تفسير سورة سورة النساء من كتاب صفوة التفاسير
المعروف بـصفوة التفاسير
.
لمؤلفه
محمد علي الصابوني
.
ﰡ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
ﰀ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ
ﰁ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ
ﰂ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ
ﰃ
ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ
ﰄ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ
ﰅ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ
ﰆ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ
ﰇ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ
ﰈ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ
ﰉ
اللغَة: ﴿بَثَّ﴾ نشر وفرّق ومنه ﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ [الغاشية: ١٦] ﴿الأرحام﴾ جمع رحم وهو في الأصل مكان تكون الجنين في بطن أمه ثم أطلق على القرابة ﴿رَقِيباً﴾ الرقيب: الحفيظ المطّلع على الأعمال ﴿حُوباً﴾ الحُوْب: الذنب والإِثم ﴿تَعُولُواْ﴾ تميلوا وتجوروا يقال: عال الميزان إِذا مال، وعال الحاكم إِذا جار ﴿صَدُقَاتِهِنَّ﴾ جمع صَدُقة وهو المهر ﴿نِحْلَةً﴾ هبة وعطية ﴿السفهآء﴾ ضعفاء العقول والمراد به هنا المبذّرون للأموال ﴿آنَسْتُمْ﴾ أبصرتم من آنس الشيءَ أبصره ﴿وَبِدَاراً﴾ أي مبادرة بمعنى مسارعة أي يسارع في تبذيرها قبل أن يكبر فيتسلمها منه ﴿سَدِيداً﴾ من السداد بمعنى الاستقامة.
سَبَبُ النّزول: أ - عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ﴾ فقالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليّها تَشركْه في ماله، ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوجها بغير أن يُقسط في صِداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن ذلك إِلاّ أن يُقْسطوا لهنَّ ويبلغوا لهنَّ أعلى سنتهن في الصَّداق، فأُمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهنّ، وإِن الناس استفتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد هذه الآية فأنزل الله ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النسآء﴾ الآية.
ب - عن مقاتل بن حيان أن رجلاً من غطفان يقال له «مرثد بن زيد» وليَ مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله فأنزل الله ﴿إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً... ﴾ الآية.
التفِسير: افتتح الله جل ثناؤه سورة النساء بخطاب الناس جميعاً ودعوتهم إِلى عبادة الله وحده لا شريك له، منبهاً لهم على قدرته، ووحدانيته فقال ﴿ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أي خافوا الله الذي أنشأكم من أصلٍ واحد وهو نفس أبيكم آدم ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ أي أوجد من تلك النفس الواحدة زوجها وهي حواء ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً﴾ أي نشر وفرّق من آدم وحواء خلائق كثيرين ذكوراً وإِناثاً ﴿واتقوا الله الذي تَسَآءَلُونَ بِهِ والأرحام﴾ أي خافوا الله الذي يناشد بعضكم بعضاً به حيث يقول: أسألك بالله، وأنشدك بالله، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ﴿إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ أي حفيظاً مطلعاً على جميع أحوالكم وأعمالكم، وقد أكد تعالى الأمر بتقوى الله في موطنين: في أول الآية، وفي آخرها ليشير إِلى عظم حق الله على عباده، كما قرن تعالى بين التقوى وصلة الرحم ليدل على أهمية هذه الرابطة الإِنسانية، فالناس جميعاً من أصل واحد، وهم
سَبَبُ النّزول: أ - عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ﴾ فقالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليّها تَشركْه في ماله، ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوجها بغير أن يُقسط في صِداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن ذلك إِلاّ أن يُقْسطوا لهنَّ ويبلغوا لهنَّ أعلى سنتهن في الصَّداق، فأُمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهنّ، وإِن الناس استفتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد هذه الآية فأنزل الله ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النسآء﴾ الآية.
ب - عن مقاتل بن حيان أن رجلاً من غطفان يقال له «مرثد بن زيد» وليَ مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله فأنزل الله ﴿إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً... ﴾ الآية.
التفِسير: افتتح الله جل ثناؤه سورة النساء بخطاب الناس جميعاً ودعوتهم إِلى عبادة الله وحده لا شريك له، منبهاً لهم على قدرته، ووحدانيته فقال ﴿ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أي خافوا الله الذي أنشأكم من أصلٍ واحد وهو نفس أبيكم آدم ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ أي أوجد من تلك النفس الواحدة زوجها وهي حواء ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً﴾ أي نشر وفرّق من آدم وحواء خلائق كثيرين ذكوراً وإِناثاً ﴿واتقوا الله الذي تَسَآءَلُونَ بِهِ والأرحام﴾ أي خافوا الله الذي يناشد بعضكم بعضاً به حيث يقول: أسألك بالله، وأنشدك بالله، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ﴿إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ أي حفيظاً مطلعاً على جميع أحوالكم وأعمالكم، وقد أكد تعالى الأمر بتقوى الله في موطنين: في أول الآية، وفي آخرها ليشير إِلى عظم حق الله على عباده، كما قرن تعالى بين التقوى وصلة الرحم ليدل على أهمية هذه الرابطة الإِنسانية، فالناس جميعاً من أصل واحد، وهم
236
إِخوة في الإِنسانية والنسب، ولو أدرك الناس هذا لعاشوا في سعادة وأمان، ولما كانت هناك حروب طاحنة مدمرة تلتهب الأخضر واليابس، وتقضي على الكهل والوليد، ثم ذكر تعالى اليتامى فأوصى بهم خيراً وأمر بالمحافظة على أموالهم فقال ﴿وَآتُواْ اليتامى أَمْوَالَهُمْ﴾ أي أعطوا اليتامى الذين مات آباؤهم وهم صغار أموالهم إِذا بلغوا ﴿وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الخبيث بالطيب﴾ أي لا تستبدلوا الحرام وهو مال اليتامى بالحلال وهو مالكم ﴿وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ إِ﴾ أي لا تخلطوا أموال اليتامى بأموالكم فتأكلوها جميعاً ﴿نَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً﴾ أي ذنباً عظيماً، فإِن اليتيم بحاجة إِلى رعاية وحماية لأنه ضعيف، وظلم الضعيف ذنب عظيم عند الله، ثم أرشد تعالى إِلى ترك التزوج من اليتيمة إِذا لم يعطها مهر المثل فقال ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى﴾ أي إِذا كانت تحت حَجْر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهثر مثلها فليتركها إِلى ما سواها فإِن النساء كثير ولم يضيّق الله عليه ﴿فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾ أي انكحوا ما شئتم من النساء سواهنَّ إِن شاء أحدكم اثنتين وإِن شاء ثلاثاً وإِن شاء أربعاً ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً﴾ أي إِن خفتم من عدم العدول بين الزوجات فالزموا الاقتصار على واحدة ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أي اقتصروا على نكاح الإِماء لملك اليمين إِذ ليس لهن من الحقوق كما للزوجات ﴿ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ﴾ أي ذلك الاقتصار على الواحدة أو على ملك اليمين أقرب ألا تميلوا وتجوروا ﴿وَآتُواْ النسآء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ أي أعطوا النساء مهورهنّ عطيةً عن طيب نفسٍ ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً﴾ أي فإِن طابت نفوسهن بهبة شيءٍ من الصَّداق ﴿فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً﴾ أي فخذوا ذلك الشيء الموهوب حلالاً طيباً ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السفهآء أَمْوَالَكُمُ التي جَعَلَ الله لَكُمْ قِيَاماً﴾ أي لا تعطوا المبذرين من اليتامى أموالهم التي جعلها الله قياماً للأبدان ولمعايشكم فيضيعوها قال ابن عباس: السفهاء هم الصبيان والنساء قال الطبري: لا تؤتِ سفيهاً ماله وهو الذي يفسده بسوء تدبيره، صبياً كان أو رجلاً، ذكراً كان أو أنثى ﴿وارزقوهم فِيهَا واكسوهم﴾ أي أطعموهم منها واكسوهم ﴿وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ أي قولاً ليناً كقولكم إِذا رَشَدْتم سلمنا إِليكم أموالكم ﴿وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ﴾ أي اختبروا اليتامى حتى إِذا بلغوا سنَّ النكاح وهو بلوغ الحلم الذي يصلحون عنده للنكاح ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فادفعوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ أي إِن أبصرتم منهم صلاحاً في دينهم ومالهم فادفعوا إِِليهم أموالهم بدون تأخير ﴿وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ﴾ أي لا تسرعوا في إِنفاقها وتبذّروها قائلين ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا ﴿وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ أي من كان منكم غنياً أيها الأولياء فليعف عن مال اليتيم ولا يأخذ أجراً على وصايته ﴿وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بالمعروف﴾ أي ومن كان فقيراً فليأخذ بقدر حاجته الضرورية وبقدر أجرة عمله ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ﴾ أي فإِذا سلمتم إِلى اليتامى أموالهم بعد بلوغهم الرشد فأشهدوا على ذلك لئلا يجحدوا تسلمها ﴿وكفى بالله حَسِيباً﴾ أي كفى بالله محاسباً ورقيباً، ثم بيّن الله تعالى أن للرجال والنساء نصيباً من تركة الأقرباء فقال {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ
237
مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون} أي للأولاد والأقرباء حظ من تركه الميت كما للبنات والنساء حظ أيضاً الجميع فيه سواء يستوون في أصل الوارثة وإِن تفاوتوا في قدرها، وسببها أن بعض العرب كانوا لا يورثّون النساء والأطفال وكانوا يقولون: إنما يرث من يحارب ويذبُّ عن الحوزة فأبطل الله حكم الجاهلية ﴿مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ﴾ أي سواء كانت التركة قليلة أو كثيرة ﴿نَصِيباً مَّفْرُوضاً﴾ أي نصيباً مقطوعاً فرضه الله بشرعه العادل وكتابه المبين ﴿وَإِذَا حَضَرَ القسمة أُوْلُواْ القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم مِّنْهُ﴾ أي إِذا حضر قسمة التركة الفقراء من قرابة الميت واليتامى والمساكين من غير الوارثين فأعطوهم شيئاً من هذه التركة تطييباً لخاطرهم ﴿وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ أي قولاً جميلاً بأن تعتذروا إِليهم أنه للصغار وأنكم لا تملكونه ﴿وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ﴾ نزلت في الأوصياء أي تذكر أيها الوصي ذريتك الضعاف من بعدك وكيف يكون حالهم وعامل اليتامى الذين في حَجْرك بمثل ما تريد أن يُعامل به أبناؤك بعد فقدك ﴿فَلْيَتَّقُواّ الله وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً﴾ أي فليتقوا الله في أمر اليتامى وليقولوا لهم ما يقولونه لأولادهم من عبارات العطف والحنان ﴿إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً﴾ أي يأكلونها بدون حق ﴿إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً﴾ أي ما يأكلون في الحقيقة إِلا ناراً تتأجج في بطونهم يوم القيامة ﴿وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾ أي سيدخلون ناراً هائلة مستعرة وهي نار السعير.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات من ضروب الفصاحة والبيان ما يلي:
١ - الطباق في ﴿غَنِيّاً فَقِيراً﴾ وفي ﴿قَلَّ كَثُرَ﴾ وفي ﴿رِجَالاً وَنِسَآءً﴾ وفي ﴿الخبيث الطيب﴾.
٢ - والجناس المغاير في ﴿دَفَعْتُمْ فادفعوا﴾ وفي ﴿وَقُولُواْ قَوْلاً﴾.
٣ - والإِطناب في ﴿فادفعوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ.... فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ وفي ﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان.... وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون﴾.
٤ - والمجاز المرسل في ﴿وَآتُواْ اليتامى أَمْوَالَهُمْ﴾ أي الذين كانوا يتامى فهو باعتبار ما كان وكذلك ﴿يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً﴾ مجاز مرسل وهو باعتبار ما يئول إِليه كقوله ﴿إني أراني أَعْصِرُ خَمْراً﴾ [يوسف: ٣٦] أي عنباً يئول إٍلى الخمر.
٥ - المقابلة اللطيفة بين ﴿وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ.. وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بالمعروف﴾.
٦ - والإِيجاز في مواضع مثل ﴿رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً﴾ أي ونساء كثيرات... الخ.
الفوَائِد: الأولى: في الافتتاح بتذكير الناس أنهم خلقوا من نفسٍ واحدة تمهيد جميل وبراعة مطلع لما في السورة من أحكام الأنكحة والمواريث والحقوق الزوجية وأحكام المصاهرة والرضاع وغيرها من الأحكام الشرعية.
الثانية: الأغلب أنه إِذا كان الخطاب ب ﴿ياأيها الناس﴾ وكان للكافرين فقط أو للكافرين وغيرهم أُعقب بدلائل الوحدانية والربوبية مثل ﴿يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: ٢١] و {ياأيها الناس إِنَّ
البَلاَغَة: تضمنت الآيات من ضروب الفصاحة والبيان ما يلي:
١ - الطباق في ﴿غَنِيّاً فَقِيراً﴾ وفي ﴿قَلَّ كَثُرَ﴾ وفي ﴿رِجَالاً وَنِسَآءً﴾ وفي ﴿الخبيث الطيب﴾.
٢ - والجناس المغاير في ﴿دَفَعْتُمْ فادفعوا﴾ وفي ﴿وَقُولُواْ قَوْلاً﴾.
٣ - والإِطناب في ﴿فادفعوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ.... فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ وفي ﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان.... وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون﴾.
٤ - والمجاز المرسل في ﴿وَآتُواْ اليتامى أَمْوَالَهُمْ﴾ أي الذين كانوا يتامى فهو باعتبار ما كان وكذلك ﴿يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً﴾ مجاز مرسل وهو باعتبار ما يئول إِليه كقوله ﴿إني أراني أَعْصِرُ خَمْراً﴾ [يوسف: ٣٦] أي عنباً يئول إٍلى الخمر.
٥ - المقابلة اللطيفة بين ﴿وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ.. وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بالمعروف﴾.
٦ - والإِيجاز في مواضع مثل ﴿رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً﴾ أي ونساء كثيرات... الخ.
الفوَائِد: الأولى: في الافتتاح بتذكير الناس أنهم خلقوا من نفسٍ واحدة تمهيد جميل وبراعة مطلع لما في السورة من أحكام الأنكحة والمواريث والحقوق الزوجية وأحكام المصاهرة والرضاع وغيرها من الأحكام الشرعية.
الثانية: الأغلب أنه إِذا كان الخطاب ب ﴿ياأيها الناس﴾ وكان للكافرين فقط أو للكافرين وغيرهم أُعقب بدلائل الوحدانية والربوبية مثل ﴿يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: ٢١] و {ياأيها الناس إِنَّ
238
وَعْدَ الله حَقٌّ} [فاطر: ٥] وإِذا كان الخطاب للمؤمنين أُعقب بذكر النعم كما هنا أفاده صاحب البحر.
الثالثة: ذكْرُ البطون مع أن الأكل لا يكون إِلا فيها للتأكيد والمبالغة فهو كقولك: أبصرتُ بعيني وسمعت بأذني ومثله قوله تعالى ﴿ذلكم قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤].
الرابعة: أضاف تعالى أموال اليتامى إِلى الأوصياء مع أنها أموال اليتامى للتنبيه إِلى «التكافل بين الأمة» والحث على حفظ الأموال وعدم تضييعها فإِن تبذير السفيه للمال فيه مضرّة للمجتمع كله.
«كلمة حول تعدد الزوجات»
مسألة تعدد الزوجات ضرورة اقتضتها ظروف الحياة وهي ليست تشريعاً جديداً انفرد به الإِسلام، وإِنما جاء الإِسلام فوجده بلا قيود ولا حدود وبصورة غير إِنسانية فنظّمه وشذّبه وجعله علاجاً ودواءً لبعض الحالات الاضطرارية التي يعاني منها المجتمع وفي الحقيقة فإِن تشريع التعدد مفخرة من مفاخر الإِسلام لأنه استطاع أن يحل «مشكلة اجتماعية» هي من أعقد المشاكل التي تعانيها الأمم والمجتمعات اليوم فلا تجد لها حلاً.. إِن المجتمع كالميزان يجب أن تتعادل كفتاه فماذا نصنع حين يختل التوازن ويصبح عدد النساء أضعاف عدد الرجال؟ أنحرم المرأة من نعمة الزوجية و «نعمة الأمومة» ونتركها تسلك طريق الفاحشة والرذيلة، أم نحل هذه المشكلة بطرق فاضلة نصون فيها كرامة المرأة وطهارة الاسرة وسلامة المجتمع؟ وأقرب الأمثلة شاداً على ما نقول ما حدث في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية حيث زاد عدد النساء زيادة فاحشة على عدد الرجال فأصبح مقابل كل شاب ثلاث فتيات وهي حالة اختلال اجتماعي فكيف يواجهها المشرّع؟ لقد حلّ الإِسلام المشكلة بتشريعه الإِسلامي الرائع، بينما وقفت المسيحية حائرةً مكتوفة الأيدي لا تُبدي ولا تُعيد.. إِن الرجل الأوربي لا يبيح له دينه التعدد، لكنه يبيح لنفسه مصاحبة المئات من الفتيات بطريق الرذيلة، يرى الوالد منهم فتاته مع عشيقها فيُسرّ ويغتبط بل ويمهدّ لهما جميع السبل المؤدية لراحتهما حتى أصبح ذلك عرفاً سارياً اضطرت معه الدول إِلى الاعتراف بمشروعية العلاقات الآئمة بين الجنسين ففتحت باب التدهور الخلقي على مصراعيه، ووافقت على قبول مبدأ «تعدد الزوجات» ولكن تحت ستار المخادنة وهو زواج حقيقي لكنه غير مسجل بعقد، ويستطيع الرجل أن يطردها متى شاء دون أن يتقيد حيالها بأي حق من الحقوق، والعلاقة بينهما علاقة جسد لا علاقة أسرة وزوجية، فأعجب من منع «تعدد الزوجات» بالحلال وإِباحته بالحرام حتى نزلوا بالمرأة من مرتبة الإِنسانية إِلى مرتبة الحيوانية.
الثالثة: ذكْرُ البطون مع أن الأكل لا يكون إِلا فيها للتأكيد والمبالغة فهو كقولك: أبصرتُ بعيني وسمعت بأذني ومثله قوله تعالى ﴿ذلكم قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤].
الرابعة: أضاف تعالى أموال اليتامى إِلى الأوصياء مع أنها أموال اليتامى للتنبيه إِلى «التكافل بين الأمة» والحث على حفظ الأموال وعدم تضييعها فإِن تبذير السفيه للمال فيه مضرّة للمجتمع كله.
«كلمة حول تعدد الزوجات»
مسألة تعدد الزوجات ضرورة اقتضتها ظروف الحياة وهي ليست تشريعاً جديداً انفرد به الإِسلام، وإِنما جاء الإِسلام فوجده بلا قيود ولا حدود وبصورة غير إِنسانية فنظّمه وشذّبه وجعله علاجاً ودواءً لبعض الحالات الاضطرارية التي يعاني منها المجتمع وفي الحقيقة فإِن تشريع التعدد مفخرة من مفاخر الإِسلام لأنه استطاع أن يحل «مشكلة اجتماعية» هي من أعقد المشاكل التي تعانيها الأمم والمجتمعات اليوم فلا تجد لها حلاً.. إِن المجتمع كالميزان يجب أن تتعادل كفتاه فماذا نصنع حين يختل التوازن ويصبح عدد النساء أضعاف عدد الرجال؟ أنحرم المرأة من نعمة الزوجية و «نعمة الأمومة» ونتركها تسلك طريق الفاحشة والرذيلة، أم نحل هذه المشكلة بطرق فاضلة نصون فيها كرامة المرأة وطهارة الاسرة وسلامة المجتمع؟ وأقرب الأمثلة شاداً على ما نقول ما حدث في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية حيث زاد عدد النساء زيادة فاحشة على عدد الرجال فأصبح مقابل كل شاب ثلاث فتيات وهي حالة اختلال اجتماعي فكيف يواجهها المشرّع؟ لقد حلّ الإِسلام المشكلة بتشريعه الإِسلامي الرائع، بينما وقفت المسيحية حائرةً مكتوفة الأيدي لا تُبدي ولا تُعيد.. إِن الرجل الأوربي لا يبيح له دينه التعدد، لكنه يبيح لنفسه مصاحبة المئات من الفتيات بطريق الرذيلة، يرى الوالد منهم فتاته مع عشيقها فيُسرّ ويغتبط بل ويمهدّ لهما جميع السبل المؤدية لراحتهما حتى أصبح ذلك عرفاً سارياً اضطرت معه الدول إِلى الاعتراف بمشروعية العلاقات الآئمة بين الجنسين ففتحت باب التدهور الخلقي على مصراعيه، ووافقت على قبول مبدأ «تعدد الزوجات» ولكن تحت ستار المخادنة وهو زواج حقيقي لكنه غير مسجل بعقد، ويستطيع الرجل أن يطردها متى شاء دون أن يتقيد حيالها بأي حق من الحقوق، والعلاقة بينهما علاقة جسد لا علاقة أسرة وزوجية، فأعجب من منع «تعدد الزوجات» بالحلال وإِباحته بالحرام حتى نزلوا بالمرأة من مرتبة الإِنسانية إِلى مرتبة الحيوانية.
ربّ إِن الهُدى هُداك وأيا | تلك حق تهدي بها من تشاء |
٨ - جناس الاشتقاق في ﴿نَلْعَنَهُمْ.. وَلَعَنَّآ﴾ وفي ﴿يُؤْتُونَ | آتَاهُمُ﴾ وفي ﴿ظِلاًّ ظَلِيلاً﴾. |
259
ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ
ﰹ
ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ
ﰺ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﰻ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ
ﰼ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ
ﰽ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ
ﰾ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ
ﰿ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ
ﱀ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ
ﱁ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳ
ﱂ
ﭵﭶﭷ
ﱃ
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ
ﱄ
ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ
ﱅ
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى حال اليهود وما هم عليه من الحسد والعناد والجحود، وذكر ما أعده لهم من العذاب والنكال في الآخرة، أعقبه بتوجيه المؤمنين إِلى طريق السعادة بطاعة الله ورسوله وأداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس، ثم ذكر صفات المنافقين التي ينبغي الحذر منها والبعد عنها.
اللغَة: ﴿نِعِمَّا﴾ أصلها نعم ما أي نعم الشيء يعظكم به ﴿تَأْوِيلاً﴾ مآلاً وعاقبة ﴿يَزْعُمُونَ﴾ الزعم: الاعتقاد الظني قال الليث: أهل العربية يقولون: زعم فلان إِذا شكُّوا فيه فلم يعرفوا أَكَذَب أو صدَقَ وقال ابن دريد: أكثر ما يقع على الباطل ومنه قولهم «زعموا مطيّّةُ الكذب» ﴿تَوْفِيقاً﴾ تأليفاً والوفاق والوَفْق ضد المخالفة ﴿بَلِيغاً﴾ مؤثراً ﴿شَجَرَ﴾ اختلف واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه واختلاط بعضها في بعض ﴿حَرَجاً﴾ ضيقاً وشكاً قال الواحدي: يقال للشجر الملتف الذي لا يكاد يوصل إِليه حرج.
سَبَبُ النّزول: أ - روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما دخل مكة يوم الفتح أغلق «عثمان بن طلحة» باب الكعبة وصعد السطح وأبي أن يدفع المفتاح لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال: لو علمتُ أنه رسول الله لم أمنعه فلوى عليٌّ يده وأخذه منه وفتح بابها فدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وصلى ركعتين فلما خرج أمر علياً أن يردّ المفتاح إِلى عثمان بن طلحة ويعتذر إِليه فقال له عثمان: آذيتَ وأكرهت ثم جئتَ تترفق!! فقال لقد أنزل الله في شأنك قرآناً ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا... ﴾ وقرأ عليه الآية
اللغَة: ﴿نِعِمَّا﴾ أصلها نعم ما أي نعم الشيء يعظكم به ﴿تَأْوِيلاً﴾ مآلاً وعاقبة ﴿يَزْعُمُونَ﴾ الزعم: الاعتقاد الظني قال الليث: أهل العربية يقولون: زعم فلان إِذا شكُّوا فيه فلم يعرفوا أَكَذَب أو صدَقَ وقال ابن دريد: أكثر ما يقع على الباطل ومنه قولهم «زعموا مطيّّةُ الكذب» ﴿تَوْفِيقاً﴾ تأليفاً والوفاق والوَفْق ضد المخالفة ﴿بَلِيغاً﴾ مؤثراً ﴿شَجَرَ﴾ اختلف واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه واختلاط بعضها في بعض ﴿حَرَجاً﴾ ضيقاً وشكاً قال الواحدي: يقال للشجر الملتف الذي لا يكاد يوصل إِليه حرج.
سَبَبُ النّزول: أ - روي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما دخل مكة يوم الفتح أغلق «عثمان بن طلحة» باب الكعبة وصعد السطح وأبي أن يدفع المفتاح لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال: لو علمتُ أنه رسول الله لم أمنعه فلوى عليٌّ يده وأخذه منه وفتح بابها فدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وصلى ركعتين فلما خرج أمر علياً أن يردّ المفتاح إِلى عثمان بن طلحة ويعتذر إِليه فقال له عثمان: آذيتَ وأكرهت ثم جئتَ تترفق!! فقال لقد أنزل الله في شأنك قرآناً ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا... ﴾ وقرأ عليه الآية
260
فأسلم عثمان فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا يأخذها منكم إِلا ظالم».
ب - عن ابن عباس أن رجلاً من المنافقين يقال له «بِشْر» كان بينه وبين يهودي خصومةٌ فقال اليهودي: تعال نتحاكم إِلى محمد فقال المنافق: بل نتحاكم إِلى «كعب بن الأشرف» - وهو الذي سماه الله الطاغوت - فأبى اليهودي أن يخاصمه إِلا إِلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقضى رسول الله لليهودي على المنافق، فلما خرج من عنده لم يرض المنافق وقال: تعالى نتحاكمْ إِلى عمر بن الخطاب فأتيا عمر فقال اليهودي: كان بيني وبين هذا خصومة فتحاكمنا إِلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه يخاصمني إِليك فقال عمر للمنافق: أكذلك هو؟ فقال: نعم فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إِليكما فدخل عمر فاشتمل عليه سيفه ثم خرج فضرب به المنافق حتى برد - أي مات - وقال: هكذا أقضي فيمن لم يرض بقضاء الله ورسوله فنزلت الآية ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ.
.﴾ الآية.
التفِسير: ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا﴾ الخطاب عام لجميع المكلفين كما أن الأمانات تعم جميع الحقوق المتعلقة بالذمم سواءً كانت حقوق الله أو العباد قال الزمخشري: الخطاب عام لكل أحد في كل أمانة، والمعنى يأمركم الله أيها المؤمنون بأداء الأمانات إِلى أربابها قال ابن كثير: يأمر تعالى بأداء الأمانات إِلى أهلها وهو يعم جميع الأمانات الواجبة على الإِنسان من حقوق الله عَزَّ وَجَلَّ على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات وغيرها، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغيرها ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ الناس أَن تَحْكُمُواْ بالعدل﴾ أي ويأمركم أن تعدلوا بين الناس في أحكامكم ﴿إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ أي نعم الشيء الذي يعظكم به ﴿إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ فيه وعد ووعيد أي سميع لأقوالكم بصير بأفعالكم ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ﴾ أي أطيعوا الله وأطيعوا رسوله بالتمسك بالكتاب والسنة، وأطيعو الحكام إِذا كانوا مسلمين متمسكين بشرع الله إِذ لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، وفي قوله ﴿مِنْكُمْ﴾ دليل على أن الحكام الذين تجب طاعتهم يجب أن يكونوا مسلمين حسّاً ومعنى، لحماً ودماً، لا أن يكونوا مسلمين صورة وشكلاً ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول﴾ أي فإِن اختلفتم في أمرٍ من الأمور فاحتكموا فيه إِلى كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر﴾ أي إِن كنتم مؤمنين حقاً وهو شرط حذف جوابه لدلالة ما سبق أي فردوه إِلى الله والرسول والغرض منه الحث على التمسك بالكتاب والسنة كما يقول القائل: إِن كنت ابني فلا تخالفني ﴿ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ أي الرجوع إِلى كتاب الله وسنة رسوله خير لكم وأصلح وأحسن عاقبة ومآلاً.. ثم ذكر تعالى صفات المنافقين الذين يدّعون الإِيمان وقلوبهم خاوية منه فقال {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين
ب - عن ابن عباس أن رجلاً من المنافقين يقال له «بِشْر» كان بينه وبين يهودي خصومةٌ فقال اليهودي: تعال نتحاكم إِلى محمد فقال المنافق: بل نتحاكم إِلى «كعب بن الأشرف» - وهو الذي سماه الله الطاغوت - فأبى اليهودي أن يخاصمه إِلا إِلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقضى رسول الله لليهودي على المنافق، فلما خرج من عنده لم يرض المنافق وقال: تعالى نتحاكمْ إِلى عمر بن الخطاب فأتيا عمر فقال اليهودي: كان بيني وبين هذا خصومة فتحاكمنا إِلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه يخاصمني إِليك فقال عمر للمنافق: أكذلك هو؟ فقال: نعم فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إِليكما فدخل عمر فاشتمل عليه سيفه ثم خرج فضرب به المنافق حتى برد - أي مات - وقال: هكذا أقضي فيمن لم يرض بقضاء الله ورسوله فنزلت الآية ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ.
.﴾ الآية.
التفِسير: ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا﴾ الخطاب عام لجميع المكلفين كما أن الأمانات تعم جميع الحقوق المتعلقة بالذمم سواءً كانت حقوق الله أو العباد قال الزمخشري: الخطاب عام لكل أحد في كل أمانة، والمعنى يأمركم الله أيها المؤمنون بأداء الأمانات إِلى أربابها قال ابن كثير: يأمر تعالى بأداء الأمانات إِلى أهلها وهو يعم جميع الأمانات الواجبة على الإِنسان من حقوق الله عَزَّ وَجَلَّ على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات وغيرها، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغيرها ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ الناس أَن تَحْكُمُواْ بالعدل﴾ أي ويأمركم أن تعدلوا بين الناس في أحكامكم ﴿إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ أي نعم الشيء الذي يعظكم به ﴿إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ فيه وعد ووعيد أي سميع لأقوالكم بصير بأفعالكم ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ﴾ أي أطيعوا الله وأطيعوا رسوله بالتمسك بالكتاب والسنة، وأطيعو الحكام إِذا كانوا مسلمين متمسكين بشرع الله إِذ لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، وفي قوله ﴿مِنْكُمْ﴾ دليل على أن الحكام الذين تجب طاعتهم يجب أن يكونوا مسلمين حسّاً ومعنى، لحماً ودماً، لا أن يكونوا مسلمين صورة وشكلاً ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول﴾ أي فإِن اختلفتم في أمرٍ من الأمور فاحتكموا فيه إِلى كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر﴾ أي إِن كنتم مؤمنين حقاً وهو شرط حذف جوابه لدلالة ما سبق أي فردوه إِلى الله والرسول والغرض منه الحث على التمسك بالكتاب والسنة كما يقول القائل: إِن كنت ابني فلا تخالفني ﴿ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ أي الرجوع إِلى كتاب الله وسنة رسوله خير لكم وأصلح وأحسن عاقبة ومآلاً.. ثم ذكر تعالى صفات المنافقين الذين يدّعون الإِيمان وقلوبهم خاوية منه فقال {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين
261
يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} تعجيبٌ من أمر من يدّعي الإِيمان ثم لا يرضى بحكم الله أي ألا تعجب من صنيع هؤلاء المنافقين الذين يزعمون الإِيمان بما أنزل إِليك وهو القرآن وما أنزل من قبلك وهو التوراة والإِنجيل ﴿يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت﴾ أي يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إِلى الطاغوت قال ابن عباس هو «كعب بن الأشرف» أحد طغاة اليهود سمي به لإِفراطه في الطغيان وعداوته للرسول عليه السلام ﴿وَقَدْ أمروا أَن يَكْفُرُواْ بِهِ﴾ أي والحال أنهم قد أمروا بالإِيمان بالله والكفر بما سواه كقوله ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت وَيْؤْمِن بالله فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى﴾ [البقرة: ٢٥٦] ﴿وَيُرِيدُ الشيطان أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً﴾ أي ويريد الشيطان بما زيّن لهم أن يحرفهم عن الحق والهدى ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَآ أَنزَلَ الله وَإِلَى الرسول﴾ أي وإِذا قيل لأولئك المنافقين تعالوا فتحاكموا إِلى كتاب الله وإِلى رسول ليفصل بينكم فيما تنازعتم فيه ﴿رَأَيْتَ المنافقين يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً﴾ أي رأيتهم لنفاقهم يعرضون عنك إِعراضاً ﴿فَكَيْفَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أي كيف يكون حالهم إِذا عاقبهم الله بذنوبهم وبما جنته أيديهم من الكفر والمعاصي أيقدرون أن يدفعوا عنهم العذاب؟ ﴿ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بالله إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً﴾ أي ثم جاءك هؤلاء المنافقون للإِعتذار عما اقترفوه من الأوزار يقسمون بالله ما أردنا بالتحاكم إِلى غيرك إِلا الصلح والتأليف بين الخصمين وما أردنا رفض حكمك قال تعالى تكذيباً لهم ﴿أولئك الذين يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ أي هؤلاء المنافقون يكذبون والله يعلم ما في قلوبهم من النفاق والمكر والخديعة وهم يريدون أن يخدعوك بهذا الكلام المعسول ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ فأعرض عن معاقبتهم للمصلحة ولا تُظهر لهم علمك بما في بواطنهم ولا تهتك سترهم حتى يبقوا على وجلٍ وحذر ﴿وَعِظْهُمْ﴾ أي ازجرهم عن الكيد والنفاق بقوارع الآيات ﴿وَقُل لَّهُمْ في أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً﴾ أي انصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ مؤثر يصل إِلى سويداء قلوبهم يكون لهم رادعاً ولنفاقهم زاجراً، ثم أخبر تعالى عن بيان وظيفة الرسل فقال ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله﴾ أي لم نرسل رسولاً من الرسل إِلا ليطاع بأمر الله تعالى فطاعته طاعةٌ لله ومعصيته معصيةٌ لله ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظلموا أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فاستغفروا الله﴾ أي لو أن هؤلاء المنافقين حين ظلموا أنفسهم بعدم قبول حكمك جاءوك تائبين من النفاق مستغفرين الله من ذنوبهم معترفين بخطئهم ﴿واستغفر لَهُمُ الرسول﴾ أي واستغفرت لهم يا محمد أي سألت الله أن يغفر لهم ذنوبهم ﴿لَوَجَدُواْ الله تَوَّاباً رَّحِيماً﴾ أي لعلموا كثرة توبة الله على عباده وسعة رحمته لهم ثم بين تعالى طريق الإِيمان الصادق فقال ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ اللام لتأكيد القسم أي فوربك يا محمد لا يكونون مؤمنين حتى يجعلوك حكماً بينهم ويرضوا بحكمك فيما تنازعوا فيه واختلفوا من الأمور ﴿ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ أي ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقاً من حكمك وينقادوا انقياداً تاماً كاملاً لقضائك، من غير معارضة ولا مدافعة ولا منازعة، فحقيقة الإِيمان الخضوع والإِذعان ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقتلوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخرجوا مِن دِيَارِكُمْ﴾ أي لو فرضنا على هؤلاء المنافقين ما فرضنا على ما قبلهم من المشقات وشدّدنا التكليف عليهم فأمرناهم بقتل النفس والخروج من الأوطان كما فرض ذلك على بني إِسرائيل ﴿مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ أي ما استجاب ولا انقاد إِلا قليل منهم لضعف
262
إِيمانهم ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً﴾ أي ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به من طاعة الله وطاعة رسوله لكان خيراً لهم في عاجلهم وآجلهم وأشد تثبيتاً لإِيمانهم، وأبعد لهم عن الضلال والنفاق ﴿وَإِذاً لأَتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّآ أَجْراً عَظِيماً﴾ أي أعطيناهم ثمرة الطاعة ثواباً كثيراً ﴿وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً﴾ ثم ذكر تعالى ثمرة الطاعة لله ورسوله فقال ﴿وَمَن يُطِعِ الله والرسول فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم﴾ أي ومن يعمل بما أمره الله به ورسوله ويجتنب ما نهى الله عنه ورسوله، فإِن الله عَزَّ وَجَلَّ يسكنه دار كرامته في دار الخلد مع المقربين ﴿مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين﴾ أي مع أصحاب المنازل العالية في الآخرة وهم الأنبياء الأطهار والصديقون الأبرار وهم أفاضل أصحاب الأنبياء والشهداء الأخيار وهم الذين استشهدوا في سبيل الله ثم مع بقية عباد الله الصالحين ﴿وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً﴾ أي ونعمت رفقة هؤلاء وصحبتهم، وحَسُن رفيق أولئك الأبرار، عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في شكواه التي قُبض فيها يقول ﴿مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين﴾ فعلمتُ أنه خيِّر ﴿ذلك الفضل مِنَ الله﴾ أي ما أُعطيه المطيعون من الأجر العظيم إِنما هو بمحض فضله تعالى ﴿وكفى بالله عَلِيماً﴾ أي وكفى به تعالى مجازياً لمن أطاع عالماً بمن يستحق الفضل والإِحسان.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من ضروب الفصاحة والبديع ما يلي باختصار:
١ - الاستفهام المراد به التعجب في ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ﴾.
٢ - الالتفات في ﴿واستغفر لَهُمُ الرسول﴾ تفخيماً لشأن الرسول وتعظيماً لاستغفاره ولو جرى على الأصل لقال ﴿واستغفر لَهُمُ﴾.
٣ - إِيراد الأمر بصورة الإِخبار وتصديره ب «إِنَّ» المفيدة للتحقيق في قوله ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ﴾ للتفخيم وتأكيد وجوب العناية والامتثال.
٤ - الجناس المغاير في ﴿يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً﴾ وفي ﴿قُل لَّهُمْ... قَوْلاً﴾ وفي ﴿يُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ وفي ﴿يَصُدُّونَ... صُدُوداً﴾ وفي ﴿فَأَفُوزَ فَوْزاً﴾ [النساء: ٧٣].
٥ - الاستعارة في قوله ﴿فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ استعار ما اشتبك وتضايق من الشجر للتنازع الذي يدخل به بعض الكلام في بعض استعارة للمعقول بالمحسوس.
٦ - تكريم الاسم الجليل ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ﴾ ﴿إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ﴾ ﴿إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً﴾ لتربية المهابة في النفوس.
٧ - الإِطناب في مواضع والحذف في مواضع.
فَائِدَة: عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: جاء رجل إِلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال يا رسول الله: إِنك لأحب إِليَّ من نفسي وأحبُّ إِليَّ من أهلي، وإِني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إِليك، وإذا ذكرتُ موتي وموتك عرفتُ أنك إِذا دخلت الجنةُ رفعتَ مع النبيين وإِن دخلتُ الجنة
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من ضروب الفصاحة والبديع ما يلي باختصار:
١ - الاستفهام المراد به التعجب في ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ﴾.
٢ - الالتفات في ﴿واستغفر لَهُمُ الرسول﴾ تفخيماً لشأن الرسول وتعظيماً لاستغفاره ولو جرى على الأصل لقال ﴿واستغفر لَهُمُ﴾.
٣ - إِيراد الأمر بصورة الإِخبار وتصديره ب «إِنَّ» المفيدة للتحقيق في قوله ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ﴾ للتفخيم وتأكيد وجوب العناية والامتثال.
٤ - الجناس المغاير في ﴿يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً﴾ وفي ﴿قُل لَّهُمْ... قَوْلاً﴾ وفي ﴿يُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ وفي ﴿يَصُدُّونَ... صُدُوداً﴾ وفي ﴿فَأَفُوزَ فَوْزاً﴾ [النساء: ٧٣].
٥ - الاستعارة في قوله ﴿فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ استعار ما اشتبك وتضايق من الشجر للتنازع الذي يدخل به بعض الكلام في بعض استعارة للمعقول بالمحسوس.
٦ - تكريم الاسم الجليل ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ﴾ ﴿إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ﴾ ﴿إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً﴾ لتربية المهابة في النفوس.
٧ - الإِطناب في مواضع والحذف في مواضع.
فَائِدَة: عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: جاء رجل إِلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال يا رسول الله: إِنك لأحب إِليَّ من نفسي وأحبُّ إِليَّ من أهلي، وإِني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إِليك، وإذا ذكرتُ موتي وموتك عرفتُ أنك إِذا دخلت الجنةُ رفعتَ مع النبيين وإِن دخلتُ الجنة
263
خشيتُ أن لا أراك فلم يردّ عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حتى أنزل الله ﴿وَمَن يُطِعِ الله والرسول فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم﴾ الآية.
264
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ
ﱆ
ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ
ﱇ
ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ
ﱈ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ
ﱉ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﱊ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﱋ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﱌ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ
ﱍ
ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙ
ﱎ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ
ﱏ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ
ﱐ
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
ﱑ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ
ﱒ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ
ﱓ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ
ﱔ
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ
ﱕ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ
ﱖ
المنَاسَبَة: لما حذّر تعالى من النفاق والمنافقين وأوصى بطاعة الله وطاعة رسوله، أمر هنا بأعظم الطاعات والقربات وهو الجهاد في سبيل الله لإِعلاء كلمته وإِحياء دينه، وأمر بالاستعداد والتأهب حذراً من مباغتة الكفار، ثم بيّن حال المتخلفين عن الجهاد المثبطين للعزائم من المنافقين وحذّر المؤمنين من شرهم.
اللغَة: ﴿ثُبَاتٍ﴾ جمع ثُبتة وهي الجماعة أي جماعة بعد جماعة ﴿بُرُوجٍ﴾ جمع برج وهو البناء المرتفع والقصر العظيم والمراد به هنا الحصون ﴿مُّشَيَّدَةٍ﴾ مرتفعة البناء ﴿بَيَّتَ﴾ دبَّر الأمر ليلاً، والبَيَاتُ أن يأتي العدو ليلاً ومنه قول العرب: أمرٌ بُيِّتَ بليل ﴿أَذَاعُواْ بِهِ﴾ أشاعوه ونشروه ﴿يَسْتَنْبِطُونَهُ﴾ يستخرجونه مأخوذ من استنبطت الماء إِذا استخرجته ومنه استنباط الأحكام من الكتاب والسنة ﴿حَرِّضِ﴾ التحريض: الحث عن الشيء ﴿تَنكِيلاً﴾ تعذيباً والنكالُ: العذابُ ﴿كِفْلٌ﴾ نصيب وأكثر ما يستعمل الكفل في الشر ﴿مُّقِيتاً﴾ مقتدراً من أوقات على الشيء قدر عليه قال الشاعر:
وذي ضِغْنٍ كففتُ النفس عنه... وكنتُ على مساءته مُقيتاً
سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بمكة فقالوا: يا نبيَّ الله لقد كنا في عزٍ ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة؟ فقال: إِني أُمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم، فلما حوله الله تعالى إِلى المدينة أمره بالقتال فكفّوا فأنزل الله ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كفوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصلاة... ﴾ الآية.
التفِسير: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ﴾ أي يا معشر المؤمنين احترزوا من عدوكم واستعدوا له ﴿فانفروا ثُبَاتٍ أَوِ انفروا جَمِيعاً﴾ أي اخرجوا إِلى الجهاد جماعات متفرقين، سريةً بعد سرية أو اخرجوا مجتمعين في الجيش الكثيف، فخيَّرهم تعالى في الخروج إِلى الجهاد متفرقين ومجتمعين ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ﴾ أي ليثاقلنَّ ويتخلفنَّ عن الجهاد، والمراد بهم المنافقون وجعلوا من المؤمنين باعتبار زعمهم وباعتبار الظاهر ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ﴾ أي قتل وهزيمة ﴿قَالَ قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً﴾ أي قال ذلك المنافق قد تفضَّل الله عليَّ إِذ لم أشهد الحرب معهم فأُقتل ضمن من قتلوا ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله﴾ أي ولئن أصابكم أيها المؤمنون نصر وظفر وغنيمة ﴿لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ أي ليقولنَّ هذا المنافق قول نادم متحسر كأن لم يكن بينكم وبينه معرفة وصداقة يا ليتني كنت معهم في الغزو لأنال حظاً وافراً من الغنيمة، وجملة ﴿كَأَن لَّمْ تَكُنْ﴾ اعتراضية للتنبيه على ضعف إِيمانهم، وهذه المودة في ظاهر المنافق لا في اعتقاده فهو يتمنى
اللغَة: ﴿ثُبَاتٍ﴾ جمع ثُبتة وهي الجماعة أي جماعة بعد جماعة ﴿بُرُوجٍ﴾ جمع برج وهو البناء المرتفع والقصر العظيم والمراد به هنا الحصون ﴿مُّشَيَّدَةٍ﴾ مرتفعة البناء ﴿بَيَّتَ﴾ دبَّر الأمر ليلاً، والبَيَاتُ أن يأتي العدو ليلاً ومنه قول العرب: أمرٌ بُيِّتَ بليل ﴿أَذَاعُواْ بِهِ﴾ أشاعوه ونشروه ﴿يَسْتَنْبِطُونَهُ﴾ يستخرجونه مأخوذ من استنبطت الماء إِذا استخرجته ومنه استنباط الأحكام من الكتاب والسنة ﴿حَرِّضِ﴾ التحريض: الحث عن الشيء ﴿تَنكِيلاً﴾ تعذيباً والنكالُ: العذابُ ﴿كِفْلٌ﴾ نصيب وأكثر ما يستعمل الكفل في الشر ﴿مُّقِيتاً﴾ مقتدراً من أوقات على الشيء قدر عليه قال الشاعر:
وذي ضِغْنٍ كففتُ النفس عنه... وكنتُ على مساءته مُقيتاً
سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بمكة فقالوا: يا نبيَّ الله لقد كنا في عزٍ ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة؟ فقال: إِني أُمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم، فلما حوله الله تعالى إِلى المدينة أمره بالقتال فكفّوا فأنزل الله ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كفوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصلاة... ﴾ الآية.
التفِسير: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ﴾ أي يا معشر المؤمنين احترزوا من عدوكم واستعدوا له ﴿فانفروا ثُبَاتٍ أَوِ انفروا جَمِيعاً﴾ أي اخرجوا إِلى الجهاد جماعات متفرقين، سريةً بعد سرية أو اخرجوا مجتمعين في الجيش الكثيف، فخيَّرهم تعالى في الخروج إِلى الجهاد متفرقين ومجتمعين ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ﴾ أي ليثاقلنَّ ويتخلفنَّ عن الجهاد، والمراد بهم المنافقون وجعلوا من المؤمنين باعتبار زعمهم وباعتبار الظاهر ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ﴾ أي قتل وهزيمة ﴿قَالَ قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً﴾ أي قال ذلك المنافق قد تفضَّل الله عليَّ إِذ لم أشهد الحرب معهم فأُقتل ضمن من قتلوا ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله﴾ أي ولئن أصابكم أيها المؤمنون نصر وظفر وغنيمة ﴿لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ أي ليقولنَّ هذا المنافق قول نادم متحسر كأن لم يكن بينكم وبينه معرفة وصداقة يا ليتني كنت معهم في الغزو لأنال حظاً وافراً من الغنيمة، وجملة ﴿كَأَن لَّمْ تَكُنْ﴾ اعتراضية للتنبيه على ضعف إِيمانهم، وهذه المودة في ظاهر المنافق لا في اعتقاده فهو يتمنى
265
أن لو كان مع المؤمنين لا من أجل عزة الإِسلام بل طلباً للمال وتحصيلاً للحطام، ولما ذم تعالى المبطئين عن القتال في سبيل الله رغب المؤمنين فيه فقال ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله الذين يَشْرُونَ الحياة الدنيا بالآخرة﴾ أي فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم وأموالهم في سبيل الله الذين يبيعون الحياة الباقية ﴿وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ وهذا وعدٌ منه سبحانه بالأجر العظيم لمن قاتل في سبيل الله سواءً غَلَب أو غُلِب أي من يقاتل في سبيل الله لإِعلاء كلمة الله فيُستشهد أو يظفر على الأعداء فسوف نعطيه ثواباً جزيلاً فهو فائز بإِحدى الحسنيين: الشهادة أو الغنيمة كما في الحديث
«تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يُخرجه إِلا جهادٌ في سبيلي، وإِيمانٌ وتصديقٌ برسلي فهو عليَّ ضامن أن أُدخله الجنة أو أرجعه إِلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة» ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والمستضعفين مِنَ الرجال والنسآء والولدان﴾ الاستفهام للحث والتحريض على الجهاد أي وما لكم أيها المؤمنون لا تقاتلون في سبيل الله وفي سبيل خلاص المستضعفين من إِخوانكم الذين صدَّهم المشركون عن الهجرة فبقوا مستذلين مستضعفين يلقون أنواع الأذى الشديد؟ ﴿وقوله {مِنَ الرجال والنسآء والولدان﴾ بيانٌ للمستضعفين قال ابن عباس: كنتُ أنا وأمي من المستضعفين، وهم الذين كان يدعو لهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيقول: اللهم أنْج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام الخ كما في الصحيح ﴿الذين يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هذه القرية﴾ أي الذين يدعون ربهم لكشف الضُرّ عنهم قائلين: ربنا أخرجنا من هذه القرية وهي مكة إِذ أنها كانت موطن الكفر ولذا هاجر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿الظالم أَهْلُهَا﴾ بالكفر وهم صناديد قريش الذين منعوا المؤمنين من الهجرة ومنعوا من ظهور الإِسلام فيها ﴿واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً﴾ أي اجعل لنا من هذا الضيق فرجاً ومخرجاً وسخّر لنا من عندك وليّاً وناصراً، وقد استجاب الله دعاءهم فجعل لهم خير وليّ وناصر وهو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين فتح مكة ولما خرج منها ولّى عليهم «عتّاب بن أسيد» فأنصف مظلومهم من ظالمهم، ثم شجع تعالى المجاهدين ورغبهم في الجهاد فقال ﴿الذين آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي المؤمنون يقاتلون لهدف سامٍ وغاية نبيلة وهي نصرة دين الله وإِعلاء كلمته ابتغاء مرضاته فهو تعالى وليهم وناصرهم ﴿والذين كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطاغوت﴾ أي وأما الكافرون فيقاتلون في سبيل الشيطان الداعي إِلى الكفر والطغيان ﴿فقاتلوا أَوْلِيَاءَ الشيطان﴾ أي قاتلوا يا أولياء الله أنصار واعوان الشيطان فإِنكم تغلبونهم، فشتان بين من يقاتل لإِعلاء كلمة الله وبين من يقاتل في سبيل الشيطان، فمن قاتل في سبيل الله فهو الذي يَغْلب لأن الله وليُّه وناصرُه، ومن قاتل في سبيل الطاغوت فهو المخذول المغلوب ولهذا قال ﴿إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفاً﴾ أي سعيُ الشيطان في حد ذاته ضعيف فكيف بالقياس إِلى قدرة الله؟} قال الزمخشري: كيدُ الشيطان للمؤمنين إِلى
«تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يُخرجه إِلا جهادٌ في سبيلي، وإِيمانٌ وتصديقٌ برسلي فهو عليَّ ضامن أن أُدخله الجنة أو أرجعه إِلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة» ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والمستضعفين مِنَ الرجال والنسآء والولدان﴾ الاستفهام للحث والتحريض على الجهاد أي وما لكم أيها المؤمنون لا تقاتلون في سبيل الله وفي سبيل خلاص المستضعفين من إِخوانكم الذين صدَّهم المشركون عن الهجرة فبقوا مستذلين مستضعفين يلقون أنواع الأذى الشديد؟ ﴿وقوله {مِنَ الرجال والنسآء والولدان﴾ بيانٌ للمستضعفين قال ابن عباس: كنتُ أنا وأمي من المستضعفين، وهم الذين كان يدعو لهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيقول: اللهم أنْج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام الخ كما في الصحيح ﴿الذين يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هذه القرية﴾ أي الذين يدعون ربهم لكشف الضُرّ عنهم قائلين: ربنا أخرجنا من هذه القرية وهي مكة إِذ أنها كانت موطن الكفر ولذا هاجر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿الظالم أَهْلُهَا﴾ بالكفر وهم صناديد قريش الذين منعوا المؤمنين من الهجرة ومنعوا من ظهور الإِسلام فيها ﴿واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً﴾ أي اجعل لنا من هذا الضيق فرجاً ومخرجاً وسخّر لنا من عندك وليّاً وناصراً، وقد استجاب الله دعاءهم فجعل لهم خير وليّ وناصر وهو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين فتح مكة ولما خرج منها ولّى عليهم «عتّاب بن أسيد» فأنصف مظلومهم من ظالمهم، ثم شجع تعالى المجاهدين ورغبهم في الجهاد فقال ﴿الذين آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي المؤمنون يقاتلون لهدف سامٍ وغاية نبيلة وهي نصرة دين الله وإِعلاء كلمته ابتغاء مرضاته فهو تعالى وليهم وناصرهم ﴿والذين كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطاغوت﴾ أي وأما الكافرون فيقاتلون في سبيل الشيطان الداعي إِلى الكفر والطغيان ﴿فقاتلوا أَوْلِيَاءَ الشيطان﴾ أي قاتلوا يا أولياء الله أنصار واعوان الشيطان فإِنكم تغلبونهم، فشتان بين من يقاتل لإِعلاء كلمة الله وبين من يقاتل في سبيل الشيطان، فمن قاتل في سبيل الله فهو الذي يَغْلب لأن الله وليُّه وناصرُه، ومن قاتل في سبيل الطاغوت فهو المخذول المغلوب ولهذا قال ﴿إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفاً﴾ أي سعيُ الشيطان في حد ذاته ضعيف فكيف بالقياس إِلى قدرة الله؟} قال الزمخشري: كيدُ الشيطان للمؤمنين إِلى
266
جنب كيد الله للكافرين أضعف شيء وأوهنه ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كفوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة﴾ أي أَلا تعجب يا محمد من قوم طلبوا القتال وهم بمكة فقيل لهم: أمسكوا عن قتال الكفار فلم يحن وقته وأعدّوا نفوسكم بإِقامة الصلاة وإِيتاء الزكاة ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ الناس كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾ أي فلما فرض عليهم قتال المشركين إِذا جماعة منهم يخافون ويجبنون ويفزعون من الموت كخشيتهم من عذاب الله أو أشد من ذلك، قال ابن كثير: كان المؤمنون في إِبتداء الإِسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة والصبر على أذى المشركين وكانوا يتحرقون لو أُمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم فلما أمروا بما كانوا يردونه جزع بعضهم وخاف من مواجهة الناس خوفاً شديداً ﴿وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القتال﴾ أي وقالوا جزعاً من الموت ربنا لم فرضت علينا القتال؟ ﴿لولا أَخَّرْتَنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ لولا للتخصيص بمعنى هلاّ أي هلاّ أخرتنا إِلى أجل قريب حتى نموتَ بأجالنا ولا نقتل فيفرح بنا الأعداء! ﴿قُلْ مَتَاعُ الدنيا قَلِيلٌ والآخرة خَيْرٌ لِّمَنِ اتقى﴾ أي قل لهم يا محمد إِن نعيم الدنيا فانٍ ونعيم الآخرة باقٍ فهو خير من ذلك المتاع الفاني لمن اتقى الله وامتثل أمره ﴿وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ أي لا تُنقصون من أجور أعمالكم أدنى شيء ولو كان فتيلاً وهو الخيط الذي في شق النواة قال في التسهيل: إِن الآية في قومٍ من الصحابة كانوا قد أُمروا بالكف عن القتال فتمنوا أن يؤمروا به، فلما أُمروا به كرهوه لا شكاً في دينهم ولكن خوفاً من الموت، وقيل هي في المنافقين وهو أليق في سياق الكلام ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ أي في أي مكانٍ وجدتم فلا بدّ أن يدرككم الموت عند انتهاء الأجل ويفاجئكم ولو تحصنتم منه بالحصون المنيعة فلا تخشوا القتال خوف الموت ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِ الله﴾ أي إِن تصب هؤلاء المنافقين حسنةٌ من نصر وغنيمة وشبه ذلك يقولوا هذه من جهة الله ومن تقديره لما علم فينا من الخير ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ﴾ أي وإِن تنلهم سيئة من هزيمة وجوع وشبه ذلك يقولوا هذه بسبب اتباعنا لمحمد ودخولنا في دينه يعنون بشؤم محمد ودينه قال السدي: يقولون هذا بسبب تركنا ديننا واتباعنا محمداً أصابنا هذا البلاء كما قال تعالى عن قوم فرعون
﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ﴾
[الأعراف: ١٣١] ﴿قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله﴾ أمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأن يرد زعمهم الباطل ويلقمهم الحجر ببيان أن الخير والشر بتقدير الله أي قل يا محمد لهؤلاء السفهاء: الحسنةُ والسيئة والنعمةً والنقمة كلُّ ذلك من عند الله خلقاً وإِيجاداً لا خالق سواه فهو وحده النافع الضار وعن إِرادته تصدر جميع الكائنات {فَمَالِ هؤلاء القوم لاَ يَكَادُونَ
﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ﴾
[الأعراف: ١٣١] ﴿قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله﴾ أمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأن يرد زعمهم الباطل ويلقمهم الحجر ببيان أن الخير والشر بتقدير الله أي قل يا محمد لهؤلاء السفهاء: الحسنةُ والسيئة والنعمةً والنقمة كلُّ ذلك من عند الله خلقاً وإِيجاداً لا خالق سواه فهو وحده النافع الضار وعن إِرادته تصدر جميع الكائنات {فَمَالِ هؤلاء القوم لاَ يَكَادُونَ
267
يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} أي ما شأنهم لا يفقهون أن الأشياء كلها بتقدير الله؟ وهو توبيخ لهم على قلة الفهم.. ثم قال تعالى مبيناً حقيقة الإِيمان ﴿مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ الخطاب لكل سامع أي ما أصابك يا إِنسان من نعمة وإِحسان فمن الله تفضلاً منه وإِحساناً وامتناناً وامتحاناً، وما أصابك من بلية ومصيبة فمن عندك لأنك السبب فيها بما ارتكبت يداك كقوله ﴿وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠].. ثم قال تعالى مخاطباً الرسول ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وكفى بالله شَهِيداً﴾ أي وأرسلناك يا محمد رسولاً للناس تبلغهم شرائع الله وحسبك أن يكون الله شاهداً على رسالتك، ثم رغب تعالى في طاعة الرسول فقال ﴿مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله﴾ أي من أطاع أمر الرسول فقد أطاع الله لأنه مبلّغٌ عن الله ﴿وَمَن تولى فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ أي ومن أعرض عن طاعتك فما أرسلناك يا محمد حافظاً لأعمالهم ومحاسباً لهم عليها إِ، عليك إلا البلاغ ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الذي تَقُولُ﴾ أي ويقول المنافقون: أمرك يا محمد طاعة كقول القائل «سمعاً وطاعةً» فإِذا خرجوا من عندك دبّر جماعة منهم غير الذي تقوله لهم وهو الخلاف والعصيان لأمرك ﴿والله يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ﴾ أي يأمر الحفظة بكتابته في صحائف أعمالهم ليجازوا عليه ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾ أي اصفح عنهم وفوّض أمرك إِلى الله وثق به ﴿وكفى بالله وَكِيلاً﴾ أي فهو سبحانه ينتقم لك منهم وكفى به ناصراً ومعيناً لمن توكل عليه، ثم عاب تعالى المنافقين بالإِعراض عن التدبر في القرآن في فهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة ففي تدبره يظهر برهانه ويسطع نوره وبيانه ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً﴾ أي لو كان هذا القرآن مختلقاً كما يزعم المشركون والمنافقون لوجدوا فيه تناقضاً كبيراً في أخباره ونظمه ومعانيه ولكنه منزه عن ذلك فأخباره صدق، ونظمه بليغ، ومعانيه محكمة، فدلَّ على أنه تنزيل الحكيم الحميد ﴿وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمن أَوِ الخوف أَذَاعُواْ بِهِ﴾ أي إِذا جاء المنافقين خبرٌ من الأخبار عن المؤمنين بالظفر والغنيمة أو النكبة والهزيمة أذاعوا به أي أفشوه وأظهروه وتحدثوا به قبل أن يقفوا على حقيقته وكان في إِذاعتهم له مفسدة على المسلمين ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ أي لو ترك هؤلاء الكلام بذلك الأمر الذي بلغهم وردوه إِلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإِلى كبراء الصحابة وأهل البصائر منهم لعلمه الذين يستخرجونه منهم أي من الرسول وأولي الأمر ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشيطان إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي لولا فضل الله عليكم أيها المؤمنون بإِرسال الرسول ورحمته بإِنزال القرآن لاتبعتم الشيطان فيما يأمركم به من الفواحش إِلا قليلاً منكم، ثم أمر الرسول بالجهاد فقال ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ﴾ أي قاتل يا محمد لإِعلاء كلمة الله ولو وحدك فإِنك موعود النصر ولا تهتم بتخلف المنافقين عنك ﴿وَحَرِّضِ المؤمنين﴾ أي شجَّعهم على القتال ورغبْهم فيه ﴿عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ﴾ هذا وعدٌ من الله بكفهم ﴿عَسَى﴾ من الله تفيد التحقيق أي بتحريضك المؤمنين يكف الله شرّه الكفرة الفجار، وقد كفهم الله بهزيمتهم في بدر وبفتح مكة ﴿والله أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً﴾ أي هو سبحانه أشد قوة وسطوة، وأعظم عقوبة وعذاباً ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا﴾ أي من يشفع بين الناس شفاعة موافقة للشرع
268
يكن له نصيب من الأجر ﴿وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا﴾ أي ومن يشفع شفاعة مخالفة للشرع يكن له نصيب من الوزر بسببها ﴿وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً﴾ أي مقتدراً فيجازي كل أحدٍ بعمله ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ﴾ أي إِذا سلّم عليكم المسلم فردوا عليه بأفضل مما سلّم أو رُدُّوا عليه بمثل ما سلّم ﴿إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً﴾ أي يحاسب العباد على كل شيء من أعمالهم الصغيرة والكبيرة ﴿الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ هذا قسم من الله بجمع الخلائق يوم المعاد أي الله الواحد الذي لا معبود سواه ليحشرنكم من قبوركم إِلى حساب يوم القيامة الذي لا شك فيه وسيجمع الأولين والآخرين في صعيد واحدٍ للجزاء والحساب ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً﴾ لفظه استفهام ومعناه النفي أي لا أحد أصدق في الحديث والوعد من الله رب العالمين.
البَلاَغَة: تضمنت هذه الآيات أنواعاً من الفصاحة والبيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستعادة في قوله ﴿يَشْرُونَ الحياة الدنيا بالآخرة﴾ أي يبيعون الفانية بالباقية فاستعار لفظ الشراء للمبادلة وهو من لطيف الاستعارة.
٢ - الاعتراض في ﴿كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾.
٣ - التشبيه المرسل المجمل في ﴿يَخْشَوْنَ الناس كَخَشْيَةِ الله﴾.
٤ - الطباق في ﴿الأمن أَوِ الخوف﴾.
٥ - جناس الاشتقاق في ﴿أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ﴾ وفي ﴿حُيِّيتُم... فَحَيُّواْ﴾ وفي ﴿يَشْفَعْ شَفَاعَةً﴾ وفي ﴿بَيَّتَ... يُبَيِّتُونَ﴾.
٦ - الاستفهام الذي يراد به الإِنكار في ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن﴾.
٧ - المقابلة في قوله ﴿الذين آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والذين كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطاغوت﴾ وكذلك في قوله ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا﴾ وهذه من المحسنات البديعية وهي أي يؤتى بمعنيين أو أكثر ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب.
تنبيه: لا تعَارض بين قوله تعالى ﴿كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله﴾ أي كلٌ من الحسنة والسيئة وبين قوله ﴿وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ إِذ الأولى على الحقيقة أي خلقاً وإِيجاداً والثانية تسبباً وكسباً بسبب الذنوب ﴿وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠] أو نقول: نسبة الحسنة إِلى الله، والسيئة إِلى العبد هو من باب الأدب مع الله في الكلام وإِن كان كل شيء منه في الحقيقة كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «الخير كلُّه بيديك والشرُّ ليس إِليك» والله أعلم.
البَلاَغَة: تضمنت هذه الآيات أنواعاً من الفصاحة والبيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستعادة في قوله ﴿يَشْرُونَ الحياة الدنيا بالآخرة﴾ أي يبيعون الفانية بالباقية فاستعار لفظ الشراء للمبادلة وهو من لطيف الاستعارة.
٢ - الاعتراض في ﴿كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ﴾.
٣ - التشبيه المرسل المجمل في ﴿يَخْشَوْنَ الناس كَخَشْيَةِ الله﴾.
٤ - الطباق في ﴿الأمن أَوِ الخوف﴾.
٥ - جناس الاشتقاق في ﴿أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ﴾ وفي ﴿حُيِّيتُم... فَحَيُّواْ﴾ وفي ﴿يَشْفَعْ شَفَاعَةً﴾ وفي ﴿بَيَّتَ... يُبَيِّتُونَ﴾.
٦ - الاستفهام الذي يراد به الإِنكار في ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن﴾.
٧ - المقابلة في قوله ﴿الذين آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والذين كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطاغوت﴾ وكذلك في قوله ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا﴾ وهذه من المحسنات البديعية وهي أي يؤتى بمعنيين أو أكثر ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب.
تنبيه: لا تعَارض بين قوله تعالى ﴿كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله﴾ أي كلٌ من الحسنة والسيئة وبين قوله ﴿وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ إِذ الأولى على الحقيقة أي خلقاً وإِيجاداً والثانية تسبباً وكسباً بسبب الذنوب ﴿وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠] أو نقول: نسبة الحسنة إِلى الله، والسيئة إِلى العبد هو من باب الأدب مع الله في الكلام وإِن كان كل شيء منه في الحقيقة كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «الخير كلُّه بيديك والشرُّ ليس إِليك» والله أعلم.
269
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
ﱗ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ
ﱘ
ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ
ﱙ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ
ﱚ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ
ﱛ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ
ﱜ
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ
ﱝ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﱞ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ
ﱟ
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى مواقف المنافقين المخزية، عقّبه بذكر نوعٍ آخر من أحوال المنافقين الشنيعة، ثم ذكر حكم القتل الخطأ والقتل العمد، وأمر بالتثبت قبل الإِقدام على قتل إِنسان لئلا يُفضي إلى قتل أحد من المسلمين ثم ذكر تعالى مراتب المجاهدين ومنازلهم الرفيعة في الآخرة.
اللغَة: ﴿أَرْكَسَهُمْ﴾ ردّهم إِلى الكفر أو نكَّسهم وأصل الركس ردُّ الشيء مقلوباً قال الشاعر:
﴿حَصِرَتْ﴾ ضاقت من الحصر وهو الضيق ﴿السلم﴾ الاستسلام والإِنقياد ﴿ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ صادفتموهم ووجدتموهم ﴿فَتَبَيَّنُواْ﴾ فتثبتوا ﴿أُرْكِسُواْ فِيِهَا﴾ قلبوا فيها.
سَبَبُ النّزول: أ - عن زيد بن ثابت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خرج إِلى أُحد فرجع ناسٌ ممن كان معه،
اللغَة: ﴿أَرْكَسَهُمْ﴾ ردّهم إِلى الكفر أو نكَّسهم وأصل الركس ردُّ الشيء مقلوباً قال الشاعر:
فأُركسوا في حميم النار إِنهم | كانوا عصاةً وقالوا الإِفك والزورا |
سَبَبُ النّزول: أ - عن زيد بن ثابت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خرج إِلى أُحد فرجع ناسٌ ممن كان معه،
270
فكان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيهم فرقتين فقال بعضهم: نقتلهم، وقال بعضهم: لا، فأنزل الله ﴿فَمَا لَكُمْ فِي المنافقين فِئَتَيْنِ﴾ الآية فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إِنها طيبة تنفي الخَبث كما تنفي النار خبث الحديد» أخرجه الشيخان.
ب - يروى أن «الحارث بن يزيد» كان شديداً على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فجاء مهاجراً وهو يريد الإِسلام فلقيه «عياش بن أبي ربيعة» - والحارث يريد الإِسلام وعياش لا يشعر - فقتله فأنزل الله ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً... ﴾. الآية.
ج - عن ابن عباس قال: لحق المسلمون رجلاً في غنيمةٍ له فقال: السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فنزلت هذه الآية ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ ألقى إِلَيْكُمُ السلام لَسْتَ مُؤْمِناً... ﴾ الآية.
التفِسير: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي المنافقين فِئَتَيْنِ والله أَرْكَسَهُمْ بِمَا كسبوا﴾ أي ما لكم أيها المؤمنون أصبحتم فرقتين في شأن المنافقين، بعضكم يقول نقتلهم وبعضكم يقول لا نقتلهم والحال أنهم منافقون والله نكَّسهم وردّهم إِلى الكفر بسبب النفاق والعصيان ﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ الله﴾ أي أتريدون هداية من أضله الله، والاسفهام للإِنكار والتوبيخ في الموضعين والمعنى لا تختلفو في أمرهم ولا تظنوا فيهم الخير لأن الله حكم بضلالهم ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾ أي من يضلله الله فلن تجد له طريقاً إِلى الهدى والإِيمان ﴿وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً﴾ أي تمنى هؤلاء المنافقون أن تكفروا مثلهم فتستوا أنتم وهم وتصبحوا جميعاً كفاراً ﴿فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حتى يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي لا توالوا ولا تصادقوا منهم أحداً حتى يؤمنوا ويحققوا إِيمانهم بالهجرة والجهاد في سبيل الله ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ واقتلوهم حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ أي إِن أعرضوا عن الهجرة في سبيل الله فخذوهم أيها المؤمنون واقتلوهم حيث وجدتموهم في حلٍّ أو حرم ﴿وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾ أي لا تستنصروهم ولا تستنصحوهم ولا تستعينوا بهم في الأمور ولو بذلوا لكم الولاية والنصرة ﴿إِلاَّ الذين يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ﴾ أي إِلا الذين ينتهون ويلجأون إِلى قوم عاهدوكم فدخلوا فيهم بالحِلْف فحكمهم حكم أولئك في حقن دمائهم ﴿أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ﴾ وهذا استثناء أيضاً من القتل أي وإِلا الذين جاءكم وقد ضاقت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم فهم قوم ليسوا معكم ولا عليكم ﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾ أي من لطفه بكم أن كفّهم عنكم ولو شاء لقوّاهم وجرّأهم عليكم فقاتلوكم ﴿فَإِنِ اعتزلوكم فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السلم فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾ أي فإِن لم يتعرضوا لكم بقتال وانقادوا واستسلموا لكم فليس لكم أن تقاتلوهم طالما سالموكم ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ﴾ أي ستجدون قوماً آخرين من المنافقين يريدون أن يأمنوكم بإِظهار الإِيمان ويأمنوا قومهم بإِظهار الكفر إِذا رجعوا إِليهم قال أبو السعود: هم قوم من «أسد وغطفان» كانوا إِذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا من المسلمين فإِذا رجعوا إِلى قومهم
ب - يروى أن «الحارث بن يزيد» كان شديداً على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فجاء مهاجراً وهو يريد الإِسلام فلقيه «عياش بن أبي ربيعة» - والحارث يريد الإِسلام وعياش لا يشعر - فقتله فأنزل الله ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً... ﴾. الآية.
ج - عن ابن عباس قال: لحق المسلمون رجلاً في غنيمةٍ له فقال: السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فنزلت هذه الآية ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ ألقى إِلَيْكُمُ السلام لَسْتَ مُؤْمِناً... ﴾ الآية.
التفِسير: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي المنافقين فِئَتَيْنِ والله أَرْكَسَهُمْ بِمَا كسبوا﴾ أي ما لكم أيها المؤمنون أصبحتم فرقتين في شأن المنافقين، بعضكم يقول نقتلهم وبعضكم يقول لا نقتلهم والحال أنهم منافقون والله نكَّسهم وردّهم إِلى الكفر بسبب النفاق والعصيان ﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ الله﴾ أي أتريدون هداية من أضله الله، والاسفهام للإِنكار والتوبيخ في الموضعين والمعنى لا تختلفو في أمرهم ولا تظنوا فيهم الخير لأن الله حكم بضلالهم ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾ أي من يضلله الله فلن تجد له طريقاً إِلى الهدى والإِيمان ﴿وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً﴾ أي تمنى هؤلاء المنافقون أن تكفروا مثلهم فتستوا أنتم وهم وتصبحوا جميعاً كفاراً ﴿فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حتى يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي لا توالوا ولا تصادقوا منهم أحداً حتى يؤمنوا ويحققوا إِيمانهم بالهجرة والجهاد في سبيل الله ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ واقتلوهم حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ أي إِن أعرضوا عن الهجرة في سبيل الله فخذوهم أيها المؤمنون واقتلوهم حيث وجدتموهم في حلٍّ أو حرم ﴿وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾ أي لا تستنصروهم ولا تستنصحوهم ولا تستعينوا بهم في الأمور ولو بذلوا لكم الولاية والنصرة ﴿إِلاَّ الذين يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ﴾ أي إِلا الذين ينتهون ويلجأون إِلى قوم عاهدوكم فدخلوا فيهم بالحِلْف فحكمهم حكم أولئك في حقن دمائهم ﴿أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ﴾ وهذا استثناء أيضاً من القتل أي وإِلا الذين جاءكم وقد ضاقت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم فهم قوم ليسوا معكم ولا عليكم ﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾ أي من لطفه بكم أن كفّهم عنكم ولو شاء لقوّاهم وجرّأهم عليكم فقاتلوكم ﴿فَإِنِ اعتزلوكم فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السلم فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾ أي فإِن لم يتعرضوا لكم بقتال وانقادوا واستسلموا لكم فليس لكم أن تقاتلوهم طالما سالموكم ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ﴾ أي ستجدون قوماً آخرين من المنافقين يريدون أن يأمنوكم بإِظهار الإِيمان ويأمنوا قومهم بإِظهار الكفر إِذا رجعوا إِليهم قال أبو السعود: هم قوم من «أسد وغطفان» كانوا إِذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا من المسلمين فإِذا رجعوا إِلى قومهم
271
كفروا ونكثوا عهودهم ليأمنوا قومهم ﴿كُلَّ مَا ردوا إِلَى الفتنة أُرْكِسُواْ فِيِهَا﴾ أي كلما دعوا إِلى الكفر أو قتال المسلمين عادوا إِليه وقُلبوا فيه على أسوأ شكل فهم شرّ من كل عدو شرير ﴿فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ ويلقوا إِلَيْكُمُ السلم ويكفوا أَيْدِيَهُمْ﴾ أي فإِن لم يجتنبوكم ويستسلموا إِليكم ويكفوا أيديهم عن قتالكم ﴿فَخُذُوهُمْ واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ أي فأسروهم واقتلوهم حيث وجدتموهم وأصبتموهم ﴿وأولئكم جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً﴾ أي جعلنا لكم على أخذهم وقتلهم حجة واضحة وبرهاناً بيناً بسبب غدرهم وخيانتهم ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً﴾ أي لا ينبغي لمؤمنٍ ولا يليق به أن يقتل مؤمناً إِلا على وجه الخطأ لأن الإِيمان زاجرٌ عن العدوان ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ﴾ أي ومن قتل مؤمناً على وجه الخطأ فعليه إِعتاق رقبةٍ مؤمنة لأن إِطلاقها من قيد الرق كإِحيائها، وعليه كذلك ديةٌ مؤداة إلى ورثة المقتول إِلا إذا عفا الورثة عن القاتل فأسقطوا الدية، وقد أوجب الشارع في القتل الخطأ شيئين: الكفارة وهي تحرير رقبة مؤمنة في مال القاتل، والدية وهي مائةٌ من الإِبل على العاقلة ﴿فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾ أي إِن كان المقتول خطأً مؤمناً وقومه كفاراً أعداء وهم المحاربون فإِنما على قاتله الكفارة فقط دون الدية لئلا يستعينوا بها على المسلمين ﴿وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾ أي وإِن كان المقتول خطأً من قوم كفرة بينكم وبينهم عهد كأهل الذمة فعلى قاتله دية تدفع إلى أهله لأجل معاهدتهم ويجب أيضاً على القاتل إِعتاق رقبة مؤمنة ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ الله﴾ أي فمن لم يجد الرقبة فعلية صيام شهرين متتابعين عوضاً عنها شرع تعالى لكم ذلك لأجل التوبة عليكم ﴿وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً﴾ أي عليماً بخلقه حكيماً فيما شرع.
. ثم بين تعالى حكم القتل العمد وجريمته النكراء وعقوبته الشديدة فقال ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا﴾ أي ومن يقدم على قتل مؤمن عالماً بإِيمانه متعمداً لقتله فجزاؤه جهنم مخلداً فيها على الدوام، وهذا محمول عند الجمهور على من استحل قتل المؤمن كما قال ابن عباس لأنه باستحلال القتل يصبح كافراً ﴿وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ أي ويناله السخط الشديد من الله والطرد من رحمة الله والعذاب الشديد في الآخرة ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُواْ﴾ أي إِذا سافرتم في الجهاد لغزو الأعداء فتثبتوا ولا تعجلوا في القتل حتى يتبين لكم المؤمن من الكافر ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ ألقى إِلَيْكُمُ السلام لَسْتَ مُؤْمِناً﴾ أي ولا تقولوا لمن حياكم بتحية الإِسلام لست مؤمناً وإِنما قلت هذا خوفاً من القتل فتقتلوه ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحياة الدنيا﴾ أي حال كونكم طالبين لماله الذي هو حطامٌ سريع الزوال ﴿فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ أي فعند الله ما هو خير من ذلك وهو ما أعده لكم من جزيل الثواب والنعيم ﴿كذلك كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ﴾ أي كذلك كنتم كفاراً فهداكم للإِسلام ومنَّ عليكم بالإِيمان فتبينوا أن تقتلوا مؤمناً وقيسوا حاله بحالكم ﴿إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ أي مطلعاً على أعمالكم فيجازيكم عليها، ثم أخبر تعالى بفضيلة المجاهدين فقال {لاَّ يَسْتَوِي القاعدون مِنَ المؤمنين - غَيْرُ أُوْلِي الضرر -
. ثم بين تعالى حكم القتل العمد وجريمته النكراء وعقوبته الشديدة فقال ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا﴾ أي ومن يقدم على قتل مؤمن عالماً بإِيمانه متعمداً لقتله فجزاؤه جهنم مخلداً فيها على الدوام، وهذا محمول عند الجمهور على من استحل قتل المؤمن كما قال ابن عباس لأنه باستحلال القتل يصبح كافراً ﴿وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ أي ويناله السخط الشديد من الله والطرد من رحمة الله والعذاب الشديد في الآخرة ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُواْ﴾ أي إِذا سافرتم في الجهاد لغزو الأعداء فتثبتوا ولا تعجلوا في القتل حتى يتبين لكم المؤمن من الكافر ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ ألقى إِلَيْكُمُ السلام لَسْتَ مُؤْمِناً﴾ أي ولا تقولوا لمن حياكم بتحية الإِسلام لست مؤمناً وإِنما قلت هذا خوفاً من القتل فتقتلوه ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحياة الدنيا﴾ أي حال كونكم طالبين لماله الذي هو حطامٌ سريع الزوال ﴿فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ أي فعند الله ما هو خير من ذلك وهو ما أعده لكم من جزيل الثواب والنعيم ﴿كذلك كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ﴾ أي كذلك كنتم كفاراً فهداكم للإِسلام ومنَّ عليكم بالإِيمان فتبينوا أن تقتلوا مؤمناً وقيسوا حاله بحالكم ﴿إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ أي مطلعاً على أعمالكم فيجازيكم عليها، ثم أخبر تعالى بفضيلة المجاهدين فقال {لاَّ يَسْتَوِي القاعدون مِنَ المؤمنين - غَيْرُ أُوْلِي الضرر -
272
والمجاهدون فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} أي لا يتساوى من قعد عن الجهاد من المؤمنين مع من جاهد بماله ونفسه في سبيل الله غير أهل الأعذار كالأعمى والأعرج والمريض قال ابن عباس: هم القاعدون عن بدر والخارجون إِليها، ولما نزلت الآية قام ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله: هل لي من رصخة فوالله لو أستطيع الجهاد لجاهدتُ - وكان أعمى - فأنزل الله ﴿غَيْرُ أُوْلِي الضرر﴾ ﴿فَضَّلَ الله المجاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القاعدين دَرَجَةً﴾ أي فضل الله المجاهدين على القاعدين من أهل الأعذار درجة لاستوائهم في النية كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إِن بالمدينة أقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من وادٍ إِلا وهم معكم فيه قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال: نعم حبسهم العذر» ﴿وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى﴾ أي وكلاً من المجاهدين والقاعدين بسبب ضررٍ لحقهم وعدهم الله الجزاء الحسن في الآخرة ﴿وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين أَجْراً عَظِيماً﴾ أي وفضل الله المجاهدين في سبيل الله على القاعدين بغير عذر بالثواب الوافر العظيم ﴿دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي منازل بعضها أعلى من بعض مع المغفرة والرحمة وفي الحديث
«إِن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض».
البَلاغَة: تضمنت هذه الآيات من البلاغة والبيان والبديع أنواعاً نوجزها فيما يلي:
١ - الاستفهام بمعنى الإِنكار في ﴿فَمَا لَكُمْ فِي المنافقين﴾ ؟ وفي ﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ﴾ ؟
٢ - الطباق في ﴿أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ الله﴾ وكذلك ﴿القاعدون.... والمجاهدون﴾.
٣ - والجناس المغاير في ﴿تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ﴾ وفي ﴿مَغْفِرَةً... غَفُوراً﴾.
٤ - الإِطناب في ﴿فَضَّلَ الله المجاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ.... وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين﴾ وكذلك في ﴿أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً﴾ ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً﴾.
٥ - الاستعارة في ﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله﴾ استعار الضرب للسعي في قتال الأعداء واستعار السبيل لدين الله، ففيه استعارة الضرب للجهاد، واستعارة السبيل لدين الله.
٦ - المجاز المرسل في ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أطلق الجزء وأراد الكل أي عتق مملوك.
الفوَائِد: القتل العمد من أعظم الجرائم في نظر الإِسلام ولهذا كانت عاقبته في غاية التغليظ والتشديد وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «من أعان على قتل مسلم مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه آيسٌ من رحمة الله» وفي الحديث أيضاً «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن» تنبيه: أمر تعالى في القتل الخطأ بإِعتاق رقبةٍ مؤمنة والحكمة في هذا - والله أعلم - أنه لما اخرج نفساً مؤمنة من جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفساً مثلها في جملة الأحرار إِذ أن إِطلاقها من قيد
«إِن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض».
البَلاغَة: تضمنت هذه الآيات من البلاغة والبيان والبديع أنواعاً نوجزها فيما يلي:
١ - الاستفهام بمعنى الإِنكار في ﴿فَمَا لَكُمْ فِي المنافقين﴾ ؟ وفي ﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ﴾ ؟
٢ - الطباق في ﴿أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ الله﴾ وكذلك ﴿القاعدون.... والمجاهدون﴾.
٣ - والجناس المغاير في ﴿تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ﴾ وفي ﴿مَغْفِرَةً... غَفُوراً﴾.
٤ - الإِطناب في ﴿فَضَّلَ الله المجاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ.... وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين﴾ وكذلك في ﴿أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً﴾ ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً﴾.
٥ - الاستعارة في ﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله﴾ استعار الضرب للسعي في قتال الأعداء واستعار السبيل لدين الله، ففيه استعارة الضرب للجهاد، واستعارة السبيل لدين الله.
٦ - المجاز المرسل في ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أطلق الجزء وأراد الكل أي عتق مملوك.
الفوَائِد: القتل العمد من أعظم الجرائم في نظر الإِسلام ولهذا كانت عاقبته في غاية التغليظ والتشديد وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «من أعان على قتل مسلم مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه آيسٌ من رحمة الله» وفي الحديث أيضاً «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مؤمن» تنبيه: أمر تعالى في القتل الخطأ بإِعتاق رقبةٍ مؤمنة والحكمة في هذا - والله أعلم - أنه لما اخرج نفساً مؤمنة من جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفساً مثلها في جملة الأحرار إِذ أن إِطلاقها من قيد
273
الرق إِحياءٌ لها، والعبد الرقيق في الإِسلام له من الحقوق ما ليس للأحرار في الأمم الأخرى وليس أدل على ذلك من قوله تعالى ﴿فَمَا الذين فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ على مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ﴾ [النحل: ٧١] وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في مرضه الذي مات فيه «الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون» ومن يطّلع على معاملة الزنوج في أمريكا يتضح له جلياً صحة ما نقول وها هي الأمم الغربية تحرم استرقاق العبيد في حين أنها تسترق الأحرار، وتحرم استرقاق الأفراد وتسترق الجماعات والأمم والشعوب، باسم الاستعمار والانتداب، فأين هذه الحضارة المزعومة والمدنيَّة الزائفة من حضارة الإِسلام ومدنيته الصادقة التي حررت الشعوب والأمم والأفراد؟!
274
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ
ﱠ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﱡ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ
ﱢ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ
ﱣ
ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ
ﱤ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ
ﱥ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ
ﱦ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ
ﱧ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ
ﱨ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ
ﱩ
ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ
ﱪ
ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ
ﱫ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ
ﱬ
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ
ﱭ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ
ﱮ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ
ﱯ
ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ
ﱰ
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى ثواب المجاهدين الأبرار، أتبعه بذكر عقاب القاعدين عن الجهاد الذين سكنوا في بلاد الكفر، ثم رغب تعالى في الهجرة من دار الكفر إِلى دار الإِيمان وذكر ما يترتب عليها من السعة والأجر والثواب، ثم لما كان الجهاد والهجرة سبباص لحدوث الخوف بين تعالى صلاة المسافر وطريقة صلاة الخوف، ثم أتبع ذلك بذكر أروع مثل في الانتصار للعدالة سجله التاريخ ألا وهو إِنصاف رجل يهودي اتهم ظلماً بالسرّقة وإِدانة الذين تآمروا عليه وهم أهل بيت من الأنصار في المدينة المنورة.
اللغَة: ﴿مُرَاغَماً﴾ مذهباً ومتحولاً مشتق من الرّغام وهو التراب قال ابن قتيبة: المُراغم والمُهَاجر واحد وأصله أن الرجل كان إِذا أسلم خرج عن قومه مُراغماً لهم أي مغاضباً فقيل للمذهب مُرَاغَماً وسمي مصيرة إِلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هجرة ﴿سَعَةً﴾ اتساعاً في الرزق ﴿تَقْصُرُواْ﴾ القصر: النقص يقال قصر صلاته إِذا صلّى الرباعية ركعتين قال أبو عبيد: فيها ثلاث لغات قصرتُ الصلاة وقصَّرتها وأقصرتها ﴿تَغْفُلُونَ﴾ الغفلة: السهو الذي يعتري الإِنسان من قلة التحفظ والتيقظ ﴿مَّوْقُوتاً﴾ محدود الأوقات لا يجوز إِخراجه عن وقته ﴿تَهِنُواْ﴾ تضعفوا ﴿خَصِيماً﴾ الخصيم بمعنى المخاصم أي المنازع والمدافع ﴿خَوَّاناً﴾ مبالغاً في الخيانة.
سَبَبُ النَّزول: أ - عن ابن عباس قال: كان قوم من المسلمين أقاموا بمكة - وكانوا يستخفون بالإِسلام - فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فأصيب بعضهم فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأُكرهوا على الخروج فنزلت ﴿إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ... ﴾ الآية.
ب - كان ضمرة بن القيس من المستضعفين بمكة وكان مريضاً فلما سمع ما أنزل الله في الهجرة قال لأولاده احملوني فإِني لستُ من المستضعفين وإِني لأهتدي الطريق، والله لا أبيت الليلة بمكة فحملوه على سرير ثم خرجوا به فمات في الطريق بالتنعيم فأنزل الله ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ﴾.
ج - روي أن رجلاً من الأنصار يقال له «طُعمة بن أُبيرق» من بني ظفر سرق درعاً من جاره «قتادة ابن النعمان» في جراب دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرقٍ فيه فخبأها عند «زيد بن السمين» اليهودي فالتُمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها وما له بها علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إِلى منزل اليهودي فأخذوها فقال: دفعها إِليَّ طُعْمة وشهد له ناسٌ من اليهود فقالت بنو ظفر: انطلقوا بنا إِلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وشهدوا ببراءته وسرقة
اللغَة: ﴿مُرَاغَماً﴾ مذهباً ومتحولاً مشتق من الرّغام وهو التراب قال ابن قتيبة: المُراغم والمُهَاجر واحد وأصله أن الرجل كان إِذا أسلم خرج عن قومه مُراغماً لهم أي مغاضباً فقيل للمذهب مُرَاغَماً وسمي مصيرة إِلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هجرة ﴿سَعَةً﴾ اتساعاً في الرزق ﴿تَقْصُرُواْ﴾ القصر: النقص يقال قصر صلاته إِذا صلّى الرباعية ركعتين قال أبو عبيد: فيها ثلاث لغات قصرتُ الصلاة وقصَّرتها وأقصرتها ﴿تَغْفُلُونَ﴾ الغفلة: السهو الذي يعتري الإِنسان من قلة التحفظ والتيقظ ﴿مَّوْقُوتاً﴾ محدود الأوقات لا يجوز إِخراجه عن وقته ﴿تَهِنُواْ﴾ تضعفوا ﴿خَصِيماً﴾ الخصيم بمعنى المخاصم أي المنازع والمدافع ﴿خَوَّاناً﴾ مبالغاً في الخيانة.
سَبَبُ النَّزول: أ - عن ابن عباس قال: كان قوم من المسلمين أقاموا بمكة - وكانوا يستخفون بالإِسلام - فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فأصيب بعضهم فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأُكرهوا على الخروج فنزلت ﴿إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ... ﴾ الآية.
ب - كان ضمرة بن القيس من المستضعفين بمكة وكان مريضاً فلما سمع ما أنزل الله في الهجرة قال لأولاده احملوني فإِني لستُ من المستضعفين وإِني لأهتدي الطريق، والله لا أبيت الليلة بمكة فحملوه على سرير ثم خرجوا به فمات في الطريق بالتنعيم فأنزل الله ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ﴾.
ج - روي أن رجلاً من الأنصار يقال له «طُعمة بن أُبيرق» من بني ظفر سرق درعاً من جاره «قتادة ابن النعمان» في جراب دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرقٍ فيه فخبأها عند «زيد بن السمين» اليهودي فالتُمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما أخذها وما له بها علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إِلى منزل اليهودي فأخذوها فقال: دفعها إِليَّ طُعْمة وشهد له ناسٌ من اليهود فقالت بنو ظفر: انطلقوا بنا إِلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وشهدوا ببراءته وسرقة
275
اليهودي فهمَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يفعل فنزلت الآية ﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله.
..﴾ الآية وهرب طُعْمة إِلى مكة وارتد ونقب حائطاً بمكة ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله.
التفِسير: ﴿إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ﴾ أي تتوفاهم الملائكة حال كونهم ظالمي أنفسهم بالإِقامة مع الكفار في دار الشرك وترك الهجرة إِلى دار الإِيمان ﴿قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض﴾ أي تقول لهم الملائكة في أيّ شيء كنتم من أمر دينكم؟ وهو سؤال توبيخ وتقريع قالوا معتذرين: كنا مستضعفين في أرض مكة عاجزين عن إِقامة الدين فيها ﴿قالوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ﴾ ؟ أي قالت لهم الملائكة توبيخاً: أليست أرض الله واسعة فتهاجروا من دار الكفر إلى دارٍ تقدرون فيها على إِقامة دين الله كما فعله من هاجر إِلى المدينة وإِلى الحبشة؟ قال تعالى بياناً لجزائهم ﴿فِيهَا فأولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً﴾ أي مقرهم النار وساءت مقراً ومصيراً، ثم استثنى تعالى منهم الضعفة والعاجزين عن الهجرة فقال ﴿إِلاَّ المستضعفين مِنَ الرجال والنسآء والولدان لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً﴾ أي لكن من كان منهم مستضعفاً كالرجال والنساء والأطفال الذين استضعفهم المشركون وعجزوا لإِعسارهم وضعفهم عن الهجرة ولا يستطيعون الخلاص ولا يهتدون الطريق الموصل لدار الهجرة ﴿فأولئك عَسَى الله أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ﴾ أي لعل الله أن يعفو عنهم لأنهم لم يتركوا الهجرة اختياراً ﴿وَكَانَ الله عَفُوّاً غَفُوراً﴾ أي يعفو ويغفر لأهل الأعذار، وعسى في كلام الله تفيد التحقيق ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرض مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً﴾ هذا ترغيبٌ في الهجرة أي من يفارق وطنه ويهرب فراراً بدينه من كيد الأعداء يجد مُهَاجراً ومتجولاً في الأرض كبيراً يُراغم به أنف عدوه ويجد سعةً في الرزق فأرض الله واسعة ورزقه سابغ على العباد ﴿ياعبادي الذين آمنوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فاعبدون﴾ [العنكبوت: ٥٦] ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله﴾ أخبر تعالى أن من خرج من بلده مهاجراً من أرض الشرك فاراً بدينه إلى الله ورسوله ثم مات قبل بلوغه دار الهجرة فقد ثبت أجر هجرته على الله تعالى ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي ساتراً على العباد رحيماً بهم ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة﴾ أي وإِذا سافرتم للغزو أو التجارة أو غيرهما فلا إِثم عليكم أن تقصروا من الصلاة فتصلوا الرباعية ركعتين ﴿إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا﴾ أي إِن خشيتم أن ينالكم مكروه من أعدائكم الكفرة، وذكرُ الخوف وليس للشرط وإِنما هو لبيان الواقع حيث كانت أسفارهم لا تخلو من خوف العدو لكثرة المشركين ويؤيده حديث «يعلى بن أمية» قال قلت لعمر بن الخطاب: إِن الله يقول ﴿إِنْ خِفْتُمْ﴾ وقد أمن الناس فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه فسألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن ذلك فقال
«صدقةٌ تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» ﴿إِنَّ الكافرين كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾ أي إِن الكافرين أعداء لكم مظهرون للعداوة ولا يمنعهم فرصة اشتغالكم بمناجاة الله أن يقتلوكم {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة
..﴾ الآية وهرب طُعْمة إِلى مكة وارتد ونقب حائطاً بمكة ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله.
التفِسير: ﴿إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ﴾ أي تتوفاهم الملائكة حال كونهم ظالمي أنفسهم بالإِقامة مع الكفار في دار الشرك وترك الهجرة إِلى دار الإِيمان ﴿قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض﴾ أي تقول لهم الملائكة في أيّ شيء كنتم من أمر دينكم؟ وهو سؤال توبيخ وتقريع قالوا معتذرين: كنا مستضعفين في أرض مكة عاجزين عن إِقامة الدين فيها ﴿قالوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ﴾ ؟ أي قالت لهم الملائكة توبيخاً: أليست أرض الله واسعة فتهاجروا من دار الكفر إلى دارٍ تقدرون فيها على إِقامة دين الله كما فعله من هاجر إِلى المدينة وإِلى الحبشة؟ قال تعالى بياناً لجزائهم ﴿فِيهَا فأولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً﴾ أي مقرهم النار وساءت مقراً ومصيراً، ثم استثنى تعالى منهم الضعفة والعاجزين عن الهجرة فقال ﴿إِلاَّ المستضعفين مِنَ الرجال والنسآء والولدان لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً﴾ أي لكن من كان منهم مستضعفاً كالرجال والنساء والأطفال الذين استضعفهم المشركون وعجزوا لإِعسارهم وضعفهم عن الهجرة ولا يستطيعون الخلاص ولا يهتدون الطريق الموصل لدار الهجرة ﴿فأولئك عَسَى الله أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ﴾ أي لعل الله أن يعفو عنهم لأنهم لم يتركوا الهجرة اختياراً ﴿وَكَانَ الله عَفُوّاً غَفُوراً﴾ أي يعفو ويغفر لأهل الأعذار، وعسى في كلام الله تفيد التحقيق ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرض مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً﴾ هذا ترغيبٌ في الهجرة أي من يفارق وطنه ويهرب فراراً بدينه من كيد الأعداء يجد مُهَاجراً ومتجولاً في الأرض كبيراً يُراغم به أنف عدوه ويجد سعةً في الرزق فأرض الله واسعة ورزقه سابغ على العباد ﴿ياعبادي الذين آمنوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فاعبدون﴾ [العنكبوت: ٥٦] ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله﴾ أخبر تعالى أن من خرج من بلده مهاجراً من أرض الشرك فاراً بدينه إلى الله ورسوله ثم مات قبل بلوغه دار الهجرة فقد ثبت أجر هجرته على الله تعالى ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي ساتراً على العباد رحيماً بهم ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة﴾ أي وإِذا سافرتم للغزو أو التجارة أو غيرهما فلا إِثم عليكم أن تقصروا من الصلاة فتصلوا الرباعية ركعتين ﴿إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا﴾ أي إِن خشيتم أن ينالكم مكروه من أعدائكم الكفرة، وذكرُ الخوف وليس للشرط وإِنما هو لبيان الواقع حيث كانت أسفارهم لا تخلو من خوف العدو لكثرة المشركين ويؤيده حديث «يعلى بن أمية» قال قلت لعمر بن الخطاب: إِن الله يقول ﴿إِنْ خِفْتُمْ﴾ وقد أمن الناس فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه فسألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن ذلك فقال
«صدقةٌ تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» ﴿إِنَّ الكافرين كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾ أي إِن الكافرين أعداء لكم مظهرون للعداوة ولا يمنعهم فرصة اشتغالكم بمناجاة الله أن يقتلوكم {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة
276
فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وليأخذوا أَسْلِحَتَهُمْ} أي وإِذا كنت معهم يا محمد وهم يصلون صلاة الخوف في الحرب فلتأتم بك طائفة منهم وهم مدججون بأسلحتهم احتياطاً ولتقم الطائفة الأخرى في وجه العدو ﴿فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أخرى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ﴾ أي فإِذا فرغت الطائفة الأولى من الصلاة فلتأت الطائفة التي لم تصلّ إِلى مكانها لتصلي خلفك ﴿وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾ أي وليكونوا حذرين من عدوهم متأهبين لقتالهم بحملهم السلاح ﴿وَدَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً﴾ أي تمنى أعداؤكم أن تنشغلوا عن أسلحتكم وأمتعتكم فيأخذوكم غرة، ويشدوا عليكم شدة واحدة فيقتلونكم وأنتم تصلون والمعنى لا تتشاغلوا بأجمعكم بالصلاة فيتمكن عدوكم منكم ولكن أقيموها على ما أُمرتم به ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مرضى أَن تضعوا أَسْلِحَتَكُمْ﴾ أي لا إِثم عليكم في حالة المطر أو المرض أن لا تحملوا أسلحتكم إِذا ضعفتم عنها ﴿وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ﴾ أي كونوا متيقظين واحترزوا من عدوكم ما استطعتم ﴿إِنَّ الله أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً﴾ أي أعدَّ لهم عذاباً مخزياً مع الإِهانة، روى ابن كثير عند هذه الآية عن أبي عياش الزُرقي قال: «كنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعُسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد - وهم بيننا وبين القبلة - فصلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الظهر فقالوا: لقد كانوا على حالٍ لو أصبنا غرتهم ثم قالوا: يأتي عليهم الآن صلاة هي أحبُّ إِليهم من أبنائهم وأنفسهم قال: فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر» ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة﴾ الآية ثم أمر تعالى بكثرة ذكره عقب صلاة الخوف فقال ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة فاذكروا الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِكُمْ﴾ أي فإِذا فرغتم من الصلاة فأكثروا من ذكر الله في حال قيامكم وقعودكم واضطجاعكم واذكروه في جميع الحالات لعلة ينصركم على عدوكم ﴿فَإِذَا اطمأننتم فَأَقِيمُواْ الصلاة﴾ أي فإِذا أمنتم وذهب الخوف فأتموا الصلاة وأقيموها كما أمرتم بخشوعها وركوعها وسجودها وجميع شروطها ﴿إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً﴾ أي فرضاً محدوداً بأوقات معلومة لا يجوز تأخيرها عنه، ثم حث تعالى على الجهاد والصبر عند الشدائد فقال ﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابتغآء القوم﴾ أي لا تضعفوا في طلب عدوكم بل جدّوا فيهم وقاتلوهم واقعدوا لهم كل مرصد ﴿إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ الله مَا لاَ يَرْجُونَ﴾ أي إِن كنتم تتألمون من الجراح والقتال فإِنهم يتألمون أيضاً منه كما تتألمون ولكنكم ترجون من الله الشهادة والمثوبة والنصر حيث لا يرجونه هم ﴿وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً﴾ أي عليماً بمصالح خلقه حكيماً في تشريعه وتدبيره، قال القرطبي: نزلت هذه الآية في حرب أُحد حيث أمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالخروج في آثار المشركين وكان بالمسلمين جراحات وكان أمر ألا يخرج معه إِلا من حضر في تلك الوقعة، وقيل: هذا في كل جهاد.
﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله﴾ أي إِنا أنزلنا إِليك يا محمد القرآن متلبساً بالحق لتحكم بين الناس بما عرّفك الله وأوحى به إِليك ﴿وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً﴾ أي لا تكن مدافعاً ومخاصماً عن الخائنين
﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله﴾ أي إِنا أنزلنا إِليك يا محمد القرآن متلبساً بالحق لتحكم بين الناس بما عرّفك الله وأوحى به إِليك ﴿وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً﴾ أي لا تكن مدافعاً ومخاصماً عن الخائنين
277
تجادل وتدافع عنهم، والمراد به «طعمة بن أبيرق» وجماعته ﴿واستغفر الله﴾ أي استغفر الله مما هممتَ به من الدفاع عن طُعْمة اطمئناناً لشهادة قومه بصلاحه ﴿إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي مبالغاً في المغفرة والرحمة لمن يستغفره ﴿وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الذين يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ أي لا تخاصم وتدافع عن الذين يخونون أنفسهم بالمعاصي ﴿إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً﴾ أي لا يحب من كان مفرطاً في الخيانة منهمكاً في المعاصي والآثام ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ الناس وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله﴾ أي يستترون من الناس خوفاً وحياءً ولا يستحيون من الله وهو أحق بأن يُستحيا منه ويخاف من عقابه ﴿وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يرضى مِنَ القول﴾ أي وهو معهم جل وعلا عالم بهم وبأحوالهم يسمع ما يدبرونه في الخفاء ويضمرونه في السر من رمي البريء وشهادة الزور والحلف الكاذب ﴿وَكَانَ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً﴾ أي لا يعزب عنه شيء منها ولا يفوت.. ثم قال تعالى توبيخاً لقوم طُعْمة ﴿هَا أَنْتُمْ هؤلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الحياة الدنيا﴾ أي ها أنتم يا معشر القوم دافعتم عن السارق والخائنين في الدنيا ﴿فَمَن يُجَادِلُ الله عَنْهُمْ يَوْمَ القيامة﴾ أي فمن يدافع عنهم في الآخرة إِذا أخذهم الله بعذابه؟ ﴿أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾ ؟؟ أي من يتولى الدفاع عنهم ونصرتهم من بأس الله وانتقامه؟ ثم دعاهم الله تعالى إِلى الإِنابة والتوبة فقال ﴿وَمَن يَعْمَلْ سواءا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ﴾ أي من يعمل أمراً قبيحاً يسوء به غيره كاتهام بريء أو يرتكب جريمة يظلم بها نفسه كالسرقة ﴿ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي ثم يتوب من ذنبه يجد الله عظيم المغفرة واسع الرحمة قال ابن عباس: عرض اللهُ التوبة بهذه الآية على بني أُبيرق ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ على نَفْسِهِ وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً﴾ أي من يقترف إِثماً متعمداً فإِنما يعود وبال ذلك على نفسه وكان الله عليماً بذنبه حكيماً في عقابه ﴿وَمَن يَكْسِبْ خطيائة أَوْ إِثْماً﴾ أي من يفعل ذنباً صغيراً أو إِثماً كبيراً ﴿ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احتمل بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾ أي ثم ينسب ذلك إِلى بريء ويتهمه به فقد تحمّل جرماً وذنباً واضحاً، ثم بين تعالى فضله على رسوله فقال ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ﴾ أي لولا فضل الله عليك بالنبوة ورحمته بالعصمة لهمت جماعة منهم أن يضلوك عن الحق، وذلك حين سألوا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يبرئ صاحبهم «طُعْمة» من التهمة ويلحقها باليهودي فتفضل الله عَزَّ وَجَلَّ على رسوله بأن أطلعه على الحقيقة ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ﴾ أي وبال إِضلالهم راجع عليهم ﴿وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ﴾ أي وما يضرونك يا محمد لأن الله عاصمك من ذلك ﴿وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الكتاب والحكمة﴾ أي أنزل الله عليك القرآن والسنة فكيف يضلونك وهو تعالى يُنزل عليك الكتاب ويوحي إِليك بالأحكام ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ أي علمك ما لم تكن تعلمه من الشرائع والأمور الغيبية وكان فضله تعالى عليك كبيراً بالوحي والرسالة وسائر النعم الجسيمة.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من البلاغة والبيان والبديع أنواعاً نوجزها فيما يلي:
١ - الاستفهام الذي يراد به التوبيخ والتقريع في ﴿قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ﴾ ؟ وفي ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً﴾ ؟
٢ -
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من البلاغة والبيان والبديع أنواعاً نوجزها فيما يلي:
١ - الاستفهام الذي يراد به التوبيخ والتقريع في ﴿قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ﴾ ؟ وفي ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً﴾ ؟
٢ -
278
إِطلاق العام وإِرادة الخاص ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة﴾ أريد بها صلاة الخوف.
٣ - الجناس المغاير في ﴿يَعْفُوَ... عَفُوّاً﴾ وفي ﴿يُهَاجِرْ... مُهَاجِراً﴾ وفي ﴿يَخْتَانُونَ... خَوَّاناً﴾ وفي ﴿يَسْتَغْفِرِ... غَفُوراً﴾.
٤ - إِطلاق الجمع على الواحد في ﴿تَوَفَّاهُمُ الملائكة﴾ يراد به ملك الموت وذكر بصيغة الجمع تفخيماً له وتعظيماً لشأنه.
٥ - طباق السلب ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ الناس وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله﴾.
٦ - الاطناب بكرار لفظ الصلاة تنبيهاً على فضلها ﴿إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً﴾.
٣ - الجناس المغاير في ﴿يَعْفُوَ... عَفُوّاً﴾ وفي ﴿يُهَاجِرْ... مُهَاجِراً﴾ وفي ﴿يَخْتَانُونَ... خَوَّاناً﴾ وفي ﴿يَسْتَغْفِرِ... غَفُوراً﴾.
٤ - إِطلاق الجمع على الواحد في ﴿تَوَفَّاهُمُ الملائكة﴾ يراد به ملك الموت وذكر بصيغة الجمع تفخيماً له وتعظيماً لشأنه.
٥ - طباق السلب ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ الناس وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله﴾.
٦ - الاطناب بكرار لفظ الصلاة تنبيهاً على فضلها ﴿إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً﴾.
279
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ
ﱱ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ
ﱲ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ
ﱳ
ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﱴ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﱵ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﱶ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ
ﱷ
ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ
ﱸ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ
ﱹ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
ﱺ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ
ﱻ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ
ﱼ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﱽ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ
ﱾ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ
ﱿ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ
ﲀ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ
ﲁ
ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ
ﲂ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ
ﲃ
ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ
ﲄ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ
ﲅ
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى قصة طُعْمة وحادثة السرقة التي اتهم بها اليهودي البريء ودفاع قومه عنه وتآمرهم في السرّ لإِيقاع البرئ بها، ذكر تعالى هنا أن موضوع النجوى لا يخفى على الله وأن كل تدبير في السرّ يعلمه الله، وأنه لا خير في التناجي إِلا ما كان بقصد الخير والإِصلاح، ثم ذكر تعالى أن مخالفة أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ جرمٌ عظيم وحذَّر من الشيطان وطرق إِغوائه، ثم عاد الحديث إِلى التحذير من ظلم النساء في ميراثهن ومهورهن وأكد على وجوب الإِحسان إِليهن، وأعقبه بذكر النشوز والطريق إِلى الإِصلاح بين الزوجين إِمّا بالوفاق أو بالفراق.
اللغَة: ﴿نَّجْوَاهُمْ﴾ النجوى: السرُّ بين الإِثنين قال الواحدي: ولا تكون النجوى إِلا بين اثنين ﴿يُشَاقِقِ﴾ يخالف والشقاقُ: الخلاف مع العداوة لأن كلاً من المتخالفين يكون في شق غير شق الآخر ﴿مَّرِيداً﴾ المريد: العاتي المتمرد من مرد إِذا عتا وتجبر قال الأزهري: مرد الرجل إِذا عتا وخرج عن الطاعة فهو ما رد ومريد ﴿فَلَيُبَتِّكُنَّ﴾ البتك: القطع ومنه سيف باتك أي قاطع ﴿مَحِيصاً﴾ مهرباً من حاص إِذا هرب ونفر وفي المثل «وقعوا في حيص بيص» أي فيما لا يقدر على التخلص منه ﴿خَلِيلاً﴾ من الخلة وهي صفاء المودة قال ثعلب: سمي الخليل خليلاً لأن محبته تتخلل القلب فلا تدع فيه خللاً إِلا ملأته قال بشار:
اللغَة: ﴿نَّجْوَاهُمْ﴾ النجوى: السرُّ بين الإِثنين قال الواحدي: ولا تكون النجوى إِلا بين اثنين ﴿يُشَاقِقِ﴾ يخالف والشقاقُ: الخلاف مع العداوة لأن كلاً من المتخالفين يكون في شق غير شق الآخر ﴿مَّرِيداً﴾ المريد: العاتي المتمرد من مرد إِذا عتا وتجبر قال الأزهري: مرد الرجل إِذا عتا وخرج عن الطاعة فهو ما رد ومريد ﴿فَلَيُبَتِّكُنَّ﴾ البتك: القطع ومنه سيف باتك أي قاطع ﴿مَحِيصاً﴾ مهرباً من حاص إِذا هرب ونفر وفي المثل «وقعوا في حيص بيص» أي فيما لا يقدر على التخلص منه ﴿خَلِيلاً﴾ من الخلة وهي صفاء المودة قال ثعلب: سمي الخليل خليلاً لأن محبته تتخلل القلب فلا تدع فيه خللاً إِلا ملأته قال بشار:
قد تخلّلتِ مسلك الروح مني | وبه سمي الخليل خليلاً |
عجباً للمسيح بين النصارى | وإِلى أي والدٍ نسبوه! |
أسلموه إِلى اليهود وقالوا | إِنهم بعد ضربه صلبوه |
فإِذا كان ما يقولون حقاً | وصحيحقاً فأين كان أبوه؟ |
حين خلّى ابنه رهين الأعادي | أتراهم أرضوه أم أغضبوه؟ |
فلئن كان راضياً بأذاهم | فاحمدوهم لأنهم عذبوه |
ولئن كان ساخطاً فاتركوه | واعبدوهم لأنهم غلبوه |
٤ - في قوله ﴿يَشْهَدُونَ | شَهِيداً﴾ جناس الاشتقاق. |
297