميلوا؛ على ما قيل.
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها -: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا): ألا تميلوا.
12
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله.
والعول: هو المجاوزة عن الحد؛ ولذلك سمي الحساب الذي ازداد على أصله عولا؛ لمجاوزته الحد؛ فعلى ذلك العول هاهنا هو: المجاوزة عن الحد الذي جعل له، وهو الجور.
وقوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً): ليس بشرط؛ ليتفق القول، ولأنه لا وجه لمعرفة حد الخوف الذي يجعل شرطا للجواز، وكل عدل يخاف أدنى خوف، بل جميع أمور الدِّين هي على الخوف والرجاء.
ولأنه يوجب جهل النساء بمن يحل لهن النكاح ويحرم؛ إذ لا يعرفن ذلك، ومتى حرم عليه حرم عليها، ولا يحتمل أن يجعل للحل شرطا لا يوصل إلى حقيقته، ولظهور الجور في الأمة على الإبقاء على النكاح؛ فضلًا عن خوفه؛ كذا مع ما في قوله: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا...) الآية. دلالة ظاهرة، وكذلك في قوله: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا) الآية، وقوله - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ).
* * *
قوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥)
وقوله - تعالى -: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً).
والعول: هو المجاوزة عن الحد؛ ولذلك سمي الحساب الذي ازداد على أصله عولا؛ لمجاوزته الحد؛ فعلى ذلك العول هاهنا هو: المجاوزة عن الحد الذي جعل له، وهو الجور.
وقوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً): ليس بشرط؛ ليتفق القول، ولأنه لا وجه لمعرفة حد الخوف الذي يجعل شرطا للجواز، وكل عدل يخاف أدنى خوف، بل جميع أمور الدِّين هي على الخوف والرجاء.
ولأنه يوجب جهل النساء بمن يحل لهن النكاح ويحرم؛ إذ لا يعرفن ذلك، ومتى حرم عليه حرم عليها، ولا يحتمل أن يجعل للحل شرطا لا يوصل إلى حقيقته، ولظهور الجور في الأمة على الإبقاء على النكاح؛ فضلًا عن خوفه؛ كذا مع ما في قوله: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا...) الآية. دلالة ظاهرة، وكذلك في قوله: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا) الآية، وقوله - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ).
* * *
قوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥)
وقوله - تعالى -: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً).
13
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نحلة -قال-: المهر.
وقيل: النحلة: الفريضة، أي: آتوهن فريضتهن.
وقيل: نحلة؛ أي: عطية، أي: تُعْطَى هي لا وليها؛ وهو من النُّحْلَى.
وقيل: نحلة: من نحلة الدِّين، أي: من الدِّين أن تؤتوا النساء صدقاتهن؛ ليس على ما كانوا يفعلون في الجاهلية: يتزوجون النساء بغير مهورهن؛ ففيه أن لأهل الكفر النكاح بغير مهر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا).
وفي الآية دلالة جواز هبة المرأة من زوجها، وفساد قول من لا يجيز هبة المرأة بمالها حتى تلد أو تبقى في بيته سنة؛ فيجوز أمرها.
وفي الآية -أيضًا-: دليل أن المهر لها؛ حيث أضاف الإحلال والهبة إليهن بقوله: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا).
وقيل: النحلة: الفريضة، أي: آتوهن فريضتهن.
وقيل: نحلة؛ أي: عطية، أي: تُعْطَى هي لا وليها؛ وهو من النُّحْلَى.
وقيل: نحلة: من نحلة الدِّين، أي: من الدِّين أن تؤتوا النساء صدقاتهن؛ ليس على ما كانوا يفعلون في الجاهلية: يتزوجون النساء بغير مهورهن؛ ففيه أن لأهل الكفر النكاح بغير مهر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا).
وفي الآية دلالة جواز هبة المرأة من زوجها، وفساد قول من لا يجيز هبة المرأة بمالها حتى تلد أو تبقى في بيته سنة؛ فيجوز أمرها.
وفي الآية -أيضًا-: دليل أن المهر لها؛ حيث أضاف الإحلال والهبة إليهن بقوله: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا).
14
وفيه دليل -أيضًا-: أن هبة الديون والبراءة منها جائزة؛ كما جازت هبة المرأة مهرها وهو دَين.
وقيل: فيه وجه آخر، وهو أن الآباء في الجاهلية والأولياء كانوا يأخذون مهور نسائهم؛ فأمرهم - عَزَّ وَجَلَّ - ألا يأخذوا ذلك، وحكم بأن المهر للمرأة دون وليها، إلا أن تهبه لوليها؛ فيحل حينئذٍ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكُلُوهُ هَنِيئًا): لا داء فيه، و (مَرِيئًا): لا إثم فيه.
وقيل: الهنيء: هو اللذيذ الشهي، الذي يلذ عند تناوله ويسر.
والمريء: الذي عاقبته.
ثم الحكمة في ذكر الهنيء والمريء هنا وجهان:
أحدهما: ما ذكر في الآيات من الوعيد بأخذه منها: يقول - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا...) إلى قوله: (بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ)؛ لئلا يمتنعوا عن قبول ذلك للوعيد الذي ذكر في الآيات.
والثاني: إن الامتناع عن قبول ما بذلت الزوجة يحمل على حدوث المكروه، ويورث الضغائن؛ وذلك يسبب قطع الزوجية فيما بينهما.
وقيل: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)، يعني: بطيبة أنفسكم: يقول: لا تعطوهن مهورهن وأنتم كارهون، ولكن آتوهن وأنفسكم بها طيبة؛ إذ كان المهور لهن دونكم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ)، أي: ما طابت به أنفسهن من غير كره فهو حلال.
وقيل: فيه وجه آخر، وهو أن الآباء في الجاهلية والأولياء كانوا يأخذون مهور نسائهم؛ فأمرهم - عَزَّ وَجَلَّ - ألا يأخذوا ذلك، وحكم بأن المهر للمرأة دون وليها، إلا أن تهبه لوليها؛ فيحل حينئذٍ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكُلُوهُ هَنِيئًا): لا داء فيه، و (مَرِيئًا): لا إثم فيه.
وقيل: الهنيء: هو اللذيذ الشهي، الذي يلذ عند تناوله ويسر.
والمريء: الذي عاقبته.
ثم الحكمة في ذكر الهنيء والمريء هنا وجهان:
أحدهما: ما ذكر في الآيات من الوعيد بأخذه منها: يقول - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا...) إلى قوله: (بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ)؛ لئلا يمتنعوا عن قبول ذلك للوعيد الذي ذكر في الآيات.
والثاني: إن الامتناع عن قبول ما بذلت الزوجة يحمل على حدوث المكروه، ويورث الضغائن؛ وذلك يسبب قطع الزوجية فيما بينهما.
وقيل: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)، يعني: بطيبة أنفسكم: يقول: لا تعطوهن مهورهن وأنتم كارهون، ولكن آتوهن وأنفسكم بها طيبة؛ إذ كان المهور لهن دونكم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ)، أي: ما طابت به أنفسهن من غير كره فهو حلال.
15
وعن علقمة أنه قال لامرأته: أطعميني من الهنيء المريء.
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا اشتكى أحدكم شيئًا فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من صداقها، ثم يشتري بها عسلًا، ثم يشربه بماء السماء، فيجمع اللَّه - تعالى - الهنيء المريء والشفاء والماء المبارك.
وفي قوله - أيضًا، عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) أن النفقة - وإن كانت عليه - فهي إذا قامت بها في نفسها لا يحرج هو؛ لأن نفقتها عليها ليست بأعظم من نفقته من مالها إذا تطيبت، ووصف بالهنيء المريء بما ربما يستثقل الطبع عن مالها؛ كراهة الامتنان، أو بما كان عليه كفايتها، أو بما جرى من الوعيد الشديد في منع مهرها، أو بما قد تحتشمه فتبذل له، أو بما يوهم الطمع في مالها، والرغبة في النكاح لذلك؛ فطيبه اللَّه - تعالى - حتى وصفه بغاية ما يحتمل المال من الطيب.
وفيه بيان جواز معروفها، وترغيب في حسن المعاشرة بينهما حتى أبقى ذلك بعد الفراق بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ...) الآية وذلك أحد ما يورث المحبة والمودة، أو يديمها؛ إذ جعل اللَّه بينهما بقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا).
مسألة: في العبد لا ينزوج أكثر من اثنتين:
روي عن عبد اللَّه بن عتبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ينكح العبد اثنتين، ويطلق اثنتين، وتعتد الأمة بحيضتين، فإن لم تحض فشهر ونصف ".
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا اشتكى أحدكم شيئًا فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من صداقها، ثم يشتري بها عسلًا، ثم يشربه بماء السماء، فيجمع اللَّه - تعالى - الهنيء المريء والشفاء والماء المبارك.
وفي قوله - أيضًا، عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) أن النفقة - وإن كانت عليه - فهي إذا قامت بها في نفسها لا يحرج هو؛ لأن نفقتها عليها ليست بأعظم من نفقته من مالها إذا تطيبت، ووصف بالهنيء المريء بما ربما يستثقل الطبع عن مالها؛ كراهة الامتنان، أو بما كان عليه كفايتها، أو بما جرى من الوعيد الشديد في منع مهرها، أو بما قد تحتشمه فتبذل له، أو بما يوهم الطمع في مالها، والرغبة في النكاح لذلك؛ فطيبه اللَّه - تعالى - حتى وصفه بغاية ما يحتمل المال من الطيب.
وفيه بيان جواز معروفها، وترغيب في حسن المعاشرة بينهما حتى أبقى ذلك بعد الفراق بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ...) الآية وذلك أحد ما يورث المحبة والمودة، أو يديمها؛ إذ جعل اللَّه بينهما بقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا).
مسألة: في العبد لا ينزوج أكثر من اثنتين:
روي عن عبد اللَّه بن عتبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ينكح العبد اثنتين، ويطلق اثنتين، وتعتد الأمة بحيضتين، فإن لم تحض فشهر ونصف ".
16
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: " لا يحل للعبد أن ينكح فوق اثنتين ".
وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: " يتزوج العبد اثنتين ".
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال لابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: " ما يحل للعبد من النساء؟ قال: " اثنتين "، قال عمر - رضي اللَّه عنه -: " ذلك أرى ".
وعن الحكم قال: اجتمع أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين؛ فهَؤُلَاءِ ستة نفر من أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، منهم: عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي، وابن مسعود، والفضل بن العباس، والأنصاري - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - اتفقوا على أن العبد يتزوج اثنتين، ولا يتزوج أكثر من ذلك.
وأيضًا عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " طَلاقُ الأَمَةِ تَطْليقَتَانِ، وَعِدتُهَا حَيضَتَانِ ".
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها - قالت: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الأَمَةُ تُطَلقُ تَطْيقَتَينِ، وَتَعْتَد حَيضَتَينِ ".
فإن احتج محتج بعموم الآية أن اللَّه - تعالى - قال: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)، ولم يذكر عبدًا ولا حرًّا؛ فهو على عمومه.
قيل: في الآية دليل أن الخطاب للأحرار، وهو قوله - تعالى -: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)؛ فهو على من له النكاح بنفسه، والعبد يكون له النكاح بغيره بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ): فكان المخاطب بنكاح العبيد مواليهم، ليس له أن ينكح المرأة إلا بإذن مولاه؛ ومولاه يزوجه إذا شاء بغير أمره، فإنما الخطاب لمن له أن يتزوج إذا شاء؛ والعبد من ذلك خارج؛ ألا ترى أنه قال - عز
وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: " يتزوج العبد اثنتين ".
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال لابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: " ما يحل للعبد من النساء؟ قال: " اثنتين "، قال عمر - رضي اللَّه عنه -: " ذلك أرى ".
وعن الحكم قال: اجتمع أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين؛ فهَؤُلَاءِ ستة نفر من أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، منهم: عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي، وابن مسعود، والفضل بن العباس، والأنصاري - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - اتفقوا على أن العبد يتزوج اثنتين، ولا يتزوج أكثر من ذلك.
وأيضًا عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " طَلاقُ الأَمَةِ تَطْليقَتَانِ، وَعِدتُهَا حَيضَتَانِ ".
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها - قالت: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الأَمَةُ تُطَلقُ تَطْيقَتَينِ، وَتَعْتَد حَيضَتَينِ ".
فإن احتج محتج بعموم الآية أن اللَّه - تعالى - قال: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)، ولم يذكر عبدًا ولا حرًّا؛ فهو على عمومه.
قيل: في الآية دليل أن الخطاب للأحرار، وهو قوله - تعالى -: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)؛ فهو على من له النكاح بنفسه، والعبد يكون له النكاح بغيره بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ): فكان المخاطب بنكاح العبيد مواليهم، ليس له أن ينكح المرأة إلا بإذن مولاه؛ ومولاه يزوجه إذا شاء بغير أمره، فإنما الخطاب لمن له أن يتزوج إذا شاء؛ والعبد من ذلك خارج؛ ألا ترى أنه قال - عز
17
وجل -: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)؟! والعبد لا يملك ملك اليمين؛ فدل أن الخطاب راجع إلى الأحرار دون العبيد.
فَإِنْ قِيلَ: قد جعلتم للعبد أن يطلق الحرة ثلاثًا، فجعلتم له من الطلاق مثل الذي جعلتموه للحر؛ فيجب أن تجعلوا له مِنْ تزوج النساء مثل الذي يجوز للحر.
قيل: الفرق بينهما أن الطلاق عندنا بالنساء؛ لأن الحر يطلق امرأته الأمة تطليقتين؛ فتحرم عليه؛ والتزويج بالرجال لا ينظر فيه إلى النساء، فللعبد أن يتزوج النصف من تزويج الحر، كما أن عدة الأمة وطلاقها على النصف من عدة الحرة، على ما روينا من الخبر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " حَتَّى يَكُونَ لِلْعَبدِ في امْرَأَتَينِ شَيءٌ نِصْفُ مَا لِلْحُر مِنَ الأرْبَعِ "؛ ورُويَ عن الحسن أنه قال في قوله - تعالى -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) يعني: الكفار.
وقيل: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)؛ فيكونوا قيامًا عليكم، ولكن كونوا أنتم قيامًا عليهم.
وقيل: لا تؤتوهم أموالكم؛ فيكونوا أربابًا عليكم، وكونوا أربابًا بأموالكم عليهم.
ومن صرف التأويل إلى اليتامى جعل معنى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْوَالَكُمُ) و - كقوله: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)، وكقوله: (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُم): يريد من ترونه في البيوت؛ فعلى ذلك إضافة أموال اليتامى إلى الأولياء.
فَإِنْ قِيلَ: قد جعلتم للعبد أن يطلق الحرة ثلاثًا، فجعلتم له من الطلاق مثل الذي جعلتموه للحر؛ فيجب أن تجعلوا له مِنْ تزوج النساء مثل الذي يجوز للحر.
قيل: الفرق بينهما أن الطلاق عندنا بالنساء؛ لأن الحر يطلق امرأته الأمة تطليقتين؛ فتحرم عليه؛ والتزويج بالرجال لا ينظر فيه إلى النساء، فللعبد أن يتزوج النصف من تزويج الحر، كما أن عدة الأمة وطلاقها على النصف من عدة الحرة، على ما روينا من الخبر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " حَتَّى يَكُونَ لِلْعَبدِ في امْرَأَتَينِ شَيءٌ نِصْفُ مَا لِلْحُر مِنَ الأرْبَعِ "؛ ورُويَ عن الحسن أنه قال في قوله - تعالى -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) يعني: الكفار.
وقيل: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)؛ فيكونوا قيامًا عليكم، ولكن كونوا أنتم قيامًا عليهم.
وقيل: لا تؤتوهم أموالكم؛ فيكونوا أربابًا عليكم، وكونوا أربابًا بأموالكم عليهم.
ومن صرف التأويل إلى اليتامى جعل معنى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْوَالَكُمُ) و - كقوله: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)، وكقوله: (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُم): يريد من ترونه في البيوت؛ فعلى ذلك إضافة أموال اليتامى إلى الأولياء.
18
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ... (٥)
فالسفيه -في الحقيقة- من يعمل عمل الجهال، كان جاهلا في الحقيقة أو لا؛ لما قد يلقب العالم به؛ إذا ضيع الحدود، وتعاطى الأفعال الذميمة؛ وعلى ذلك ما جاء من الكتاب بتسفيه علماء أهل الكتاب. ثم قد يسمى الجهال به؛ لما أن الجهل هو السبب الباعث على فعل السفه؛ فقوله - تعالى -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) يحتمل ذلك الوجهين.
وأي الأمرين كان ففيه التحذير للمعنى الذي بين من قوله: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا): فإما إذا كانت قيامًا للمعاش أو للمعاد أو لهما، وطريق الإنفاق في الوجهين والإمساك لهما التدبر، ومراعاة الشرع، وتعاهد الأسباب، والوجهان جميعًا يمنعان الوفاء بما جعلت له الأموال؛ فحذر من أنعم بها عن تضييع ذلك بالتسليم إلى من ذكر، مع ما يكون في ذلك أن اتباع من يستحق أن يكون متبوعًا لمن حقه أن يجعل تابعًا، وذلك خارج عن حد الحكمة، وما يحمده العقل.
ثم قد صرفت الآية إلى النساء بما جعل من إليه التدبير وهو الذي أنشأهن تحت أيدي الرجال في الأمور، مع وصف الرجال أنهم قوامون على النساء.
وصرفت -أيضًا- إلى الصغار بما ضمن حفظ أموال مثلهم الكبار، وجعلوا مكفولين عند البالغين؛ فأموال البالغين أحق بذلك، وحقيقة السفه ما ذكرت.
وجائز أن يكون المقصود بالذكر -من ذكر الصغار والنساء بما خاطب من حذر بالدفع إلى من ذكر- رزق أُولَئِكَ وكسوتهم، ولا يجب رزق الجهال والسفهاء في الأفعال على غيرهم؛ فيكون ما ذكروا أولى بمراد الآية، وإن كان للمعنى الذي قصد بالآية التي ذكرتهم - قد استحقوا.
ولما غلبت تلك الأحوال على هَؤُلَاءِ جعل من ذكرت قوامًا عليهم، وقد ذكرت عن الحسن: أنه صرف الآية إلى الكفار؛ فكأنه تأول في القيام - القيام بأمر الدِّين؛ والكفار لا
فالسفيه -في الحقيقة- من يعمل عمل الجهال، كان جاهلا في الحقيقة أو لا؛ لما قد يلقب العالم به؛ إذا ضيع الحدود، وتعاطى الأفعال الذميمة؛ وعلى ذلك ما جاء من الكتاب بتسفيه علماء أهل الكتاب. ثم قد يسمى الجهال به؛ لما أن الجهل هو السبب الباعث على فعل السفه؛ فقوله - تعالى -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) يحتمل ذلك الوجهين.
وأي الأمرين كان ففيه التحذير للمعنى الذي بين من قوله: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا): فإما إذا كانت قيامًا للمعاش أو للمعاد أو لهما، وطريق الإنفاق في الوجهين والإمساك لهما التدبر، ومراعاة الشرع، وتعاهد الأسباب، والوجهان جميعًا يمنعان الوفاء بما جعلت له الأموال؛ فحذر من أنعم بها عن تضييع ذلك بالتسليم إلى من ذكر، مع ما يكون في ذلك أن اتباع من يستحق أن يكون متبوعًا لمن حقه أن يجعل تابعًا، وذلك خارج عن حد الحكمة، وما يحمده العقل.
ثم قد صرفت الآية إلى النساء بما جعل من إليه التدبير وهو الذي أنشأهن تحت أيدي الرجال في الأمور، مع وصف الرجال أنهم قوامون على النساء.
وصرفت -أيضًا- إلى الصغار بما ضمن حفظ أموال مثلهم الكبار، وجعلوا مكفولين عند البالغين؛ فأموال البالغين أحق بذلك، وحقيقة السفه ما ذكرت.
وجائز أن يكون المقصود بالذكر -من ذكر الصغار والنساء بما خاطب من حذر بالدفع إلى من ذكر- رزق أُولَئِكَ وكسوتهم، ولا يجب رزق الجهال والسفهاء في الأفعال على غيرهم؛ فيكون ما ذكروا أولى بمراد الآية، وإن كان للمعنى الذي قصد بالآية التي ذكرتهم - قد استحقوا.
ولما غلبت تلك الأحوال على هَؤُلَاءِ جعل من ذكرت قوامًا عليهم، وقد ذكرت عن الحسن: أنه صرف الآية إلى الكفار؛ فكأنه تأول في القيام - القيام بأمر الدِّين؛ والكفار لا
19
يجوز الاستعانة بهم فيه؛ وله جعل المال عنده مع ما كره العلماء تسليط الكفار العقوبة؛ لجهلهم بحق شرع الإسلام فيها؛ فمثله دفع الأموال إليهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)، يعني: قوام أمركم ومعيشتكم، وهو هكذا جعل اللَّه هذه الأموال أغذية للخلق، بها يقوم دينهم وأبدانهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ)
يقول: لا تؤتوهم، ولكن ارزقوهم أنتم واكسوهم.
وقيل: يقول: أنفقوا عليهم منها، وأطعموهم.
وقيل: لما أضاف الأموال إلى الدافعين لا إلى المدفوعة إليهم؛ دل على وجوب نفقة الولد وكسوته على الرجل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)، يعني: قوام أمركم ومعيشتكم، وهو هكذا جعل اللَّه هذه الأموال أغذية للخلق، بها يقوم دينهم وأبدانهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ)
يقول: لا تؤتوهم، ولكن ارزقوهم أنتم واكسوهم.
وقيل: يقول: أنفقوا عليهم منها، وأطعموهم.
وقيل: لما أضاف الأموال إلى الدافعين لا إلى المدفوعة إليهم؛ دل على وجوب نفقة الولد وكسوته على الرجل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)
20
قيل: عِدَةٌ حسنة جميلة: سأفعل وسأكسو.
وقبل: مروهم بالمعروف، وانهوا عن المنكر.
وقيل: علموهم الأدب والدِّين، وقولوا لهم كلام البر واللين واللطف.
* * *
قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حَتَّى إِذَا) حرف، " حتى " صلة؛ وتأويله: وابتلوا اليتامى إذا بلغوا النكاح؛ وهو قول الشافعي، يجعل الابتلاء بعد البلوغ.
وقبل: مروهم بالمعروف، وانهوا عن المنكر.
وقيل: علموهم الأدب والدِّين، وقولوا لهم كلام البر واللين واللطف.
* * *
قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حَتَّى إِذَا) حرف، " حتى " صلة؛ وتأويله: وابتلوا اليتامى إذا بلغوا النكاح؛ وهو قول الشافعي، يجعل الابتلاء بعد البلوغ.
21
ويحتمل أن يكون المراد بالابتلاء - قبل البلوغ؛ لوجهين:
أحدهما: أن يبتلي الأيتام قبل بلوغهم بأنواع العبادات والآداب؛ ليعتادوا بها ويتأدبوا؛ ليعرفوا حقوق الأموال وقدرها، ويحفظوها إذا بلغوا؛ لأنهم إذا ابتلوا بعد البلوغ لم يعرفوا ما عليهم من العبادات والفرائض وقت البلوغ، وكان في ذلك تضييع حقوق اللَّه وفرائضه؛ إذ لا سبيل لهم إلى القيام بها حتى البلوغ، فأمر الأولياء والأوصياء أن يبتلوهم قبل البلوغ، حتى إذا بلغوا، بلغوا عارفين لما عليهم من العبادات والحقوق، حافظين لها؛ ألا ترى إلى ما روي في الخبر أنه أمر الأب أنه يأمر ولده بالصلاة إذا كان ابن سبع، وأمر بالضرب والتأديب إذا كان ابن تسع وبالتفريق في المضاجع، وهو من حقوق الخلق؟! فهذا ليعتادوا، ويأخذوا الأدب قبل البلوغ، حتى إذا بلغوا عرفوا ما عليهم، وهَان القيام بها، وإذا لم يُعَوَّدُوا قبل ذلك يشتد عليهم القيام بإقامة العبادات وأداء الحقوق؛ فعلى ذلك الأول.
ووجه آخر: أن يبتلي عقولهم بشيء من أموالهم يتجرون بها، ويتقلبون فيها؛ لينظروا: هل يقدرون على حفظ أموالهم عند حدوث الحوادث والنوائب؟ ففيه دليل جواز الإذن في التجارة في حال الصغر؛ لأنه لا يظهر ذلك إلا بالتجارة.
وإن كان المراد بالابتلاء بعد البلوغ والكبر فهو -أيضًا- يحتمل وجهين:
يحتمل العلم بها نفسه؛ ويحتمل العمل بها والعلم، ولا يضعوها في غير موضعها.
وقوله: " إن حرف (حتى) صلة ": إنه لو جاز له أن يجعل هذا صلة، لجاز لغيره أن يجعل الرشد صلة فيه؛ إذ لا فرق بين هذا وبين الأول أن يجعل صلة.
ثم اختلف في قوله: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)
قَالَ بَعْضُهُمْ: هو أن يصير هو من أهل الشهادة؛ فحينئذ يدفع إليه المال؛ فعلى قوله يجيء أن ينتزع الأموال من أيدي الفساق؛ لأنه لا شهادة لهم؛ ومن قوله: إن اليتيم من أهل الكفر لا يدفع إليه المال إلا بعد استئناس الرشد منه، فلو كان شرط الرشد هو شهادة لكان الكافر لا يدفع إليه عنده؛ لما لا يقبل الشهادة ما لزم الكفر على أحد؛ دل أن
أحدهما: أن يبتلي الأيتام قبل بلوغهم بأنواع العبادات والآداب؛ ليعتادوا بها ويتأدبوا؛ ليعرفوا حقوق الأموال وقدرها، ويحفظوها إذا بلغوا؛ لأنهم إذا ابتلوا بعد البلوغ لم يعرفوا ما عليهم من العبادات والفرائض وقت البلوغ، وكان في ذلك تضييع حقوق اللَّه وفرائضه؛ إذ لا سبيل لهم إلى القيام بها حتى البلوغ، فأمر الأولياء والأوصياء أن يبتلوهم قبل البلوغ، حتى إذا بلغوا، بلغوا عارفين لما عليهم من العبادات والحقوق، حافظين لها؛ ألا ترى إلى ما روي في الخبر أنه أمر الأب أنه يأمر ولده بالصلاة إذا كان ابن سبع، وأمر بالضرب والتأديب إذا كان ابن تسع وبالتفريق في المضاجع، وهو من حقوق الخلق؟! فهذا ليعتادوا، ويأخذوا الأدب قبل البلوغ، حتى إذا بلغوا عرفوا ما عليهم، وهَان القيام بها، وإذا لم يُعَوَّدُوا قبل ذلك يشتد عليهم القيام بإقامة العبادات وأداء الحقوق؛ فعلى ذلك الأول.
ووجه آخر: أن يبتلي عقولهم بشيء من أموالهم يتجرون بها، ويتقلبون فيها؛ لينظروا: هل يقدرون على حفظ أموالهم عند حدوث الحوادث والنوائب؟ ففيه دليل جواز الإذن في التجارة في حال الصغر؛ لأنه لا يظهر ذلك إلا بالتجارة.
وإن كان المراد بالابتلاء بعد البلوغ والكبر فهو -أيضًا- يحتمل وجهين:
يحتمل العلم بها نفسه؛ ويحتمل العمل بها والعلم، ولا يضعوها في غير موضعها.
وقوله: " إن حرف (حتى) صلة ": إنه لو جاز له أن يجعل هذا صلة، لجاز لغيره أن يجعل الرشد صلة فيه؛ إذ لا فرق بين هذا وبين الأول أن يجعل صلة.
ثم اختلف في قوله: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)
قَالَ بَعْضُهُمْ: هو أن يصير هو من أهل الشهادة؛ فحينئذ يدفع إليه المال؛ فعلى قوله يجيء أن ينتزع الأموال من أيدي الفساق؛ لأنه لا شهادة لهم؛ ومن قوله: إن اليتيم من أهل الكفر لا يدفع إليه المال إلا بعد استئناس الرشد منه، فلو كان شرط الرشد هو شهادة لكان الكافر لا يدفع إليه عنده؛ لما لا يقبل الشهادة ما لزم الكفر على أحد؛ دل أن
22
الرشد ليس ما ذكر، ولكن ما قيل من العقل والحفظ لماله، والإصلاح فيها.
ورُويَ عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - في قوله - تعالى -: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) قال: إذا أدرك بحلم وعقل ووقار.
وهو يقول -أيضًا- في قوله - تعالى -: (مِنْهُمْ رُشْدًا): إن اللَّه - سبحانه وتعالى - يقول: اختبروا اليتامى من عند الحلم، فإن عرفتم منهم رشدًا في حالهم، والإصلاح في أموالهم -: (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ).
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " فإن أحسستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم
أموالهم ".
وفي حرف حفصة: " وابتلوا اليتامى في أموالهم حتى إذا بلغوا النكاح بعد كبرهم ".
ثم لا يخلو منع الأموال منهم من أوجه ثلاثة:
إما أن يمنع؛ لفرط البذل والإنفاق، جودًا وسخاوة، وحسن الظن باللَّه أنه - عَزَّ وَجَلَّ - يرزقهم ويعطيهم خلف نفقتهم، وهذا لا يحتمل؛ لأن هذا من أخلاق الأنبياء - صلى اللَّه عليهم وسلم - وسيرتهم؛ فلا يحتمل النهي عن ذلك.
أو يمنع؛ لغلبة شهوتهم، ولقضاء وطرهم وحاجتهم، ينفقون الأموال؛ ليصلوا إلى ذلك، فإنهم إن مُنِعوا عن أموالهم يتناولوا من أموال غيرهم، ويتعاطوا ما لا يحل ولا يحسن؛ فلا يحتمل أن يمنعوا لذلك.
أو أن يمنع عنهم الأموال؛ لآفة في عقولهم، ونقص في لُبِّهم، فإن كان لهذا ما يمنع أموالهم عنهم؛ فيجب أن يمنع أبدًا، لا وقت في ذلك ولا مدة إلا بعد ارتفاع ذلك وزواله عنهم، وهو الوجه، يمنع منه حتى يؤنس منه الرشد.
ثم جعل إدراكه وبلوغه بالاحتلام؛ لأن كل جارحة من جوارح الإنسان يجوز استعمالها إلا الجارحتين منهما؛ فإنه لا يقدر على استعمالهما إلا هو، إحداهما: الذكر، والأخرى: اللسان؛ فإن هاتين الجارحتين لا يمكن استعمالهما إلا صاحبهما؛ فجعل
ورُويَ عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - في قوله - تعالى -: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) قال: إذا أدرك بحلم وعقل ووقار.
وهو يقول -أيضًا- في قوله - تعالى -: (مِنْهُمْ رُشْدًا): إن اللَّه - سبحانه وتعالى - يقول: اختبروا اليتامى من عند الحلم، فإن عرفتم منهم رشدًا في حالهم، والإصلاح في أموالهم -: (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ).
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " فإن أحسستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم
أموالهم ".
وفي حرف حفصة: " وابتلوا اليتامى في أموالهم حتى إذا بلغوا النكاح بعد كبرهم ".
ثم لا يخلو منع الأموال منهم من أوجه ثلاثة:
إما أن يمنع؛ لفرط البذل والإنفاق، جودًا وسخاوة، وحسن الظن باللَّه أنه - عَزَّ وَجَلَّ - يرزقهم ويعطيهم خلف نفقتهم، وهذا لا يحتمل؛ لأن هذا من أخلاق الأنبياء - صلى اللَّه عليهم وسلم - وسيرتهم؛ فلا يحتمل النهي عن ذلك.
أو يمنع؛ لغلبة شهوتهم، ولقضاء وطرهم وحاجتهم، ينفقون الأموال؛ ليصلوا إلى ذلك، فإنهم إن مُنِعوا عن أموالهم يتناولوا من أموال غيرهم، ويتعاطوا ما لا يحل ولا يحسن؛ فلا يحتمل أن يمنعوا لذلك.
أو أن يمنع عنهم الأموال؛ لآفة في عقولهم، ونقص في لُبِّهم، فإن كان لهذا ما يمنع أموالهم عنهم؛ فيجب أن يمنع أبدًا، لا وقت في ذلك ولا مدة إلا بعد ارتفاع ذلك وزواله عنهم، وهو الوجه، يمنع منه حتى يؤنس منه الرشد.
ثم جعل إدراكه وبلوغه بالاحتلام؛ لأن كل جارحة من جوارح الإنسان يجوز استعمالها إلا الجارحتين منهما؛ فإنه لا يقدر على استعمالهما إلا هو، إحداهما: الذكر، والأخرى: اللسان؛ فإن هاتين الجارحتين لا يمكن استعمالهما إلا صاحبهما؛ فجعل
23
الاحتلام علمًا لبلوغه وإدراكه لذلك؛ ولهذا لم يعمل الإكراه عليهما، نحو من أكره أعلى الزنا؛ فزنا؛ فإنه عليه الحد؛ لأن الإكراه لا يعمل عليه؛ فإنما كان بفعل منه، إلا الوالي؛ فإنه إذا أكره آخر بالزنا ففعل لم يقم عليه الحد؛ لما جعلنا ذلك كالعلم بالسبب الذي يحل؛ وكذلك لو أكره حتى وطئ امرأة لزمه المهر، ولا يرجع على المكرِه.
ولو أكره على إتلاف مال من أمواله ففعل لرجع على المكرِه؛ للمعنى الذي وصفنا؛ ولهذا ما وقع طلاق المكره ونكاحه وعتاقه؛ لأن هذه الأشياء إنما تقع باللسان، واللسان مما لا يعمل عليه الإكراه؛ لذلك جاز، واللَّه أعلم.
وأما البيوع والأشربة والعقود كلها سوى هَؤُلَاءِ، تكون بالتسليم والقبض دون النطق باللسان والتكلم بها، فالإكراه مما يعمل عليها؛ لما أمكن استعمالها غيره؛ لذلك افترقا؛ ولهذا ما قلنا: إن الإيمان يكون بالقلب دون اللسان؛ لأنه إذا أكره حتى يكفر؛ فأجرى كلمة الكفر على لسانه، وكان قلبه مطمئنا بالإيمان -لم يكفر، فإذا اطمأن قلبه بالكفر- كَفَرَ؛ لأن الإكراه لا يعمل على القلب، ولا يصير المكره مستعملا له، إنما المستعمل هو؛ لا غير؛ لذلك كان الجواب ما ذكرنا.
ومعنى جعل الاحتلام بلوغا هو إمكان استعمال سائر الجوارح دونه -يعني: الفرج- إلا بعد الكبر، وما كان المعروف من الآباء والأولاد، وما كان مما يجري الأمر بابتغاء المكتوب من الولد يكون بعد البلوغ، وبعيد ذلك، إلا في الوقت الذي لو ابتغى لوجد ولقدر عليه، وليس ذلك إلا في خروج الماء للشهوة.
ثم يكون في المتعارف الاحتلام عن ذلك؛ فجعل علمًا له؛ ولذلك قيل: (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) ثم فرق في حق الكتاب بين اللسان وغيره؛ من حيث لا يملك أحد قهر لسان آخر حتى ينطق دون صاحبه؛ فبه يظهر سبب جري القلم من الإقرار بالبلوغ وهذا معنى ما جعل سببه بما لا يعلمه غيره؛ ليكون أول أحوال البلوغ وقوع قوله بحيث البلوغ، مع ما كان النطق فعل من يجري في جنسه الخطاب؛ وكأنه اتصل أمره بالسبب الذي خص به
ولو أكره على إتلاف مال من أمواله ففعل لرجع على المكرِه؛ للمعنى الذي وصفنا؛ ولهذا ما وقع طلاق المكره ونكاحه وعتاقه؛ لأن هذه الأشياء إنما تقع باللسان، واللسان مما لا يعمل عليه الإكراه؛ لذلك جاز، واللَّه أعلم.
وأما البيوع والأشربة والعقود كلها سوى هَؤُلَاءِ، تكون بالتسليم والقبض دون النطق باللسان والتكلم بها، فالإكراه مما يعمل عليها؛ لما أمكن استعمالها غيره؛ لذلك افترقا؛ ولهذا ما قلنا: إن الإيمان يكون بالقلب دون اللسان؛ لأنه إذا أكره حتى يكفر؛ فأجرى كلمة الكفر على لسانه، وكان قلبه مطمئنا بالإيمان -لم يكفر، فإذا اطمأن قلبه بالكفر- كَفَرَ؛ لأن الإكراه لا يعمل على القلب، ولا يصير المكره مستعملا له، إنما المستعمل هو؛ لا غير؛ لذلك كان الجواب ما ذكرنا.
ومعنى جعل الاحتلام بلوغا هو إمكان استعمال سائر الجوارح دونه -يعني: الفرج- إلا بعد الكبر، وما كان المعروف من الآباء والأولاد، وما كان مما يجري الأمر بابتغاء المكتوب من الولد يكون بعد البلوغ، وبعيد ذلك، إلا في الوقت الذي لو ابتغى لوجد ولقدر عليه، وليس ذلك إلا في خروج الماء للشهوة.
ثم يكون في المتعارف الاحتلام عن ذلك؛ فجعل علمًا له؛ ولذلك قيل: (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) ثم فرق في حق الكتاب بين اللسان وغيره؛ من حيث لا يملك أحد قهر لسان آخر حتى ينطق دون صاحبه؛ فبه يظهر سبب جري القلم من الإقرار بالبلوغ وهذا معنى ما جعل سببه بما لا يعلمه غيره؛ ليكون أول أحوال البلوغ وقوع قوله بحيث البلوغ، مع ما كان النطق فعل من يجري في جنسه الخطاب؛ وكأنه اتصل أمره بالسبب الذي خص به
24
الممتحن من العقل؛ إذ كان العقل قد يعرف بالمحنة والاحتلام لا؛ فأمرنا بالابتلاء من حيث العقول، ولم نؤمر من حيث الاحتلام، بل يقبل قوله في ذلك.
ودل قبول قول من بلغ بالإخبار عن احتلامه، وبه يجري القلم عليه، ويلزم الحقوق - أن يقبله، يجوز في ذلك الوقت -وبخاصة على قول من يرى الابتلاء بعد الإدراك- أنه لو لم يقبل فبم نبتليه؟ ثم إذا جاز قوله لزم كل أمر علق به، وعلى ما ذكرت من أول ما علق به القول في حق البلوغ دليل اتصال حكم القول بالعقل، وتمام العقل بالبلوغ؛ إذ به يجري القلم.
ودل ما ذكرت من امتناع اللسان عن سلطان غير صاحبه عليه - على لزوم كل حق معلق به على الإكراه؛ إذ لا يلزم بغيره، وهو لا يجري عليه، ثم كل أمر يكون لا به يصير اللسان سببا فيه كَالْمُعْلِم عنه، وهو مما يجري عليه القهر، ويعلم به؛ فيبطل، والله أعلم.
وقوله: (وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا)
الإسراف: هو كل ما نُهي عنه.
وقيل: الإسراف: هو أكل في غير حق؛ وكأن الإسراف هو المجاوزة عن الحد، وهو كقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا)، وكان القتر مذمومًا، فعلى ذلك الإسراف في النفقة في مال اليتيم.
وقوله - تعالى -: (إِسْرَافًا وَبِدَارًا)، قيل: البدار: هو المبادرة، وكلاهما لغتان، كالجدال والمجادلة، وهو أن يبادر بأكل مال اليتيم؛ خشية أن يكبر؛ فيحول بينه وبين ماله. وهو قول ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وفي حرف ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: " ولا تأكلوها إسرافًا وبدارا خشية أن يكبروا ".
ودل قبول قول من بلغ بالإخبار عن احتلامه، وبه يجري القلم عليه، ويلزم الحقوق - أن يقبله، يجوز في ذلك الوقت -وبخاصة على قول من يرى الابتلاء بعد الإدراك- أنه لو لم يقبل فبم نبتليه؟ ثم إذا جاز قوله لزم كل أمر علق به، وعلى ما ذكرت من أول ما علق به القول في حق البلوغ دليل اتصال حكم القول بالعقل، وتمام العقل بالبلوغ؛ إذ به يجري القلم.
ودل ما ذكرت من امتناع اللسان عن سلطان غير صاحبه عليه - على لزوم كل حق معلق به على الإكراه؛ إذ لا يلزم بغيره، وهو لا يجري عليه، ثم كل أمر يكون لا به يصير اللسان سببا فيه كَالْمُعْلِم عنه، وهو مما يجري عليه القهر، ويعلم به؛ فيبطل، والله أعلم.
وقوله: (وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا)
الإسراف: هو كل ما نُهي عنه.
وقيل: الإسراف: هو أكل في غير حق؛ وكأن الإسراف هو المجاوزة عن الحد، وهو كقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا)، وكان القتر مذمومًا، فعلى ذلك الإسراف في النفقة في مال اليتيم.
وقوله - تعالى -: (إِسْرَافًا وَبِدَارًا)، قيل: البدار: هو المبادرة، وكلاهما لغتان، كالجدال والمجادلة، وهو أن يبادر بأكل مال اليتيم؛ خشية أن يكبر؛ فيحول بينه وبين ماله. وهو قول ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وفي حرف ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: " ولا تأكلوها إسرافًا وبدارا خشية أن يكبروا ".
25
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)
أطلق اللَّه - تعالى - لولي اليتيم - بظاهر الآية؛ إذا كان فقيرا - أن يأكل بالمعروف من غير إسراف، وذلك هو الوسط منها، وكذلك روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَن رجُلا سَألَهُ، فَقَالَ: لَيسَ لِي مَالٌ، وَلي يَتِيم؟ فَقَالَ: " كُلْ مَالَ يَتِيمك غَير مُسرِفٍ، وَلا مُتَأَثِّلٍ مَالَكَ بمَالِهِ " وفيه دليل أن الغني لا يجوز له أن يأكل مال اليتيم، وأن الفقير إذا أكل منه: أنفق نفقة لا إسراف فيها.
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إني أنزلت نفسي من مال اللَّه منزلة مال اليتيم: إذا استغنيت استعففت، وإذا احتجت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت.
وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: الوصي إذا احتاج وضع يده مع أيديهم، ولا يكتسي عمامة.
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها - قالت: في قوله - تعالى -: (وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)، قالت: يأكل والي اليتيم من مال اليتيم؛ إذا كان يقوم له على ماله،
أطلق اللَّه - تعالى - لولي اليتيم - بظاهر الآية؛ إذا كان فقيرا - أن يأكل بالمعروف من غير إسراف، وذلك هو الوسط منها، وكذلك روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَن رجُلا سَألَهُ، فَقَالَ: لَيسَ لِي مَالٌ، وَلي يَتِيم؟ فَقَالَ: " كُلْ مَالَ يَتِيمك غَير مُسرِفٍ، وَلا مُتَأَثِّلٍ مَالَكَ بمَالِهِ " وفيه دليل أن الغني لا يجوز له أن يأكل مال اليتيم، وأن الفقير إذا أكل منه: أنفق نفقة لا إسراف فيها.
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إني أنزلت نفسي من مال اللَّه منزلة مال اليتيم: إذا استغنيت استعففت، وإذا احتجت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت.
وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: الوصي إذا احتاج وضع يده مع أيديهم، ولا يكتسي عمامة.
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها - قالت: في قوله - تعالى -: (وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)، قالت: يأكل والي اليتيم من مال اليتيم؛ إذا كان يقوم له على ماله،
26
ويصلح إذا كان محتاجًا.
وقيل: يأكل قرضًا ثم يرد عليه إذا أيسر، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنهما.
وقيل: (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)، أي: من مال نفسه، حتى لا يفضي إلى مال اليتيم.
وقيل: يأكل إذا كان يعمل له، ويقوم عليه.
وقيل: يأكل قرضًا؛ ألا ترى إلى قول اللَّه - تعالى -: (فَأَشْهدُوا عَلَيْهِمْ): أمر بالإشهاد عليهم عند الدفع، ولو كان أمانة في يده لم يحتج إلى الإشهاد في الدفع، ولكن يجوز أن يأمر بالإشهاد لا لمكان الوصي نفسه؛ ولكن لما يجوز أن يحدث بينه وبين ورثة الوصي خصومة فَيُشْهِد؛ ليدفع تلك الخصومة عنهم.
وقيل: الأكل بالمعروف هو ما يسد به جوعه، ويواري عورته.
وقيل: يأكل قرضًا ثم يرد عليه إذا أيسر، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنهما.
وقيل: (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)، أي: من مال نفسه، حتى لا يفضي إلى مال اليتيم.
وقيل: يأكل إذا كان يعمل له، ويقوم عليه.
وقيل: يأكل قرضًا؛ ألا ترى إلى قول اللَّه - تعالى -: (فَأَشْهدُوا عَلَيْهِمْ): أمر بالإشهاد عليهم عند الدفع، ولو كان أمانة في يده لم يحتج إلى الإشهاد في الدفع، ولكن يجوز أن يأمر بالإشهاد لا لمكان الوصي نفسه؛ ولكن لما يجوز أن يحدث بينه وبين ورثة الوصي خصومة فَيُشْهِد؛ ليدفع تلك الخصومة عنهم.
وقيل: الأكل بالمعروف هو ما يسد به جوعه، ويواري عورته.
27
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)
قيل: شهيدا بما أخذ من ماله وأنفق.
ويحتمل قوله: (حَسِيبًا) يحاسبه في الآخرة؛ إذا لم يحاسبه اليتيم في الدنيا.
قوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ...) الآية.
يحتمل أن تكون الآية - واللَّه أعلم - نزلت بسبب ما لم يكن يورث أهل الجاهلية الإناث والصغار، ويجعلون المواريث لذوي الأسنان من الرجال، الذين يصلحون للحرب، ويحرزون الغنيمة؛ فنزلت الآية بتوريث الرجال والنساء جميعًا.
ويقال: إن الآية نزلت في شأن رجل يقال له: أوس بن ثابت الأنصاري، توفي
قيل: شهيدا بما أخذ من ماله وأنفق.
ويحتمل قوله: (حَسِيبًا) يحاسبه في الآخرة؛ إذا لم يحاسبه اليتيم في الدنيا.
قوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ...) الآية.
يحتمل أن تكون الآية - واللَّه أعلم - نزلت بسبب ما لم يكن يورث أهل الجاهلية الإناث والصغار، ويجعلون المواريث لذوي الأسنان من الرجال، الذين يصلحون للحرب، ويحرزون الغنيمة؛ فنزلت الآية بتوريث الرجال والنساء جميعًا.
ويقال: إن الآية نزلت في شأن رجل يقال له: أوس بن ثابت الأنصاري، توفي
28
وترك بنات وامرأة، فقام رجلان من بني عمه - وهما وصيان - فأخذا ماله، ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئًا؛ فجاءت امرأة أوس بن ثابت إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فشكت، وأخبرت بالقصة؛ فقال لها: " ارْجِعِي في بَيتِكِ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُحْدِثُ اللَّه في ذَلِكَ ". فانصرفت؛ فنزل قوله - تعالى -: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ...) الآية.
وقيل: نزلت الآية في شأن امرأة سعد: أن سعدا استشهد بأُحد، وترك ابنتين وامرأة، فاحتوى أخ لسعد على مال سعد، ولم يعط المرأة ولا الابنتين شيئًا؛ فاختصمت إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأخبرته بالقصة؛ فقال لها: " لَم يُنْزِلِ اللهُ عَلَيَّ فِيكُم شَيئًا ". ثم نزلت الآية، فأخذ من عمهما ثلثي المال، ورده إليهما، ودفع الثمُن إلى المرأة، وترك البقية للعم.
واللَّه أعلم أنْ فيم كان نزولها؟.
وفي هذا الخبر دليل أن للابنتين الثلثين، كما للثلاث فصاعدًا، ليس كما قال بعض الناس: إن لهما النصف؛ لأن اللَّه - تعالى - إنما جعل الثلثين للثلاثة.
ثم تحتمل الآية وجهين بعد هذا:
تحتمل أن يكون المراد الأولاد خاصة لا غير؛ فيدخل كل ولد: ولد البنات، وولد البنين؛ لأنهم كلهم أولاده.
ويحتمل أن يكون المراد منها الرجال والنساء؛ فيدخل ذوو الأرحام في ذلك، فلما لم يدخل بنات البنات في ذلك -وهم أولاد- دل أنه أراد النساء والرجال جميعًا، لا
وقيل: نزلت الآية في شأن امرأة سعد: أن سعدا استشهد بأُحد، وترك ابنتين وامرأة، فاحتوى أخ لسعد على مال سعد، ولم يعط المرأة ولا الابنتين شيئًا؛ فاختصمت إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأخبرته بالقصة؛ فقال لها: " لَم يُنْزِلِ اللهُ عَلَيَّ فِيكُم شَيئًا ". ثم نزلت الآية، فأخذ من عمهما ثلثي المال، ورده إليهما، ودفع الثمُن إلى المرأة، وترك البقية للعم.
واللَّه أعلم أنْ فيم كان نزولها؟.
وفي هذا الخبر دليل أن للابنتين الثلثين، كما للثلاث فصاعدًا، ليس كما قال بعض الناس: إن لهما النصف؛ لأن اللَّه - تعالى - إنما جعل الثلثين للثلاثة.
ثم تحتمل الآية وجهين بعد هذا:
تحتمل أن يكون المراد الأولاد خاصة لا غير؛ فيدخل كل ولد: ولد البنات، وولد البنين؛ لأنهم كلهم أولاده.
ويحتمل أن يكون المراد منها الرجال والنساء؛ فيدخل ذوو الأرحام في ذلك، فلما لم يدخل بنات البنات في ذلك -وهم أولاد- دل أنه أراد النساء والرجال جميعًا، لا
29
الأولاد خاصة.
وفيه دلالة نسخ الوصية للوارث؛ لأنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ...) إلى قوله: (مَفْرُوضًا) أي: معلومًا بما أوجب في كل قبيل.
ثم قال في قوله: (نَصِيبًا مَفْرُوضًا)، قيل: ذا يرجع إلى ما بين فرضه، وهو أصحاب الفرائض دون العصبات، فيكون على ما أشار إلى حقه من حيث الاسم في القرآن.
ويحتمل ما بين، وقد جرى فيه ذكر حقين:
أحدهما: حق العصبة، كما ذكر في الأب والإخوة والأولاد، وحق أصحاب الفرائض، ولو كان على ذلك فقد يتضمن الفرض ما يعلم بالإشارة إليه والدلالة؛ لأن أكثر من يوصي بحق العصبة هو ما لا نص فيه، والذي فيه النص هو في الأولاد والإخوة -خاصة- والوالد.
وقيل: يتضمن كل الأقرباء على اختلاف الدرجات؛ فيكون منصوصًا -أيضًا- ومدلولا عليه، ويؤيد هذا التأويل قوله: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) ثم بَيَّنَ: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ) وأُولَئِكَ هم البعداء الذين لهم أخوة الدِّين والهجرة، فإذا بقي في الرحم أحد - لم يصرف ذلك إلى المؤمنين، وقد قدم حقهم على المؤمنين والمهاجرين بالرحم؛ لذلك هم أولى، مع ما للإمام صرف ذلك بحق الإيمان إليهم؛ فيصير الدفع إليهم بحق الجواز، وإلى غيرهم شك عند قيامهم؛ فالدفع إليهم أولى لوجهين:
أحدهما: عموم الكتاب على تحقيق حق لكل آية منها؛ دون إدخال حكم آية في حق آخرين بلا ضرورة.
والثاني: الإجماع من الوجه الذي ذكرت مع اتفاق أكثر الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - والفتوى إلى يومنا هذا.
وفيه دلالة نسخ الوصية للوارث؛ لأنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ...) إلى قوله: (مَفْرُوضًا) أي: معلومًا بما أوجب في كل قبيل.
ثم قال في قوله: (نَصِيبًا مَفْرُوضًا)، قيل: ذا يرجع إلى ما بين فرضه، وهو أصحاب الفرائض دون العصبات، فيكون على ما أشار إلى حقه من حيث الاسم في القرآن.
ويحتمل ما بين، وقد جرى فيه ذكر حقين:
أحدهما: حق العصبة، كما ذكر في الأب والإخوة والأولاد، وحق أصحاب الفرائض، ولو كان على ذلك فقد يتضمن الفرض ما يعلم بالإشارة إليه والدلالة؛ لأن أكثر من يوصي بحق العصبة هو ما لا نص فيه، والذي فيه النص هو في الأولاد والإخوة -خاصة- والوالد.
وقيل: يتضمن كل الأقرباء على اختلاف الدرجات؛ فيكون منصوصًا -أيضًا- ومدلولا عليه، ويؤيد هذا التأويل قوله: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) ثم بَيَّنَ: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ) وأُولَئِكَ هم البعداء الذين لهم أخوة الدِّين والهجرة، فإذا بقي في الرحم أحد - لم يصرف ذلك إلى المؤمنين، وقد قدم حقهم على المؤمنين والمهاجرين بالرحم؛ لذلك هم أولى، مع ما للإمام صرف ذلك بحق الإيمان إليهم؛ فيصير الدفع إليهم بحق الجواز، وإلى غيرهم شك عند قيامهم؛ فالدفع إليهم أولى لوجهين:
أحدهما: عموم الكتاب على تحقيق حق لكل آية منها؛ دون إدخال حكم آية في حق آخرين بلا ضرورة.
والثاني: الإجماع من الوجه الذي ذكرت مع اتفاق أكثر الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - والفتوى إلى يومنا هذا.
30
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى) قيل فيه بوجهين:
قيل: أراد بالقسمة: قسمة المواريث بين الورثة بعد موت الميت.
وقيل: أراد به: قسمة الموصي وهو الإيصاء، يوصى ويبر لمن ذكر من الأقرباء واليتامى والمساكين بشيء؛ فالخطاب للموصى.
ومن قال بقسمة المواريث: فالخطاب للورثة إن كانوا كبارًا، يعطون لهَؤُلَاءِ شيئًا،
قيل: أراد بالقسمة: قسمة المواريث بين الورثة بعد موت الميت.
وقيل: أراد به: قسمة الموصي وهو الإيصاء، يوصى ويبر لمن ذكر من الأقرباء واليتامى والمساكين بشيء؛ فالخطاب للموصى.
ومن قال بقسمة المواريث: فالخطاب للورثة إن كانوا كبارًا، يعطون لهَؤُلَاءِ شيئًا،
31
ويبرونهم بشيء؛ وإن كانوا صغارا يقول الوصي: لهم (قَوْلًا مَعْرُوفًا)، أي: يَعِدُ لهم عدَةً حسنة إلى وقت خروج الأنزال، أو إلى وقت البيع إن باعوها.
ثم اختلف المتأولون فيها:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هي منسوخة.
وقال آخرون: هي محكمة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ومن قال: هي منسوخة، قال: نسختها آية المواريث: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ...) الآية؛ لأنهم كانوا يوصون الأولاد والآباء والأمهات؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ...) الآية. فنسخت آية المواريث وصية الموصي.
ومن قال: هي محكمة متقنة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، والحسن ومجاهد وغيرهم؛ لأنه المعروف والبر والإحسان، وذلك مما لا يحتمل النسخ.
وقبل: إن عبد اللَّه بن عبد الرحمن قسم ميراث أبيه، وعائشة حية، فلم يدع في الدار مسكينًا ولا ذا قرابة إلا قسم له من ميراث أبيه، وتلا هذه الآية: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ...) الآية، فذكر ذلك لابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - فقال: ما أصاب ليس ذلك له، إنما ذلك في الوصية، يريد الميت أن يوصي لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا).
قيل: إذا كان المال كثيرًا - رضخ وأعطى لهم شيئًا، وإذا كان قليلًا اعتذر إليهم، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ثم اختلف المتأولون فيها:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هي منسوخة.
وقال آخرون: هي محكمة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ومن قال: هي منسوخة، قال: نسختها آية المواريث: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ...) الآية؛ لأنهم كانوا يوصون الأولاد والآباء والأمهات؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ...) الآية. فنسخت آية المواريث وصية الموصي.
ومن قال: هي محكمة متقنة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، والحسن ومجاهد وغيرهم؛ لأنه المعروف والبر والإحسان، وذلك مما لا يحتمل النسخ.
وقبل: إن عبد اللَّه بن عبد الرحمن قسم ميراث أبيه، وعائشة حية، فلم يدع في الدار مسكينًا ولا ذا قرابة إلا قسم له من ميراث أبيه، وتلا هذه الآية: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ...) الآية، فذكر ذلك لابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - فقال: ما أصاب ليس ذلك له، إنما ذلك في الوصية، يريد الميت أن يوصي لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا).
قيل: إذا كان المال كثيرًا - رضخ وأعطى لهم شيئًا، وإذا كان قليلًا اعتذر إليهم، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
32
وقيل: أمر من يرث أن يرضخ ويعطي لمن لا يرث شيئًا، وهو قول الحسن، ويقال لهم: (قَوْلًا مَعْرُوفًا).
والقول المعروف يحتمل ما ذكرنا: أن يعطى لهم إن كانوا كبارًا -أعني: الورثة- ويعد لهم عِدة إن كان المال ضياعًا إلى وقت خروج الأنزال والغلات، أو إلى وقت خروج الثمر، أو يعطي الورثة إن كانوا كبارا ويعتذر إليهم الوصي إن كانوا صغارًا.
وقوله - جل وعز -: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ... (٩)
قيل: هو الرجل يحضره الموت، وله ولد صغار، فيقو له آخر: أوص بكذا، أو أعتق كذا، أو افعل كذا، ولو كان هو الميت لأحب أن يترك لولده؛ فخوف هذا القائل بقوله: (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ)، وأمر أن يقول له مثل ما يحب أن يقال له في ولده بالعدل بقوله - عز وجل -: (وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)، وهو قول ابن عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنه.
وقيل: هو الرجل يحضره الموت، فيقول له مَنْ يحضره: اتق اللَّه، وأمسك عليك لولدك الصغار والضعفاء، ليس أحد أحق بمالك منهم، ولا توصِ من مالك، شيئًا.
فنهي أن يقال له ذلك؛ لما لو كان هو الموصي، وله ورثة صغار ضعفاء، أحبَّ بألا يقال له ذلك؛ فكذلك لا يقول هو له. والأول أشبه.
وقوله: (وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).
قيل: عدلًا؛ يأمر أن يوصي بما عليه من الدَّين والوصية، ولا يجور في الوصية.
والقول المعروف يحتمل ما ذكرنا: أن يعطى لهم إن كانوا كبارًا -أعني: الورثة- ويعد لهم عِدة إن كان المال ضياعًا إلى وقت خروج الأنزال والغلات، أو إلى وقت خروج الثمر، أو يعطي الورثة إن كانوا كبارا ويعتذر إليهم الوصي إن كانوا صغارًا.
وقوله - جل وعز -: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ... (٩)
قيل: هو الرجل يحضره الموت، وله ولد صغار، فيقو له آخر: أوص بكذا، أو أعتق كذا، أو افعل كذا، ولو كان هو الميت لأحب أن يترك لولده؛ فخوف هذا القائل بقوله: (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ)، وأمر أن يقول له مثل ما يحب أن يقال له في ولده بالعدل بقوله - عز وجل -: (وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)، وهو قول ابن عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنه.
وقيل: هو الرجل يحضره الموت، فيقول له مَنْ يحضره: اتق اللَّه، وأمسك عليك لولدك الصغار والضعفاء، ليس أحد أحق بمالك منهم، ولا توصِ من مالك، شيئًا.
فنهي أن يقال له ذلك؛ لما لو كان هو الموصي، وله ورثة صغار ضعفاء، أحبَّ بألا يقال له ذلك؛ فكذلك لا يقول هو له. والأول أشبه.
وقوله: (وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).
قيل: عدلًا؛ يأمر أن يوصي بما عليه من الدَّين والوصية، ولا يجور في الوصية.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: نهي من حضر منهم مريضا عند الموت أن يأمره أن ينفق ماله في العتق والصدقة، أو في سبيل اللَّه؛ ولكن يأمره أن يبين ما له وما عليه من دين أو حق.
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)
أي: استحلالاً، فإذا استحل كفر؛، فذلك الوعيد له.
وقيل: (ظُلْمًا): أي: غصبًا.
والأكل: هو عبارة عن الأخذ؛ كقوله: (لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) إنما هو نهي عن أخذه، وكذلك قوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا)، وقوله: (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) - إنما هو نهي عن قبض الربا؛ فعلى ذلك الأكل -في هذه الآية- عبارة عن الأخذ والاستحلال.
ومن حمل الآية على الغصب جعل الوعيد عليه، إلا أن يتوب؛ إذ لله أن يعذب من
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)
أي: استحلالاً، فإذا استحل كفر؛، فذلك الوعيد له.
وقيل: (ظُلْمًا): أي: غصبًا.
والأكل: هو عبارة عن الأخذ؛ كقوله: (لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) إنما هو نهي عن أخذه، وكذلك قوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا)، وقوله: (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) - إنما هو نهي عن قبض الربا؛ فعلى ذلك الأكل -في هذه الآية- عبارة عن الأخذ والاستحلال.
ومن حمل الآية على الغصب جعل الوعيد عليه، إلا أن يتوب؛ إذ لله أن يعذب من
34
شاء ممن ارتكب من عباده جرمًا، كما جعل الوعيد على المستحل إلا أن يتوب.
وقيل: إنه على التمثيل أن الذي يأكل من مال اليتيم كأنه يأكل نارًا؛ لخبثه ولشدته.
وعن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: " اتقُوا اللَّه في الضعِيفَين "؛ قيل: ومن هما يا رسول اللَّه؟ قال: " اليَتيمُ والمرأة "؛ فإن اللَّه أيتمه وأوصى به، وابتلاه وابتلى به.
وقيل في قوله: (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا): للميت إذا جلس إليه (قَوْلًا سَدِيدًا)، أي: عدلاً في وصيته ولا يجور، ومن عدل في وصيته عند موته، فكأنما وجه ماله في سبيل اللَّه؛ فقال سعد بن أبي وقاص: فسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: كم يوصي الرجل من ماله؛ فقال: " الثلُث، والثلُث كَثير، لأَنْ تَدَع عِيالَكَ أَغْنياءَ خَيرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهم عالَةً يَتَكَفَّفُونَ الناسَ ". ثم قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إنَّ اللَّه - تعالى - تَصَدَّقَ عَلَيكُم بثُلُثِ أَمْوالِكم زِيَادةً في أَعْمَالِكم عِندَ وَفَاتِكُم ".
وقيل: إنه على التمثيل أن الذي يأكل من مال اليتيم كأنه يأكل نارًا؛ لخبثه ولشدته.
وعن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: " اتقُوا اللَّه في الضعِيفَين "؛ قيل: ومن هما يا رسول اللَّه؟ قال: " اليَتيمُ والمرأة "؛ فإن اللَّه أيتمه وأوصى به، وابتلاه وابتلى به.
وقيل في قوله: (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا): للميت إذا جلس إليه (قَوْلًا سَدِيدًا)، أي: عدلاً في وصيته ولا يجور، ومن عدل في وصيته عند موته، فكأنما وجه ماله في سبيل اللَّه؛ فقال سعد بن أبي وقاص: فسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: كم يوصي الرجل من ماله؛ فقال: " الثلُث، والثلُث كَثير، لأَنْ تَدَع عِيالَكَ أَغْنياءَ خَيرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهم عالَةً يَتَكَفَّفُونَ الناسَ ". ثم قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إنَّ اللَّه - تعالى - تَصَدَّقَ عَلَيكُم بثُلُثِ أَمْوالِكم زِيَادةً في أَعْمَالِكم عِندَ وَفَاتِكُم ".
35
قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
قيل: قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) أي: يفرضكم اللَّه، وقد سمى اللَّه - تعالى - الميراث
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
قيل: قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) أي: يفرضكم اللَّه، وقد سمى اللَّه - تعالى - الميراث
36
فريضة في غير آى من القرآن بقوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ) ثم قال: (نَصِيبًا مَفْرُوضًا...)، وقال -أيضًا- في آخر هذه الآية: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)، ولأنه شيء تولى اللَّه إيجابه من غير اكتساب أهله؛ فهو كالفرائض التي أوجبها اللَّه على عباده من غير اكتساب أهلها؛ فعلى ذلك سمى هذه فريضة؛ لأن اللَّه - تعالى - أوجبه، واللَّه أعلم.
وقيل: قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)، أي: يبين اللَّه في أولادكم... إلى آخر ما ذكر.
وفيه نسخ الوصية للوالدين والأقربين في قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)، ودليل نسخه ما روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَعْطَى كُل ذِي حَق حَقَّهُ؛ فَلَا وَصِيةَ [لِوَارِثٍ] ".
ثم قيل: إن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار من الأولاد والإناث في الميراث؛ وإنما كانوا يورثون الرجال ومن يحوز الغنيمة؛ فنزل قوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ...) الآية؛ فالآية في بيان الحق للإناث في الميراث، وكذلك قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فيه بيان حق الميراث للذكور والإناث جميعًا.
وقيل: تأويل هذه الآية ما بين في القرآن في ذوي الأرحام، وإن كانوا مختلفين في سبب ذلك، وإن الآيات التي بعدها من قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) إلى آخر الآيات
وقيل: قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)، أي: يبين اللَّه في أولادكم... إلى آخر ما ذكر.
وفيه نسخ الوصية للوالدين والأقربين في قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)، ودليل نسخه ما روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَعْطَى كُل ذِي حَق حَقَّهُ؛ فَلَا وَصِيةَ [لِوَارِثٍ] ".
ثم قيل: إن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار من الأولاد والإناث في الميراث؛ وإنما كانوا يورثون الرجال ومن يحوز الغنيمة؛ فنزل قوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ...) الآية؛ فالآية في بيان الحق للإناث في الميراث، وكذلك قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فيه بيان حق الميراث للذكور والإناث جميعًا.
وقيل: تأويل هذه الآية ما بين في القرآن في ذوي الأرحام، وإن كانوا مختلفين في سبب ذلك، وإن الآيات التي بعدها من قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) إلى آخر الآيات
37
التي فيها ذكر المواريث - فُسر بها مبلغ النصيب الذي أوجبه اللَّه للنساء والرجال في الآية الأولى مجملا، وأجمعوا أن الرجل إذا مات وترك ولدًا ذكورًا وإناثًا؛ فالمال بينهم (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).
ويحتمل قوله: (فِي أَوْلَادِكُمْ) - أولاد موتاكم، وهذا جائز في اللغة؛ لأنه لا يجوز أن يفرض على الرجل قسمة الميراث في أولاده وهو حي؛ دل أنه أراد أولاد الموتى.
أو يحتمل ما ذكرنا أنهم كانوا لا يورثون الإناث من الأولاد والصغار منهم؛ فخاطب الجملة بذلك؛ لئلا يحرموا الإناث من الأولاد والصغار منهم.
وفي قوله -أيضًا-: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)، أي: في أولاد من مات منكم؛ إذ لا يحتمل خطاب الحي ما ذكر في ولده؛ فهذا إن كان تأويل " يوصي ": يفرض أو يأمر.
وإن كان تأويل ذلك: يُبَيِّن، فذلك جائز أن يخبر الحي ما بيَّن اللَّه في أولاده بعد موته في ماله، وذلك يمنع الوصية؛ لأنه يزيل حق البيان، ولما يمكن رفع القسمة وتحصيل الوصية على بعض لبعض، وذلك بعيد؛ إذ لا يملك في غيرهم.
ثم من الناس مَنْ رأي نسخ الوصية للوارث بقوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ...) الآية؛ لأن الآية أوجبت الميراث فيما قل أو كثر، فلو كانت الوصية تجب للوالدين بقوله - تعالى -: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ...) الآية، لكان الميراث لا يجب فيما قل منه، وإنما يجب فيما يفضل منه، لكن الآية إذا لم تمنع الوصية للأجنبي وهي تصرف السهم المفروض إلى ما يفضل من الوصية؛ فمثله للوارث، لكن في الآية دلالة على رفع الكتاب؛ إذ في الأولى أنها كتبت، فلما أوجب الحق في كل قليل وكثير لم يبق معه الفرض والوجوب، ولكن يجب الفضل، ثم كان حق الوالدين ومن ذكر بحق اللزوم، وقد سقط ذلك، وبه كان يجوز، فلما سقط الحق جاء في الخبر أن " لا وَصِيَّةَ [لِوَارِثٍ] ".
وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللَّه قد أَعْطَى كُل ذِي حَق حَقه؛ فلا وَصيةَ [لِوَارِثٍ] "؛ فسقط الحق بالآية من الوجه الذي ثبت، والتنفل بقوله: " لا وَصية... ".
فمن هذا الوجه الذي ذكرت يسقط حق الوصية بالقرآن، لكن قد ذكر للمرأة لا بحرف الوجوب بقوله: (مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ)، ثم سقط -أيضًا- بالخبر الذي
ويحتمل قوله: (فِي أَوْلَادِكُمْ) - أولاد موتاكم، وهذا جائز في اللغة؛ لأنه لا يجوز أن يفرض على الرجل قسمة الميراث في أولاده وهو حي؛ دل أنه أراد أولاد الموتى.
أو يحتمل ما ذكرنا أنهم كانوا لا يورثون الإناث من الأولاد والصغار منهم؛ فخاطب الجملة بذلك؛ لئلا يحرموا الإناث من الأولاد والصغار منهم.
وفي قوله -أيضًا-: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)، أي: في أولاد من مات منكم؛ إذ لا يحتمل خطاب الحي ما ذكر في ولده؛ فهذا إن كان تأويل " يوصي ": يفرض أو يأمر.
وإن كان تأويل ذلك: يُبَيِّن، فذلك جائز أن يخبر الحي ما بيَّن اللَّه في أولاده بعد موته في ماله، وذلك يمنع الوصية؛ لأنه يزيل حق البيان، ولما يمكن رفع القسمة وتحصيل الوصية على بعض لبعض، وذلك بعيد؛ إذ لا يملك في غيرهم.
ثم من الناس مَنْ رأي نسخ الوصية للوارث بقوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ...) الآية؛ لأن الآية أوجبت الميراث فيما قل أو كثر، فلو كانت الوصية تجب للوالدين بقوله - تعالى -: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ...) الآية، لكان الميراث لا يجب فيما قل منه، وإنما يجب فيما يفضل منه، لكن الآية إذا لم تمنع الوصية للأجنبي وهي تصرف السهم المفروض إلى ما يفضل من الوصية؛ فمثله للوارث، لكن في الآية دلالة على رفع الكتاب؛ إذ في الأولى أنها كتبت، فلما أوجب الحق في كل قليل وكثير لم يبق معه الفرض والوجوب، ولكن يجب الفضل، ثم كان حق الوالدين ومن ذكر بحق اللزوم، وقد سقط ذلك، وبه كان يجوز، فلما سقط الحق جاء في الخبر أن " لا وَصِيَّةَ [لِوَارِثٍ] ".
وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللَّه قد أَعْطَى كُل ذِي حَق حَقه؛ فلا وَصيةَ [لِوَارِثٍ] "؛ فسقط الحق بالآية من الوجه الذي ثبت، والتنفل بقوله: " لا وَصية... ".
فمن هذا الوجه الذي ذكرت يسقط حق الوصية بالقرآن، لكن قد ذكر للمرأة لا بحرف الوجوب بقوله: (مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ)، ثم سقط -أيضًا- بالخبر الذي
38
ذكرنا؛ إذ ليس في الآية ذكر المرأة بما ذكر فيها ميراث الأولاد والأقربين، وقد بقي حق المتاع؛ إذ له أن يوصى لغير الورثة، لكن ذكر في ميراث المرأة وصية، كقوله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً) من اللَّه، والوصية منه مكتوبة على ما للوالدين والأقربين، ثم أشرك الزوجين في ميراث الوالدين والأقربين مما قل أو كثر، كقوله: " النصف " و " الربع " و " الثمن " مما ترك.
وقد بينا أن الآية نسخت ما ذكرت فصارت ناسخة للأمرين جميعًا، فهذا من جهة الاستخراج في حق النسخ.
على أنه على مذهبنا: السنة كافية في بيان نسخ الحكم الذي، بينه الكتاب؛ إذ هو بيان منتهى الحكم من الوقت، وقد جعل اللَّه - تعالى - نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بحيث البيان مما في القرآن.
وقوله - تعالى -: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ): فيه دلالة أن المال كله للذكر من الولد إذا لم يكن ثَمَّة أنثى؛ لأنه جعل للذكر مثلَي ما جعل للأنثى، وجعل للأنثى النصف إذا لم يكن معها ذكر؛ بقوله - تعالى -: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ).
فدل أن للذكر من الولد إذا جعل له مثلي ما جعل للأنثى عند الجمع، إنما جعل له ذلك بحق الكل، ففي حال الانفراد له الكل.
وقوله - تعالى -: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)
قَالَ بَعْضُهُمْ: بين الحق لما فوق الثنتين، ولم يبين للاثنتين، ولهما النصف الذي ذكر للواحدة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنه.
وقد بينا أن الآية نسخت ما ذكرت فصارت ناسخة للأمرين جميعًا، فهذا من جهة الاستخراج في حق النسخ.
على أنه على مذهبنا: السنة كافية في بيان نسخ الحكم الذي، بينه الكتاب؛ إذ هو بيان منتهى الحكم من الوقت، وقد جعل اللَّه - تعالى - نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بحيث البيان مما في القرآن.
وقوله - تعالى -: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ): فيه دلالة أن المال كله للذكر من الولد إذا لم يكن ثَمَّة أنثى؛ لأنه جعل للذكر مثلَي ما جعل للأنثى، وجعل للأنثى النصف إذا لم يكن معها ذكر؛ بقوله - تعالى -: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ).
فدل أن للذكر من الولد إذا جعل له مثلي ما جعل للأنثى عند الجمع، إنما جعل له ذلك بحق الكل، ففي حال الانفراد له الكل.
وقوله - تعالى -: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)
قَالَ بَعْضُهُمْ: بين الحق لما فوق الثنتين، ولم يبين للاثنتين، ولهما النصف الذي ذكر للواحدة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنه.
39
وأما عندنا: فإن للاثنتين ما للثلاث فصاعدًا؛ فيكون بيان الحق للثلاث بيانا للاثنتين؛ لأن اللَّه - تعالى - جعل حق ميراث الواحدة من الأخو. ات: النصف؛ بقوله: (وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ)، كما جعل حق الابنة النصف إذا لم يكن معها ذكر بقوله - تعالى -: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)، ثم جعل للأختين الثلثين بقوله: (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ)، فإذا نزلت الأخوات منزلة البنات في استحقاق النصف إذا كانت واحدة، واستحقاق الثلثين إذا كانتا اثنتين فصاعدًا؛ فعلى ذلك نزل بيان الحكم في الأختين منزلة بيان الحكم في الابنتين. قيل: يفوق اثنتين اثنتان فما فوقهما.
وقيل: بين الكتاب الاستواء بين الابنة، الواحدة والأخت الواحدة؛ ليعلم استواء حق الولد وولد الأب، ثم بين في الأخوات للثنتين الثلثان، وفي البنات لما فوقهما؛ ليكون الذكر في الأختين دليلاً على الابنتين، وفيما كثر من البنات على ما كثر من الأخوات، وأيد ذلك أمر الاجتماع بين البنتين والبنات -وإن كثروا- بالإخوة والأخوات -وإن كثروا- مع ما كان معلومًا أن بنات الرجل أحق من بنات أبيه؛ أيد ذلك أن بنات ابنه قد يَرِثْنَ، وبنات ابن أبيه لا؛ فلا يجوز أن تكون الأختان أكثر حقا من الابنتين.
وفي الأغلب أن يجعل لهن ميراث هَؤُلَاءِ، وأيد ذلك أنه ما دام يوجد في الأولاد من له فرض أو فضل - لم يصرف إلى أولاد الأب؛ ثبت أنهم بمعنى الخلف من هَؤُلَاءِ، وعلى ما ذكرت جاءت الآثار، واجتمع عليه أهل الفتوى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: أراد بالولد الذكورَ خاصة؛ لأنه جعل للأبوين لكُلِّ واحد منهما السدس إذا كان الولد ذكرًا، أما إذا كان الولد أنثى فللأب يكون الثلث.
وأمَّا عندنا: فإن اسم الولد يجمع الذكور والإناث جميعًا.
وبعد: فإنه إن كان الولد -هاهنا- ذكرًا وأنثى؛ فينظر:
وقيل: بين الكتاب الاستواء بين الابنة، الواحدة والأخت الواحدة؛ ليعلم استواء حق الولد وولد الأب، ثم بين في الأخوات للثنتين الثلثان، وفي البنات لما فوقهما؛ ليكون الذكر في الأختين دليلاً على الابنتين، وفيما كثر من البنات على ما كثر من الأخوات، وأيد ذلك أمر الاجتماع بين البنتين والبنات -وإن كثروا- بالإخوة والأخوات -وإن كثروا- مع ما كان معلومًا أن بنات الرجل أحق من بنات أبيه؛ أيد ذلك أن بنات ابنه قد يَرِثْنَ، وبنات ابن أبيه لا؛ فلا يجوز أن تكون الأختان أكثر حقا من الابنتين.
وفي الأغلب أن يجعل لهن ميراث هَؤُلَاءِ، وأيد ذلك أنه ما دام يوجد في الأولاد من له فرض أو فضل - لم يصرف إلى أولاد الأب؛ ثبت أنهم بمعنى الخلف من هَؤُلَاءِ، وعلى ما ذكرت جاءت الآثار، واجتمع عليه أهل الفتوى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: أراد بالولد الذكورَ خاصة؛ لأنه جعل للأبوين لكُلِّ واحد منهما السدس إذا كان الولد ذكرًا، أما إذا كان الولد أنثى فللأب يكون الثلث.
وأمَّا عندنا: فإن اسم الولد يجمع الذكور والإناث جميعًا.
وبعد: فإنه إن كان الولد -هاهنا- ذكرًا وأنثى؛ فينظر:
40
إن كان ذكرًا يكون لكل واحد من الأبوين السدس، والباقي للولد.
وإن كان أنثى فلها النصف، وللأبوين السدسان، والباقي للأب؛ على ما جاء في الخبر: " مَا أَبْقَتِ الفَرَائضُ فِلأَوْلَى رَجُل ذَكَرٍ ".
وقالت الروافض: الباقي للابنة، ذهبوا في ذلك إلى أن الذي يقابل الابنة هو الابن، والذي يقابل الأب هي الأم، فالذي يقابلُ الابنة هو أولى بإحراز الميراث من الذي يقابل الأم؛ وهو الأب؛ فعلى ذلك الذي يقابل الابن -وهي الابنة- أولى بذلك من الذي يقابل الأم؛ وهو الأب.
وأما عندنا: فإن الأب أولى بذلك من الابنة؛ لأن للأب حَقَّين: حق فريضة، وحق عصبة: أمَّا حق الفريضة بقوله: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)، وأما حق العصبة بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ): جعل الباقي له؛ فذو حقين أولى بذلك من ذي حق واحد، والابنة ليس لها إلا حق الفريضة؛ لذلك كان الأب أولى.
وفي الخبر دلالة أن حكم الابنتين وما فوقهما سواء، وهو الثلثان: ما روي عن جابر ابن عبد اللَّه قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بابنتين إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول اللَّه، هاتان ابنتا ثابت بن قيس، أصيبَ معك يوم أحد، وقد أخذ عمهما مالهما وميراثهما، ولم يدع لهما شيئا إلا أخذه، فما ترى يا رسول اللَّه؟ فواللَّه لا تنكحان إلا ولهما مال، فنزل قوله - تعالى -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)؛ فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لعم الجاريتين: " اعْطِهِمَا الثُّلُثَينِ، وَأَعْطِ أمَّهُما الثمُنَ، ولَكَ ما بَقِيَ ".
ثم في الآية دلائل:
وإن كان أنثى فلها النصف، وللأبوين السدسان، والباقي للأب؛ على ما جاء في الخبر: " مَا أَبْقَتِ الفَرَائضُ فِلأَوْلَى رَجُل ذَكَرٍ ".
وقالت الروافض: الباقي للابنة، ذهبوا في ذلك إلى أن الذي يقابل الابنة هو الابن، والذي يقابل الأب هي الأم، فالذي يقابلُ الابنة هو أولى بإحراز الميراث من الذي يقابل الأم؛ وهو الأب؛ فعلى ذلك الذي يقابل الابن -وهي الابنة- أولى بذلك من الذي يقابل الأم؛ وهو الأب.
وأما عندنا: فإن الأب أولى بذلك من الابنة؛ لأن للأب حَقَّين: حق فريضة، وحق عصبة: أمَّا حق الفريضة بقوله: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)، وأما حق العصبة بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ): جعل الباقي له؛ فذو حقين أولى بذلك من ذي حق واحد، والابنة ليس لها إلا حق الفريضة؛ لذلك كان الأب أولى.
وفي الخبر دلالة أن حكم الابنتين وما فوقهما سواء، وهو الثلثان: ما روي عن جابر ابن عبد اللَّه قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بابنتين إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول اللَّه، هاتان ابنتا ثابت بن قيس، أصيبَ معك يوم أحد، وقد أخذ عمهما مالهما وميراثهما، ولم يدع لهما شيئا إلا أخذه، فما ترى يا رسول اللَّه؟ فواللَّه لا تنكحان إلا ولهما مال، فنزل قوله - تعالى -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)؛ فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لعم الجاريتين: " اعْطِهِمَا الثُّلُثَينِ، وَأَعْطِ أمَّهُما الثمُنَ، ولَكَ ما بَقِيَ ".
ثم في الآية دلائل:
41
أحدها: يخرج الخطاب على العموم، والمراد منه خاص؛ لأنه ذكر الأولاد، والولد قد يكون على غير دينه؛ فلا يرث، وقد يكون مملوكًا فلا يرث، على ما روي في الخبر: " لا يَتَوَارَث أَهْلُ مِلَّتَيْنِ "، وما روي: " لا يَرِث الْمُسْلمُ الكافِرَ وَلا الكَافِرُ الْمُسْلِمَ إِلا العَبْدَ مَوْلاهُ "، وذلك في الحقيقة ليس بميراث، ولكن ما للعبد يكون لمولاه.
وفي هذا دليل جواز الاستثناء من غير نوعه؛ حيث استثنى العبد، وذلك في الحقيقة
وفي هذا دليل جواز الاستثناء من غير نوعه؛ حيث استثنى العبد، وذلك في الحقيقة
42
ليس بميراث.
وفي الآية دليل جواز القياس، والفكر فيها، والاعتبار؛ لأن ميراث الابنتين مستدل عليهما، غير منصوص، وكذلك ميراث الذكور من الأولاد بالانفراد مستدل عليه غير
وفي الآية دليل جواز القياس، والفكر فيها، والاعتبار؛ لأن ميراث الابنتين مستدل عليهما، غير منصوص، وكذلك ميراث الذكور من الأولاد بالانفراد مستدل عليه غير
43
منصوص، وما يحرز الأب من الميراث بحق العصبة مستدل عليه لا منصوص، وما يستحق بالفريضة فهو منصوصٌ عليه، وهكذا كل من يستحق شيئا بحق الفريضة فهو منصوص عليه؛ فدل أن ما ترك ذكره إنما ترك للاجتهاد، والتفكر فيه، والاعتبار.
وفيه دليل أنه يجوز ألا يُطْلِع اللَّه عباده على الأشياء بقوله - تعالى - (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) إذ لم يبين أيهم أقرب نفعًا؛ دل قوله: (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)؛ إذ ذكر وراثتهما، ولم يبين حق الأب أنه جعله عصبة يرد إليه الفضل.
فيظهرُ للأب بهذه الآية من قوله - تعالى -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ...) إلى آخرها - أمران:
أَحَدُهُمَا: حق العصبة.
الثاني: حق الفرض بقوله: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)
ثم بعد هذا فيه أمران:
أحدهما: أنه إذا ثبت له حق العصبة، وقد بين اللَّه - تعالى - نصيب الابنة أنه النصف، ونصيب الأب مع الوالد أن له السدس؛ فزعمت الشيعة أن الفضل يرد إلى الابنة؛ لأنها ولد، ولم يذكر له مع الولد إلا السدس.
وعندنا: يرد إلى الأب؛ لأنه لم يذكر للابنة إلا النصف، ثم قد جعل الأب عصبة فيما له حق الفضل عن المفروض، ولم يجعل الابنة؛ لذلك كان الرد إلى الأب أحق مع ما يحتمل إن كان له ولد ذكر، ثم حرمت الأمُّ بالابنة؛ إذ هي تحرم بالأخوات، فالبنات أحق؛ إذ هن أقرب.
والثاني: أنه إذ جعل للأب السهم من وجهين، ثم الذي له في أحد الوجهين صار للجد دون أولاده، وبين لأولاد الأب الحق، وإبقاء حق الجد لما بين لولده؛ فعلى ذلك ما له من الوجه الثاني وهو أولى؛ لأن حق العصَّاب يخرج على إلحاق الأبعدين فيه بالأقربين، وحق الفرائض لا، حتى يبين، ثم صار الجد أبًا في حقه من الفرض إذا لم يكن هو فمثله في حق العصبة.
ثم فيه وجه آخر: أنه أتبع ذلك الذكر ذِكر الزوجين، وذكرهما مع الولد، ولم يذكر معهما الولدان؛ فثبت أن أمرهما يدخل في حالهما فيما كان، لا في حالهما، أي: الزوجين، وأيد ذلك قوله: إنه بقي حالهما مع الزوجين مع الولد على ما كان عليه دون الزوجين معه؛ فعلى ذلك حالهما بلا ولد، وفي ذلك وجوب صرف حقهما إلى ما فضل، كما ذكر في قوله:
وفيه دليل أنه يجوز ألا يُطْلِع اللَّه عباده على الأشياء بقوله - تعالى - (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) إذ لم يبين أيهم أقرب نفعًا؛ دل قوله: (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)؛ إذ ذكر وراثتهما، ولم يبين حق الأب أنه جعله عصبة يرد إليه الفضل.
فيظهرُ للأب بهذه الآية من قوله - تعالى -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ...) إلى آخرها - أمران:
أَحَدُهُمَا: حق العصبة.
الثاني: حق الفرض بقوله: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)
ثم بعد هذا فيه أمران:
أحدهما: أنه إذا ثبت له حق العصبة، وقد بين اللَّه - تعالى - نصيب الابنة أنه النصف، ونصيب الأب مع الوالد أن له السدس؛ فزعمت الشيعة أن الفضل يرد إلى الابنة؛ لأنها ولد، ولم يذكر له مع الولد إلا السدس.
وعندنا: يرد إلى الأب؛ لأنه لم يذكر للابنة إلا النصف، ثم قد جعل الأب عصبة فيما له حق الفضل عن المفروض، ولم يجعل الابنة؛ لذلك كان الرد إلى الأب أحق مع ما يحتمل إن كان له ولد ذكر، ثم حرمت الأمُّ بالابنة؛ إذ هي تحرم بالأخوات، فالبنات أحق؛ إذ هن أقرب.
والثاني: أنه إذ جعل للأب السهم من وجهين، ثم الذي له في أحد الوجهين صار للجد دون أولاده، وبين لأولاد الأب الحق، وإبقاء حق الجد لما بين لولده؛ فعلى ذلك ما له من الوجه الثاني وهو أولى؛ لأن حق العصَّاب يخرج على إلحاق الأبعدين فيه بالأقربين، وحق الفرائض لا، حتى يبين، ثم صار الجد أبًا في حقه من الفرض إذا لم يكن هو فمثله في حق العصبة.
ثم فيه وجه آخر: أنه أتبع ذلك الذكر ذِكر الزوجين، وذكرهما مع الولد، ولم يذكر معهما الولدان؛ فثبت أن أمرهما يدخل في حالهما فيما كان، لا في حالهما، أي: الزوجين، وأيد ذلك قوله: إنه بقي حالهما مع الزوجين مع الولد على ما كان عليه دون الزوجين معه؛ فعلى ذلك حالهما بلا ولد، وفي ذلك وجوب صرف حقهما إلى ما فضل، كما ذكر في قوله:
44
(وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ) فيكون الفضل بينهما على ما كان عليه بالكل لولا الزوجان.
وقوله: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)
اختلف في حكم الآية من أوجه ثلاثة:
قَالَ بَعْضُهُمْ: لا يحجب الأم عن الثلث أخوان ولا أختان، حتى يكون ثلاثة؛ لأن اللَّه - تعالى - قال: (إِخْوَةٌ)، وأقل الإخوة ثلاثة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنه.
وقال آخرون: يحجب الأم عن الثلث الذكور منهم، ولا تحجب الإناث؛ لأن اللَّه - تعالى - ذكر الإخوة، والإخوة اسم للذكور منهم دون للإناث؛ إذ الإناث اسم على حدة وهو الأخوات؛ لذلك حجب الذكور ولم يحجب الإناث.
وأما عندنا: فإن الإخوة اسم للذكور والإناث جميعًا في الحكم، وإن لم يكن اسمًا لهما جميعًا في الحقيقة؛ ألا ترى أن اللَّه - تعالى - ذكر الإخوة، ثم جعل بالتفسير اسما لهما جميعا بقوله: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً)، دل أن اسم الإخوة يجمع الذكور والإناث جميعا في الحكم؛ لذلك حجب الأم عن الثلث ذكورًا كانوا أو إناثًا.
وأما قولنا: بأن الاثنين يحجبانها عن الثلث: ما رُويَ عن عليٍّ وعبد اللَّه وزيد بن ثابت أنهم قالوا: يحجب الأخوان الأم عن الثلث كما يحجبها الثلاثة.
وقوله: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)
اختلف في حكم الآية من أوجه ثلاثة:
قَالَ بَعْضُهُمْ: لا يحجب الأم عن الثلث أخوان ولا أختان، حتى يكون ثلاثة؛ لأن اللَّه - تعالى - قال: (إِخْوَةٌ)، وأقل الإخوة ثلاثة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنه.
وقال آخرون: يحجب الأم عن الثلث الذكور منهم، ولا تحجب الإناث؛ لأن اللَّه - تعالى - ذكر الإخوة، والإخوة اسم للذكور منهم دون للإناث؛ إذ الإناث اسم على حدة وهو الأخوات؛ لذلك حجب الذكور ولم يحجب الإناث.
وأما عندنا: فإن الإخوة اسم للذكور والإناث جميعًا في الحكم، وإن لم يكن اسمًا لهما جميعًا في الحقيقة؛ ألا ترى أن اللَّه - تعالى - ذكر الإخوة، ثم جعل بالتفسير اسما لهما جميعا بقوله: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً)، دل أن اسم الإخوة يجمع الذكور والإناث جميعا في الحكم؛ لذلك حجب الأم عن الثلث ذكورًا كانوا أو إناثًا.
وأما قولنا: بأن الاثنين يحجبانها عن الثلث: ما رُويَ عن عليٍّ وعبد اللَّه وزيد بن ثابت أنهم قالوا: يحجب الأخوان الأم عن الثلث كما يحجبها الثلاثة.
45
وجعلوا الأخوين إخوة، والفرائض على اختلافها اتفقت في أن حكم الاثنين حكم الأكثر؛ فكذلك في حق الحجاب، واللَّه أعلم.
وحجة أخرى: وهي أن اللَّه - تعالى - حكم في (الْكَلَالَةِ) إذا كان واحدًا أن له السدس، (فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)؛ فجعل حكم الاثنين والثلاثة واحدًا يشتركون في الثلث؛ فوجب أن يكون حكم الاثنين والثلاثة من الإخوة في حجب الأم عن الثلث سواء.
وحجة أخرى: وهي أن اللَّه - تعالى - جعل للأختين من الأب والأم الثلثين، وسوى بين حكم الأختين والثلاث في الميراث؛ فعلى ذلك يجب أن يستوي حكم الأخوين والثلاث في حجاب الأم عن الثلث.
ثم المسألة بيننا وبين الروافض: زعمت الروافض أن الإخوة من الأم لا تحجب الأم عن الثلث؛ لأنهم منها، فمن البعيد أن يحجبوها، ويمنعوا ذلك عنها، ويجعلون ذلك لغيرها، يضرون بالأم وينْفَعونَ غيرها؛ وقد قال - تعالى -: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً).
والثاني: أن الحجاب قد يجوز أن يقع بمن يحصل له ما حجب عنها نحو الإخوة من الأب والأم إذا حجبوا الأم عن الثلث وقع لهم ذلك، وأمَّا الإخوة من الأم فإن وقع لهم الحجاب لم يجعل لهم ذلك المحجوب منها؛ فلا يحتمل الحجاب بهم.
وأما عندنا: فإنه ليس لهم بحق القرب والبعد ما يحجبون، ولكن بحق الميت، فإذا كان ما ذكرنا؛ فسواء كانوا من قبل الأم أو من قبل الأب في حق الحجاب.
والثاني: أن المواريث جعلت بحق الابتداء لا بحق المورثين؛ لما لا يحتمل أن يختار المورث من هو أبعد على من هو أقرب، نحو من يموت عن ابنة وابن عم، لا يحتمل أن يختار ابن العم على الابنة في النصف الباقي؛ دل أنه على الابتداء.
ونقول في الإخوة في الأم: إنهم في الحجاب كالأخوة من الأب والأم، وإن كان الحق
وحجة أخرى: وهي أن اللَّه - تعالى - حكم في (الْكَلَالَةِ) إذا كان واحدًا أن له السدس، (فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)؛ فجعل حكم الاثنين والثلاثة واحدًا يشتركون في الثلث؛ فوجب أن يكون حكم الاثنين والثلاثة من الإخوة في حجب الأم عن الثلث سواء.
وحجة أخرى: وهي أن اللَّه - تعالى - جعل للأختين من الأب والأم الثلثين، وسوى بين حكم الأختين والثلاث في الميراث؛ فعلى ذلك يجب أن يستوي حكم الأخوين والثلاث في حجاب الأم عن الثلث.
ثم المسألة بيننا وبين الروافض: زعمت الروافض أن الإخوة من الأم لا تحجب الأم عن الثلث؛ لأنهم منها، فمن البعيد أن يحجبوها، ويمنعوا ذلك عنها، ويجعلون ذلك لغيرها، يضرون بالأم وينْفَعونَ غيرها؛ وقد قال - تعالى -: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً).
والثاني: أن الحجاب قد يجوز أن يقع بمن يحصل له ما حجب عنها نحو الإخوة من الأب والأم إذا حجبوا الأم عن الثلث وقع لهم ذلك، وأمَّا الإخوة من الأم فإن وقع لهم الحجاب لم يجعل لهم ذلك المحجوب منها؛ فلا يحتمل الحجاب بهم.
وأما عندنا: فإنه ليس لهم بحق القرب والبعد ما يحجبون، ولكن بحق الميت، فإذا كان ما ذكرنا؛ فسواء كانوا من قبل الأم أو من قبل الأب في حق الحجاب.
والثاني: أن المواريث جعلت بحق الابتداء لا بحق المورثين؛ لما لا يحتمل أن يختار المورث من هو أبعد على من هو أقرب، نحو من يموت عن ابنة وابن عم، لا يحتمل أن يختار ابن العم على الابنة في النصف الباقي؛ دل أنه على الابتداء.
ونقول في الإخوة في الأم: إنهم في الحجاب كالأخوة من الأب والأم، وإن كان الحق
46
لغيرهم؛ لما أن الإخوة لما تفرقت حقوقهم ذكرت، وكذلك الأولاد، فلو كان الحجابُ يتفرق لكانت الحاجة إلى الذكر لازمة؛ إذ بعيد ترك الأمر للنظر فيما لا أصل له في الأثر، ولا أصل له في هذا بالتفريق؛ بل قد جمع ذلك بين الإخوة والأخوات، على ما في ذلك من اختلاف الحقوق؛ ثبت أن غير الحجاب من الحقوق ليس بأصل له، والأصل أن ذلك لو كان على اعتبار الحق فهو بحق الميت، لا بحق الأبوين؛ لأنه لم يُعرف إيجاب حق ممن لا حق له، ولا حق لهم مع الأب؛ فبان أنه بمعتبر حق الميت يقع الحجاب، والمعنى منه واحد، ولو كان حجاب الإخوة من الأب بالأب لكان الأب إذن حجب الأم، فإذا كان هو لا يحجب بأن أن ولدها لا يحجبونها؛ إذ هو بحق الميت.
وقوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)
ذكر اللَّه - تعالى - الوصية قبل الدَّين، وأجمع أهلُ العلم أن الدَّين يبدأ به قبل الوصية والميراث.
رُويَ عن عليٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: تقرءون الوصية قبل الدَّين، وقضى مُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام - بالدَّين قبل الوصية.
وقوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)
ذكر اللَّه - تعالى - الوصية قبل الدَّين، وأجمع أهلُ العلم أن الدَّين يبدأ به قبل الوصية والميراث.
رُويَ عن عليٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: تقرءون الوصية قبل الدَّين، وقضى مُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام - بالدَّين قبل الوصية.
47
ورُويَ عن عليٍّ - رضي اللَّه عنه - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الدَّيْنُ قَبلَ الوَصِيةِ، وَالْوَصِيةُ قَبلَ المِيرَاثِ، وَلَا وَصِيةَ لِوَارِثٍ ".
وأجمعوا أنه إذا قضى الدَّين - دفع إلى أهل الوصايا وصاياهم إلا أن تجاوز الثلث فترد إلى الثلث؛ إن لم يجز الورثة، ويقسم الثلثان بين الورثة على فرائض اللَّه تعالى.
وليس معنى قول اللَّه - تعالى -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) - أن يخرج الثلث، فيبدأ بدفعه إلى الموصى لهم، ثم يدفع الثلثان إلى الورثة؛ لأن الموصى له شريك الورثة؛ إن هلك من المال شيء قبل القسمة ذهب من الورثة والموصى له جميعًا، ويبقى سائر المال بالشركة بينهم.
ولكن معناه: من بعد وصية إعلام أن الميراث يجري في المال بعد وضع الوصية من جملته إذا كان الثلث أو دونه، وإن لم يكن دفع ذلك إلى أصحاب الوصايا، ثم لم يذكر في الآية قدر الدَّين والوصية، ومن قولهم: إن الدِّين إذا أحاط بالتركة منع الميراث والوصية، وإذا لم يحط لم يمنع.
والوصية تجوز قدر الثلث، ولا تجوز أكثر من الثلث، إلا أن يجيز الورثة.
وأجمعوا أنه إذا قضى الدَّين - دفع إلى أهل الوصايا وصاياهم إلا أن تجاوز الثلث فترد إلى الثلث؛ إن لم يجز الورثة، ويقسم الثلثان بين الورثة على فرائض اللَّه تعالى.
وليس معنى قول اللَّه - تعالى -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) - أن يخرج الثلث، فيبدأ بدفعه إلى الموصى لهم، ثم يدفع الثلثان إلى الورثة؛ لأن الموصى له شريك الورثة؛ إن هلك من المال شيء قبل القسمة ذهب من الورثة والموصى له جميعًا، ويبقى سائر المال بالشركة بينهم.
ولكن معناه: من بعد وصية إعلام أن الميراث يجري في المال بعد وضع الوصية من جملته إذا كان الثلث أو دونه، وإن لم يكن دفع ذلك إلى أصحاب الوصايا، ثم لم يذكر في الآية قدر الدَّين والوصية، ومن قولهم: إن الدِّين إذا أحاط بالتركة منع الميراث والوصية، وإذا لم يحط لم يمنع.
والوصية تجوز قدر الثلث، ولا تجوز أكثر من الثلث، إلا أن يجيز الورثة.
48
والآية لم تخص قدرًا من الدَّين دون قدر، وكذلك الوصية، لكن تفسيره ما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " الثلُث والثلُث كثير "، وما رُوي في خبر آخر: " إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - تصَدَّقَ عَلَيكُم بِثُلُثِ أَمْوَالِكُم عِنْدَ وَفَاتِكُم زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُم لَم يَجْعَلْ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ "، وما روي في خبر آخر عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعمر وعثمان - رضي اللَّه عنهما -: " الخُمُسُ اقْتِصادٌ، وَالرُّبُعُ جَهْدٌ، وَالثلُثُ حَيفٌ ".
ثم الوصية جوازها الاستحسان والإفضال من اللَّه تعالى، والقياس يبطلها؛ وذلك أن اللَّه - تعالى - لم يملك الخلق أَعْينَ الأموال؛ وإنما جعل الانتفاع لهم بها؛ ألا ترى أنهم نُهوا عن إضاعتها، ولو كان أعين المال لهم لكان لا مَعْنى للنَهْي عن إضاعتها؛ دل أنه إنما جعل لهم الانتفاع فيها إلى وقت موتهم، وبالموت ينقطع الانتفاع بها؛ فينظر من الأحق بها بعد الموت: الغريم صاحب الدَّين، أو الوارث، وإلا جواز الوصية الإفضال من اللَّه - تعالى - على عباده بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللهَ تَصَدقَ عَلَيكُم بِثُلُثِ أَمْوَالِكُم عِنْدَ وَفَاتِكُم "؛ دل هذا الخبر أن جوازها الإفضال والاستحسان منه إلى عباده، واللَّه أعلم.
وقوله - تعالى -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) -يدل على أن ما ليس بدين ولم
ثم الوصية جوازها الاستحسان والإفضال من اللَّه تعالى، والقياس يبطلها؛ وذلك أن اللَّه - تعالى - لم يملك الخلق أَعْينَ الأموال؛ وإنما جعل الانتفاع لهم بها؛ ألا ترى أنهم نُهوا عن إضاعتها، ولو كان أعين المال لهم لكان لا مَعْنى للنَهْي عن إضاعتها؛ دل أنه إنما جعل لهم الانتفاع فيها إلى وقت موتهم، وبالموت ينقطع الانتفاع بها؛ فينظر من الأحق بها بعد الموت: الغريم صاحب الدَّين، أو الوارث، وإلا جواز الوصية الإفضال من اللَّه - تعالى - على عباده بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللهَ تَصَدقَ عَلَيكُم بِثُلُثِ أَمْوَالِكُم عِنْدَ وَفَاتِكُم "؛ دل هذا الخبر أن جوازها الإفضال والاستحسان منه إلى عباده، واللَّه أعلم.
وقوله - تعالى -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) -يدل على أن ما ليس بدين ولم
49
يوصِ به الميت- فإنه لا يخرج من ماله، ويدخل عندنا في هذا الجنس: الحج يكون على الرجل، والنذر، والزكاة، وأشباه ذلك، ليس بشيء منها دين، فإذا لم يوص الميت بها فلا يجب أن تؤدى من التركة إلا أن يُنْفِذَها الورثة.
فإن قال قائل: هي دين كسائر الديون.
قيل له: أرأيت إن كان عليه دين وزكاة: يبدأ بالدَّين أو تقسم التركة بالحصص إذا لم يف بذلك كله؟
فإن قال: يبدأ بالدَّين؛ قيل له: لو كانت الزكاة دينًا كديون الناس كانت في القضاء.
فإن قال: أجعل الزكاة أسوة في القضاء مع الديون؛ قيل له: ما تقول في رجل أفلس وعليه ديون: هل يقسم ماله بين غرمائه؟
فإن قال: نعم؛ قيل: فإن كانت عليه زكاة هل يضرب لها بسهم؟
فإن قال: لا؛ قيل: كيف ضربت لها بسهم بعد الموت لما قسمت ماله، ولم تضرب لها بسهم في الحياة، إن كانت كسائر الديون بعد الموت؟! فيجب أن تكون كسائر الديون في الحياة، إلا أن الزكاة حالة واجبة على من كان عنده مال فحال عليه الحول فاستهلكه، وليس يجوز له تأخير قضاء الدَّين. وفي إقرارك أنك تبدأ بالدَّين قبل الزكاة في الحياة دليل على أنه يجب أن يبدأ بالدَّين قبل الزكاة بعد الموت.
فَإِنْ قِيلَ: قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - للمرأة التي سألت: هل تحج عن أبيها؟: " أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ، فَقَضَيتِيهِ أَلَم يُجْزِ عَنْهُ؟ " يدل على أن الحج دَين.
قيل له: ليس فيه دلالة الوجوب عليها؛ إنما فيه دليل جواز الحج عن الميت وقبوله، إذن كان قضاء ما هو أوكد منه من ديون العباد قضاء صحيحًا؛ فالحج الذي هو دون ذلك
فإن قال قائل: هي دين كسائر الديون.
قيل له: أرأيت إن كان عليه دين وزكاة: يبدأ بالدَّين أو تقسم التركة بالحصص إذا لم يف بذلك كله؟
فإن قال: يبدأ بالدَّين؛ قيل له: لو كانت الزكاة دينًا كديون الناس كانت في القضاء.
فإن قال: أجعل الزكاة أسوة في القضاء مع الديون؛ قيل له: ما تقول في رجل أفلس وعليه ديون: هل يقسم ماله بين غرمائه؟
فإن قال: نعم؛ قيل: فإن كانت عليه زكاة هل يضرب لها بسهم؟
فإن قال: لا؛ قيل: كيف ضربت لها بسهم بعد الموت لما قسمت ماله، ولم تضرب لها بسهم في الحياة، إن كانت كسائر الديون بعد الموت؟! فيجب أن تكون كسائر الديون في الحياة، إلا أن الزكاة حالة واجبة على من كان عنده مال فحال عليه الحول فاستهلكه، وليس يجوز له تأخير قضاء الدَّين. وفي إقرارك أنك تبدأ بالدَّين قبل الزكاة في الحياة دليل على أنه يجب أن يبدأ بالدَّين قبل الزكاة بعد الموت.
فَإِنْ قِيلَ: قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - للمرأة التي سألت: هل تحج عن أبيها؟: " أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ، فَقَضَيتِيهِ أَلَم يُجْزِ عَنْهُ؟ " يدل على أن الحج دَين.
قيل له: ليس فيه دلالة الوجوب عليها؛ إنما فيه دليل جواز الحج عن الميت وقبوله، إذن كان قضاء ما هو أوكد منه من ديون العباد قضاء صحيحًا؛ فالحج الذي هو دون ذلك
50
في التأكيد أحرى أن يقبل؛ كأنه أراد هذا، واللَّه أعلم.
ودليل آخر: أن الزكاة لا تجوز أن تؤدى عن الميت إذا لم يوص بها؛ لأن الزكاة لا تؤدى إلا بنية المزكي، والنية عمل القلب، ولا خلاف في أنه لا يُصَلَّى عن الميت ولا يصام عنه؛ فلما لم يجز أن يُقْضَى عن الميت على الأبدان، لم يجز أن تقوم نية الورثة في أداء الزكاة مقام نية الميت.
قال الشيخ - رحمه اللَّه تعالى - في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) وظاهره أنه يقدم الوصية على الميراث، لكن أجمع أن الابتداء به عن حق حد الميراث، ولكن يوزع؛ فيخرج التأويل على وجوه:
أحدها: أن قوله - تعالى -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ...) إلى قوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) -كأنه سوى، أي: سواء مالُكُمْ: أن توصوا، أوصاكم اللَّه فيه- بكذا.
والثاني: أن يكون (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ)، أي: من بعد ما أوصيتم، ويكون الميراث بعد الإيصاء.
ويحتمل: من بعد أن كان عليكم الإيصاء والدَّيْنَ - أمركم بالمواريث؛ فيكون فيه نسخ قول: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)؛ فدلت هذه الآية على حجر بعض الوصايا بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (غَيْرَ مُضَارٍّ)، لكن يحتمل أن تكون المضارة تبطل الفضل، ويحتمل ألا تبطل؛ كقوله - تعالى -: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا) في الرجعة على إمضاء الرجعة على ذلك، لكن الإضرار في الرجعة
ودليل آخر: أن الزكاة لا تجوز أن تؤدى عن الميت إذا لم يوص بها؛ لأن الزكاة لا تؤدى إلا بنية المزكي، والنية عمل القلب، ولا خلاف في أنه لا يُصَلَّى عن الميت ولا يصام عنه؛ فلما لم يجز أن يُقْضَى عن الميت على الأبدان، لم يجز أن تقوم نية الورثة في أداء الزكاة مقام نية الميت.
قال الشيخ - رحمه اللَّه تعالى - في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) وظاهره أنه يقدم الوصية على الميراث، لكن أجمع أن الابتداء به عن حق حد الميراث، ولكن يوزع؛ فيخرج التأويل على وجوه:
أحدها: أن قوله - تعالى -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ...) إلى قوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) -كأنه سوى، أي: سواء مالُكُمْ: أن توصوا، أوصاكم اللَّه فيه- بكذا.
والثاني: أن يكون (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ)، أي: من بعد ما أوصيتم، ويكون الميراث بعد الإيصاء.
ويحتمل: من بعد أن كان عليكم الإيصاء والدَّيْنَ - أمركم بالمواريث؛ فيكون فيه نسخ قول: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)؛ فدلت هذه الآية على حجر بعض الوصايا بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (غَيْرَ مُضَارٍّ)، لكن يحتمل أن تكون المضارة تبطل الفضل، ويحتمل ألا تبطل؛ كقوله - تعالى -: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا) في الرجعة على إمضاء الرجعة على ذلك، لكن الإضرار في الرجعة
51
مقصود، وفي هذا مفضول، فيمكن التفريق بين الأمرين، فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ...) الآيتين، وأوعد جهنم على تعدي هذه الحدود، وفي ذلك لا يحتمل مع جواز الفضل، وأيد ذلك قوله: (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ...) الآية، ولو كان يجوز لكان لا يملك معه الإصلاح؛ فثبت أن من الوصايا ما يبطل مع ما كان اللَّه ذكر في المواريث: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)؛ فلا يُملك إبطال فريضة اللَّه، وبالإذن منه يجوز فعله؛ لذلك يبطل بعض وصاياه.
والأصل في ذلك أن الأموال أنشئت للأحياء؛ وخُلقت لمنافع الأحياء، فكأنهم ملكوا منافعها إلى انقضاء آجالهم، ثم صارت إلى مَن به ملكوها، يجعلها لمن يشاء، ويضعها عند من يشاء.
وقد بين - عَزَّ وَجَلَّ - أنها: لمن، ومن أحق بها؛ فصار الموصي كأنه أوصى بحق مَنْ بَيّن أن مُحِقَّه فيه غيرُهُ، فإن تفضل اللَّه عليه في ذلك من شيء، وإلا فذلك كسائر الأملاك التي بينت أربابها، لم يكن لغيرهم فيها حق إلا بجعل اللَّه أو جعل من له؛ فعلى ذلك هذا قد جاء عن اللَّه بيان هذه بعد أن بينت هذه الآيات جعل الحق له إلى الثلث، فذلك له صدقة من اللَّه - تعالى - وفي الفضل إن أجاز المجعول له جاز، وإلا لا، واللَّه أعلم.
فجعلت للوصية حدًّا، ولم تجعل للدِّين؛ لأن الدِّين مما يتصل بحوائجه في حال حياته؛ إذ هو يلزم بالأسباب التي بها معاشه وغذاؤه؛ فصار مقدمًا على المتروك في الحكم، وإنما جُعلت المواريث في المتروك مع ما كان الغرماء أحق بملكه في حياته بعجزه عن كثير من المعروف في مرضه بهم، فلو لم يكن لهم الحق لامتنعوا من المداينات إلا بوثائق يكونون هم أحق بها بعد الوفاة من الورثة، أو يمتنعون من المداينات، وفي ذلك تقصير القوت والأغذية عن مضي الأجل، وهو به مأمور؛ فجعلت الديون كأنها استحقت الإملاك في حال الحياة؛ فلم تجئ منهم التركة، وليس كالعبادات؛ لأنها تجب في الفضول عن الحاجات، والديون في الأصول، فليست العبادات بالتي تمنع الوفاء بالآجال ولا كان بأربابها إليها تلك الضرورات؛ فإنما هي بحق القرب، وهي عمل الأحياء، فإذا ماتوا زال الإمكان، وجرت في الأموال المواريث، وكذا المعروف من الدِّين المذكور في القرآن من قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا
والأصل في ذلك أن الأموال أنشئت للأحياء؛ وخُلقت لمنافع الأحياء، فكأنهم ملكوا منافعها إلى انقضاء آجالهم، ثم صارت إلى مَن به ملكوها، يجعلها لمن يشاء، ويضعها عند من يشاء.
وقد بين - عَزَّ وَجَلَّ - أنها: لمن، ومن أحق بها؛ فصار الموصي كأنه أوصى بحق مَنْ بَيّن أن مُحِقَّه فيه غيرُهُ، فإن تفضل اللَّه عليه في ذلك من شيء، وإلا فذلك كسائر الأملاك التي بينت أربابها، لم يكن لغيرهم فيها حق إلا بجعل اللَّه أو جعل من له؛ فعلى ذلك هذا قد جاء عن اللَّه بيان هذه بعد أن بينت هذه الآيات جعل الحق له إلى الثلث، فذلك له صدقة من اللَّه - تعالى - وفي الفضل إن أجاز المجعول له جاز، وإلا لا، واللَّه أعلم.
فجعلت للوصية حدًّا، ولم تجعل للدِّين؛ لأن الدِّين مما يتصل بحوائجه في حال حياته؛ إذ هو يلزم بالأسباب التي بها معاشه وغذاؤه؛ فصار مقدمًا على المتروك في الحكم، وإنما جُعلت المواريث في المتروك مع ما كان الغرماء أحق بملكه في حياته بعجزه عن كثير من المعروف في مرضه بهم، فلو لم يكن لهم الحق لامتنعوا من المداينات إلا بوثائق يكونون هم أحق بها بعد الوفاة من الورثة، أو يمتنعون من المداينات، وفي ذلك تقصير القوت والأغذية عن مضي الأجل، وهو به مأمور؛ فجعلت الديون كأنها استحقت الإملاك في حال الحياة؛ فلم تجئ منهم التركة، وليس كالعبادات؛ لأنها تجب في الفضول عن الحاجات، والديون في الأصول، فليست العبادات بالتي تمنع الوفاء بالآجال ولا كان بأربابها إليها تلك الضرورات؛ فإنما هي بحق القرب، وهي عمل الأحياء، فإذا ماتوا زال الإمكان، وجرت في الأموال المواريث، وكذا المعروف من الدِّين المذكور في القرآن من قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا
52
أَوْ دَيْنٍ) - أن العبادات لا توصف بالديون، ولا تفهم من إطلاق القول بالديون؛ فصارت بمعنى الفضل عن الوصايا والديون إلى أن يؤجل، وهو الحقيقة؛ ألا يكون للمولى على عبده دين؛ فيكون المذكور دينا في الأفعال؛ كما ذكرت العِدَاتُ دَيْنًا في الأخلاق، لا في حقيقة الذمم، مع ما كانت هي لله، وقد جعل اللَّه له فريضة لأقوام بأعيانهم، لا تمنع عنهم إلا بالوصية، كما جعل للموصي.
وعلى أن العبادات لا تقوم إلا بالبينات، ولا تؤدى عن أحد في حياته إلا بأمره، وإن احتمل قيام بعض منها عن بعض، وسائر الديون تجوز دونه؛ فعلى ذلك بعد الوفاة، وإن كان كل ما يؤدى به فهو الذي حدث به الوصية، وقد جاء الحد لها مع ما كانت العبادات لا تحتمل لحوق الأموات ولا الإيجاب عليهم في أموالهم، ثبت أنها حقوق الحياة خاصة، والديون تحتمل، فهي حقوقهم في الحالين.
ثم قد ذكر في الدِّين (غَيْرَ مُضَارٍّ)؛ بل الدَّين أقرب إلى حرف الثنيا، ومعلوم أنه لا يقع منه في الديون الظاهرة المعلومة مضارة بالورثة إن كان يقع، يقع في الغرماء؛ إذ يؤخذ منه بلا إيصاء، ولا يحتمل النهي من حيث الغرماء؛ لما فيه إلزام المكاسب في أوقات العجز لقضاء الديون؛ فثبت أن ذلك فيما لا يعرف من الديون؛ وإنما يرجع فيها إلى قوله؛ فبطل بالذي ذكرته جواز إقراره على كل حال لكل أحد؛ إذ لا ضرر يقع من حيث فعله فيرد، وقد بينا أن المضارة في هذا تمنع الجواز؛ فثبت أن من الإقرار ما لا يجوز، فقال أصحابنا - رحمهم اللَّه -: لا يجوز إقراره لبعض الورثة وقت الإياس من نفسه؛ لأنه
وعلى أن العبادات لا تقوم إلا بالبينات، ولا تؤدى عن أحد في حياته إلا بأمره، وإن احتمل قيام بعض منها عن بعض، وسائر الديون تجوز دونه؛ فعلى ذلك بعد الوفاة، وإن كان كل ما يؤدى به فهو الذي حدث به الوصية، وقد جاء الحد لها مع ما كانت العبادات لا تحتمل لحوق الأموات ولا الإيجاب عليهم في أموالهم، ثبت أنها حقوق الحياة خاصة، والديون تحتمل، فهي حقوقهم في الحالين.
ثم قد ذكر في الدِّين (غَيْرَ مُضَارٍّ)؛ بل الدَّين أقرب إلى حرف الثنيا، ومعلوم أنه لا يقع منه في الديون الظاهرة المعلومة مضارة بالورثة إن كان يقع، يقع في الغرماء؛ إذ يؤخذ منه بلا إيصاء، ولا يحتمل النهي من حيث الغرماء؛ لما فيه إلزام المكاسب في أوقات العجز لقضاء الديون؛ فثبت أن ذلك فيما لا يعرف من الديون؛ وإنما يرجع فيها إلى قوله؛ فبطل بالذي ذكرته جواز إقراره على كل حال لكل أحد؛ إذ لا ضرر يقع من حيث فعله فيرد، وقد بينا أن المضارة في هذا تمنع الجواز؛ فثبت أن من الإقرار ما لا يجوز، فقال أصحابنا - رحمهم اللَّه -: لا يجوز إقراره لبعض الورثة وقت الإياس من نفسه؛ لأنه
53
وقت الإيثار، والسخاء بما عنده من المال، ولوقت السخاء ما أبطل وصيته للوارث بما يخرج مخرج الإيثار، فنحن إذا أجزنا إقراره فيهن لنظره لم يمنع الوصية أن ينتفع؛ بل يذهب الكل، وفي الأول لم يكن يذهب، واللَّه أعلم.
ثم الأصل أنه أجيز في الكل بحق الأمانة، ووصيته بحق الفضل ثم جعل في وارثه كمن لا ملك له؛ إذ قد يقصد به التفضيل والتخصيص إلى القربة؛ فعلى ذلك فيما خان في الأمانة يجعل كمن لا أمانة له لما يخرج، على ما بينا، وإسقاط الأخبار؛ لتوهم من الأمناء أوجد في الأحكام، ومن إسقاط المعروف عن الأملاك، واللَّه أعلم.
وعلى ذلك فيما كانت عليه ديون ظاهرة قد يبقى الضرر بأهلها لبعض من له بشأنه عناية، وفيما بينهما حقوق تحث على المعروف والصلة له وقت السخاء بماله، وللعلم بأنه عن الانتفاع به عاجز؛ فيقر لهم ذلك بتهم في الحقوق التي ظهرت، ثم كانت عبادات الأموال قد تقام عن الأموات بالأمر، ولا تقام عبادات الأفعال لوجهين:
أحدهما: جواز بعض في أحد عن بعض النوعين فيما للعباد بلا أمر في الحياة، ولا يجوز في الآخر؛ فمثله العبادات بالأمر.
والثاني: أن السبب الذي به تجب عبادات الأموال قد يجوز أن يوجب على نفر بالتحول من ملك إلى ملك، وما له تجب عبادات الأفعال يجوز فعل ذلك حق القيام بالأفعال، وعلى ذلك النيات؛ إذ ليست من الحقوق التي تتصل بالأموال في شيء من الأمور لم يقم بها أحد عن أحد، لذلك لم يجز إلا بأمر؛ فيكون الأمر بالأمر لما أمرنا به نادرا، واللَّه أعلم.
وقوله - تعالى -: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا).
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هذا في الدنيا، وهو أن يلزم الابن نفقة والده عند الحاجة والقيام بأمره، والأب يلزم أن ينفق على ولده في حال صغره، وعند الحاجة إليه، والقيام بحفظه، وتعاهده، فإذا كان ما ذكرنا لم يدر أيهما أقرب نفعًا: نفع هذا لهذا، أو هذا لهذا.
ويحتمل أن يكون قال: لا تدرون أنتم أي نفع أقرب إليكم: نفع الآباء أو الأبناء، فإن كان التأويل ما ذكرنا؛ ففيه دلالة بطلان شهادة الوالد لولده، وشهادة الولد لوالده؛ إذ
ثم الأصل أنه أجيز في الكل بحق الأمانة، ووصيته بحق الفضل ثم جعل في وارثه كمن لا ملك له؛ إذ قد يقصد به التفضيل والتخصيص إلى القربة؛ فعلى ذلك فيما خان في الأمانة يجعل كمن لا أمانة له لما يخرج، على ما بينا، وإسقاط الأخبار؛ لتوهم من الأمناء أوجد في الأحكام، ومن إسقاط المعروف عن الأملاك، واللَّه أعلم.
وعلى ذلك فيما كانت عليه ديون ظاهرة قد يبقى الضرر بأهلها لبعض من له بشأنه عناية، وفيما بينهما حقوق تحث على المعروف والصلة له وقت السخاء بماله، وللعلم بأنه عن الانتفاع به عاجز؛ فيقر لهم ذلك بتهم في الحقوق التي ظهرت، ثم كانت عبادات الأموال قد تقام عن الأموات بالأمر، ولا تقام عبادات الأفعال لوجهين:
أحدهما: جواز بعض في أحد عن بعض النوعين فيما للعباد بلا أمر في الحياة، ولا يجوز في الآخر؛ فمثله العبادات بالأمر.
والثاني: أن السبب الذي به تجب عبادات الأموال قد يجوز أن يوجب على نفر بالتحول من ملك إلى ملك، وما له تجب عبادات الأفعال يجوز فعل ذلك حق القيام بالأفعال، وعلى ذلك النيات؛ إذ ليست من الحقوق التي تتصل بالأموال في شيء من الأمور لم يقم بها أحد عن أحد، لذلك لم يجز إلا بأمر؛ فيكون الأمر بالأمر لما أمرنا به نادرا، واللَّه أعلم.
وقوله - تعالى -: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا).
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هذا في الدنيا، وهو أن يلزم الابن نفقة والده عند الحاجة والقيام بأمره، والأب يلزم أن ينفق على ولده في حال صغره، وعند الحاجة إليه، والقيام بحفظه، وتعاهده، فإذا كان ما ذكرنا لم يدر أيهما أقرب نفعًا: نفع هذا لهذا، أو هذا لهذا.
ويحتمل أن يكون قال: لا تدرون أنتم أي نفع أقرب إليكم: نفع الآباء أو الأبناء، فإن كان التأويل ما ذكرنا؛ ففيه دلالة بطلان شهادة الوالد لولده، وشهادة الولد لوالده؛ إذ
54
أخبر أن لهذا نفعًا في مال هذا ولهذا نفعًا في مال هذا، فإذا ثبت النفع لم تقبل شهادة من ئنتفع بشهادته؛ ولهذا قال أبو حنيفة - رضي اللَّه عنه -: لا يجوز للوكيل بالبيع أو الشراء أن يبيع من أبيه، أو ابنه، أو والدته؛ لما ينتفع ببيعه منه وبالشرى منه. وكذلك قالوا: إذا اشترى من هَؤُلَاءِ فليس له أن يبيع مرابحة، إلا أن يبين؛ لأنه ينتفع به.
وقيل: هذا في الآخرة.
ورُوي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه -: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)، يقول: أطوعكم لله من الآباء والأبناء: أرفعكم درجة عند اللِّه يوم القيامة؛ لأنه - تعالى - يُشَفعُ المؤمنين بعضهم في بعض.
وقيل: قوله: (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ) أنتم في الدنيا (أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)، يقول: أخصّ لكم نفعًا في الآخرة في الدرجات الوالد لولده، أو الولد لوالده؛ إذ هم في الدنيا لا يدرون أيهم أقرب لصاحبه نفعًا في الآخرة حتى يرجعوا في الآخرة قال: فإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة من ولده رفع اللَّه - تعالى - إليه ولده في درجته؛ لتقر بذلك عينه، وإن كان الولد أرفع درجة من والده رفع اللَّه - تعالى - الوالدين إلى الولد في درجته؛ لتقر بذلك
وقيل: هذا في الآخرة.
ورُوي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه -: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)، يقول: أطوعكم لله من الآباء والأبناء: أرفعكم درجة عند اللِّه يوم القيامة؛ لأنه - تعالى - يُشَفعُ المؤمنين بعضهم في بعض.
وقيل: قوله: (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ) أنتم في الدنيا (أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)، يقول: أخصّ لكم نفعًا في الآخرة في الدرجات الوالد لولده، أو الولد لوالده؛ إذ هم في الدنيا لا يدرون أيهم أقرب لصاحبه نفعًا في الآخرة حتى يرجعوا في الآخرة قال: فإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة من ولده رفع اللَّه - تعالى - إليه ولده في درجته؛ لتقر بذلك عينه، وإن كان الولد أرفع درجة من والده رفع اللَّه - تعالى - الوالدين إلى الولد في درجته؛ لتقر بذلك
55
أعينهم برفع الأسفل إلى الأعلى والأدون إلى الأفضل، وهو كقوله - تعالى -: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ)، يعني: بإيمان الآباء، (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ)، يعني الآباء (مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ).
ويحتمل أن يكون هذا في الشفاعة، أو لا يدرى ما ذلك النفع وما مقداره.
أو يحتمل قوله: (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا): ليس على حقيقة القرب؛ ولكن على الكبر والعظم، وقد يتكلم بهذا كقوله: (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا): ليس على أن آية هي أكبر من أخرى، ولكن على وصف الكل منها بالكبر والعظم؛ فعلى ذلك قوله: (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) على وصف كل منهم بالنفع؛ على الإعظام والإكبار، واللَّه أعلم.
ويحتمل قوله - تعالى -: (أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)، أي: أوجب؛ كقوله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، أي: واجب للمحسنين، وغيره من الآيات.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)
سمى اللَّه - تعالى - المواريث فرائض؛ لأنه كان بإيجاب اللَّه - تعالى - لا باكتساب من الخلق؛ إذ لم يملك الخلق أعين هذه الأموال، ولكنه إنما ملكهم المنافع منها، وإلى وقت وفاتهم فإذا ماتوا صار ذلك المال للذي جعل اللَّه له؛ لذلك سمى فرائض.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) ببدو حالهم ومعاشهم ومصالحهم، وما يصلح لهم وما لا يصلح (حَكِيمًا) فيما فرض من قسمتها وبينها.
والحكيم: هو المصيب واضع كل شيء في موضعه، والظالم: هو واضع الشيء في غير موضعه.
* * *
قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى
ويحتمل أن يكون هذا في الشفاعة، أو لا يدرى ما ذلك النفع وما مقداره.
أو يحتمل قوله: (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا): ليس على حقيقة القرب؛ ولكن على الكبر والعظم، وقد يتكلم بهذا كقوله: (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا): ليس على أن آية هي أكبر من أخرى، ولكن على وصف الكل منها بالكبر والعظم؛ فعلى ذلك قوله: (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) على وصف كل منهم بالنفع؛ على الإعظام والإكبار، واللَّه أعلم.
ويحتمل قوله - تعالى -: (أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)، أي: أوجب؛ كقوله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، أي: واجب للمحسنين، وغيره من الآيات.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)
سمى اللَّه - تعالى - المواريث فرائض؛ لأنه كان بإيجاب اللَّه - تعالى - لا باكتساب من الخلق؛ إذ لم يملك الخلق أعين هذه الأموال، ولكنه إنما ملكهم المنافع منها، وإلى وقت وفاتهم فإذا ماتوا صار ذلك المال للذي جعل اللَّه له؛ لذلك سمى فرائض.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) ببدو حالهم ومعاشهم ومصالحهم، وما يصلح لهم وما لا يصلح (حَكِيمًا) فيما فرض من قسمتها وبينها.
والحكيم: هو المصيب واضع كل شيء في موضعه، والظالم: هو واضع الشيء في غير موضعه.
* * *
قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى
56
بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ...) إلى آخر ما ذكر: فيه مراد الخصوص، وإن كان مخرج الخطاب عافا؛ لأن الزوج أو الزوجة إذا لم يكن على دين صاحبه وعلى وصفه لم يجز بينهما التوارث؛ دل أن ليس لأحد الاحتجاج بعموم المخرج، على ما ذكرنا في الولد والوالد والأم وغيرهم: أنه إذا لم يكن بعضهم على وصف بعض لم يجز بينهما التوارث؛ دل أن عموم مخرج الخطاب لا يدل على عموم المراد، ثم الآية معطوفة على ما سبق من الآيات؛ لأنها ذُكرت بحرف العطف والنسق بقوله: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) والربع إن كان لهن ولد (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ)، والثمن إن كان لكم ولد، فبين في الآية الأولى ميراث الأب والأم وميراث الأولاد، ولم يبن ميراث الأزواج، ثم بين في هذه الآية؛ فنسق على الأول؛ دل أن الأزواج والزوجات إذا كانوا معهم فإن الحكم لا يختلف فيهم، يكون للأم الثلث إذا لم يكن هنالك ولد ولا اثنان من الإخوة والأخوات فصاعدا، والسدس إن كان له ولد أو اثنان من الإخوة والأخوات يكون لها مع هَؤُلَاءِ ثلث ما بقي، حيث نسق هذه على السابقة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً)
اختلف في الكلالة:
قَالَ بَعْضُهُمْ: الكلالة: الميت الذي لا ولد له ولا والد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ...) إلى آخر ما ذكر: فيه مراد الخصوص، وإن كان مخرج الخطاب عافا؛ لأن الزوج أو الزوجة إذا لم يكن على دين صاحبه وعلى وصفه لم يجز بينهما التوارث؛ دل أن ليس لأحد الاحتجاج بعموم المخرج، على ما ذكرنا في الولد والوالد والأم وغيرهم: أنه إذا لم يكن بعضهم على وصف بعض لم يجز بينهما التوارث؛ دل أن عموم مخرج الخطاب لا يدل على عموم المراد، ثم الآية معطوفة على ما سبق من الآيات؛ لأنها ذُكرت بحرف العطف والنسق بقوله: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) والربع إن كان لهن ولد (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ)، والثمن إن كان لكم ولد، فبين في الآية الأولى ميراث الأب والأم وميراث الأولاد، ولم يبن ميراث الأزواج، ثم بين في هذه الآية؛ فنسق على الأول؛ دل أن الأزواج والزوجات إذا كانوا معهم فإن الحكم لا يختلف فيهم، يكون للأم الثلث إذا لم يكن هنالك ولد ولا اثنان من الإخوة والأخوات فصاعدا، والسدس إن كان له ولد أو اثنان من الإخوة والأخوات يكون لها مع هَؤُلَاءِ ثلث ما بقي، حيث نسق هذه على السابقة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً)
اختلف في الكلالة:
قَالَ بَعْضُهُمْ: الكلالة: الميت الذي لا ولد له ولا والد.
57
وعن الحسن أنه قال: الكلالة: الإخوة والأخوات من الأب والأم، أو الإخوة والأخوات من الأب، ذهب في ذلك إلى ما ذكر في آية أخرى قوله: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ...) إلى آخر ما ذكر. والنصف إنما يكون للأخت من الأب والأم، أو الأخت من الأب، وذلك تفسير الكلالة؛ دل أنها الإخوة والأخوات من الأب والأم، أو من الأب.
وروي عن أبي بكر الصديق - رضي اللَّه عنه - أنه قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
وروي عن عمر - رضي اللَّه عنه - أنه قال: لقد أتى عليَّ زمان وما أدري ما الكلالة، ألا وإن الكلالة ما لم يكن له ولد ولا والد.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
وروي عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في خطبته: ألا إن الآية التي أنزلها اللَّه - تعالى - في أول سورة النساء في شأن الفرائض أنزلها في الولد والوالد، والآية الثانية أنزلها في الزوج والمرأة، والإخوة من الأم، والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها في الإخوة من الأب والأم، والآية التي في سورة الأنفال في: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)، مما جرت في الرحم من العصبة.
وروي عن عمر - رضي اللَّه عنه - أنه قال: إذا كانت الكلالة بعضهم أقرب من بعض بأبٍ فهو أحق بالمال.
وروي عن أبي بكر الصديق - رضي اللَّه عنه - أنه قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
وروي عن عمر - رضي اللَّه عنه - أنه قال: لقد أتى عليَّ زمان وما أدري ما الكلالة، ألا وإن الكلالة ما لم يكن له ولد ولا والد.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
وروي عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في خطبته: ألا إن الآية التي أنزلها اللَّه - تعالى - في أول سورة النساء في شأن الفرائض أنزلها في الولد والوالد، والآية الثانية أنزلها في الزوج والمرأة، والإخوة من الأم، والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها في الإخوة من الأب والأم، والآية التي في سورة الأنفال في: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)، مما جرت في الرحم من العصبة.
وروي عن عمر - رضي اللَّه عنه - أنه قال: إذا كانت الكلالة بعضهم أقرب من بعض بأبٍ فهو أحق بالمال.
58
وحديث عمر هذا يبين أن الكلالة، اسم يقع على الإخوة من الأم ويقع على الإخوة من الأب، ويقع على الإخوة من الأب والأم، وهو ما ذكرنا في قول أبي بكر الصديق وعمر - رضي اللَّه عنهما - أن الكلالة ما عدا الولد والوالد، فكانوا يذهبون - واللَّه أعلم - أن الأعمام وبني الأعمام يرجعون في النسب مع الميت إلى جده، وقد تكللهم الجد، وكذلك الأخوال والخالات وأولادهم يرجعون مع الميت إلى جده أبي أمه، وقد تكللهم أبو الأم؛ فسبيلهم في ذلك سبيل الإخوة والأخوات الذين تكللهم الأب والأم، إلا أنهم لما كانوا أبعد في النسب من الإخوة والأخوات لم يرثوا معهم، فأجمعوا أن معنى قوله - سبحانه وتعالى -: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ)، هو في الأخت من الأب والأم، أو من الأب، إذا مات الرجل ولا ولد له ذكر ولا أنثى يعطى الأخت النصف تسمية، فقال قوم من الشيعة: الآية تدل على أنه إن ترك ابنة وأختا أن المال كله للابنة، ولا شيء للأخت؛ لأن اللَّه - تعالى - جعل لها الميراث إذا لم يكن له ولد؛ فسوى الذكر والأنثى من الأولاد.
وليس الأمر كما قالوا؛ لأنا إذا جعلنا للابنة النصف وجعلنا ما بقي للأخت فلم نعطها ما أعطيناها بالتسمية؛ ألا ترى أنه لو كانتا أختين كان لهما عندنا ما بقي، ولو جعلنا ذلك لهما تسمية، أعطيناهما الثلثين؛ لأن اللَّه - تعالى - جعل لهما الثلثين بالتسمية، وليس سبيل ما تأخذه الأخت بالتسمية لا ينقص منها شيئًا ما تأخذه من الباقي بغير تسمة؛ ألا ترى أن اللَّه - تعالى - جعل للأبوين السدسين مع الولد، فإن كانت ابنة وأبًا فلها النصف، وما بقي للأب، فقد أعطينا الأب أكثر مما سمى اللَّه - تعالى - ولكنا لم نعطه الزيادة بالتسمية؛ فلم يلزمنا الخلاف في زيادثه، فإن خالفونا في ذلك، قيل: قد سبق لذلك جواب ما يدل على أن الأب بالباقي أولى من الابنة؛ لذلك لم نذكره في هذا الموضع.
فإن قال: الابنة أولى بما زاد على النصف؛ لأن اللَّه - تعالى - قال: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)؛ فكانت الابنة أحق بذلك من غيرها.
وليس الأمر كما قالوا؛ لأنا إذا جعلنا للابنة النصف وجعلنا ما بقي للأخت فلم نعطها ما أعطيناها بالتسمية؛ ألا ترى أنه لو كانتا أختين كان لهما عندنا ما بقي، ولو جعلنا ذلك لهما تسمية، أعطيناهما الثلثين؛ لأن اللَّه - تعالى - جعل لهما الثلثين بالتسمية، وليس سبيل ما تأخذه الأخت بالتسمية لا ينقص منها شيئًا ما تأخذه من الباقي بغير تسمة؛ ألا ترى أن اللَّه - تعالى - جعل للأبوين السدسين مع الولد، فإن كانت ابنة وأبًا فلها النصف، وما بقي للأب، فقد أعطينا الأب أكثر مما سمى اللَّه - تعالى - ولكنا لم نعطه الزيادة بالتسمية؛ فلم يلزمنا الخلاف في زيادثه، فإن خالفونا في ذلك، قيل: قد سبق لذلك جواب ما يدل على أن الأب بالباقي أولى من الابنة؛ لذلك لم نذكره في هذا الموضع.
فإن قال: الابنة أولى بما زاد على النصف؛ لأن اللَّه - تعالى - قال: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)؛ فكانت الابنة أحق بذلك من غيرها.
59
قيل له: أإن قوله - تعالى -: ، (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) - إنما أوجب أنهم أولى ببعض من الأجنبيين؛ بين ذلك قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ)؛ لأنهم كانوا يتوارثون بالهجرة، فنسخ اللَّه ذلك، وجعل الميراث لذوي القرابة. وليس في الآية دليل على أن القريب أولى بالميراث ممن هو أبعد منه في القرابة، وقال اللَّه - تعالى -: (وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ)، يقول - واللَّه أعلم -: الأخ من الأب يرث الأخت المال كله؛ إن لم يكن لها ولد، وترث من الأخ النصف إذا كان هو الميت، وقال اللَّه سبحانه وتعالى: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ)؛ فأجمعوا أن الأختين وما زاد من الميراث سواء. وقال اللَّه - تعالى -: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ)، فأجمعوا أن الرجل والمرأة إذا مات أحدهما وترك أخًا وأختًا فما زاد على ذلك من الذكور والإناث كان الميراث بينهم: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)؛ فهذا ما نص اللَّه - تعالى - عليه في فرائض المواريث.
وقد تكلم أهل العلم في الرد، والعول، وميراث ذوي الأرحام:
فأما ميراث ذوي الأرحام: فإن اللَّه - تعالى - قال: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)، فمن زعم أن المال لبيت المال فلم يجعل بعض الأرحام أولى ببعض؛ بل جعل الغرباء أولى بالميت من أولى الأرحام؛ فكان قول المورثين عندنا أولى، وهو قول عمر، وعلى، وعبد اللَّه بن مسعود، وجماعة من الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - إلا زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه جعل ذلك لبيت المال.
فَإِنْ قِيلَ: إن قول اللَّه - سبحانه وتعالى -: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) إنما هو فيمن سمى اللَّه لهم سهامًا.
قيل: في الخبر دليل أنه في غير الذين سمى اللَّه لهم سهامًا: ما روي عن عمر بن
وقد تكلم أهل العلم في الرد، والعول، وميراث ذوي الأرحام:
فأما ميراث ذوي الأرحام: فإن اللَّه - تعالى - قال: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)، فمن زعم أن المال لبيت المال فلم يجعل بعض الأرحام أولى ببعض؛ بل جعل الغرباء أولى بالميت من أولى الأرحام؛ فكان قول المورثين عندنا أولى، وهو قول عمر، وعلى، وعبد اللَّه بن مسعود، وجماعة من الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - إلا زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه جعل ذلك لبيت المال.
فَإِنْ قِيلَ: إن قول اللَّه - سبحانه وتعالى -: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) إنما هو فيمن سمى اللَّه لهم سهامًا.
قيل: في الخبر دليل أنه في غير الذين سمى اللَّه لهم سهامًا: ما روي عن عمر بن
60
الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " اللهُ وَرَسُولُهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ".
وروي -أيضًا- أن عمر - رضي اللَّه عنه - قضى للخالة بالثلث، وللعمة بالثلثين.
وعن زر بن حبيش، عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قسم الميراث بين العمة والخالة.
وعن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الخالة والدة.
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال في العمة والخالة: للعمة الثلثان، وللخالة الثلث.
فأخذ علماؤنا في ذلك بما رُوي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وعن الأجِلَّة من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - وكان ذلك موافقا لظاهر الآية وعمومها، وكان اتباع ذلك عندهم أولى من غيره.
فأما الكلام في العول: فإن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - كان ينكره، ويقول: لا تعول
الفريضة.
وكان علي وعبد اللَّه وزيد بن ثابت يقولون بعول الفرائض.
وروي عن الحارث قال: ما رأيت أحدًا قط أحسب من علي بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه - أتاه آت، فقال: يا أمير المؤمنين، رجل مات وترك ابنتيه وأبويه وامرأته، ما لامرأته؟ قال: صار ثمنها تسعًا.
وكان ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - يكره أن ينقص الأب من السدس، وقد سمى اللَّه - تعالى - له السدس، ثم لم يمض على هذا الأصل؛ لأنه قال في الابنتين وأبوين وامرأته: للمرأة الثمن، وللأبوين السدسان، وما بقي فللابنتين؛ فنقص الابنتين مما سمى اللَّه لهما،
وروي -أيضًا- أن عمر - رضي اللَّه عنه - قضى للخالة بالثلث، وللعمة بالثلثين.
وعن زر بن حبيش، عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قسم الميراث بين العمة والخالة.
وعن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الخالة والدة.
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال في العمة والخالة: للعمة الثلثان، وللخالة الثلث.
فأخذ علماؤنا في ذلك بما رُوي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وعن الأجِلَّة من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - وكان ذلك موافقا لظاهر الآية وعمومها، وكان اتباع ذلك عندهم أولى من غيره.
فأما الكلام في العول: فإن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - كان ينكره، ويقول: لا تعول
الفريضة.
وكان علي وعبد اللَّه وزيد بن ثابت يقولون بعول الفرائض.
وروي عن الحارث قال: ما رأيت أحدًا قط أحسب من علي بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه - أتاه آت، فقال: يا أمير المؤمنين، رجل مات وترك ابنتيه وأبويه وامرأته، ما لامرأته؟ قال: صار ثمنها تسعًا.
وكان ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - يكره أن ينقص الأب من السدس، وقد سمى اللَّه - تعالى - له السدس، ثم لم يمض على هذا الأصل؛ لأنه قال في الابنتين وأبوين وامرأته: للمرأة الثمن، وللأبوين السدسان، وما بقي فللابنتين؛ فنقص الابنتين مما سمى اللَّه لهما،
61
فلم كانتا أولى بالنقصان كله من غيرهما؟
وسائر الصحابة أدخلوا النقصان على كل وارث بقدر نصيبه؛ لئلا يلحق النقصان على بعض، ويأخذ البقية كمال نصيبهم، وجعلوا ذلك كقوم أوصى لهم رجل بوصايا تتجاوز الثلث إذا جمعت؛ فالحكم أن يقسم الثلث بينهم بالحصص، وكقوم صح لهم دَيْن على ميت، وتركته لا تفي بذلك؛ فهم جميعًا أسوة: يلحق كل واحد منهم النقصان بقدر حصته.
وأما الردُّ: فإن عليًّا - رضي اللَّه عنه - وعبد اللَّه - رضي اللَّه عنه - قالا به، على اختلافهما فيمن يرد عليه، وسبيل ذلك سبيل ذوي الأرحام؛ لأن ذا الرحم بباقي المال أولى من الأجنبيين؛ بقول اللَّه - سبحانه وتعالى -: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)؛ فمن لا رحم له فلا حق له غير سهمه.
وليس في الزوج والزوجة خلاف بين أهل العلم أنه لا يرد عليهما، ولأن في الآية دليل الرد على غير الزوجين من أهل السهام ومنعَ الرد عليهما؛ لأنه - عَزَّ وَجَلَّ - ذكر للأبوين السدسين إذا كان له ولد، وسمى للأم الثلث إذا لم يكن له ولد، ولم يسم للأب شيئًا؛ فيرد الباقي عليه، وكذلك سمى للذكور من الأولاد مع الإناث نصيبًا بقوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، ولم يسم لهم شيئًا في حال الانفراد؛ فيرد الكل عليهم، ولم يترك للزوجين ذكر تسمية سهامهما في حال؛ بل ذكر سهامهما في الأحوال كلها في حال الولد، وفي حال الذي لا ولد له؛ فلذلك منع دليل الرد عليهما.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ) ومرة: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)؛ حتى يعلم أنهما واحد.
ثم ذكر المضارة في ميراث الإخوة والأخوات، ولم يذكر في الولد والوالد والزوج والزوجة؛ فهو - واللَّه أعلم - يحتمل وجهين:
يحتمل: أنه ذكر في هذا أنه بهم ختم المواريث؛ فتكون تلك المضارة كانت كالمذكورة في الأولاد، أو الوالدين والأزواج؛ إذ بذلك ختم.
ويحتمل: أنه ذكر هاهنا المضارة ولم يذكر فيما ذكرنا؛ لما في الطبع يقصد الرجل إلى مضارة الأخ والأخت ومَنْ بَعُدَ منه، ولا يقصد في المتعارف إلى مضارة الآباء والأولاد ومن ذكرنا، فإذا جاء النهي في مضارة من يُقصد في الطبع - بقصد الرجل - مضارته؛ فَلَان ينهى عنها فيما لا يقصد بالطبع أحق.
وسائر الصحابة أدخلوا النقصان على كل وارث بقدر نصيبه؛ لئلا يلحق النقصان على بعض، ويأخذ البقية كمال نصيبهم، وجعلوا ذلك كقوم أوصى لهم رجل بوصايا تتجاوز الثلث إذا جمعت؛ فالحكم أن يقسم الثلث بينهم بالحصص، وكقوم صح لهم دَيْن على ميت، وتركته لا تفي بذلك؛ فهم جميعًا أسوة: يلحق كل واحد منهم النقصان بقدر حصته.
وأما الردُّ: فإن عليًّا - رضي اللَّه عنه - وعبد اللَّه - رضي اللَّه عنه - قالا به، على اختلافهما فيمن يرد عليه، وسبيل ذلك سبيل ذوي الأرحام؛ لأن ذا الرحم بباقي المال أولى من الأجنبيين؛ بقول اللَّه - سبحانه وتعالى -: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)؛ فمن لا رحم له فلا حق له غير سهمه.
وليس في الزوج والزوجة خلاف بين أهل العلم أنه لا يرد عليهما، ولأن في الآية دليل الرد على غير الزوجين من أهل السهام ومنعَ الرد عليهما؛ لأنه - عَزَّ وَجَلَّ - ذكر للأبوين السدسين إذا كان له ولد، وسمى للأم الثلث إذا لم يكن له ولد، ولم يسم للأب شيئًا؛ فيرد الباقي عليه، وكذلك سمى للذكور من الأولاد مع الإناث نصيبًا بقوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، ولم يسم لهم شيئًا في حال الانفراد؛ فيرد الكل عليهم، ولم يترك للزوجين ذكر تسمية سهامهما في حال؛ بل ذكر سهامهما في الأحوال كلها في حال الولد، وفي حال الذي لا ولد له؛ فلذلك منع دليل الرد عليهما.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ) ومرة: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)؛ حتى يعلم أنهما واحد.
ثم ذكر المضارة في ميراث الإخوة والأخوات، ولم يذكر في الولد والوالد والزوج والزوجة؛ فهو - واللَّه أعلم - يحتمل وجهين:
يحتمل: أنه ذكر في هذا أنه بهم ختم المواريث؛ فتكون تلك المضارة كانت كالمذكورة في الأولاد، أو الوالدين والأزواج؛ إذ بذلك ختم.
ويحتمل: أنه ذكر هاهنا المضارة ولم يذكر فيما ذكرنا؛ لما في الطبع يقصد الرجل إلى مضارة الأخ والأخت ومَنْ بَعُدَ منه، ولا يقصد في المتعارف إلى مضارة الآباء والأولاد ومن ذكرنا، فإذا جاء النهي في مضارة من يُقصد في الطبع - بقصد الرجل - مضارته؛ فَلَان ينهى عنها فيما لا يقصد بالطبع أحق.
62
ثم بيان المضارة في الوصية ما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ " وقوله: " إِنَّكَ إِنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِياءَ خَيرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُم عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ "، وما روي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ الخَيرِ سِتِّينَ سَنَةً، فَإِذَا أَوْصَى خَانَ فِي وَصِيتِه، فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ؛ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الشَرِّ سِتِّينَ سَنَةً، فَيَعْدِلُ فِي وَصِيّتهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ " ثم يقول أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اقرءوا إن شئتم: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...) إلى قوله: (عَذَابٌ مُهِينٌ)
وما روي: " الثُّلثُ حَيفٌ ".
وما روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الإضرار في الوصية من الكبائر، ثم قرأ (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ...) إلى آخره، قال: في الوصية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ).
ثم الإضرار قد يكون -أيضًا- إذا أوصى لوارث ولم يوص للباقين؛ لأنه أضر به بالوصية لبعض ورثته الباقين؛ فلا فرق بين أن يضر بعض الورثة وبين أن يضر الورثة كلهم؛ ففيه دليل بطلان الوصية لبعض الورثة دون بعض.
ثم الإضرار قد يكون بالدَّيْن على ما يكون بالوصية؛ لأنه إذا أقر المريض لبعض الورثة بدين، فإن إقراره لا يجوز كما لا تجوز وصيته، والإقرار بالدَّين أحق ألا يجوز من
وما روي: " الثُّلثُ حَيفٌ ".
وما روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الإضرار في الوصية من الكبائر، ثم قرأ (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ...) إلى آخره، قال: في الوصية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ).
ثم الإضرار قد يكون -أيضًا- إذا أوصى لوارث ولم يوص للباقين؛ لأنه أضر به بالوصية لبعض ورثته الباقين؛ فلا فرق بين أن يضر بعض الورثة وبين أن يضر الورثة كلهم؛ ففيه دليل بطلان الوصية لبعض الورثة دون بعض.
ثم الإضرار قد يكون بالدَّيْن على ما يكون بالوصية؛ لأنه إذا أقر المريض لبعض الورثة بدين، فإن إقراره لا يجوز كما لا تجوز وصيته، والإقرار بالدَّين أحق ألا يجوز من
63
الوصية؛ لأن الإقرار في المرض جوازه بحق الأمانة؛ إذ يجوز جواز الشهادة، والشهادة أمانة، والوصية جوازها بحق الملك؛ فإذا بطلت الوصية لوارثه فإقراره له في المرض أحق أن يبطل؛ وعلى ذلك إذا كان عليه دين في الصحة، فأقر بدَين في المرض؛ فغرماء الصحة أولى بدينهم من غرماء المرض؛ لأن في ذلك إضرارًا بغرماء الصحة؛ لأن دينهم قد تعين في ماله، وتحول من الذمة إلى التركة؛ ألا ترى أنه ليس له أن يقضي غريمًا دون غريم! فإذا كان ما ذكرنا - لم يكن له قسمة المال بين غرماء الصحة وبين من أقر لهم بالدَّين في المرض؛ إذ فيه الإضرار بهم؛ إذ قد تعين حقهم؛ فلا فرق أن يكسب الضرر على الوارث وبين أن يكسب الضرر على الغرماء.
وإذا باع شيئًا بقيمته في المرض أو استقرض؛ فإنه يجوز ويبدأ به؛ لأنه يعمل للغرماء؛ إذ يقضي ديونهم مما أخذ.
وإذا تزوج أو استأجر فيكون أسوة الغرماء؛ لأنه لم يعمل لهم، إنما يعمل لنفسه، وليس فيه اكتساب الضرر على الغرماء، فيكون أسوة، ثم إذا أضر لم يجز، ويرد ذلك الضرر ويفسخ.
فَإِنْ قِيلَ: إن الرجل قد ينهى عن الإضرار في نفسه وماله، ولو فعل يجوز.
قيل: إن الإضرار إذا حصل في ملكه أو في نفسه - يُنْهي ويجوز؛ لأنه لم يضر غيره، وإذا حصل في ملك غيره لم يجز وَرُد، وهاهنا إنما حصل في ملك الورثة والغرماء؛ لذلك بطل، ولا يوصي بأكثر من الثلث، ولا يوصي لوارث، ولا يقر بحق ليس عليه مضارة للورثة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)
يحتمل قوله تعالى: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)، أي: الذي نهي عن المضارة وصيةً.
ويحتمل: الذي فرض عليكم من المواريث؛ وصية من اللَّه وفريضة منه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ).
بمن ضارَّ الوارث، وزاد على الثلث، وبمن لم يضار.
(حَلِيمٌ)
لا يعجل بالعقوبة على من ضار.
ويحتمل العليم والحليم أن يكونا سواء؛ لأن ضد (حَلِيمٌ) سفيه، وكذلك الحليم.
وإذا باع شيئًا بقيمته في المرض أو استقرض؛ فإنه يجوز ويبدأ به؛ لأنه يعمل للغرماء؛ إذ يقضي ديونهم مما أخذ.
وإذا تزوج أو استأجر فيكون أسوة الغرماء؛ لأنه لم يعمل لهم، إنما يعمل لنفسه، وليس فيه اكتساب الضرر على الغرماء، فيكون أسوة، ثم إذا أضر لم يجز، ويرد ذلك الضرر ويفسخ.
فَإِنْ قِيلَ: إن الرجل قد ينهى عن الإضرار في نفسه وماله، ولو فعل يجوز.
قيل: إن الإضرار إذا حصل في ملكه أو في نفسه - يُنْهي ويجوز؛ لأنه لم يضر غيره، وإذا حصل في ملك غيره لم يجز وَرُد، وهاهنا إنما حصل في ملك الورثة والغرماء؛ لذلك بطل، ولا يوصي بأكثر من الثلث، ولا يوصي لوارث، ولا يقر بحق ليس عليه مضارة للورثة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)
يحتمل قوله تعالى: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)، أي: الذي نهي عن المضارة وصيةً.
ويحتمل: الذي فرض عليكم من المواريث؛ وصية من اللَّه وفريضة منه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ).
بمن ضارَّ الوارث، وزاد على الثلث، وبمن لم يضار.
(حَلِيمٌ)
لا يعجل بالعقوبة على من ضار.
ويحتمل العليم والحليم أن يكونا سواء؛ لأن ضد (حَلِيمٌ) سفيه، وكذلك الحليم.
64
قوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٤)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ)
قيل: فرائض اللَّه التي أمركم بها من قسمة الميراث.
ويحتمل (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ): ما حد لنا حتى لا يجوز مجاوزتها، وقد تقدم ذكرها في سُورَةِ البقرة. وذكر حدود اللَّه، وقد يجوز أن يكون للخلق حدود، يقال: حدُّ فلان؛ فإذا لم يفهم من حدود اللَّه ما فهم من حد الخلق كيف فهم من قوله: (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، و (استَوَى إلَى السَّمَاءِ) ما فهم من استواء الخلق؟! فإذا لم يفهم من حدود اللَّه ما فهم من حد الخلق - لم يجز أن يفهم من استواء اللَّه ما يفهم من استواء الخلق، وكذلك لا يفهم من رؤية الرب ما يفهم من رؤية المخلوق، ولا يفهم من مجيئه مجيء الخلق، ولا من نزوله نزول الخلق، على ما لم يفهم من قوله - تعالى - (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) حدود الخلق؛ إذ لا فرق بين هذا وبين الأول.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) يحتمل وجهين:
أحدهما: أوامره ونواهيه، وما حَرَّم وأحلَّ.
ويحتمل: حدود شيء من ذلك؛ فيرجع تأويل الأول إلى أنفس العبادات، والثاني: إلى نهايات العبادات.
والمعروف من الحدود التي تنسب إلى الخلق وجهان:
أحدهما: نهاية المنسوب إليه، وذلك حق حد الأعيان.
والثاني: الأثر الذي يضاف إليه، وذلك حد الصفات أن يقال: حد الفعل فعل كذا، وحد البصر والسمع، يراد به الأثر الذي به يعرف، أو هنالك ما ذكر، ثم لم تكن الحدود التي أضيفت إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - على واحد من الوجهين اللذين يضافا إلى الخلق؛ إذ قد ثبت بضرورة العقل وحُجج السمع تعاليه عن المعاني التي هي معاني خلقه؛ فعلى ذلك ما أضيف إليه من طريق العقل من الاستواء، والمجيء، والرؤية - لم يجز في ذلك تصوير المعنى الذي في إضافة ذلك إلى الخلق يكون بما في ضرورة العقل والسمع جلاله وكبرياؤه عن ذلك المعنى، وباللَّه العصمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ)
قيل: فرائض اللَّه التي أمركم بها من قسمة الميراث.
ويحتمل (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ): ما حد لنا حتى لا يجوز مجاوزتها، وقد تقدم ذكرها في سُورَةِ البقرة. وذكر حدود اللَّه، وقد يجوز أن يكون للخلق حدود، يقال: حدُّ فلان؛ فإذا لم يفهم من حدود اللَّه ما فهم من حد الخلق كيف فهم من قوله: (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، و (استَوَى إلَى السَّمَاءِ) ما فهم من استواء الخلق؟! فإذا لم يفهم من حدود اللَّه ما فهم من حد الخلق - لم يجز أن يفهم من استواء اللَّه ما يفهم من استواء الخلق، وكذلك لا يفهم من رؤية الرب ما يفهم من رؤية المخلوق، ولا يفهم من مجيئه مجيء الخلق، ولا من نزوله نزول الخلق، على ما لم يفهم من قوله - تعالى - (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) حدود الخلق؛ إذ لا فرق بين هذا وبين الأول.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) يحتمل وجهين:
أحدهما: أوامره ونواهيه، وما حَرَّم وأحلَّ.
ويحتمل: حدود شيء من ذلك؛ فيرجع تأويل الأول إلى أنفس العبادات، والثاني: إلى نهايات العبادات.
والمعروف من الحدود التي تنسب إلى الخلق وجهان:
أحدهما: نهاية المنسوب إليه، وذلك حق حد الأعيان.
والثاني: الأثر الذي يضاف إليه، وذلك حد الصفات أن يقال: حد الفعل فعل كذا، وحد البصر والسمع، يراد به الأثر الذي به يعرف، أو هنالك ما ذكر، ثم لم تكن الحدود التي أضيفت إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - على واحد من الوجهين اللذين يضافا إلى الخلق؛ إذ قد ثبت بضرورة العقل وحُجج السمع تعاليه عن المعاني التي هي معاني خلقه؛ فعلى ذلك ما أضيف إليه من طريق العقل من الاستواء، والمجيء، والرؤية - لم يجز في ذلك تصوير المعنى الذي في إضافة ذلك إلى الخلق يكون بما في ضرورة العقل والسمع جلاله وكبرياؤه عن ذلك المعنى، وباللَّه العصمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
قيل: من يطع اللَّه في أداء فرائضه أوسنة رسوله.
(يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ...) إلى آخر ما ذكر.
وقيل: ومن يطع اللَّه فيما أمر ونهى، وأطاع رسوله في أمره ونهيه؛ فله ما ذكر.
وقيل: إذا أطاع اللَّه فقد أطاع رسوله، وإذا أطاع رسوله فقد أطاع اللَّه - تعالى - وهو واحد، كقوله: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) وقوله: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ) - تعالى -: فيما أمر ونهي، وحَرَّم وأحلَّ، (وَرَسُولَهُ): فيما بلغ وبين.
وقيل: ذا ليس بتفريق، لكن من الذي يطيع اللَّه هو الذي يطيع رسوله؛ لأنه إلى طاعة اللَّه - تعالى - دعاه، وعلى عبادته رغب؛ فتكون طاعتُهُ طاعتَهُ، كقوله - تعالى -: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، وكقوله - سبحانه -: (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي...) الآية.
وقوله - تعالى -: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... (١٤)
وهذا كذلك -أيضًا- إذا عصى اللَّه؛ فقد تعدى حدوده، ومن تعدى حدوده فقد عصى اللَّه.
ويحتمل قوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ): فيما لم ير أمره أمرًا ونهيه نهيًا، (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ)، يعني: أحكامه وشرائعه، أي: لم يرها حقًّا -:
(يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا)
وله ما ذكر.
* * *
قوله تعالى (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (١٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ)، (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا)
قيل: كان هذان الحكمان في أول الإسلام: الأول منهما للمرأة، والثاني للرجل.
قيل: من يطع اللَّه في أداء فرائضه أوسنة رسوله.
(يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ...) إلى آخر ما ذكر.
وقيل: ومن يطع اللَّه فيما أمر ونهى، وأطاع رسوله في أمره ونهيه؛ فله ما ذكر.
وقيل: إذا أطاع اللَّه فقد أطاع رسوله، وإذا أطاع رسوله فقد أطاع اللَّه - تعالى - وهو واحد، كقوله: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) وقوله: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ) - تعالى -: فيما أمر ونهي، وحَرَّم وأحلَّ، (وَرَسُولَهُ): فيما بلغ وبين.
وقيل: ذا ليس بتفريق، لكن من الذي يطيع اللَّه هو الذي يطيع رسوله؛ لأنه إلى طاعة اللَّه - تعالى - دعاه، وعلى عبادته رغب؛ فتكون طاعتُهُ طاعتَهُ، كقوله - تعالى -: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، وكقوله - سبحانه -: (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي...) الآية.
وقوله - تعالى -: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... (١٤)
وهذا كذلك -أيضًا- إذا عصى اللَّه؛ فقد تعدى حدوده، ومن تعدى حدوده فقد عصى اللَّه.
ويحتمل قوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ): فيما لم ير أمره أمرًا ونهيه نهيًا، (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ)، يعني: أحكامه وشرائعه، أي: لم يرها حقًّا -:
(يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا)
وله ما ذكر.
* * *
قوله تعالى (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (١٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ)، (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا)
قيل: كان هذان الحكمان في أول الإسلام: الأول منهما للمرأة، والثاني للرجل.
66
وقيل: إن آية الأذى كانت في الرجل والمرأة، وآية الحبس كانت في حبس المرأة.
ويحتمل أن تكون آية الأذى في البكر في الرجل والمرأة جميعًا، وآية الحبس في الثيب في الرجل والمرأة جميعًا.
ويحتمل أن تكون آية الأذى في الرجال خاصة: فيما يأتي الذكرُ ذكرًا؛ على ما كان من فعل قوم لوط، وآية الحبس في الرجال والنساء جميعًا.
فإن كانت آية الأذى في الرجال خاصّة؛ ففيها حجة لأبي حنيفة - رضي اللَّه عنه - حيث لم يوجب على من عمل عمل قوم لوط الحدَّ؛ ولكن أوجب التعزير والأذى، وهو منسوخ إن كان في هذا، وإن كانت في الأول؛ فهي منسوخة.
ثم اختلف بما به نسخ:
فقال قوم: نسخ بقوله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)،
لكن عندنا هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما؛ فكيف يكون به النسخ؟! ولكن نسخ عندنا بالخبر الذي روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً: البِكْرُ بِالبِكْرِ، والثيبُ بِالثيبِ، البِكْرُ يُجْلَد ويُنْفَى، والثيبُ يُجْلَدُ وَيُرجَمُ ". ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة.
فَإِنْ قِيلَ: في الآية دليل وعد النسخ بقوله: (أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا)؛ فإنما صار متسوخًا بما وعد اللَّه في الآية من النسخ، لا بالسنة.
قيل: ما من آية أو سنة كان من حكم اللَّه النسخ إلا والوعد فيه النسخ، وإن لم يكن مذكورًا؛ لأن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ؛ لأنه بدو، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية؛ فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه بوحي يكون قرآنا يتلى وبين أن ينسخه بوحي لا يكون قرآنا، وفيه أخبار كثيرة:
روي أنه رجم ماعزًا لما أقرّ بالزنا مرارًا، ورجم -أيضًا- غيره: ما روي أن عسيف الرجل زنا بامرأته، وقال: سأقضي بينكما بكتاب اللَّه تعالى، وقال: " وَاغْدُ يَا أُنَيسُ عَلَى
ويحتمل أن تكون آية الأذى في البكر في الرجل والمرأة جميعًا، وآية الحبس في الثيب في الرجل والمرأة جميعًا.
ويحتمل أن تكون آية الأذى في الرجال خاصة: فيما يأتي الذكرُ ذكرًا؛ على ما كان من فعل قوم لوط، وآية الحبس في الرجال والنساء جميعًا.
فإن كانت آية الأذى في الرجال خاصّة؛ ففيها حجة لأبي حنيفة - رضي اللَّه عنه - حيث لم يوجب على من عمل عمل قوم لوط الحدَّ؛ ولكن أوجب التعزير والأذى، وهو منسوخ إن كان في هذا، وإن كانت في الأول؛ فهي منسوخة.
ثم اختلف بما به نسخ:
فقال قوم: نسخ بقوله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)،
لكن عندنا هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما؛ فكيف يكون به النسخ؟! ولكن نسخ عندنا بالخبر الذي روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً: البِكْرُ بِالبِكْرِ، والثيبُ بِالثيبِ، البِكْرُ يُجْلَد ويُنْفَى، والثيبُ يُجْلَدُ وَيُرجَمُ ". ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة.
فَإِنْ قِيلَ: في الآية دليل وعد النسخ بقوله: (أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا)؛ فإنما صار متسوخًا بما وعد اللَّه في الآية من النسخ، لا بالسنة.
قيل: ما من آية أو سنة كان من حكم اللَّه النسخ إلا والوعد فيه النسخ، وإن لم يكن مذكورًا؛ لأن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ؛ لأنه بدو، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية؛ فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه بوحي يكون قرآنا يتلى وبين أن ينسخه بوحي لا يكون قرآنا، وفيه أخبار كثيرة:
روي أنه رجم ماعزًا لما أقرّ بالزنا مرارًا، ورجم -أيضًا- غيره: ما روي أن عسيف الرجل زنا بامرأته، وقال: سأقضي بينكما بكتاب اللَّه تعالى، وقال: " وَاغْدُ يَا أُنَيسُ عَلَى
67
امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ هِيَ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ".
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائله: ما نجد الرجم في كتاب اللَّه، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل، وقامت البينة، أو اعترف، وقد قرأناها: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتَّة نكالا من اللَّه "، رجم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ورجمنا بعده.
وقال قوم: الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية، ولما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أنه رجم يهوديين ".
قيل: إنما رجم بحكم التوراة؛ ألا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة، ودعا علماءهم فأمرهم أن يقرءوا عليه؛ فوضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرءوا غيره؛ فقال ابن سلام: إنهم كتموه يا رسول اللَّه، ثم قرأ هو؛ فأمر برجمهم، ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة؛ لذلك لم يقم عليهم الرجم.
فإن قال قائل: إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله - تعالى -: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)،
قيل: لا يحتمل وجوب الحد عليه بذلك؛ لأنه مختلف حكم هذا من هذا في الحرمة، ووجوب المهر؛ وغير ذلك، فلا يحتمل أن يعرف حكم شيء لما يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) -: في الآية دليل جواز القياس؛ لأنه ذكر الحكم في النساء، ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم، وهما لا يختلفان في هذا الحكم؛ ما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله؛ دل أن ما ترك ذكره في المنصوص إنما ترك؛ للاستدلال عليه، والاستنباط من المنصوص والانتزاع منه.
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائله: ما نجد الرجم في كتاب اللَّه، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل، وقامت البينة، أو اعترف، وقد قرأناها: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتَّة نكالا من اللَّه "، رجم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ورجمنا بعده.
وقال قوم: الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية، ولما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أنه رجم يهوديين ".
قيل: إنما رجم بحكم التوراة؛ ألا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة، ودعا علماءهم فأمرهم أن يقرءوا عليه؛ فوضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرءوا غيره؛ فقال ابن سلام: إنهم كتموه يا رسول اللَّه، ثم قرأ هو؛ فأمر برجمهم، ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة؛ لذلك لم يقم عليهم الرجم.
فإن قال قائل: إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله - تعالى -: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)،
قيل: لا يحتمل وجوب الحد عليه بذلك؛ لأنه مختلف حكم هذا من هذا في الحرمة، ووجوب المهر؛ وغير ذلك، فلا يحتمل أن يعرف حكم شيء لما يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) -: في الآية دليل جواز القياس؛ لأنه ذكر الحكم في النساء، ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم، وهما لا يختلفان في هذا الحكم؛ ما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله؛ دل أن ما ترك ذكره في المنصوص إنما ترك؛ للاستدلال عليه، والاستنباط من المنصوص والانتزاع منه.
68
وقال قوم: إن على الثيب الجلد والرجم جميعًا؛ ذهبوا في ذلك إلى ما روي عن عبادة ابن الصامت، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " خُذُوا عَني خُذُوا عَني؛ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُن سَبَيلا: البِكْرُ بِالبِكْرِ يُجْلَدُ وُينْفَى، وَالثيبُ بِالثيبِ يُجْلَدُ وُيرجَمُ ": أوجب الجلد والرجم على الثيب أما عندنا: فإنه لا يوجب مع الرجم الجلد؛ لما روينا من الأخبار عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أنه رجم ماعزًا، ولم يذكر أنه جلده، وما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " اغْدُ يَا أُنَيسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ": لم يُذكر هنالك جلد، والأخبار كثيرة في هذا.
وروي أنه قال: " مَنْ أصَابَ مِنْ هَذِهِ القَاذُورَاتِ شَيئًا فَلْيَستَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ الَّذِي سَتَرَهُ عَلَيهِ، فَإِن مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيهِ حَدَّ اللَّهِ ".
ثم يحتمل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الثيبُ بِالثيبِ يُجْلَدُ ويرجَمُ " في اختلاف الأحوال: يجلد في حال، ويرجم في حال، أو يجلد ثيب ويرجم آخر؛ لأنه لا كل ثيب يرجم؛ لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم؛ دل أنه على ما ذكرنا.
أو يحتمل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " البِكْرُ بِالبِكْرِ يُجْلَدُ وُينْفَى، وَالثيبُ بِالثيبِ "، أي: البكر مع البكر، والثيب مع الثيب؛ فيكون ثيبا يجلد وثيبًا آخر يرجم.
ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر:
قال قوم: النفي ثابت واجب.
وعندنا: إن كان فهو منسوخ، ودليك نسخه: ما روي في خبر زيد بن خالد، وكان الرجل بكرا، لم يذكر أنه نفي.
وما روي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه نفى رجلا؛ فارتد ولحق بالروم؛ فقال: لا أنفي بعد هذا أبدًا.
وما روي أنه قال: كفى بالنفي فتنة.
وروي أنه قال: " مَنْ أصَابَ مِنْ هَذِهِ القَاذُورَاتِ شَيئًا فَلْيَستَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ الَّذِي سَتَرَهُ عَلَيهِ، فَإِن مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيهِ حَدَّ اللَّهِ ".
ثم يحتمل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الثيبُ بِالثيبِ يُجْلَدُ ويرجَمُ " في اختلاف الأحوال: يجلد في حال، ويرجم في حال، أو يجلد ثيب ويرجم آخر؛ لأنه لا كل ثيب يرجم؛ لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم؛ دل أنه على ما ذكرنا.
أو يحتمل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " البِكْرُ بِالبِكْرِ يُجْلَدُ وُينْفَى، وَالثيبُ بِالثيبِ "، أي: البكر مع البكر، والثيب مع الثيب؛ فيكون ثيبا يجلد وثيبًا آخر يرجم.
ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر:
قال قوم: النفي ثابت واجب.
وعندنا: إن كان فهو منسوخ، ودليك نسخه: ما روي في خبر زيد بن خالد، وكان الرجل بكرا، لم يذكر أنه نفي.
وما روي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه نفى رجلا؛ فارتد ولحق بالروم؛ فقال: لا أنفي بعد هذا أبدًا.
وما روي أنه قال: كفى بالنفي فتنة.
69
وإن كان فهو عقوبة وليس بحد؛ كحبس الدعارة وغيره.
والدليل على أن النفي ليس بحد أن اللَّه - سبحانه وتعالى - قال في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)، والأمة لا تنفي؛ لما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه، قال: " إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَلْيَجلِدْهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ ": أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي، ولو كان حدا لأمر به كما أمر بالجلد؛ دل أنه ليس بحد في الحر، ولأنه أوجب على الإماء نصف ما أوجب على الحرائر، ولا نصف للنفي؛ دل أنه ليس بحد، ولا يجب ذلك، أو إن كان فهو حبس، وفي الحبس نفي، فيحبسان أو ينفيان؛ لينسيا ما أصابا؛ لأن كل من رآهما يذكر فعلهما؛ فينفيان لذلك، لا أنه حد؛ ولكن لينسبا ذلك ولا يذكر.
وقوله -أيضًا-: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ...) إلى قوله - تعالى -: (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا)، - يخرج على وجهين - لو كان الإتيان الزنا:
أحدهما: أن يكون في جميع الإناث الحبس، وفي الذكور: الإيذاء؛ ولذلك جمع بين
والدليل على أن النفي ليس بحد أن اللَّه - سبحانه وتعالى - قال في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)، والأمة لا تنفي؛ لما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه، قال: " إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَلْيَجلِدْهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ ": أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي، ولو كان حدا لأمر به كما أمر بالجلد؛ دل أنه ليس بحد في الحر، ولأنه أوجب على الإماء نصف ما أوجب على الحرائر، ولا نصف للنفي؛ دل أنه ليس بحد، ولا يجب ذلك، أو إن كان فهو حبس، وفي الحبس نفي، فيحبسان أو ينفيان؛ لينسيا ما أصابا؛ لأن كل من رآهما يذكر فعلهما؛ فينفيان لذلك، لا أنه حد؛ ولكن لينسبا ذلك ولا يذكر.
وقوله -أيضًا-: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ...) إلى قوله - تعالى -: (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا)، - يخرج على وجهين - لو كان الإتيان الزنا:
أحدهما: أن يكون في جميع الإناث الحبس، وفي الذكور: الإيذاء؛ ولذلك جمع بين
70
الجميع في الخبر الذي به النسخ؛ فارتفع الحبس والأذى جميعًا، وذلك معقول: تأديب الرجل به أزجر له، وحبس المرأة أقطع لوجوه الزنا.
أو أن تكون الآية الأولى: في المحصنات؛ على تضمن المحصنين بالمعنى، والآية الثانية: في الذكور؛ على تضمن الإناث بالمعنى، لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث: إما تدينًا، أو حياء الافتضاح، أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم، والحفظ عن قرب الذكور، ليس بشيء من ذلك في الذكور ولا في الثيبات من النساء، على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يُعْلِنَ حتى يشهده أربع، والغالب عليهن ألا يخالطن هذا القدر من العدد.
ثم الدلالة على دخول الكل - قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَ سَبِيلًا... ": ذكر لهن؛ على ما جرى به الذكر في القرآن، ثم جمع في التفسير بين الكل؛ ثبت أن الذكر قد يضمن الكل، وذلك يبطل تأويل من يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور، ومتى يحتمل وجود الكل مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة، والعار اللازم لهن، ثم كشف ذلك لجميع محارمها، ثم خوف الانتشار به ظاهرًا، وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى تمكن من ذكر بحضرة من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها؟
فتأويل من وجَّهَ الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف.
ثم المروي من السنة، ثم بما أجمع عليه أهل التأويل عمل صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينه الكتاب بالسنة، ويحكم على اللَّه - تعالى - وعلى رسوله بحجر هذا النوع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا...) الآية، ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة، فكأن الخطاب عليهم خرج، ثم قد أثبت الفاحشة منهن، ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدون بها؛ فعلى هذا أن ليس للأئمة تولي حد الزناة بعلمهم حتى يكون ثَمَّ شهود، وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهي إليه من إعلان الفعل من الزناة؛ إذ ذلك أمر معلوم فيما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقة ذلك بالولد يكون، فأما
أو أن تكون الآية الأولى: في المحصنات؛ على تضمن المحصنين بالمعنى، والآية الثانية: في الذكور؛ على تضمن الإناث بالمعنى، لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث: إما تدينًا، أو حياء الافتضاح، أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم، والحفظ عن قرب الذكور، ليس بشيء من ذلك في الذكور ولا في الثيبات من النساء، على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يُعْلِنَ حتى يشهده أربع، والغالب عليهن ألا يخالطن هذا القدر من العدد.
ثم الدلالة على دخول الكل - قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَ سَبِيلًا... ": ذكر لهن؛ على ما جرى به الذكر في القرآن، ثم جمع في التفسير بين الكل؛ ثبت أن الذكر قد يضمن الكل، وذلك يبطل تأويل من يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور، ومتى يحتمل وجود الكل مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة، والعار اللازم لهن، ثم كشف ذلك لجميع محارمها، ثم خوف الانتشار به ظاهرًا، وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى تمكن من ذكر بحضرة من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها؟
فتأويل من وجَّهَ الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف.
ثم المروي من السنة، ثم بما أجمع عليه أهل التأويل عمل صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينه الكتاب بالسنة، ويحكم على اللَّه - تعالى - وعلى رسوله بحجر هذا النوع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا...) الآية، ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة، فكأن الخطاب عليهم خرج، ثم قد أثبت الفاحشة منهن، ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدون بها؛ فعلى هذا أن ليس للأئمة تولي حد الزناة بعلمهم حتى يكون ثَمَّ شهود، وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهي إليه من إعلان الفعل من الزناة؛ إذ ذلك أمر معلوم فيما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقة ذلك بالولد يكون، فأما
71
من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن، فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا يعلم حقيقته أبدًا؛ يدل على ذلك جميع الأمور التي منها المباح أو المحظور: أن المحظور منه أبعد من الظهور والعلم به من المباح؛ فعلى ذلك أمر هذا مع ما زيد هاهنا ما جعل فيه من حد الزاني وجهين:
أحدهما: الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك؛ بما هتك ستر اللَّه.
والثاني: فحش الشين بفاعل ذلك، ولزوم المسبة في صاحب ذلك، وذلك غاية معنى لزوم الشين، وكذلك روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ القَاذُورَاتِ شَيْئا فَليَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّه، فَإِنهُ مَن أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَد اللَّه ". فإذا بلغ العمل الذي حده ما ذكرت من العقوبة، من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى أظهر ذلك الجماعة بفعل من يشينه فعله ما ذكرت، استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك بحله، وبقلة حيائه، حيث أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل، فألزم من إليه ذلك القيام به لله، ثم جعل اللَّه في ذلك الفعل عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله، على ما علم من مصلحة الخلق بها، وزجرهم، وتكفيرهم بها.
ثم إن اللَّه - سبحانه وتعالى - جعل أول عقوبة الزنا في نوع من الخلق في الإسلام الحبس في البيوت، فهو - واللَّه أعلم - مخرج على أوجه:
أحدها: إنه كان الزنا في الابتداء في نوع ظاهر يكتسبون به عرض الدنيا في ذلك في الإماء حتى قال اللَّه - تعالى -: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ...) الآية، وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزناة من الإماء، حتى بلغ من ظهور ذلك إلى أن يمازج به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن؛ فنزل قوله - سبحانه وتعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)، وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت غلب عليهم خوف مواقعة الزنا، وكذلك على الحرائر؛ لكثرة ما يرين أو يسمعن، وذلك معنى يبعث من شَرِهَت نفسه،
أحدهما: الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك؛ بما هتك ستر اللَّه.
والثاني: فحش الشين بفاعل ذلك، ولزوم المسبة في صاحب ذلك، وذلك غاية معنى لزوم الشين، وكذلك روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ القَاذُورَاتِ شَيْئا فَليَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّه، فَإِنهُ مَن أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَد اللَّه ". فإذا بلغ العمل الذي حده ما ذكرت من العقوبة، من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى أظهر ذلك الجماعة بفعل من يشينه فعله ما ذكرت، استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك بحله، وبقلة حيائه، حيث أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل، فألزم من إليه ذلك القيام به لله، ثم جعل اللَّه في ذلك الفعل عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله، على ما علم من مصلحة الخلق بها، وزجرهم، وتكفيرهم بها.
ثم إن اللَّه - سبحانه وتعالى - جعل أول عقوبة الزنا في نوع من الخلق في الإسلام الحبس في البيوت، فهو - واللَّه أعلم - مخرج على أوجه:
أحدها: إنه كان الزنا في الابتداء في نوع ظاهر يكتسبون به عرض الدنيا في ذلك في الإماء حتى قال اللَّه - تعالى -: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ...) الآية، وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزناة من الإماء، حتى بلغ من ظهور ذلك إلى أن يمازج به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن؛ فنزل قوله - سبحانه وتعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)، وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت غلب عليهم خوف مواقعة الزنا، وكذلك على الحرائر؛ لكثرة ما يرين أو يسمعن، وذلك معنى يبعث من شَرِهَت نفسه،
72
وقل تفكره في أمر عاقبته مما ينزل به أو يشينه، وقد ركبت هذه الشهوة في كل البشر، فخفف اللَّه عقوبته في الابتداء أن جعل فيه الحبس والإمساك في البيوت، ثم صار ذلك إلى الضرب؛ لما أن تحرج الناس وعظم ذلك في أعينهم، وجعل في الشتم به الحد؛ ليعرفوا عظم موقعه عند اللَّه وينتهوا عن فعله، وقد جعل في ذلك في بعض الأحوال الرجم، وهي الحال التي يزول فيها كل وجوه العذر، ويرتفع جميع معاني الشبه لعظيم أمره.
والثاني: أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض لبعض، ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة؛ فغلب عليهم الأمر، واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.
ثم في الحبس وجهان:
أحدهما: الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط وتلاقي الأبصار.
والثاني: ما فيه من فضل ضجر وتضييق الحال؛ إذ جعل ذلك إلى الموت، فيكون في ذلك عقوبة من حيث الضجر، ومعونة على الكف عنه بالحبس حتى لا يقع بصر ذكر على أنثى وأنثى على ذكر.
والثالث: أن يكون في الحبس ترغيب الأرحام في الحفظ وإلزام القرابة بعض ما يزجر عن تضييع حقوق الرحم، ويدعو إلى القيام بالكفاية؛ إذ ضيق على الفاعل ذلك، وذلك يوجب قبل المواقعة الاستعلام عن الأحوال والجهد في الحفظ؛ إذ في ذلك بعض عقوبة أهل الاتصال من تكليف الإمساك والقيام بالكفاية؛ فيكون أبلغ في العفاف، وأقرب إلى الصلاح، وعلى مثل ذلك جعل أمر المعاقل؛ ليقوم أهل الصلاح في كل قبيلة في كف أهل الفساد عن الفساد، واللَّه أعلم.
ثم لما انقطعت العادة وقام الناس بالتعاهد، وتفرق الفريقان حتى لا يؤذن بالاجتماع، إلا أن يكون ثَمَّ مَنْ جُبِلَ على الإياس من ذلك وأنشئ على قطع الشهوة فيهن، فجعل في ذلك حد، وجعل في ذلك لهن سبيلا، وذلك - واللَّه أعلم - يخرج على أوجه، يجب التأمل في الوجه الذي سمى ما نسخ به اللازم في ذلك، وذكر فيما ذكر حد مرة ورجم ثانيًا، ومعلوم أن المجعول له السبيل، والرجم والحد أشد عليهم من الحبس، وقد رُوي عن نبي الرحمة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائة وَتَغْريبُ عَامٍ، والثيبُ بِالثيبِ يُجْلَدُ وُيرجَمُ " فهو - واللَّه أعلم - أن بهذه الشريعة خلى سبيلهن، لا أن أوجب على المحبوسات إقامة ذلك بما قد حبس بالزنا،
والثاني: أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض لبعض، ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة؛ فغلب عليهم الأمر، واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.
ثم في الحبس وجهان:
أحدهما: الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط وتلاقي الأبصار.
والثاني: ما فيه من فضل ضجر وتضييق الحال؛ إذ جعل ذلك إلى الموت، فيكون في ذلك عقوبة من حيث الضجر، ومعونة على الكف عنه بالحبس حتى لا يقع بصر ذكر على أنثى وأنثى على ذكر.
والثالث: أن يكون في الحبس ترغيب الأرحام في الحفظ وإلزام القرابة بعض ما يزجر عن تضييع حقوق الرحم، ويدعو إلى القيام بالكفاية؛ إذ ضيق على الفاعل ذلك، وذلك يوجب قبل المواقعة الاستعلام عن الأحوال والجهد في الحفظ؛ إذ في ذلك بعض عقوبة أهل الاتصال من تكليف الإمساك والقيام بالكفاية؛ فيكون أبلغ في العفاف، وأقرب إلى الصلاح، وعلى مثل ذلك جعل أمر المعاقل؛ ليقوم أهل الصلاح في كل قبيلة في كف أهل الفساد عن الفساد، واللَّه أعلم.
ثم لما انقطعت العادة وقام الناس بالتعاهد، وتفرق الفريقان حتى لا يؤذن بالاجتماع، إلا أن يكون ثَمَّ مَنْ جُبِلَ على الإياس من ذلك وأنشئ على قطع الشهوة فيهن، فجعل في ذلك حد، وجعل في ذلك لهن سبيلا، وذلك - واللَّه أعلم - يخرج على أوجه، يجب التأمل في الوجه الذي سمى ما نسخ به اللازم في ذلك، وذكر فيما ذكر حد مرة ورجم ثانيًا، ومعلوم أن المجعول له السبيل، والرجم والحد أشد عليهم من الحبس، وقد رُوي عن نبي الرحمة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائة وَتَغْريبُ عَامٍ، والثيبُ بِالثيبِ يُجْلَدُ وُيرجَمُ " فهو - واللَّه أعلم - أن بهذه الشريعة خلى سبيلهن، لا أن أوجب على المحبوسات إقامة ذلك بما قد حبس بالزنا،
73
ولكن في هذا تخلية السبيل، على أنهن؛ إذا زنين فعل بهن ذلك على رفع الحبس عنهن إذا حبس بما لم يبين حد ذلك، فإذا بين زال ذلك ولا حد حتى يكون منها ذلك، فالسبيل المجعول لهن تخلية السبيل، ثم بين الحكم في الحادث.
ووجه آخر: أن السبيل في الحقيقة مجعول لمن كلف إمساكهن، وإن أضيف إليهن بما فيهن ضيق عليهم الأمر، وذلك كقوله - تعالى -: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، والإماء لا يؤتَين الأجر، لكن بما بمعنى فيهن ذكر الأجر، فأضيف إليهن، وعلى نحو ما أضيف أهل القرى إلى القرى بالتسمية، فأخرجت على تسمية القرى، وإذا كان المراد أهل ذلك في حق تسمية الأهل التذكير والقرية التأنيث، فكأنه جعل للمأمورين بالإمساك سبيلا في أن يقيموا الحد، ويزول عنهم مؤنة الإمساك والقيام بالكفاية.
والثالث: أن يكون في طول الحبس ضجر وضيق، وحيلولة بين المحبوس والشهوات كلها، وقطع ما بينه وبين الأحباب، وتحمل مثله بمرة أيسر على النفس وأهون من دوام الذل والقهر، ثم لا مخلص عن ذلك إلا بما في الأول يكون ثمرة؛ فلذلك سمي - واللَّه أعلم - ذلك سبيلاً لهن.
ثم دل الخبر الذي ذكرت على أمرين:
أحدهما: أن الحبس -وإن كان مذكورًا في النساء خاصة- فهو في جميع الزناة؛ لأنه قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللُّه لَهُن سَبِيلًا " ثم ذكر ما به جعل لهن السبيل، في الذكور والإناث، في المحصنين وغيرهم جميعًا؛ ليعلم أن الحكم يجمع الكل وإن كان الذكْرُ فيهن، وذلك كما ذكر حد المماليك في الإماء، وحد الزناة في قذف المحصنات، والحكم يجمع الذكر والأنثى من حيث اتفاق المعنى الذي له جعل، فمثله فيما نحن فيه.
والثاني: بيان نسخ المذكور من الحكم في الكتاب بالسنة، وذلك لوجهين:
أحدهما: أنه لم يوجد على الترتيب الذي ذكر في القرآن مع ما ذكر تخلية السبيل، وليس بمذكور في شيء من القرآن؛ ثبت أن ذلك كان بوحي غير القرآن.
والثاني: أنه - عليه السلام - قال: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني " ثم أخبر عن جعل اللَّه لهن السبيل؛ فدل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني " أنه بيان اللَّه، وهكذا معنى النسخ
ووجه آخر: أن السبيل في الحقيقة مجعول لمن كلف إمساكهن، وإن أضيف إليهن بما فيهن ضيق عليهم الأمر، وذلك كقوله - تعالى -: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، والإماء لا يؤتَين الأجر، لكن بما بمعنى فيهن ذكر الأجر، فأضيف إليهن، وعلى نحو ما أضيف أهل القرى إلى القرى بالتسمية، فأخرجت على تسمية القرى، وإذا كان المراد أهل ذلك في حق تسمية الأهل التذكير والقرية التأنيث، فكأنه جعل للمأمورين بالإمساك سبيلا في أن يقيموا الحد، ويزول عنهم مؤنة الإمساك والقيام بالكفاية.
والثالث: أن يكون في طول الحبس ضجر وضيق، وحيلولة بين المحبوس والشهوات كلها، وقطع ما بينه وبين الأحباب، وتحمل مثله بمرة أيسر على النفس وأهون من دوام الذل والقهر، ثم لا مخلص عن ذلك إلا بما في الأول يكون ثمرة؛ فلذلك سمي - واللَّه أعلم - ذلك سبيلاً لهن.
ثم دل الخبر الذي ذكرت على أمرين:
أحدهما: أن الحبس -وإن كان مذكورًا في النساء خاصة- فهو في جميع الزناة؛ لأنه قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللُّه لَهُن سَبِيلًا " ثم ذكر ما به جعل لهن السبيل، في الذكور والإناث، في المحصنين وغيرهم جميعًا؛ ليعلم أن الحكم يجمع الكل وإن كان الذكْرُ فيهن، وذلك كما ذكر حد المماليك في الإماء، وحد الزناة في قذف المحصنات، والحكم يجمع الذكر والأنثى من حيث اتفاق المعنى الذي له جعل، فمثله فيما نحن فيه.
والثاني: بيان نسخ المذكور من الحكم في الكتاب بالسنة، وذلك لوجهين:
أحدهما: أنه لم يوجد على الترتيب الذي ذكر في القرآن مع ما ذكر تخلية السبيل، وليس بمذكور في شيء من القرآن؛ ثبت أن ذلك كان بوحي غير القرآن.
والثاني: أنه - عليه السلام - قال: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني " ثم أخبر عن جعل اللَّه لهن السبيل؛ فدل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني " أنه بيان اللَّه، وهكذا معنى النسخ
74
أن بيان جعل اللَّه مدة حكم الأول بما يحدث فيه الحكم، وليس قول من يقول في هذا في القرآن وعد بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) - معنى؛ لأن كل شيء في حكم اللَّه أنه ينسخه، فالوعد في حكمه قائم، إلا أن يقول قائل: لا يصدق الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ببيان وعد الحكم، وإنما يصدق ببيان وعد الشرط؛ فيحتاج أن يحدث منه إيمانًا، واللَّه الموفق، مع ما إذا جاز أن يعد النسخ المذكور في القرآن حقيقة، لا فيه يجوز أن ينسخ المذكور حقيقته لا فيه.
وبعد، فإن من يقول هذا بعثه عليه جهله بمعنى النسخ: أنه البيان عن منتهى حكم المذكور من الوقت، ولا ريب أن لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بيان منتهى الحكم من النوع، فمثله الوقت.
ثم إذا كان هذا أول عقوبة في الإسلام؛ فثبت به نسخ الحكم بالتوراة والعمل إذا كان فيها الرجم، وقد ذكر أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إنما رجم بحكم التوراة، وقال: " أَنا أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا سُنَّة أَمَاتُوهَا ". وإذا ثبت أن ذلك حكم التوراة ثم ثبت نسخ حكمه، فلا يقام عليهم الرجم إلا بعد البيان مع ما جاء عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهَ فَلَيسَ بِمُحْصَنٍ "، وأنه أخبر بالرجم في القرآن للمحصن.
وقال قوم: عقوبة الحبس في الإناث خاصة، وأما في الذكور ففيهم الأذى باللسان والتعزير بقوله - تعالى -: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا...) الآية، وهذا
وبعد، فإن من يقول هذا بعثه عليه جهله بمعنى النسخ: أنه البيان عن منتهى حكم المذكور من الوقت، ولا ريب أن لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بيان منتهى الحكم من النوع، فمثله الوقت.
ثم إذا كان هذا أول عقوبة في الإسلام؛ فثبت به نسخ الحكم بالتوراة والعمل إذا كان فيها الرجم، وقد ذكر أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إنما رجم بحكم التوراة، وقال: " أَنا أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا سُنَّة أَمَاتُوهَا ". وإذا ثبت أن ذلك حكم التوراة ثم ثبت نسخ حكمه، فلا يقام عليهم الرجم إلا بعد البيان مع ما جاء عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهَ فَلَيسَ بِمُحْصَنٍ "، وأنه أخبر بالرجم في القرآن للمحصن.
وقال قوم: عقوبة الحبس في الإناث خاصة، وأما في الذكور ففيهم الأذى باللسان والتعزير بقوله - تعالى -: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا...) الآية، وهذا
75
قريب من حيث كانت النساء مكانهن البيوت، وأمكن حفظهن عن الزنا، وتسليمهن إلى الأزواج مرة والمحارم ثانيًا، والرجال إذا حبسوا تحولت مؤنهم إلى غيرهم، فتكون عقوبة فعلهم تلزم غيرهم، والراحة تكون لهم، وأمَّا النساء فمؤنهن في الأصل على غيرهنَّ، فليس في حبسهن زيادة على غيرهن، فذلك عقوبة لهن مع ما كان الرجال بحيث يمكن تعييرهم، وذلك أبلغ ما يزجر العقلاء، وقد يحتمل أن يكون ذلك في الرجال خاصة؛ إذ لا يذكر في عمل قوم لوط العقوبة، وقد علم اللَّه - سبحانه وتعالى - حاجة الناس إلى معرفة عقوبة ذلك؛ إذ قد جعل اللَّه - تعالى - في إتيان النساء حقوقا وحرمات وأحكامًا ليست في إتيان الذكور، عرف الخلائق تلك؛ فلم يحتمل أن يترك ذكر عقوبة للذكور في الزنا بعد أن فرق أحكام الأمرين؛ فيشبه أن تكون الآية على ذلك؛ وأيد ذلك عَزَّ وَجَلَّ أنه - سبحانه وتعالى - قال: (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا) ولم يذكر في ذلك جعل السبيل، وقد ذكر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذلك في كل أقسام الزنا، ثبت أن ذلك فيما ذكر، فتكون عقوبة الأولى في ذلك أخف من الحد، فكذلك عقوبة الثانية مع ما يكون فيما يؤذيان بتفريق، وهو تعزير، وذلك هو الباقي أبدًا إذا لم يظهر معنى النسخ، وأيد الذي ذكرت استواء الذكور والإناث في جميع عقوبات الزنا في قديم الدهر وحديثه من حدود المماليك والأحرار، والثيبات والأبكار، فعلى ذلك أمر تأويل الآية.
والنفي المذكور في الخبر يحتمل وجوهًا:
أحدها: ما ذهب إليه الخصوم من جعله عقوبة، وأنه النفي من البلد، لكن الحدود إذا جعلت كفارات قد جعلن زواجر، وفي الزنا بخاصة إذا أمر فيه بالحبس أريد قطع السبيل إليه، وفي الإشخاص والإخراج من البلدان تمكين، وذلك بعيد، واللَّه أعلم.
فعلى ذلك لو كان عقوبة فهو على الحبس، فينتفي عن وجوه الاجتماع على ما كان من قبل، فينتفي ذلك العذر منه؛ لظهور خشوع التوبة.
وقد يحتمل أن يراد بالنفي قطع الذكر ورفع المسبَّة، فينفى؛ لينسى ذلك؛ فلا يعير بذلك، وكذلك في الإماء ولا في الكفر؛ إذ ما فيهم من الذل أعظم مع ما لا يجب بسبِّ من ذكرت حد؛ ليعلم عظيم موقع ذلك في الأحرار، ولو كان على العقوبة فهو منسوخ بما
والنفي المذكور في الخبر يحتمل وجوهًا:
أحدها: ما ذهب إليه الخصوم من جعله عقوبة، وأنه النفي من البلد، لكن الحدود إذا جعلت كفارات قد جعلن زواجر، وفي الزنا بخاصة إذا أمر فيه بالحبس أريد قطع السبيل إليه، وفي الإشخاص والإخراج من البلدان تمكين، وذلك بعيد، واللَّه أعلم.
فعلى ذلك لو كان عقوبة فهو على الحبس، فينتفي عن وجوه الاجتماع على ما كان من قبل، فينتفي ذلك العذر منه؛ لظهور خشوع التوبة.
وقد يحتمل أن يراد بالنفي قطع الذكر ورفع المسبَّة، فينفى؛ لينسى ذلك؛ فلا يعير بذلك، وكذلك في الإماء ولا في الكفر؛ إذ ما فيهم من الذل أعظم مع ما لا يجب بسبِّ من ذكرت حد؛ ليعلم عظيم موقع ذلك في الأحرار، ولو كان على العقوبة فهو منسوخ بما
76
الآيتان ١٥ و١٦ وقوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ﴾، ﴿ واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ﴾ قيل كان هذان الحكمان في أول الإسلام : الأول منهما للمرأة والثاني : للرجل وقيل : إن آية الأذى كانت في الرجل والمرأة، وآية الحبس كانت في حبس المرأة، ويحتمل أن تكون آية الأذى في البكر في الرجل والمرأة جميعا، وآية الحبس في الثيب في الرجل والمرأة، ويحتمل أن تكون آية الأذى في الرجال خاصة في ما يأتي الذكر ذكرا على ما كان من فعل قوم لوط وآية الحبس في الرجال والنساء جميعا.
فإن كانت١ آية الأذى في الرجال خاصة ففيها حجة لأبي حنيفة رضي الله عنه حين لم يوجب على من عمل قوم لوط الحد، ولكن أوجب التعزير والأذى هو منسوخ إن كان في هذا وإن كانت في الأول فهي منسوخة.
ثم اختلف بما به نسخ فقال قوم نسخ بقوله ﴿ الزانية والزاني فاجدلوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) لكن عندنا : هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما فكيف يكون به النسخ ؟ ولكن نسخ عندنا بالخبر، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ٢ قال : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر والثيب بالثيب، البكر يجلد وينفى، والثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ ) ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة، فإن قيل : في الآية دليل وعد النسخ بقوله :﴿ أو يجعل لهن سبيلا ﴾ فإنما صار منسوخا بما وعد الله في الآية من النسخ لا٣ بالسنة وقيل : ما من آية أو سنة كان من حكم الله النسخ إلا الوعد فيه النسخ، وإن لم يكن مذكورا لأن الله عز وجل لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ لأنه بدو، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية، فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه الوحي٤ يكون قرآنا يتلى ( والسنة فيها ) ٥ أخبار كثيرة روي أنه رجم ماعز إذ أقر بالزنى مرارا، ورجم أيضا غيره ( بما روي أن رجلا عسف آخر فزنى بامرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٦ " سأقضي بينكما بكتاب الله تعالى " وقال ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٧ " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن هي اعترفت فارجمها " ( البخاري ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ).
وعن عمر رضي الله عنه قال :( خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. ألا وإن الرجم حق ( على من زنى، إذا أحصن الرجل والمرأة ) ٨ وقامت البينة أو اعترفا٩، وقد قرأناها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ).
وقال قوم : الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية ولما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا قيل : إنما رجم بحكم التوراة. إلا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة فأمرهم أن يقرؤوا عليه ف وضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرؤوا غيره. قال ابن سلام : إنهم كتموه يا رسول الله ثم قرأ هو : فأمر برجمه١٠ ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة ذلك لم يقم عليهم الرجم. فإن قال قائل : إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) قيل : لا يحتمل وجوب الحد ذلك لأنه مختلف حكم من هذا في الحرمة ووجوب الرجم١١ وغير ذلك فلا يحتمل أن يعرف شيء بما١٢ يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه.
وقوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ في الآية دليل القياس لأنه ذكر الحكم في النساء ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم وهما لا يختلفان في هذا الحكم لما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله دل ما ترك ذكره في المنصوص والانتزاع منه. وقال قوم : إن على الثيب الجلد والرجم جميعا ذهبوا في ذلك إلى ما روي عن عبادة ابن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٣ قال : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر يجلد، والثيب بالثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ أوجب الرجم على الثيب.
وأما عندنا فإنه لا يوجب مع الرجم الجلد لما روينا من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم ماعزا ولم يذكر أنه جلده وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٤ قال : " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " ( ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ) لم يذكر هنالك جلد والأخبار كثيرة في هذا، وروي انه قال : " من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله الذي ستره عليه فإن من أبدى لنا صفحة أقمنا عليه حد الله " ( مالك في الموطأ ٢/ ٨٢٥ ).
ثم يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم : " والثيب يجلد ويرجم " في اختلاف الأحوال : يجلد في حال ويرجم في حال أو يجلد ثيب ويرجم آخر لأنه لا كل ثيب يرجم لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم دل أنه ما ذكرنا أو يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم " البكر بالبكر يجلد وينفى، والثيب بالثيب ( يجلد ويرجم )١٥ " ( مسلم ١٦٩٠ ) أي البكر مع البكر، والثيب مع الثيب، فيكون ثيب يجلد وثيب آخر يرجم.
ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر قال قوم : النفي ثابت واجب وعندنا إن كان فهو منسوخ ودليل نسخه ما روي في خبر زيد بن خالد ( الجهني ) ١٦، وكان الرجل بكرا، يذكر أنه نفي، وما وري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه نفى رجلا فارتد ولحق بالروم وقال : لا أنفي بعد هذا أبدا وما روي أنه قال :( كفى بالنفي فتنة ). وإن كان فهو عقوبة وليس بحد كحبس الدعارة وغيره والدليل على أن النفي ليس بحد أن الله سبحانه وتعالى قال في الإماء :{ فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصن من العذاب( النساء ٢٥ ).
والأمة لا تنفى، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثم إذا زنت فليجلدها ثم إذا زنت فليبعها ولو بضفر " ( البخاري ٢١٥٢ و٢١٥٤ ) أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي ولو كان حدا لأمر به كما أمر بالجلد دل أنه ليس بحد في الحرة١٧ ولأنه أوجب على الإماء نصف ما اوجب على الحرائر ولا نصف للنفي دل أنه ليس بحد ولا يجب ذلك او إن كان فهو حبس وفي الحبس نفي فيحسبان١٨ أو ينفيان لينسيا ما أصاب لأن كل من رآهما يذكر فعلهما فينفيان لذلك لا أنه حد ولكن لينسيا ذلك ولا يذكر١٩.
وقوله تعالى أيضا :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ إلى قوله :﴿ فإن تابا وأصلحا ﴾ ( النساء ١٥ و١٦ ) يخرج على وجهين لو كانت الآيتان في الزنى.
أحدهما : أن يكون في جميع الإناث الحبس وفي الذكور الإيذاء ولذلك جميع من الجميع في الخبر الذي به النسخ فارتفع الحبس والأذى جميعا وذلك تأنيب الرجل به أزجر له، وحبس المرأة أقطع لوجوه الزنى.
والثاني :٢٠ ان تكون الآية الأولى في المحصنات على تضمن المحصنين بالمعنى والآية الثانية في الذكور والإناث ( على تضمن الإناث ) ٢١ بالمعنى لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث إما تدينا أو حياء افتضاح٢٢ أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم والحفظ عن قرب الذكور ليس من شيء من ذلك في الذكور ولا في الثيبات من النساء٢٣ على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يعلن حتى يشهده أربعة٢٤ والغالب عليهن ألا يخالطن هذا القدر من العدد.
ثم الدلالة على دخول الكل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " ذكرهن على ما جرى به الذكر في القرآن ثم جمع في التفسير بين الكل ثبت أن الذكر قد يضمن الكل وذلك يبطل تأويل / ٨٤- أ/ من يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور ومتى يحتمل وجود ( الكل ) ٢٥ مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة والعار اللازم له ثم كشف ذلك لجميع محارمها ثم خوف الانتشار به ظاهر وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى ممكن من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها ؟
فتأويل من وجه الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف ثم المروي عن السنة ثم ( ما )٢٦ أجمع عليه أهل التأويل عمد صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينة الكتاب بالسنة ويحكم على الله تعالى وعلى رسوله بحجر هذا النوع.
وقوله عز وجل :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا ﴾ الآية ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة فكان الخطاب عليهم خرج ثم قد ثبتت٢٧ الفاحشة منهن ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدوا٢٨ بها. فعلى هذا أن ليس للأئمة تولي حد الزناة بعلمهم حتى يكون ثم شهود. وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهى إليه الفعلان من الزناة إذ ذلك أمر معلوم في ما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقته ذلك بالولد يكون فأما من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا تعلم حقيقته أبدا. يدل ذلك جميع الأمور التي منها المباح والمحظور إذ المحظور منه أبعد من الظهور والعلم من المباح.
فعلى ذلك أمر هذا مع ما أيد ما جعل من هذا الرمي وجهين :
أحدهما : الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك بما هتك ستر الله.
والثاني : فحش الشين بفاعل ذلك لزوم المسبة في صاحب ذلك وذلك معنى لزوم الشين، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من أبدى صفحة أقمنا عليه حد الله " ( الموطأ ٢/ ٨٢٥ ) فإذا بلغ العمد الذي حده ما ذكرت من العقوبة من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى ظهر ذلك للجماعة يفعل ما يشينه فعله ما ذكرت استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك، وبقلة٢٩ حيائه حين أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل، فألزم من إليه ذلك القيام به لله. ثم جعل الله في ذلك عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله على ما علم من مصلحة الخلق بها وزجرهم وتفكيرهم بها. ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل أول عقوبة الزنى من نوع من الخلق ظاهرا يكسبون به عرض الدنيا في٣٠ ذلك في الإماء حتى قال تعالى :﴿ ولا تكرهوا فتاتيكم على البغاء ﴾ الآية ( النور ٣٣ ) وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزنى من الإماء حتى بلغ ظهور ذلك إلى أن يمازح به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن فنزل قوله سبحانه وتعالى :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ﴾ ( الأحزاب ٥٩ ).
وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت فعليهم٣١ خوف مواقعة الزنى وكذلك لكثرة ما يرين٣٢ أو يسمعن وذلك ( في وجهين :
أحدهما ) ٣٣ : معنى يبعث من شرهت نفسه وقل٣٤ تفكره في أمر عاقبته مما ينزل به أو يشينه وقد ركبت هذه الشهوة في كل البشر فخفف الله عقوبته في الابتداء أن جعل في الحبس والإمساك في البيوت ثم صار ذلك إلى الضرب لما يخرج الناس من بيوتهم ويعظم٣٥ ذلك في أعينهم وجعل في الشتم به الحد ليعرفوا عظم موقعه عند الله وينتهوا٣٦ عن فعله.
وقد جعل في ذلك في بعض الأحوال الرجم وهي الحال التي يزول فيها كل وجوه العذر وترتفع جميع معاني الشبه لعظم أمره.
والثاني : أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض ببعض ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة فغلب عليهم الأمر واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.
ثم في الحبس ( وجوه :
أحدهما ) ٣٧ : الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط وتلاقي الأبصار.
وا
فإن كانت١ آية الأذى في الرجال خاصة ففيها حجة لأبي حنيفة رضي الله عنه حين لم يوجب على من عمل قوم لوط الحد، ولكن أوجب التعزير والأذى هو منسوخ إن كان في هذا وإن كانت في الأول فهي منسوخة.
ثم اختلف بما به نسخ فقال قوم نسخ بقوله ﴿ الزانية والزاني فاجدلوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) لكن عندنا : هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما فكيف يكون به النسخ ؟ ولكن نسخ عندنا بالخبر، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ٢ قال : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر والثيب بالثيب، البكر يجلد وينفى، والثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ ) ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة، فإن قيل : في الآية دليل وعد النسخ بقوله :﴿ أو يجعل لهن سبيلا ﴾ فإنما صار منسوخا بما وعد الله في الآية من النسخ لا٣ بالسنة وقيل : ما من آية أو سنة كان من حكم الله النسخ إلا الوعد فيه النسخ، وإن لم يكن مذكورا لأن الله عز وجل لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ لأنه بدو، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية، فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه الوحي٤ يكون قرآنا يتلى ( والسنة فيها ) ٥ أخبار كثيرة روي أنه رجم ماعز إذ أقر بالزنى مرارا، ورجم أيضا غيره ( بما روي أن رجلا عسف آخر فزنى بامرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٦ " سأقضي بينكما بكتاب الله تعالى " وقال ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٧ " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن هي اعترفت فارجمها " ( البخاري ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ).
وعن عمر رضي الله عنه قال :( خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. ألا وإن الرجم حق ( على من زنى، إذا أحصن الرجل والمرأة ) ٨ وقامت البينة أو اعترفا٩، وقد قرأناها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ).
وقال قوم : الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية ولما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا قيل : إنما رجم بحكم التوراة. إلا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة فأمرهم أن يقرؤوا عليه ف وضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرؤوا غيره. قال ابن سلام : إنهم كتموه يا رسول الله ثم قرأ هو : فأمر برجمه١٠ ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة ذلك لم يقم عليهم الرجم. فإن قال قائل : إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) قيل : لا يحتمل وجوب الحد ذلك لأنه مختلف حكم من هذا في الحرمة ووجوب الرجم١١ وغير ذلك فلا يحتمل أن يعرف شيء بما١٢ يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه.
وقوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ في الآية دليل القياس لأنه ذكر الحكم في النساء ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم وهما لا يختلفان في هذا الحكم لما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله دل ما ترك ذكره في المنصوص والانتزاع منه. وقال قوم : إن على الثيب الجلد والرجم جميعا ذهبوا في ذلك إلى ما روي عن عبادة ابن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٣ قال : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر يجلد، والثيب بالثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ أوجب الرجم على الثيب.
وأما عندنا فإنه لا يوجب مع الرجم الجلد لما روينا من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم ماعزا ولم يذكر أنه جلده وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٤ قال : " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " ( ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ) لم يذكر هنالك جلد والأخبار كثيرة في هذا، وروي انه قال : " من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله الذي ستره عليه فإن من أبدى لنا صفحة أقمنا عليه حد الله " ( مالك في الموطأ ٢/ ٨٢٥ ).
ثم يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم : " والثيب يجلد ويرجم " في اختلاف الأحوال : يجلد في حال ويرجم في حال أو يجلد ثيب ويرجم آخر لأنه لا كل ثيب يرجم لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم دل أنه ما ذكرنا أو يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم " البكر بالبكر يجلد وينفى، والثيب بالثيب ( يجلد ويرجم )١٥ " ( مسلم ١٦٩٠ ) أي البكر مع البكر، والثيب مع الثيب، فيكون ثيب يجلد وثيب آخر يرجم.
ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر قال قوم : النفي ثابت واجب وعندنا إن كان فهو منسوخ ودليل نسخه ما روي في خبر زيد بن خالد ( الجهني ) ١٦، وكان الرجل بكرا، يذكر أنه نفي، وما وري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه نفى رجلا فارتد ولحق بالروم وقال : لا أنفي بعد هذا أبدا وما روي أنه قال :( كفى بالنفي فتنة ). وإن كان فهو عقوبة وليس بحد كحبس الدعارة وغيره والدليل على أن النفي ليس بحد أن الله سبحانه وتعالى قال في الإماء :{ فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصن من العذاب( النساء ٢٥ ).
والأمة لا تنفى، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثم إذا زنت فليجلدها ثم إذا زنت فليبعها ولو بضفر " ( البخاري ٢١٥٢ و٢١٥٤ ) أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي ولو كان حدا لأمر به كما أمر بالجلد دل أنه ليس بحد في الحرة١٧ ولأنه أوجب على الإماء نصف ما اوجب على الحرائر ولا نصف للنفي دل أنه ليس بحد ولا يجب ذلك او إن كان فهو حبس وفي الحبس نفي فيحسبان١٨ أو ينفيان لينسيا ما أصاب لأن كل من رآهما يذكر فعلهما فينفيان لذلك لا أنه حد ولكن لينسيا ذلك ولا يذكر١٩.
وقوله تعالى أيضا :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ إلى قوله :﴿ فإن تابا وأصلحا ﴾ ( النساء ١٥ و١٦ ) يخرج على وجهين لو كانت الآيتان في الزنى.
أحدهما : أن يكون في جميع الإناث الحبس وفي الذكور الإيذاء ولذلك جميع من الجميع في الخبر الذي به النسخ فارتفع الحبس والأذى جميعا وذلك تأنيب الرجل به أزجر له، وحبس المرأة أقطع لوجوه الزنى.
والثاني :٢٠ ان تكون الآية الأولى في المحصنات على تضمن المحصنين بالمعنى والآية الثانية في الذكور والإناث ( على تضمن الإناث ) ٢١ بالمعنى لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث إما تدينا أو حياء افتضاح٢٢ أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم والحفظ عن قرب الذكور ليس من شيء من ذلك في الذكور ولا في الثيبات من النساء٢٣ على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يعلن حتى يشهده أربعة٢٤ والغالب عليهن ألا يخالطن هذا القدر من العدد.
ثم الدلالة على دخول الكل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " ذكرهن على ما جرى به الذكر في القرآن ثم جمع في التفسير بين الكل ثبت أن الذكر قد يضمن الكل وذلك يبطل تأويل / ٨٤- أ/ من يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور ومتى يحتمل وجود ( الكل ) ٢٥ مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة والعار اللازم له ثم كشف ذلك لجميع محارمها ثم خوف الانتشار به ظاهر وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى ممكن من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها ؟
فتأويل من وجه الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف ثم المروي عن السنة ثم ( ما )٢٦ أجمع عليه أهل التأويل عمد صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينة الكتاب بالسنة ويحكم على الله تعالى وعلى رسوله بحجر هذا النوع.
وقوله عز وجل :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا ﴾ الآية ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة فكان الخطاب عليهم خرج ثم قد ثبتت٢٧ الفاحشة منهن ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدوا٢٨ بها. فعلى هذا أن ليس للأئمة تولي حد الزناة بعلمهم حتى يكون ثم شهود. وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهى إليه الفعلان من الزناة إذ ذلك أمر معلوم في ما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقته ذلك بالولد يكون فأما من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا تعلم حقيقته أبدا. يدل ذلك جميع الأمور التي منها المباح والمحظور إذ المحظور منه أبعد من الظهور والعلم من المباح.
فعلى ذلك أمر هذا مع ما أيد ما جعل من هذا الرمي وجهين :
أحدهما : الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك بما هتك ستر الله.
والثاني : فحش الشين بفاعل ذلك لزوم المسبة في صاحب ذلك وذلك معنى لزوم الشين، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من أبدى صفحة أقمنا عليه حد الله " ( الموطأ ٢/ ٨٢٥ ) فإذا بلغ العمد الذي حده ما ذكرت من العقوبة من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى ظهر ذلك للجماعة يفعل ما يشينه فعله ما ذكرت استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك، وبقلة٢٩ حيائه حين أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل، فألزم من إليه ذلك القيام به لله. ثم جعل الله في ذلك عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله على ما علم من مصلحة الخلق بها وزجرهم وتفكيرهم بها. ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل أول عقوبة الزنى من نوع من الخلق ظاهرا يكسبون به عرض الدنيا في٣٠ ذلك في الإماء حتى قال تعالى :﴿ ولا تكرهوا فتاتيكم على البغاء ﴾ الآية ( النور ٣٣ ) وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزنى من الإماء حتى بلغ ظهور ذلك إلى أن يمازح به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن فنزل قوله سبحانه وتعالى :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ﴾ ( الأحزاب ٥٩ ).
وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت فعليهم٣١ خوف مواقعة الزنى وكذلك لكثرة ما يرين٣٢ أو يسمعن وذلك ( في وجهين :
أحدهما ) ٣٣ : معنى يبعث من شرهت نفسه وقل٣٤ تفكره في أمر عاقبته مما ينزل به أو يشينه وقد ركبت هذه الشهوة في كل البشر فخفف الله عقوبته في الابتداء أن جعل في الحبس والإمساك في البيوت ثم صار ذلك إلى الضرب لما يخرج الناس من بيوتهم ويعظم٣٥ ذلك في أعينهم وجعل في الشتم به الحد ليعرفوا عظم موقعه عند الله وينتهوا٣٦ عن فعله.
وقد جعل في ذلك في بعض الأحوال الرجم وهي الحال التي يزول فيها كل وجوه العذر وترتفع جميع معاني الشبه لعظم أمره.
والثاني : أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض ببعض ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة فغلب عليهم الأمر واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.
ثم في الحبس ( وجوه :
أحدهما ) ٣٧ : الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط وتلاقي الأبصار.
وا
١ في الأصل و م: كان..
٢ ساقطة من الأصل و م..
٣ من م في الأصل: وإلا..
٤ في الأصل و م: بوحي..
٥ في الأصل و م: وفيه..
٦ في الأصل و م: ما روي عن عسيف الرجل زنى بامرأة وقال انظر المسند ٤/١١٥..
٧ ساقطة من الأصل و م..
٨ في الأصل و م: إذا أحصن الرجل..
٩ في الأصل و م: اعترف..
١٠ في الأصل و م: يرجمهم..
١١ من م في الأصل: المهر..
١٢ في الأصل و م: لما..
١٣ ساقطة من الأصل و م..
١٤ ساقطة من الأصل و م..
١٥ ساقطة من الأصل و م..
١٦ ساقطة من الأصل و م..
١٧ في الأصل و م: الحر..
١٨ في الأصل و م: فيحبس..
١٩ في الأصل و م: يذكر..
٢٠ في الأصل و م: أو..
٢١ من م ساقطة من الأصل..
٢٢ في م الافتضاح..
٢٣ في الأصل و م: الناس..
٢٤ في الأصل و م: أربع..
٢٥ من م ساقطة من الأصل..
٢٦ ساقطة من الأصل و م..
٢٧ في الأصل و م: اثبت..
٢٨ في الأثل و م: فيشهدون..
٢٩ أدرج قبلها في الأصل و م: محله..
٣٠ من م في الأصل و في..
٣١ في الأصل و م: عليهم..
٣٢ في الأصل و م: يدين..
٣٣ ساقطة من الأصل و م..
٣٤ في الأصل و م: وقلة..
٣٥ في الأصل و م عظم..
٣٦ في الأصل و م: وانتهوا..
٣٧ في الأصل و م: وجهان أحدهما.
٢ ساقطة من الأصل و م..
٣ من م في الأصل: وإلا..
٤ في الأصل و م: بوحي..
٥ في الأصل و م: وفيه..
٦ في الأصل و م: ما روي عن عسيف الرجل زنى بامرأة وقال انظر المسند ٤/١١٥..
٧ ساقطة من الأصل و م..
٨ في الأصل و م: إذا أحصن الرجل..
٩ في الأصل و م: اعترف..
١٠ في الأصل و م: يرجمهم..
١١ من م في الأصل: المهر..
١٢ في الأصل و م: لما..
١٣ ساقطة من الأصل و م..
١٤ ساقطة من الأصل و م..
١٥ ساقطة من الأصل و م..
١٦ ساقطة من الأصل و م..
١٧ في الأصل و م: الحر..
١٨ في الأصل و م: فيحبس..
١٩ في الأصل و م: يذكر..
٢٠ في الأصل و م: أو..
٢١ من م ساقطة من الأصل..
٢٢ في م الافتضاح..
٢٣ في الأصل و م: الناس..
٢٤ في الأصل و م: أربع..
٢٥ من م ساقطة من الأصل..
٢٦ ساقطة من الأصل و م..
٢٧ في الأصل و م: اثبت..
٢٨ في الأثل و م: فيشهدون..
٢٩ أدرج قبلها في الأصل و م: محله..
٣٠ من م في الأصل و في..
٣١ في الأصل و م: عليهم..
٣٢ في الأصل و م: يدين..
٣٣ ساقطة من الأصل و م..
٣٤ في الأصل و م: وقلة..
٣٥ في الأصل و م عظم..
٣٦ في الأصل و م: وانتهوا..
٣٧ في الأصل و م: وجهان أحدهما.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:الآيتان ١٥ و١٦ وقوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ﴾، ﴿ واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ﴾ قيل كان هذان الحكمان في أول الإسلام : الأول منهما للمرأة والثاني : للرجل وقيل : إن آية الأذى كانت في الرجل والمرأة، وآية الحبس كانت في حبس المرأة، ويحتمل أن تكون آية الأذى في البكر في الرجل والمرأة جميعا، وآية الحبس في الثيب في الرجل والمرأة، ويحتمل أن تكون آية الأذى في الرجال خاصة في ما يأتي الذكر ذكرا على ما كان من فعل قوم لوط وآية الحبس في الرجال والنساء جميعا.
فإن كانت١ آية الأذى في الرجال خاصة ففيها حجة لأبي حنيفة رضي الله عنه حين لم يوجب على من عمل قوم لوط الحد، ولكن أوجب التعزير والأذى هو منسوخ إن كان في هذا وإن كانت في الأول فهي منسوخة.
ثم اختلف بما به نسخ فقال قوم نسخ بقوله ﴿ الزانية والزاني فاجدلوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) لكن عندنا : هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما فكيف يكون به النسخ ؟ ولكن نسخ عندنا بالخبر، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ٢ قال :" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر والثيب بالثيب، البكر يجلد وينفى، والثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ ) ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة، فإن قيل : في الآية دليل وعد النسخ بقوله :﴿ أو يجعل لهن سبيلا ﴾ فإنما صار منسوخا بما وعد الله في الآية من النسخ لا٣ بالسنة وقيل : ما من آية أو سنة كان من حكم الله النسخ إلا الوعد فيه النسخ، وإن لم يكن مذكورا لأن الله عز وجل لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ لأنه بدو، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية، فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه الوحي٤ يكون قرآنا يتلى ( والسنة فيها ) ٥ أخبار كثيرة روي أنه رجم ماعز إذ أقر بالزنى مرارا، ورجم أيضا غيره ( بما روي أن رجلا عسف آخر فزنى بامرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٦ " سأقضي بينكما بكتاب الله تعالى " وقال ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٧ " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن هي اعترفت فارجمها " ( البخاري ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ).
وعن عمر رضي الله عنه قال :( خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. ألا وإن الرجم حق ( على من زنى، إذا أحصن الرجل والمرأة ) ٨ وقامت البينة أو اعترفا٩، وقد قرأناها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ).
وقال قوم : الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية ولما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا قيل : إنما رجم بحكم التوراة. إلا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة فأمرهم أن يقرؤوا عليه ف وضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرؤوا غيره. قال ابن سلام : إنهم كتموه يا رسول الله ثم قرأ هو : فأمر برجمه١٠ ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة ذلك لم يقم عليهم الرجم. فإن قال قائل : إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) قيل : لا يحتمل وجوب الحد ذلك لأنه مختلف حكم من هذا في الحرمة ووجوب الرجم١١ وغير ذلك فلا يحتمل أن يعرف شيء بما١٢ يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه.
وقوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ في الآية دليل القياس لأنه ذكر الحكم في النساء ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم وهما لا يختلفان في هذا الحكم لما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله دل ما ترك ذكره في المنصوص والانتزاع منه. وقال قوم : إن على الثيب الجلد والرجم جميعا ذهبوا في ذلك إلى ما روي عن عبادة ابن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٣ قال :" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر يجلد، والثيب بالثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ أوجب الرجم على الثيب.
وأما عندنا فإنه لا يوجب مع الرجم الجلد لما روينا من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم ماعزا ولم يذكر أنه جلده وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٤ قال :" واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " ( ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ) لم يذكر هنالك جلد والأخبار كثيرة في هذا، وروي انه قال :" من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله الذي ستره عليه فإن من أبدى لنا صفحة أقمنا عليه حد الله " ( مالك في الموطأ ٢/ ٨٢٥ ).
ثم يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم :" والثيب يجلد ويرجم " في اختلاف الأحوال : يجلد في حال ويرجم في حال أو يجلد ثيب ويرجم آخر لأنه لا كل ثيب يرجم لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم دل أنه ما ذكرنا أو يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم " البكر بالبكر يجلد وينفى، والثيب بالثيب ( يجلد ويرجم )١٥ " ( مسلم ١٦٩٠ ) أي البكر مع البكر، والثيب مع الثيب، فيكون ثيب يجلد وثيب آخر يرجم.
ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر قال قوم : النفي ثابت واجب وعندنا إن كان فهو منسوخ ودليل نسخه ما روي في خبر زيد بن خالد ( الجهني ) ١٦، وكان الرجل بكرا، يذكر أنه نفي، وما وري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه نفى رجلا فارتد ولحق بالروم وقال : لا أنفي بعد هذا أبدا وما روي أنه قال :( كفى بالنفي فتنة ). وإن كان فهو عقوبة وليس بحد كحبس الدعارة وغيره والدليل على أن النفي ليس بحد أن الله سبحانه وتعالى قال في الإماء :{ فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصن من العذاب( النساء ٢٥ ).
والأمة لا تنفى، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال :" إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثم إذا زنت فليجلدها ثم إذا زنت فليبعها ولو بضفر " ( البخاري ٢١٥٢ و٢١٥٤ ) أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي ولو كان حدا لأمر به كما أمر بالجلد دل أنه ليس بحد في الحرة١٧ ولأنه أوجب على الإماء نصف ما اوجب على الحرائر ولا نصف للنفي دل أنه ليس بحد ولا يجب ذلك او إن كان فهو حبس وفي الحبس نفي فيحسبان١٨ أو ينفيان لينسيا ما أصاب لأن كل من رآهما يذكر فعلهما فينفيان لذلك لا أنه حد ولكن لينسيا ذلك ولا يذكر١٩.
وقوله تعالى أيضا :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ إلى قوله :﴿ فإن تابا وأصلحا ﴾ ( النساء ١٥ و١٦ ) يخرج على وجهين لو كانت الآيتان في الزنى.
أحدهما : أن يكون في جميع الإناث الحبس وفي الذكور الإيذاء ولذلك جميع من الجميع في الخبر الذي به النسخ فارتفع الحبس والأذى جميعا وذلك تأنيب الرجل به أزجر له، وحبس المرأة أقطع لوجوه الزنى.
والثاني :٢٠ ان تكون الآية الأولى في المحصنات على تضمن المحصنين بالمعنى والآية الثانية في الذكور والإناث ( على تضمن الإناث ) ٢١ بالمعنى لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث إما تدينا أو حياء افتضاح٢٢ أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم والحفظ عن قرب الذكور ليس من شيء من ذلك في الذكور ولا في الثيبات من النساء٢٣ على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يعلن حتى يشهده أربعة٢٤ والغالب عليهن ألا يخالطن هذا القدر من العدد.
ثم الدلالة على دخول الكل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " ذكرهن على ما جرى به الذكر في القرآن ثم جمع في التفسير بين الكل ثبت أن الذكر قد يضمن الكل وذلك يبطل تأويل / ٨٤- أ/ من يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور ومتى يحتمل وجود ( الكل ) ٢٥ مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة والعار اللازم له ثم كشف ذلك لجميع محارمها ثم خوف الانتشار به ظاهر وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى ممكن من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها ؟
فتأويل من وجه الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف ثم المروي عن السنة ثم ( ما )٢٦ أجمع عليه أهل التأويل عمد صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينة الكتاب بالسنة ويحكم على الله تعالى وعلى رسوله بحجر هذا النوع.
وقوله عز وجل :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا ﴾ الآية ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة فكان الخطاب عليهم خرج ثم قد ثبتت٢٧ الفاحشة منهن ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدوا٢٨ بها. فعلى هذا أن ليس للأئمة تولي حد الزناة بعلمهم حتى يكون ثم شهود. وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهى إليه الفعلان من الزناة إذ ذلك أمر معلوم في ما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقته ذلك بالولد يكون فأما من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا تعلم حقيقته أبدا. يدل ذلك جميع الأمور التي منها المباح والمحظور إذ المحظور منه أبعد من الظهور والعلم من المباح.
فعلى ذلك أمر هذا مع ما أيد ما جعل من هذا الرمي وجهين :
أحدهما : الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك بما هتك ستر الله.
والثاني : فحش الشين بفاعل ذلك لزوم المسبة في صاحب ذلك وذلك معنى لزوم الشين، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال :" من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من أبدى صفحة أقمنا عليه حد الله " ( الموطأ ٢/ ٨٢٥ ) فإذا بلغ العمد الذي حده ما ذكرت من العقوبة من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى ظهر ذلك للجماعة يفعل ما يشينه فعله ما ذكرت استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك، وبقلة٢٩ حيائه حين أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل، فألزم من إليه ذلك القيام به لله. ثم جعل الله في ذلك عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله على ما علم من مصلحة الخلق بها وزجرهم وتفكيرهم بها. ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل أول عقوبة الزنى من نوع من الخلق ظاهرا يكسبون به عرض الدنيا في٣٠ ذلك في الإماء حتى قال تعالى :﴿ ولا تكرهوا فتاتيكم على البغاء ﴾ الآية ( النور ٣٣ ) وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزنى من الإماء حتى بلغ ظهور ذلك إلى أن يمازح به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن فنزل قوله سبحانه وتعالى :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ﴾ ( الأحزاب ٥٩ ).
وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت فعليهم٣١ خوف مواقعة الزنى وكذلك لكثرة ما يرين٣٢ أو يسمعن وذلك ( في وجهين :
أحدهما ) ٣٣ : معنى يبعث من شرهت نفسه وقل٣٤ تفكره في أمر عاقبته مما ينزل به أو يشينه وقد ركبت هذه الشهوة في كل البشر فخفف الله عقوبته في الابتداء أن جعل في الحبس والإمساك في البيوت ثم صار ذلك إلى الضرب لما يخرج الناس من بيوتهم ويعظم٣٥ ذلك في أعينهم وجعل في الشتم به الحد ليعرفوا عظم موقعه عند الله وينتهوا٣٦ عن فعله.
وقد جعل في ذلك في بعض الأحوال الرجم وهي الحال التي يزول فيها كل وجوه العذر وترتفع جميع معاني الشبه لعظم أمره.
والثاني : أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض ببعض ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة فغلب عليهم الأمر واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.
ثم في الحبس ( وجوه :
أحدهما ) ٣٧ : الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط وتلاقي الأبصار.
وا
فإن كانت١ آية الأذى في الرجال خاصة ففيها حجة لأبي حنيفة رضي الله عنه حين لم يوجب على من عمل قوم لوط الحد، ولكن أوجب التعزير والأذى هو منسوخ إن كان في هذا وإن كانت في الأول فهي منسوخة.
ثم اختلف بما به نسخ فقال قوم نسخ بقوله ﴿ الزانية والزاني فاجدلوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) لكن عندنا : هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما فكيف يكون به النسخ ؟ ولكن نسخ عندنا بالخبر، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ٢ قال :" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر والثيب بالثيب، البكر يجلد وينفى، والثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ ) ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة، فإن قيل : في الآية دليل وعد النسخ بقوله :﴿ أو يجعل لهن سبيلا ﴾ فإنما صار منسوخا بما وعد الله في الآية من النسخ لا٣ بالسنة وقيل : ما من آية أو سنة كان من حكم الله النسخ إلا الوعد فيه النسخ، وإن لم يكن مذكورا لأن الله عز وجل لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ لأنه بدو، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية، فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه الوحي٤ يكون قرآنا يتلى ( والسنة فيها ) ٥ أخبار كثيرة روي أنه رجم ماعز إذ أقر بالزنى مرارا، ورجم أيضا غيره ( بما روي أن رجلا عسف آخر فزنى بامرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٦ " سأقضي بينكما بكتاب الله تعالى " وقال ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٧ " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن هي اعترفت فارجمها " ( البخاري ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ).
وعن عمر رضي الله عنه قال :( خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. ألا وإن الرجم حق ( على من زنى، إذا أحصن الرجل والمرأة ) ٨ وقامت البينة أو اعترفا٩، وقد قرأناها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ).
وقال قوم : الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية ولما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا قيل : إنما رجم بحكم التوراة. إلا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة فأمرهم أن يقرؤوا عليه ف وضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرؤوا غيره. قال ابن سلام : إنهم كتموه يا رسول الله ثم قرأ هو : فأمر برجمه١٠ ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة ذلك لم يقم عليهم الرجم. فإن قال قائل : إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) قيل : لا يحتمل وجوب الحد ذلك لأنه مختلف حكم من هذا في الحرمة ووجوب الرجم١١ وغير ذلك فلا يحتمل أن يعرف شيء بما١٢ يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه.
وقوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ في الآية دليل القياس لأنه ذكر الحكم في النساء ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم وهما لا يختلفان في هذا الحكم لما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله دل ما ترك ذكره في المنصوص والانتزاع منه. وقال قوم : إن على الثيب الجلد والرجم جميعا ذهبوا في ذلك إلى ما روي عن عبادة ابن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٣ قال :" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر يجلد، والثيب بالثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ أوجب الرجم على الثيب.
وأما عندنا فإنه لا يوجب مع الرجم الجلد لما روينا من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم ماعزا ولم يذكر أنه جلده وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٤ قال :" واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " ( ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ) لم يذكر هنالك جلد والأخبار كثيرة في هذا، وروي انه قال :" من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله الذي ستره عليه فإن من أبدى لنا صفحة أقمنا عليه حد الله " ( مالك في الموطأ ٢/ ٨٢٥ ).
ثم يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم :" والثيب يجلد ويرجم " في اختلاف الأحوال : يجلد في حال ويرجم في حال أو يجلد ثيب ويرجم آخر لأنه لا كل ثيب يرجم لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم دل أنه ما ذكرنا أو يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم " البكر بالبكر يجلد وينفى، والثيب بالثيب ( يجلد ويرجم )١٥ " ( مسلم ١٦٩٠ ) أي البكر مع البكر، والثيب مع الثيب، فيكون ثيب يجلد وثيب آخر يرجم.
ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر قال قوم : النفي ثابت واجب وعندنا إن كان فهو منسوخ ودليل نسخه ما روي في خبر زيد بن خالد ( الجهني ) ١٦، وكان الرجل بكرا، يذكر أنه نفي، وما وري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه نفى رجلا فارتد ولحق بالروم وقال : لا أنفي بعد هذا أبدا وما روي أنه قال :( كفى بالنفي فتنة ). وإن كان فهو عقوبة وليس بحد كحبس الدعارة وغيره والدليل على أن النفي ليس بحد أن الله سبحانه وتعالى قال في الإماء :{ فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصن من العذاب( النساء ٢٥ ).
والأمة لا تنفى، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال :" إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثم إذا زنت فليجلدها ثم إذا زنت فليبعها ولو بضفر " ( البخاري ٢١٥٢ و٢١٥٤ ) أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي ولو كان حدا لأمر به كما أمر بالجلد دل أنه ليس بحد في الحرة١٧ ولأنه أوجب على الإماء نصف ما اوجب على الحرائر ولا نصف للنفي دل أنه ليس بحد ولا يجب ذلك او إن كان فهو حبس وفي الحبس نفي فيحسبان١٨ أو ينفيان لينسيا ما أصاب لأن كل من رآهما يذكر فعلهما فينفيان لذلك لا أنه حد ولكن لينسيا ذلك ولا يذكر١٩.
وقوله تعالى أيضا :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ إلى قوله :﴿ فإن تابا وأصلحا ﴾ ( النساء ١٥ و١٦ ) يخرج على وجهين لو كانت الآيتان في الزنى.
أحدهما : أن يكون في جميع الإناث الحبس وفي الذكور الإيذاء ولذلك جميع من الجميع في الخبر الذي به النسخ فارتفع الحبس والأذى جميعا وذلك تأنيب الرجل به أزجر له، وحبس المرأة أقطع لوجوه الزنى.
والثاني :٢٠ ان تكون الآية الأولى في المحصنات على تضمن المحصنين بالمعنى والآية الثانية في الذكور والإناث ( على تضمن الإناث ) ٢١ بالمعنى لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث إما تدينا أو حياء افتضاح٢٢ أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم والحفظ عن قرب الذكور ليس من شيء من ذلك في الذكور ولا في الثيبات من النساء٢٣ على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يعلن حتى يشهده أربعة٢٤ والغالب عليهن ألا يخالطن هذا القدر من العدد.
ثم الدلالة على دخول الكل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " ذكرهن على ما جرى به الذكر في القرآن ثم جمع في التفسير بين الكل ثبت أن الذكر قد يضمن الكل وذلك يبطل تأويل / ٨٤- أ/ من يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور ومتى يحتمل وجود ( الكل ) ٢٥ مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة والعار اللازم له ثم كشف ذلك لجميع محارمها ثم خوف الانتشار به ظاهر وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى ممكن من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها ؟
فتأويل من وجه الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف ثم المروي عن السنة ثم ( ما )٢٦ أجمع عليه أهل التأويل عمد صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينة الكتاب بالسنة ويحكم على الله تعالى وعلى رسوله بحجر هذا النوع.
وقوله عز وجل :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا ﴾ الآية ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة فكان الخطاب عليهم خرج ثم قد ثبتت٢٧ الفاحشة منهن ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدوا٢٨ بها. فعلى هذا أن ليس للأئمة تولي حد الزناة بعلمهم حتى يكون ثم شهود. وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهى إليه الفعلان من الزناة إذ ذلك أمر معلوم في ما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقته ذلك بالولد يكون فأما من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا تعلم حقيقته أبدا. يدل ذلك جميع الأمور التي منها المباح والمحظور إذ المحظور منه أبعد من الظهور والعلم من المباح.
فعلى ذلك أمر هذا مع ما أيد ما جعل من هذا الرمي وجهين :
أحدهما : الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك بما هتك ستر الله.
والثاني : فحش الشين بفاعل ذلك لزوم المسبة في صاحب ذلك وذلك معنى لزوم الشين، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال :" من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من أبدى صفحة أقمنا عليه حد الله " ( الموطأ ٢/ ٨٢٥ ) فإذا بلغ العمد الذي حده ما ذكرت من العقوبة من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى ظهر ذلك للجماعة يفعل ما يشينه فعله ما ذكرت استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك، وبقلة٢٩ حيائه حين أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل، فألزم من إليه ذلك القيام به لله. ثم جعل الله في ذلك عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله على ما علم من مصلحة الخلق بها وزجرهم وتفكيرهم بها. ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل أول عقوبة الزنى من نوع من الخلق ظاهرا يكسبون به عرض الدنيا في٣٠ ذلك في الإماء حتى قال تعالى :﴿ ولا تكرهوا فتاتيكم على البغاء ﴾ الآية ( النور ٣٣ ) وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزنى من الإماء حتى بلغ ظهور ذلك إلى أن يمازح به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن فنزل قوله سبحانه وتعالى :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ﴾ ( الأحزاب ٥٩ ).
وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت فعليهم٣١ خوف مواقعة الزنى وكذلك لكثرة ما يرين٣٢ أو يسمعن وذلك ( في وجهين :
أحدهما ) ٣٣ : معنى يبعث من شرهت نفسه وقل٣٤ تفكره في أمر عاقبته مما ينزل به أو يشينه وقد ركبت هذه الشهوة في كل البشر فخفف الله عقوبته في الابتداء أن جعل في الحبس والإمساك في البيوت ثم صار ذلك إلى الضرب لما يخرج الناس من بيوتهم ويعظم٣٥ ذلك في أعينهم وجعل في الشتم به الحد ليعرفوا عظم موقعه عند الله وينتهوا٣٦ عن فعله.
وقد جعل في ذلك في بعض الأحوال الرجم وهي الحال التي يزول فيها كل وجوه العذر وترتفع جميع معاني الشبه لعظم أمره.
والثاني : أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض ببعض ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة فغلب عليهم الأمر واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.
ثم في الحبس ( وجوه :
أحدهما ) ٣٧ : الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط وتلاقي الأبصار.
وا
١ في الأصل و م: كان..
٢ ساقطة من الأصل و م..
٣ من م في الأصل: وإلا..
٤ في الأصل و م: بوحي..
٥ في الأصل و م: وفيه..
٦ في الأصل و م: ما روي عن عسيف الرجل زنى بامرأة وقال انظر المسند ٤/١١٥..
٧ ساقطة من الأصل و م..
٨ في الأصل و م: إذا أحصن الرجل..
٩ في الأصل و م: اعترف..
١٠ في الأصل و م: يرجمهم..
١١ من م في الأصل: المهر..
١٢ في الأصل و م: لما..
١٣ ساقطة من الأصل و م..
١٤ ساقطة من الأصل و م..
١٥ ساقطة من الأصل و م..
١٦ ساقطة من الأصل و م..
١٧ في الأصل و م: الحر..
١٨ في الأصل و م: فيحبس..
١٩ في الأصل و م: يذكر..
٢٠ في الأصل و م: أو..
٢١ من م ساقطة من الأصل..
٢٢ في م الافتضاح..
٢٣ في الأصل و م: الناس..
٢٤ في الأصل و م: أربع..
٢٥ من م ساقطة من الأصل..
٢٦ ساقطة من الأصل و م..
٢٧ في الأصل و م: اثبت..
٢٨ في الأثل و م: فيشهدون..
٢٩ أدرج قبلها في الأصل و م: محله..
٣٠ من م في الأصل و في..
٣١ في الأصل و م: عليهم..
٣٢ في الأصل و م: يدين..
٣٣ ساقطة من الأصل و م..
٣٤ في الأصل و م: وقلة..
٣٥ في الأصل و م عظم..
٣٦ في الأصل و م: وانتهوا..
٣٧ في الأصل و م: وجهان أحدهما.
٢ ساقطة من الأصل و م..
٣ من م في الأصل: وإلا..
٤ في الأصل و م: بوحي..
٥ في الأصل و م: وفيه..
٦ في الأصل و م: ما روي عن عسيف الرجل زنى بامرأة وقال انظر المسند ٤/١١٥..
٧ ساقطة من الأصل و م..
٨ في الأصل و م: إذا أحصن الرجل..
٩ في الأصل و م: اعترف..
١٠ في الأصل و م: يرجمهم..
١١ من م في الأصل: المهر..
١٢ في الأصل و م: لما..
١٣ ساقطة من الأصل و م..
١٤ ساقطة من الأصل و م..
١٥ ساقطة من الأصل و م..
١٦ ساقطة من الأصل و م..
١٧ في الأصل و م: الحر..
١٨ في الأصل و م: فيحبس..
١٩ في الأصل و م: يذكر..
٢٠ في الأصل و م: أو..
٢١ من م ساقطة من الأصل..
٢٢ في م الافتضاح..
٢٣ في الأصل و م: الناس..
٢٤ في الأصل و م: أربع..
٢٥ من م ساقطة من الأصل..
٢٦ ساقطة من الأصل و م..
٢٧ في الأصل و م: اثبت..
٢٨ في الأثل و م: فيشهدون..
٢٩ أدرج قبلها في الأصل و م: محله..
٣٠ من م في الأصل و في..
٣١ في الأصل و م: عليهم..
٣٢ في الأصل و م: يدين..
٣٣ ساقطة من الأصل و م..
٣٤ في الأصل و م: وقلة..
٣٥ في الأصل و م عظم..
٣٦ في الأصل و م: وانتهوا..
٣٧ في الأصل و م: وجهان أحدهما.
جرت السنة في الإماء بحدهن من غير ذكر الحبس، وقد قال اللَّه سبحانه وتعالى: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)، والمذكور في الثيب يحتمل: يجلد في حال ويرجم في حال؛ إذ لا كل ثيب يجلد، وإن كان ثم نسخ بما ذكر من خبر ماعز وغيره.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَآذُوهُمَا) قيل: فآذوهما، بالحد.
وقيل: فآذوهما بالتعيير (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا) كُفوا عن ذلك. وقيل: سبوهما، لكن ذا قبيح، والتعيير أقرب.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)
يحتمل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ) كذا؛ أي: توفيق التوبة وهدايته على اللَّه - سبحانه وتعالى - إذا كانت نفسه ترغب فيها، وتميل إليها على اللَّه أن يوفقه على ذلك؛ إذا علم اللَّه منه أنه يتوب.
ويحتمل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) سبحانه وتعالى أي: قبول التوبة على اللَّه - تعالى - إذا تاب ورجع عما كان فيه وارتكبه.
وفي قوله -أيضًا-: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) لمن ذكر، يحتمل قبولها بمعنى أن الذي
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَآذُوهُمَا) قيل: فآذوهما، بالحد.
وقيل: فآذوهما بالتعيير (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا) كُفوا عن ذلك. وقيل: سبوهما، لكن ذا قبيح، والتعيير أقرب.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)
يحتمل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ) كذا؛ أي: توفيق التوبة وهدايته على اللَّه - سبحانه وتعالى - إذا كانت نفسه ترغب فيها، وتميل إليها على اللَّه أن يوفقه على ذلك؛ إذا علم اللَّه منه أنه يتوب.
ويحتمل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) سبحانه وتعالى أي: قبول التوبة على اللَّه - تعالى - إذا تاب ورجع عما كان فيه وارتكبه.
وفي قوله -أيضًا-: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) لمن ذكر، يحتمل قبولها بمعنى أن الذي
77
لا يُسَوِّفُ التوبة ولا ينتظر بها وقت المنع عن ركوب ما عنه يتوب والإياس من إمكان العود إلى ما عنه يتوب، فاللَّه يقبلها إذا كان ذلك دأبه وعادته.
وإن بلغ هو ذلك الضيق بأمر دفع إليه، أو كان يتوب من قريب من الذنب بألا يستخف به؛ فيترك الرجوع؛ لقلة مبالاته به، فلا يقبلها ممن هذا وصف توبته، وحال استخفافه بالذنب.
والثاني: أن يكون توفيق التوبة والهداية إليه ممن يفزعه ذنبه ويبعثه على الرجوع إلى اللَّه، والتعرض لرحمته وإحسانه، ولا يوفق من لا يبالي بالذي يذكر ولا يتضرع إليه.
وقيل: الأول في الصغائر، والثاني في الكبائر، والثالث في الكفر: بأن صاحب الصغيرة أرق قلبًا وأخص ذكرًا له ورجوعًا إلى ربه، وصاحب الكبيرة أقسى قلبًا من الأول وأظلم، فهو لا يندم إلا بعد شدة، وبعد طول المحنة وضيق القلب، فليس على اللَّه قبول توبة من يتوب في تلك الحال، ولا توبة من بأن منه ما يأمله بالذي عليه قبول ذلك، ولكن بفضله وبرحمته يقبل ويوفق له بما كان منه من الخيرات والحسنات التي هُن أسباب التقريب إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - والكافر لا يقبلها؛ إذ هو لا يتوب حتى يموت؛ فيستيقن بالعذاب، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن تكون هذه الأجرة في الكفار؛ فيكون فيهم من يظهر التوبة عند الضرورة والدفع إلى الحال التي يزول عنه وسع الإمكان، ويأنس من الإمهال؛ ليصل إلى ما كان له يذنب، فاللَّه لا يقبل توبته؛ إذ ليست في الحقيقة تَوْبَةُ مَمكَّنٍ، بل توبة مضطر، وتوبة دفع ما حل به، إذ هو وقت يشغل عن الاستدلال، وعن الوقوف على الأسباب من جهة التأمُّل والنظر، ولا يرى غير الذي أقبل عليه يظن أن له الخلاص بالذي يبدّل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)
وإن بلغ هو ذلك الضيق بأمر دفع إليه، أو كان يتوب من قريب من الذنب بألا يستخف به؛ فيترك الرجوع؛ لقلة مبالاته به، فلا يقبلها ممن هذا وصف توبته، وحال استخفافه بالذنب.
والثاني: أن يكون توفيق التوبة والهداية إليه ممن يفزعه ذنبه ويبعثه على الرجوع إلى اللَّه، والتعرض لرحمته وإحسانه، ولا يوفق من لا يبالي بالذي يذكر ولا يتضرع إليه.
وقيل: الأول في الصغائر، والثاني في الكبائر، والثالث في الكفر: بأن صاحب الصغيرة أرق قلبًا وأخص ذكرًا له ورجوعًا إلى ربه، وصاحب الكبيرة أقسى قلبًا من الأول وأظلم، فهو لا يندم إلا بعد شدة، وبعد طول المحنة وضيق القلب، فليس على اللَّه قبول توبة من يتوب في تلك الحال، ولا توبة من بأن منه ما يأمله بالذي عليه قبول ذلك، ولكن بفضله وبرحمته يقبل ويوفق له بما كان منه من الخيرات والحسنات التي هُن أسباب التقريب إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - والكافر لا يقبلها؛ إذ هو لا يتوب حتى يموت؛ فيستيقن بالعذاب، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن تكون هذه الأجرة في الكفار؛ فيكون فيهم من يظهر التوبة عند الضرورة والدفع إلى الحال التي يزول عنه وسع الإمكان، ويأنس من الإمهال؛ ليصل إلى ما كان له يذنب، فاللَّه لا يقبل توبته؛ إذ ليست في الحقيقة تَوْبَةُ مَمكَّنٍ، بل توبة مضطر، وتوبة دفع ما حل به، إذ هو وقت يشغل عن الاستدلال، وعن الوقوف على الأسباب من جهة التأمُّل والنظر، ولا يرى غير الذي أقبل عليه يظن أن له الخلاص بالذي يبدّل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)
78
هذا -أيضًا- يحتمل وجهين:
يحتمل جهل الفعل؛ فيقع فيه من غير قصد.
ويحتمل: قصد الفعل، والجهل بموقع الفعل.
والعمل بجهالة يخرَّج على وجوه: يكون عن غلبة: تغلب عليه شهوته؛ فيعمل ذلك العمل على طمع منه أنه سيتوب من بعد، ويصير رجلاً صالحًا؛ على ما فعل إخوة يوسف، حيث قالوا: (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) ثم سماهم جهلة بذلك في آية أخرى، حيث قال لهم: (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ).
ويحتمل العمل بالجهالة: هو أن يعمل على طمع المغفرة، ويتكل على رحمة اللَّه وكرمه.
ويحتمل العمل بالجهالة: جهالة عقوبة عمله على ذلك.
وكذلك الخطأ والنسيان على وجهين: خطأ الفعل: وهو الذي ليس بصواب ولا رشد.
وخطأ القصد عمد الفعل: وهو الذي قصد أحدًا فأصاب غيره.
والنسيان على وجهين -أيضًا-:
نسيان ترك: وهو الذي يجوز أن يضاف إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - بحال؛ كذلك الجهالة، واللَّه أعلم.
والأصل في الشيء المنسي أنه متروك، فسمي المتروك من الرحمة والكرامة منسيًّا؛ فتجوز الإضافة إلى اللَّه - تعالى - من هذا الوجه.
وقيل: نزل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ...) الآية - في المؤمنين.
وقوله:
يحتمل جهل الفعل؛ فيقع فيه من غير قصد.
ويحتمل: قصد الفعل، والجهل بموقع الفعل.
والعمل بجهالة يخرَّج على وجوه: يكون عن غلبة: تغلب عليه شهوته؛ فيعمل ذلك العمل على طمع منه أنه سيتوب من بعد، ويصير رجلاً صالحًا؛ على ما فعل إخوة يوسف، حيث قالوا: (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) ثم سماهم جهلة بذلك في آية أخرى، حيث قال لهم: (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ).
ويحتمل العمل بالجهالة: هو أن يعمل على طمع المغفرة، ويتكل على رحمة اللَّه وكرمه.
ويحتمل العمل بالجهالة: جهالة عقوبة عمله على ذلك.
وكذلك الخطأ والنسيان على وجهين: خطأ الفعل: وهو الذي ليس بصواب ولا رشد.
وخطأ القصد عمد الفعل: وهو الذي قصد أحدًا فأصاب غيره.
والنسيان على وجهين -أيضًا-:
نسيان ترك: وهو الذي يجوز أن يضاف إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - بحال؛ كذلك الجهالة، واللَّه أعلم.
والأصل في الشيء المنسي أنه متروك، فسمي المتروك من الرحمة والكرامة منسيًّا؛ فتجوز الإضافة إلى اللَّه - تعالى - من هذا الوجه.
وقيل: نزل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ...) الآية - في المؤمنين.
وقوله:
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ | (١٨) إلى آخر الآية، في |