تفسير سورة سورة النساء من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
سُورَة النِّسَاء : وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ إِلَّا آيَةً وَاحِدَةً نَزَلَتْ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي عُثْمَانَ بْن طَلْحَةَ الْحَجَبِيّ وَهِيَ قَوْله :" إِنَّ اللَّه يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا " [ النِّسَاء : ٥٨ ] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.
قَالَ النَّقَّاش : وَقِيلَ : نَزَلَتْ عِنْد هِجْرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة.
وَقَدْ قَالَ بَعْض النَّاس : إِنَّ قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا النَّاس " حَيْثُ وَقَعَ إِنَّمَا هُوَ مَكِّيٌّ ; وَقَالَهُ عَلْقَمَة وَغَيْره، فَيُشْبِه أَنْ يَكُون صَدْر السُّورَة مَكِّيًّا، وَمَا نَزَلَ بَعْد الْهِجْرَة فَإِنَّمَا هُوَ مَدَنِيٌّ.
وَقَالَ النَّحَّاسُ : هَذِهِ السُّورَة مَكِّيَّة.
قُلْت : وَالصَّحِيح الْأَوَّل، فَإِنَّ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ : مَا نَزَلَتْ سُورَة النِّسَاء إِلَّا وَأَنَا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; تَعْنِي قَدْ بَنَى بِهَا.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَنَى بِعَائِشَةَ بِالْمَدِينَةِ.
وَمَنْ تَبَيَّنَ أَحْكَامَهَا عَلِمَ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ لَا شَكَّ فِيهَا.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إِنَّ قَوْله.
" يَا أَيُّهَا النَّاس " مَكِّيٌّ حَيْثُ وَقَعَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ; فَإِنَّ الْبَقَرَةَ مَدَنِيَّةٌ وَفِيهَا قَوْله، " يَا أَيّهَا النَّاس " فِي مَوْضِعَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " اِشْتِقَاق " النَّاس " وَمَعْنَى التَّقْوَى وَالرَّبّ وَالْخَلْق وَالزَّوْج وَالْبَثّ، فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.
وَفِي الْآيَة تَنْبِيهٌ عَلَى الصَّانِعِ.
سُورَة النِّسَاء : وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ إِلَّا آيَةً وَاحِدَةً نَزَلَتْ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي عُثْمَانَ بْن طَلْحَةَ الْحَجَبِيّ وَهِيَ قَوْله :" إِنَّ اللَّه يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا " [ النِّسَاء : ٥٨ ] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.
قَالَ النَّقَّاش : وَقِيلَ : نَزَلَتْ عِنْد هِجْرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة.
وَقَدْ قَالَ بَعْض النَّاس : إِنَّ قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا النَّاس " حَيْثُ وَقَعَ إِنَّمَا هُوَ مَكِّيٌّ ; وَقَالَهُ عَلْقَمَة وَغَيْره، فَيُشْبِه أَنْ يَكُون صَدْر السُّورَة مَكِّيًّا، وَمَا نَزَلَ بَعْد الْهِجْرَة فَإِنَّمَا هُوَ مَدَنِيٌّ.
وَقَالَ النَّحَّاسُ : هَذِهِ السُّورَة مَكِّيَّة.
قُلْت : وَالصَّحِيح الْأَوَّل، فَإِنَّ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ : مَا نَزَلَتْ سُورَة النِّسَاء إِلَّا وَأَنَا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; تَعْنِي قَدْ بَنَى بِهَا.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بَنَى بِعَائِشَةَ بِالْمَدِينَةِ.
وَمَنْ تَبَيَّنَ أَحْكَامَهَا عَلِمَ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ لَا شَكَّ فِيهَا.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إِنَّ قَوْله.
" يَا أَيُّهَا النَّاس " مَكِّيٌّ حَيْثُ وَقَعَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ; فَإِنَّ الْبَقَرَةَ مَدَنِيَّةٌ وَفِيهَا قَوْله، " يَا أَيّهَا النَّاس " فِي مَوْضِعَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " اِشْتِقَاق " النَّاس " وَمَعْنَى التَّقْوَى وَالرَّبّ وَالْخَلْق وَالزَّوْج وَالْبَثّ، فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.
وَفِي الْآيَة تَنْبِيهٌ عَلَى الصَّانِعِ.
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
تَأْنِيث لَفْظ النَّفْس.
وَلَفْظ النَّفْس يُؤَنَّث وَإِنْ عُنِيَ بِهِ مُذَكَّرٌ.
وَيَجُوز فِي الْكَلَام " مِنْ نَفْسٍ وَاحِدٍ " وَهَذَا عَلَى مُرَاعَاة الْمَعْنَى ; إِذْ الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام ; قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة.
وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن أَبِي عَبْلَةَ " وَاحِدٍ " بِغَيْرِ هَاءٍ.
تَأْنِيث لَفْظ النَّفْس.
وَلَفْظ النَّفْس يُؤَنَّث وَإِنْ عُنِيَ بِهِ مُذَكَّرٌ.
وَيَجُوز فِي الْكَلَام " مِنْ نَفْسٍ وَاحِدٍ " وَهَذَا عَلَى مُرَاعَاة الْمَعْنَى ; إِذْ الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام ; قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة.
وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن أَبِي عَبْلَةَ " وَاحِدٍ " بِغَيْرِ هَاءٍ.
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
يَعْنِي حَوَّاء وَقَدْ مَضَى مَعْنَى الزَّوْج فِي " الْبَقَرَة "
يَعْنِي حَوَّاء وَقَدْ مَضَى مَعْنَى الزَّوْج فِي " الْبَقَرَة "
زَوْجَهَا
مَعْنَاهُ فَرَّقَ وَنَشَرَ فِي الْأَرْض ; وَمِنْهُ " وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَة " [ الْغَاشِيَة : ١٦ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة ".
مَعْنَاهُ فَرَّقَ وَنَشَرَ فِي الْأَرْض ; وَمِنْهُ " وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَة " [ الْغَاشِيَة : ١٦ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة ".
وَبَثَّ
يَعْنِي آدَمَ وَحَوَّاءَ.
قَالَ مُجَاهِد : خُلِقَتْ حَوَّاء مِنْ قُصَيْرَى آدَمَ.
وَفِي الْحَدِيث :( خُلِقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ ضِلَعٍ عَوْجَاءَ )، وَقَدْ مَضَى فِي الْبَقَرَة.
يَعْنِي آدَمَ وَحَوَّاءَ.
قَالَ مُجَاهِد : خُلِقَتْ حَوَّاء مِنْ قُصَيْرَى آدَمَ.
وَفِي الْحَدِيث :( خُلِقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ ضِلَعٍ عَوْجَاءَ )، وَقَدْ مَضَى فِي الْبَقَرَة.
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا
حَصَرَ ذُرِّيَّتَهُمَا فِي نَوْعَيْنِ ; فَاقْتَضَى أَنَّ الْخُنْثَى لَيْسَ بِنَوْعٍ، لَكِنْ لَهُ حَقِيقَةٌ تَرُدُّهُ إِلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ وَهِيَ الْآدَمِيَّةُ فَيَلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي " الْبَقَرَة " مِنْ اِعْتِبَار نَقْص الْأَعْضَاء وَزِيَادَتهَا.
حَصَرَ ذُرِّيَّتَهُمَا فِي نَوْعَيْنِ ; فَاقْتَضَى أَنَّ الْخُنْثَى لَيْسَ بِنَوْعٍ، لَكِنْ لَهُ حَقِيقَةٌ تَرُدُّهُ إِلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ وَهِيَ الْآدَمِيَّةُ فَيَلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي " الْبَقَرَة " مِنْ اِعْتِبَار نَقْص الْأَعْضَاء وَزِيَادَتهَا.
وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
كَرَّرَ الِاتِّقَاءَ تَأْكِيدًا وَتَنْبِيهًا لِنُفُوسِ الْمَأْمُورِينَ.
وَ " الَّذِي " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى النَّعْت.
" وَالْأَرْحَام " مَعْطُوف.
أَيْ اِتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَعْصُوهُ، وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا.
وَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة " تَسَّاءَلُونَ " بِإِدْغَامِ التَّاء فِي السِّين.
وَأَهْل الْكُوفَة بِحَذْفِ التَّاء، لِاجْتِمَاعِ تَاءَيْنِ، وَتَخْفِيفِ السِّينِ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى يُعْرَف ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ :" وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْم " [ الْمَائِدَة : ٢ ] وَ " تَنَزَّلُ " وَشَبَهه.
وَقَرَأَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَقَتَادَة وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة " الْأَرْحَامِ " بِالْخَفْضِ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّحْوِيُّونَ فِي ذَلِكَ.
فَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ فَقَالَ رُؤَسَاؤُهُمْ : هُوَ لَحْنٌ لَا تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ بِهِ.
وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ فَقَالُوا : هُوَ قَبِيحٌ ; وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى هَذَا وَلَمْ يَذْكُرُوا عِلَّةَ قُبْحِهِ ; قَالَ النَّحَّاس : فِيمَا عَلِمْت.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : لَمْ يُعْطَف عَلَى الْمُضْمَر الْمَخْفُوض ; لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّنْوِين، وَالتَّنْوِين لَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ جَمَاعَة : هُوَ مَعْطُوف عَلَى الْمَكْنِيّ ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ بِهَا، يَقُول الرَّجُل : سَأَلْتُك بِاَللَّهِ وَالرَّحِمِ ; هَكَذَا فَسَّرَهُ الْحَسَن وَالنَّخَعِيّ وَمُجَاهِد، وَهُوَ الصَّحِيح فِي الْمَسْأَلَة، عَلَى مَا يَأْتِي.
وَضَعَّفَهُ أَقْوَام مِنْهُمْ الزَّجَّاج، وَقَالُوا : يَقْبُحُ عَطْفُ الِاسْمِ الظَّاهِر عَلَى الْمُضْمَر فِي الْخَفْض إِلَّا بِإِظْهَارِ الْخَافِض ; كَقَوْلِهِ " فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ " [ الْقَصَص : ٨١ ] وَيَقْبُحُ " مَرَرْت بِهِ وَزَيْدٍ ".
قَالَ الزَّجَّاج عَنْ الْمَازِنِيّ : لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ شَرِيكَانِ.
يَحُلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحِلَّ صَاحِبِهِ ; فَكَمَا لَا يَجُوز " مَرَرْت بِزَيْدٍ وَكَ " كَذَلِكَ لَا يَجُوز " مَرَرْت بِك وَزَيْدٍ ".
وَأَمَّا سِيبَوَيْهِ فَهِيَ عِنْده قَبِيحَة وَلَا تَجُوز إِلَّا فِي الشِّعْر ; كَمَا قَالَ :
عَطَفَ " الْأَيَّام " عَلَى الْكَاف فِي " بِك " بِغَيْرِ الْبَاء لِلضَّرُورَةِ.
وَكَذَلِكَ قَوْل الْآخَر :
عَطَفَ " الْكَعْب " عَلَى الضَّمِير فِي " بَيْنهَا " ضَرُورَة.
وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : ذَلِكَ ضَعِيف فِي الْقِيَاس.
وَفِي كِتَاب التَّذْكِرَة الْمَهْدِيَّة عَنْ الْفَارِسِيّ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاس الْمُبَرِّدَ قَالَ : لَوْ صَلَّيْت خَلْفَ إِمَامٍ يَقْرَأ " مَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيِّ " [ إِبْرَاهِيم : ٢٢ ] و " اِتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ " لَأَخَذْت نَعْلِي وَمَضَيْت.
قَالَ الزَّجَّاج : قِرَاءَة حَمْزَة مَعَ ضَعْفهَا وَقُبْحِهَا فِي الْعَرَبِيَّة خَطَأ عَظِيم فِي أُصُول أَمْر الدِّين ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ) فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّه فَكَيْفَ يَجُوز بِالرَّحِمِ.
كَرَّرَ الِاتِّقَاءَ تَأْكِيدًا وَتَنْبِيهًا لِنُفُوسِ الْمَأْمُورِينَ.
وَ " الَّذِي " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى النَّعْت.
" وَالْأَرْحَام " مَعْطُوف.
أَيْ اِتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَعْصُوهُ، وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا.
وَقَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة " تَسَّاءَلُونَ " بِإِدْغَامِ التَّاء فِي السِّين.
وَأَهْل الْكُوفَة بِحَذْفِ التَّاء، لِاجْتِمَاعِ تَاءَيْنِ، وَتَخْفِيفِ السِّينِ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى يُعْرَف ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ :" وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْم " [ الْمَائِدَة : ٢ ] وَ " تَنَزَّلُ " وَشَبَهه.
وَقَرَأَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَقَتَادَة وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة " الْأَرْحَامِ " بِالْخَفْضِ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّحْوِيُّونَ فِي ذَلِكَ.
فَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ فَقَالَ رُؤَسَاؤُهُمْ : هُوَ لَحْنٌ لَا تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ بِهِ.
وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ فَقَالُوا : هُوَ قَبِيحٌ ; وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى هَذَا وَلَمْ يَذْكُرُوا عِلَّةَ قُبْحِهِ ; قَالَ النَّحَّاس : فِيمَا عَلِمْت.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : لَمْ يُعْطَف عَلَى الْمُضْمَر الْمَخْفُوض ; لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّنْوِين، وَالتَّنْوِين لَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ جَمَاعَة : هُوَ مَعْطُوف عَلَى الْمَكْنِيّ ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ بِهَا، يَقُول الرَّجُل : سَأَلْتُك بِاَللَّهِ وَالرَّحِمِ ; هَكَذَا فَسَّرَهُ الْحَسَن وَالنَّخَعِيّ وَمُجَاهِد، وَهُوَ الصَّحِيح فِي الْمَسْأَلَة، عَلَى مَا يَأْتِي.
وَضَعَّفَهُ أَقْوَام مِنْهُمْ الزَّجَّاج، وَقَالُوا : يَقْبُحُ عَطْفُ الِاسْمِ الظَّاهِر عَلَى الْمُضْمَر فِي الْخَفْض إِلَّا بِإِظْهَارِ الْخَافِض ; كَقَوْلِهِ " فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ " [ الْقَصَص : ٨١ ] وَيَقْبُحُ " مَرَرْت بِهِ وَزَيْدٍ ".
قَالَ الزَّجَّاج عَنْ الْمَازِنِيّ : لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ شَرِيكَانِ.
يَحُلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحِلَّ صَاحِبِهِ ; فَكَمَا لَا يَجُوز " مَرَرْت بِزَيْدٍ وَكَ " كَذَلِكَ لَا يَجُوز " مَرَرْت بِك وَزَيْدٍ ".
وَأَمَّا سِيبَوَيْهِ فَهِيَ عِنْده قَبِيحَة وَلَا تَجُوز إِلَّا فِي الشِّعْر ; كَمَا قَالَ :
فَالْيَوْمَ قَرَّبْت تَهْجُونَا وَتَشْتُمُنَا | فَاذْهَبْ فَمَا بِك وَالْأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ |
وَكَذَلِكَ قَوْل الْآخَر :
نُعَلِّقُ فِي مِثْلِ السَّوَارِي سُيُوفَنَا | وَمَا بَيْنَهَا وَالْكَعْبِ مَهْوَى نَفَانِفُ |
وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : ذَلِكَ ضَعِيف فِي الْقِيَاس.
وَفِي كِتَاب التَّذْكِرَة الْمَهْدِيَّة عَنْ الْفَارِسِيّ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاس الْمُبَرِّدَ قَالَ : لَوْ صَلَّيْت خَلْفَ إِمَامٍ يَقْرَأ " مَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيِّ " [ إِبْرَاهِيم : ٢٢ ] و " اِتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ " لَأَخَذْت نَعْلِي وَمَضَيْت.
قَالَ الزَّجَّاج : قِرَاءَة حَمْزَة مَعَ ضَعْفهَا وَقُبْحِهَا فِي الْعَرَبِيَّة خَطَأ عَظِيم فِي أُصُول أَمْر الدِّين ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ) فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّه فَكَيْفَ يَجُوز بِالرَّحِمِ.
وَرَأَيْت إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ يَذْهَب إِلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّه أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَأَنَّهُ خَاصٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.
قَالَ النَّحَّاس : وَقَوْل بَعْضِهِمْ " وَالْأَرْحَام " قَسَمٌ خَطَأ مِنْ الْمَعْنَى وَالْإِعْرَاب ; لِأَنَّ الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى النَّصْب.
وَرَوَى شُعْبَة عَنْ عَوْن بْن أَبِي جُحَيْفَة عَنْ الْمُنْذِر بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ قَوْم مِنْ مُضَرَ حُفَاةً عُرَاةً، فَرَأَيْت وَجْهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّر لِمَا رَأَى مِنْ فَاقَتِهِمْ ; ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ وَخَطَبَ النَّاس فَقَالَ :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ، إِلَى : وَالْأَرْحَام ) ; ثُمَّ قَالَ :( تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِدِينَارِهِ تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِدِرْهَمِهِ تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِصَاعِ تَمْرِهِ... ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
فَمَعْنَى هَذَا عَلَى النَّصْب ; لِأَنَّهُ حَضَّهُمْ عَلَى صِلَةِ أَرْحَامِهِمْ.
وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ ).
فَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ : الْمَعْنَى أَسْأَلُك بِاَللَّهِ وَبِالرَّحِمِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو إِسْحَاق : مَعْنَى " تَسَاءَلُونَ بِهِ " يَعْنِي تَطْلُبُونَ حُقُوقَكُمْ بِهِ.
وَلَا مَعْنَى لِلْخَفْضِ أَيْضًا مَعَ هَذَا.
قُلْت : هَذَا مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْل لِعُلَمَاء اللِّسَان فِي مَنْعِ قِرَاءَةِ " وَالْأَرْحَامِ " بِالْخَفْضِ، وَاخْتَارَهُ اِبْن عَطِيَّةَ.
وَرَدَّهُ الْإِمَام أَبُو نَصْر عَبْد الرَّحِيم بْن عَبْد الْكَرِيم الْقُشَيْرِيّ، وَاخْتَارَ الْعَطْف فَقَالَ : وَمِثْل هَذَا الْكَلَام مَرْدُود عِنْد أَئِمَّة الدِّين ; لِأَنَّ الْقِرَاءَات الَّتِي قَرَأَ بِهَا أَئِمَّة الْقُرَّاء ثَبَتَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاتُرًا يَعْرِفهُ أَهْل الصَّنْعَة، وَإِذَا ثَبَتَ شَيْء عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ رَدَّ ذَلِكَ فَقَدْ رَدَّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَقْبَحَ مَا قَرَأَ بِهِ، وَهَذَا مَقَامٌ مَحْذُورٌ، وَلَا يُقَلَّدُ فِيهِ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ ; فَإِنَّ الْعَرَبِيَّة تُتَلَقَّى مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي فَصَاحَتِهِ.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَدِيث فَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِأَبِي الْعُشَرَاء :( وَأَبِيك لَوْ طَعَنْت فِي خَاصِرَتِهِ ).
ثُمَّ النَّهْي إِنَّمَا جَاءَ فِي الْحَلِف بِغَيْرِ اللَّه، وَهَذَا تَوَسُّلٌ إِلَى الْغَيْرِ بِحَقِّ الرَّحِمِ فَلَا نَهْيَ فِيهِ.
قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقَدْ قِيلَ هَذَا إِقْسَامٌ بِالرَّحِمِ، أَيْ اِتَّقُوا اللَّه وَحَقِّ الرَّحِمِ ; كَمَا تَقُول : اِفْعَلْ كَذَا وَحَقِّ أَبِيك.
وَقَدْ جَاءَ فِي التَّنْزِيل :" وَالنَّجْمِ، وَالطُّورِ، وَالتِّينِ، لَعَمْرُك " وَهَذَا تَكَلُّفٌ
قَالَ النَّحَّاس : وَقَوْل بَعْضِهِمْ " وَالْأَرْحَام " قَسَمٌ خَطَأ مِنْ الْمَعْنَى وَالْإِعْرَاب ; لِأَنَّ الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى النَّصْب.
وَرَوَى شُعْبَة عَنْ عَوْن بْن أَبِي جُحَيْفَة عَنْ الْمُنْذِر بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ قَوْم مِنْ مُضَرَ حُفَاةً عُرَاةً، فَرَأَيْت وَجْهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّر لِمَا رَأَى مِنْ فَاقَتِهِمْ ; ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ وَخَطَبَ النَّاس فَقَالَ :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ، إِلَى : وَالْأَرْحَام ) ; ثُمَّ قَالَ :( تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِدِينَارِهِ تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِدِرْهَمِهِ تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِصَاعِ تَمْرِهِ... ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
فَمَعْنَى هَذَا عَلَى النَّصْب ; لِأَنَّهُ حَضَّهُمْ عَلَى صِلَةِ أَرْحَامِهِمْ.
وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ ).
فَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ : الْمَعْنَى أَسْأَلُك بِاَللَّهِ وَبِالرَّحِمِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو إِسْحَاق : مَعْنَى " تَسَاءَلُونَ بِهِ " يَعْنِي تَطْلُبُونَ حُقُوقَكُمْ بِهِ.
وَلَا مَعْنَى لِلْخَفْضِ أَيْضًا مَعَ هَذَا.
قُلْت : هَذَا مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْل لِعُلَمَاء اللِّسَان فِي مَنْعِ قِرَاءَةِ " وَالْأَرْحَامِ " بِالْخَفْضِ، وَاخْتَارَهُ اِبْن عَطِيَّةَ.
وَرَدَّهُ الْإِمَام أَبُو نَصْر عَبْد الرَّحِيم بْن عَبْد الْكَرِيم الْقُشَيْرِيّ، وَاخْتَارَ الْعَطْف فَقَالَ : وَمِثْل هَذَا الْكَلَام مَرْدُود عِنْد أَئِمَّة الدِّين ; لِأَنَّ الْقِرَاءَات الَّتِي قَرَأَ بِهَا أَئِمَّة الْقُرَّاء ثَبَتَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاتُرًا يَعْرِفهُ أَهْل الصَّنْعَة، وَإِذَا ثَبَتَ شَيْء عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ رَدَّ ذَلِكَ فَقَدْ رَدَّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَقْبَحَ مَا قَرَأَ بِهِ، وَهَذَا مَقَامٌ مَحْذُورٌ، وَلَا يُقَلَّدُ فِيهِ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ ; فَإِنَّ الْعَرَبِيَّة تُتَلَقَّى مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي فَصَاحَتِهِ.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَدِيث فَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِأَبِي الْعُشَرَاء :( وَأَبِيك لَوْ طَعَنْت فِي خَاصِرَتِهِ ).
ثُمَّ النَّهْي إِنَّمَا جَاءَ فِي الْحَلِف بِغَيْرِ اللَّه، وَهَذَا تَوَسُّلٌ إِلَى الْغَيْرِ بِحَقِّ الرَّحِمِ فَلَا نَهْيَ فِيهِ.
قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقَدْ قِيلَ هَذَا إِقْسَامٌ بِالرَّحِمِ، أَيْ اِتَّقُوا اللَّه وَحَقِّ الرَّحِمِ ; كَمَا تَقُول : اِفْعَلْ كَذَا وَحَقِّ أَبِيك.
وَقَدْ جَاءَ فِي التَّنْزِيل :" وَالنَّجْمِ، وَالطُّورِ، وَالتِّينِ، لَعَمْرُك " وَهَذَا تَكَلُّفٌ
وَقُلْت : لَا تَكَلُّفَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُد أَنْ يَكُون " وَالْأَرْحَامِ " مِنْ هَذَا الْقَبِيل، فَيَكُون أَقْسَمَ بِهَا كَمَا أَقْسَمَ بِمَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَقُدْرَتِهِ تَأْكِيدًا لَهَا حَتَّى قَرَنَهَا بِنَفْسِهِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِلَّهِ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ وَيَمْنَعَ مَا شَاءَ وَيُبِيحَ مَا شَاءَ، فَلَا يَبْعُد أَنْ يَكُون قَسَمًا.
وَالْعَرَب تُقْسِمُ بِالرَّحِمِ.
وَيَصِحّ أَنْ تَكُون الْبَاء مُرَادَة فَحَذَفَهَا كَمَا حَذَفَهَا فِي قَوْله :
فَجَرَّ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ بَاءٌ.
قَالَ اِبْن الدَّهَّان أَبُو مُحَمَّد سَعِيد بْن مُبَارَك : وَالْكُوفِيّ يُجِيز عَطْف الظَّاهِر عَلَى الْمَجْرُورِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ.
وَمِنْهُ قَوْله :
وَمِنْهُ :
فَاذْهَبْ فَمَا بِك وَالْأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ
وَقَوْل الْآخَر :
وَمَا بَيْنَهَا وَالْكَعْبِ غَوْطٌ نَفَانِفُ
وَمِنْهُ :
فَحَسْبُك وَالضَّحَّاكِ سَيْفٌ مُهَنَّدُ
وَقَوْل الْآخَر :
وَقَوْل الْآخَر :
وَقَوْل الْآخَر :
ف " سِوَاهَا " مَجْرُور الْمَوْضِع بِفِي.
وَعَلَى هَذَا حَمَلَ بَعْضهمْ قَوْله تَعَالَى :" وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ " [ الْحِجْر : ٢٠ ] فَعَطَفَ عَلَى الْكَاف وَالْمِيم.
وَقَرَأَ عَبْد اللَّه بْن يَزِيد " وَالْأَرْحَامُ " بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاء، وَالْخَبَرُ مُقَدَّرٌ، تَقْدِيره : وَالْأَرْحَام أَهْلٌ أَنْ تُوصَلَ.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون إِغْرَاءً ; لِأَنَّ مِنْ الْعَرَب مَنْ يَرْفَع الْمُغْرَى.
وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ :
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ " وَالْأَرْحَامَ " بِالنَّصْبِ عَطْف عَلَى مَوْضِعِ بِهِ ; لِأَنَّ مَوْضِعَهُ نَصْب، وَمِنْهُ قَوْله :
فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا
وَكَانُوا يَقُولُونَ : أَنْشُدُك بِاَللَّهِ وَالرَّحِمَ.
وَالْأَظْهَر أَنَّهُ نَصْب بِإِضْمَارِ فِعْل كَمَا ذَكَرْنَا.
اِتَّفَقَتْ الْمِلَّة عَلَى أَنَّ صِلَة الرَّحِم وَاجِبَةٌ وَأَنَّ قَطِيعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ.
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَسْمَاءَ وَقَدْ سَأَلَتْهُ أَأَصِلُ أُمِّي ( نَعَمْ صِلِي أُمَّك ) فَأَمَرَهَا بِصِلَتِهَا وَهِيَ كَافِرَة.
فَلِتَأْكِيدِهَا دَخَلَ الْفَضْل فِي صِلَة الْكَافِر، حَتَّى اِنْتَهَى الْحَال بِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابه فَقَالُوا بِتَوَارُثِ ذَوِي الْأَرْحَام إِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَة وَلَا فَرْضٌ مُسَمًّى، وَيَعْتِقُونَ عَلَى مَنْ اِشْتَرَاهُمْ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِمْ لِحُرْمَةِ الرَّحِم ; وَعَضَّدُوا ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّم فَهُوَ حُرٌّ ).
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِلَّهِ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ وَيَمْنَعَ مَا شَاءَ وَيُبِيحَ مَا شَاءَ، فَلَا يَبْعُد أَنْ يَكُون قَسَمًا.
وَالْعَرَب تُقْسِمُ بِالرَّحِمِ.
وَيَصِحّ أَنْ تَكُون الْبَاء مُرَادَة فَحَذَفَهَا كَمَا حَذَفَهَا فِي قَوْله :
مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً | وَلَا نَاعِبٍ إِلَّا بِبَيْنِ غُرَابِهَا |
قَالَ اِبْن الدَّهَّان أَبُو مُحَمَّد سَعِيد بْن مُبَارَك : وَالْكُوفِيّ يُجِيز عَطْف الظَّاهِر عَلَى الْمَجْرُورِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ.
وَمِنْهُ قَوْله :
آبَك أَيِّهْ بِي أَوْ مُصَدَّرِ | مِنْ حُمُرِ الْجِلَّةِ جَأْبٍ حَشْوَرِ |
فَاذْهَبْ فَمَا بِك وَالْأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ
وَقَوْل الْآخَر :
وَمَا بَيْنَهَا وَالْكَعْبِ غَوْطٌ نَفَانِفُ
وَمِنْهُ :
فَحَسْبُك وَالضَّحَّاكِ سَيْفٌ مُهَنَّدُ
وَقَوْل الْآخَر :
وَقَدْ رَامَ آفَاقَ السَّمَاءِ فَلَمْ يَجِدْ | لَهُ مَصْعَدًا فِيهَا وَلَا الْأَرْضِ مَقْعَدًا |
مَا إِنْ بِهَا وَالْأُمُور مِنْ تَلَفٍ | مَا حُمَّ مِنْ أَمْرِ غَيْبِهِ وَقَعَا |
أَمُرُّ عَلَى الْكَتِيبَةِ لَسْت أَدْرِي | أَحَتْفِي كَانَ فِيهَا أَمْ سِوَاهَا |
وَعَلَى هَذَا حَمَلَ بَعْضهمْ قَوْله تَعَالَى :" وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ " [ الْحِجْر : ٢٠ ] فَعَطَفَ عَلَى الْكَاف وَالْمِيم.
وَقَرَأَ عَبْد اللَّه بْن يَزِيد " وَالْأَرْحَامُ " بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاء، وَالْخَبَرُ مُقَدَّرٌ، تَقْدِيره : وَالْأَرْحَام أَهْلٌ أَنْ تُوصَلَ.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون إِغْرَاءً ; لِأَنَّ مِنْ الْعَرَب مَنْ يَرْفَع الْمُغْرَى.
وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ :
إِنَّ قَوْمًا مِنْهُمُ عُمَيْرٌ وَأَشْبَا | هُ عُمَيْرٍ وَمِنْهُمْ السَّفَّاحُ |
لَجَدِيرُونَ بِاللِّقَاءِ إِذَا قَا | لَ أَخُو النَّجْدَةِ السِّلَاحُ السِّلَاحُ |
فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا
وَكَانُوا يَقُولُونَ : أَنْشُدُك بِاَللَّهِ وَالرَّحِمَ.
وَالْأَظْهَر أَنَّهُ نَصْب بِإِضْمَارِ فِعْل كَمَا ذَكَرْنَا.
اِتَّفَقَتْ الْمِلَّة عَلَى أَنَّ صِلَة الرَّحِم وَاجِبَةٌ وَأَنَّ قَطِيعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ.
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَسْمَاءَ وَقَدْ سَأَلَتْهُ أَأَصِلُ أُمِّي ( نَعَمْ صِلِي أُمَّك ) فَأَمَرَهَا بِصِلَتِهَا وَهِيَ كَافِرَة.
فَلِتَأْكِيدِهَا دَخَلَ الْفَضْل فِي صِلَة الْكَافِر، حَتَّى اِنْتَهَى الْحَال بِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابه فَقَالُوا بِتَوَارُثِ ذَوِي الْأَرْحَام إِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَة وَلَا فَرْضٌ مُسَمًّى، وَيَعْتِقُونَ عَلَى مَنْ اِشْتَرَاهُمْ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِمْ لِحُرْمَةِ الرَّحِم ; وَعَضَّدُوا ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّم فَهُوَ حُرٌّ ).
وَهُوَ قَوْل أَكْثَر أَهْل الْعِلْم.
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِف مِنْ الصَّحَابَة.
وَهُوَ قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَجَابِر بْن زَيْد وَعَطَاء وَالشَّعْبِيّ وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق.
وَلِعُلَمَائِنَا فِي ذَلِكَ ثَلَاثَة أَقْوَال :
الْأَوَّل - أَنَّهُ مَخْصُوص بِالْآبَاءِ وَالْأَجْدَاد.
الثَّانِي - الْجَنَاحَانِ يَعْنِي الْإِخْوَة.
الثَّالِث - كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَة.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إِلَّا أَوْلَادُهُ وَآبَاؤُهُ وَأُمَّهَاتُهُ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إِخْوَتُهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ وَلُحْمَتِهِ.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ.
وَأَحْسَنُ طُرُقِهِ رِوَايَة النَّسَائِيّ لَهُ ; رَوَاهُ مِنْ حَدِيث ضَمْرَة عَنْ سُفْيَان عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِم مُحَرَّم فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ ).
وَهُوَ حَدِيث ثَابِتٌ بِنَقْلِ الْعَدْل عَنْ الْعَدْل وَلَمْ يَقْدَح فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّة بِعِلَّةٍ تُوجِب تَرْكَهُ ; غَيْر أَنَّ النَّسَائِيّ قَالَ فِي آخِره : هَذَا حَدِيث مُنْكَرٌ.
وَقَالَ غَيْره : تَفَرَّدَ بِهِ ضَمْرَةُ.
وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْمُنْكَر وَالشَّاذّ فِي اِصْطِلَاح الْمُحَدِّثِينَ.
وَضَمْرَة عَدْلٌ ثِقَةٌ، وَانْفِرَاد الثِّقَة بِالْحَدِيثِ لَا يَضُرُّهُ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَاب فِي ذَوِي الْمَحَارِم مِنْ الرَّضَاعَة.
فَقَالَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم لَا يَدْخُلُونَ فِي مُقْتَضَى الْحَدِيث.
وَقَالَ شَرِيك الْقَاضِي بِعِتْقِهِمْ.
وَذَهَبَ أَهْل الظَّاهِر وَبَعْض الْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّ الْأَب لَا يَعْتِق عَلَى الِابْن إِذَا مَلَكَهُ ; وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ ).
قَالُوا : فَإِذَا صَحَّ الشِّرَاء فَقَدْ ثَبَتَ الْمِلْك، وَلِصَاحِبِ الْمِلْك التَّصَرُّف.
وَهَذَا جَهْل مِنْهُمْ بِمَقَاصِد الشَّرْع ; فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول :" وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " [ الْإِسْرَاء : ٢٣ ] فَقَدْ قَرَنَ بَيْنَ عِبَادَته وَبَيْنَ الْإِحْسَان لِلْوَالِدَيْنِ فِي الْوُجُوب، وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَان أَنْ يَبْقَى وَالِده فِي مِلْكِهِ وَتَحْتَ سُلْطَانِهِ ; فَإِذًا يَجِب عَلَيْهِ عِتْقُهُ إِمَّا لِأَجْلِ الْمِلْك عَمَلًا بِالْحَدِيثِ ( فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ )، أَوْ لِأَجْلِ الْإِحْسَان عَمَلًا بِالْآيَةِ.
وَمَعْنَى الْحَدِيث عِنْد الْجُمْهُور أَنَّ الْوَلَد لَمَّا تَسَبَّبَ إِلَى عِتْق أَبِيهِ بِاشْتِرَائِهِ نَسَبَ الشَّرْعُ الْعِتْقَ إِلَيْهِ نِسْبَةَ الْإِيقَاعِ مِنْهُ.
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِف مِنْ الصَّحَابَة.
وَهُوَ قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَجَابِر بْن زَيْد وَعَطَاء وَالشَّعْبِيّ وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق.
وَلِعُلَمَائِنَا فِي ذَلِكَ ثَلَاثَة أَقْوَال :
الْأَوَّل - أَنَّهُ مَخْصُوص بِالْآبَاءِ وَالْأَجْدَاد.
الثَّانِي - الْجَنَاحَانِ يَعْنِي الْإِخْوَة.
الثَّالِث - كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَة.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إِلَّا أَوْلَادُهُ وَآبَاؤُهُ وَأُمَّهَاتُهُ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إِخْوَتُهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ وَلُحْمَتِهِ.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ.
وَأَحْسَنُ طُرُقِهِ رِوَايَة النَّسَائِيّ لَهُ ; رَوَاهُ مِنْ حَدِيث ضَمْرَة عَنْ سُفْيَان عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِم مُحَرَّم فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ ).
وَهُوَ حَدِيث ثَابِتٌ بِنَقْلِ الْعَدْل عَنْ الْعَدْل وَلَمْ يَقْدَح فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّة بِعِلَّةٍ تُوجِب تَرْكَهُ ; غَيْر أَنَّ النَّسَائِيّ قَالَ فِي آخِره : هَذَا حَدِيث مُنْكَرٌ.
وَقَالَ غَيْره : تَفَرَّدَ بِهِ ضَمْرَةُ.
وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْمُنْكَر وَالشَّاذّ فِي اِصْطِلَاح الْمُحَدِّثِينَ.
وَضَمْرَة عَدْلٌ ثِقَةٌ، وَانْفِرَاد الثِّقَة بِالْحَدِيثِ لَا يَضُرُّهُ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَاب فِي ذَوِي الْمَحَارِم مِنْ الرَّضَاعَة.
فَقَالَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم لَا يَدْخُلُونَ فِي مُقْتَضَى الْحَدِيث.
وَقَالَ شَرِيك الْقَاضِي بِعِتْقِهِمْ.
وَذَهَبَ أَهْل الظَّاهِر وَبَعْض الْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّ الْأَب لَا يَعْتِق عَلَى الِابْن إِذَا مَلَكَهُ ; وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ ).
قَالُوا : فَإِذَا صَحَّ الشِّرَاء فَقَدْ ثَبَتَ الْمِلْك، وَلِصَاحِبِ الْمِلْك التَّصَرُّف.
وَهَذَا جَهْل مِنْهُمْ بِمَقَاصِد الشَّرْع ; فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول :" وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " [ الْإِسْرَاء : ٢٣ ] فَقَدْ قَرَنَ بَيْنَ عِبَادَته وَبَيْنَ الْإِحْسَان لِلْوَالِدَيْنِ فِي الْوُجُوب، وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَان أَنْ يَبْقَى وَالِده فِي مِلْكِهِ وَتَحْتَ سُلْطَانِهِ ; فَإِذًا يَجِب عَلَيْهِ عِتْقُهُ إِمَّا لِأَجْلِ الْمِلْك عَمَلًا بِالْحَدِيثِ ( فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ )، أَوْ لِأَجْلِ الْإِحْسَان عَمَلًا بِالْآيَةِ.
وَمَعْنَى الْحَدِيث عِنْد الْجُمْهُور أَنَّ الْوَلَد لَمَّا تَسَبَّبَ إِلَى عِتْق أَبِيهِ بِاشْتِرَائِهِ نَسَبَ الشَّرْعُ الْعِتْقَ إِلَيْهِ نِسْبَةَ الْإِيقَاعِ مِنْهُ.
وَأَمَّا اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِيمَنْ يَعْتِقُ بِالْمِلْكِ، فَوَجْه الْقَوْل الْأَوَّل مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَعْنَى الْكِتَاب وَالسُّنَّة، وَوَجْه الثَّانِي إِلْحَاق الْقَرَابَة الْقَرِيبَة الْمُحَرَّمَة بِالْأَبِ الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث، وَلَا أَقْرَبَ لِلرَّجُلِ مِنْ اِبْنه فَيُحْمَل عَلَى الْأَب، وَالْأَخ يُقَارِبهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِالْأُبُوَّةِ ; فَإِنَّهُ يَقُول : أَنَا اِبْن أَبِيهِ.
وَأَمَّا الْقَوْل الثَّالِث فَمُتَعَلَّقُهُ حَدِيثُ ضَمْرَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله تَعَالَى :" وَالْأَرْحَام " الرَّحِم اِسْمٌ لِكَافَّةِ الْأَقَارِب مِنْ غَيْر فَرْقٍ بَيْنَ الْمَحْرَم وَغَيْره.
وَأَبُو حَنِيفَة يَعْتَبِرُ الرَّحِمَ الْمَحْرَم فِي مَنْع الرُّجُوع فِي الْهِبَة، وَيَجُوز الرُّجُوع فِي حَقّ بَنِي الْأَعْمَام مَعَ أَنَّ الْقَطِيعَة مَوْجُودَة وَالْقَرَابَة حَاصِلَة ; وَلِذَلِكَ تَعَلَّقَ بِهَا الْإِرْث وَالْوِلَايَة وَغَيْرهمَا مِنْ الْأَحْكَام.
فَاعْتِبَار الْمَحْرَم زِيَادَة عَلَى نَصّ الْكِتَاب مِنْ غَيْر مُسْتَنَدٍ.
وَهُمْ يَرَوْنَ ذَلِكَ نَسْخًا، سِيَّمَا وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى التَّعْلِيل بِالْقَطِيعَةِ، وَقَدْ جَوَّزُوهَا فِي حَقّ بَنِي الْأَعْمَام وَبَنِي الْأَخْوَال وَالْخَالَات.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا الْقَوْل الثَّالِث فَمُتَعَلَّقُهُ حَدِيثُ ضَمْرَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله تَعَالَى :" وَالْأَرْحَام " الرَّحِم اِسْمٌ لِكَافَّةِ الْأَقَارِب مِنْ غَيْر فَرْقٍ بَيْنَ الْمَحْرَم وَغَيْره.
وَأَبُو حَنِيفَة يَعْتَبِرُ الرَّحِمَ الْمَحْرَم فِي مَنْع الرُّجُوع فِي الْهِبَة، وَيَجُوز الرُّجُوع فِي حَقّ بَنِي الْأَعْمَام مَعَ أَنَّ الْقَطِيعَة مَوْجُودَة وَالْقَرَابَة حَاصِلَة ; وَلِذَلِكَ تَعَلَّقَ بِهَا الْإِرْث وَالْوِلَايَة وَغَيْرهمَا مِنْ الْأَحْكَام.
فَاعْتِبَار الْمَحْرَم زِيَادَة عَلَى نَصّ الْكِتَاب مِنْ غَيْر مُسْتَنَدٍ.
وَهُمْ يَرَوْنَ ذَلِكَ نَسْخًا، سِيَّمَا وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى التَّعْلِيل بِالْقَطِيعَةِ، وَقَدْ جَوَّزُوهَا فِي حَقّ بَنِي الْأَعْمَام وَبَنِي الْأَخْوَال وَالْخَالَات.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
أَيْ حَفِيظًا ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد.
اِبْن زَيْد : عَلِيمًا.
وَقِيلَ :" رَقِيبًا " حَافِظًا ; قِيلَ : بِمَعْنَى فَاعِل.
فَالرَّقِيب مِنْ صِفَات اللَّه تَعَالَى، وَالرَّقِيب : الْحَافِظ وَالْمُنْتَظِر ; تَقُول رَقَبْت أَرْقُبُ رِقْبَةً وَرِقْبَانًا إِذَا اِنْتَظَرْت.
وَالْمَرْقَب : الْمَكَان الْعَالِي الْمُشْرِف، يَقِف عَلَيْهِ الرَّقِيب.
وَالرَّقِيب : السَّهْم الثَّالِث مِنْ السَّبْعَة الَّتِي لَهَا أَنْصِبَاء.
وَيُقَال : إِنَّ الرَّقِيب ضَرْب مِنْ الْحَيَّات، فَهُوَ لَفْظ مُشْتَرَك.
وَاَللَّه أَعْلَم.
أَيْ حَفِيظًا ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد.
اِبْن زَيْد : عَلِيمًا.
وَقِيلَ :" رَقِيبًا " حَافِظًا ; قِيلَ : بِمَعْنَى فَاعِل.
فَالرَّقِيب مِنْ صِفَات اللَّه تَعَالَى، وَالرَّقِيب : الْحَافِظ وَالْمُنْتَظِر ; تَقُول رَقَبْت أَرْقُبُ رِقْبَةً وَرِقْبَانًا إِذَا اِنْتَظَرْت.
وَالْمَرْقَب : الْمَكَان الْعَالِي الْمُشْرِف، يَقِف عَلَيْهِ الرَّقِيب.
وَالرَّقِيب : السَّهْم الثَّالِث مِنْ السَّبْعَة الَّتِي لَهَا أَنْصِبَاء.
وَيُقَال : إِنَّ الرَّقِيب ضَرْب مِنْ الْحَيَّات، فَهُوَ لَفْظ مُشْتَرَك.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ
وَأَرَادَ بِالْيَتَامَى الَّذِينَ كَانُوا أَيْتَامًا ; كَقَوْلِهِ :" وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ " [ الْأَعْرَاف : ١٢٠ ] وَلَا سِحْر مَعَ السُّجُود، فَكَذَلِكَ لَا يُتْم مَعَ الْبُلُوغ.
وَكَانَ يُقَال لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" يَتِيم أَبِي طَالِب " اِسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ.
" وَآتُوا " أَيْ أَعْطُوا.
وَالْإِيتَاء الْإِعْطَاء.
وَلِفُلَانٍ أَتْوٌ، أَيْ عَطَاء.
أَبُو زَيْد : أَتَوْت الرَّجُل آتُوهُ إِتَاوَة، وَهِيَ الرِّشْوَة.
وَالْيَتِيم مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى.
وَهَذِهِ الْآيَة خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاء.
نَزَلَتْ - فِي قَوْل مُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ - فِي رَجُل مِنْ غَطَفَان كَانَ مَعَهُ مَال كَثِير لِابْنِ أَخٍ لَهُ يَتِيم، فَلَمَّا بَلَغَ الْيَتِيم طَلَبَ الْمَالَ فَمَنَعَهُ عَمُّهُ ; فَنَزَلَتْ، فَقَالَ الْعَمّ : نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْحُوب الْكَبِير ! وَرَدَّ الْمَال.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ وَرَجَعَ بِهِ هَكَذَا فَإِنَّهُ يُحِلّ دَارَهُ ) يَعْنِي جَنَّتَهُ.
فَلَمَّا قَبَضَ الْفَتَى الْمَالَ أَنْفَقَهُ فِي سَبِيل اللَّه، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( ثَبَتَ الْأَجْرُ وَبَقِيَ الْوِزْرُ ).
فَقِيلَ : كَيْفَ يَا رَسُول اللَّه ؟ فَقَالَ :( ثَبَتَ الْأَجْرُ لِلْغُلَامِ وَبَقِيَ الْوِزْر عَلَى وَالِده ) لِأَنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا.
وَإِيتَاء الْيَتَامَى أَمْوَالهمْ يَكُون بِوَجْهَيْنِ :
أَحَدهمَا - إِجْرَاء الطَّعَام وَالْكِسْوَة مَا دَامَتْ الْوِلَايَة ; إِذْ لَا يُمْكِنُ إِلَّا ذَلِكَ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقّ الْأَخْذ الْكُلِّيّ وَالِاسْتِبْدَاد كَالصَّغِيرِ وَالسَّفِيه الْكَبِير.
الثَّانِي - الْإِيتَاء بِالتَّمَكُّنِ وَإِسْلَامِ الْمَالِ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ عِنْد الِابْتِلَاء وَالْإِرْشَاد، وَتَكُون تَسْمِيَتُهُ مَجَازًا، الْمَعْنَى : الَّذِي كَانَ يَتِيمًا، وَهُوَ اِسْتِصْحَاب الِاسْم ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ " [ الْأَعْرَاف : ١٢٠ ] أَيْ الَّذِينَ كَانُوا سَحَرَةً.
وَكَانَ يُقَال لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" يَتِيم أَبِي طَالِب ".
فَإِذَا تَحَقَّقَ الْوَلِيُّ رُشْدَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ إِمْسَاك مَاله عَنْهُ وَكَانَ عَاصِيًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَة أُعْطِيَ مَالَهُ كُلَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَدًّا.
قُلْت : لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة إِينَاسَ الرُّشْد وَذَكَرَهُ فِي قَوْله تَعَالَى :" وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاح فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ " [ النِّسَاء : ٦ ].
قَالَ أَبُو بَكْر الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن : لَمَّا لَمْ يُقَيَّدْ الرُّشْدُ فِي مَوْضِعٍ وَقُيِّدَ فِي مَوْضِع وَجَبَ اِسْتِعْمَالهمَا، فَأَقُول : إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَة وَهُوَ سَفِيهٌ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْد، وَجَبَ دَفْع الْمَال إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجِب، عَمَلًا بِالْآيَتَيْنِ.
وَأَرَادَ بِالْيَتَامَى الَّذِينَ كَانُوا أَيْتَامًا ; كَقَوْلِهِ :" وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ " [ الْأَعْرَاف : ١٢٠ ] وَلَا سِحْر مَعَ السُّجُود، فَكَذَلِكَ لَا يُتْم مَعَ الْبُلُوغ.
وَكَانَ يُقَال لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" يَتِيم أَبِي طَالِب " اِسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ.
" وَآتُوا " أَيْ أَعْطُوا.
وَالْإِيتَاء الْإِعْطَاء.
وَلِفُلَانٍ أَتْوٌ، أَيْ عَطَاء.
أَبُو زَيْد : أَتَوْت الرَّجُل آتُوهُ إِتَاوَة، وَهِيَ الرِّشْوَة.
وَالْيَتِيم مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى.
وَهَذِهِ الْآيَة خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاء.
نَزَلَتْ - فِي قَوْل مُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ - فِي رَجُل مِنْ غَطَفَان كَانَ مَعَهُ مَال كَثِير لِابْنِ أَخٍ لَهُ يَتِيم، فَلَمَّا بَلَغَ الْيَتِيم طَلَبَ الْمَالَ فَمَنَعَهُ عَمُّهُ ; فَنَزَلَتْ، فَقَالَ الْعَمّ : نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْحُوب الْكَبِير ! وَرَدَّ الْمَال.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ وَرَجَعَ بِهِ هَكَذَا فَإِنَّهُ يُحِلّ دَارَهُ ) يَعْنِي جَنَّتَهُ.
فَلَمَّا قَبَضَ الْفَتَى الْمَالَ أَنْفَقَهُ فِي سَبِيل اللَّه، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( ثَبَتَ الْأَجْرُ وَبَقِيَ الْوِزْرُ ).
فَقِيلَ : كَيْفَ يَا رَسُول اللَّه ؟ فَقَالَ :( ثَبَتَ الْأَجْرُ لِلْغُلَامِ وَبَقِيَ الْوِزْر عَلَى وَالِده ) لِأَنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا.
وَإِيتَاء الْيَتَامَى أَمْوَالهمْ يَكُون بِوَجْهَيْنِ :
أَحَدهمَا - إِجْرَاء الطَّعَام وَالْكِسْوَة مَا دَامَتْ الْوِلَايَة ; إِذْ لَا يُمْكِنُ إِلَّا ذَلِكَ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقّ الْأَخْذ الْكُلِّيّ وَالِاسْتِبْدَاد كَالصَّغِيرِ وَالسَّفِيه الْكَبِير.
الثَّانِي - الْإِيتَاء بِالتَّمَكُّنِ وَإِسْلَامِ الْمَالِ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ عِنْد الِابْتِلَاء وَالْإِرْشَاد، وَتَكُون تَسْمِيَتُهُ مَجَازًا، الْمَعْنَى : الَّذِي كَانَ يَتِيمًا، وَهُوَ اِسْتِصْحَاب الِاسْم ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ " [ الْأَعْرَاف : ١٢٠ ] أَيْ الَّذِينَ كَانُوا سَحَرَةً.
وَكَانَ يُقَال لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" يَتِيم أَبِي طَالِب ".
فَإِذَا تَحَقَّقَ الْوَلِيُّ رُشْدَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ إِمْسَاك مَاله عَنْهُ وَكَانَ عَاصِيًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَة أُعْطِيَ مَالَهُ كُلَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَدًّا.
قُلْت : لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة إِينَاسَ الرُّشْد وَذَكَرَهُ فِي قَوْله تَعَالَى :" وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاح فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ " [ النِّسَاء : ٦ ].
قَالَ أَبُو بَكْر الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن : لَمَّا لَمْ يُقَيَّدْ الرُّشْدُ فِي مَوْضِعٍ وَقُيِّدَ فِي مَوْضِع وَجَبَ اِسْتِعْمَالهمَا، فَأَقُول : إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَة وَهُوَ سَفِيهٌ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْد، وَجَبَ دَفْع الْمَال إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجِب، عَمَلًا بِالْآيَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَمَّا بَلَغَ رُشْدَهُ صَارَ يَصْلُح أَنْ يَكُون جَدًّا فَإِذَا صَارَ يَصْلُح أَنْ يَكُون جَدًّا فَكَيْفَ يَصِحّ إِعْطَاؤُهُ الْمَال بِعِلَّةِ الْيُتْم وَبِاسْمِ الْيَتِيم ؟ ! وَهَلْ ذَلِكَ إِلَّا فِي غَايَة الْبُعْد ؟.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَاطِل لَا وَجْه لَهُ ; لَا سِيَّمَا عَلَى أَصْله الَّذِي يَرَى الْمُقَدَّرَات لَا تَثْبُت قِيَاسًا وَإِنَّمَا تُؤْخَذ مِنْ جِهَة النَّصّ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة.
وَسَيَأْتِي مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي الْحَجْر إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَاطِل لَا وَجْه لَهُ ; لَا سِيَّمَا عَلَى أَصْله الَّذِي يَرَى الْمُقَدَّرَات لَا تَثْبُت قِيَاسًا وَإِنَّمَا تُؤْخَذ مِنْ جِهَة النَّصّ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة.
وَسَيَأْتِي مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي الْحَجْر إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ
أَيْ لَا تَتَبَدَّلُوا الشَّاةَ السَّمِينَةَ مِنْ مَال الْيَتِيم بِالْهَزِيلَةِ، وَلَا الدِّرْهَمَ الطَّيِّبَ بِالزَّيْفِ.
وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لِعَدَمِ الدِّين لَا يَتَحَرَّجُونَ عَنْ أَمْوَال الْيَتَامَى، فَكَانُوا يَأْخُذُونَ الطَّيِّب وَالْجَيِّد مِنْ أَمْوَال الْيَتَامَى وَيُبَدِّلُونَهُ بِالرَّدِيءِ مِنْ أَمْوَالهمْ ; وَيَقُولُونَ : اِسْمٌ بِاسْمٍ وَرَأْسٌ بِرَأْسٍ ; فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِكَ.
هَذَا قَوْل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالزُّهْرِيّ وَالسُّدِّيّ وَالضَّحَّاك وَهُوَ ظَاهِر الْآيَة.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ خَبِيثَةٌ وَتَدَعُوا الطَّيِّبَ وَهُوَ مَالُكُمْ.
وَقَالَ مُجَاهِد وَأَبُو صَالِح وَبَاذَان : لَا تَتَعَجَّلُوا أَكْل الْخَبِيث مِنْ أَمْوَالهمْ وَتَدَعُوا اِنْتِظَارَ الرِّزْق الْحَلَال مِنْ عِنْد اللَّه.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاء وَالصِّبْيَان وَيَأْخُذُ الْأَكْبَرُ الْمِيرَاثَ.
عَطَاء : لَا تَرْبَحْ عَلَى يَتِيمِك الَّذِي عِنْدَك وَهُوَ غِرٌّ صَغِيرٌ.
وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ خَارِجَانِ عَنْ ظَاهِر الْآيَة ; فَإِنَّهُ يُقَال : تَبَدَّلَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ أَيْ أَخَذَهُ مَكَانَهُ.
وَمِنْهُ الْبَدَل.
أَيْ لَا تَتَبَدَّلُوا الشَّاةَ السَّمِينَةَ مِنْ مَال الْيَتِيم بِالْهَزِيلَةِ، وَلَا الدِّرْهَمَ الطَّيِّبَ بِالزَّيْفِ.
وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لِعَدَمِ الدِّين لَا يَتَحَرَّجُونَ عَنْ أَمْوَال الْيَتَامَى، فَكَانُوا يَأْخُذُونَ الطَّيِّب وَالْجَيِّد مِنْ أَمْوَال الْيَتَامَى وَيُبَدِّلُونَهُ بِالرَّدِيءِ مِنْ أَمْوَالهمْ ; وَيَقُولُونَ : اِسْمٌ بِاسْمٍ وَرَأْسٌ بِرَأْسٍ ; فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِكَ.
هَذَا قَوْل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالزُّهْرِيّ وَالسُّدِّيّ وَالضَّحَّاك وَهُوَ ظَاهِر الْآيَة.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ خَبِيثَةٌ وَتَدَعُوا الطَّيِّبَ وَهُوَ مَالُكُمْ.
وَقَالَ مُجَاهِد وَأَبُو صَالِح وَبَاذَان : لَا تَتَعَجَّلُوا أَكْل الْخَبِيث مِنْ أَمْوَالهمْ وَتَدَعُوا اِنْتِظَارَ الرِّزْق الْحَلَال مِنْ عِنْد اللَّه.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاء وَالصِّبْيَان وَيَأْخُذُ الْأَكْبَرُ الْمِيرَاثَ.
عَطَاء : لَا تَرْبَحْ عَلَى يَتِيمِك الَّذِي عِنْدَك وَهُوَ غِرٌّ صَغِيرٌ.
وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ خَارِجَانِ عَنْ ظَاهِر الْآيَة ; فَإِنَّهُ يُقَال : تَبَدَّلَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ أَيْ أَخَذَهُ مَكَانَهُ.
وَمِنْهُ الْبَدَل.
وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ
قَالَ مُجَاهِد : وَهَذِهِ الْآيَة نَاهِيَة عَنْ الْخَلْط فِي الْإِنْفَاق ; فَإِنَّ الْعَرَب كَانَتْ تَخْلِط نَفَقَتَهَا بِنَفَقَةِ أَيْتَامهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ " وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٠ ].
وَقَالَ اِبْن فُورَك عَنْ الْحَسَن : تَأَوَّلَ النَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة النَّهْي عَنْ الْخَلْط فَاجْتَنَبُوهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ، فَخُفِّفَ عَنْهُمْ فِي آيَة الْبَقَرَة.
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ : إِنَّ " إِلَى " بِمَعْنَى مَعَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه " [ الصَّفّ : ١٤ ].
وَأَنْشَدَ الْقُتَبِيّ :
وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ.
وَقَالَ الْحُذَّاق :" إِلَى " عَلَى بَابهَا وَهِيَ تَتَضَمَّنُ الْإِضَافَةَ، أَيْ لَا تُضِيفُوا أَمْوَالَهُمْ وَتَضُمُّوهَا إِلَى أَمْوَالكُمْ فِي الْأَكْل.
فَنُهُوا أَنْ يَعْتَقِدُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى كَأَمْوَالِهِمْ فَيَتَسَلَّطُوا عَلَيْهَا بِالْأَكْلِ وَالِانْتِفَاع.
قَالَ مُجَاهِد : وَهَذِهِ الْآيَة نَاهِيَة عَنْ الْخَلْط فِي الْإِنْفَاق ; فَإِنَّ الْعَرَب كَانَتْ تَخْلِط نَفَقَتَهَا بِنَفَقَةِ أَيْتَامهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ " وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٠ ].
وَقَالَ اِبْن فُورَك عَنْ الْحَسَن : تَأَوَّلَ النَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة النَّهْي عَنْ الْخَلْط فَاجْتَنَبُوهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ، فَخُفِّفَ عَنْهُمْ فِي آيَة الْبَقَرَة.
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ : إِنَّ " إِلَى " بِمَعْنَى مَعَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه " [ الصَّفّ : ١٤ ].
وَأَنْشَدَ الْقُتَبِيّ :
يَسُدُّونَ أَبْوَابَ الْقِبَابِ بِضُمَّرٍ | إِلَى عُنُنٍ مُسْتَوْثِقَاتِ الْأَوَاصِرِ |
وَقَالَ الْحُذَّاق :" إِلَى " عَلَى بَابهَا وَهِيَ تَتَضَمَّنُ الْإِضَافَةَ، أَيْ لَا تُضِيفُوا أَمْوَالَهُمْ وَتَضُمُّوهَا إِلَى أَمْوَالكُمْ فِي الْأَكْل.
فَنُهُوا أَنْ يَعْتَقِدُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى كَأَمْوَالِهِمْ فَيَتَسَلَّطُوا عَلَيْهَا بِالْأَكْلِ وَالِانْتِفَاع.
إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا
" إِنَّهُ " أَيْ الْأَكْل " كَانَ حُوبًا كَبِيرًا " أَيْ إِثْمًا كَبِيرًا ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَغَيْرهمَا.
يُقَال : حَابَ الرَّجُل يَحُوب حُوبًا إِذَا أَثِمَ.
وَأَصْله الزَّجْر لِلْإِبِلِ ; فَسُمِّيَ الْإِثْم حُوبًا ; لِأَنَّهُ يُزْجَر عَنْهُ وَبِهِ.
وَيُقَال فِي الدُّعَاء : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ حَوْبَتِي ; أَيْ إِثْمِي.
وَالْحَوْبَة أَيْضًا الْحَاجَة.
وَمِنْهُ فِي الدُّعَاء : إِلَيْك أَرْفَع حَوْبَتِي ; أَيْ حَاجَتِي.
وَالْحَوْب الْوَحْشَة ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِأَبِي أَيُّوب :( إِنَّ طَلَاق أُمّ أَيُّوب لَحَوْب ).
وَفِيهِ ثَلَاث لُغَات " حُوبًا " بِضَمِّ الْحَاء وَهِيَ قِرَاءَة الْعَامَّة وَلُغَة أَهْل الْحِجَاز.
وَقَرَأَ الْحَسَن " حَوْبًا " بِفَتْحِ الْحَاء.
وَقَالَ الْأَخْفَش : وَهِيَ لُغَة تَمِيم.
مُقَاتِل : لَغْهُ الْحَبَش.
وَالْحُوب الْمَصْدَر، وَكَذَلِكَ الْحِيَابَة.
وَالْحُوب الِاسْم.
وَقَرَأَ أُبَيّ بْن كَعْب " حَابًا " عَلَى الْمَصْدَر مِثْل الْقَال.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِسْمًا مِثْل الزَّاد.
وَالْحَوْأَب ( بِهَمْزَةٍ بَعْد الْوَاو ).
الْمَكَان الْوَاسِع.
وَالْحَوْأَب مَاء أَيْضًا.
وَيُقَال : أَلْحَقَ اللَّه بِهِ الْحَوْبَة أَيْ الْمَسْكَنَة وَالْحَاجَة ; وَمِنْهُ قَوْلهمْ : بَاتَ بِحَيْبَةِ سُوء.
وَأَصْل الْيَاء الْوَاو.
وَتَحَوَّبَ فُلَان أَيْ تَعَبَّدَ وَأَلْقَى الْحُوب عَنْ نَفْسه.
وَالتَّحَوُّب أَيْضًا التَّحَزُّن.
وَهُوَ أَيْضًا الصِّيَاح الشَّدِيد ; كَالزَّجْرِ، وَفُلَان يَتَحَوَّب مِنْ كَذَا أَيْ يَتَوَجَّع وَقَالَ طُفَيْل :
" إِنَّهُ " أَيْ الْأَكْل " كَانَ حُوبًا كَبِيرًا " أَيْ إِثْمًا كَبِيرًا ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَغَيْرهمَا.
يُقَال : حَابَ الرَّجُل يَحُوب حُوبًا إِذَا أَثِمَ.
وَأَصْله الزَّجْر لِلْإِبِلِ ; فَسُمِّيَ الْإِثْم حُوبًا ; لِأَنَّهُ يُزْجَر عَنْهُ وَبِهِ.
وَيُقَال فِي الدُّعَاء : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ حَوْبَتِي ; أَيْ إِثْمِي.
وَالْحَوْبَة أَيْضًا الْحَاجَة.
وَمِنْهُ فِي الدُّعَاء : إِلَيْك أَرْفَع حَوْبَتِي ; أَيْ حَاجَتِي.
وَالْحَوْب الْوَحْشَة ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِأَبِي أَيُّوب :( إِنَّ طَلَاق أُمّ أَيُّوب لَحَوْب ).
وَفِيهِ ثَلَاث لُغَات " حُوبًا " بِضَمِّ الْحَاء وَهِيَ قِرَاءَة الْعَامَّة وَلُغَة أَهْل الْحِجَاز.
وَقَرَأَ الْحَسَن " حَوْبًا " بِفَتْحِ الْحَاء.
وَقَالَ الْأَخْفَش : وَهِيَ لُغَة تَمِيم.
مُقَاتِل : لَغْهُ الْحَبَش.
وَالْحُوب الْمَصْدَر، وَكَذَلِكَ الْحِيَابَة.
وَالْحُوب الِاسْم.
وَقَرَأَ أُبَيّ بْن كَعْب " حَابًا " عَلَى الْمَصْدَر مِثْل الْقَال.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِسْمًا مِثْل الزَّاد.
وَالْحَوْأَب ( بِهَمْزَةٍ بَعْد الْوَاو ).
الْمَكَان الْوَاسِع.
وَالْحَوْأَب مَاء أَيْضًا.
وَيُقَال : أَلْحَقَ اللَّه بِهِ الْحَوْبَة أَيْ الْمَسْكَنَة وَالْحَاجَة ; وَمِنْهُ قَوْلهمْ : بَاتَ بِحَيْبَةِ سُوء.
وَأَصْل الْيَاء الْوَاو.
وَتَحَوَّبَ فُلَان أَيْ تَعَبَّدَ وَأَلْقَى الْحُوب عَنْ نَفْسه.
وَالتَّحَوُّب أَيْضًا التَّحَزُّن.
وَهُوَ أَيْضًا الصِّيَاح الشَّدِيد ; كَالزَّجْرِ، وَفُلَان يَتَحَوَّب مِنْ كَذَا أَيْ يَتَوَجَّع وَقَالَ طُفَيْل :
فَذُوقُوا كَمَا ذُقْنَا غَدَاة مُحَجَّرٍ | مِنْ الْغَيْظ فِي أَكْبَادِنَا وَالتَّحَوُّبِ |
أَقْبَلَ سَيْلٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهْ | يَحْرِدُ حَرْدَ الْجَنَّةِ الْمُغِلَّهْ |
فَلَمْ يَسْتَثِيرُوك حَتَّى رَمَيْ | تَ فَوْقَ الرِّجَالِ خِصَالًا عُشَارًا |
وَقَالَ اِبْن الدَّهَّان : وَبَعْضهمْ يَقِف عَلَى الْمَسْمُوع وَهُوَ مِنْ أُحَاد إِلَى رُبَاع وَلَا يَعْتَبِر بِالْبَيْتِ لِشُذُوذِهِ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْحَاجِب : وَيُقَال أُحَاد وَمَوْحَد وَثُنَاء وَمَثْنَى وَثُلَاث وَمَثْلَث وَرُبَاع وَمَرْبَع.
وَهَلْ يُقَال فِيمَا عَدَاهُ إِلَى التِّسْعَة أَوْ لَا يُقَال ؟ فِيهِ خِلَافٌ أَصَحُّهَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ.
وَقَدْ نَصَّ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَلَى ذَلِكَ.
وَكَوْنُهُ مَعْدُولًا عَنْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَل فِي مَوْضِع تُسْتَعْمَل فِيهِ الْأَعْدَاد غَيْرُ الْمَعْدُولَةِ ; تَقُول : جَاءَنِي اِثْنَانِ وَثَلَاثَة، وَلَا يَجُوز مَثْنَى وَثُلَاث حَتَّى يَتَقَدَّم قَبْلَهُ جَمْعٌ، مِثْل جَاءَنِي الْقَوْم أُحَاد وَثُنَاء وَثُلَاث وَرُبَاع مِنْ غَيْر تَكْرَار.
وَهِيَ فِي مَوْضِع الْحَال هُنَا وَفِي الْآيَة، وَتَكُون صِفَة ; وَمِثَال كَوْن هَذِهِ الْأَعْدَاد صِفَة يَتَبَيَّن فِي قَوْله تَعَالَى :" أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ " [ فَاطِر : ١ ] فَهِيَ صِفَة لِلْأَجْنِحَةِ وَهِيَ نَكِرَة.
وَقَالَ سَاعِدَة بْن جُؤَيَّةَ :
وَلَكِنَّمَا أَهْلِي بِوَادٍ أَنِيسُهُ | ذِئَابٌ تَبَغَّى النَّاس مَثْنَى وَمَوْحَد |
قَتَلْنَا بِهِ مِنْ بَيْنِ مَثْنَى وَمَوْحَد | بِأَرْبَعَةٍ مِنْكُمْ وَآخَر خَامِسِ |
وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء صَرْفه فِي الْعَدَد عَلَى أَنَّهُ نَكِرَة.
وَزَعَمَ الْأَخْفَش أَنَّهُ إِنْ سَمَّى بِهِ صَرَفَهُ فِي الْمَعْرِفَة وَالنَّكِرَة ; لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ عَنْهُ الْعَدْل.
اِعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْعَدَد مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع لَا يَدُلّ عَلَى إِبَاحَة تِسْع، كَمَا قَالَهُ مَنْ بَعُدَ فَهْمُهُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّة، وَأَعْرَضَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّة، وَزَعَمَ أَنَّ الْوَاوَ جَامِعَةٌ ; وَعَضَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ تِسْعًا، وَجَمَعَ بَيْنَهُنَّ فِي عِصْمَتِهِ.
وَاَلَّذِي صَارَ إِلَى هَذِهِ الْجَهَالَة، وَقَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة الرَّافِضَةُ وَبَعْض أَهْل الظَّاهِر ; فَجَعَلُوا مَثْنَى مِثْل اِثْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ.
وَذَهَبَ بَعْض أَهْل الظَّاهِر أَيْضًا إِلَى أَقْبَح مِنْهَا، فَقَالُوا بِإِبَاحَةِ الْجَمْع بَيْنَ ثَمَانَ عَشْرَةَ ; تَمَسُّكًا مِنْهُ بِأَنَّ الْعَدْل فِي تِلْكَ الصِّيَغ يُفِيد التَّكْرَار وَالْوَاو لِلْجَمْعِ ; فَجَعَلَ مَثْنَى بِمَعْنَى اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ.
وَهَذَا كُلّه جَهْل بِاللِّسَانِ وَالسُّنَّة، وَمُخَالَفَةٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّة، إِذْ لَمْ يُسْمَع عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعِينَ أَنَّهُ جَمَعَ فِي عِصْمَتِهِ أَكْثَر مِنْ أَرْبَع.
وَأَخْرَجَ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ، وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِمَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِغَيْلَان بْن أُمَيَّة الثَّقَفِيّ وَقَدْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَة :( اِخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ ).
فِي كِتَاب أَبِي دَاوُدَ عَنْ الْحَارِث بْن قَيْس قَالَ : أَسْلَمْت وَعِنْدِي ثَمَان نِسْوَة، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :( اِخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا ).
وَقَالَ مُقَاتِل : إِنَّ قَيْس بْن الْحَارِث كَانَ عِنْده ثَمَان نِسْوَة حَرَائِر ; فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة أَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلِّق أَرْبَعًا وَيُمْسِكَ أَرْبَعًا.
كَذَا قَالَ :" قَيْس بْن الْحَارِث "، وَالصَّوَاب أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حَارِث بْن قَيْس الْأَسَدِيّ كَمَا ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ.
وَكَذَا رَوَى مُحَمَّد بْن الْحَسَن فِي كِتَاب السِّيَر الْكَبِير : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حَارِث بْن قَيْس، وَهُوَ الْمَعْرُوف عِنْد الْفُقَهَاء.
وَأَمَّا مَا أُبِيحَ مِنْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " الْأَحْزَاب ".
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّ الْوَاوَ جَامِعَةٌ ; فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ الْعَرَبَ بِأَفْصَحِ اللُّغَات.
وَالْعَرَب لَا تَدَع أَنْ تَقُول تِسْعَة وَتَقُول اِثْنَيْنِ وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة.
وَكَذَلِكَ تَسْتَقْبِح مِمَّنْ يَقُول : أَعْطِ فُلَانًا أَرْبَعَة سِتَّة ثَمَانِيَة، وَلَا يَقُول ثَمَانِيَةَ عَشَرَ.
وَإِنَّمَا الْوَاو فِي هَذَا الْمَوْضِع بَدَلٌ ; أَيْ اِنْكِحُوا ثَلَاثًا بَدَلًا مِنْ مَثْنَى، وَرُبَاعَ بَدَلًا مِنْ ثَلَاث ; وَلِذَلِكَ عَطَفَ بِالْوَاوِ وَلَمْ يَعْطِف بِأَوْ.
وَلَوْ جَاءَ بِأَوْ لَجَازَ أَلَّا يَكُون لِصَاحِبِ الْمَثْنَى ثُلَاث، وَلَا لِصَاحِبِ الثُّلَاث رُبَاع.
اِعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْعَدَد مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع لَا يَدُلّ عَلَى إِبَاحَة تِسْع، كَمَا قَالَهُ مَنْ بَعُدَ فَهْمُهُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّة، وَأَعْرَضَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّة، وَزَعَمَ أَنَّ الْوَاوَ جَامِعَةٌ ; وَعَضَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ تِسْعًا، وَجَمَعَ بَيْنَهُنَّ فِي عِصْمَتِهِ.
وَاَلَّذِي صَارَ إِلَى هَذِهِ الْجَهَالَة، وَقَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة الرَّافِضَةُ وَبَعْض أَهْل الظَّاهِر ; فَجَعَلُوا مَثْنَى مِثْل اِثْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ.
وَذَهَبَ بَعْض أَهْل الظَّاهِر أَيْضًا إِلَى أَقْبَح مِنْهَا، فَقَالُوا بِإِبَاحَةِ الْجَمْع بَيْنَ ثَمَانَ عَشْرَةَ ; تَمَسُّكًا مِنْهُ بِأَنَّ الْعَدْل فِي تِلْكَ الصِّيَغ يُفِيد التَّكْرَار وَالْوَاو لِلْجَمْعِ ; فَجَعَلَ مَثْنَى بِمَعْنَى اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ.
وَهَذَا كُلّه جَهْل بِاللِّسَانِ وَالسُّنَّة، وَمُخَالَفَةٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّة، إِذْ لَمْ يُسْمَع عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعِينَ أَنَّهُ جَمَعَ فِي عِصْمَتِهِ أَكْثَر مِنْ أَرْبَع.
وَأَخْرَجَ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ، وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِمَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِغَيْلَان بْن أُمَيَّة الثَّقَفِيّ وَقَدْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَة :( اِخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ ).
فِي كِتَاب أَبِي دَاوُدَ عَنْ الْحَارِث بْن قَيْس قَالَ : أَسْلَمْت وَعِنْدِي ثَمَان نِسْوَة، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :( اِخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا ).
وَقَالَ مُقَاتِل : إِنَّ قَيْس بْن الْحَارِث كَانَ عِنْده ثَمَان نِسْوَة حَرَائِر ; فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة أَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلِّق أَرْبَعًا وَيُمْسِكَ أَرْبَعًا.
كَذَا قَالَ :" قَيْس بْن الْحَارِث "، وَالصَّوَاب أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حَارِث بْن قَيْس الْأَسَدِيّ كَمَا ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ.
وَكَذَا رَوَى مُحَمَّد بْن الْحَسَن فِي كِتَاب السِّيَر الْكَبِير : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حَارِث بْن قَيْس، وَهُوَ الْمَعْرُوف عِنْد الْفُقَهَاء.
وَأَمَّا مَا أُبِيحَ مِنْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " الْأَحْزَاب ".
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّ الْوَاوَ جَامِعَةٌ ; فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ الْعَرَبَ بِأَفْصَحِ اللُّغَات.
وَالْعَرَب لَا تَدَع أَنْ تَقُول تِسْعَة وَتَقُول اِثْنَيْنِ وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة.
وَكَذَلِكَ تَسْتَقْبِح مِمَّنْ يَقُول : أَعْطِ فُلَانًا أَرْبَعَة سِتَّة ثَمَانِيَة، وَلَا يَقُول ثَمَانِيَةَ عَشَرَ.
وَإِنَّمَا الْوَاو فِي هَذَا الْمَوْضِع بَدَلٌ ; أَيْ اِنْكِحُوا ثَلَاثًا بَدَلًا مِنْ مَثْنَى، وَرُبَاعَ بَدَلًا مِنْ ثَلَاث ; وَلِذَلِكَ عَطَفَ بِالْوَاوِ وَلَمْ يَعْطِف بِأَوْ.
وَلَوْ جَاءَ بِأَوْ لَجَازَ أَلَّا يَكُون لِصَاحِبِ الْمَثْنَى ثُلَاث، وَلَا لِصَاحِبِ الثُّلَاث رُبَاع.
وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّ مَثْنَى تَقْتَضِي اِثْنَيْنِ، وَثُلَاث ثَلَاثَة، وَرُبَاع أَرْبَعَة، فَتَحَكُّمٌ بِمَا لَا يُوَافِقهُمْ أَهْل اللِّسَان عَلَيْهِ، وَجَهَالَة مِنْهُمْ.
وَكَذَلِكَ جَهْل الْآخَرِينَ، بِأَنَّ مَثْنَى تَقْتَضِي اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ، وَثُلَاث ثَلَاثَة ثَلَاثَة، وَرُبَاع أَرْبَعَة أَرْبَعَة، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَرْبَعًا أَرْبَعًا، حَصْرٌ لِلْعَدَدِ.
وَمَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع بِخِلَافِهَا.
فَفِي الْعَدَد الْمَعْدُول عِنْد الْعَرَب زِيَادَة مَعْنَى لَيْسَتْ فِي الْأَصْل ; وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذَا قَالَتْ : جَاءَتْ الْخَيْل مَثْنَى، إِنَّمَا تَعْنِي بِذَلِكَ اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ ; أَيْ جَاءَتْ مُزْدَوِجَةً.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَكَذَلِكَ مَعْدُول الْعَدَد.
وَقَالَ غَيْره : إِذَا قُلْت جَاءَنِي قَوْمٌ مَثْنَى أَوْ ثُلَاث أَوْ أُحَاد أَوْ عُشَار، فَإِنَّمَا تُرِيد أَنَّهُمْ جَاءُوك وَاحِدًا وَاحِدًا، أَوْ اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَة ثَلَاثَة، أَوْ عَشَرَة عَشَرَة، وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَصْل ; لِأَنَّك إِذَا قُلْت جَاءَنِي قَوْم ثَلَاثَة ثَلَاثَة، أَوْ قَوْم عَشَرَة عَشَرَة، فَقَدْ حَصَرْت عِدَّة الْقَوْم بِقَوْلِك ثَلَاثَة وَعَشَرَة.
فَإِذَا قُلْت جَاءُونِي رُبَاع وَثُنَاء فَلَمْ تَحْصُر عِدَّتَهُمْ.
وَإِنَّمَا تُرِيد أَنَّهُمْ جَاءُوك أَرْبَعَة أَرْبَعَة أَوْ اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ.
وَسَوَاء كَثُرَ عَدَدُهُمْ أَوْ قَلَّ فِي هَذَا الْبَاب، فَقَصْرُهُمْ كُلَّ صِيغَةٍ عَلَى أَقَلِّ مَا تَقْتَضِيهِ بِزَعْمِهِ تَحَكُّمٌ.
وَأَمَّا اِخْتِلَاف عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ خَامِسَةً وَعِنْده أَرْبَع وَهِيَ : فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ : عَلَيْهِ الْحَدّ إِنْ كَانَ عَالِمًا.
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْر.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ : يُرْجَم إِذَا كَانَ عَالِمًا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَدْنَى الْحَدَّيْنِ الَّذِي هُوَ الْجَلْد، وَلَهَا مَهْرُهَا وَيُفَرَّق بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا.
وَقَالَتْ طَائِفَة : لَا حَدّ عَلَيْهِ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ.
هَذَا قَوْل النُّعْمَان.
وَقَالَ يَعْقُوب وَمُحَمَّد : يُحَدُّ فِي ذَات الْمَحْرَم وَلَا يُحَدّ فِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ النِّكَاح.
وَذَلِكَ مِثْل أَنْ يَتَزَوَّج مَجُوسِيَّةً أَوْ خَمْسَةً فِي عُقْدَة أَوْ تَزَوَّجَ مُتْعَة أَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُود، أَوْ أَمَة تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إِذْن مَوْلَاهَا.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر : إِذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا لَا يَحِلّ لَهُ يَجِب أَنْ يُحَدَّ فِيهِ كُلّه إِلَّا التَّزَوُّج بِغَيْرِ شُهُود.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَهُ النَّخَعِيّ فِي الرَّجُل يَنْكِح الْخَامِسَة مُتَعَمِّدًا قَبْل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الرَّابِعَةِ مِنْ نِسَائِهِ : جَلْد مِائَة وَلَا يُنْفَى.
فَهَذِهِ فُتْيَا عُلَمَائِنَا فِي الْخَامِسَة عَلَى مَا ذَكَرَهُ اِبْن الْمُنْذِر فَكَيْفَ بِمَا فَوْقَهَا.
ذَكَرَ الزُّبَيْر بْن بَكَّار حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم الْحِزَامِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن مَعْن الْغِفَارِيّ قَالَ : أَتَتْ اِمْرَأَة إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; فَقَالَتْ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ زَوْجِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَشْكُوَهُ، وَهُوَ يَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وَكَذَلِكَ جَهْل الْآخَرِينَ، بِأَنَّ مَثْنَى تَقْتَضِي اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ، وَثُلَاث ثَلَاثَة ثَلَاثَة، وَرُبَاع أَرْبَعَة أَرْبَعَة، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَرْبَعًا أَرْبَعًا، حَصْرٌ لِلْعَدَدِ.
وَمَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع بِخِلَافِهَا.
فَفِي الْعَدَد الْمَعْدُول عِنْد الْعَرَب زِيَادَة مَعْنَى لَيْسَتْ فِي الْأَصْل ; وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذَا قَالَتْ : جَاءَتْ الْخَيْل مَثْنَى، إِنَّمَا تَعْنِي بِذَلِكَ اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ ; أَيْ جَاءَتْ مُزْدَوِجَةً.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَكَذَلِكَ مَعْدُول الْعَدَد.
وَقَالَ غَيْره : إِذَا قُلْت جَاءَنِي قَوْمٌ مَثْنَى أَوْ ثُلَاث أَوْ أُحَاد أَوْ عُشَار، فَإِنَّمَا تُرِيد أَنَّهُمْ جَاءُوك وَاحِدًا وَاحِدًا، أَوْ اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَة ثَلَاثَة، أَوْ عَشَرَة عَشَرَة، وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَصْل ; لِأَنَّك إِذَا قُلْت جَاءَنِي قَوْم ثَلَاثَة ثَلَاثَة، أَوْ قَوْم عَشَرَة عَشَرَة، فَقَدْ حَصَرْت عِدَّة الْقَوْم بِقَوْلِك ثَلَاثَة وَعَشَرَة.
فَإِذَا قُلْت جَاءُونِي رُبَاع وَثُنَاء فَلَمْ تَحْصُر عِدَّتَهُمْ.
وَإِنَّمَا تُرِيد أَنَّهُمْ جَاءُوك أَرْبَعَة أَرْبَعَة أَوْ اِثْنَيْنِ اِثْنَيْنِ.
وَسَوَاء كَثُرَ عَدَدُهُمْ أَوْ قَلَّ فِي هَذَا الْبَاب، فَقَصْرُهُمْ كُلَّ صِيغَةٍ عَلَى أَقَلِّ مَا تَقْتَضِيهِ بِزَعْمِهِ تَحَكُّمٌ.
وَأَمَّا اِخْتِلَاف عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ خَامِسَةً وَعِنْده أَرْبَع وَهِيَ : فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ : عَلَيْهِ الْحَدّ إِنْ كَانَ عَالِمًا.
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْر.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ : يُرْجَم إِذَا كَانَ عَالِمًا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَدْنَى الْحَدَّيْنِ الَّذِي هُوَ الْجَلْد، وَلَهَا مَهْرُهَا وَيُفَرَّق بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا.
وَقَالَتْ طَائِفَة : لَا حَدّ عَلَيْهِ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ.
هَذَا قَوْل النُّعْمَان.
وَقَالَ يَعْقُوب وَمُحَمَّد : يُحَدُّ فِي ذَات الْمَحْرَم وَلَا يُحَدّ فِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ النِّكَاح.
وَذَلِكَ مِثْل أَنْ يَتَزَوَّج مَجُوسِيَّةً أَوْ خَمْسَةً فِي عُقْدَة أَوْ تَزَوَّجَ مُتْعَة أَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُود، أَوْ أَمَة تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إِذْن مَوْلَاهَا.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر : إِذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا لَا يَحِلّ لَهُ يَجِب أَنْ يُحَدَّ فِيهِ كُلّه إِلَّا التَّزَوُّج بِغَيْرِ شُهُود.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَهُ النَّخَعِيّ فِي الرَّجُل يَنْكِح الْخَامِسَة مُتَعَمِّدًا قَبْل أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الرَّابِعَةِ مِنْ نِسَائِهِ : جَلْد مِائَة وَلَا يُنْفَى.
فَهَذِهِ فُتْيَا عُلَمَائِنَا فِي الْخَامِسَة عَلَى مَا ذَكَرَهُ اِبْن الْمُنْذِر فَكَيْفَ بِمَا فَوْقَهَا.
ذَكَرَ الزُّبَيْر بْن بَكَّار حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم الْحِزَامِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن مَعْن الْغِفَارِيّ قَالَ : أَتَتْ اِمْرَأَة إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; فَقَالَتْ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ زَوْجِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَشْكُوَهُ، وَهُوَ يَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
فَقَالَ لَهَا : نِعْمَ الزَّوْجُ زَوْجُك : فَجَعَلَتْ تُكَرِّرُ عَلَيْهِ الْقَوْلَ وَهُوَ يُكَرِّر عَلَيْهَا الْجَوَاب.
فَقَالَ لَهُ كَعْب الْأَسَدِيّ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، هَذِهِ الْمَرْأَة تَشْكُو زَوْجَهَا فِي مُبَاعَدَتِهِ إِيَّاهَا عَنْ فِرَاشِهِ.
فَقَالَ عُمَر : كَمَا فَهِمْت كَلَامَهَا فَاقْضِ بَيْنَهُمَا.
فَقَالَ كَعْب : عَلَيَّ بِزَوْجِهَا، فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ اِمْرَأَتَك هَذِهِ تَشْكُوك.
قَالَ : أَفِي طَعَام أَمْ شَرَاب ؟ قَالَ لَا.
فَقَالَتْ الْمَرْأَة :
فَقَالَ زَوْجُهَا :
فَقَالَ كَعْبٌ :
فَأَعْطِهَا ذَاكَ وَدَعْ عَنْك الْعِلَلْ
ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَلَّ لَك مِنْ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع، فَلَك ثَلَاثَة أَيَّام وَلَيَالِيهنَّ تَعْبُدُ فِيهِنَّ رَبَّك.
فَقَالَ عُمَر : وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مِنْ أَيِّ أَمْرَيْك أَعْجَبُ ؟ أَمِنْ فَهْمِك أَمْرَهُمَا أَمْ مِنْ حُكْمِك بَيْنَهُمَا ؟ اِذْهَبْ فَقَدْ وَلَّيْتُك قَضَاءَ الْبَصْرَة.
وَرَوَى أَبُو هُدْبَةَ إِبْرَاهِيم بْن هُدْبَة حَدَّثَنَا أَنَس بْن مَالِك قَالَ : أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَةٌ تَسْتَعْدِي زَوْجَهَا، فَقَالَتْ : لَيْسَ لِي مَا لِلنِّسَاءِ ; زَوْجِي يَصُوم الدَّهْر.
قَالَ :( لَك يَوْمٌ وَلَهُ يَوْم، لِلْعِبَادَةِ يَوْم وَلِلْمَرْأَةِ يَوْم ).
فَقَالَ لَهُ كَعْب الْأَسَدِيّ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، هَذِهِ الْمَرْأَة تَشْكُو زَوْجَهَا فِي مُبَاعَدَتِهِ إِيَّاهَا عَنْ فِرَاشِهِ.
فَقَالَ عُمَر : كَمَا فَهِمْت كَلَامَهَا فَاقْضِ بَيْنَهُمَا.
فَقَالَ كَعْب : عَلَيَّ بِزَوْجِهَا، فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ اِمْرَأَتَك هَذِهِ تَشْكُوك.
قَالَ : أَفِي طَعَام أَمْ شَرَاب ؟ قَالَ لَا.
فَقَالَتْ الْمَرْأَة :
يَا أَيُّهَا الْقَاضِي الْحَكِيمُ رَشَدُهْ | أَلْهَى خَلِيلِي عَنْ فِرَاشِي مَسْجِدُهْ |
زَهَّدَهُ فِي مَضْجَعِي تَعَبُّدُهْ | فَاقْضِ الْقَضَا كَعْبُ وَلَا تُرَدِّدُهْ |
نَهَارَهُ وَلَيْلَهُ مَا يَرْقُدُهْ | فَلَسْت فِي أَمْرِ النِّسَاءِ أَحْمَدُهْ |
زَهَّدَنِي فِي فَرْشِهَا وَفِي الْحَجَلْ | أَنِّي اِمْرُؤٌ أَذْهَلَنِي مَا قَدْ نَزَلْ |
فِي سُورَة النَّحْلِ وَفِي السَّبْعِ الطِّوَلْ | وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَخْوِيفٌ جَلَلْ |
إِنَّ لَهَا عَلَيْك حَقًّا يَا رَجُلْ | نَصِيبُهَا فِي أَرْبَعٍ لِمَنْ عَقَلْ |
ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَلَّ لَك مِنْ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع، فَلَك ثَلَاثَة أَيَّام وَلَيَالِيهنَّ تَعْبُدُ فِيهِنَّ رَبَّك.
فَقَالَ عُمَر : وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مِنْ أَيِّ أَمْرَيْك أَعْجَبُ ؟ أَمِنْ فَهْمِك أَمْرَهُمَا أَمْ مِنْ حُكْمِك بَيْنَهُمَا ؟ اِذْهَبْ فَقَدْ وَلَّيْتُك قَضَاءَ الْبَصْرَة.
وَرَوَى أَبُو هُدْبَةَ إِبْرَاهِيم بْن هُدْبَة حَدَّثَنَا أَنَس بْن مَالِك قَالَ : أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَةٌ تَسْتَعْدِي زَوْجَهَا، فَقَالَتْ : لَيْسَ لِي مَا لِلنِّسَاءِ ; زَوْجِي يَصُوم الدَّهْر.
قَالَ :( لَك يَوْمٌ وَلَهُ يَوْم، لِلْعِبَادَةِ يَوْم وَلِلْمَرْأَةِ يَوْم ).
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا
قَالَ الضَّحَّاك وَغَيْره : فِي الْمَيْل وَالْمَحَبَّة وَالْجِمَاع وَالْعِشْرَة وَالْقَسْم بَيْنَ الزَّوْجَات الْأَرْبَع وَالثَّلَاث وَالِاثْنَتَيْنِ
قَالَ الضَّحَّاك وَغَيْره : فِي الْمَيْل وَالْمَحَبَّة وَالْجِمَاع وَالْعِشْرَة وَالْقَسْم بَيْنَ الزَّوْجَات الْأَرْبَع وَالثَّلَاث وَالِاثْنَتَيْنِ
فَوَاحِدَةً
فَمَنَعَ مِنْ الزِّيَادَة الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى تَرْك الْعَدْل فِي الْقَسْم وَحُسْن الْعِشْرَة.
وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى وُجُوب ذَلِكَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقُرِئَتْ بِالرَّفْعِ، أَيْ فَوَاحِدَةٌ فِيهَا كِفَايَة أَوْ كَافِيَة.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : فَوَاحِدَة تُقْنِع.
وَقُرِئَتْ بِالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ فِعْل، أَيْ فَانْكِحُوا وَاحِدَةً.
فَمَنَعَ مِنْ الزِّيَادَة الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى تَرْك الْعَدْل فِي الْقَسْم وَحُسْن الْعِشْرَة.
وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى وُجُوب ذَلِكَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقُرِئَتْ بِالرَّفْعِ، أَيْ فَوَاحِدَةٌ فِيهَا كِفَايَة أَوْ كَافِيَة.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : فَوَاحِدَة تُقْنِع.
وَقُرِئَتْ بِالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ فِعْل، أَيْ فَانْكِحُوا وَاحِدَةً.
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
يُرِيد الْإِمَاء.
وَهُوَ عَطْف عَلَى " فَوَاحِدَة " أَيْ إِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِل فِي وَاحِدَة فَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ.
وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَلَّا حَقّ لِمِلْكِ الْيَمِين فِي الْوَطْء وَلَا الْقَسْم ; لِأَنَّ الْمَعْنَى " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا " فِي الْقَسْم " فَوَاحِدَة أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " فَجَعَلَ مِلْك الْيَمِين كُلّه بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَة، فَانْتَفَى بِذَلِكَ أَنْ يَكُون لِلْإِمَاءِ حَقّ فِي الْوَطْء أَوْ فِي الْقَسْم.
إِلَّا أَنَّ مِلْك الْيَمِين فِي الْعَدْل قَائِم بِوُجُوبِ حُسْن الْمَلَكَة وَالرِّفْق بِالرَّقِيقِ.
وَأَسْنَدَ تَعَالَى الْمِلْك إِلَى الْيَمِين إِذْ هِيَ صِفَة مَدْح، وَالْيَمِين مَخْصُوصَة بِالْمَحَاسِنِ لِتَمَكُّنِهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا الْمُنْفِقَة ؟ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( حَتَّى لَا تَعْلَم شِمَالُهُ مَا تُنْفِق يَمِينُهُ ) وَهِيَ الْمُعَاهِدَة الْمُبَايِعَة، وَبِهَا سُمِّيَتْ الْأَلِيَّة يَمِينًا، وَهِيَ الْمُتَلَقِّيَة لِرَايَاتِ الْمَجْد ; كَمَا قَالَ :
يُرِيد الْإِمَاء.
وَهُوَ عَطْف عَلَى " فَوَاحِدَة " أَيْ إِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِل فِي وَاحِدَة فَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ.
وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَلَّا حَقّ لِمِلْكِ الْيَمِين فِي الْوَطْء وَلَا الْقَسْم ; لِأَنَّ الْمَعْنَى " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا " فِي الْقَسْم " فَوَاحِدَة أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " فَجَعَلَ مِلْك الْيَمِين كُلّه بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَة، فَانْتَفَى بِذَلِكَ أَنْ يَكُون لِلْإِمَاءِ حَقّ فِي الْوَطْء أَوْ فِي الْقَسْم.
إِلَّا أَنَّ مِلْك الْيَمِين فِي الْعَدْل قَائِم بِوُجُوبِ حُسْن الْمَلَكَة وَالرِّفْق بِالرَّقِيقِ.
وَأَسْنَدَ تَعَالَى الْمِلْك إِلَى الْيَمِين إِذْ هِيَ صِفَة مَدْح، وَالْيَمِين مَخْصُوصَة بِالْمَحَاسِنِ لِتَمَكُّنِهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا الْمُنْفِقَة ؟ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( حَتَّى لَا تَعْلَم شِمَالُهُ مَا تُنْفِق يَمِينُهُ ) وَهِيَ الْمُعَاهِدَة الْمُبَايِعَة، وَبِهَا سُمِّيَتْ الْأَلِيَّة يَمِينًا، وَهِيَ الْمُتَلَقِّيَة لِرَايَاتِ الْمَجْد ; كَمَا قَالَ :
إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ | تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ |
قَالُوا اِتَّبَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ وَاطَّرَحُوا | قَوْلَ الرَّسُولِ وَعَالُوا فِي الْمَوَازِينِ |
وَقَالَ أَبُو طَالِب :
بِمِيزَانِ صِدْقٍ لَا يَغُلُّ شَعِيرَةً | لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عَائِلِ |
وَقَالَ آخَر :
ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ وَثَلَاثُ ذَوْدٍ | لَقَدْ عَالَ الزَّمَانُ عَلَى عِيَالِي |
وَعَالَ الرَّجُل يَعِيل إِذَا اِفْتَقَرَ فَصَارَ عَالَة.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَة " [ التَّوْبَة : ٣٨ ].
وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
وَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ | وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ |
وَقَالَ الشَّافِعِيّ :" أَلَّا تَعُولُوا " [ النِّسَاء : ٣ ] أَلَّا تَكْثُرَ عِيَالُكُمْ.
قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَمَا قَالَ هَذَا غَيْره، وَإِنَّمَا يُقَال : أَعَالَ يُعِيل إِذَا كَثُرَ عِيَالُهُ.
وَزَعَمَ اِبْن الْعَرَبِيّ أَنَّ عَالَ عَلَى سَبْعَة مَعَانٍ لَا ثَامِنَ لَهَا، يُقَال :
عَالَ مَالَ،
الثَّانِي زَادَ،
الثَّالِث جَارَ،
الرَّابِع اِفْتَقَرَ،
الْخَامِس أُثْقِلَ، حَكَاهُ اِبْن دُرَيْد.
قَالَتْ الْخَنْسَاء :
وَيَكْفِي الْعَشِيرَةَ مَا عَالَهَا
السَّادِس عَالَ قَامَ بِمَئُونَةِ الْعِيَال ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُول ).
السَّابِع عَالَ غَلَبَ ; وَمِنْهُ عِيلَ صَبْرُهُ.
أَيْ غُلِبَ.
وَيُقَال : أَعَالَ الرَّجُل كَثُرَ عِيَالُهُ.
وَأَمَّا عَالَ بِمَعْنَى كَثُرَ عِيَالُهُ فَلَا يَصِحّ.
قُلْت : أَمَّا قَوْل الثَّعْلَبِيّ " مَا قَالَهُ غَيْره " فَقَدْ أَسْنَدَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنه عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ، وَهُوَ قَوْل جَابِر بْن زَيْد ; فَهَذَانِ إِمَامَانِ مِنْ عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ وَأَئِمَّتهمْ قَدْ سَبَقَا الشَّافِعِيّ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ مِنْ الْحَصْر وَعَدَم الصِّحَّة فَلَا يَصِحّ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا : عَالَ الْأَمْرُ اِشْتَدَّ وَتَفَاقَمَ، حَكَاهُ الْجَوْهَرِيّ.
وَقَالَ الْهَرَوِيّ فِي غَرِيبَيْهِ :" وَقَالَ أَبُو بَكْر : يُقَال عَالَ الرَّجُل فِي الْأَرْض يَعِيل فِيهَا أَيْ ضَرَبَ فِيهَا.
وَقَالَ الْأَحْمَر : يُقَال عَالَنِي الشَّيْء يَعِيلُنِي عَيْلًا وَمَعِيلًا إِذَا أَعْجَزَك ".
وَأَمَّا عَالَ كَثُرَ عِيَالُهُ فَذَكَرَهُ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُمَر الدَّوْرِيُّ وَابْن الْأَعْرَابِيِّ.
قَالَ الْكِسَائِيّ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن حَمْزَة : الْعَرَب تَقُول عَالَ يَعُول وَأَعَالَ يُعِيل أَيْ كَثُرَ عِيَالُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم : كَانَ الشَّافِعِيّ أَعْلَم بِلُغَةِ الْعَرَب مِنَّا، وَلَعَلَّهُ لُغَةٌ.
قَالَ الثَّعْلَبِيّ الْمُفَسِّر : قَالَ أُسْتَاذُنَا أَبُو الْقَاسِم بْن حَبِيب : سَأَلْت أَبَا عُمَرَ الدَّوْرِيّ عَنْ هَذَا وَكَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَة غَيْرَ مُدَافَعٍ فَقَالَ : هِيَ لُغَةُ حِمْيَر ; وَأَنْشَدَ :
يَعْنِي وَإِنْ كَثُرَتْ مَاشِيَتُهُ وَعِيَالُهُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء : لَقَدْ كَثُرَتْ وُجُوه الْعَرَب حَتَّى خَشِيت أَنْ آخُذَ عَنْ لَاحِنٍ لَحْنًا.
وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف " أَلَّا تَعِيلُوا " وَهِيَ حُجَّة الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَقَدَحَ الزَّجَّاج وَغَيْره فِي تَأْوِيل عَالَ مِنْ الْعِيَال بِأَنْ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ كَثْرَةَ السَّرَارِيّ وَفِي ذَلِكَ تَكْثِير الْعِيَال، فَكَيْفَ يَكُون أَقْرَب إِلَى أَلَّا يَكْثُرَ الْعِيَالُ.
وَهَذَا الْقَدْحُ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ السَّرَارِيّ إِنَّمَا هِيَ مَالٌ يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا الْعِيَال الْقَادِح الْحَرَائِر ذَوَات الْحُقُوق الْوَاجِبَة.
وَحَكَى اِبْن الْأَعْرَابِيّ أَنَّ الْعَرَب تَقُول : عَالَ الرَّجُل إِذَا كَثُرَ عِيَالُهُ.
تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ أَجَازَ لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاء " يَعْنِي مَا حَلَّ " مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع " وَلَمْ يَخُصَّ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ.
وَهُوَ قَوْل دَاوُدَ وَالطَّبَرِيّ وَهُوَ الْمَشْهُور عَنْ مَالِك وَتَحْصِيل مَذْهَبه عَلَى مَا فِي مُوَطَّئِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ اِبْن الْقَاسِم وَأَشْهَب.
وَذَكَرَ اِبْن الْمَوَّاز أَنَّ اِبْن وَهْب رَوَى عَنْ مَالِك أَنَّ الْعَبْد لَا يَتَزَوَّج إِلَّا اِثْنَتَيْنِ ; قَالَ وَهُوَ قَوْل اللَّيْث.
قَالَ أَبُو عُمَر : قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابهمَا وَالثَّوْرِيّ وَاللَّيْث بْن سَعْد : لَا يَتَزَوَّج الْعَبْد أَكْثَر مِنْ اِثْنَتَيْنِ ; وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف فِي الْعَبْد لَا يَنْكِح أَكْثَرَ مِنْ اِثْنَتَيْنِ ; وَلَا أَعْلَم لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَة.
وَهُوَ قَوْل الشَّعْبِيّ وَعَطَاء وَابْن سِيرِينَ وَالْحَكَم وَإِبْرَاهِيم وَحَمَّاد.
وَالْحُجَّة لِهَذَا الْقَوْل الْقِيَاس الصَّحِيح عَلَى طَلَاقِهِ وَحَدِّهِ.
وَكُلّ مَنْ قَالَ حَدُّهُ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ، وَطَلَاقُهُ تَطْلِيقَتَانِ، وَإِيلَاؤُهُ شَهْرَانِ، وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامه فَغَيْر بَعِيدٍ أَنْ يُقَال : تَنَاقَضَ فِي قَوْله " يَنْكِح أَرْبَعًا " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْخُذُ كُلَّ حَيٍّ | بِلَا شَكٍّ وَإِنْ أَمْشَى وَعَالَا |
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء : لَقَدْ كَثُرَتْ وُجُوه الْعَرَب حَتَّى خَشِيت أَنْ آخُذَ عَنْ لَاحِنٍ لَحْنًا.
وَقَرَأَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف " أَلَّا تَعِيلُوا " وَهِيَ حُجَّة الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَقَدَحَ الزَّجَّاج وَغَيْره فِي تَأْوِيل عَالَ مِنْ الْعِيَال بِأَنْ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ كَثْرَةَ السَّرَارِيّ وَفِي ذَلِكَ تَكْثِير الْعِيَال، فَكَيْفَ يَكُون أَقْرَب إِلَى أَلَّا يَكْثُرَ الْعِيَالُ.
وَهَذَا الْقَدْحُ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ السَّرَارِيّ إِنَّمَا هِيَ مَالٌ يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا الْعِيَال الْقَادِح الْحَرَائِر ذَوَات الْحُقُوق الْوَاجِبَة.
وَحَكَى اِبْن الْأَعْرَابِيّ أَنَّ الْعَرَب تَقُول : عَالَ الرَّجُل إِذَا كَثُرَ عِيَالُهُ.
تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ أَجَازَ لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاء " يَعْنِي مَا حَلَّ " مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع " وَلَمْ يَخُصَّ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ.
وَهُوَ قَوْل دَاوُدَ وَالطَّبَرِيّ وَهُوَ الْمَشْهُور عَنْ مَالِك وَتَحْصِيل مَذْهَبه عَلَى مَا فِي مُوَطَّئِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ اِبْن الْقَاسِم وَأَشْهَب.
وَذَكَرَ اِبْن الْمَوَّاز أَنَّ اِبْن وَهْب رَوَى عَنْ مَالِك أَنَّ الْعَبْد لَا يَتَزَوَّج إِلَّا اِثْنَتَيْنِ ; قَالَ وَهُوَ قَوْل اللَّيْث.
قَالَ أَبُو عُمَر : قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابهمَا وَالثَّوْرِيّ وَاللَّيْث بْن سَعْد : لَا يَتَزَوَّج الْعَبْد أَكْثَر مِنْ اِثْنَتَيْنِ ; وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف فِي الْعَبْد لَا يَنْكِح أَكْثَرَ مِنْ اِثْنَتَيْنِ ; وَلَا أَعْلَم لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَة.
وَهُوَ قَوْل الشَّعْبِيّ وَعَطَاء وَابْن سِيرِينَ وَالْحَكَم وَإِبْرَاهِيم وَحَمَّاد.
وَالْحُجَّة لِهَذَا الْقَوْل الْقِيَاس الصَّحِيح عَلَى طَلَاقِهِ وَحَدِّهِ.
وَكُلّ مَنْ قَالَ حَدُّهُ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ، وَطَلَاقُهُ تَطْلِيقَتَانِ، وَإِيلَاؤُهُ شَهْرَانِ، وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامه فَغَيْر بَعِيدٍ أَنْ يُقَال : تَنَاقَضَ فِي قَوْله " يَنْكِح أَرْبَعًا " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ
الصَّدُقَات جَمْع، الْوَاحِدَة صَدَقَة.
قَالَ الْأَخْفَش : وَبَنُو تَمِيم يَقُولُونَ صَدَقَة وَالْجَمْع صَدُقَات، وَإِنْ شِئْت فَتَحْت وَإِنْ شِئْت أَسْكَنْت.
قَالَ الْمَازِنِيّ : يُقَال صِدَاق الْمَرْأَة بِالْكَسْرِ، وَلَا يُقَال بِالْفَتْحِ.
وَحَكَى يَعْقُوب وَأَحْمَد بْن يَحْيَى بِالْفَتْحِ عَنْ النَّحَّاس.
وَالْخِطَاب فِي هَذِهِ الْآيَة لِلْأَزْوَاجِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَابْن زَيْد وَابْن جُرَيْج.
أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِأَنْ يَتَبَرَّعُوا بِإِعْطَاءِ الْمُهُور نِحْلَة مِنْهُمْ لِأَزْوَاجِهِمْ.
وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْأَوْلِيَاءِ ; قَالَهُ أَبُو صَالِح.
وَكَانَ الْوَلِيّ يَأْخُذ مَهْر الْمَرْأَة وَلَا يُعْطِيهَا شَيْئًا، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا أَنْ يَدْفَعُوا ذَلِكَ إِلَيْهِنَّ.
قَالَ فِي رِوَايَة الْكَلْبِيّ : أَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانَ الْوَلِيّ إِذَا زَوَّجَهَا فَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ فِي الْعِشْرَة لَمْ يُعْطِهَا مِنْ مَهْرِهَا كَثِيرًا وَلَا قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَتْ غَرِيبَة حَمَلَهَا عَلَى بَعِيرٍ إِلَى زَوْجِهَا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ الْبَعِير ; فَنَزَلَ :" وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة ".
وَقَالَ الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ أَبِيهِ : زَعَمَ حَضْرَمِيّ أَنَّ الْمُرَاد بِالْآيَةِ الْمُتَشَاغِرُونَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ اِمْرَأَةً بِأُخْرَى، فَأُمِرُوا أَنْ يَضْرِبُوا الْمُهُور.
وَالْأَوَّل أَظْهَر ; فَإِنَّ الضَّمَائِرَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ بِجُمْلَتِهَا لِلْأَزْوَاجِ فَهُمْ الْمُرَاد ; لِأَنَّهُ قَالَ :" وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى " إِلَى قَوْله :" وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ".
وَذَلِكَ يُوجِب تَنَاسُق الضَّمَائِر وَأَنْ يَكُون الْأَوَّل فِيهَا هُوَ الْآخِر.
هَذِهِ الْآيَة تَدُلّ عَلَى وُجُوب الصَّدَاق لِلْمَرْأَةِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا خِلَاف فِيهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم مِنْ أَهْل الْعِرَاق أَنَّ السَّيِّد إِذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ أَنَّهُ لَا يَجِب فِيهِ صَدَاق ; وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة " فَعَمَّ.
وَقَالَ :" فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " [ النِّسَاء : ٢٥ ].
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء أَيْضًا أَنَّهُ لَا حَدَّ لِكَثِيرِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَلِيلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي قَوْله :" وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا " [ النِّسَاء : ٢٠ ].
وَقَرَأَ الْجُمْهُور " صَدُقَاتِهِنَّ " بِفَتْحِ الصَّاد وَضَمِّ الدَّالِ.
وَقَرَأَ قَتَادَة " صُدْقَاتِهِنَّ " بِضَمِّ الصَّاد وَسُكُون الدَّال.
وَقَرَأَ النَّخَعِيّ وَابْن وَثَّاب بِضَمِّهِمَا وَالتَّوْحِيد " صُدُقَتَهُنَّ "
الصَّدُقَات جَمْع، الْوَاحِدَة صَدَقَة.
قَالَ الْأَخْفَش : وَبَنُو تَمِيم يَقُولُونَ صَدَقَة وَالْجَمْع صَدُقَات، وَإِنْ شِئْت فَتَحْت وَإِنْ شِئْت أَسْكَنْت.
قَالَ الْمَازِنِيّ : يُقَال صِدَاق الْمَرْأَة بِالْكَسْرِ، وَلَا يُقَال بِالْفَتْحِ.
وَحَكَى يَعْقُوب وَأَحْمَد بْن يَحْيَى بِالْفَتْحِ عَنْ النَّحَّاس.
وَالْخِطَاب فِي هَذِهِ الْآيَة لِلْأَزْوَاجِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَابْن زَيْد وَابْن جُرَيْج.
أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِأَنْ يَتَبَرَّعُوا بِإِعْطَاءِ الْمُهُور نِحْلَة مِنْهُمْ لِأَزْوَاجِهِمْ.
وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلْأَوْلِيَاءِ ; قَالَهُ أَبُو صَالِح.
وَكَانَ الْوَلِيّ يَأْخُذ مَهْر الْمَرْأَة وَلَا يُعْطِيهَا شَيْئًا، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا أَنْ يَدْفَعُوا ذَلِكَ إِلَيْهِنَّ.
قَالَ فِي رِوَايَة الْكَلْبِيّ : أَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانَ الْوَلِيّ إِذَا زَوَّجَهَا فَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ فِي الْعِشْرَة لَمْ يُعْطِهَا مِنْ مَهْرِهَا كَثِيرًا وَلَا قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَتْ غَرِيبَة حَمَلَهَا عَلَى بَعِيرٍ إِلَى زَوْجِهَا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ الْبَعِير ; فَنَزَلَ :" وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة ".
وَقَالَ الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ أَبِيهِ : زَعَمَ حَضْرَمِيّ أَنَّ الْمُرَاد بِالْآيَةِ الْمُتَشَاغِرُونَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ اِمْرَأَةً بِأُخْرَى، فَأُمِرُوا أَنْ يَضْرِبُوا الْمُهُور.
وَالْأَوَّل أَظْهَر ; فَإِنَّ الضَّمَائِرَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ بِجُمْلَتِهَا لِلْأَزْوَاجِ فَهُمْ الْمُرَاد ; لِأَنَّهُ قَالَ :" وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى " إِلَى قَوْله :" وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ".
وَذَلِكَ يُوجِب تَنَاسُق الضَّمَائِر وَأَنْ يَكُون الْأَوَّل فِيهَا هُوَ الْآخِر.
هَذِهِ الْآيَة تَدُلّ عَلَى وُجُوب الصَّدَاق لِلْمَرْأَةِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا خِلَاف فِيهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم مِنْ أَهْل الْعِرَاق أَنَّ السَّيِّد إِذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ أَنَّهُ لَا يَجِب فِيهِ صَدَاق ; وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة " فَعَمَّ.
وَقَالَ :" فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " [ النِّسَاء : ٢٥ ].
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء أَيْضًا أَنَّهُ لَا حَدَّ لِكَثِيرِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَلِيلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي قَوْله :" وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا " [ النِّسَاء : ٢٠ ].
وَقَرَأَ الْجُمْهُور " صَدُقَاتِهِنَّ " بِفَتْحِ الصَّاد وَضَمِّ الدَّالِ.
وَقَرَأَ قَتَادَة " صُدْقَاتِهِنَّ " بِضَمِّ الصَّاد وَسُكُون الدَّال.
وَقَرَأَ النَّخَعِيّ وَابْن وَثَّاب بِضَمِّهِمَا وَالتَّوْحِيد " صُدُقَتَهُنَّ "
نِحْلَةً
النِّحْلَة وَالنُّحْلَة، بِكَسْرِ النُّون وَضَمِّهَا لُغَتَانِ.
وَأَصْلهَا مِنْ الْعَطَاء ; نَحَلْت فُلَانًا شَيْئًا أَعْطَيْته.
فَالصَّدَاق عَطِيَّة مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْمَرْأَةِ.
وَقِيلَ :" نِحْلَة " أَيْ عَنْ طِيبِ نَفْس مِنْ الْأَزْوَاج مِنْ غَيْر تَنَازُعٍ.
وَقَالَ قَتَادَة : مَعْنَى " نِحْلَة " فَرِيضَة وَاجِبَة.
اِبْن جُرَيْج وَابْن زَيْد : فَرِيضَة مُسَمَّاة.
قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَلَا تَكُون النِّحْلَة إِلَّا مُسَمَّاة مَعْلُومَة.
وَقَالَ الزَّجَّاج :" نِحْلَة " تَدَيُّنًا.
وَالنِّحْلَة الدِّيَانَة وَالْمِلَّة.
يُقَال.
هَذَا نِحْلَتُهُ أَيْ دِينُهُ.
وَهَذَا يَحْسُنُ مَعَ كَوْن الْخِطَاب لِلْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة، حَتَّى قَالَ بَعْض النِّسَاء فِي زَوْجهَا :
لَا يَأْخُذُ الْحُلْوَانَ مِنْ بَنَاتِنَا
تَقُول : لَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ غَيْرُهُ.
فَانْتَزَعَهُ اللَّه مِنْهُمْ وَأَمَرَ بِهِ لِلنِّسَاءِ.
و " نِحْلَة " مَنْصُوبَة عَلَى أَنَّهَا حَال مِنْ الْأَزْوَاج بِإِضْمَارِ فِعْل مِنْ لَفْظِهَا تَقْدِيره اِنْحَلُوهُنَّ نِحْلَة.
وَقِيلَ : هِيَ نَصْب وَقِيلَ عَلَى التَّفْسِير.
وَقِيلَ : هِيَ مَصْدَر عَلَى غَيْر الصَّدْر فِي مَوْضِع الْحَال.
النِّحْلَة وَالنُّحْلَة، بِكَسْرِ النُّون وَضَمِّهَا لُغَتَانِ.
وَأَصْلهَا مِنْ الْعَطَاء ; نَحَلْت فُلَانًا شَيْئًا أَعْطَيْته.
فَالصَّدَاق عَطِيَّة مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْمَرْأَةِ.
وَقِيلَ :" نِحْلَة " أَيْ عَنْ طِيبِ نَفْس مِنْ الْأَزْوَاج مِنْ غَيْر تَنَازُعٍ.
وَقَالَ قَتَادَة : مَعْنَى " نِحْلَة " فَرِيضَة وَاجِبَة.
اِبْن جُرَيْج وَابْن زَيْد : فَرِيضَة مُسَمَّاة.
قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَلَا تَكُون النِّحْلَة إِلَّا مُسَمَّاة مَعْلُومَة.
وَقَالَ الزَّجَّاج :" نِحْلَة " تَدَيُّنًا.
وَالنِّحْلَة الدِّيَانَة وَالْمِلَّة.
يُقَال.
هَذَا نِحْلَتُهُ أَيْ دِينُهُ.
وَهَذَا يَحْسُنُ مَعَ كَوْن الْخِطَاب لِلْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة، حَتَّى قَالَ بَعْض النِّسَاء فِي زَوْجهَا :
لَا يَأْخُذُ الْحُلْوَانَ مِنْ بَنَاتِنَا
تَقُول : لَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ غَيْرُهُ.
فَانْتَزَعَهُ اللَّه مِنْهُمْ وَأَمَرَ بِهِ لِلنِّسَاءِ.
و " نِحْلَة " مَنْصُوبَة عَلَى أَنَّهَا حَال مِنْ الْأَزْوَاج بِإِضْمَارِ فِعْل مِنْ لَفْظِهَا تَقْدِيره اِنْحَلُوهُنَّ نِحْلَة.
وَقِيلَ : هِيَ نَصْب وَقِيلَ عَلَى التَّفْسِير.
وَقِيلَ : هِيَ مَصْدَر عَلَى غَيْر الصَّدْر فِي مَوْضِع الْحَال.
فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ
مُخَاطَبَة لِلْأَزْوَاجِ، وَيَدُلّ بِعُمُومِهِ عَلَى أَنَّ هِبَة الْمَرْأَة صَدَاقهَا لِزَوْجِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا جَائِزَة ; وَبِهِ قَالَ جُمْهُور الْفُقَهَاء.
وَمَنَعَ مَالِك مِنْ هِبَة الْبِكْرِ الصَّدَاقَ لِزَوْجِهَا وَجَعَلَ ذَلِكَ لِلْوَلِيِّ مَعَ أَنَّ الْمِلْك لَهَا.
وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّهُ مُخَاطَبَة لِلْأَوْلِيَاءِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الصَّدَاق وَلَا يُعْطُونَ الْمَرْأَة مِنْهُ شَيْئًا، فَلَمْ يُبَحْ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْس الْمَرْأَة.
وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْأَوْلِيَاءِ ذِكْر، وَالضَّمِير فِي " مِنْهُ " عَائِد عَلَى الصَّدَاق.
وَكَذَلِكَ قَالَ عِكْرِمَة وَغَيْره.
وَسَبَب الْآيَة فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ قَوْمًا تَحَرَّجُوا أَنْ يَرْجِع إِلَيْهِمْ شَيْءٌ مِمَّا دَفَعُوهُ إِلَى الزَّوْجَات فَنَزَلَتْ " فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ ".
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْمَرْأَة الْمَالِكَة لِأَمْرِ نَفْسهَا إِذَا وَهَبَتْ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا نَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَلَا رُجُوعَ لَهَا فِيهِ.
إِلَّا أَنَّ شُرَيْحًا رَأَى الرُّجُوع لَهَا فِيهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ :" فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا " وَإِذَا كَانَتْ طَالِبَة لَهُ لَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسًا.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَاطِل ; لِأَنَّهَا قَدْ طَابَتْ وَقَدْ أَكَلَ فَلَا كَلَام لَهَا ; إِذْ لَيْسَ الْمُرَاد صُورَة الْأَكْل، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَة عَنْ الْإِحْلَال وَالِاسْتِحْلَال، وَهَذَا بَيِّنٌ.
فَإِنْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ عِنْد عَقْد النِّكَاح أَلَّا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَحَطَّتْ عَنْهُ لِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ صَدَاقهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلَا شَيْء لَهَا عَلَيْهِ فِي رِوَايَة اِبْن الْقَاسِم ; لِأَنَّهَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ مَا لَا يَجُوز شَرْطُهُ.
كَمَا اِشْتَرَطَ أَهْل بَرِيرَة أَنْ تُعْتِقَهَا عَائِشَة وَالْوَلَاء لِبَائِعِهَا، فَصَحَّحَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقْد وَأَبْطَلَ الشَّرْط.
كَذَلِكَ هَهُنَا يَصِحّ إِسْقَاط بَعْض الصَّدَاق عَنْهُ وَتَبْطُل الزِّيجَة.
قَالَ اِبْن عَبْد الْحَكَم : إِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ صَدَاقهَا مِثْل صَدَاق مِثْلهَا أَوْ أَكْثَر لَمْ تَرْجِع عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَتْ وَضَعَتْ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ صَدَاقهَا فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِتَمَامِ صَدَاق مِثْلهَا ; لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَى نَفْسه شَرْطًا وَأَخَذَ عَنْهُ عِوَضًا كَانَ لَهَا وَاجِبًا أَخَذَهُ مِنْهُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاء لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شُرُوطِهِمْ ).
وَفِي الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الْعِتْق لَا يَكُون صَدَاقًا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ; إِذْ لَا يُمْكِنُ لِلْمَرْأَةِ هِبَتُهُ وَلَا الزَّوْجِ أَكْلُهُ.
وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَزُفَر وَمُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ.
وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب : يَكُون صَدَاقًا وَلَا مَهْر لَهَا غَيْر الْعِتْق ; عَلَى حَدِيث صَفِيَّة - رَوَاهُ الْأَئِمَّة - أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَهَا وَجَعَلَ عِتْقهَا صَدَاقهَا.
وَرُوِيَ عَنْ أَنَس أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَهُوَ رَاوِي حَدِيث صَفِيَّة.
مُخَاطَبَة لِلْأَزْوَاجِ، وَيَدُلّ بِعُمُومِهِ عَلَى أَنَّ هِبَة الْمَرْأَة صَدَاقهَا لِزَوْجِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا جَائِزَة ; وَبِهِ قَالَ جُمْهُور الْفُقَهَاء.
وَمَنَعَ مَالِك مِنْ هِبَة الْبِكْرِ الصَّدَاقَ لِزَوْجِهَا وَجَعَلَ ذَلِكَ لِلْوَلِيِّ مَعَ أَنَّ الْمِلْك لَهَا.
وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّهُ مُخَاطَبَة لِلْأَوْلِيَاءِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الصَّدَاق وَلَا يُعْطُونَ الْمَرْأَة مِنْهُ شَيْئًا، فَلَمْ يُبَحْ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْس الْمَرْأَة.
وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّم لِلْأَوْلِيَاءِ ذِكْر، وَالضَّمِير فِي " مِنْهُ " عَائِد عَلَى الصَّدَاق.
وَكَذَلِكَ قَالَ عِكْرِمَة وَغَيْره.
وَسَبَب الْآيَة فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ قَوْمًا تَحَرَّجُوا أَنْ يَرْجِع إِلَيْهِمْ شَيْءٌ مِمَّا دَفَعُوهُ إِلَى الزَّوْجَات فَنَزَلَتْ " فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ ".
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْمَرْأَة الْمَالِكَة لِأَمْرِ نَفْسهَا إِذَا وَهَبَتْ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا نَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَلَا رُجُوعَ لَهَا فِيهِ.
إِلَّا أَنَّ شُرَيْحًا رَأَى الرُّجُوع لَهَا فِيهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ :" فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا " وَإِذَا كَانَتْ طَالِبَة لَهُ لَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسًا.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَاطِل ; لِأَنَّهَا قَدْ طَابَتْ وَقَدْ أَكَلَ فَلَا كَلَام لَهَا ; إِذْ لَيْسَ الْمُرَاد صُورَة الْأَكْل، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَة عَنْ الْإِحْلَال وَالِاسْتِحْلَال، وَهَذَا بَيِّنٌ.
فَإِنْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ عِنْد عَقْد النِّكَاح أَلَّا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَحَطَّتْ عَنْهُ لِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ صَدَاقهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلَا شَيْء لَهَا عَلَيْهِ فِي رِوَايَة اِبْن الْقَاسِم ; لِأَنَّهَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ مَا لَا يَجُوز شَرْطُهُ.
كَمَا اِشْتَرَطَ أَهْل بَرِيرَة أَنْ تُعْتِقَهَا عَائِشَة وَالْوَلَاء لِبَائِعِهَا، فَصَحَّحَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقْد وَأَبْطَلَ الشَّرْط.
كَذَلِكَ هَهُنَا يَصِحّ إِسْقَاط بَعْض الصَّدَاق عَنْهُ وَتَبْطُل الزِّيجَة.
قَالَ اِبْن عَبْد الْحَكَم : إِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ صَدَاقهَا مِثْل صَدَاق مِثْلهَا أَوْ أَكْثَر لَمْ تَرْجِع عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَتْ وَضَعَتْ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ صَدَاقهَا فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِتَمَامِ صَدَاق مِثْلهَا ; لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَى نَفْسه شَرْطًا وَأَخَذَ عَنْهُ عِوَضًا كَانَ لَهَا وَاجِبًا أَخَذَهُ مِنْهُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاء لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شُرُوطِهِمْ ).
وَفِي الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الْعِتْق لَا يَكُون صَدَاقًا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ; إِذْ لَا يُمْكِنُ لِلْمَرْأَةِ هِبَتُهُ وَلَا الزَّوْجِ أَكْلُهُ.
وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَزُفَر وَمُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ.
وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب : يَكُون صَدَاقًا وَلَا مَهْر لَهَا غَيْر الْعِتْق ; عَلَى حَدِيث صَفِيَّة - رَوَاهُ الْأَئِمَّة - أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَهَا وَجَعَلَ عِتْقهَا صَدَاقهَا.
وَرُوِيَ عَنْ أَنَس أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَهُوَ رَاوِي حَدِيث صَفِيَّة.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنْ قَالُوا : لَا حُجَّة فِي حَدِيث صَفِيَّة ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَخْصُوصًا فِي النِّكَاح بِأَنْ يَتَزَوَّج بِغَيْرِ صَدَاق، وَقَدْ أَرَادَ زَيْنَب فَحَرُمَتْ عَلَى زَيْد فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا صَدَاق.
فَلَا يَنْبَغِي الِاسْتِدْلَال بِمِثْلِ هَذَا ; وَاَللَّه أَعْلَم.
فَلَا يَنْبَغِي الِاسْتِدْلَال بِمِثْلِ هَذَا ; وَاَللَّه أَعْلَم.
نَفْسًا
قِيلَ : هُوَ مَنْصُوب عَلَى الْبَيَان.
وَلَا يُجِيز سِيبَوَيْهِ وَلَا الْكُوفِيُّونَ أَنْ يَتَقَدَّم مَا كَانَ مَنْصُوبًا عَلَى الْبَيَان، وَأَجَازَ ذَلِكَ الْمَازِنِيّ وَأَبُو الْعَبَّاس الْمُبَرِّد إِذَا كَانَ الْعَامِل فِعْلًا.
وَأَنْشَدَ :
وَمَا كَانَ نَفْسًا بِالْفِرَاقِ تَطِيبُ
وَفِي التَّنْزِيل " خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ " [ الْقَمَر : ٧ ] فَعَلَى هَذَا يَجُوز " شَحْمًا تَفَقَّأْت.
وَوَجْهًا حَسُنْت ".
وَقَالَ أَصْحَاب سِيبَوَيْهِ : إِنَّ " نَفْسًا " مَنْصُوبَة بِإِضْمَارِ فِعْل تَقْدِيره أَعْنِي نَفْسًا، وَلَيْسَتْ مَنْصُوبَة عَلَى التَّمْيِيز ; وَإِذَا كَانَ هَذَا فَلَا حُجَّة فِيهِ.
وَقَالَ الزَّجَّاج.
الرِّوَايَة :
وَمَا كَانَ نَفْسِي.
وَاتَّفَقَ الْجَمِيع عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز تَقْدِيم الْمُمَيَّز إِذَا كَانَ الْعَامِل غَيْر مُتَصَرِّف كَعِشْرِينَ دِرْهَمًا.
قِيلَ : هُوَ مَنْصُوب عَلَى الْبَيَان.
وَلَا يُجِيز سِيبَوَيْهِ وَلَا الْكُوفِيُّونَ أَنْ يَتَقَدَّم مَا كَانَ مَنْصُوبًا عَلَى الْبَيَان، وَأَجَازَ ذَلِكَ الْمَازِنِيّ وَأَبُو الْعَبَّاس الْمُبَرِّد إِذَا كَانَ الْعَامِل فِعْلًا.
وَأَنْشَدَ :
وَمَا كَانَ نَفْسًا بِالْفِرَاقِ تَطِيبُ
وَفِي التَّنْزِيل " خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ " [ الْقَمَر : ٧ ] فَعَلَى هَذَا يَجُوز " شَحْمًا تَفَقَّأْت.
وَوَجْهًا حَسُنْت ".
وَقَالَ أَصْحَاب سِيبَوَيْهِ : إِنَّ " نَفْسًا " مَنْصُوبَة بِإِضْمَارِ فِعْل تَقْدِيره أَعْنِي نَفْسًا، وَلَيْسَتْ مَنْصُوبَة عَلَى التَّمْيِيز ; وَإِذَا كَانَ هَذَا فَلَا حُجَّة فِيهِ.
وَقَالَ الزَّجَّاج.
الرِّوَايَة :
وَمَا كَانَ نَفْسِي.
وَاتَّفَقَ الْجَمِيع عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز تَقْدِيم الْمُمَيَّز إِذَا كَانَ الْعَامِل غَيْر مُتَصَرِّف كَعِشْرِينَ دِرْهَمًا.
فَكُلُوهُ
لَيْسَ الْمَقْصُود صُورَة الْأَكْل، وَإِنَّمَا الْمُرَاد بِهِ الِاسْتِبَاحَة بِأَيِّ طَرِيق كَانَ، وَهُوَ الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ فِي الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا " [ النِّسَاء : ١٠ ].
وَلَيْسَ الْمُرَاد نَفْس الْأَكْل ; إِلَّا أَنَّ الْأَكْل لَمَّا كَانَ أَوْفَى أَنْوَاع التَّمَتُّع بِالْمَالِ عُبِّرَ عَنْ التَّصَرُّفَات بِالْأَكْلِ.
وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى :" إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمْعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه وَذَرُوا الْبَيْع " [ الْجُمُعَة : ٩ ] يُعْلَم أَنَّ صُورَة الْبَيْع غَيْر مَقْصُودَة، وَإِنَّمَا الْمَقْصُود مَا يَشْغَلهُ عَنْ ذِكْر اللَّه تَعَالَى مِثْل النِّكَاح وَغَيْره ; وَلَكِنْ ذَكَرَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ أَهَمُّ مَا يُشْتَغَل بِهِ عَنْ ذِكْر اللَّه تَعَالَى.
لَيْسَ الْمَقْصُود صُورَة الْأَكْل، وَإِنَّمَا الْمُرَاد بِهِ الِاسْتِبَاحَة بِأَيِّ طَرِيق كَانَ، وَهُوَ الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ فِي الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا " [ النِّسَاء : ١٠ ].
وَلَيْسَ الْمُرَاد نَفْس الْأَكْل ; إِلَّا أَنَّ الْأَكْل لَمَّا كَانَ أَوْفَى أَنْوَاع التَّمَتُّع بِالْمَالِ عُبِّرَ عَنْ التَّصَرُّفَات بِالْأَكْلِ.
وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى :" إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمْعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه وَذَرُوا الْبَيْع " [ الْجُمُعَة : ٩ ] يُعْلَم أَنَّ صُورَة الْبَيْع غَيْر مَقْصُودَة، وَإِنَّمَا الْمَقْصُود مَا يَشْغَلهُ عَنْ ذِكْر اللَّه تَعَالَى مِثْل النِّكَاح وَغَيْره ; وَلَكِنْ ذَكَرَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ أَهَمُّ مَا يُشْتَغَل بِهِ عَنْ ذِكْر اللَّه تَعَالَى.
هَنِيئًا مَرِيئًا
مَنْصُوب عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء فِي " كُلُوهُ " وَقِيلَ : نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ أَكْلًا هَنِيئًا بِطِيبِ الْأَنْفُس.
هَنَّأَهُ الطَّعَام وَالشَّرَاب يَهْنَؤُهُ، وَمَا كَانَ هَنِيئًا ; وَلَقَدْ هَنُؤَ، وَالْمَصْدَر الْهَنْء.
وَكُلّ مَا لَمْ يَأْتِ بِمَشَقَّةٍ وَلَا عَنَاء فَهُوَ هَنِيءٌ.
وَهَنِيء اِسْم فَاعِل مِنْ هَنُؤَ كَظَرِيفِ مِنْ ظَرُفَ.
وَهَنِئَ يَهْنَأ فَهُوَ هَنِئٌ عَلَى فَعِل كَزَمِنٍ.
وَهَنَّأَنِي الطَّعَام وَمَرَّأَنِي عَلَى الْإِتْبَاع ; فَإِذَا لَمْ يُذْكَر " هَنَّأَنِي " قُلْت : أَمْرَأَنِي الطَّعَام بِالْأَلِفِ، أَيْ اِنْهَضَمَ.
قَالَ أَبُو عَلِيّ : وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث ( اِرْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ ).
فَقَلَبُوا الْوَاوَ مِنْ " مَوْزُورَات " أَلِفًا إِتْبَاعًا لِلَفْظِ مَأْجُورَات.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : يُقَال هَنِيء وَهَنَّأَنِي وَمَرَّأَنِي وَأَمْرَأَنِي وَلَا يُقَال مَرِئَنِي ; حَكَاهُ الْهَرَوِيّ.
وَحَكَى الْقُشَيْرِيّ أَنَّهُ يُقَال : هَنِئَنِي وَمَرِئَنِي بِالْكَسْرِ يَهْنَأنِي وَيَمْرَأُنِي، وَهُوَ قَلِيل.
وَقِيلَ :" هَنِيئًا " لَا إِثْمَ فِيهِ، و " مَرِيئًا " لَا دَاءَ فِيهِ.
قَالَ كُثَيِّر :
وَدَخَلَ رَجُل عَلَى عَلْقَمَة وَهُوَ يَأْكُل شَيْئًا وَهَبَتْهُ اِمْرَأَتُهُ مِنْ مَهْرِهَا فَقَالَ لَهُ : كُلْ مِنْ الْهَنِيءِ الْمَرِيءِ.
وَقِيلَ : الْهَنِيءُ الطَّيِّب الْمَسَاغ الَّذِي لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ، وَالْمَرِيءُ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَة، التَّامّ الْهَضْم الَّذِي لَا يَضُرّ وَلَا يُؤْذِي.
يَقُول : لَا تَخَافُونَ فِي الدُّنْيَا بِهِ مُطَالَبَةً، وَلَا فِي الْآخِرَة تَبِعَةً.
يَدُلّ عَلَيْهِ مَا رَوَى اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة " فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ " فَقَالَ :( إِذَا جَادَتْ لِزَوْجِهَا بِالْعَطِيَّةِ طَائِعَة غَيْر مُكْرَهَة لَا يَقْضِي بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَان، وَلَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه تَعَالَى بِهِ فِي الْآخِرَة ) وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ :( إِذَا اِشْتَكَى أَحَدكُمْ شَيْئًا فَلْيَسْأَلْ اِمْرَأَتَهُ دِرْهَمًا مِنْ صَدَاقِهَا ثُمَّ لِيَشْتَرِ بِهِ عَسَلًا فَلْيَشْرَبْهُ بِمَاءِ السَّمَاء ; فَيَجْمَع اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُ الْهَنِيء وَالْمَرِيء وَالْمَاء الْمُبَارَك ).
وَاَللَّه أَعْلَم.
مَنْصُوب عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء فِي " كُلُوهُ " وَقِيلَ : نَعْت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ أَكْلًا هَنِيئًا بِطِيبِ الْأَنْفُس.
هَنَّأَهُ الطَّعَام وَالشَّرَاب يَهْنَؤُهُ، وَمَا كَانَ هَنِيئًا ; وَلَقَدْ هَنُؤَ، وَالْمَصْدَر الْهَنْء.
وَكُلّ مَا لَمْ يَأْتِ بِمَشَقَّةٍ وَلَا عَنَاء فَهُوَ هَنِيءٌ.
وَهَنِيء اِسْم فَاعِل مِنْ هَنُؤَ كَظَرِيفِ مِنْ ظَرُفَ.
وَهَنِئَ يَهْنَأ فَهُوَ هَنِئٌ عَلَى فَعِل كَزَمِنٍ.
وَهَنَّأَنِي الطَّعَام وَمَرَّأَنِي عَلَى الْإِتْبَاع ; فَإِذَا لَمْ يُذْكَر " هَنَّأَنِي " قُلْت : أَمْرَأَنِي الطَّعَام بِالْأَلِفِ، أَيْ اِنْهَضَمَ.
قَالَ أَبُو عَلِيّ : وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث ( اِرْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ ).
فَقَلَبُوا الْوَاوَ مِنْ " مَوْزُورَات " أَلِفًا إِتْبَاعًا لِلَفْظِ مَأْجُورَات.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : يُقَال هَنِيء وَهَنَّأَنِي وَمَرَّأَنِي وَأَمْرَأَنِي وَلَا يُقَال مَرِئَنِي ; حَكَاهُ الْهَرَوِيّ.
وَحَكَى الْقُشَيْرِيّ أَنَّهُ يُقَال : هَنِئَنِي وَمَرِئَنِي بِالْكَسْرِ يَهْنَأنِي وَيَمْرَأُنِي، وَهُوَ قَلِيل.
وَقِيلَ :" هَنِيئًا " لَا إِثْمَ فِيهِ، و " مَرِيئًا " لَا دَاءَ فِيهِ.
قَالَ كُثَيِّر :
هَنِيئًا مَرِيئًا غَيْرَ دَاءٍ مُخَامِرٍ | لِعَزَّةَ مِنْ أَعْرَاضِنَا مَا اِسْتَحَلَّتِ |
وَقِيلَ : الْهَنِيءُ الطَّيِّب الْمَسَاغ الَّذِي لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ، وَالْمَرِيءُ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَة، التَّامّ الْهَضْم الَّذِي لَا يَضُرّ وَلَا يُؤْذِي.
يَقُول : لَا تَخَافُونَ فِي الدُّنْيَا بِهِ مُطَالَبَةً، وَلَا فِي الْآخِرَة تَبِعَةً.
يَدُلّ عَلَيْهِ مَا رَوَى اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة " فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ " فَقَالَ :( إِذَا جَادَتْ لِزَوْجِهَا بِالْعَطِيَّةِ طَائِعَة غَيْر مُكْرَهَة لَا يَقْضِي بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَان، وَلَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه تَعَالَى بِهِ فِي الْآخِرَة ) وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ :( إِذَا اِشْتَكَى أَحَدكُمْ شَيْئًا فَلْيَسْأَلْ اِمْرَأَتَهُ دِرْهَمًا مِنْ صَدَاقِهَا ثُمَّ لِيَشْتَرِ بِهِ عَسَلًا فَلْيَشْرَبْهُ بِمَاءِ السَّمَاء ; فَيَجْمَع اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُ الْهَنِيء وَالْمَرِيء وَالْمَاء الْمُبَارَك ).
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ
لَمَّا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِدَفْعِ أَمْوَال الْيَتَامَى إِلَيْهِمْ فِي قَوْله :" وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ " وَإِيصَال الصَّدَقَات إِلَى الزَّوْجَات، بَيَّنَ أَنَّ السَّفِيهَ وَغَيْرَ الْبَالِغ لَا يَجُوز دَفْع مَالِهِ إِلَيْهِ.
فَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى ثُبُوت الْوَصِيّ وَالْوَلِيّ وَالْكَفِيل لِلْأَيْتَامِ.
وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّة إِلَى الْمُسْلِم الْحُرّ الثِّقَة الْعَدْل جَائِزَة.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَصِيَّة إِلَى الْمَرْأَة الْحُرَّة ; فَقَالَ عَوَامّ أَهْل الْعِلْم : الْوَصِيَّة لَهَا جَائِزَة.
وَاحْتَجَّ أَحْمَد بِأَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَوْصَى إِلَى حَفْصَة.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُل أَوْصَى إِلَى اِمْرَأَته قَالَ : لَا تَكُون الْمَرْأَة وَصِيًّا ; فَإِنْ فُعِلَ حُوِّلَتْ إِلَى رَجُل مِنْ قَوْمه.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَصِيَّة إِلَى الْعَبْد ; فَمَنَعَهُ الشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَمُحَمَّد وَيَعْقُوب.
وَأَجَازَهُ مَالِك وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن عَبْد الْحَكَم.
وَهُوَ قَوْل النَّخَعِيّ إِذَا أَوْصَى إِلَى عَبْده.
وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى.
" السُّفَهَاء " قَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " مَعْنَى السَّفَه لُغَة.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَؤُلَاءِ السُّفَهَاء، مَنْ هُمْ ؟ فَرَوَى سَالِم الْأَفْطَس عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : هُمْ الْيَتَامَى لَا تُؤْتُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا مِنْ أَحْسَن مَا قِيلَ فِي الْآيَة.
وَرَوَى إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ أَبِي مَالِك قَالَ : هُمْ الْأَوْلَاد الصِّغَار، لَا تُعْطُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ فَيُفْسِدُوهَا وَتَبْقَوْا بِلَا شَيْء.
وَرَوَى سُفْيَان عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج عَنْ مُجَاهِد قَالَ : هُمْ النِّسَاء.
قَالَ النَّحَّاس وَغَيْره : وَهَذَا الْقَوْل لَا يَصِحّ ; إِنَّمَا تَقُول الْعَرَب فِي النِّسَاء سَفَائِه أَوْ سَفِيهَات ; لِأَنَّهُ الْأَكْثَر فِي جَمْع فَعِيلَة.
وَيُقَال : لَا تَدْفَع مَالَك مُضَارَبَةً وَلَا إِلَى وَكِيل لَا يُحْسِن التِّجَارَة.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَر أَنَّهُ قَالَ : مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فَلَا يَتَّجِرْ فِي سُوقِنَا ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ " يَعْنِي الْجُهَّال بِالْأَحْكَامِ.
وَيُقَال : لَا تَدْفَع إِلَى الْكُفَّار ; وَلِهَذَا كَرِهَ الْعُلَمَاء أَنْ يُوَكِّل الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْع، أَوْ يَدْفَع إِلَيْهِ مُضَارَبَة.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ :( السُّفَهَاء هُنَا كُلّ مَنْ يَسْتَحِقّ الْحَجْر ).
وَهَذَا جَامِع.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ : وَأَمَّا الْحَجْر عَلَى السَّفِيه فَالسَّفِيه لَهُ أَحْوَال : حَال يُحْجَر عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ، وَحَالَة لِعَدَمِ عَقْله بِجُنُونٍ أَوْ غَيْره، وَحَالَة لِسُوءِ نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ فِي مَاله.
فَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ أَلَّا يُحْجَر عَلَيْهِ لِسُرْعَةِ زَوَالِ مَا بِهِ.
وَالْحَجْر يَكُون مَرَّة فِي حَقّ الْإِنْسَان وَمَرَّة فِي حَقّ غَيْره ; فَأَمَّا الْمَحْجُور عَلَيْهِ فِي حَقّ نَفْسه مَنْ ذَكَرْنَا.
لَمَّا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِدَفْعِ أَمْوَال الْيَتَامَى إِلَيْهِمْ فِي قَوْله :" وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ " وَإِيصَال الصَّدَقَات إِلَى الزَّوْجَات، بَيَّنَ أَنَّ السَّفِيهَ وَغَيْرَ الْبَالِغ لَا يَجُوز دَفْع مَالِهِ إِلَيْهِ.
فَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى ثُبُوت الْوَصِيّ وَالْوَلِيّ وَالْكَفِيل لِلْأَيْتَامِ.
وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّة إِلَى الْمُسْلِم الْحُرّ الثِّقَة الْعَدْل جَائِزَة.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَصِيَّة إِلَى الْمَرْأَة الْحُرَّة ; فَقَالَ عَوَامّ أَهْل الْعِلْم : الْوَصِيَّة لَهَا جَائِزَة.
وَاحْتَجَّ أَحْمَد بِأَنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَوْصَى إِلَى حَفْصَة.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُل أَوْصَى إِلَى اِمْرَأَته قَالَ : لَا تَكُون الْمَرْأَة وَصِيًّا ; فَإِنْ فُعِلَ حُوِّلَتْ إِلَى رَجُل مِنْ قَوْمه.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَصِيَّة إِلَى الْعَبْد ; فَمَنَعَهُ الشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَمُحَمَّد وَيَعْقُوب.
وَأَجَازَهُ مَالِك وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن عَبْد الْحَكَم.
وَهُوَ قَوْل النَّخَعِيّ إِذَا أَوْصَى إِلَى عَبْده.
وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى.
" السُّفَهَاء " قَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " مَعْنَى السَّفَه لُغَة.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَؤُلَاءِ السُّفَهَاء، مَنْ هُمْ ؟ فَرَوَى سَالِم الْأَفْطَس عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : هُمْ الْيَتَامَى لَا تُؤْتُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا مِنْ أَحْسَن مَا قِيلَ فِي الْآيَة.
وَرَوَى إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ أَبِي مَالِك قَالَ : هُمْ الْأَوْلَاد الصِّغَار، لَا تُعْطُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ فَيُفْسِدُوهَا وَتَبْقَوْا بِلَا شَيْء.
وَرَوَى سُفْيَان عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج عَنْ مُجَاهِد قَالَ : هُمْ النِّسَاء.
قَالَ النَّحَّاس وَغَيْره : وَهَذَا الْقَوْل لَا يَصِحّ ; إِنَّمَا تَقُول الْعَرَب فِي النِّسَاء سَفَائِه أَوْ سَفِيهَات ; لِأَنَّهُ الْأَكْثَر فِي جَمْع فَعِيلَة.
وَيُقَال : لَا تَدْفَع مَالَك مُضَارَبَةً وَلَا إِلَى وَكِيل لَا يُحْسِن التِّجَارَة.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَر أَنَّهُ قَالَ : مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فَلَا يَتَّجِرْ فِي سُوقِنَا ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ " يَعْنِي الْجُهَّال بِالْأَحْكَامِ.
وَيُقَال : لَا تَدْفَع إِلَى الْكُفَّار ; وَلِهَذَا كَرِهَ الْعُلَمَاء أَنْ يُوَكِّل الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْع، أَوْ يَدْفَع إِلَيْهِ مُضَارَبَة.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ :( السُّفَهَاء هُنَا كُلّ مَنْ يَسْتَحِقّ الْحَجْر ).
وَهَذَا جَامِع.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ : وَأَمَّا الْحَجْر عَلَى السَّفِيه فَالسَّفِيه لَهُ أَحْوَال : حَال يُحْجَر عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ، وَحَالَة لِعَدَمِ عَقْله بِجُنُونٍ أَوْ غَيْره، وَحَالَة لِسُوءِ نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ فِي مَاله.
فَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ أَلَّا يُحْجَر عَلَيْهِ لِسُرْعَةِ زَوَالِ مَا بِهِ.
وَالْحَجْر يَكُون مَرَّة فِي حَقّ الْإِنْسَان وَمَرَّة فِي حَقّ غَيْره ; فَأَمَّا الْمَحْجُور عَلَيْهِ فِي حَقّ نَفْسه مَنْ ذَكَرْنَا.
وَالْمَحْجُور عَلَيْهِ فِي حَقّ غَيْره الْعَبْد وَالْمِدْيَان وَالْمَرِيض فِي الثُّلُثَيْنِ، وَالْمُفْلِس وَذَات الزَّوْج لِحَقِّ الزَّوْج، وَالْبِكْر فِي حَقّ نَفْسهَا.
فَأَمَّا الصَّغِير وَالْمَجْنُون فَلَا خِلَاف فِي الْحَجْر عَلَيْهِمَا.
وَأَمَّا الْكَبِير فَلِأَنَّهُ لَا يُحْسِن النَّظَر لِنَفْسِهِ فِي مَالِهِ، وَلَا يُؤْمَن مِنْهُ إِتْلَاف مَاله فِي غَيْر وَجْه، فَأَشْبَهَ الصَّبِيّ ; وَفِيهِ خِلَاف يَأْتِي.
وَلَا فَرْق بَيْنَ أَنْ يُتْلِف مَالَهُ فِي الْمَعَاصِي أَوْ الْقُرَب وَالْمُبَاحَات.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا إِذَا أَتْلَفَ مَالَهُ فِي الْقُرَب ; فَمِنْهُمْ مَنْ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَحْجُر عَلَيْهِ.
وَالْعَبْد لَا خِلَافَ فِيهِ.
وَالْمِدْيَان يُنْزَع مَا بِيَدِهِ لِغُرَمَائِهِ ; لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَة، وَفِعْل عُمَر ذَلِكَ بِأُسَيْفِع جُهَيْنَة ; ذَكَرَهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ.
وَالْبِكْر مَا دَامَتْ فِي الْخِدْر مَحْجُور عَلَيْهَا ; لِأَنَّهَا لَا تُحْسِن النَّظَر لِنَفْسِهَا.
حَتَّى إِذَا تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ إِلَيْهَا النَّاس، وَخَرَجَتْ وَبَرَزَ وَجْهُهَا عَرَفَتْ الْمَضَارَّ مِنْ الْمَنَافِع.
وَأَمَّا ذَاتُ الزَّوْج فَلِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَا يَجُوز لِامْرَأَةٍ مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا قَضَاء فِي مَالهَا إِلَّا فِي ثُلُثهَا ).
قُلْت : وَأَمَّا الْجَاهِل بِالْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ غَيْر مَحْجُور عَلَيْهِ لِتَنْمِيَتِهِ لِمَالِهِ وَعَدَم تَدْبِيره، فَلَا يُدْفَع إِلَيْهِ الْمَال ; لِجَهْلِهِ بِفَاسِدِ الْبِيَاعَات وَصَحِيحهَا وَمَا يَحِلّ وَمَا يَحْرُم مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ مِثْله فِي الْجَهْل بِالْبِيَاعَاتِ وَلِمَا يُخَاف مِنْ مُعَامَلَتِهِ بِالرِّبَا وَغَيْره.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْه إِضَافَة الْمَال إِلَى الْمُخَاطَبِينَ عَلَى هَذَا، وَهِيَ لِلسُّفَهَاءِ ; فَقِيلَ : أَضَافَهَا إِلَيْهِمْ لِأَنَّهَا بِأَيْدِيهِمْ وَهُمْ النَّاظِرُونَ فِيهَا فَنُسِبَتْ إِلَيْهِمْ اِتِّسَاعًا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ " [ النُّور : ٦١ ] وَقَوْله " فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٥٤ ].
وَقِيلَ : أَضَافَهَا إِلَيْهِمْ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْس أَمْوَالهمْ ; فَإِنَّ الْأَمْوَال جُعِلَتْ مُشْتَرَكَة بَيْنَ الْخَلْق تَنْتَقِل مِنْ يَد إِلَى يَد، وَمِنْ مِلْك إِلَى مِلْك، أَيْ هِيَ لَهُمْ إِذَا احْتَاجُوهَا كَأَمْوَالِكُمْ الَّتِي تَقِي أَعْرَاضَكُمْ وَتَصُونُكُمْ وَتُعَظِّم أَقْدَارَكُمْ، وَبِهَا قِوَام أَمْركُمْ.
وَقَوْل ثَانٍ قَالَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَابْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَقَتَادَة :( أَنَّ الْمُرَاد أَمْوَال الْمُخَاطَبِينَ حَقِيقَة ).
قَالَ اِبْن عَبَّاس :( لَا تَدْفَع مَالَك الَّذِي هُوَ سَبَب مَعِيشَتك إِلَى اِمْرَأَتك وَابْنك وَتَبْقَى فَقِيرًا تَنْظُر إِلَيْهِمْ وَإِلَى مَا فِي أَيْدِيهمْ ; بَلْ كُنْ أَنْتَ الَّذِي تُنْفِق عَلَيْهِمْ ).
فَالسُّفَهَاء عَلَى هَذَا هُمْ النِّسَاء وَالصِّبْيَان ; صِغَار وَلَد الرَّجُل وَامْرَأَته.
وَهَذَا يُخَرَّج مَعَ قَوْل مُجَاهِد وَأَبِي مَالِك فِي السُّفَهَاء.
فَأَمَّا الصَّغِير وَالْمَجْنُون فَلَا خِلَاف فِي الْحَجْر عَلَيْهِمَا.
وَأَمَّا الْكَبِير فَلِأَنَّهُ لَا يُحْسِن النَّظَر لِنَفْسِهِ فِي مَالِهِ، وَلَا يُؤْمَن مِنْهُ إِتْلَاف مَاله فِي غَيْر وَجْه، فَأَشْبَهَ الصَّبِيّ ; وَفِيهِ خِلَاف يَأْتِي.
وَلَا فَرْق بَيْنَ أَنْ يُتْلِف مَالَهُ فِي الْمَعَاصِي أَوْ الْقُرَب وَالْمُبَاحَات.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا إِذَا أَتْلَفَ مَالَهُ فِي الْقُرَب ; فَمِنْهُمْ مَنْ حَجَرَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَحْجُر عَلَيْهِ.
وَالْعَبْد لَا خِلَافَ فِيهِ.
وَالْمِدْيَان يُنْزَع مَا بِيَدِهِ لِغُرَمَائِهِ ; لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَة، وَفِعْل عُمَر ذَلِكَ بِأُسَيْفِع جُهَيْنَة ; ذَكَرَهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ.
وَالْبِكْر مَا دَامَتْ فِي الْخِدْر مَحْجُور عَلَيْهَا ; لِأَنَّهَا لَا تُحْسِن النَّظَر لِنَفْسِهَا.
حَتَّى إِذَا تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ إِلَيْهَا النَّاس، وَخَرَجَتْ وَبَرَزَ وَجْهُهَا عَرَفَتْ الْمَضَارَّ مِنْ الْمَنَافِع.
وَأَمَّا ذَاتُ الزَّوْج فَلِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَا يَجُوز لِامْرَأَةٍ مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا قَضَاء فِي مَالهَا إِلَّا فِي ثُلُثهَا ).
قُلْت : وَأَمَّا الْجَاهِل بِالْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ غَيْر مَحْجُور عَلَيْهِ لِتَنْمِيَتِهِ لِمَالِهِ وَعَدَم تَدْبِيره، فَلَا يُدْفَع إِلَيْهِ الْمَال ; لِجَهْلِهِ بِفَاسِدِ الْبِيَاعَات وَصَحِيحهَا وَمَا يَحِلّ وَمَا يَحْرُم مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ مِثْله فِي الْجَهْل بِالْبِيَاعَاتِ وَلِمَا يُخَاف مِنْ مُعَامَلَتِهِ بِالرِّبَا وَغَيْره.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْه إِضَافَة الْمَال إِلَى الْمُخَاطَبِينَ عَلَى هَذَا، وَهِيَ لِلسُّفَهَاءِ ; فَقِيلَ : أَضَافَهَا إِلَيْهِمْ لِأَنَّهَا بِأَيْدِيهِمْ وَهُمْ النَّاظِرُونَ فِيهَا فَنُسِبَتْ إِلَيْهِمْ اِتِّسَاعًا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ " [ النُّور : ٦١ ] وَقَوْله " فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٥٤ ].
وَقِيلَ : أَضَافَهَا إِلَيْهِمْ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْس أَمْوَالهمْ ; فَإِنَّ الْأَمْوَال جُعِلَتْ مُشْتَرَكَة بَيْنَ الْخَلْق تَنْتَقِل مِنْ يَد إِلَى يَد، وَمِنْ مِلْك إِلَى مِلْك، أَيْ هِيَ لَهُمْ إِذَا احْتَاجُوهَا كَأَمْوَالِكُمْ الَّتِي تَقِي أَعْرَاضَكُمْ وَتَصُونُكُمْ وَتُعَظِّم أَقْدَارَكُمْ، وَبِهَا قِوَام أَمْركُمْ.
وَقَوْل ثَانٍ قَالَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَابْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَقَتَادَة :( أَنَّ الْمُرَاد أَمْوَال الْمُخَاطَبِينَ حَقِيقَة ).
قَالَ اِبْن عَبَّاس :( لَا تَدْفَع مَالَك الَّذِي هُوَ سَبَب مَعِيشَتك إِلَى اِمْرَأَتك وَابْنك وَتَبْقَى فَقِيرًا تَنْظُر إِلَيْهِمْ وَإِلَى مَا فِي أَيْدِيهمْ ; بَلْ كُنْ أَنْتَ الَّذِي تُنْفِق عَلَيْهِمْ ).
فَالسُّفَهَاء عَلَى هَذَا هُمْ النِّسَاء وَالصِّبْيَان ; صِغَار وَلَد الرَّجُل وَامْرَأَته.
وَهَذَا يُخَرَّج مَعَ قَوْل مُجَاهِد وَأَبِي مَالِك فِي السُّفَهَاء.
وَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى جَوَاز الْحَجْر عَلَى السَّفِيهِ ; لِأَمْرِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ فِي قَوْله :" وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمْ " وَقَالَ " فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا " [ الْبَقَرَة : ٢٨٢ ].
فَأَثْبَتَ الْوِلَايَة عَلَى السَّفِيه كَمَا أَثْبَتَهَا عَلَى الضَّعِيف.
وَكَانَ مَعْنَى الضَّعِيف رَاجِعًا إِلَى الصَّغِير، وَمَعْنَى السَّفِيه إِلَى الْكَبِير الْبَالِغ ; لِأَنَّ السَّفَه اِسْم ذَمّ وَلَا يُذَمُّ الْإِنْسَان عَلَى مَا لَمْ يَكْتَسِبْهُ، وَالْقَلَم مَرْفُوع عَنْ غَيْر الْبَالِغ، فَالذَّمّ وَالْحَرَج مَنْفِيَّانِ عَنْهُ ; قَالَهُ الْخَطَّابِيّ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَفْعَال السَّفِيه قَبْل الْحَجْر عَلَيْهِ ; فَقَالَ مَالِك وَجَمِيع أَصْحَابه غَيْر اِبْن الْقَاسِم : إِنَّ فِعْلَ السَّفِيه وَأَمْرَهُ كُلّه جَائِز حَتَّى يَضْرِب الْإِمَام عَلَى يَده.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَبِي يُوسُف.
وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : أَفْعَالُهُ غَيْر جَائِزَة وَإِنْ لَمْ يَضْرِب عَلَيْهِ الْإِمَام.
وَقَالَ أَصْبَغ : إِنْ كَانَ ظَاهِرَ السَّفَه فَأَفْعَالُهُ مَرْدُودَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِر السَّفَه فَلَا تُرَدّ أَفْعَاله حَتَّى يَحْجُرَ عَلَيْهِ الْإِمَام.
وَاحْتَجَّ سَحْنُون لِقَوْلِ مَالِكٍ بِأَنْ قَالَ : لَوْ كَانَتْ أَفْعَال السَّفِيه مَرْدُودَة قَبْل الْحَجْر مَا اِحْتَاجَ السُّلْطَان أَنْ يَحْجُرَ عَلَى أَحَد.
وَحُجَّة اِبْن الْقَاسِم مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث جَابِر أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَيْسَ لَهُ مَال غَيْره فَرَدَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ حَجَر عَلَيْهِ قَبْل ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَجْر عَلَى الْكَبِير ; فَقَالَ مَالِك وَجُمْهُور الْفُقَهَاء : يُحْجَر عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يُحْجَر عَلَى مَنْ بَلَغَ عَاقِلًا إِلَّا أَنْ يَكُون مُفْسِدًا لِمَالِهِ ; فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ مُنِعَ مِنْ تَسْلِيم الْمَال إِلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَة، فَإِذَا بَلَغَهَا سُلِّمَ إِلَيْهِ بِكُلِّ حَال، سَوَاء كَانَ مُفْسِدًا أَوْ غَيْر مُفْسِد ; لِأَنَّهُ يَحْبَل مِنْهُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَة، ثُمَّ يُولَد لَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُر فَيَصِير جَدًّا وَأَبًا، وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَحْجُر عَلَى مَنْ يَصْلُح أَنْ يَكُون جَدًّا.
وَقِيلَ عَنْهُ : إِنْ فِي مُدَّة الْمَنْع مِنْ الْمَال إِذَا بَلَغَ مُفْسِدًا يَنْفُذ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْإِطْلَاق، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ تَسْلِيم الْمَال اِحْتِيَاطًا.
وَهَذَا كُلّه ضَعِيف فِي النَّظَر وَالْأَثَر.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن الصَّوَّاف أَخْبَرَنَا حَامِد بْن شُعَيْب أَخْبَرَنَا شُرَيْح بْن يُونُس أَخْبَرَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم - هُوَ أَبُو يُوسُف الْقَاضِي - أَخْبَرَنَا هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر أَتَى الزُّبَيْر فَقَالَ : إِنِّي اِشْتَرَيْت بَيْع كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّ عَلِيًّا يُرِيد أَنْ يَأْتِيَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فَيَسْأَلَهُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيَّ فِيهِ.
فَقَالَ الزُّبَيْر : أَنَا شَرِيكُك فِي الْبَيْع.
فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ فَقَالَ : إِنَّ اِبْن جَعْفَر اِشْتَرَى بَيْع كَذَا وَكَذَا فَاحْجُرْ عَلَيْهِ.
فَأَثْبَتَ الْوِلَايَة عَلَى السَّفِيه كَمَا أَثْبَتَهَا عَلَى الضَّعِيف.
وَكَانَ مَعْنَى الضَّعِيف رَاجِعًا إِلَى الصَّغِير، وَمَعْنَى السَّفِيه إِلَى الْكَبِير الْبَالِغ ; لِأَنَّ السَّفَه اِسْم ذَمّ وَلَا يُذَمُّ الْإِنْسَان عَلَى مَا لَمْ يَكْتَسِبْهُ، وَالْقَلَم مَرْفُوع عَنْ غَيْر الْبَالِغ، فَالذَّمّ وَالْحَرَج مَنْفِيَّانِ عَنْهُ ; قَالَهُ الْخَطَّابِيّ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَفْعَال السَّفِيه قَبْل الْحَجْر عَلَيْهِ ; فَقَالَ مَالِك وَجَمِيع أَصْحَابه غَيْر اِبْن الْقَاسِم : إِنَّ فِعْلَ السَّفِيه وَأَمْرَهُ كُلّه جَائِز حَتَّى يَضْرِب الْإِمَام عَلَى يَده.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَبِي يُوسُف.
وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : أَفْعَالُهُ غَيْر جَائِزَة وَإِنْ لَمْ يَضْرِب عَلَيْهِ الْإِمَام.
وَقَالَ أَصْبَغ : إِنْ كَانَ ظَاهِرَ السَّفَه فَأَفْعَالُهُ مَرْدُودَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِر السَّفَه فَلَا تُرَدّ أَفْعَاله حَتَّى يَحْجُرَ عَلَيْهِ الْإِمَام.
وَاحْتَجَّ سَحْنُون لِقَوْلِ مَالِكٍ بِأَنْ قَالَ : لَوْ كَانَتْ أَفْعَال السَّفِيه مَرْدُودَة قَبْل الْحَجْر مَا اِحْتَاجَ السُّلْطَان أَنْ يَحْجُرَ عَلَى أَحَد.
وَحُجَّة اِبْن الْقَاسِم مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث جَابِر أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَيْسَ لَهُ مَال غَيْره فَرَدَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ حَجَر عَلَيْهِ قَبْل ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَجْر عَلَى الْكَبِير ; فَقَالَ مَالِك وَجُمْهُور الْفُقَهَاء : يُحْجَر عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يُحْجَر عَلَى مَنْ بَلَغَ عَاقِلًا إِلَّا أَنْ يَكُون مُفْسِدًا لِمَالِهِ ; فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ مُنِعَ مِنْ تَسْلِيم الْمَال إِلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَة، فَإِذَا بَلَغَهَا سُلِّمَ إِلَيْهِ بِكُلِّ حَال، سَوَاء كَانَ مُفْسِدًا أَوْ غَيْر مُفْسِد ; لِأَنَّهُ يَحْبَل مِنْهُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَة، ثُمَّ يُولَد لَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُر فَيَصِير جَدًّا وَأَبًا، وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَحْجُر عَلَى مَنْ يَصْلُح أَنْ يَكُون جَدًّا.
وَقِيلَ عَنْهُ : إِنْ فِي مُدَّة الْمَنْع مِنْ الْمَال إِذَا بَلَغَ مُفْسِدًا يَنْفُذ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْإِطْلَاق، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ تَسْلِيم الْمَال اِحْتِيَاطًا.
وَهَذَا كُلّه ضَعِيف فِي النَّظَر وَالْأَثَر.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن الصَّوَّاف أَخْبَرَنَا حَامِد بْن شُعَيْب أَخْبَرَنَا شُرَيْح بْن يُونُس أَخْبَرَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم - هُوَ أَبُو يُوسُف الْقَاضِي - أَخْبَرَنَا هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر أَتَى الزُّبَيْر فَقَالَ : إِنِّي اِشْتَرَيْت بَيْع كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّ عَلِيًّا يُرِيد أَنْ يَأْتِيَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فَيَسْأَلَهُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيَّ فِيهِ.
فَقَالَ الزُّبَيْر : أَنَا شَرِيكُك فِي الْبَيْع.
فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ فَقَالَ : إِنَّ اِبْن جَعْفَر اِشْتَرَى بَيْع كَذَا وَكَذَا فَاحْجُرْ عَلَيْهِ.
فَقَالَ الزُّبَيْر : فَأَنَا شَرِيكُهُ فِي الْبَيْع.
فَقَالَ عُثْمَان : كَيْفَ أَحْجُر عَلَى رَجُل فِي بَيْع شَرِيكُهُ فِيهِ الزُّبَيْر ؟ قَالَ يَعْقُوب : أَنَا آخُذ بِالْحَجْرِ وَأَرَاهُ، وَأَحْجُر وَأُبْطِلُ بَيْع الْمَحْجُور عَلَيْهِ وَشِرَاءَهُ، وَإِذَا اِشْتَرَى أَوْ بَاعَ قَبْل الْحَجْر أَجَزْت بَيْعه.
قَالَ يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم : وَإِنَّ أَبَا حَنِيفَة لَا يَحْجُر وَلَا يَأْخُذ بِالْحَجْرِ.
فَقَوْل عُثْمَان : كَيْفَ أَحْجُر عَلَى رَجُل، دَلِيل عَلَى جَوَاز الْحَجْر عَلَى الْكَبِير ; فَإِنَّ عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر وَلَدَتْهُ أُمُّهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَة، وَهُوَ أَوَّل مَوْلُود وُلِدَ فِي الْإِسْلَام بِهَا، وَقَدِمَ مَعَ أَبِيهِ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام خَيْبَر فَسَمِعَ مِنْهُ وَحَفِظَ عَنْهُ.
وَكَانَتْ خَيْبَر سَنَة خَمْس مِنْ الْهِجْرَة.
وَهَذَا يَرُدّ عَلَى أَبِي حَنِيفَة قَوْله.
وَسَتَأْتِي حُجَّتُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
فَقَالَ عُثْمَان : كَيْفَ أَحْجُر عَلَى رَجُل فِي بَيْع شَرِيكُهُ فِيهِ الزُّبَيْر ؟ قَالَ يَعْقُوب : أَنَا آخُذ بِالْحَجْرِ وَأَرَاهُ، وَأَحْجُر وَأُبْطِلُ بَيْع الْمَحْجُور عَلَيْهِ وَشِرَاءَهُ، وَإِذَا اِشْتَرَى أَوْ بَاعَ قَبْل الْحَجْر أَجَزْت بَيْعه.
قَالَ يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم : وَإِنَّ أَبَا حَنِيفَة لَا يَحْجُر وَلَا يَأْخُذ بِالْحَجْرِ.
فَقَوْل عُثْمَان : كَيْفَ أَحْجُر عَلَى رَجُل، دَلِيل عَلَى جَوَاز الْحَجْر عَلَى الْكَبِير ; فَإِنَّ عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر وَلَدَتْهُ أُمُّهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَة، وَهُوَ أَوَّل مَوْلُود وُلِدَ فِي الْإِسْلَام بِهَا، وَقَدِمَ مَعَ أَبِيهِ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام خَيْبَر فَسَمِعَ مِنْهُ وَحَفِظَ عَنْهُ.
وَكَانَتْ خَيْبَر سَنَة خَمْس مِنْ الْهِجْرَة.
وَهَذَا يَرُدّ عَلَى أَبِي حَنِيفَة قَوْله.
وَسَتَأْتِي حُجَّتُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا
أَيْ لِمَعَاشِكُمْ وَصَلَاح دِينكُمْ.
وَفِي " الَّتِي " ثَلَاث لُغَات : الَّتِي وَاللَّتِ بِكَسْرِ التَّاء وَاللَّتْ بِإِسْكَانِهَا.
وَفِي تَثْنِيَتِهَا أَيْضًا ثَلَاث لُغَات : اللَّتَانِ وَاللَّتَا بِحَذْفِ النُّون وَاللَّتَانِّ بِشَدِّ النُّون.
وَأَمَّا الْجَمْع فَتَأْتِي لُغَاته فِي مَوْضِعه مِنْ هَذِهِ السُّورَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَالْقِيَام وَالْقِوَام : مَا يُقِيمُك بِمَعْنًى.
يُقَال : فُلَان قِيَام أَهْله وَقِوَام بَيْته، وَهُوَ الَّذِي يُقِيم شَأْنه، أَيْ يُصْلِحُهُ.
وَلَمَّا اِنْكَسَرَتْ الْقَاف مِنْ قِوَام أَبْدَلُوا الْوَاو يَاء.
وَقِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة " قِيَمًا " بِغَيْرِ أَلِفٍ.
قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاء : قِيَمًا وَقِوَامًا بِمَعْنَى قِيَامًا، وَانْتَصَبَ عِنْدهمَا عَلَى الْمَصْدَر.
أَيْ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمْ الَّتِي تَصْلُح بِهَا أُمُورُكُمْ فَيَقُومُوا بِهَا قِيَامًا.
وَقَالَ الْأَخْفَش : الْمَعْنَى قَائِمَة بِأُمُورِكُمْ.
يَذْهَب إِلَى أَنَّهَا جَمْع.
وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ : قِيَمًا جَمْع قِيمَة ; كَدِيمَةٍ وَدِيَم، أَيْ جَعَلَهَا اللَّه قِيمَة لِلْأَشْيَاءِ.
وَخَطَّأَ أَبُو عَلِيّ هَذَا الْقَوْل وَقَالَ : هِيَ مَصْدَر كَقِيَامٍ وَقِوَام وَأَصْلهَا قِوَم، وَلَكِنْ شَذَّتْ فِي الرَّدّ إِلَى الْيَاء كَمَا شَذَّ قَوْلهمْ : جِيَاد فِي جَمْع جَوَاد وَنَحْوه.
وَقِوَمًا وَقِوَامًا وَقِيَامًا مَعْنَاهَا ثَبَاتًا فِي صَلَاح الْحَال وَدَوَامًا فِي ذَلِكَ.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَالنَّخَعِيّ " اللَّاتِي " جَعَلَ عَلَى جَمْع الَّتِي، وَقِرَاءَة الْعَامَّة " الَّتِي " عَلَى لَفْظ الْجَمَاعَة.
قَالَ الْفَرَّاء : الْأَكْثَر فِي كَلَام الْعَرَب " النِّسَاء اللَّوَاتِي، وَالْأَمْوَال الَّتِي " وَكَذَلِكَ غَيْر الْأَمْوَال ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس :
أَيْ لِمَعَاشِكُمْ وَصَلَاح دِينكُمْ.
وَفِي " الَّتِي " ثَلَاث لُغَات : الَّتِي وَاللَّتِ بِكَسْرِ التَّاء وَاللَّتْ بِإِسْكَانِهَا.
وَفِي تَثْنِيَتِهَا أَيْضًا ثَلَاث لُغَات : اللَّتَانِ وَاللَّتَا بِحَذْفِ النُّون وَاللَّتَانِّ بِشَدِّ النُّون.
وَأَمَّا الْجَمْع فَتَأْتِي لُغَاته فِي مَوْضِعه مِنْ هَذِهِ السُّورَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَالْقِيَام وَالْقِوَام : مَا يُقِيمُك بِمَعْنًى.
يُقَال : فُلَان قِيَام أَهْله وَقِوَام بَيْته، وَهُوَ الَّذِي يُقِيم شَأْنه، أَيْ يُصْلِحُهُ.
وَلَمَّا اِنْكَسَرَتْ الْقَاف مِنْ قِوَام أَبْدَلُوا الْوَاو يَاء.
وَقِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة " قِيَمًا " بِغَيْرِ أَلِفٍ.
قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاء : قِيَمًا وَقِوَامًا بِمَعْنَى قِيَامًا، وَانْتَصَبَ عِنْدهمَا عَلَى الْمَصْدَر.
أَيْ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمْ الَّتِي تَصْلُح بِهَا أُمُورُكُمْ فَيَقُومُوا بِهَا قِيَامًا.
وَقَالَ الْأَخْفَش : الْمَعْنَى قَائِمَة بِأُمُورِكُمْ.
يَذْهَب إِلَى أَنَّهَا جَمْع.
وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ : قِيَمًا جَمْع قِيمَة ; كَدِيمَةٍ وَدِيَم، أَيْ جَعَلَهَا اللَّه قِيمَة لِلْأَشْيَاءِ.
وَخَطَّأَ أَبُو عَلِيّ هَذَا الْقَوْل وَقَالَ : هِيَ مَصْدَر كَقِيَامٍ وَقِوَام وَأَصْلهَا قِوَم، وَلَكِنْ شَذَّتْ فِي الرَّدّ إِلَى الْيَاء كَمَا شَذَّ قَوْلهمْ : جِيَاد فِي جَمْع جَوَاد وَنَحْوه.
وَقِوَمًا وَقِوَامًا وَقِيَامًا مَعْنَاهَا ثَبَاتًا فِي صَلَاح الْحَال وَدَوَامًا فِي ذَلِكَ.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَالنَّخَعِيّ " اللَّاتِي " جَعَلَ عَلَى جَمْع الَّتِي، وَقِرَاءَة الْعَامَّة " الَّتِي " عَلَى لَفْظ الْجَمَاعَة.
قَالَ الْفَرَّاء : الْأَكْثَر فِي كَلَام الْعَرَب " النِّسَاء اللَّوَاتِي، وَالْأَمْوَال الَّتِي " وَكَذَلِكَ غَيْر الْأَمْوَال ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس :
وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ
قِيلَ : مَعْنَاهُ اِجْعَلُوا لَهُمْ فِيهَا أَوْ اِفْرِضُوا لَهُمْ فِيهَا.
وَهَذَا فِيمَنْ يَلْزَم الرَّجُل نَفَقَته وَكِسْوَته مِنْ زَوْجَته وَبَنِيهِ الْأَصَاغِر.
فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى وُجُوب نَفَقَة الْوَلَد عَلَى الْوَالِد وَالزَّوْجَة عَلَى زَوْجهَا.
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَفْضَل الصَّدَقَة مَا تَرَكَ غِنًى وَالْيَد الْعُلْيَا خَيْر مِنْ الْيَد السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُول تَقُول الْمَرْأَة : إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقنِي وَيَقُول الْعَبْد أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَيَقُول الِابْن أَطْعِمْنِي إِلَى مَنْ تَدَعُنِي ) ؟ فَقَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَة، سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : لَا، هَذَا مِنْ كِيس أَبِي هُرَيْرَة !.
قَالَ الْمُهَلَّب : النَّفَقَة عَلَى الْأَهْل وَالْعِيَال وَاجِبَة بِإِجْمَاعٍ ; وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة فِي ذَلِكَ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَاخْتَلَفُوا فِي نَفَقَة مَنْ بَلَغَ مِنْ الْأَبْنَاء وَلَا مَال لَهُ وَلَا كَسْب ; فَقَالَتْ طَائِفَة : عَلَى الْأَب أَنْ يُنْفِق عَلَى وَلَده الذُّكُور حَتَّى يَحْتَلِمُوا، وَعَلَى النِّسَاء حَتَّى يَتَزَوَّجْنَ وَيُدْخَل بِهِنَّ.
فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْد الْبِنَاء أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَا نَفَقَة لَهَا عَلَى أَبِيهَا.
وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْل الْبِنَاء فَهِيَ عَلَى نَفَقَتهَا.
وَلَا نَفَقَة لِوَلَدِ الْوَلَد عَلَى الْجَدّ ; هَذَا قَوْل مَالِك.
وَقَالَتْ طَائِفَة : يُنْفِق عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ حَتَّى يَبْلُغُوا الْحُلُم وَالْمَحِيض.
ثُمَّ لَا نَفَقَة عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا زَمْنَى، وَسَوَاء فِي ذَلِكَ الذُّكُور وَالْإِنَاث مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَال، وَسَوَاء فِي ذَلِكَ وَلَده أَوْ وَلَد وَلَده وَإِنْ سَفَلُوا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَب دُونه يَقْدِر عَلَى النَّفَقَة عَلَيْهِمْ ; هَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ.
وَأَوْجَبَتْ طَائِفَة النَّفَقَة لِجَمِيعِ الْأَطْفَال وَالْبَالِغِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَال يَسْتَغْنُونَ بِهَا عَنْ نَفَقَة الْوَالِد ; عَلَى ظَاهِر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِهِنْد :( خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ ).
وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة ( يَقُول الِابْن أَطْعِمْنِي إِلَى مَنْ تَدَعُنِي ؟ ) يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَقُول ذَلِكَ مَنْ لَا طَاقَةَ لَهُ عَلَى الْكَسْب وَالتَّحَرُّف.
وَمَنْ بَلَغَ سِنَّ الْحُلُم فَلَا يَقُول ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ حَدَّ السَّعْي عَلَى نَفْسه وَالْكَسْب لَهَا، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى :" حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاح " [ النِّسَاء : ٦ ] الْآيَة.
فَجَعَلَ بُلُوغَ النِّكَاح حَدًّا فِي ذَلِكَ.
وَفِي قَوْله :( تَقُول الْمَرْأَة إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي ) يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ : لَا يُفَرَّق بِالْإِعْسَارِ وَيَلْزَم الْمَرْأَةَ الصَّبْرُ ; وَتَتَعَلَّق النَّفَقَة بِذِمَّتِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِم.
هَذَا قَوْل عَطَاء وَالزُّهْرِيّ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ مُتَمَسِّكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ " [ الْبَقَرَة : ٢٨٠ ].
قِيلَ : مَعْنَاهُ اِجْعَلُوا لَهُمْ فِيهَا أَوْ اِفْرِضُوا لَهُمْ فِيهَا.
وَهَذَا فِيمَنْ يَلْزَم الرَّجُل نَفَقَته وَكِسْوَته مِنْ زَوْجَته وَبَنِيهِ الْأَصَاغِر.
فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى وُجُوب نَفَقَة الْوَلَد عَلَى الْوَالِد وَالزَّوْجَة عَلَى زَوْجهَا.
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَفْضَل الصَّدَقَة مَا تَرَكَ غِنًى وَالْيَد الْعُلْيَا خَيْر مِنْ الْيَد السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُول تَقُول الْمَرْأَة : إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقنِي وَيَقُول الْعَبْد أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَيَقُول الِابْن أَطْعِمْنِي إِلَى مَنْ تَدَعُنِي ) ؟ فَقَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَة، سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : لَا، هَذَا مِنْ كِيس أَبِي هُرَيْرَة !.
قَالَ الْمُهَلَّب : النَّفَقَة عَلَى الْأَهْل وَالْعِيَال وَاجِبَة بِإِجْمَاعٍ ; وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة فِي ذَلِكَ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَاخْتَلَفُوا فِي نَفَقَة مَنْ بَلَغَ مِنْ الْأَبْنَاء وَلَا مَال لَهُ وَلَا كَسْب ; فَقَالَتْ طَائِفَة : عَلَى الْأَب أَنْ يُنْفِق عَلَى وَلَده الذُّكُور حَتَّى يَحْتَلِمُوا، وَعَلَى النِّسَاء حَتَّى يَتَزَوَّجْنَ وَيُدْخَل بِهِنَّ.
فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْد الْبِنَاء أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَا نَفَقَة لَهَا عَلَى أَبِيهَا.
وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْل الْبِنَاء فَهِيَ عَلَى نَفَقَتهَا.
وَلَا نَفَقَة لِوَلَدِ الْوَلَد عَلَى الْجَدّ ; هَذَا قَوْل مَالِك.
وَقَالَتْ طَائِفَة : يُنْفِق عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ حَتَّى يَبْلُغُوا الْحُلُم وَالْمَحِيض.
ثُمَّ لَا نَفَقَة عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا زَمْنَى، وَسَوَاء فِي ذَلِكَ الذُّكُور وَالْإِنَاث مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَال، وَسَوَاء فِي ذَلِكَ وَلَده أَوْ وَلَد وَلَده وَإِنْ سَفَلُوا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَب دُونه يَقْدِر عَلَى النَّفَقَة عَلَيْهِمْ ; هَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ.
وَأَوْجَبَتْ طَائِفَة النَّفَقَة لِجَمِيعِ الْأَطْفَال وَالْبَالِغِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَال يَسْتَغْنُونَ بِهَا عَنْ نَفَقَة الْوَالِد ; عَلَى ظَاهِر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِهِنْد :( خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ ).
وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة ( يَقُول الِابْن أَطْعِمْنِي إِلَى مَنْ تَدَعُنِي ؟ ) يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَقُول ذَلِكَ مَنْ لَا طَاقَةَ لَهُ عَلَى الْكَسْب وَالتَّحَرُّف.
وَمَنْ بَلَغَ سِنَّ الْحُلُم فَلَا يَقُول ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ حَدَّ السَّعْي عَلَى نَفْسه وَالْكَسْب لَهَا، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى :" حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاح " [ النِّسَاء : ٦ ] الْآيَة.
فَجَعَلَ بُلُوغَ النِّكَاح حَدًّا فِي ذَلِكَ.
وَفِي قَوْله :( تَقُول الْمَرْأَة إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي ) يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ : لَا يُفَرَّق بِالْإِعْسَارِ وَيَلْزَم الْمَرْأَةَ الصَّبْرُ ; وَتَتَعَلَّق النَّفَقَة بِذِمَّتِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِم.
هَذَا قَوْل عَطَاء وَالزُّهْرِيّ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ مُتَمَسِّكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ " [ الْبَقَرَة : ٢٨٠ ].
قَالُوا : فَوَجَبَ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى أَنْ يُوسِرَ.
وَقَوْله تَعَالَى :" وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ " [ النُّور : ٣٢ ] الْآيَة.
قَالُوا : فَنَدَبَ تَعَالَى إِلَى إِنْكَاحِ الْفَقِيرِ ; فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَقْر سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ مَنْعه إِلَى النِّكَاح.
وَلَا حُجَّة لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهَا.
وَالْحَدِيث نَصٌّ فِي مَوْضِع الْخِلَاف.
وَقِيلَ : الْخِطَاب لِوَلِيِّ الْيَتِيم لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَاله الَّذِي لَهُ تَحْت نَظَرِهِ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَاف فِي إِضَافَة الْمَال.
فَالْوَصِيّ يُنْفِق عَلَى الْيَتِيم عَلَى قَدْر مَاله وَحَاله ; فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَمَاله كَثِير اِتَّخَذَ لَهُ ظِئْرًا وَحَوَاضِنَ وَوَسَّعَ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَة.
وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا قَدَّرَ لَهُ نَاعِمَ اللِّبَاس وَشَهِيَّ الطَّعَام وَالْخَدَم.
وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَبِحَسَبِهِ.
وَإِنْ كَانَ دُون ذَلِكَ فَخَشَّنَ الطَّعَامَ وَاللِّبَاسَ قَدْرَ الْحَاجَة.
فَإِنْ كَانَ الْيَتِيمُ فَقِيرًا لَا مَال لَهُ وَجَبَ عَلَى الْإِمَام الْقِيَامُ بِهِ مِنْ بَيْت الْمَال ; فَإِنْ لَمْ يَفْعَل الْإِمَام وَجَبَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْأَخَصّ بِهِ فَالْأَخَصّ.
وَأُمُّهُ أَخَصُّ بِهِ فَيَجِب عَلَيْهَا إِرْضَاعه وَالْقِيَام بِهِ.
وَلَا تَرْجِع عَلَيْهِ وَلَا عَلَى أَحَد.
وَقَدْ مَضَى فِي الْبَقَرَة عِنْد قَوْله :" وَالْوَالِدَات يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ " [ الْبَقَرَة : ٢٣٣ ].
وَقَوْله تَعَالَى :" وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ " [ النُّور : ٣٢ ] الْآيَة.
قَالُوا : فَنَدَبَ تَعَالَى إِلَى إِنْكَاحِ الْفَقِيرِ ; فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَقْر سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ مَنْعه إِلَى النِّكَاح.
وَلَا حُجَّة لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهَا.
وَالْحَدِيث نَصٌّ فِي مَوْضِع الْخِلَاف.
وَقِيلَ : الْخِطَاب لِوَلِيِّ الْيَتِيم لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَاله الَّذِي لَهُ تَحْت نَظَرِهِ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَاف فِي إِضَافَة الْمَال.
فَالْوَصِيّ يُنْفِق عَلَى الْيَتِيم عَلَى قَدْر مَاله وَحَاله ; فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَمَاله كَثِير اِتَّخَذَ لَهُ ظِئْرًا وَحَوَاضِنَ وَوَسَّعَ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَة.
وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا قَدَّرَ لَهُ نَاعِمَ اللِّبَاس وَشَهِيَّ الطَّعَام وَالْخَدَم.
وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَبِحَسَبِهِ.
وَإِنْ كَانَ دُون ذَلِكَ فَخَشَّنَ الطَّعَامَ وَاللِّبَاسَ قَدْرَ الْحَاجَة.
فَإِنْ كَانَ الْيَتِيمُ فَقِيرًا لَا مَال لَهُ وَجَبَ عَلَى الْإِمَام الْقِيَامُ بِهِ مِنْ بَيْت الْمَال ; فَإِنْ لَمْ يَفْعَل الْإِمَام وَجَبَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْأَخَصّ بِهِ فَالْأَخَصّ.
وَأُمُّهُ أَخَصُّ بِهِ فَيَجِب عَلَيْهَا إِرْضَاعه وَالْقِيَام بِهِ.
وَلَا تَرْجِع عَلَيْهِ وَلَا عَلَى أَحَد.
وَقَدْ مَضَى فِي الْبَقَرَة عِنْد قَوْله :" وَالْوَالِدَات يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ " [ الْبَقَرَة : ٢٣٣ ].
وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا
أَرَادَ تَلْيِينَ الْخِطَاب وَالْوَعْدَ الْجَمِيلَ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْقَوْل الْمَعْرُوف ; فَقِيلَ : مَعْنَاهُ اُدْعُوا لَهُمْ : بَارَكَ اللَّه فِيكُمْ، وَحَاطَكُمْ وَصَنَعَ لَكُمْ، وَأَنَا نَاظِر لَك، وَهَذَا الِاحْتِيَاط يَرْجِع نَفْعُهُ إِلَيْك.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ وَعِدُوهُمْ وَعْدًا حَسَنًا ; أَيْ إِنْ رَشَّدْتُمْ دَفَعْنَا إِلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ.
وَيَقُول الْأَب لِابْنِهِ : مَالِي إِلَيْك مَصِيرُهُ، وَأَنْتَ إِنْ شَاءَ اللَّه صَاحِبُهُ إِذَا مَلَكْت رُشْدَك وَعَرَفْت تَصَرُّفَك.
أَرَادَ تَلْيِينَ الْخِطَاب وَالْوَعْدَ الْجَمِيلَ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْقَوْل الْمَعْرُوف ; فَقِيلَ : مَعْنَاهُ اُدْعُوا لَهُمْ : بَارَكَ اللَّه فِيكُمْ، وَحَاطَكُمْ وَصَنَعَ لَكُمْ، وَأَنَا نَاظِر لَك، وَهَذَا الِاحْتِيَاط يَرْجِع نَفْعُهُ إِلَيْك.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ وَعِدُوهُمْ وَعْدًا حَسَنًا ; أَيْ إِنْ رَشَّدْتُمْ دَفَعْنَا إِلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ.
وَيَقُول الْأَب لِابْنِهِ : مَالِي إِلَيْك مَصِيرُهُ، وَأَنْتَ إِنْ شَاءَ اللَّه صَاحِبُهُ إِذَا مَلَكْت رُشْدَك وَعَرَفْت تَصَرُّفَك.
وَابْتَلُوا الْيَتَامَى
الِابْتِلَاء الِاخْتِبَار ; وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَهَذِهِ الْآيَة خِطَابٌ لِلْجَمِيعِ فِي بَيَان كَيْفِيَّة دَفْع أَمْوَالِهِمْ.
وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَابِت بْن رِفَاعَة وَفِي عَمِّهِ.
وَذَلِكَ أَنَّ رِفَاعَةَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ اِبْنَهُ وَهُوَ صَغِير، فَأَتَى عَمُّ ثَابِتٍ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ اِبْن أَخِي يَتِيم فِي حِجْرِي فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْ مَالِهِ، وَمَتَى أَدْفَع إِلَيْهِ مَالَهُ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الِاخْتِبَار ; فَقِيلَ : هُوَ أَنْ يَتَأَمَّلَ الْوَصِيُّ أَخْلَاقَ يَتِيمِهِ، وَيَسْتَمِعَ إِلَى أَغْرَاضِهِ، فَيَحْصُل لَهُ الْعِلْم بِنَجَابَتِهِ، وَالْمَعْرِفَة بِالسَّعْيِ فِي مَصَالِحه وَضَبْط مَاله، وَالْإِهْمَال لِذَلِكَ.
فَإِذَا تَوَسَّمَ الْخَيْر قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَغَيْرهمْ : لَا بَأْس أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنْ مَاله يُبِيح لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، فَإِنْ نَمَّاهُ وَحَسَّنَ النَّظَرَ فِيهِ فَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِبَار، وَوَجَبَ عَلَى الْوَصِيّ تَسْلِيم جَمِيع مَاله إِلَيْهِ.
وَإِنْ أَسَاءَ النَّظَرَ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِمْسَاك مَاله عِنْده.
وَلَيْسَ فِي الْعُلَمَاء مَنْ يَقُول : إِنَّهُ إِذَا اخْتَبَرَ الصَّبِيّ فَوَجَدَهُ رَشِيدًا تَرْتَفِع الْوِلَايَة عَنْهُ، وَأَنَّهُ يَجِب دَفْع مَاله إِلَيْهِ وَإِطْلَاق يَده فِي التَّصَرُّف ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاح ".
وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْفُقَهَاء : الصَّغِير لَا يَخْلُو مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ ; إِمَّا أَنْ يَكُونَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَة ; فَإِنْ كَانَ غُلَامًا رَدَّ النَّظَر إِلَيْهِ فِي نَفَقَة الدَّار شَهْرًا، أَوْ أَعْطَاهُ شَيْئًا نَزْرًا يَتَصَرَّف فِيهِ ; لِيَعْرِف كَيْفَ تَدْبِيرُهُ وَتَصَرُّفُهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُرَاعِيهِ لِئَلَّا يُتْلِفَهُ ; فَإِنْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيّ.
فَإِذَا رَآهُ مُتَوَخِّيًا سَلَّمَ إِلَيْهِ مَالَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَة رَدَّ إِلَيْهَا مَا يُرَدُّ إِلَى رَبَّة الْبَيْت مِنْ تَدْبِير بَيْتهَا وَالنَّظَر فِيهِ، فِي الِاسْتِغْزَال وَالِاسْتِقْصَاء عَلَى الْغَزَّالَات فِي دَفْع الْقُطْن وَأُجْرَتِهِ، وَاسْتِيفَاء الْغَزْل وَجَوْدَتِهِ.
فَإِنْ رَآهَا رَشِيدَة سَلَّمَ أَيْضًا إِلَيْهَا مَالَهَا وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا.
وَإِلَّا بَقِيَا تَحْت الْحَجْر حَتَّى يُؤْنَس رُشْدُهُمَا.
وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : اِخْتَبَرُوهُمْ فِي عُقُولهمْ وَأَدْيَانِهِمْ وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالهمْ.
الِابْتِلَاء الِاخْتِبَار ; وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَهَذِهِ الْآيَة خِطَابٌ لِلْجَمِيعِ فِي بَيَان كَيْفِيَّة دَفْع أَمْوَالِهِمْ.
وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَابِت بْن رِفَاعَة وَفِي عَمِّهِ.
وَذَلِكَ أَنَّ رِفَاعَةَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ اِبْنَهُ وَهُوَ صَغِير، فَأَتَى عَمُّ ثَابِتٍ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ اِبْن أَخِي يَتِيم فِي حِجْرِي فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْ مَالِهِ، وَمَتَى أَدْفَع إِلَيْهِ مَالَهُ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الِاخْتِبَار ; فَقِيلَ : هُوَ أَنْ يَتَأَمَّلَ الْوَصِيُّ أَخْلَاقَ يَتِيمِهِ، وَيَسْتَمِعَ إِلَى أَغْرَاضِهِ، فَيَحْصُل لَهُ الْعِلْم بِنَجَابَتِهِ، وَالْمَعْرِفَة بِالسَّعْيِ فِي مَصَالِحه وَضَبْط مَاله، وَالْإِهْمَال لِذَلِكَ.
فَإِذَا تَوَسَّمَ الْخَيْر قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَغَيْرهمْ : لَا بَأْس أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنْ مَاله يُبِيح لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، فَإِنْ نَمَّاهُ وَحَسَّنَ النَّظَرَ فِيهِ فَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِبَار، وَوَجَبَ عَلَى الْوَصِيّ تَسْلِيم جَمِيع مَاله إِلَيْهِ.
وَإِنْ أَسَاءَ النَّظَرَ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِمْسَاك مَاله عِنْده.
وَلَيْسَ فِي الْعُلَمَاء مَنْ يَقُول : إِنَّهُ إِذَا اخْتَبَرَ الصَّبِيّ فَوَجَدَهُ رَشِيدًا تَرْتَفِع الْوِلَايَة عَنْهُ، وَأَنَّهُ يَجِب دَفْع مَاله إِلَيْهِ وَإِطْلَاق يَده فِي التَّصَرُّف ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاح ".
وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْفُقَهَاء : الصَّغِير لَا يَخْلُو مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ ; إِمَّا أَنْ يَكُونَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَة ; فَإِنْ كَانَ غُلَامًا رَدَّ النَّظَر إِلَيْهِ فِي نَفَقَة الدَّار شَهْرًا، أَوْ أَعْطَاهُ شَيْئًا نَزْرًا يَتَصَرَّف فِيهِ ; لِيَعْرِف كَيْفَ تَدْبِيرُهُ وَتَصَرُّفُهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُرَاعِيهِ لِئَلَّا يُتْلِفَهُ ; فَإِنْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيّ.
فَإِذَا رَآهُ مُتَوَخِّيًا سَلَّمَ إِلَيْهِ مَالَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَة رَدَّ إِلَيْهَا مَا يُرَدُّ إِلَى رَبَّة الْبَيْت مِنْ تَدْبِير بَيْتهَا وَالنَّظَر فِيهِ، فِي الِاسْتِغْزَال وَالِاسْتِقْصَاء عَلَى الْغَزَّالَات فِي دَفْع الْقُطْن وَأُجْرَتِهِ، وَاسْتِيفَاء الْغَزْل وَجَوْدَتِهِ.
فَإِنْ رَآهَا رَشِيدَة سَلَّمَ أَيْضًا إِلَيْهَا مَالَهَا وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا.
وَإِلَّا بَقِيَا تَحْت الْحَجْر حَتَّى يُؤْنَس رُشْدُهُمَا.
وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : اِخْتَبَرُوهُمْ فِي عُقُولهمْ وَأَدْيَانِهِمْ وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالهمْ.
حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ
أَيْ الْحُلُم ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمْ الْحُلُم " [ النُّور : ٥٩ ] أَيْ الْبُلُوغ، وَحَال النِّكَاح.
وَالْبُلُوغ يَكُون بِخَمْسَةِ أَشْيَاء : ثَلَاثَة يَشْتَرِك فِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَاثْنَانِ يَخْتَصَّانِ بِالنِّسَاءِ وَهُمَا الْحَيْض وَالْحَبَل.
فَأَمَّا الْحَيْض وَالْحَبَل فَلَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء فِي أَنَّهُ بُلُوغ، وَأَنَّ الْفَرَائِض وَالْأَحْكَام تَجِب بِهِمَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّلَاثَة ; فَأَمَّا الْإِنْبَات وَالسِّنّ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل : خَمْس عَشْرَة سَنَة بُلُوغ لِمَنْ لَمْ يَحْتَلِم.
وَهُوَ قَوْل اِبْن وَهْب وَأَصْبَغَ وَعَبْد الْمَلِك بْن الْمَاجِشُون وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَجَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
وَتَجِب الْحُدُود وَالْفَرَائِض عِنْدهمْ عَلَى مَنْ بَلَغَ هَذَا السِّنَّ.
قَالَ أَصْبَغ بْن الْفَرَج : وَاَلَّذِي نَقُول بِهِ أَنَّ حَدَّ الْبُلُوغ الَّذِي تَلْزَم بِهِ الْفَرَائِض وَالْحُدُود خَمْس عَشْرَة سَنَة ; وَذَلِكَ أَحَبّ مَا فِيهِ إِلَيَّ وَأَحْسَنُهُ عِنْدِي ; لِأَنَّهُ الْحَدّ الَّذِي يُسْهَم فِيهِ فِي الْجِهَاد وَلِمَنْ حَضَرَ الْقِتَال.
وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ اِبْن عُمَر إِذْ عُرِضَ يَوْم الْخَنْدَق وَهُوَ اِبْن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَة فَأُجِيزَ، وَلَمْ يُجَزْ يَوْمَ أُحُد ; لِأَنَّهُ كَانَ اِبْن أَرْبَع عَشْرَة سَنَة.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : هَذَا فِيمَنْ عُرِفَ مَوْلِده، وَأَمَّا مَنْ جُهِلَ مَوْلِده وَعِدَّةُ سِنِّهِ أَوْ جَحَدَهُ فَالْعَمَل فِيهِ بِمَا رَوَى نَافِع عَنْ أَسْلَمَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاء الْأَجْنَاد :( أَلَّا تَضْرِبُوا الْجِزْيَة إِلَّا عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي ).
وَقَالَ عُثْمَان فِي غُلَام سَرَقَ : اُنْظُرُوا إِنْ كَانَ قَدْ اِخْضَرَّ مِئْزَرُهُ فَاقْطَعُوهُ.
وَقَالَ عَطِيَّة الْقُرَظِيّ : عَرَضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي قُرَيْظَة ; فَكُلّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ قَتَلَهُ بِحُكْمِ سَعْد بْن مُعَاذ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ مِنْهُمْ اِسْتَحْيَاهُ ; فَكُنْت فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَتَرَكَنِي.
وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَغَيْرُهُمَا : لَا يُحْكَمُ لِمَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ حَتَّى يَبْلُغَ مَا لَمْ يُبْلِغْهُ أَحَدٌ إِلَّا اِحْتَلَمَ، وَذَلِكَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً ; فَيَكُون عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْحَدّ إِذَا أَتَى مَا يَجِب عَلَيْهِ الْحَدّ.
وَقَالَ مَالِك مَرَّة : بُلُوغُهُ أَنْ يَغْلُظ صَوْته وَتَنْشَقَّ أَرْنَبَتُهُ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَة رِوَايَة أُخْرَى : تِسْعَ عَشْرَة سَنَة ; وَهِيَ الْأَشْهَر.
وَقَالَ فِي الْجَارِيَة : بُلُوغهَا لِسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَة وَعَلَيْهَا النَّظَر.
وَرَوَى اللُّؤْلُؤِيُّ عَنْهُ ثَمَانَ عَشْرَة سَنَة.
وَقَالَ دَاوُدُ : لَا يَبْلُغ بِالسِّنِّ مَا لَمْ يَحْتَلِم وَلَوْ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَة.
فَأَمَّا الْإِنْبَات فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى الْبُلُوغ ; رُوِيَ عَنْ اِبْن الْقَاسِم وَسَالِم، وَقَالَ مَالِك مَرَّة، وَالشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
أَيْ الْحُلُم ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمْ الْحُلُم " [ النُّور : ٥٩ ] أَيْ الْبُلُوغ، وَحَال النِّكَاح.
وَالْبُلُوغ يَكُون بِخَمْسَةِ أَشْيَاء : ثَلَاثَة يَشْتَرِك فِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَاثْنَانِ يَخْتَصَّانِ بِالنِّسَاءِ وَهُمَا الْحَيْض وَالْحَبَل.
فَأَمَّا الْحَيْض وَالْحَبَل فَلَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء فِي أَنَّهُ بُلُوغ، وَأَنَّ الْفَرَائِض وَالْأَحْكَام تَجِب بِهِمَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّلَاثَة ; فَأَمَّا الْإِنْبَات وَالسِّنّ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَابْن حَنْبَل : خَمْس عَشْرَة سَنَة بُلُوغ لِمَنْ لَمْ يَحْتَلِم.
وَهُوَ قَوْل اِبْن وَهْب وَأَصْبَغَ وَعَبْد الْمَلِك بْن الْمَاجِشُون وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَجَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
وَتَجِب الْحُدُود وَالْفَرَائِض عِنْدهمْ عَلَى مَنْ بَلَغَ هَذَا السِّنَّ.
قَالَ أَصْبَغ بْن الْفَرَج : وَاَلَّذِي نَقُول بِهِ أَنَّ حَدَّ الْبُلُوغ الَّذِي تَلْزَم بِهِ الْفَرَائِض وَالْحُدُود خَمْس عَشْرَة سَنَة ; وَذَلِكَ أَحَبّ مَا فِيهِ إِلَيَّ وَأَحْسَنُهُ عِنْدِي ; لِأَنَّهُ الْحَدّ الَّذِي يُسْهَم فِيهِ فِي الْجِهَاد وَلِمَنْ حَضَرَ الْقِتَال.
وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ اِبْن عُمَر إِذْ عُرِضَ يَوْم الْخَنْدَق وَهُوَ اِبْن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَة فَأُجِيزَ، وَلَمْ يُجَزْ يَوْمَ أُحُد ; لِأَنَّهُ كَانَ اِبْن أَرْبَع عَشْرَة سَنَة.
أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : هَذَا فِيمَنْ عُرِفَ مَوْلِده، وَأَمَّا مَنْ جُهِلَ مَوْلِده وَعِدَّةُ سِنِّهِ أَوْ جَحَدَهُ فَالْعَمَل فِيهِ بِمَا رَوَى نَافِع عَنْ أَسْلَمَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاء الْأَجْنَاد :( أَلَّا تَضْرِبُوا الْجِزْيَة إِلَّا عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي ).
وَقَالَ عُثْمَان فِي غُلَام سَرَقَ : اُنْظُرُوا إِنْ كَانَ قَدْ اِخْضَرَّ مِئْزَرُهُ فَاقْطَعُوهُ.
وَقَالَ عَطِيَّة الْقُرَظِيّ : عَرَضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي قُرَيْظَة ; فَكُلّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ قَتَلَهُ بِحُكْمِ سَعْد بْن مُعَاذ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ مِنْهُمْ اِسْتَحْيَاهُ ; فَكُنْت فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَتَرَكَنِي.
وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَغَيْرُهُمَا : لَا يُحْكَمُ لِمَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ حَتَّى يَبْلُغَ مَا لَمْ يُبْلِغْهُ أَحَدٌ إِلَّا اِحْتَلَمَ، وَذَلِكَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً ; فَيَكُون عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْحَدّ إِذَا أَتَى مَا يَجِب عَلَيْهِ الْحَدّ.
وَقَالَ مَالِك مَرَّة : بُلُوغُهُ أَنْ يَغْلُظ صَوْته وَتَنْشَقَّ أَرْنَبَتُهُ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَة رِوَايَة أُخْرَى : تِسْعَ عَشْرَة سَنَة ; وَهِيَ الْأَشْهَر.
وَقَالَ فِي الْجَارِيَة : بُلُوغهَا لِسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَة وَعَلَيْهَا النَّظَر.
وَرَوَى اللُّؤْلُؤِيُّ عَنْهُ ثَمَانَ عَشْرَة سَنَة.
وَقَالَ دَاوُدُ : لَا يَبْلُغ بِالسِّنِّ مَا لَمْ يَحْتَلِم وَلَوْ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَة.
فَأَمَّا الْإِنْبَات فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى الْبُلُوغ ; رُوِيَ عَنْ اِبْن الْقَاسِم وَسَالِم، وَقَالَ مَالِك مَرَّة، وَالشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
وَقِيلَ : هُوَ بُلُوغ ; إِلَّا أَنَّهُ يُحْكَم بِهِ فِي الْكُفَّار فَيُقْتَل مَنْ أَنْبَتَ وَيُجْعَل مَنْ لَمْ يُنْبِتْ فِي الذَّرَارِيّ ; قَالَهُ الشَّافِعِيّ فِي الْقَوْل الْآخَر ; لِحَدِيثِ عَطِيَّة الْقُرَظِيّ.
وَلَا اِعْتِبَار بِالْخُضْرَةِ وَالزَّغَب، وَإِنَّمَا يَتَرَتَّب الْحُكْم عَلَى الشَّعْر.
وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : سَمِعْت مَالِكًا يَقُول : الْعَمَل عِنْدِي عَلَى حَدِيث عُمَر بْن الْخَطَّاب : لَوْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي لَحَدَدْتُهُ.
قَالَ أَصْبَغ : قَالَ لِي اِبْن الْقَاسِم وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَلَّا يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ الْإِنْبَات وَالْبُلُوغ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يَثْبُت بِالْإِنْبَاتِ حُكْم، وَلَيْسَ هُوَ بِبُلُوغٍ وَلَا دَلَالَة عَلَى الْبُلُوغ.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَعَطَاء : لَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ ; وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ، وَمَالَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مَرَّة، وَقَالَ بِهِ بَعْض أَصْحَابه.
وَظَاهِره عَدَم اِعْتِبَار الْإِنْبَات وَالسِّنّ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ :" إِذَا لَمْ يَكُنْ حَدِيث اِبْن عُمَر دَلِيلًا فِي السِّنّ فَكُلّ عَدَد يَذْكُرُونَهُ مِنْ السِّنِينَ فَإِنَّهُ دَعْوَى، وَالسِّنّ الَّتِي أَجَازَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى مِنْ سِنٍّ لَمْ يَعْتَبِرْهَا، وَلَا قَامَ فِي الشَّرْع دَلِيل عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ اِعْتَبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْبَات فِي بَنِي قُرَيْظَة ; فَمَنْ عَذِيرِي مِمَّنْ تَرَكَ أَمْرَيْنِ اِعْتَبَرَهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَأَوَّلهُ وَيَعْتَبِر مَا لَمْ يَعْتَبِرْهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفْظًا، وَلَا جَعَلَ اللَّه لَهُ فِي الشَّرِيعَة نَظَرًا ".
قُلْت : هَذَا قَوْله هُنَا، وَقَالَ فِي سُورَة الْأَنْفَال عَكْسه ; إِذْ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى حَدِيث اِبْن عُمَر هُنَاكَ، وَتَأَوَّلَهُ كَمَا تَأَوَّلَ عُلَمَاؤُنَا، وَأَنَّ مُوجِبه الْفَرْق بَيْنَ مَنْ يُطِيق الْقِتَال وَيُسْهَم لَهُ وَهُوَ اِبْن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَة، وَمَنْ لَا يُطِيقهُ فَلَا يُسْهَم لَهُ فَيُجْعَل فِي الْعِيَال.
وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْد الْعَزِيز مِنْ الْحَدِيث.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا اِعْتِبَار بِالْخُضْرَةِ وَالزَّغَب، وَإِنَّمَا يَتَرَتَّب الْحُكْم عَلَى الشَّعْر.
وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : سَمِعْت مَالِكًا يَقُول : الْعَمَل عِنْدِي عَلَى حَدِيث عُمَر بْن الْخَطَّاب : لَوْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي لَحَدَدْتُهُ.
قَالَ أَصْبَغ : قَالَ لِي اِبْن الْقَاسِم وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَلَّا يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ الْإِنْبَات وَالْبُلُوغ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يَثْبُت بِالْإِنْبَاتِ حُكْم، وَلَيْسَ هُوَ بِبُلُوغٍ وَلَا دَلَالَة عَلَى الْبُلُوغ.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَعَطَاء : لَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ ; وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ، وَمَالَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مَرَّة، وَقَالَ بِهِ بَعْض أَصْحَابه.
وَظَاهِره عَدَم اِعْتِبَار الْإِنْبَات وَالسِّنّ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ :" إِذَا لَمْ يَكُنْ حَدِيث اِبْن عُمَر دَلِيلًا فِي السِّنّ فَكُلّ عَدَد يَذْكُرُونَهُ مِنْ السِّنِينَ فَإِنَّهُ دَعْوَى، وَالسِّنّ الَّتِي أَجَازَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى مِنْ سِنٍّ لَمْ يَعْتَبِرْهَا، وَلَا قَامَ فِي الشَّرْع دَلِيل عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ اِعْتَبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْبَات فِي بَنِي قُرَيْظَة ; فَمَنْ عَذِيرِي مِمَّنْ تَرَكَ أَمْرَيْنِ اِعْتَبَرَهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَأَوَّلهُ وَيَعْتَبِر مَا لَمْ يَعْتَبِرْهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفْظًا، وَلَا جَعَلَ اللَّه لَهُ فِي الشَّرِيعَة نَظَرًا ".
قُلْت : هَذَا قَوْله هُنَا، وَقَالَ فِي سُورَة الْأَنْفَال عَكْسه ; إِذْ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى حَدِيث اِبْن عُمَر هُنَاكَ، وَتَأَوَّلَهُ كَمَا تَأَوَّلَ عُلَمَاؤُنَا، وَأَنَّ مُوجِبه الْفَرْق بَيْنَ مَنْ يُطِيق الْقِتَال وَيُسْهَم لَهُ وَهُوَ اِبْن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَة، وَمَنْ لَا يُطِيقهُ فَلَا يُسْهَم لَهُ فَيُجْعَل فِي الْعِيَال.
وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْد الْعَزِيز مِنْ الْحَدِيث.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ
" آنَسْتُمْ " أَيْ أَبْصَرْتُمْ وَرَأَيْتُمْ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" آنَسَ مِنْ جَانِب الطُّور نَارًا " [ ٢٩ الْقَصَص ] أَيْ أَبْصَرَ وَرَأَى.
قَالَ الْأَزْهَرِيّ : تَقُول الْعَرَب اِذْهَبْ فَاسْتَأْنِسْ هَلْ تَرَى أَحَدًا ; مَعْنَاهُ تُبْصِر.
قَالَ النَّابِغَة :
عَلَى مُسْتَأْنِسٍ وَوَجَدْ
أَرَادَ ثَوْرًا وَحْشِيًّا يَتَبَصَّر هَلْ يَرَى قَانِصًا فَيَحْذَرهُ.
وَقِيلَ : آنَسْت وَأَحْسَسْت وَوَجَدْت بِمَعْنًى وَاحِد ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا " أَيْ عَلِمْتُمْ.
وَالْأَصْل فِيهِ أَبْصَرْتُمْ.
وَقِرَاءَة الْعَامَّة " رُشْدًا " بِضَمِّ الرَّاء وَسُكُون الشِّين.
وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَعِيسَى وَالثَّقَفِيّ وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ " رَشَدًا " بِفَتْحِ الرَّاء وَالشِّين، وَهُمَا لُغَتَانِ.
وَقِيلَ : رُشْدًا مَصْدَر رَشَدَ.
وَرَشَدًا مَصْدَر رَشِدَ، وَكَذَلِكَ الرَّشَاد.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل " رُشْدًا " فَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا : صَلَاحًا فِي الْعَقْل وَالدِّين.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ وَالثَّوْرِيّ :( صَلَاحًا فِي الْعَقْل وَحِفْظ الْمَال ).
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالشَّعْبِيّ : إِنَّ الرَّجُل لَيُأْخَذ بِلِحْيَتِهِ وَمَا بَلَغَ رُشْدَهُ ; فَلَا يُدْفَعْ إِلَى الْيَتِيمِ مَالُهُ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا حَتَّى يُؤْنَس مِنْهُ رُشْده.
وَهَكَذَا قَالَ الضَّحَّاك : لَا يُعْطَى الْيَتِيم وَإِنْ بَلَغَ مِائَة سَنَة حَتَّى يُعْلَم مِنْهُ إِصْلَاح مَاله.
وَقَالَ مُجَاهِد :" رُشْدًا " يَعْنِي فِي الْعَقْل خَاصَّة.
وَأَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الرُّشْد لَا يَكُون إِلَّا بَعْد الْبُلُوغ، وَعَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرْشُدْ بَعْد بُلُوغ الْحُلُم وَإِنْ شَاخَ لَا يَزُول الْحَجْر عَنْهُ ; وَهُوَ مَذْهَب مَالِك وَغَيْره.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يُحْجَر عَلَى الْحُرّ الْبَالِغ إِذَا بَلَغَ مَبْلَغ الرِّجَال، وَلَوْ كَانَ أَفْسَقَ النَّاس وَأَشَدَّهُمْ تَبْذِيرًا إِذَا كَانَ عَاقِلًا.
وَبِهِ قَالَ زُفَر بْن الْهُذَيْل ; وَهُوَ مَذْهَب النَّخَعِيّ.
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ قَتَادَة عَنْ أَنَس أَنَّ حِبَّان بْن مُنْقِذ كَانَ يَبْتَاع وَفِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اُحْجُرْ عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُ يَبْتَاع وَفِي عُقْدَته ضَعْف.
فَاسْتَدْعَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :( لَا تَبِعْ ).
فَقَالَ : لَا أَصْبِرُ.
فَقَالَ لَهُ :( فَإِذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلَك الْخِيَارُ ثَلَاثًا ).
قَالُوا : فَلَمَّا سَأَلَهُ الْقَوْم الْحَجْر عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ فِي تَصَرُّفِهِ مِنْ الْغَبْن وَلَمْ يَفْعَل عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثَبَتَ أَنَّ الْحَجْر لَا يَجُوز.
وَهَذَا لَا حُجَّة لَهُمْ فِيهِ ; لِأَنَّهُ مَخْصُوص بِذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبَقَرَة، فَغَيْرُهُ بِخِلَافِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : إِنْ كَانٍ مُفْسِدًا لِمَالِهِ وَدِينه، أَوْ كَانَ مُفْسِدًا لِمَالِهِ دُونَ دِينِهِ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا لِدِينِهِ مُصْلِحًا لِمَالِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا يُحْجَر عَلَيْهِ ; وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي الْعَبَّاس بْن شُرَيْح.
" آنَسْتُمْ " أَيْ أَبْصَرْتُمْ وَرَأَيْتُمْ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" آنَسَ مِنْ جَانِب الطُّور نَارًا " [ ٢٩ الْقَصَص ] أَيْ أَبْصَرَ وَرَأَى.
قَالَ الْأَزْهَرِيّ : تَقُول الْعَرَب اِذْهَبْ فَاسْتَأْنِسْ هَلْ تَرَى أَحَدًا ; مَعْنَاهُ تُبْصِر.
قَالَ النَّابِغَة :
عَلَى مُسْتَأْنِسٍ وَوَجَدْ
أَرَادَ ثَوْرًا وَحْشِيًّا يَتَبَصَّر هَلْ يَرَى قَانِصًا فَيَحْذَرهُ.
وَقِيلَ : آنَسْت وَأَحْسَسْت وَوَجَدْت بِمَعْنًى وَاحِد ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا " أَيْ عَلِمْتُمْ.
وَالْأَصْل فِيهِ أَبْصَرْتُمْ.
وَقِرَاءَة الْعَامَّة " رُشْدًا " بِضَمِّ الرَّاء وَسُكُون الشِّين.
وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَعِيسَى وَالثَّقَفِيّ وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ " رَشَدًا " بِفَتْحِ الرَّاء وَالشِّين، وَهُمَا لُغَتَانِ.
وَقِيلَ : رُشْدًا مَصْدَر رَشَدَ.
وَرَشَدًا مَصْدَر رَشِدَ، وَكَذَلِكَ الرَّشَاد.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل " رُشْدًا " فَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا : صَلَاحًا فِي الْعَقْل وَالدِّين.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ وَالثَّوْرِيّ :( صَلَاحًا فِي الْعَقْل وَحِفْظ الْمَال ).
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالشَّعْبِيّ : إِنَّ الرَّجُل لَيُأْخَذ بِلِحْيَتِهِ وَمَا بَلَغَ رُشْدَهُ ; فَلَا يُدْفَعْ إِلَى الْيَتِيمِ مَالُهُ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا حَتَّى يُؤْنَس مِنْهُ رُشْده.
وَهَكَذَا قَالَ الضَّحَّاك : لَا يُعْطَى الْيَتِيم وَإِنْ بَلَغَ مِائَة سَنَة حَتَّى يُعْلَم مِنْهُ إِصْلَاح مَاله.
وَقَالَ مُجَاهِد :" رُشْدًا " يَعْنِي فِي الْعَقْل خَاصَّة.
وَأَكْثَر الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الرُّشْد لَا يَكُون إِلَّا بَعْد الْبُلُوغ، وَعَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرْشُدْ بَعْد بُلُوغ الْحُلُم وَإِنْ شَاخَ لَا يَزُول الْحَجْر عَنْهُ ; وَهُوَ مَذْهَب مَالِك وَغَيْره.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يُحْجَر عَلَى الْحُرّ الْبَالِغ إِذَا بَلَغَ مَبْلَغ الرِّجَال، وَلَوْ كَانَ أَفْسَقَ النَّاس وَأَشَدَّهُمْ تَبْذِيرًا إِذَا كَانَ عَاقِلًا.
وَبِهِ قَالَ زُفَر بْن الْهُذَيْل ; وَهُوَ مَذْهَب النَّخَعِيّ.
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ قَتَادَة عَنْ أَنَس أَنَّ حِبَّان بْن مُنْقِذ كَانَ يَبْتَاع وَفِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اُحْجُرْ عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُ يَبْتَاع وَفِي عُقْدَته ضَعْف.
فَاسْتَدْعَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :( لَا تَبِعْ ).
فَقَالَ : لَا أَصْبِرُ.
فَقَالَ لَهُ :( فَإِذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلَك الْخِيَارُ ثَلَاثًا ).
قَالُوا : فَلَمَّا سَأَلَهُ الْقَوْم الْحَجْر عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ فِي تَصَرُّفِهِ مِنْ الْغَبْن وَلَمْ يَفْعَل عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثَبَتَ أَنَّ الْحَجْر لَا يَجُوز.
وَهَذَا لَا حُجَّة لَهُمْ فِيهِ ; لِأَنَّهُ مَخْصُوص بِذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبَقَرَة، فَغَيْرُهُ بِخِلَافِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : إِنْ كَانٍ مُفْسِدًا لِمَالِهِ وَدِينه، أَوْ كَانَ مُفْسِدًا لِمَالِهِ دُونَ دِينِهِ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا لِدِينِهِ مُصْلِحًا لِمَالِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا يُحْجَر عَلَيْهِ ; وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي الْعَبَّاس بْن شُرَيْح.
وَالثَّانِي لَا حَجْر عَلَيْهِ ; وَهُوَ اِخْتِيَار إِسْحَاق الْمَرْوَزِيّ، وَالْأَظْهَر مِنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ.
قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَجْر عَلَى السَّفِيه قَوْل عُثْمَان وَعَلِيّ وَالزُّبَيْر وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَعَبْد اللَّه بْن جَعْفَر رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ، وَمِنْ التَّابِعِينَ شُرَيْح، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاء : مَالِك وَأَهْل الْمَدِينَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَهْل الشَّام وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَادَّعَى أَصْحَابنَا الْإِجْمَاع فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة.
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ دَفْعَ الْمَال يَكُون بِشَرْطَيْنِ : إِينَاس الرُّشْد وَالْبُلُوغ، فَإِنْ وُجِدَ أَحَدهمَا دُون الْآخَر لَمْ يَجُزْ تَسْلِيم الْمَال، كَذَلِكَ نَصّ الْآيَة.
وَهُوَ رِوَايَة اِبْن الْقَاسِم وَأَشْهَبَ وَابْن وَهْب عَنْ مَالِك فِي الْآيَة.
وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة الْفُقَهَاء إِلَّا أَبَا حَنِيفَة وَزُفَر وَالنَّخَعِيّ فَإِنَّهُمْ أَسْقَطُوا إِينَاس الرُّشْد بِبُلُوغِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَة.
قَالَ أَبُو حَنِيفَة : لِكَوْنِهِ جَدًّا وَهَذَا يَدُلّ عَلَى ضَعْف قَوْلِهِ، وَضَعْف مَا اِحْتَجَّ بِهِ أَبُو بَكْر الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن لَهُ مِنْ اِسْتِعْمَال الْآيَتَيْنِ حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ ; فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَاب الْمُطْلَق وَالْمُقَيَّد، وَالْمُطْلَق يُرَدُّ إِلَى الْمُقَيَّد بِاتِّفَاقِ أَهْل الْأُصُول.
وَمَاذَا يُغْنِي كَوْنه جَدًّا إِذَا كَانَ غَيْر جَدّ، أَيْ بُخْت.
إِلَّا أَنَّ عُلَمَاءَنَا شَرَطُوا فِي الْجَارِيَة دُخُول الزَّوْج بِهَا مَعَ الْبُلُوغ، وَحِينَئِذٍ يَقَع الِابْتِلَاء فِي الرُّشْد.
وَلَمْ يَرَهُ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَرَأَوْا الِاخْتِبَارَ فِي الذَّكَر وَالْأُنْثَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَفَرَّقَ عُلَمَاؤُنَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ قَالُوا : الْأُنْثَى مُخَالِفَة لِلْغُلَامِ لِكَوْنِهَا مَحْجُوبَةً لَا تُعَانِي الْأُمُور وَلَا تَبْرُز لِأَجْلِ الْبَكَارَة فَلِذَلِكَ وُقِفَ فِيهَا عَلَى وُجُود النِّكَاح ; فَبِهِ تُفْهَم الْمَقَاصِدُ كُلُّهَا.
وَالذَّكَر بِخِلَافِهَا ; فَإِنَّهُ بِتَصَرُّفِهِ وَمُلَاقَاته لِلنَّاسِ مِنْ أَوَّل نَشْئِهِ إِلَى بُلُوغه يَحْصُل لَهُ الِاخْتِبَار، وَيَكْمُل عَقْلُهُ بِالْبُلُوغِ، فَيَحْصُل لَهُ الْغَرَض.
وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيّ أَصْوَب ; فَإِنَّ نَفْسَ الْوَطْء بِإِدْخَالِ الْحَشَفَة لَا يَزِيدُهَا فِي رُشْدهَا إِذَا كَانَتْ عَارِفَة بِجَمِيعِ أُمُورهَا وَمَقَاصِدهَا، غَيْر مُبَذِّرَة لِمَالِهَا.
ثُمَّ زَادَ عُلَمَاؤُنَا فَقَالُوا : لَا بُدّ بَعْد دُخُول زَوْجهَا مِنْ مُضِيّ مُدَّة مِنْ الزَّمَان تُمَارِس فِيهَا الْأَحْوَال.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَذَكَرَ عُلَمَاؤُنَا فِي تَحْدِيدهَا أَقْوَالًا عَدِيدَة ; مِنْهَا الْخَمْسَة الْأَعْوَام وَالسِّتَّة وَالسَّبْعَة فِي ذَات الْأَب.
وَجَعَلُوا فِي الْيَتِيمَة الَّتِي لَا أَب لَهَا وَلَا وَصِيّ عَلَيْهَا عَامًا وَاحِدًا بَعْد الدُّخُول، وَجَعَلُوا فِي الْمُوَلَّى عَلَيْهَا مُؤَبَّدًا حَتَّى يَثْبُت رُشْدهَا.
وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلّه دَلِيل، وَتَحْدِيد الْأَعْوَام فِي ذَات الْأَبِ عَسِير ; وَأَعْسَرُ مِنْهُ تَحْدِيد الْعَام فِي الْيَتِيمَة.
قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَجْر عَلَى السَّفِيه قَوْل عُثْمَان وَعَلِيّ وَالزُّبَيْر وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَعَبْد اللَّه بْن جَعْفَر رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ، وَمِنْ التَّابِعِينَ شُرَيْح، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاء : مَالِك وَأَهْل الْمَدِينَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَهْل الشَّام وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَادَّعَى أَصْحَابنَا الْإِجْمَاع فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة.
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ دَفْعَ الْمَال يَكُون بِشَرْطَيْنِ : إِينَاس الرُّشْد وَالْبُلُوغ، فَإِنْ وُجِدَ أَحَدهمَا دُون الْآخَر لَمْ يَجُزْ تَسْلِيم الْمَال، كَذَلِكَ نَصّ الْآيَة.
وَهُوَ رِوَايَة اِبْن الْقَاسِم وَأَشْهَبَ وَابْن وَهْب عَنْ مَالِك فِي الْآيَة.
وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة الْفُقَهَاء إِلَّا أَبَا حَنِيفَة وَزُفَر وَالنَّخَعِيّ فَإِنَّهُمْ أَسْقَطُوا إِينَاس الرُّشْد بِبُلُوغِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَة.
قَالَ أَبُو حَنِيفَة : لِكَوْنِهِ جَدًّا وَهَذَا يَدُلّ عَلَى ضَعْف قَوْلِهِ، وَضَعْف مَا اِحْتَجَّ بِهِ أَبُو بَكْر الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن لَهُ مِنْ اِسْتِعْمَال الْآيَتَيْنِ حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ ; فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَاب الْمُطْلَق وَالْمُقَيَّد، وَالْمُطْلَق يُرَدُّ إِلَى الْمُقَيَّد بِاتِّفَاقِ أَهْل الْأُصُول.
وَمَاذَا يُغْنِي كَوْنه جَدًّا إِذَا كَانَ غَيْر جَدّ، أَيْ بُخْت.
إِلَّا أَنَّ عُلَمَاءَنَا شَرَطُوا فِي الْجَارِيَة دُخُول الزَّوْج بِهَا مَعَ الْبُلُوغ، وَحِينَئِذٍ يَقَع الِابْتِلَاء فِي الرُّشْد.
وَلَمْ يَرَهُ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَرَأَوْا الِاخْتِبَارَ فِي الذَّكَر وَالْأُنْثَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَفَرَّقَ عُلَمَاؤُنَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ قَالُوا : الْأُنْثَى مُخَالِفَة لِلْغُلَامِ لِكَوْنِهَا مَحْجُوبَةً لَا تُعَانِي الْأُمُور وَلَا تَبْرُز لِأَجْلِ الْبَكَارَة فَلِذَلِكَ وُقِفَ فِيهَا عَلَى وُجُود النِّكَاح ; فَبِهِ تُفْهَم الْمَقَاصِدُ كُلُّهَا.
وَالذَّكَر بِخِلَافِهَا ; فَإِنَّهُ بِتَصَرُّفِهِ وَمُلَاقَاته لِلنَّاسِ مِنْ أَوَّل نَشْئِهِ إِلَى بُلُوغه يَحْصُل لَهُ الِاخْتِبَار، وَيَكْمُل عَقْلُهُ بِالْبُلُوغِ، فَيَحْصُل لَهُ الْغَرَض.
وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيّ أَصْوَب ; فَإِنَّ نَفْسَ الْوَطْء بِإِدْخَالِ الْحَشَفَة لَا يَزِيدُهَا فِي رُشْدهَا إِذَا كَانَتْ عَارِفَة بِجَمِيعِ أُمُورهَا وَمَقَاصِدهَا، غَيْر مُبَذِّرَة لِمَالِهَا.
ثُمَّ زَادَ عُلَمَاؤُنَا فَقَالُوا : لَا بُدّ بَعْد دُخُول زَوْجهَا مِنْ مُضِيّ مُدَّة مِنْ الزَّمَان تُمَارِس فِيهَا الْأَحْوَال.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَذَكَرَ عُلَمَاؤُنَا فِي تَحْدِيدهَا أَقْوَالًا عَدِيدَة ; مِنْهَا الْخَمْسَة الْأَعْوَام وَالسِّتَّة وَالسَّبْعَة فِي ذَات الْأَب.
وَجَعَلُوا فِي الْيَتِيمَة الَّتِي لَا أَب لَهَا وَلَا وَصِيّ عَلَيْهَا عَامًا وَاحِدًا بَعْد الدُّخُول، وَجَعَلُوا فِي الْمُوَلَّى عَلَيْهَا مُؤَبَّدًا حَتَّى يَثْبُت رُشْدهَا.
وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلّه دَلِيل، وَتَحْدِيد الْأَعْوَام فِي ذَات الْأَبِ عَسِير ; وَأَعْسَرُ مِنْهُ تَحْدِيد الْعَام فِي الْيَتِيمَة.
وَأَمَّا تَمَادِي الْحَجْر فِي الْمُوَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى يَتَبَيَّن رُشْدهَا فَيُخْرِجهَا الْوَصِيّ عَنْهُ، أَوْ يُخْرِجهَا الْحَكَم مِنْهُ فَهُوَ ظَاهِر الْقُرْآن.
وَالْمَقْصُود مِنْ هَذَا كُلّه دَاخِل تَحْت قَوْله تَعَالَى :" فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا " فَتَعَيَّنَ اِعْتِبَار الرُّشْد وَلَكِنْ يَخْتَلِف إِينَاسُهُ بِحَسَبِ اِخْتِلَاف حَال الرَّاشِد.
فَاعْرِفْهُ وَرَكِّبْ عَلَيْهِ وَاجْتَنِبْ التَّحَكُّمَ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا فَعَلَتْهُ ذَات الْأَب فِي تِلْكَ الْمُدَّة ; فَقِيلَ : هُوَ مَحْمُول عَلَى الرَّدّ لِبَقَاءِ الْحَجْر، وَمَا عَمِلَتْهُ بَعْدَهُ فَهُوَ مَحْمُول عَلَى الْجَوَاز.
وَقَالَ بَعْضهمْ : مَا عَمِلَتْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّة مَحْمُول عَلَى الرَّدّ إِلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ فِيهِ السَّدَاد، وَمَا عَمِلَتْهُ بَعْد ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى الْإِمْضَاء حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِيهِ السَّفَه.
وَاخْتَلَفُوا فِي دَفْع الْمَال إِلَى الْمَحْجُور عَلَيْهِ هَلْ يَحْتَاج إِلَى السُّلْطَان أَمْ لَا ؟ فَقَالَتْ فِرْقَة : لَا بُدّ مِنْ رَفْعِهِ إِلَى السُّلْطَان، وَيَثْبُت عِنْده رُشْده ثُمَّ يُدْفَع إِلَيْهِ مَاله.
وَقَالَتْ فِرْقَة : ذَلِكَ مَوْكُولٌ إِلَى اِجْتِهَاد الْوَصِيّ دُون أَنْ يَحْتَاج إِلَى رَفْعه إِلَى السُّلْطَان.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَالصَّوَاب فِي أَوْصِيَاء زَمَاننَا أَلَّا يُسْتَغْنَى عَنْ رَفْعه إِلَى السُّلْطَان وَثُبُوت الرُّشْد عِنْده، لِمَا حُفِظَ مِنْ تَوَاطُؤِ الْأَوْصِيَاء عَلَى أَنْ يَرْشُد الصَّبِيّ، وَيَبْرَأ الْمَحْجُور عَلَيْهِ لِسَفَهِهِ وَقِلَّةِ تَحْصِيلِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْت.
فَإِذَا سُلِّمَ الْمَال إِلَيْهِ بِوُجُودِ الرُّشْد، ثُمَّ عَادَ إِلَى السَّفَه بِظُهُورِ تَبْذِيرٍ وَقِلَّةِ تَدْبِيرٍ عَادَ إِلَيْهِ الْحَجْر عِنْدَنَا، وَعِنْد الشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يَعُود ; لِأَنَّهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ ; بِدَلِيلِ جَوَاز إِقْرَارِهِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى :" وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّه لَكُمْ قِيَامًا " [ النِّسَاء : ٥ ] وَقَالَ تَعَالَى :" فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ " [ الْبَقَرَة : ٢٨٢ ] وَلَمْ يُفَرَّق بَيْنَ أَنْ يَكُون مَحْجُورًا سَفِيهًا أَوْ يَطْرَأ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْد الْإِطْلَاق.
وَيَجُوز لِلْوَصِيِّ أَنْ يَصْنَع فِي مَال الْيَتِيم مَا كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يَصْنَع مِنْ تِجَارَةٍ وَإِبْضَاعٍ وَشِرَاءٍ وَبَيْعٍ.
وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاة مِنْ سَائِر أَمْوَالِهِ : عَيْن وَحَرْث وَمَاشِيَة وَفِطْرَة.
وَيُؤَدِّي عَنْهُ أُرُوش الْجِنَايَات وَقِيَم الْمُتْلَفَات، وَنَفَقَة الْوَالِدَيْنِ وَسَائِر الْحُقُوق اللَّازِمَة.
وَيَجُوز أَنْ يُزَوِّجَهُ وَيُؤَدِّيَ عَنْهُ الصَّدَاقَ، وَيَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً يَتَسَرَّرُهَا، وَيُصَالِح لَهُ وَعَلَيْهِ عَلَى وَجْه النَّظَر لَهُ.
وَإِذَا قَضَى الْوَصِيّ بَعْضَ الْغُرَمَاء وَبَقِيَ مِنْ الْمَال بَقِيَّة تَفِي مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْن كَانَ فِعْل الْوَصِيّ جَائِزًا.
فَإِنْ تَلِفَ بَاقِي الْمَال فَلَا شَيْء لِبَاقِي الْغُرَمَاء عَلَى الْوَصِيّ وَلَا عَلَى الَّذِينَ اِقْتَضَوْا.
وَالْمَقْصُود مِنْ هَذَا كُلّه دَاخِل تَحْت قَوْله تَعَالَى :" فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا " فَتَعَيَّنَ اِعْتِبَار الرُّشْد وَلَكِنْ يَخْتَلِف إِينَاسُهُ بِحَسَبِ اِخْتِلَاف حَال الرَّاشِد.
فَاعْرِفْهُ وَرَكِّبْ عَلَيْهِ وَاجْتَنِبْ التَّحَكُّمَ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا فَعَلَتْهُ ذَات الْأَب فِي تِلْكَ الْمُدَّة ; فَقِيلَ : هُوَ مَحْمُول عَلَى الرَّدّ لِبَقَاءِ الْحَجْر، وَمَا عَمِلَتْهُ بَعْدَهُ فَهُوَ مَحْمُول عَلَى الْجَوَاز.
وَقَالَ بَعْضهمْ : مَا عَمِلَتْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّة مَحْمُول عَلَى الرَّدّ إِلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ فِيهِ السَّدَاد، وَمَا عَمِلَتْهُ بَعْد ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى الْإِمْضَاء حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِيهِ السَّفَه.
وَاخْتَلَفُوا فِي دَفْع الْمَال إِلَى الْمَحْجُور عَلَيْهِ هَلْ يَحْتَاج إِلَى السُّلْطَان أَمْ لَا ؟ فَقَالَتْ فِرْقَة : لَا بُدّ مِنْ رَفْعِهِ إِلَى السُّلْطَان، وَيَثْبُت عِنْده رُشْده ثُمَّ يُدْفَع إِلَيْهِ مَاله.
وَقَالَتْ فِرْقَة : ذَلِكَ مَوْكُولٌ إِلَى اِجْتِهَاد الْوَصِيّ دُون أَنْ يَحْتَاج إِلَى رَفْعه إِلَى السُّلْطَان.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَالصَّوَاب فِي أَوْصِيَاء زَمَاننَا أَلَّا يُسْتَغْنَى عَنْ رَفْعه إِلَى السُّلْطَان وَثُبُوت الرُّشْد عِنْده، لِمَا حُفِظَ مِنْ تَوَاطُؤِ الْأَوْصِيَاء عَلَى أَنْ يَرْشُد الصَّبِيّ، وَيَبْرَأ الْمَحْجُور عَلَيْهِ لِسَفَهِهِ وَقِلَّةِ تَحْصِيلِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْت.
فَإِذَا سُلِّمَ الْمَال إِلَيْهِ بِوُجُودِ الرُّشْد، ثُمَّ عَادَ إِلَى السَّفَه بِظُهُورِ تَبْذِيرٍ وَقِلَّةِ تَدْبِيرٍ عَادَ إِلَيْهِ الْحَجْر عِنْدَنَا، وَعِنْد الشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يَعُود ; لِأَنَّهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ ; بِدَلِيلِ جَوَاز إِقْرَارِهِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى :" وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّه لَكُمْ قِيَامًا " [ النِّسَاء : ٥ ] وَقَالَ تَعَالَى :" فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ " [ الْبَقَرَة : ٢٨٢ ] وَلَمْ يُفَرَّق بَيْنَ أَنْ يَكُون مَحْجُورًا سَفِيهًا أَوْ يَطْرَأ ذَلِكَ عَلَيْهِ بَعْد الْإِطْلَاق.
وَيَجُوز لِلْوَصِيِّ أَنْ يَصْنَع فِي مَال الْيَتِيم مَا كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يَصْنَع مِنْ تِجَارَةٍ وَإِبْضَاعٍ وَشِرَاءٍ وَبَيْعٍ.
وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاة مِنْ سَائِر أَمْوَالِهِ : عَيْن وَحَرْث وَمَاشِيَة وَفِطْرَة.
وَيُؤَدِّي عَنْهُ أُرُوش الْجِنَايَات وَقِيَم الْمُتْلَفَات، وَنَفَقَة الْوَالِدَيْنِ وَسَائِر الْحُقُوق اللَّازِمَة.
وَيَجُوز أَنْ يُزَوِّجَهُ وَيُؤَدِّيَ عَنْهُ الصَّدَاقَ، وَيَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً يَتَسَرَّرُهَا، وَيُصَالِح لَهُ وَعَلَيْهِ عَلَى وَجْه النَّظَر لَهُ.
وَإِذَا قَضَى الْوَصِيّ بَعْضَ الْغُرَمَاء وَبَقِيَ مِنْ الْمَال بَقِيَّة تَفِي مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْن كَانَ فِعْل الْوَصِيّ جَائِزًا.
فَإِنْ تَلِفَ بَاقِي الْمَال فَلَا شَيْء لِبَاقِي الْغُرَمَاء عَلَى الْوَصِيّ وَلَا عَلَى الَّذِينَ اِقْتَضَوْا.
وَإِنْ اِقْتَضَى الْغُرَمَاء جَمِيع الْمَال ثُمَّ أَتَى غُرَمَاءُ آخَرُونَ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالدَّيْنِ الْبَاقِي أَوْ كَانَ الْمَيِّت مَعْرُوفًا بِالدَّيْنِ الْبَاقِي ضَمِنَ الْوَصِيُّ لِهَؤُلَاءِ الْغُرَمَاء مَا كَانَ يُصِيبُهُمْ فِي الْمُحَاصَّة، وَرَجَعَ عَلَى الَّذِينَ اِقْتَضَوْا دَيْنَهُمْ بِذَلِكَ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ، وَلَا كَانَ الْمَيِّت مَعْرُوفًا بِالدَّيْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَصِيّ.
وَإِذَا دَفَعَ الْوَصِيّ دَيْنَ الْمَيِّت بِغَيْرِ إِشْهَادٍ ضَمِنَ.
وَأَمَّا إِنْ أَشْهَدَ وَطَالَ الزَّمَان حَتَّى مَاتَ الشُّهُود فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَقَدْ مَضَى فِي الْبَقَرَة عِنْد قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٠ ] مِنْ أَحْكَام الْوَصِيّ فِي الْإِنْفَاق وَغَيْرِهِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ، وَلَا كَانَ الْمَيِّت مَعْرُوفًا بِالدَّيْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَصِيّ.
وَإِذَا دَفَعَ الْوَصِيّ دَيْنَ الْمَيِّت بِغَيْرِ إِشْهَادٍ ضَمِنَ.
وَأَمَّا إِنْ أَشْهَدَ وَطَالَ الزَّمَان حَتَّى مَاتَ الشُّهُود فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَقَدْ مَضَى فِي الْبَقَرَة عِنْد قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٠ ] مِنْ أَحْكَام الْوَصِيّ فِي الْإِنْفَاق وَغَيْرِهِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا
لَيْسَ يُرِيد أَنَّ أَكْلَ مَالِهِمْ مِنْ غَيْر إِسْرَاف جَائِزٌ، فَيَكُون لَهُ دَلِيل خِطَاب، بَلْ الْمُرَاد وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّهُ إِسْرَاف.
فَنَهَى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَوْصِيَاء عَنْ أَكْل أَمْوَال الْيَتَامَى بِغَيْرِ الْوَاجِب الْمُبَاح لَهُمْ ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
وَالْإِسْرَاف فِي اللُّغَة الْإِفْرَاط وَمُجَاوَزَة الْحَدّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آل عِمْرَان وَالسَّرَف الْخَطَأ فِي الْإِنْفَاق.
وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
أَيْ لَيْسَ يُخْطِئُونَ مَوَاضِع الْعَطَاء.
وَقَالَ آخَر :
قَالَ النَّضْرُ بْن شُمَيْل : السَّرَف التَّبْذِير، وَالسَّرَف الْغَفْلَة.
وَسَيَأْتِي لِمَعْنَى الْإِسْرَاف زِيَادَة بَيَان فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
" وَبِدَارًا " مَعْنَاهُ وَمُبَادَرَةَ كِبَرِهِمْ، وَهُوَ حَال الْبُلُوغ.
وَالْبِدَار وَالْمُبَادَرَة كَالْقِتَالِ وَالْمُقَاتَلَة.
وَهُوَ مَعْطُوف عَلَى " إِسْرَافًا ".
وَ " أَنْ يَكْبَرُوا " فِي مَوْضِع نَصْب بِ " بِدَارًا "، أَيْ لَا تَسْتَغْنِمْ مَالَ مَحْجُورك فَتَأْكُلَهُ وَتَقُول أُبَادِر كِبَرَهُ لِئَلَّا يَرْشُدَ وَيَأْخُذَ مَالَهُ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره.
لَيْسَ يُرِيد أَنَّ أَكْلَ مَالِهِمْ مِنْ غَيْر إِسْرَاف جَائِزٌ، فَيَكُون لَهُ دَلِيل خِطَاب، بَلْ الْمُرَاد وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّهُ إِسْرَاف.
فَنَهَى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَوْصِيَاء عَنْ أَكْل أَمْوَال الْيَتَامَى بِغَيْرِ الْوَاجِب الْمُبَاح لَهُمْ ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
وَالْإِسْرَاف فِي اللُّغَة الْإِفْرَاط وَمُجَاوَزَة الْحَدّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آل عِمْرَان وَالسَّرَف الْخَطَأ فِي الْإِنْفَاق.
وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ | مَا فِي عَطَائِهِمُ مَنٌّ وَلَا سَرَفُ |
وَقَالَ آخَر :
وَقَالَ قَائِلُهُمْ وَالْخَيْلُ تَخْبِطُهُمْ | أَسْرَفْتُمُ فَأَجَبْنَا أَنَّنَا سَرَفُ |
وَسَيَأْتِي لِمَعْنَى الْإِسْرَاف زِيَادَة بَيَان فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
" وَبِدَارًا " مَعْنَاهُ وَمُبَادَرَةَ كِبَرِهِمْ، وَهُوَ حَال الْبُلُوغ.
وَالْبِدَار وَالْمُبَادَرَة كَالْقِتَالِ وَالْمُقَاتَلَة.
وَهُوَ مَعْطُوف عَلَى " إِسْرَافًا ".
وَ " أَنْ يَكْبَرُوا " فِي مَوْضِع نَصْب بِ " بِدَارًا "، أَيْ لَا تَسْتَغْنِمْ مَالَ مَحْجُورك فَتَأْكُلَهُ وَتَقُول أُبَادِر كِبَرَهُ لِئَلَّا يَرْشُدَ وَيَأْخُذَ مَالَهُ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره.
وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ
بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى مَا يَحِلّ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالهمْ ; فَأَمَرَ الْغَنِيَّ بِالْإِمْسَاكِ وَأَبَاحَ لِلْوَصِيِّ الْفَقِير أَنْ يَأْكُل مِنْ مَال وَلِيِّهِ بِالْمَعْرُوفِ.
يُقَال : عَفَّ الرَّجُل عَنْ الشَّيْء وَاسْتَعَفَّ إِذَا أَمْسَكَ.
وَالِاسْتِعْفَاف عَنْ الشَّيْء تَرْكُهُ.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا " [ النُّور : ٣٣ ].
وَالْعِفَّة : الِامْتِنَاع عَمَّا لَا يَحِلّ وَلَا يَجِب فِعْله.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث حُسَيْن الْمُعَلِّم عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي فَقِير لَيْسَ لِي شَيْء وَلِي يَتِيمٌ.
قَالَ : فَقَالَ :( كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِك غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَاذِرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ ).
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء مِنْ الْمُخَاطَب وَالْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة ؟ فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَائِشَة فِي قَوْله تَعَالَى :" وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ " قَالَتْ : نَزَلَتْ فِي وَلِيّ الْيَتِيم الَّذِي يَقُوم عَلَيْهِ وَيُصْلِحُهُ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا جَازَ أَنْ يَأْكُل مِنْهُ.
فِي رِوَايَة : بِقَدْرِ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَالَ بَعْضهمْ : الْمُرَاد الْيَتِيم إِنْ كَانَ غَنِيًّا وَسَّعَ عَلَيْهِ وَأَعَفَّ عَنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ ; قَالَ رَبِيعَة وَيَحْيَى بْن سَعِيد.
وَالْأَوَّل قَوْل الْجُمْهُور وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ الْيَتِيم لَا يُخَاطَب بِالتَّصَرُّفِ فِي مَاله لِصِغَرِهِ وَلِسَفَهِهِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْجُمْهُور فِي الْأَكْل بِالْمَعْرُوفِ مَا هُوَ ؟ فَقَالَ قَوْم :( هُوَ الْقَرْض إِذَا اِحْتَاجَ وَيَقْضِي إِذَا أَيْسَرَ ) ; قَالَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَابْن عَبَّاس وَعُبَيْدَة وَابْن جُبَيْر وَالشَّعْبِيّ وَمُجَاهِد وَأَبُو الْعَالِيَة، وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيّ.
وَلَا يَسْتَسْلِفُ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ.
قَالَ عُمَر :( أَلَا إِنِّي أَنْزَلْت نَفْسِي مِنْ مَال اللَّه مَنْزِلَةَ الْوَلِيّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، إِنْ اِسْتَغْنَيْت اِسْتَعْفَفْت، وَإِنْ اِفْتَقَرْت أَكَلْت بِالْمَعْرُوفِ ; فَإِذَا أَيْسَرْت قَضَيْت ).
رَوَى عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك عَنْ عَاصِم عَنْ أَبِي الْعَالِيَة " وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ " قَالَ : قَرْضًا - ثُمَّ تَلَا " فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ".
وَقَوْلٌ ثَانٍ - رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيم وَعَطَاء وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَقَتَادَة : لَا قَضَاء عَلَى الْوَصِيّ الْفَقِير فِيمَا يَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ النَّظَرِ، وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاء.
قَالَ الْحَسَن : هُوَ طُعْمَة مِنْ اللَّه لَهُ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ يَأْكُل مَا يَسُدّ جَوْعَتَهُ، وَيَكْتَسِي مَا يَسْتُر عَوْرَتَهُ، وَلَا يَلْبَس الرَّفِيع مِنْ الْكَتَّان وَلَا الْحُلَل.
وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة هَذَا الْقَوْل إِجْمَاع الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الْإِمَام النَّاظِر لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَجِب عَلَيْهِ غُرْم مَا أَكَلَ بِالْمَعْرُوفِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ فَرَضَ سَهْمَهُ فِي مَال اللَّه.
بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى مَا يَحِلّ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالهمْ ; فَأَمَرَ الْغَنِيَّ بِالْإِمْسَاكِ وَأَبَاحَ لِلْوَصِيِّ الْفَقِير أَنْ يَأْكُل مِنْ مَال وَلِيِّهِ بِالْمَعْرُوفِ.
يُقَال : عَفَّ الرَّجُل عَنْ الشَّيْء وَاسْتَعَفَّ إِذَا أَمْسَكَ.
وَالِاسْتِعْفَاف عَنْ الشَّيْء تَرْكُهُ.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا " [ النُّور : ٣٣ ].
وَالْعِفَّة : الِامْتِنَاع عَمَّا لَا يَحِلّ وَلَا يَجِب فِعْله.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث حُسَيْن الْمُعَلِّم عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي فَقِير لَيْسَ لِي شَيْء وَلِي يَتِيمٌ.
قَالَ : فَقَالَ :( كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِك غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَاذِرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ ).
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء مِنْ الْمُخَاطَب وَالْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة ؟ فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَائِشَة فِي قَوْله تَعَالَى :" وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ " قَالَتْ : نَزَلَتْ فِي وَلِيّ الْيَتِيم الَّذِي يَقُوم عَلَيْهِ وَيُصْلِحُهُ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا جَازَ أَنْ يَأْكُل مِنْهُ.
فِي رِوَايَة : بِقَدْرِ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَالَ بَعْضهمْ : الْمُرَاد الْيَتِيم إِنْ كَانَ غَنِيًّا وَسَّعَ عَلَيْهِ وَأَعَفَّ عَنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ ; قَالَ رَبِيعَة وَيَحْيَى بْن سَعِيد.
وَالْأَوَّل قَوْل الْجُمْهُور وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ الْيَتِيم لَا يُخَاطَب بِالتَّصَرُّفِ فِي مَاله لِصِغَرِهِ وَلِسَفَهِهِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْجُمْهُور فِي الْأَكْل بِالْمَعْرُوفِ مَا هُوَ ؟ فَقَالَ قَوْم :( هُوَ الْقَرْض إِذَا اِحْتَاجَ وَيَقْضِي إِذَا أَيْسَرَ ) ; قَالَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَابْن عَبَّاس وَعُبَيْدَة وَابْن جُبَيْر وَالشَّعْبِيّ وَمُجَاهِد وَأَبُو الْعَالِيَة، وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيّ.
وَلَا يَسْتَسْلِفُ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ.
قَالَ عُمَر :( أَلَا إِنِّي أَنْزَلْت نَفْسِي مِنْ مَال اللَّه مَنْزِلَةَ الْوَلِيّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، إِنْ اِسْتَغْنَيْت اِسْتَعْفَفْت، وَإِنْ اِفْتَقَرْت أَكَلْت بِالْمَعْرُوفِ ; فَإِذَا أَيْسَرْت قَضَيْت ).
رَوَى عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك عَنْ عَاصِم عَنْ أَبِي الْعَالِيَة " وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ " قَالَ : قَرْضًا - ثُمَّ تَلَا " فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ".
وَقَوْلٌ ثَانٍ - رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيم وَعَطَاء وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَقَتَادَة : لَا قَضَاء عَلَى الْوَصِيّ الْفَقِير فِيمَا يَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ النَّظَرِ، وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاء.
قَالَ الْحَسَن : هُوَ طُعْمَة مِنْ اللَّه لَهُ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ يَأْكُل مَا يَسُدّ جَوْعَتَهُ، وَيَكْتَسِي مَا يَسْتُر عَوْرَتَهُ، وَلَا يَلْبَس الرَّفِيع مِنْ الْكَتَّان وَلَا الْحُلَل.
وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة هَذَا الْقَوْل إِجْمَاع الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الْإِمَام النَّاظِر لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَجِب عَلَيْهِ غُرْم مَا أَكَلَ بِالْمَعْرُوفِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ فَرَضَ سَهْمَهُ فِي مَال اللَّه.
فَلَا حُجَّة لَهُمْ فِي قَوْل عُمَر :( فَإِذَا أَيْسَرْت قَضَيْت ) - أَنْ لَوْ صَحَّ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي الْعَالِيَة وَالشَّعْبِيّ أَنَّ ( الْأَكْل بِالْمَعْرُوفِ هُوَ كَالِانْتِفَاعِ بِأَلْبَانِ الْمَوَاشِي، وَاسْتِخْدَام الْعَبِيد، وَرُكُوب الدَّوَابّ إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَصْلِ الْمَال ; كَمَا يَهْنَأ الْجَرْبَاء، وَيَنْشُد الضَّالَّة، وَيَلُوط الْحَوْض، وَيَجُذّ التَّمْر.
فَأَمَّا أَعْيَان الْأَمْوَال وَأُصُولهَا فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَخْذُهَا ).
وَهَذَا كُلّه يُخَرَّج مَعَ قَوْل الْفُقَهَاء : إِنَّهُ يَأْخُذ بِقَدْرِ أَجْر عَمَله ; وَقَالَتْ بِهِ طَائِفَة وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوف، وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَالزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ مُحَرَّمَة.
وَفَرَّقَ الْحَسَن بْن صَالِح بْن حَيّ - وَيُقَال اِبْن حَيَّان - بَيْنَ وَصِيّ الْأَب وَالْحَاكِم ; فَلِوَصِيِّ الْأَب أَنْ يَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ، وَأَمَّا وَصِيّ الْحَاكِم فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى الْمَال بِوَجْهٍ ; وَهُوَ الْقَوْل الثَّالِث.
وَقَوْلٌ رَابِعٌ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد قَالَ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذ قَرْضًا وَلَا غَيْره.
وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْآيَة مَنْسُوخَة، نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُون تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٩ ] وَهَذَا لَيْسَ بِتِجَارَةٍ.
وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : إِنَّ الرُّخْصَة فِي هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا " [ النِّسَاء : ١٠ ] الْآيَة.
وَحَكَى بِشْر بْن الْوَلِيد عَنْ اِبْن يُوسُف قَالَ : لَا أَدْرِي، لَعَلَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُون تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٩ ].
وَقَوْلٌ خَامِسٌ - وَهُوَ الْفَرْق بَيْنَ الْحَضَر وَالسَّفَر ; فَيُمْنَع إِذَا كَانَ مُقِيمًا مَعَهُ فِي الْمِصْر.
فَإِذَا اِحْتَاجَ أَنْ يُسَافِر مِنْ أَجْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَلَا يَقْتَنِي شَيْئًا ; قَالَهُ أَبُو حَنِيفَة وَصَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد.
وَقَوْلٌ سَادِسٌ - قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ مِمَّا يَجْنِي مِنْ الْغَلَّة ; فَأَمَّا الْمَال النَّاضّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا قَرْضًا وَلَا غَيْرَهُ.
وَقَوْلٌ سَابِعٌ - رَوَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ " قَالَ :( إِذَا اِحْتَاجَ وَاضْطُرَّ ).
وَقَالَ الشَّعْبِيّ : كَذَلِكَ إِذَا كَانَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير أَخَذَ مِنْهُ ; فَإِنْ وُجِدَ أَوْفَى.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ إِذَا اُضْطُرَّ هَذَا الِاضْطِرَارَ كَانَ لَهُ أَخْذ مَا يُقِيمُهُ مِنْ مَال يَتِيمه أَوْ غَيْره مِنْ قَرِيب أَوْ بَعِيد.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَالنَّخَعِيّ :( الْمُرَاد أَنْ يَأْكُل الْوَصِيّ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَال نَفْسه حَتَّى لَا يَحْتَاج إِلَى مَال الْيَتِيم ; فَيَسْتَعْفِف الْغَنِيّ بِغِنَاهُ، وَالْفَقِير يُقَتِّر عَلَى نَفْسه حَتَّى لَا يَحْتَاج إِلَى مَال يَتِيمه ).
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي الْعَالِيَة وَالشَّعْبِيّ أَنَّ ( الْأَكْل بِالْمَعْرُوفِ هُوَ كَالِانْتِفَاعِ بِأَلْبَانِ الْمَوَاشِي، وَاسْتِخْدَام الْعَبِيد، وَرُكُوب الدَّوَابّ إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَصْلِ الْمَال ; كَمَا يَهْنَأ الْجَرْبَاء، وَيَنْشُد الضَّالَّة، وَيَلُوط الْحَوْض، وَيَجُذّ التَّمْر.
فَأَمَّا أَعْيَان الْأَمْوَال وَأُصُولهَا فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَخْذُهَا ).
وَهَذَا كُلّه يُخَرَّج مَعَ قَوْل الْفُقَهَاء : إِنَّهُ يَأْخُذ بِقَدْرِ أَجْر عَمَله ; وَقَالَتْ بِهِ طَائِفَة وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوف، وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَالزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ مُحَرَّمَة.
وَفَرَّقَ الْحَسَن بْن صَالِح بْن حَيّ - وَيُقَال اِبْن حَيَّان - بَيْنَ وَصِيّ الْأَب وَالْحَاكِم ; فَلِوَصِيِّ الْأَب أَنْ يَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ، وَأَمَّا وَصِيّ الْحَاكِم فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى الْمَال بِوَجْهٍ ; وَهُوَ الْقَوْل الثَّالِث.
وَقَوْلٌ رَابِعٌ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد قَالَ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذ قَرْضًا وَلَا غَيْره.
وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْآيَة مَنْسُوخَة، نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُون تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٩ ] وَهَذَا لَيْسَ بِتِجَارَةٍ.
وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : إِنَّ الرُّخْصَة فِي هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا " [ النِّسَاء : ١٠ ] الْآيَة.
وَحَكَى بِشْر بْن الْوَلِيد عَنْ اِبْن يُوسُف قَالَ : لَا أَدْرِي، لَعَلَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُون تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٩ ].
وَقَوْلٌ خَامِسٌ - وَهُوَ الْفَرْق بَيْنَ الْحَضَر وَالسَّفَر ; فَيُمْنَع إِذَا كَانَ مُقِيمًا مَعَهُ فِي الْمِصْر.
فَإِذَا اِحْتَاجَ أَنْ يُسَافِر مِنْ أَجْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَلَا يَقْتَنِي شَيْئًا ; قَالَهُ أَبُو حَنِيفَة وَصَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد.
وَقَوْلٌ سَادِسٌ - قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ مِمَّا يَجْنِي مِنْ الْغَلَّة ; فَأَمَّا الْمَال النَّاضّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا قَرْضًا وَلَا غَيْرَهُ.
وَقَوْلٌ سَابِعٌ - رَوَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ " قَالَ :( إِذَا اِحْتَاجَ وَاضْطُرَّ ).
وَقَالَ الشَّعْبِيّ : كَذَلِكَ إِذَا كَانَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير أَخَذَ مِنْهُ ; فَإِنْ وُجِدَ أَوْفَى.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ إِذَا اُضْطُرَّ هَذَا الِاضْطِرَارَ كَانَ لَهُ أَخْذ مَا يُقِيمُهُ مِنْ مَال يَتِيمه أَوْ غَيْره مِنْ قَرِيب أَوْ بَعِيد.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَالنَّخَعِيّ :( الْمُرَاد أَنْ يَأْكُل الْوَصِيّ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَال نَفْسه حَتَّى لَا يَحْتَاج إِلَى مَال الْيَتِيم ; فَيَسْتَعْفِف الْغَنِيّ بِغِنَاهُ، وَالْفَقِير يُقَتِّر عَلَى نَفْسه حَتَّى لَا يَحْتَاج إِلَى مَال يَتِيمه ).
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا مِنْ أَحْسَن مَا رُوِيَ فِي تَفْسِير الْآيَة ; لِأَنَّ أَمْوَال النَّاس مَحْظُورَة لَا يُطْلَق شَيْء مِنْهَا إِلَّا بِحُجَّةٍ قَاطِعَة.
قُلْت : وَقَدْ اِخْتَارَ هَذَا الْقَوْل اِلْكِيَا الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن لَهُ ; فَقَالَ :" تَوَهَّمَ مُتَوَهِّمُونَ مِنْ السَّلَف بِحُكْمِ الْآيَة أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُل مِنْ مَال الصَّبِيّ قَدْرًا لَا يَنْتَهِي إِلَى حَدّ السَّرَف، وَذَلِكَ خِلَاف مَا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ مِنْ قَوْله :- " لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُون تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ " وَلَا يَتَحَقَّق ذَلِكَ فِي مَال الْيَتِيم.
فَقَوْله :" وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ " يَرْجِع إِلَى أَكْل مَال نَفْسه دُون مَال الْيَتِيم.
فَمَعْنَاهُ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَال الْيَتِيم مَعَ أَمْوَالِكُمْ، بَلْ اِقْتَصِرُوا عَلَى أَكْل أَمْوَالِكُمْ.
وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :" وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا " [ النِّسَاء : ٢ ] وَبَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ " الِاقْتِصَار عَلَى الْبُلْغَة، حَتَّى لَا يَحْتَاج إِلَى أَكْل مَال الْيَتِيم ; فَهَذَا تَمَام مَعْنَى الْآيَة.
فَقَدْ وَجَدْنَا آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ تَمْنَع أَكْل مَال الْغَيْر دُون رِضَاهُ، سِيَّمَا فِي حَقّ الْيَتِيم.
وَقَدْ وَجَدْنَا هَذِهِ الْآيَة مُحْتَمِلَة لِلْمَعَانِي، فَحَمْلهَا عَلَى مُوجِب الْآيَات الْمُحْكَمَات مُتَعَيِّنٌ.
فَإِنْ قَالَ مَنْ يَنْصُر مَذْهَب السَّلَف : إِنَّ الْقُضَاة يَأْخُذُونَ أَرْزَاقَهُمْ لِأَجْلِ عَمَلهمْ لِلْمُسْلِمِينَ، فَهَلَّا كَانَ الْوَصِيّ كَذَلِكَ إِذَا عَمِلَ لِلْيَتِيمِ، وَلِمَ لَا يَأْخُذ الْأُجْرَة بِقَدْرِ عَمَله ؟ قِيلَ لَهُ : اِعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ السَّلَف لَمْ يُجَوِّزْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذ مِنْ مَال الصَّبِيّ مَعَ غِنَى الْوَصِيّ، بِخِلَافِ الْقَاضِي ; فَذَلِكَ فَارِقٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
وَأَيْضًا فَاَلَّذِي يَأْخُذهُ الْفُقَهَاء وَالْقُضَاة وَالْخُلَفَاء الْقَائِمُونَ بِأُمُورِ الْإِسْلَام لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ مَالِكٌ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّه ذَلِكَ الْمَالَ الضَّائِعَ لِأَصْنَافٍ بِأَوْصَافٍ، وَالْقُضَاة مِنْ جُمْلَتهمْ، وَالْوَصِيّ إِنَّمَا يَأْخُذ بِعَمَلِهِ مَالَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْر رِضَاهُ ; وَعَمَلُهُ مَجْهُولٌ وَأُجْرَتُهُ مَجْهُولَةٌ وَذَلِكَ بَعِيد عَنْ الِاسْتِحْقَاق.
قُلْت : وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاس يَقُول : إِنْ كَانَ مَال الْيَتِيم كَثِيرًا يَحْتَاج إِلَى كَبِير قِيَام عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَشْغَل الْوَلِيَّ عَنْ حَاجَاتِهِ وَمُهِمَّاتِهِ فُرِضَ لَهُ فِيهِ أَجْرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ تَافِهًا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ حَاجَاتِهِ فَلَا يَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا ; غَيْر أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ شُرْب قَلِيل اللَّبَن وَأَكْل الْقَلِيل مِنْ الطَّعَام وَالسَّمْن، غَيْرَ مُضِرٍّ بِهِ وَلَا مُسْتَكْثِرٍ لَهُ، بَلْ عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَة بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ.
قَالَ شَيْخُنَا : وَمَا ذَكَرْته مِنْ الْأُجْرَة، وَنَيْل الْيَسِير مِنْ التَّمْر وَاللَّبَن كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مَعْرُوف ; فَصَلَحَ حَمْل الْآيَة عَلَى ذَلِكَ.
قُلْت : وَقَدْ اِخْتَارَ هَذَا الْقَوْل اِلْكِيَا الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن لَهُ ; فَقَالَ :" تَوَهَّمَ مُتَوَهِّمُونَ مِنْ السَّلَف بِحُكْمِ الْآيَة أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُل مِنْ مَال الصَّبِيّ قَدْرًا لَا يَنْتَهِي إِلَى حَدّ السَّرَف، وَذَلِكَ خِلَاف مَا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ مِنْ قَوْله :- " لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُون تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ " وَلَا يَتَحَقَّق ذَلِكَ فِي مَال الْيَتِيم.
فَقَوْله :" وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ " يَرْجِع إِلَى أَكْل مَال نَفْسه دُون مَال الْيَتِيم.
فَمَعْنَاهُ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَال الْيَتِيم مَعَ أَمْوَالِكُمْ، بَلْ اِقْتَصِرُوا عَلَى أَكْل أَمْوَالِكُمْ.
وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :" وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا " [ النِّسَاء : ٢ ] وَبَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ " الِاقْتِصَار عَلَى الْبُلْغَة، حَتَّى لَا يَحْتَاج إِلَى أَكْل مَال الْيَتِيم ; فَهَذَا تَمَام مَعْنَى الْآيَة.
فَقَدْ وَجَدْنَا آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ تَمْنَع أَكْل مَال الْغَيْر دُون رِضَاهُ، سِيَّمَا فِي حَقّ الْيَتِيم.
وَقَدْ وَجَدْنَا هَذِهِ الْآيَة مُحْتَمِلَة لِلْمَعَانِي، فَحَمْلهَا عَلَى مُوجِب الْآيَات الْمُحْكَمَات مُتَعَيِّنٌ.
فَإِنْ قَالَ مَنْ يَنْصُر مَذْهَب السَّلَف : إِنَّ الْقُضَاة يَأْخُذُونَ أَرْزَاقَهُمْ لِأَجْلِ عَمَلهمْ لِلْمُسْلِمِينَ، فَهَلَّا كَانَ الْوَصِيّ كَذَلِكَ إِذَا عَمِلَ لِلْيَتِيمِ، وَلِمَ لَا يَأْخُذ الْأُجْرَة بِقَدْرِ عَمَله ؟ قِيلَ لَهُ : اِعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ السَّلَف لَمْ يُجَوِّزْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذ مِنْ مَال الصَّبِيّ مَعَ غِنَى الْوَصِيّ، بِخِلَافِ الْقَاضِي ; فَذَلِكَ فَارِقٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
وَأَيْضًا فَاَلَّذِي يَأْخُذهُ الْفُقَهَاء وَالْقُضَاة وَالْخُلَفَاء الْقَائِمُونَ بِأُمُورِ الْإِسْلَام لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ مَالِكٌ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّه ذَلِكَ الْمَالَ الضَّائِعَ لِأَصْنَافٍ بِأَوْصَافٍ، وَالْقُضَاة مِنْ جُمْلَتهمْ، وَالْوَصِيّ إِنَّمَا يَأْخُذ بِعَمَلِهِ مَالَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْر رِضَاهُ ; وَعَمَلُهُ مَجْهُولٌ وَأُجْرَتُهُ مَجْهُولَةٌ وَذَلِكَ بَعِيد عَنْ الِاسْتِحْقَاق.
قُلْت : وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاس يَقُول : إِنْ كَانَ مَال الْيَتِيم كَثِيرًا يَحْتَاج إِلَى كَبِير قِيَام عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَشْغَل الْوَلِيَّ عَنْ حَاجَاتِهِ وَمُهِمَّاتِهِ فُرِضَ لَهُ فِيهِ أَجْرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ تَافِهًا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ حَاجَاتِهِ فَلَا يَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا ; غَيْر أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ شُرْب قَلِيل اللَّبَن وَأَكْل الْقَلِيل مِنْ الطَّعَام وَالسَّمْن، غَيْرَ مُضِرٍّ بِهِ وَلَا مُسْتَكْثِرٍ لَهُ، بَلْ عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَة بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ.
قَالَ شَيْخُنَا : وَمَا ذَكَرْته مِنْ الْأُجْرَة، وَنَيْل الْيَسِير مِنْ التَّمْر وَاللَّبَن كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مَعْرُوف ; فَصَلَحَ حَمْل الْآيَة عَلَى ذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قُلْت : وَالِاحْتِرَاز عَنْهُ أَفْضَل، إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَأَمَّا مَا يَأْخُذُهُ قَاضِي الْقِسْمَة وَيُسَمِّيهِ رَسْمًا وَنَهْب أَتْبَاعِهِ فَلَا أَدْرِي لَهُ وَجْهًا وَلَا حِلًّا، وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي عُمُوم قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ نَارًا " [ النِّسَاء : ١٠ ].
قُلْت : وَالِاحْتِرَاز عَنْهُ أَفْضَل، إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَأَمَّا مَا يَأْخُذُهُ قَاضِي الْقِسْمَة وَيُسَمِّيهِ رَسْمًا وَنَهْب أَتْبَاعِهِ فَلَا أَدْرِي لَهُ وَجْهًا وَلَا حِلًّا، وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي عُمُوم قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ نَارًا " [ النِّسَاء : ١٠ ].
فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ
أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِالْإِشْهَادِ تَنْبِيهًا عَلَى التَّحْصِين وَزَوَالًا لِلتُّهَمِ.
وَهَذَا الْإِشْهَاد مُسْتَحَبّ عِنْد طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء ; فَإِنَّ الْقَوْل قَوْل الْوَصِيّ ; لِأَنَّهُ أَمِينٌ.
وَقَالَتْ طَائِفَة : هُوَ فَرْض ; وَهُوَ ظَاهِر الْآيَة، وَلَيْسَ بِأَمِينٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، كَالْوَكِيلِ إِذَا زَعَمَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّ مَا دُفِعَ إِلَيْهِ أَوْ الْمُودَع، وَإِنَّمَا هُوَ أَمِين لِلْأَبِ، وَمَتَى اِئْتَمَنَهُ الْأَب لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى غَيْره.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيل لَوْ اِدَّعَى أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ لِزَيْدٍ مَا أَمَرَهُ بِهِ بِعَدَالَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ ; فَكَذَلِكَ الْوَصِيّ.
وَرَأَى عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَابْن جُبَيْر أَنَّ هَذَا الْإِشْهَاد إِنَّمَا هُوَ عَلَى دَفْع الْوَصِيّ فِي يُسْرِهِ مَا اِسْتَقْرَضَهُ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ حَالَةَ فَقْرِهِ.
قَالَ عُبَيْدَة : هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى وُجُوب الْقَضَاء عَلَى مَنْ أَكَلَ ; الْمَعْنَى : فَإِذَا اِقْتَرَضْتُمْ أَوْ أَكَلْتُمْ فَأَشْهِدُوا إِذَا غَرِمْتُمْ.
وَالصَّحِيح أَنَّ اللَّفْظ يَعُمُّ هَذَا وَسِوَاهُ.
وَالظَّاهِر أَنَّ الْمُرَاد إِذَا أَنْفَقْتُمْ شَيْئًا عَلَى الْمُولَى عَلَيْهِ فَأَشْهِدُوا، حَتَّى وَلَوْ وَقَعَ خِلَاف أَمْكَنَ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ ; فَإِنَّ كُلّ مَالٍ قُبِضَ عَلَى وَجْه الْأَمَانَة بِإِشْهَادٍ لَا يُبْرَأُ مِنْهُ إِلَّا بِالْإِشْهَادِ عَلَى دَفْعِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَأَشْهِدُوا " فَإِذَا دَفَعَ لِمَنْ دَفَعَ إِلَيْهِ بِغَيْرِ إِشْهَاد فَلَا يَحْتَاج فِي دَفْعهَا لِإِشْهَادِ إِنْ كَانَ قَبْضهَا بِغَيْرِ إِشْهَادٍ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
كَمَا عَلَى الْوَصِيّ وَالْكَفِيل حِفْظُ مَال يَتِيمه وَالتَّثْمِير لَهُ، كَذَلِكَ عَلَيْهِ حِفْظ الصَّبِيّ فِي بَدَنه.
فَالْمَال يَحْفَظهُ بِضَبْطِهِ، وَالْبَدَن يَحْفَظهُ بِأَدَبِهِ.
وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَة ".
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ فِي حِجْرِي يَتِيمًا أَآكُلُ مِنْ مَاله ؟ قَالَ :( نَعَمْ غَيْر مُتَأَثِّل مَالًا وَلَا وَاقٍ مَالَك بِمَالِهِ ).
قَالَ : يَا رَسُول اللَّه، أَفَأَضْرِبُهُ ؟ قَالَ :( مَا كُنْت ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَك ).
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مُسْنَدًا فَلَيْسَ يَجِد أَحَد عَنْهُ مُلْتَحَدًا.
أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِالْإِشْهَادِ تَنْبِيهًا عَلَى التَّحْصِين وَزَوَالًا لِلتُّهَمِ.
وَهَذَا الْإِشْهَاد مُسْتَحَبّ عِنْد طَائِفَة مِنْ الْعُلَمَاء ; فَإِنَّ الْقَوْل قَوْل الْوَصِيّ ; لِأَنَّهُ أَمِينٌ.
وَقَالَتْ طَائِفَة : هُوَ فَرْض ; وَهُوَ ظَاهِر الْآيَة، وَلَيْسَ بِأَمِينٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، كَالْوَكِيلِ إِذَا زَعَمَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّ مَا دُفِعَ إِلَيْهِ أَوْ الْمُودَع، وَإِنَّمَا هُوَ أَمِين لِلْأَبِ، وَمَتَى اِئْتَمَنَهُ الْأَب لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى غَيْره.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيل لَوْ اِدَّعَى أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ لِزَيْدٍ مَا أَمَرَهُ بِهِ بِعَدَالَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ ; فَكَذَلِكَ الْوَصِيّ.
وَرَأَى عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَابْن جُبَيْر أَنَّ هَذَا الْإِشْهَاد إِنَّمَا هُوَ عَلَى دَفْع الْوَصِيّ فِي يُسْرِهِ مَا اِسْتَقْرَضَهُ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ حَالَةَ فَقْرِهِ.
قَالَ عُبَيْدَة : هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى وُجُوب الْقَضَاء عَلَى مَنْ أَكَلَ ; الْمَعْنَى : فَإِذَا اِقْتَرَضْتُمْ أَوْ أَكَلْتُمْ فَأَشْهِدُوا إِذَا غَرِمْتُمْ.
وَالصَّحِيح أَنَّ اللَّفْظ يَعُمُّ هَذَا وَسِوَاهُ.
وَالظَّاهِر أَنَّ الْمُرَاد إِذَا أَنْفَقْتُمْ شَيْئًا عَلَى الْمُولَى عَلَيْهِ فَأَشْهِدُوا، حَتَّى وَلَوْ وَقَعَ خِلَاف أَمْكَنَ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ ; فَإِنَّ كُلّ مَالٍ قُبِضَ عَلَى وَجْه الْأَمَانَة بِإِشْهَادٍ لَا يُبْرَأُ مِنْهُ إِلَّا بِالْإِشْهَادِ عَلَى دَفْعِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَأَشْهِدُوا " فَإِذَا دَفَعَ لِمَنْ دَفَعَ إِلَيْهِ بِغَيْرِ إِشْهَاد فَلَا يَحْتَاج فِي دَفْعهَا لِإِشْهَادِ إِنْ كَانَ قَبْضهَا بِغَيْرِ إِشْهَادٍ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
كَمَا عَلَى الْوَصِيّ وَالْكَفِيل حِفْظُ مَال يَتِيمه وَالتَّثْمِير لَهُ، كَذَلِكَ عَلَيْهِ حِفْظ الصَّبِيّ فِي بَدَنه.
فَالْمَال يَحْفَظهُ بِضَبْطِهِ، وَالْبَدَن يَحْفَظهُ بِأَدَبِهِ.
وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَة ".
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ فِي حِجْرِي يَتِيمًا أَآكُلُ مِنْ مَاله ؟ قَالَ :( نَعَمْ غَيْر مُتَأَثِّل مَالًا وَلَا وَاقٍ مَالَك بِمَالِهِ ).
قَالَ : يَا رَسُول اللَّه، أَفَأَضْرِبُهُ ؟ قَالَ :( مَا كُنْت ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَك ).
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مُسْنَدًا فَلَيْسَ يَجِد أَحَد عَنْهُ مُلْتَحَدًا.
وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا
أَيْ كَفَى اللَّه حَاسِبًا لِأَعْمَالِكُمْ وَمُجَازِيًا بِهَا.
فَفِي هَذَا وَعِيد لِكُلِّ جَاحِد حَقّ.
وَالْبَاء زَائِدَة، وَهُوَ فِي مَوْضِع رَفْع.
أَيْ كَفَى اللَّه حَاسِبًا لِأَعْمَالِكُمْ وَمُجَازِيًا بِهَا.
فَفِي هَذَا وَعِيد لِكُلِّ جَاحِد حَقّ.
وَالْبَاء زَائِدَة، وَهُوَ فِي مَوْضِع رَفْع.
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا
فِيهِ خَمْس مَسَائِل :
الْأُولَى : لَمَّا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى أَمْر الْيَتَامَى وَصَلَهُ بِذِكْرِ الْمَوَارِيث.
وَنَزَلَتْ الْآيَة فِي أَوْس بْن ثَابِت الْأَنْصَارِيّ، تُوُفِّيَ وَتَرَكَ اِمْرَأَة يُقَال لَهَا : أُمّ كَجَّة وَثَلَاث بَنَات لَهُ مِنْهَا ; فَقَامَ رَجُلَانِ هُمَا اِبْنَا عَمّ الْمَيِّت وَوَصِيَّاهُ يُقَال لَهُمَا : سُوَيْد وَعَرْفَجَة ; فَأَخَذَا مَالَهُ وَلَمْ يُعْطِيَا اِمْرَأَتَهُ وَبَنَاتِهِ شَيْئًا، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاء وَلَا الصَّغِير وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا، وَيَقُولُونَ : لَا يُعْطَى إِلَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى ظُهُور الْخَيْل، وَطَاعَنَ بِالرُّمْحِ، وَضَارَبَ بِالسَّيْفِ، وَحَازَ الْغَنِيمَة.
فَذَكَرَتْ أُمّ كَجَّة ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُمَا، فَقَالَا : يَا رَسُول اللَّه، وَلَدُهَا لَا يَرْكَب فَرَسًا، وَلَا يَحْمِلُ كَلًّا وَلَا يَنْكَأ عَدُوًّا.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( اِنْصَرِفَا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُحْدِثُ اللَّهُ لِي فِيهِنَّ ).
فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة رَدًّا عَلَيْهِمْ، وَإِبْطَالًا لِقَوْلِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ بِجَهْلِهِمْ ; فَإِنَّ الْوَرَثَة الصِّغَار كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا أَحَقّ بِالْمَالِ مِنْ الْكِبَار، لِعَدَمِ تَصَرُّفهمْ وَالنَّظَر فِي مَصَالِحهمْ، فَعَكَسُوا الْحُكْم، وَأَبْطَلُوا الْحِكْمَة فَضَلُّوا بِأَهْوَائِهِمْ، وَأَخْطَئُوا فِي آرَائِهِمْ وَتَصَرُّفَاتهمْ.
الثَّانِيَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فِي هَذِهِ الْآيَة فَوَائِد ثَلَاث :
إِحْدَاهَا : بَيَان عِلَّة الْمِيرَاث وَهِيَ الْقَرَابَة.
الثَّانِيَة : عُمُوم الْقَرَابَة كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ مِنْ قَرِيب أَوْ بَعِيد.
الثَّالِثَة : إِجْمَال النَّصِيب الْمَفْرُوض.
وَذَلِكَ مُبَيَّن فِي آيَة الْمَوَارِيث ; فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَة تَوْطِئَةٌ لِلْحُكْمِ، وَإِبْطَالٌ لِذَلِكَ الرَّأْي الْفَاسِد حَتَّى وَقَعَ الْبَيَان الشَّافِي.
الثَّالِثَة : ثَبَتَ أَنَّ أَبَا طَلْحَة لَمَّا تَصَدَّقَ بِمَالِهِ - بِئْر حَاء - وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ :( اِجْعَلْهَا فِي فُقَرَاء أَقَارِبك ) فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبَيّ.
قَالَ أَنَس :( وَكَانَا أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنِّي ).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ : بَلَغَنِي عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ أَنَّهُ قَالَ : أَبُو طَلْحَة الْأَنْصَارِيّ زَيْد بْن سَهْل بْن الْأَسْوَد بْن حَرَام بْن عَمْرو بْن زَيْد مَنَاة بْن عَدِيّ بْن عَمْرو بْن مَالِك بْن النَّجَّار.
وَحَسَّان بْن ثَابِت بْن الْمُنْذِر بْن حَرَام يَجْتَمِعَانِ فِي الْأَب الثَّالِث وَهُوَ حَرَام.
وَأُبَيّ بْن كَعْب بْن قَيْس بْن عُبَيْد بْن زَيْد بْن مُعَاوِيَة بْن عَمْرو بْن مَالِك بْن النَّجَّار.
قَالَ الْأَنْصَارِيّ : بَيْنَ أَبِي طَلْحَة وَأَبِي سِتَّة آبَاء.
قَالَ : وَعَمْرو بْن مَالِك يَجْمَع حَسَّان وَأُبَيّ بْن كَعْب وَأَبَا طَلْحَة.
فِيهِ خَمْس مَسَائِل :
الْأُولَى : لَمَّا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى أَمْر الْيَتَامَى وَصَلَهُ بِذِكْرِ الْمَوَارِيث.
وَنَزَلَتْ الْآيَة فِي أَوْس بْن ثَابِت الْأَنْصَارِيّ، تُوُفِّيَ وَتَرَكَ اِمْرَأَة يُقَال لَهَا : أُمّ كَجَّة وَثَلَاث بَنَات لَهُ مِنْهَا ; فَقَامَ رَجُلَانِ هُمَا اِبْنَا عَمّ الْمَيِّت وَوَصِيَّاهُ يُقَال لَهُمَا : سُوَيْد وَعَرْفَجَة ; فَأَخَذَا مَالَهُ وَلَمْ يُعْطِيَا اِمْرَأَتَهُ وَبَنَاتِهِ شَيْئًا، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاء وَلَا الصَّغِير وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا، وَيَقُولُونَ : لَا يُعْطَى إِلَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى ظُهُور الْخَيْل، وَطَاعَنَ بِالرُّمْحِ، وَضَارَبَ بِالسَّيْفِ، وَحَازَ الْغَنِيمَة.
فَذَكَرَتْ أُمّ كَجَّة ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُمَا، فَقَالَا : يَا رَسُول اللَّه، وَلَدُهَا لَا يَرْكَب فَرَسًا، وَلَا يَحْمِلُ كَلًّا وَلَا يَنْكَأ عَدُوًّا.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( اِنْصَرِفَا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُحْدِثُ اللَّهُ لِي فِيهِنَّ ).
فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة رَدًّا عَلَيْهِمْ، وَإِبْطَالًا لِقَوْلِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ بِجَهْلِهِمْ ; فَإِنَّ الْوَرَثَة الصِّغَار كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا أَحَقّ بِالْمَالِ مِنْ الْكِبَار، لِعَدَمِ تَصَرُّفهمْ وَالنَّظَر فِي مَصَالِحهمْ، فَعَكَسُوا الْحُكْم، وَأَبْطَلُوا الْحِكْمَة فَضَلُّوا بِأَهْوَائِهِمْ، وَأَخْطَئُوا فِي آرَائِهِمْ وَتَصَرُّفَاتهمْ.
الثَّانِيَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فِي هَذِهِ الْآيَة فَوَائِد ثَلَاث :
إِحْدَاهَا : بَيَان عِلَّة الْمِيرَاث وَهِيَ الْقَرَابَة.
الثَّانِيَة : عُمُوم الْقَرَابَة كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ مِنْ قَرِيب أَوْ بَعِيد.
الثَّالِثَة : إِجْمَال النَّصِيب الْمَفْرُوض.
وَذَلِكَ مُبَيَّن فِي آيَة الْمَوَارِيث ; فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَة تَوْطِئَةٌ لِلْحُكْمِ، وَإِبْطَالٌ لِذَلِكَ الرَّأْي الْفَاسِد حَتَّى وَقَعَ الْبَيَان الشَّافِي.
الثَّالِثَة : ثَبَتَ أَنَّ أَبَا طَلْحَة لَمَّا تَصَدَّقَ بِمَالِهِ - بِئْر حَاء - وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ :( اِجْعَلْهَا فِي فُقَرَاء أَقَارِبك ) فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبَيّ.
قَالَ أَنَس :( وَكَانَا أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنِّي ).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ : بَلَغَنِي عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ أَنَّهُ قَالَ : أَبُو طَلْحَة الْأَنْصَارِيّ زَيْد بْن سَهْل بْن الْأَسْوَد بْن حَرَام بْن عَمْرو بْن زَيْد مَنَاة بْن عَدِيّ بْن عَمْرو بْن مَالِك بْن النَّجَّار.
وَحَسَّان بْن ثَابِت بْن الْمُنْذِر بْن حَرَام يَجْتَمِعَانِ فِي الْأَب الثَّالِث وَهُوَ حَرَام.
وَأُبَيّ بْن كَعْب بْن قَيْس بْن عُبَيْد بْن زَيْد بْن مُعَاوِيَة بْن عَمْرو بْن مَالِك بْن النَّجَّار.
قَالَ الْأَنْصَارِيّ : بَيْنَ أَبِي طَلْحَة وَأَبِي سِتَّة آبَاء.
قَالَ : وَعَمْرو بْن مَالِك يَجْمَع حَسَّان وَأُبَيّ بْن كَعْب وَأَبَا طَلْحَة.
قَالَ أَبُو عُمَر : فِي هَذَا مَا يَقْضِي عَلَى الْقَرَابَة أَنَّهَا مَا كَانَتْ فِي هَذَا الْقَعْدُد وَنَحْوه، وَمَا كَانَ دُونه فَهُوَ أَحْرَى أَنْ يَلْحَقهُ اِسْم الْقَرَابَة.
الرَّابِعَة : قَوْله تَعَالَى :" مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا " أَثْبَتَ اللَّه تَعَالَى لِلْبَنَاتِ نَصِيبًا فِي الْمِيرَاث وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ ; فَأَرْسَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سُوَيْد وَعَرْفَجَة أَلَّا يُفَرِّقَا مِنْ مَال أَوْس شَيْئًا ; فَإِنَّ اللَّه جَعَلَ لِبَنَاتِهِ نَصِيبًا وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ حَتَّى أَنْظُر مَا يُنْزِل رَبّنَا.
فَنَزَلَتْ " يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ " [ النِّسَاء : ١١ ] إِلَى قَوْله تَعَالَى :" الْفَوْز الْعَظِيم " [ النِّسَاء : ١٣ ] فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا ( أَنْ أَعْطِيَا أُمّ كَجَّة الثُّمُن مِمَّا تَرَكَ أَوْس، وَلِبَنَاتِهِ الثُّلُثَيْنِ، وَلَكُمَا بَقِيَّة الْمَال ).
الْخَامِسَة : اِسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا بِهَذِهِ الْآيَة فِي قِسْمَة الْمَتْرُوك عَلَى الْفَرَائِض إِذَا كَانَ فِيهِ تَغْيِير عَنْ حَاله، كَالْحَمَّامِ وَالْبَيْت وَبَيْدَر الزَّيْتُون وَالدَّار الَّتِي تَبْطُل مَنَافِعهَا بِإِقْرَارِ أَهْل السِّهَام فِيهَا.
فَقَالَ مَالِك : يُقْسَم ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَصِيب أَحَدهمْ مَا يُنْتَفَع بِهِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ".
وَهُوَ قَوْل اِبْن كِنَانَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ، وَنَحْوه قَوْل أَبِي حَنِيفَة.
قَالَ أَبُو حَنِيفَة : فِي الدَّار الصَّغِيرَة بَيْنَ اِثْنَيْنِ فَطَلَبَ أَحَدهمَا الْقِسْمَة وَأَبَى صَاحِبُهُ قُسِمَتْ لَهُ.
وَقَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى : إِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَنْتَفِع بِمَا يُقْسَم لَهُ فَلَا يُقْسَم.
وَكُلّ قَسْم يَدْخُل فِيهِ الضَّرَر عَلَى أَحَدهمَا دُون الْآخَر فَإِنَّهُ لَا يُقْسَم ; وَهُوَ قَوْل أَبِي ثَوْر.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهُوَ أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ.
وَرَوَاهُ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك فِيمَا ذَكَرَ اِبْن الْعَرَبِيّ.
قَالَ اِبْن الْقَاسِم : وَأَنَا أَرَى أَنَّ كُلّ مَا لَا يَنْقَسِم مِنْ الدُّور وَالْمَنَازِل وَالْحَمَّامَات، وَفِي قِسْمَتِهِ الضَّرَر وَلَا يُنْتَفَع بِهِ إِذَا قُسِمَ، أَنْ يُبَاع وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( الشُّفْعَة فِي كُلّ مَا لَا يُقْسَم فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُود فَلَا شُفْعَة ).
فَجَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَام الشُّفْعَةَ فِي كُلّ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ إِيقَاع الْحُدُود، وَعَلَّقَ الشُّفْعَة فِيمَا لَمْ يُقْسَم مِمَّا يُمْكِن إِيقَاع الْحُدُود فِيهِ.
هَذَا دَلِيل الْحَدِيث.
قُلْت : وَمِنْ الْحُجَّة لِهَذَا الْقَوْل مَا خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن جُرَيْج أَخْبَرَنِي صِدِّيق بْن مُوسَى عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا تَعْضِيَةَ عَلَى أَهْل الْمِيرَاث إِلَّا مَا حَمَلَ الْقَسْم ).
قَالَ أَبُو عُبَيْد : هُوَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ وَيَدَعَ شَيْئًا إِنْ قُسِمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى جَمِيعهمْ أَوْ عَلَى بَعْضهمْ.
يَقُول : فَلَا يُقْسَم ; وَذَلِكَ مِثْل الْجَوْهَرَة وَالْحَمَّام وَالطَّيْلَسَان وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
الرَّابِعَة : قَوْله تَعَالَى :" مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا " أَثْبَتَ اللَّه تَعَالَى لِلْبَنَاتِ نَصِيبًا فِي الْمِيرَاث وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ ; فَأَرْسَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سُوَيْد وَعَرْفَجَة أَلَّا يُفَرِّقَا مِنْ مَال أَوْس شَيْئًا ; فَإِنَّ اللَّه جَعَلَ لِبَنَاتِهِ نَصِيبًا وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ حَتَّى أَنْظُر مَا يُنْزِل رَبّنَا.
فَنَزَلَتْ " يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ " [ النِّسَاء : ١١ ] إِلَى قَوْله تَعَالَى :" الْفَوْز الْعَظِيم " [ النِّسَاء : ١٣ ] فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا ( أَنْ أَعْطِيَا أُمّ كَجَّة الثُّمُن مِمَّا تَرَكَ أَوْس، وَلِبَنَاتِهِ الثُّلُثَيْنِ، وَلَكُمَا بَقِيَّة الْمَال ).
الْخَامِسَة : اِسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا بِهَذِهِ الْآيَة فِي قِسْمَة الْمَتْرُوك عَلَى الْفَرَائِض إِذَا كَانَ فِيهِ تَغْيِير عَنْ حَاله، كَالْحَمَّامِ وَالْبَيْت وَبَيْدَر الزَّيْتُون وَالدَّار الَّتِي تَبْطُل مَنَافِعهَا بِإِقْرَارِ أَهْل السِّهَام فِيهَا.
فَقَالَ مَالِك : يُقْسَم ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَصِيب أَحَدهمْ مَا يُنْتَفَع بِهِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ".
وَهُوَ قَوْل اِبْن كِنَانَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ، وَنَحْوه قَوْل أَبِي حَنِيفَة.
قَالَ أَبُو حَنِيفَة : فِي الدَّار الصَّغِيرَة بَيْنَ اِثْنَيْنِ فَطَلَبَ أَحَدهمَا الْقِسْمَة وَأَبَى صَاحِبُهُ قُسِمَتْ لَهُ.
وَقَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى : إِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَنْتَفِع بِمَا يُقْسَم لَهُ فَلَا يُقْسَم.
وَكُلّ قَسْم يَدْخُل فِيهِ الضَّرَر عَلَى أَحَدهمَا دُون الْآخَر فَإِنَّهُ لَا يُقْسَم ; وَهُوَ قَوْل أَبِي ثَوْر.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهُوَ أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ.
وَرَوَاهُ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك فِيمَا ذَكَرَ اِبْن الْعَرَبِيّ.
قَالَ اِبْن الْقَاسِم : وَأَنَا أَرَى أَنَّ كُلّ مَا لَا يَنْقَسِم مِنْ الدُّور وَالْمَنَازِل وَالْحَمَّامَات، وَفِي قِسْمَتِهِ الضَّرَر وَلَا يُنْتَفَع بِهِ إِذَا قُسِمَ، أَنْ يُبَاع وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( الشُّفْعَة فِي كُلّ مَا لَا يُقْسَم فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُود فَلَا شُفْعَة ).
فَجَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَام الشُّفْعَةَ فِي كُلّ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ إِيقَاع الْحُدُود، وَعَلَّقَ الشُّفْعَة فِيمَا لَمْ يُقْسَم مِمَّا يُمْكِن إِيقَاع الْحُدُود فِيهِ.
هَذَا دَلِيل الْحَدِيث.
قُلْت : وَمِنْ الْحُجَّة لِهَذَا الْقَوْل مَا خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن جُرَيْج أَخْبَرَنِي صِدِّيق بْن مُوسَى عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا تَعْضِيَةَ عَلَى أَهْل الْمِيرَاث إِلَّا مَا حَمَلَ الْقَسْم ).
قَالَ أَبُو عُبَيْد : هُوَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ وَيَدَعَ شَيْئًا إِنْ قُسِمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى جَمِيعهمْ أَوْ عَلَى بَعْضهمْ.
يَقُول : فَلَا يُقْسَم ; وَذَلِكَ مِثْل الْجَوْهَرَة وَالْحَمَّام وَالطَّيْلَسَان وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَالتَّعْضِيَة التَّفْرِيق، يُقَال : عَضَيْت الشَّيْء إِذَا فَرَّقْته.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآن عِضِينَ " [ الْحِجْر : ٩١ ].
وَقَالَ تَعَالَى :" غَيْر مُضَارّ " [ النِّسَاء : ١٢ ] فَنَفَى الْمُضَارَّة.
وَكَذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا ضَرَر وَلَا ضِرَار ).
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآيَة لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّض لِلْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا اِقْتَضَتْ الْآيَة وُجُوب الْحَظّ وَالنَّصِيب لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِير قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، رَدًّا عَلَى الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ :" لِلرِّجَالِ نَصِيب " " وَلِلنِّسَاءِ نَصِيب " [ النِّسَاء : ٣٢ ] وَهَذَا ظَاهِر جِدًّا.
فَأَمَّا إِبْرَاز ذَلِكَ النَّصِيب فَإِنَّمَا يُؤْخَذ مِنْ دَلِيل آخَر ; وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُول الْوَارِث : قَدْ وَجَبَ لِي نَصِيب بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَمَكِّنُونِي مِنْهُ ; فَيَقُول لَهُ شَرِيكُهُ : أَمَّا تَمْكِينك عَلَى الِاخْتِصَاص فَلَا يُمْكِن ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى ضَرَر بَيْنِي وَبَيْنَك مِنْ إِفْسَاد الْمَال، وَتَغْيِير الْهَيْئَة، وَتَنْقِيص الْقِيمَة ; فَيَقَع التَّرْجِيح.
وَالْأَظْهَر سُقُوط الْقِسْمَة فِيمَا يُبْطِل الْمَنْفَعَة وَيَنْقُص الْمَال مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلِيل.
وَاَللَّه الْمُوَفِّق.
قَالَ الْفَرَّاء :" نَصِيبًا مَفْرُوضًا " هُوَ كَقَوْلِك : قَسْمًا وَاجِبًا، وَحَقًّا لَازِمًا ; فَهُوَ اِسْم فِي مَعْنَى الْمَصْدَر فَلِهَذَا اِنْتَصَبَ.
الزَّجَّاج : اِنْتَصَبَ عَلَى الْحَال.
أَيْ لِهَؤُلَاءِ أَنْصِبَاء فِي حَال الْفَرْض.
الْأَخْفَش : أَيْ جَعَلَ اللَّه لَهُمْ نَصِيبًا.
وَالْمَفْرُوض : الْمُقَدَّر الْوَاجِب.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآن عِضِينَ " [ الْحِجْر : ٩١ ].
وَقَالَ تَعَالَى :" غَيْر مُضَارّ " [ النِّسَاء : ١٢ ] فَنَفَى الْمُضَارَّة.
وَكَذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا ضَرَر وَلَا ضِرَار ).
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآيَة لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّض لِلْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا اِقْتَضَتْ الْآيَة وُجُوب الْحَظّ وَالنَّصِيب لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِير قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، رَدًّا عَلَى الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ :" لِلرِّجَالِ نَصِيب " " وَلِلنِّسَاءِ نَصِيب " [ النِّسَاء : ٣٢ ] وَهَذَا ظَاهِر جِدًّا.
فَأَمَّا إِبْرَاز ذَلِكَ النَّصِيب فَإِنَّمَا يُؤْخَذ مِنْ دَلِيل آخَر ; وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُول الْوَارِث : قَدْ وَجَبَ لِي نَصِيب بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَمَكِّنُونِي مِنْهُ ; فَيَقُول لَهُ شَرِيكُهُ : أَمَّا تَمْكِينك عَلَى الِاخْتِصَاص فَلَا يُمْكِن ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى ضَرَر بَيْنِي وَبَيْنَك مِنْ إِفْسَاد الْمَال، وَتَغْيِير الْهَيْئَة، وَتَنْقِيص الْقِيمَة ; فَيَقَع التَّرْجِيح.
وَالْأَظْهَر سُقُوط الْقِسْمَة فِيمَا يُبْطِل الْمَنْفَعَة وَيَنْقُص الْمَال مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلِيل.
وَاَللَّه الْمُوَفِّق.
قَالَ الْفَرَّاء :" نَصِيبًا مَفْرُوضًا " هُوَ كَقَوْلِك : قَسْمًا وَاجِبًا، وَحَقًّا لَازِمًا ; فَهُوَ اِسْم فِي مَعْنَى الْمَصْدَر فَلِهَذَا اِنْتَصَبَ.
الزَّجَّاج : اِنْتَصَبَ عَلَى الْحَال.
أَيْ لِهَؤُلَاءِ أَنْصِبَاء فِي حَال الْفَرْض.
الْأَخْفَش : أَيْ جَعَلَ اللَّه لَهُمْ نَصِيبًا.
وَالْمَفْرُوض : الْمُقَدَّر الْوَاجِب.
وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ
بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا إِرْثًا وَحَضَرَ الْقِسْمَة، وَكَانَ مِنْ الْأَقَارِب أَوْ الْيَتَامَى وَالْفُقَرَاء الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ أَنْ يُكْرَمُوا وَلَا يُحْرَمُوا، إِنْ كَانَ الْمَال كَثِيرًا ; وَالِاعْتِذَار إِلَيْهِمْ إِنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ قَلِيلًا لَا يَقْبَلُ الرَّضْخَ.
( وَإِنْ كَانَ عَطَاء مِنْ الْقَلِيل فَفِيهِ أَجْرٌ عَظِيمٌ ; دِرْهَمٌ يَسْبِقُ مِائَةَ أَلْفٍ ).
فَالْآيَة عَلَى هَذَا الْقَوْل مُحْكَمَة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَامْتَثَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ : عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَغَيْره، وَأَمَرَ بِهِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهَا مَنْسُوخَة نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى :" يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " [ النِّسَاء : ١١ ] ) وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : نَسَخَهَا آيَة الْمِيرَاث وَالْوَصِيَّة.
وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّهَا مَنْسُوخَة أَبُو مَالِك وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك.
وَالْأَوَّل أَصَحّ ; فَإِنَّهَا مُبَيِّنَة اِسْتِحْقَاق الْوَرَثَة لِنَصِيبِهِمْ، وَاسْتِحْبَاب الْمُشَارَكَة لِمَنْ لَا نَصِيب لَهُ مِمَّنْ حَضَرَهُمْ.
قَالَ اِبْن جُبَيْر : ضَيَّعَ النَّاس هَذِهِ الْآيَة.
قَالَ الْحَسَن : وَلَكِنَّ النَّاسَ شَحُّوا.
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى :" وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين " قَالَ :( هِيَ مُحْكَمَة وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ ).
وَفِي رِوَايَة قَالَ :( إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نُسِخَتْ، لَا وَاَللَّهِ مَا نُسِخَتْ وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ بِهَا ; هُمَا وَالِيَانِ : وَالٍ يَرِث وَذَلِكَ الَّذِي يَرْزُق، وَوَالٍ لَا يَرِث وَذَلِكَ الَّذِي يَقُول بِالْمَعْرُوفِ، وَيَقُول : لَا أَمْلِك لَك أَنْ أُعْطِيَك ).
قَالَ اِبْن عَبَّاس :( أَمَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عِنْد قِسْمَة مَوَارِيثهمْ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ، وَيَتَامَاهُمْ وَمَسَاكِينَهُمْ مِنْ الْوَصِيَّة، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ وَصَلَ لَهُمْ مِنْ الْمِيرَاث ).
قَالَ النَّحَّاس : فَهَذَا أَحْسَن مَا قِيلَ فِي الْآيَة، أَنْ يَكُون عَلَى النَّدْب وَالتَّرْغِيب فِي فِعْل الْخَيْر، وَالشُّكْر لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَتْ طَائِفَة : هَذَا الرَّضْخ وَاجِب عَلَى جِهَة الْفَرْض، تُعْطِي الْوَرَثَة لِهَذِهِ الْأَصْنَاف مَا طَابَتْ بِهِ نُفُوسهمْ، كَالْمَاعُونِ وَالثَّوْب الْخَلِق وَمَا خَفَّ.
حَكَى هَذَا الْقَوْل اِبْن عَطِيَّة وَالْقُشَيْرِيّ.
وَالصَّحِيح أَنَّ هَذَا عَلَى النَّدْب ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ اِسْتِحْقَاقًا فِي التَّرِكَة وَمُشَارَكَة فِي الْمِيرَاث، لِأَحَدِ الْجِهَتَيْنِ مَعْلُومٌ وَلِلْآخَرِ مَجْهُولٌ.
وَذَلِكَ مُنَاقِض لِلْحِكْمَةِ، وَسَبَب لِلتَّنَازُعِ وَالتَّقَاطُع.
وَذَهَبَتْ فِرْقَة إِلَى أَنَّ الْمُخَاطَب وَالْمُرَاد فِي الْآيَة الْمُحْتَضَرُونَ الَّذِينَ يَقْسِمُونَ أَمْوَالهمْ بِالْوَصِيَّةِ، لَا الْوَرَثَة.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَابْن زَيْد.
بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا إِرْثًا وَحَضَرَ الْقِسْمَة، وَكَانَ مِنْ الْأَقَارِب أَوْ الْيَتَامَى وَالْفُقَرَاء الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ أَنْ يُكْرَمُوا وَلَا يُحْرَمُوا، إِنْ كَانَ الْمَال كَثِيرًا ; وَالِاعْتِذَار إِلَيْهِمْ إِنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ قَلِيلًا لَا يَقْبَلُ الرَّضْخَ.
( وَإِنْ كَانَ عَطَاء مِنْ الْقَلِيل فَفِيهِ أَجْرٌ عَظِيمٌ ; دِرْهَمٌ يَسْبِقُ مِائَةَ أَلْفٍ ).
فَالْآيَة عَلَى هَذَا الْقَوْل مُحْكَمَة ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَامْتَثَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ : عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَغَيْره، وَأَمَرَ بِهِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهَا مَنْسُوخَة نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى :" يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ " [ النِّسَاء : ١١ ] ) وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : نَسَخَهَا آيَة الْمِيرَاث وَالْوَصِيَّة.
وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّهَا مَنْسُوخَة أَبُو مَالِك وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك.
وَالْأَوَّل أَصَحّ ; فَإِنَّهَا مُبَيِّنَة اِسْتِحْقَاق الْوَرَثَة لِنَصِيبِهِمْ، وَاسْتِحْبَاب الْمُشَارَكَة لِمَنْ لَا نَصِيب لَهُ مِمَّنْ حَضَرَهُمْ.
قَالَ اِبْن جُبَيْر : ضَيَّعَ النَّاس هَذِهِ الْآيَة.
قَالَ الْحَسَن : وَلَكِنَّ النَّاسَ شَحُّوا.
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى :" وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين " قَالَ :( هِيَ مُحْكَمَة وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ ).
وَفِي رِوَايَة قَالَ :( إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نُسِخَتْ، لَا وَاَللَّهِ مَا نُسِخَتْ وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ بِهَا ; هُمَا وَالِيَانِ : وَالٍ يَرِث وَذَلِكَ الَّذِي يَرْزُق، وَوَالٍ لَا يَرِث وَذَلِكَ الَّذِي يَقُول بِالْمَعْرُوفِ، وَيَقُول : لَا أَمْلِك لَك أَنْ أُعْطِيَك ).
قَالَ اِبْن عَبَّاس :( أَمَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عِنْد قِسْمَة مَوَارِيثهمْ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ، وَيَتَامَاهُمْ وَمَسَاكِينَهُمْ مِنْ الْوَصِيَّة، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ وَصَلَ لَهُمْ مِنْ الْمِيرَاث ).
قَالَ النَّحَّاس : فَهَذَا أَحْسَن مَا قِيلَ فِي الْآيَة، أَنْ يَكُون عَلَى النَّدْب وَالتَّرْغِيب فِي فِعْل الْخَيْر، وَالشُّكْر لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَتْ طَائِفَة : هَذَا الرَّضْخ وَاجِب عَلَى جِهَة الْفَرْض، تُعْطِي الْوَرَثَة لِهَذِهِ الْأَصْنَاف مَا طَابَتْ بِهِ نُفُوسهمْ، كَالْمَاعُونِ وَالثَّوْب الْخَلِق وَمَا خَفَّ.
حَكَى هَذَا الْقَوْل اِبْن عَطِيَّة وَالْقُشَيْرِيّ.
وَالصَّحِيح أَنَّ هَذَا عَلَى النَّدْب ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ اِسْتِحْقَاقًا فِي التَّرِكَة وَمُشَارَكَة فِي الْمِيرَاث، لِأَحَدِ الْجِهَتَيْنِ مَعْلُومٌ وَلِلْآخَرِ مَجْهُولٌ.
وَذَلِكَ مُنَاقِض لِلْحِكْمَةِ، وَسَبَب لِلتَّنَازُعِ وَالتَّقَاطُع.
وَذَهَبَتْ فِرْقَة إِلَى أَنَّ الْمُخَاطَب وَالْمُرَاد فِي الْآيَة الْمُحْتَضَرُونَ الَّذِينَ يَقْسِمُونَ أَمْوَالهمْ بِالْوَصِيَّةِ، لَا الْوَرَثَة.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَابْن زَيْد.
( فَإِذَا أَرَادَ الْمَرِيض أَنْ يُفَرِّق مَالَهُ بِالْوَصَايَا وَحَضَرَهُ مَنْ لَا يَرِث يَنْبَغِي لَهُ أَلَّا يَحْرِمهُ ).
وَهَذَا وَاَللَّه أَعْلَم - يَتَنَزَّل حَيْثُ كَانَتْ الْوَصِيَّة وَاجِبَة، وَلَمْ تَنْزِل آيَة الْمِيرَاث.
وَالصَّحِيح الْأَوَّل وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّل.
فَإِذَا كَانَ الْوَارِث صَغِيرًا لَا يَتَصَرَّف فِي مَاله ; فَقَالَتْ طَائِفَة : يُعْطَى وَلِيّ الْوَارِث الصَّغِير مِنْ مَال مَحْجُورِهِ بِقَدْرِ مَا يَرَى.
وَقِيلَ : لَا يُعْطَى بَلْ يَقُول لِمَنْ حَضَرَ الْقِسْمَة : لَيْسَ لِي شَيْء مِنْ هَذَا الْمَال إِنَّمَا هُوَ لِلْيَتِيمِ، فَإِذَا بَلَغَ عَرَّفْته حَقَّكُمْ.
فَهَذَا هُوَ الْقَوْل الْمَعْرُوف.
وَهَذَا إِذَا لَمْ يُوصِ الْمَيِّت لَهُ بِشَيْءٍ ; فَإِنْ أَوْصَى يُصْرَف لَهُ مَا أَوْصَى.
وَرَأَى عَبِيدَة وَمُحَمَّد بْن سِيرِينَ أَنَّ الرِّزْق فِي هَذِهِ الْآيَة أَنْ يَصْنَع لَهُمْ طَعَامًا يَأْكُلُونَهُ ; وَفَعَلَا ذَلِكَ، ذَبَحَا شَاة مِنْ التَّرِكَة، وَقَالَ عَبِيدَة : لَوْلَا هَذِهِ الْآيَة لَكَانَ هَذَا مِنْ مَالِي.
وَرَوَى قَتَادَة عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَرَ قَالَ : ثَلَاث مُحْكَمَات تَرَكَهُنَّ النَّاس : هَذِهِ الْآيَة، وَآيَة الِاسْتِئْذَان " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " [ النُّور : ٥٨ ]، وَقَوْله :" يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى " [ الْحُجُرَات : ١٣ ].
وَهَذَا وَاَللَّه أَعْلَم - يَتَنَزَّل حَيْثُ كَانَتْ الْوَصِيَّة وَاجِبَة، وَلَمْ تَنْزِل آيَة الْمِيرَاث.
وَالصَّحِيح الْأَوَّل وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّل.
فَإِذَا كَانَ الْوَارِث صَغِيرًا لَا يَتَصَرَّف فِي مَاله ; فَقَالَتْ طَائِفَة : يُعْطَى وَلِيّ الْوَارِث الصَّغِير مِنْ مَال مَحْجُورِهِ بِقَدْرِ مَا يَرَى.
وَقِيلَ : لَا يُعْطَى بَلْ يَقُول لِمَنْ حَضَرَ الْقِسْمَة : لَيْسَ لِي شَيْء مِنْ هَذَا الْمَال إِنَّمَا هُوَ لِلْيَتِيمِ، فَإِذَا بَلَغَ عَرَّفْته حَقَّكُمْ.
فَهَذَا هُوَ الْقَوْل الْمَعْرُوف.
وَهَذَا إِذَا لَمْ يُوصِ الْمَيِّت لَهُ بِشَيْءٍ ; فَإِنْ أَوْصَى يُصْرَف لَهُ مَا أَوْصَى.
وَرَأَى عَبِيدَة وَمُحَمَّد بْن سِيرِينَ أَنَّ الرِّزْق فِي هَذِهِ الْآيَة أَنْ يَصْنَع لَهُمْ طَعَامًا يَأْكُلُونَهُ ; وَفَعَلَا ذَلِكَ، ذَبَحَا شَاة مِنْ التَّرِكَة، وَقَالَ عَبِيدَة : لَوْلَا هَذِهِ الْآيَة لَكَانَ هَذَا مِنْ مَالِي.
وَرَوَى قَتَادَة عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَرَ قَالَ : ثَلَاث مُحْكَمَات تَرَكَهُنَّ النَّاس : هَذِهِ الْآيَة، وَآيَة الِاسْتِئْذَان " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " [ النُّور : ٥٨ ]، وَقَوْله :" يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى " [ الْحُجُرَات : ١٣ ].
فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ
الضَّمِير عَائِد عَلَى مَعْنَى الْقِسْمَة ; إِذْ هِيَ بِمَعْنَى الْمَال وَالْمِيرَاث ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" ثُمَّ اِسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاء أَخِيهِ " [ يُوسُف : ٧٦ ] أَيْ السِّقَايَة ; لِأَنَّ الصُّوَاع مُذَكَّر.
وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّه حِجَاب ) فَأَعَادَ مُذَكَّرًا عَلَى مَعْنَى الدُّعَاء.
وَكَذَلِكَ قَوْله لِسُوَيْدِ بْن طَارِق الْجُعْفِيّ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ الْخَمْر ( إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاء ) فَأَعَادَ الضَّمِير عَلَى مَعْنَى الشَّرَاب.
وَمِثْله كَثِير.
يُقَال : قَاسَمَهُ الْمَال وَتَقَاسَمَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ، وَالِاسْم الْقِسْمَة مُؤَنَّثَة ; وَالْقَسْم مَصْدَر قَسَمْت الشَّيْء فَانْقَسَمَ، وَالْمَوْضِع مَقْسِم مِثْل مَجْلِس، وَتَقَسَّمَهُمْ الدَّهْر فَتَقَسَّمُوا، أَيْ فَرَّقَهُمْ فَتَفَرَّقُوا.
وَالتَّقْسِيم التَّفْرِيق.
وَاَللَّه أَعْلَم.
الضَّمِير عَائِد عَلَى مَعْنَى الْقِسْمَة ; إِذْ هِيَ بِمَعْنَى الْمَال وَالْمِيرَاث ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" ثُمَّ اِسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاء أَخِيهِ " [ يُوسُف : ٧٦ ] أَيْ السِّقَايَة ; لِأَنَّ الصُّوَاع مُذَكَّر.
وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّه حِجَاب ) فَأَعَادَ مُذَكَّرًا عَلَى مَعْنَى الدُّعَاء.
وَكَذَلِكَ قَوْله لِسُوَيْدِ بْن طَارِق الْجُعْفِيّ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ الْخَمْر ( إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاء ) فَأَعَادَ الضَّمِير عَلَى مَعْنَى الشَّرَاب.
وَمِثْله كَثِير.
يُقَال : قَاسَمَهُ الْمَال وَتَقَاسَمَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ، وَالِاسْم الْقِسْمَة مُؤَنَّثَة ; وَالْقَسْم مَصْدَر قَسَمْت الشَّيْء فَانْقَسَمَ، وَالْمَوْضِع مَقْسِم مِثْل مَجْلِس، وَتَقَسَّمَهُمْ الدَّهْر فَتَقَسَّمُوا، أَيْ فَرَّقَهُمْ فَتَفَرَّقُوا.
وَالتَّقْسِيم التَّفْرِيق.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : يُقَال لَهُمْ خُذُوا بُورِكَ لَكُمْ.
وَقِيلَ : قُولُوا مَعَ الرِّزْق وَدِدْت أَنْ لَوْ كَانَ أَكْثَر مِنْ هَذَا.
وَقِيلَ : لَا حَاجَة مَعَ الرِّزْق إِلَى عُذْر، نَعَمْ إِنْ لَمْ يُصْرَف إِلَيْهِمْ شَيْء فَلَا أَقَلَّ مِنْ قَوْل جَمِيل وَنَوْع اِعْتِذَار.
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : يُقَال لَهُمْ خُذُوا بُورِكَ لَكُمْ.
وَقِيلَ : قُولُوا مَعَ الرِّزْق وَدِدْت أَنْ لَوْ كَانَ أَكْثَر مِنْ هَذَا.
وَقِيلَ : لَا حَاجَة مَعَ الرِّزْق إِلَى عُذْر، نَعَمْ إِنْ لَمْ يُصْرَف إِلَيْهِمْ شَيْء فَلَا أَقَلَّ مِنْ قَوْل جَمِيل وَنَوْع اِعْتِذَار.
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ
قَوْله تَعَالَى :" وَلْيَخْشَ " حُذِفَتْ الْأَلِف مِنْ " لِيَخْشَ " لِلْجَزْمِ بِالْأَمْرِ، وَلَا يَجُوز عِنْد سِيبَوَيْهِ إِضْمَار لَام الْأَمْر قِيَاسًا عَلَى حُرُوف الْجَرّ إِلَّا فِي ضَرُورَة الشِّعْر.
وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ حَذْف اللَّام مَعَ الْجَزْم ; وَأَنْشَدَ الْجُمَيْع :
أَرَادَ لِتَفْدِ، وَمَفْعُول " يَخْشَ " مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ.
و " خَافُوا " جَوَابُ " لَوْ ".
التَّقْدِير لَوْ تَرَكُوا لَخَافُوا.
وَيَجُوز حَذْف اللَّام فِي جَوَاب " لَوْ ".
وَهَذِهِ الْآيَة قَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيلهَا ; فَقَالَتْ طَائِفَةٌ :( هَذَا وَعْظٌ لِلْأَوْصِيَاءِ، أَيْ اِفْعَلُوا بِالْيَتَامَى مَا تُحِبُّونَ أَنْ يُفْعَل بِأَوْلَادِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ ) ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَلِهَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا " [ النِّسَاء : ١٠ ].
وَقَالَتْ طَائِفَة : الْمُرَاد جَمِيع النَّاس، أَمَرَهُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّه فِي الْأَيْتَام وَأَوْلَاد النَّاس ; وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي حُجُورِهِمْ.
وَأَنْ يُشَدِّدُوا لَهُمْ الْقَوْلَ كَمَا يُرِيد كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ أَنْ يُفْعَل بِوَلَدِهِ بَعْدَهُ.
وَمِنْ هَذَا مَا حَكَاهُ الشَّيْبَانِيّ قَالَ : كُنَّا عَلَى قُسْطَنْطِينِيَّة فِي عَسْكَر مَسْلَمَة بْن عَبْد الْمَلِك، فَجَلَسْنَا يَوْمًا فِي جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم فِيهِمْ اِبْن الدَّيْلَمِيّ، فَتَذَاكَرُوا مَا يَكُون مِنْ أَهْوَال آخِر الزَّمَان.
فَقُلْت لَهُ : يَا أَبَا بِشْر، وُدِّي أَلَّا يَكُونَ لِي وَلَد.
فَقَالَ لِي : مَا عَلَيْك ! مَا مِنْ نَسَمَة قَضَى اللَّه بِخُرُوجِهَا مِنْ رَجُل إِلَّا خَرَجَتْ، أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْت أَنْ تَأْمَنَ عَلَيْهِمْ فَاتَّقِ اللَّه فِي غَيْرهمْ ; ثُمَّ تَلَا الْآيَة.
وَفِي رِوَايَة : أَلَا أَدُلُّك عَلَى أَمْر إِنْ أَنْتَ أَدْرَكْته نَجَّاك اللَّه مِنْهُ، وَإِنْ تَرَكْت وَلَدًا مِنْ بَعْدك حَفِظَهُمْ اللَّه فِيك ؟ فَقُلْت : بَلَى ! فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة " وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا " إِلَى آخِرهَا.
قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَى مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ أَحْسَنَ الصَّدَقَةَ جَازَ عَلَى الصِّرَاط وَمَنْ قَضَى حَاجَةَ أَرْمَلَة أَخْلَفَ اللَّه فِي تَرِكَتِهِ ).
وَقَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : هَذَا فِي الرَّجُل يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ فَيَقُول لَهُ مَنْ بِحَضْرَتِهِ عِنْد وَصِيَّتِهِ : إِنَّ اللَّه سَيَرْزُقُ وَلَدَك فَانْظُرْ لِنَفْسِك، وَأَوْصِ بِمَالِك فِي سَبِيل اللَّه، وَتَصَدَّقْ وَأَعْتِقْ.
حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى عَامَّةِ مَالِهِ أَوْ يَسْتَغْرِقَهُ فَيَضُرّ ذَلِكَ بِوَرَثَتِهِ ; فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.
قَوْله تَعَالَى :" وَلْيَخْشَ " حُذِفَتْ الْأَلِف مِنْ " لِيَخْشَ " لِلْجَزْمِ بِالْأَمْرِ، وَلَا يَجُوز عِنْد سِيبَوَيْهِ إِضْمَار لَام الْأَمْر قِيَاسًا عَلَى حُرُوف الْجَرّ إِلَّا فِي ضَرُورَة الشِّعْر.
وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ حَذْف اللَّام مَعَ الْجَزْم ; وَأَنْشَدَ الْجُمَيْع :
مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَك كُلُّ نَفْسٍ | إِذَا مَا خِفْت مِنْ شَيْءٍ تَبَالَا |
و " خَافُوا " جَوَابُ " لَوْ ".
التَّقْدِير لَوْ تَرَكُوا لَخَافُوا.
وَيَجُوز حَذْف اللَّام فِي جَوَاب " لَوْ ".
وَهَذِهِ الْآيَة قَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيلهَا ; فَقَالَتْ طَائِفَةٌ :( هَذَا وَعْظٌ لِلْأَوْصِيَاءِ، أَيْ اِفْعَلُوا بِالْيَتَامَى مَا تُحِبُّونَ أَنْ يُفْعَل بِأَوْلَادِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ ) ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَلِهَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا " [ النِّسَاء : ١٠ ].
وَقَالَتْ طَائِفَة : الْمُرَاد جَمِيع النَّاس، أَمَرَهُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّه فِي الْأَيْتَام وَأَوْلَاد النَّاس ; وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي حُجُورِهِمْ.
وَأَنْ يُشَدِّدُوا لَهُمْ الْقَوْلَ كَمَا يُرِيد كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ أَنْ يُفْعَل بِوَلَدِهِ بَعْدَهُ.
وَمِنْ هَذَا مَا حَكَاهُ الشَّيْبَانِيّ قَالَ : كُنَّا عَلَى قُسْطَنْطِينِيَّة فِي عَسْكَر مَسْلَمَة بْن عَبْد الْمَلِك، فَجَلَسْنَا يَوْمًا فِي جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم فِيهِمْ اِبْن الدَّيْلَمِيّ، فَتَذَاكَرُوا مَا يَكُون مِنْ أَهْوَال آخِر الزَّمَان.
فَقُلْت لَهُ : يَا أَبَا بِشْر، وُدِّي أَلَّا يَكُونَ لِي وَلَد.
فَقَالَ لِي : مَا عَلَيْك ! مَا مِنْ نَسَمَة قَضَى اللَّه بِخُرُوجِهَا مِنْ رَجُل إِلَّا خَرَجَتْ، أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْت أَنْ تَأْمَنَ عَلَيْهِمْ فَاتَّقِ اللَّه فِي غَيْرهمْ ; ثُمَّ تَلَا الْآيَة.
وَفِي رِوَايَة : أَلَا أَدُلُّك عَلَى أَمْر إِنْ أَنْتَ أَدْرَكْته نَجَّاك اللَّه مِنْهُ، وَإِنْ تَرَكْت وَلَدًا مِنْ بَعْدك حَفِظَهُمْ اللَّه فِيك ؟ فَقُلْت : بَلَى ! فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة " وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا " إِلَى آخِرهَا.
قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَى مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( مَنْ أَحْسَنَ الصَّدَقَةَ جَازَ عَلَى الصِّرَاط وَمَنْ قَضَى حَاجَةَ أَرْمَلَة أَخْلَفَ اللَّه فِي تَرِكَتِهِ ).
وَقَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : هَذَا فِي الرَّجُل يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ فَيَقُول لَهُ مَنْ بِحَضْرَتِهِ عِنْد وَصِيَّتِهِ : إِنَّ اللَّه سَيَرْزُقُ وَلَدَك فَانْظُرْ لِنَفْسِك، وَأَوْصِ بِمَالِك فِي سَبِيل اللَّه، وَتَصَدَّقْ وَأَعْتِقْ.
حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى عَامَّةِ مَالِهِ أَوْ يَسْتَغْرِقَهُ فَيَضُرّ ذَلِكَ بِوَرَثَتِهِ ; فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.
فَكَأَنَّ الْآيَة تَقُول لَهُمْ :( كَمَا تَخْشَوْنَ عَلَى وَرَثَتكُمْ وَذُرِّيَّتِكُمْ بَعْدَكُمْ، فَكَذَلِكَ فَاخْشَوْا عَلَى وَرَثَة غَيْركُمْ وَلَا تَحْمِلُوهُ عَلَى تَبْذِير مَالِهِ ) ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَابْن جُبَيْر وَالضَّحَّاك وَمُجَاهِد.
رَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ :( إِذَا حَضَرَ الرَّجُلُ الْوَصِيَّةَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُول أَوْصِ بِمَالِك فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَازِقٌ وَلَدَك، وَلَكِنْ يَقُول قَدِّمْ لِنَفْسِك وَاتْرُكْ لِوَلَدِك ) ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" فَلْيَتَّقُوا اللَّه ".
وَقَالَ مِقْسَم وَحَضْرَمِيّ : نَزَلَتْ فِي عَكْس هَذَا، وَهُوَ أَنْ يَقُول لِلْمُحْتَضَرِ مَنْ يَحْضُرُهُ : أَمْسِكْ عَلَى وَرَثَتِك، وَأَبْقِ لِوَلَدِك فَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِمَالِك مِنْ أَوْلَادِك، وَيَنْهَاهُ عَنْ الْوَصِيَّة، فَيَتَضَرَّر بِذَلِكَ ذَوُو الْقُرْبَى وَكُلّ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصَى لَهُ ; فَقِيلَ لَهُمْ : كَمَا تَخْشَوْنَ عَلَى ذُرِّيَّتكُمْ وَتُسَرُّونَ بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَيْهِمْ، فَكَذَلِكَ سَدِّدُوا الْقَوْل فِي جِهَة الْمَسَاكِين وَالْيَتَامَى، وَاتَّقُوا اللَّه فِي ضَرَرِهِمْ.
وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى وَقْت وُجُوب الْوَصِيَّة قَبْل نُزُول آيَة الْمَوَارِيث ; رُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَابْن الْمُسَيِّب.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ لَا يَطَّرِدُ وَاحِد مِنْهُمَا فِي كُلّ النَّاس، بَلْ النَّاس صِنْفَانِ ; يَصْلُح لِأَحَدِهِمَا الْقَوْل الْوَاحِد، وَلِآخَر الْقَوْل الثَّانِي.
وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُل إِذَا تَرَكَ وَرَثَته مُسْتَقِلِّينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَغْنِيَاء حَسُنَ أَنْ يُنْدَب إِلَى الْوَصِيَّة، وَيُحْمَل عَلَى أَنْ يُقَدِّم لِنَفْسِهِ.
وَإِذَا تَرَكَ وَرَثَة ضُعَفَاء مُهْمَلِينَ مُقِلِّينَ حَسُنَ أَنْ يُنْدَب إِلَى التَّرْك لَهُمْ وَالِاحْتِيَاط ; فَإِنَّ أَجْرَهُ فِي قَصْد ذَلِكَ كَأَجْرِهِ فِي الْمَسَاكِين، فَالْمُرَاعَاة إِنَّمَا هُوَ الضَّعْف فَيَجِب أَنْ يُمَال مَعَهُ.
قُلْت : وَهَذَا التَّفْصِيل صَحِيح ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام لِسَعْدٍ :( إِنَّك إِنْ تَذَرْ وَرَثَتك أَغْنِيَاء خَيْر مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس ).
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْإِنْسَانِ وَلَد، أَوْ كَانَ وَهُوَ غَنِيّ مُسْتَقِلّ بِنَفْسِهِ وَمَاله عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ أُمِنَ عَلَيْهِ ; فَالْأَوْلَى بِالْإِنْسَانِ حِينَئِذٍ تَقْدِيم مَاله بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى لَا يُنْفِقهُ مَنْ بَعْده فِيمَا لَا يَصْلُح، فَيَكُون وِزْرُهُ عَلَيْهِ.
رَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ :( إِذَا حَضَرَ الرَّجُلُ الْوَصِيَّةَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُول أَوْصِ بِمَالِك فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَازِقٌ وَلَدَك، وَلَكِنْ يَقُول قَدِّمْ لِنَفْسِك وَاتْرُكْ لِوَلَدِك ) ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" فَلْيَتَّقُوا اللَّه ".
وَقَالَ مِقْسَم وَحَضْرَمِيّ : نَزَلَتْ فِي عَكْس هَذَا، وَهُوَ أَنْ يَقُول لِلْمُحْتَضَرِ مَنْ يَحْضُرُهُ : أَمْسِكْ عَلَى وَرَثَتِك، وَأَبْقِ لِوَلَدِك فَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِمَالِك مِنْ أَوْلَادِك، وَيَنْهَاهُ عَنْ الْوَصِيَّة، فَيَتَضَرَّر بِذَلِكَ ذَوُو الْقُرْبَى وَكُلّ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصَى لَهُ ; فَقِيلَ لَهُمْ : كَمَا تَخْشَوْنَ عَلَى ذُرِّيَّتكُمْ وَتُسَرُّونَ بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَيْهِمْ، فَكَذَلِكَ سَدِّدُوا الْقَوْل فِي جِهَة الْمَسَاكِين وَالْيَتَامَى، وَاتَّقُوا اللَّه فِي ضَرَرِهِمْ.
وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى وَقْت وُجُوب الْوَصِيَّة قَبْل نُزُول آيَة الْمَوَارِيث ; رُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَابْن الْمُسَيِّب.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ لَا يَطَّرِدُ وَاحِد مِنْهُمَا فِي كُلّ النَّاس، بَلْ النَّاس صِنْفَانِ ; يَصْلُح لِأَحَدِهِمَا الْقَوْل الْوَاحِد، وَلِآخَر الْقَوْل الثَّانِي.
وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُل إِذَا تَرَكَ وَرَثَته مُسْتَقِلِّينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَغْنِيَاء حَسُنَ أَنْ يُنْدَب إِلَى الْوَصِيَّة، وَيُحْمَل عَلَى أَنْ يُقَدِّم لِنَفْسِهِ.
وَإِذَا تَرَكَ وَرَثَة ضُعَفَاء مُهْمَلِينَ مُقِلِّينَ حَسُنَ أَنْ يُنْدَب إِلَى التَّرْك لَهُمْ وَالِاحْتِيَاط ; فَإِنَّ أَجْرَهُ فِي قَصْد ذَلِكَ كَأَجْرِهِ فِي الْمَسَاكِين، فَالْمُرَاعَاة إِنَّمَا هُوَ الضَّعْف فَيَجِب أَنْ يُمَال مَعَهُ.
قُلْت : وَهَذَا التَّفْصِيل صَحِيح ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام لِسَعْدٍ :( إِنَّك إِنْ تَذَرْ وَرَثَتك أَغْنِيَاء خَيْر مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس ).
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْإِنْسَانِ وَلَد، أَوْ كَانَ وَهُوَ غَنِيّ مُسْتَقِلّ بِنَفْسِهِ وَمَاله عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ أُمِنَ عَلَيْهِ ; فَالْأَوْلَى بِالْإِنْسَانِ حِينَئِذٍ تَقْدِيم مَاله بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى لَا يُنْفِقهُ مَنْ بَعْده فِيمَا لَا يَصْلُح، فَيَكُون وِزْرُهُ عَلَيْهِ.
وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
السَّدِيد : الْعَدْل وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل ; أَيْ مُرُوا الْمَرِيض بِأَنْ يُخْرِج مِنْ مَاله مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوق الْوَاجِبَة، ثُمَّ يُوصِي لِقَرَابَتِهِ بِقَدْرِ مَا لَا يَضُرّ بِوَرَثَتِهِ الصِّغَار.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى قُولُوا لِلْمَيِّتِ قَوْلًا عَدْلًا، وَهُوَ أَنْ يُلَقِّنَهُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَأْمُرهُ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ يَقُول ذَلِكَ فِي نَفْسه حَتَّى يَسْمَع مِنْهُ وَيَتَلَقَّن.
هَكَذَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) وَلَمْ يَقُلْ مُرُوهُمْ ; لِأَنَّهُ لَوْ أُمِرَ بِذَلِكَ لَعَلَّهُ يَغْضَب وَيَجْحَد.
وَقِيلَ : الْمُرَاد الْيَتِيم ; أَنْ لَا يَنْهَرُوهُ وَلَا يَسْتَخِفُّوا بِهِ.
السَّدِيد : الْعَدْل وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل ; أَيْ مُرُوا الْمَرِيض بِأَنْ يُخْرِج مِنْ مَاله مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوق الْوَاجِبَة، ثُمَّ يُوصِي لِقَرَابَتِهِ بِقَدْرِ مَا لَا يَضُرّ بِوَرَثَتِهِ الصِّغَار.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى قُولُوا لِلْمَيِّتِ قَوْلًا عَدْلًا، وَهُوَ أَنْ يُلَقِّنَهُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَأْمُرهُ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ يَقُول ذَلِكَ فِي نَفْسه حَتَّى يَسْمَع مِنْهُ وَيَتَلَقَّن.
هَكَذَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) وَلَمْ يَقُلْ مُرُوهُمْ ; لِأَنَّهُ لَوْ أُمِرَ بِذَلِكَ لَعَلَّهُ يَغْضَب وَيَجْحَد.
وَقِيلَ : الْمُرَاد الْيَتِيم ; أَنْ لَا يَنْهَرُوهُ وَلَا يَسْتَخِفُّوا بِهِ.
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا
رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ غَطَفَان يُقَال لَهُ : مَرْثَد بْن زَيْد، وَلِيَ مَال اِبْن أَخِيهِ وَهُوَ يَتِيم صَغِير فَأَكَلَهُ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِ هَذِهِ الْآيَة، قَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان ; وَلِهَذَا قَالَ الْجُمْهُور : إِنَّ الْمُرَاد الْأَوْصِيَاء الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُمْ مِنْ مَال الْيَتِيم.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : نَزَلَتْ فِي الْكُفَّار الَّذِينَ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاء وَلَا الصِّغَار.
وَسُمِّيَ أَخْذ الْمَال عَلَى كُلّ وُجُوهِهِ أَكْلًا ; لَمَّا كَانَ الْمَقْصُود هُوَ الْأَكْل وَبِهِ أَكْثَرُ إِتْلَاف الْأَشْيَاء.
وَخَصَّ الْبُطُون بِالذِّكْرِ لِتَبْيِينِ نَقْصِهِمْ، وَالتَّشْنِيع عَلَيْهِمْ بِضِدِّ مَكَارِم الْأَخْلَاق.
وَسَمَّى الْمَأْكُول نَارًا بِمَا يَئُول إِلَيْهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنِّي أَرَانِي أَعْصِر خَمْرًا " [ يُوسُف : ٣٦ ] أَيْ عِنَبًا.
وَقِيلَ : نَارًا أَيْ حَرَامًا ; لِأَنَّ الْحَرَام يُوجِب النَّار، فَسَمَّاهُ اللَّه تَعَالَى بِاسْمِهِ.
وَرَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ قَالَ :( رَأَيْت قَوْمًا لَهُمْ مَشَافِر كَمَشَافِر الْإِبِل وَقَدْ وُكِّلَ بِهِمْ مَنْ يَأْخُذ بِمَشَافِرِهِمْ ثُمَّ يَجْعَل فِي أَفْوَاههمْ صَخْرًا مِنْ نَار يَخْرُج مِنْ أَسَافِلهمْ فَقُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ هُمْ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا ).
فَدَلَّ الْكِتَاب وَالسُّنَّة عَلَى أَنَّ أَكْل مَال الْيَتِيم مِنْ الْكَبَائِر.
وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اِجْتَنِبُوا السَّبْع الْمُوبِقَات ) وَذَكَرَ فِيهَا ( وَأَكْل مَال الْيَتِيم ).
رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ غَطَفَان يُقَال لَهُ : مَرْثَد بْن زَيْد، وَلِيَ مَال اِبْن أَخِيهِ وَهُوَ يَتِيم صَغِير فَأَكَلَهُ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِ هَذِهِ الْآيَة، قَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان ; وَلِهَذَا قَالَ الْجُمْهُور : إِنَّ الْمُرَاد الْأَوْصِيَاء الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُمْ مِنْ مَال الْيَتِيم.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : نَزَلَتْ فِي الْكُفَّار الَّذِينَ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاء وَلَا الصِّغَار.
وَسُمِّيَ أَخْذ الْمَال عَلَى كُلّ وُجُوهِهِ أَكْلًا ; لَمَّا كَانَ الْمَقْصُود هُوَ الْأَكْل وَبِهِ أَكْثَرُ إِتْلَاف الْأَشْيَاء.
وَخَصَّ الْبُطُون بِالذِّكْرِ لِتَبْيِينِ نَقْصِهِمْ، وَالتَّشْنِيع عَلَيْهِمْ بِضِدِّ مَكَارِم الْأَخْلَاق.
وَسَمَّى الْمَأْكُول نَارًا بِمَا يَئُول إِلَيْهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنِّي أَرَانِي أَعْصِر خَمْرًا " [ يُوسُف : ٣٦ ] أَيْ عِنَبًا.
وَقِيلَ : نَارًا أَيْ حَرَامًا ; لِأَنَّ الْحَرَام يُوجِب النَّار، فَسَمَّاهُ اللَّه تَعَالَى بِاسْمِهِ.
وَرَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ قَالَ :( رَأَيْت قَوْمًا لَهُمْ مَشَافِر كَمَشَافِر الْإِبِل وَقَدْ وُكِّلَ بِهِمْ مَنْ يَأْخُذ بِمَشَافِرِهِمْ ثُمَّ يَجْعَل فِي أَفْوَاههمْ صَخْرًا مِنْ نَار يَخْرُج مِنْ أَسَافِلهمْ فَقُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ هُمْ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا ).
فَدَلَّ الْكِتَاب وَالسُّنَّة عَلَى أَنَّ أَكْل مَال الْيَتِيم مِنْ الْكَبَائِر.
وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اِجْتَنِبُوا السَّبْع الْمُوبِقَات ) وَذَكَرَ فِيهَا ( وَأَكْل مَال الْيَتِيم ).
وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا
وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَعَاصِم فِي رِوَايَة اِبْن عَبَّاس بِضَمِّ الْيَاء عَلَى اِسْم مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ ; مِنْ أَصْلَاهُ اللَّه حَرّ النَّار إِصْلَاء.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" سَأُصْلِيهِ سَقَر " [ الْمُدَّثِّر : ٢٦ ].
وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الصَّاد وَتَشْدِيد اللَّام مِنْ التَّصْلِيَة لِكَثْرَةِ الْفِعْل مَرَّة بَعْد أُخْرَى.
دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" ثُمَّ الْجَحِيم صَلُّوهُ " [ الْحَاقَّة : ٣١ ].
وَمِنْهُ قَوْلهمْ : صَلَّيْته مَرَّة بَعْد أُخْرَى.
وَتَصَلَّيْتُ : اِسْتَدْفَأْت بِالنَّارِ.
قَالَ :
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ صَلِيَ النَّار يَصْلَاهَا صَلًى وَصِلَاءً.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى " [ اللَّيْل : ١٥ ].
وَالصِّلَاء هُوَ التَّسَخُّن بِقُرْبِ النَّار أَوْ مُبَاشَرَتهَا ; وَمِنْهُ قَوْل الْحَارِث بْن عَبَّاد :
وَالسَّعِير : الْجَمْر الْمُشْتَعِل.
وَهَذِهِ آيَة مِنْ آيَات الْوَعِيد، وَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ يُكَفِّر بِالذُّنُوبِ.
وَاَلَّذِي يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ ذَلِكَ نَافِذٌ عَلَى بَعْض الْعُصَاة فَيَصْلَى ثُمَّ يَحْتَرِق وَيَمُوت ; بِخِلَافِ أَهْل النَّار لَا يَمُوتُونَ وَلَا يَحْيَوْنَ، فَكَأَنَّ هَذَا جَمْع بَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لِئَلَّا يَقَع الْخَبَر فِيهِمَا عَلَى خِلَاف مَخْبَرِهِ، سَاقِطٌ بِالْمَشِيئَةِ عَنْ بَعْضهمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء " [ النِّسَاء : ٤٨ ].
وَهَكَذَا الْقَوْل فِي كُلّ مَا يَرِد عَلَيْك مِنْ هَذَا الْمَعْنَى.
رَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَمَّا أَهْل النَّار الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ النَّار بِذُنُوبِهِمْ - أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ - فَأَمَاتَهُمْ اللَّه إِمَاتَة حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَار الْجَنَّة ثُمَّ قِيلَ يَا أَهْل الْجَنَّة أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيل السَّيْل ).
فَقَالَ رَجُل مِنْ الْقَوْم كَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَرْعَى بِالْبَادِيَةِ.
وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَعَاصِم فِي رِوَايَة اِبْن عَبَّاس بِضَمِّ الْيَاء عَلَى اِسْم مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ ; مِنْ أَصْلَاهُ اللَّه حَرّ النَّار إِصْلَاء.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" سَأُصْلِيهِ سَقَر " [ الْمُدَّثِّر : ٢٦ ].
وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الصَّاد وَتَشْدِيد اللَّام مِنْ التَّصْلِيَة لِكَثْرَةِ الْفِعْل مَرَّة بَعْد أُخْرَى.
دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" ثُمَّ الْجَحِيم صَلُّوهُ " [ الْحَاقَّة : ٣١ ].
وَمِنْهُ قَوْلهمْ : صَلَّيْته مَرَّة بَعْد أُخْرَى.
وَتَصَلَّيْتُ : اِسْتَدْفَأْت بِالنَّارِ.
قَالَ :
وَقَدْ تَصَلَّيْتُ حَرَّ حَرْبِهِمْ | كَمَا تَصَلَّى الْمَقْرُورُ مِنْ قَرَسِ |
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى " [ اللَّيْل : ١٥ ].
وَالصِّلَاء هُوَ التَّسَخُّن بِقُرْبِ النَّار أَوْ مُبَاشَرَتهَا ; وَمِنْهُ قَوْل الْحَارِث بْن عَبَّاد :
لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللَّهُ | إِنِّي لِحَرِّهَا الْيَوْمَ صَالِ |
وَهَذِهِ آيَة مِنْ آيَات الْوَعِيد، وَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ يُكَفِّر بِالذُّنُوبِ.
وَاَلَّذِي يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ ذَلِكَ نَافِذٌ عَلَى بَعْض الْعُصَاة فَيَصْلَى ثُمَّ يَحْتَرِق وَيَمُوت ; بِخِلَافِ أَهْل النَّار لَا يَمُوتُونَ وَلَا يَحْيَوْنَ، فَكَأَنَّ هَذَا جَمْع بَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لِئَلَّا يَقَع الْخَبَر فِيهِمَا عَلَى خِلَاف مَخْبَرِهِ، سَاقِطٌ بِالْمَشِيئَةِ عَنْ بَعْضهمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء " [ النِّسَاء : ٤٨ ].
وَهَكَذَا الْقَوْل فِي كُلّ مَا يَرِد عَلَيْك مِنْ هَذَا الْمَعْنَى.
رَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَمَّا أَهْل النَّار الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ النَّار بِذُنُوبِهِمْ - أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ - فَأَمَاتَهُمْ اللَّه إِمَاتَة حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَار الْجَنَّة ثُمَّ قِيلَ يَا أَهْل الْجَنَّة أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيل السَّيْل ).
فَقَالَ رَجُل مِنْ الْقَوْم كَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَرْعَى بِالْبَادِيَةِ.
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة مَا أَجْمَلَهُ فِي قَوْله :" لِلرِّجَالِ نَصِيب " [ النِّسَاء : ٣٢ ] و " لِلنِّسَاءِ نَصِيب " فَدَلَّ هَذَا عَلَى جَوَاز تَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت السُّؤَال.
وَهَذِهِ الْآيَة رُكْن مِنْ أَرْكَان الدِّين، وَعُمْدَةِ مِنْ عُمَد الْأَحْكَام، وَأُمّ مِنْ أُمَّهَات الْآيَات ; فَإِنَّ الْفَرَائِض عَظِيمَة الْقَدْر حَتَّى إِنَّهَا ثُلُث الْعِلْم، وَرُوِيَ نِصْف الْعِلْم.
وَهُوَ أَوَّل عِلْم يُنْزَع مِنْ النَّاس وَيُنْسَى.
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( تَعَلَّمُوا الْفَرَائِض وَعَلِّمُوهُ النَّاس فَإِنَّهُ نِصْف الْعِلْم وَهُوَ أَوَّل شَيْء يُنْسَى وَهُوَ أَوَّل شَيْء يُنْتَزَع مِنْ أُمَّتِي ).
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( تَعَلَّمُوا الْقُرْآن وَعَلِّمُوهُ النَّاس وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِض وَعَلِّمُوهَا النَّاس وَتَعَلَّمُوا الْعِلْم وَعَلِّمُوهُ النَّاس فَإِنِّي اِمْرُؤٌ مَقْبُوض وَإِنَّ الْعِلْم سَيُقْبَضُ وَتَظْهَر الْفِتَن حَتَّى يَخْتَلِف الِاثْنَانِ فِي الْفَرِيضَة لَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنهمَا ).
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرَائِض كَانَ جُلّ عِلْم الصَّحَابَة، وَعَظِيم مُنَاظَرَتهمْ، وَلَكِنَّ الْخَلْق ضَيَّعُوهُ.
وَقَدْ رَوَى مُطَرِّف عَنْ مَالِك، قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود :( مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ الْفَرَائِضَ وَالطَّلَاقَ وَالْحَجّ فَبِمَ يَفْضُلُ أَهْل الْبَادِيَة ؟ ) وَقَالَ اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك : كُنْت أَسْمَع رَبِيعَة يَقُول :( مَنْ تَعَلَّمَ الْفَرَائِض مِنْ غَيْر عِلْم بِهَا مِنْ الْقُرْآن مَا أَسْرَعَ مَا يَنْسَاهَا ).
قَالَ مَالِك : وَصَدَقَ.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْعِلْم ثَلَاثَة وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْل : آيَة مُحْكَمَة أَوْ سُنَّة قَائِمَة أَوْ فَرِيضَة عَادِلَة ).
قَالَ الْخَطَّابِيّ أَبُو سُلَيْمَان : الْآيَة الْمُحْكَمَة هِيَ كِتَاب اللَّه تَعَالَى : وَاشْتَرَطَ فِيهَا الْإِحْكَام ; لِأَنَّ مِنْ الْآي مَا هُوَ مَنْسُوخ لَا يُعْمَل بِهِ، وَإِنَّمَا يُعْمَل بِنَاسِخِهِ.
وَالسُّنَّة الْقَائِمَة هِيَ الثَّابِتَة مِمَّا جَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ السُّنَن الثَّابِتَة.
وَقَوْله :( أَوْ فَرِيضَة عَادِلَة ) يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ مِنْ التَّأْوِيل :
أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون مِنْ الْعَدْل فِي الْقِسْمَة ; فَتَكُون مُعَدَّلَة عَلَى الْأَنْصِبَاء وَالسِّهَام الْمَذْكُورَة فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة.
وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ تَكُون مُسْتَنْبَطَة مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَمِنْ مَعْنَاهُمَا ; فَتَكُون هَذِهِ الْفَرِيضَة تَعْدِل مَا أُخِذَ مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة إِذْ كَانَتْ فِي مَعْنَى مَا أُخِذَ عَنْهُمَا نَصًّا.
رَوَى عِكْرِمَة قَالَ : أَرْسَلَ اِبْن عَبَّاس إِلَى زَيْد بْن ثَابِت يَسْأَل عَنْ اِمْرَأَة تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا.
قَالَ : لِلزَّوْجِ النِّصْف، وَلِلْأُمِّ ثُلُث مَا بَقِيَ.
بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة مَا أَجْمَلَهُ فِي قَوْله :" لِلرِّجَالِ نَصِيب " [ النِّسَاء : ٣٢ ] و " لِلنِّسَاءِ نَصِيب " فَدَلَّ هَذَا عَلَى جَوَاز تَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت السُّؤَال.
وَهَذِهِ الْآيَة رُكْن مِنْ أَرْكَان الدِّين، وَعُمْدَةِ مِنْ عُمَد الْأَحْكَام، وَأُمّ مِنْ أُمَّهَات الْآيَات ; فَإِنَّ الْفَرَائِض عَظِيمَة الْقَدْر حَتَّى إِنَّهَا ثُلُث الْعِلْم، وَرُوِيَ نِصْف الْعِلْم.
وَهُوَ أَوَّل عِلْم يُنْزَع مِنْ النَّاس وَيُنْسَى.
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( تَعَلَّمُوا الْفَرَائِض وَعَلِّمُوهُ النَّاس فَإِنَّهُ نِصْف الْعِلْم وَهُوَ أَوَّل شَيْء يُنْسَى وَهُوَ أَوَّل شَيْء يُنْتَزَع مِنْ أُمَّتِي ).
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( تَعَلَّمُوا الْقُرْآن وَعَلِّمُوهُ النَّاس وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِض وَعَلِّمُوهَا النَّاس وَتَعَلَّمُوا الْعِلْم وَعَلِّمُوهُ النَّاس فَإِنِّي اِمْرُؤٌ مَقْبُوض وَإِنَّ الْعِلْم سَيُقْبَضُ وَتَظْهَر الْفِتَن حَتَّى يَخْتَلِف الِاثْنَانِ فِي الْفَرِيضَة لَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنهمَا ).
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرَائِض كَانَ جُلّ عِلْم الصَّحَابَة، وَعَظِيم مُنَاظَرَتهمْ، وَلَكِنَّ الْخَلْق ضَيَّعُوهُ.
وَقَدْ رَوَى مُطَرِّف عَنْ مَالِك، قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود :( مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ الْفَرَائِضَ وَالطَّلَاقَ وَالْحَجّ فَبِمَ يَفْضُلُ أَهْل الْبَادِيَة ؟ ) وَقَالَ اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك : كُنْت أَسْمَع رَبِيعَة يَقُول :( مَنْ تَعَلَّمَ الْفَرَائِض مِنْ غَيْر عِلْم بِهَا مِنْ الْقُرْآن مَا أَسْرَعَ مَا يَنْسَاهَا ).
قَالَ مَالِك : وَصَدَقَ.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( الْعِلْم ثَلَاثَة وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْل : آيَة مُحْكَمَة أَوْ سُنَّة قَائِمَة أَوْ فَرِيضَة عَادِلَة ).
قَالَ الْخَطَّابِيّ أَبُو سُلَيْمَان : الْآيَة الْمُحْكَمَة هِيَ كِتَاب اللَّه تَعَالَى : وَاشْتَرَطَ فِيهَا الْإِحْكَام ; لِأَنَّ مِنْ الْآي مَا هُوَ مَنْسُوخ لَا يُعْمَل بِهِ، وَإِنَّمَا يُعْمَل بِنَاسِخِهِ.
وَالسُّنَّة الْقَائِمَة هِيَ الثَّابِتَة مِمَّا جَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ السُّنَن الثَّابِتَة.
وَقَوْله :( أَوْ فَرِيضَة عَادِلَة ) يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ مِنْ التَّأْوِيل :
أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون مِنْ الْعَدْل فِي الْقِسْمَة ; فَتَكُون مُعَدَّلَة عَلَى الْأَنْصِبَاء وَالسِّهَام الْمَذْكُورَة فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة.
وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ تَكُون مُسْتَنْبَطَة مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَمِنْ مَعْنَاهُمَا ; فَتَكُون هَذِهِ الْفَرِيضَة تَعْدِل مَا أُخِذَ مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة إِذْ كَانَتْ فِي مَعْنَى مَا أُخِذَ عَنْهُمَا نَصًّا.
رَوَى عِكْرِمَة قَالَ : أَرْسَلَ اِبْن عَبَّاس إِلَى زَيْد بْن ثَابِت يَسْأَل عَنْ اِمْرَأَة تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا.
قَالَ : لِلزَّوْجِ النِّصْف، وَلِلْأُمِّ ثُلُث مَا بَقِيَ.
فَقَالَ : تَجِدُهُ فِي كِتَاب اللَّه أَوْ تَقُول بِرَأْيٍ ؟ قَالَ : أَقُولُهُ بِرَأْيٍ ; لَا أُفَضِّلُ أُمًّا عَلَى أَبٍ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان : فَهَذَا مِنْ بَاب تَعْدِيل الْفَرِيضَة إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصّ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ اِعْتَبَرَهَا بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :" وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُث ".
فَلَمَّا وَجَدَ نَصِيب الْأُمّ الثُّلُث، وَكَانَ بَاقِي الْمَال هُوَ الثُّلُثَانِ لِلْأَبِ، قَاسَ النِّصْف الْفَاضِل مِنْ الْمَال بَعْد نَصِيب الزَّوْج عَلَى كُلّ الْمَال إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْوَالِدَيْنِ اِبْن أَوْ ذُو سَهْم ; فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَة، لِلْأُمِّ سَهْم وَلِلْأَبِ سَهْمَانِ وَهُوَ الْبَاقِي.
وَكَانَ هَذَا أَعْدَلَ فِي الْقِسْمَة مِنْ أَنْ يُعْطِيَ الْأُمّ مِنْ النِّصْف الْبَاقِي ثُلُثَ جَمِيع الْمَال، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُس، فَفَضَّلَهَا عَلَيْهِ فَيَكُون لَهَا وَهِيَ مَفْضُولَة فِي أَصْل الْمَوْرُوث أَكْثَر مِمَّا لِلْأَبِ وَهُوَ الْمُقَدَّم وَالْمُفَضَّل فِي الْأَصْل.
وَذَلِكَ أَعْدَلُ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ اِبْن عَبَّاس مِنْ تَوْفِير الثُّلُث عَلَى الْأُمّ، وَبَخْس الْأَب حَقَّهُ بِرَدِّهِ إِلَى السُّدُس ; فَتَرَكَ قَوْله وَصَارَ عَامَّة الْفُقَهَاء إِلَى زَيْد.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي زَوْج وَأَبَوَيْنِ :( لِلزَّوْجِ النِّصْف، وَلِلْأُمِّ ثُلُث جَمِيع الْمَال، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ ).
وَقَالَ فِي اِمْرَأَة وَأَبَوَيْنِ :( لِلْمَرْأَةِ الرُّبُع، وَلِلْأُمِّ ثُلُث جَمِيع الْمَال، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ ).
وَبِهَذَا قَالَ شُرَيْح الْقَاضِي وَمُحَمَّد بْن سِيرِينَ وَدَاوُد بْن عَلِيّ، وَفِرْقَة مِنْهُمْ أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْفَرَضِيّ الْمِصْرِيّ الْمَعْرُوف بِابْنِ اللَّبَّان فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا.
وَزَعَمَ أَنَّهُ قِيَاس قَوْل عَلِيّ فِي الْمُشْتَرَكَة.
وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : إِنَّهُ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ أَيْضًا.
قَالَ أَبُو عُمَر : الْمَعْرُوف الْمَشْهُور عَنْ عَلِيّ وَزَيْد وَعَبْد اللَّه وَسَائِر الصَّحَابَة وَعَامَّة الْعُلَمَاء مَا رَسَمَهُ مَالِك.
وَمِنْ الْحُجَّة لَهُمْ عَلَى اِبْن عَبَّاس :( أَنَّ الْأَبَوَيْنِ إِذَا اِشْتَرَكَا فِي الْوِرَاثَة، لَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرهمَا، كَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُث وَلِلْأَبِ الثُّلُثَانِ ).
وَكَذَلِكَ إِذَا اِشْتَرَكَا فِي النِّصْف الَّذِي يَفْضُل عَنْ الزَّوْج، كَانَا فِيهِ كَذَلِكَ عَلَى ثُلُث وَثُلُثَيْنِ.
وَهَذَا صَحِيح فِي النَّظَر وَالْقِيَاس.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَات فِي سَبَب نُزُول آيَة الْمَوَارِيث ; فَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ اِمْرَأَة سَعْد بْن الرَّبِيع قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه، إِنَّ سَعْدًا هَلَكَ وَتَرَكَ بِنْتَيْنِ وَأَخَاهُ، فَعَمَدَ أَخُوهُ فَقَبَضَ مَا تَرَكَ سَعْد، وَإِنَّمَا تُنْكَح النِّسَاء عَلَى أَمْوَالِهِنَّ ; فَلَمْ يُجِبْهَا فِي مَجْلِسهَا ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان : فَهَذَا مِنْ بَاب تَعْدِيل الْفَرِيضَة إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصّ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ اِعْتَبَرَهَا بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :" وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُث ".
فَلَمَّا وَجَدَ نَصِيب الْأُمّ الثُّلُث، وَكَانَ بَاقِي الْمَال هُوَ الثُّلُثَانِ لِلْأَبِ، قَاسَ النِّصْف الْفَاضِل مِنْ الْمَال بَعْد نَصِيب الزَّوْج عَلَى كُلّ الْمَال إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْوَالِدَيْنِ اِبْن أَوْ ذُو سَهْم ; فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَة، لِلْأُمِّ سَهْم وَلِلْأَبِ سَهْمَانِ وَهُوَ الْبَاقِي.
وَكَانَ هَذَا أَعْدَلَ فِي الْقِسْمَة مِنْ أَنْ يُعْطِيَ الْأُمّ مِنْ النِّصْف الْبَاقِي ثُلُثَ جَمِيع الْمَال، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ وَهُوَ السُّدُس، فَفَضَّلَهَا عَلَيْهِ فَيَكُون لَهَا وَهِيَ مَفْضُولَة فِي أَصْل الْمَوْرُوث أَكْثَر مِمَّا لِلْأَبِ وَهُوَ الْمُقَدَّم وَالْمُفَضَّل فِي الْأَصْل.
وَذَلِكَ أَعْدَلُ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ اِبْن عَبَّاس مِنْ تَوْفِير الثُّلُث عَلَى الْأُمّ، وَبَخْس الْأَب حَقَّهُ بِرَدِّهِ إِلَى السُّدُس ; فَتَرَكَ قَوْله وَصَارَ عَامَّة الْفُقَهَاء إِلَى زَيْد.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي زَوْج وَأَبَوَيْنِ :( لِلزَّوْجِ النِّصْف، وَلِلْأُمِّ ثُلُث جَمِيع الْمَال، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ ).
وَقَالَ فِي اِمْرَأَة وَأَبَوَيْنِ :( لِلْمَرْأَةِ الرُّبُع، وَلِلْأُمِّ ثُلُث جَمِيع الْمَال، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ ).
وَبِهَذَا قَالَ شُرَيْح الْقَاضِي وَمُحَمَّد بْن سِيرِينَ وَدَاوُد بْن عَلِيّ، وَفِرْقَة مِنْهُمْ أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْفَرَضِيّ الْمِصْرِيّ الْمَعْرُوف بِابْنِ اللَّبَّان فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا.
وَزَعَمَ أَنَّهُ قِيَاس قَوْل عَلِيّ فِي الْمُشْتَرَكَة.
وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : إِنَّهُ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ أَيْضًا.
قَالَ أَبُو عُمَر : الْمَعْرُوف الْمَشْهُور عَنْ عَلِيّ وَزَيْد وَعَبْد اللَّه وَسَائِر الصَّحَابَة وَعَامَّة الْعُلَمَاء مَا رَسَمَهُ مَالِك.
وَمِنْ الْحُجَّة لَهُمْ عَلَى اِبْن عَبَّاس :( أَنَّ الْأَبَوَيْنِ إِذَا اِشْتَرَكَا فِي الْوِرَاثَة، لَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرهمَا، كَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُث وَلِلْأَبِ الثُّلُثَانِ ).
وَكَذَلِكَ إِذَا اِشْتَرَكَا فِي النِّصْف الَّذِي يَفْضُل عَنْ الزَّوْج، كَانَا فِيهِ كَذَلِكَ عَلَى ثُلُث وَثُلُثَيْنِ.
وَهَذَا صَحِيح فِي النَّظَر وَالْقِيَاس.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَات فِي سَبَب نُزُول آيَة الْمَوَارِيث ; فَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ اِمْرَأَة سَعْد بْن الرَّبِيع قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه، إِنَّ سَعْدًا هَلَكَ وَتَرَكَ بِنْتَيْنِ وَأَخَاهُ، فَعَمَدَ أَخُوهُ فَقَبَضَ مَا تَرَكَ سَعْد، وَإِنَّمَا تُنْكَح النِّسَاء عَلَى أَمْوَالِهِنَّ ; فَلَمْ يُجِبْهَا فِي مَجْلِسهَا ذَلِكَ.
ثُمَّ جَاءَتْهُ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه، اِبْنَتَا سَعْد ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( اُدْعُ لِي أَخَاهُ ) فَجَاءَ فَقَالَ لَهُ :( اِدْفَعْ إِلَى اِبْنَته الثُّلُثَيْنِ وَإِلَى اِمْرَأَته الثُّمُن وَلَك مَا بَقِيَ ).
لَفْظ أَبِي دَاوُدَ.
فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَغَيْره : فَنَزَلَتْ آيَة الْمَوَارِيث.
قَالَ : هَذَا حَدِيث صَحِيح.
وَرَوَى جَابِر أَيْضًا قَالَ : عَادَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر فِي بَنِي سَلِمَة يَمْشِيَانِ، فَوَجَدَانِي لَا أَعْقِلُ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ مِنْهُ فَأَفَقْت.
فَقُلْت : كَيْفَ أَصْنَع فِي مَالِي يَا رَسُول اللَّه ؟ فَنَزَلَتْ " يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ ".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " فَقُلْت يَا نَبِيَّ اللَّه كَيْفَ أَقْسِم مَالِي بَيْنَ وَلَدِي ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا فَنَزَلَتْ " يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ " الْآيَة.
قَالَ :" حَدِيث حَسَن صَحِيح ".
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس ( أَنَّ نُزُول ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَجْل أَنَّ الْمَال كَانَ لِلْوَلَدِ، وَالْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ ; فَنُسِخَ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَات ).
وَقَالَ مُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ : نَزَلَتْ فِي أُمّ كَجَّة ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا.
السُّدِّيّ : نَزَلَتْ بِسَبَبِ بَنَات عَبْد الرَّحْمَن بْن ثَابِت أَخِي حِسَان بْن ثَابِت.
وَقِيلَ : إِنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ إِلَّا مَنْ لَاقَى الْحُرُوب وَقَاتَلَ الْعَدُوّ ; فَنَزَلَتْ الْآيَة تَبْيِينًا أَنَّ لِكُلِّ صَغِير وَكَبِير حَظَّهُ.
وَلَا يَبْعُد أَنْ يَكُون جَوَابًا لِلْجَمِيعِ ; وَلِذَلِكَ تَأَخَّرَ نُزُولهَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ اِلْكِيَا الطَّبَرِيّ : وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْض الْآثَار أَنَّ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَفْعَلهُ مِنْ تَرْك تَوْرِيث الصَّغِير كَانَ فِي صَدْر الْإِسْلَام إِلَى أَنْ نَسَخَتْهُ هَذِهِ الْآيَة وَلَمْ يَثْبُت عِنْدَنَا اِشْتِمَال الشَّرِيعَة عَلَى ذَلِكَ، بَلْ ثَبَتَ خِلَافُهُ ; فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي وَرَثَة سَعْد بْن الرَّبِيع.
وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي وَرَثَة ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس.
وَالْأَوَّل أَصَحّ عِنْد أَهْل النَّقْل.
فَاسْتَرْجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِيرَاث مِنْ الْعَمّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا مِنْ قَبْل فِي شَرْعِنَا مَا اِسْتَرْجَعَهُ.
وَلَمْ يَثْبُت قَطُّ فِي شَرْعِنَا أَنَّ الصَّبِيّ مَا كَانَ يُعْطَى الْمِيرَاث حَتَّى يُقَاتِل عَلَى الْفَرَس وَيَذُبَّ عَنْ الْحَرِيم.
لَفْظ أَبِي دَاوُدَ.
فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَغَيْره : فَنَزَلَتْ آيَة الْمَوَارِيث.
قَالَ : هَذَا حَدِيث صَحِيح.
وَرَوَى جَابِر أَيْضًا قَالَ : عَادَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر فِي بَنِي سَلِمَة يَمْشِيَانِ، فَوَجَدَانِي لَا أَعْقِلُ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ مِنْهُ فَأَفَقْت.
فَقُلْت : كَيْفَ أَصْنَع فِي مَالِي يَا رَسُول اللَّه ؟ فَنَزَلَتْ " يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ ".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَفِيهِ " فَقُلْت يَا نَبِيَّ اللَّه كَيْفَ أَقْسِم مَالِي بَيْنَ وَلَدِي ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا فَنَزَلَتْ " يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ " الْآيَة.
قَالَ :" حَدِيث حَسَن صَحِيح ".
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس ( أَنَّ نُزُول ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَجْل أَنَّ الْمَال كَانَ لِلْوَلَدِ، وَالْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ ; فَنُسِخَ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَات ).
وَقَالَ مُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ : نَزَلَتْ فِي أُمّ كَجَّة ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا.
السُّدِّيّ : نَزَلَتْ بِسَبَبِ بَنَات عَبْد الرَّحْمَن بْن ثَابِت أَخِي حِسَان بْن ثَابِت.
وَقِيلَ : إِنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ إِلَّا مَنْ لَاقَى الْحُرُوب وَقَاتَلَ الْعَدُوّ ; فَنَزَلَتْ الْآيَة تَبْيِينًا أَنَّ لِكُلِّ صَغِير وَكَبِير حَظَّهُ.
وَلَا يَبْعُد أَنْ يَكُون جَوَابًا لِلْجَمِيعِ ; وَلِذَلِكَ تَأَخَّرَ نُزُولهَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ اِلْكِيَا الطَّبَرِيّ : وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْض الْآثَار أَنَّ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَفْعَلهُ مِنْ تَرْك تَوْرِيث الصَّغِير كَانَ فِي صَدْر الْإِسْلَام إِلَى أَنْ نَسَخَتْهُ هَذِهِ الْآيَة وَلَمْ يَثْبُت عِنْدَنَا اِشْتِمَال الشَّرِيعَة عَلَى ذَلِكَ، بَلْ ثَبَتَ خِلَافُهُ ; فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي وَرَثَة سَعْد بْن الرَّبِيع.
وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي وَرَثَة ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس.
وَالْأَوَّل أَصَحّ عِنْد أَهْل النَّقْل.
فَاسْتَرْجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِيرَاث مِنْ الْعَمّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا مِنْ قَبْل فِي شَرْعِنَا مَا اِسْتَرْجَعَهُ.
وَلَمْ يَثْبُت قَطُّ فِي شَرْعِنَا أَنَّ الصَّبِيّ مَا كَانَ يُعْطَى الْمِيرَاث حَتَّى يُقَاتِل عَلَى الْفَرَس وَيَذُبَّ عَنْ الْحَرِيم.
قُلْت : وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ قَالَ : وَدَلَّ نُزُول هَذِهِ الْآيَة عَلَى نُكْتَة بَدِيعَة ; وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة تَفْعَلهُ مِنْ أَخْذ الْمَال لَمْ يَكُنْ فِي صَدْر الْإِسْلَام شَرْعًا مَسْكُوتًا مُقَرًّا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْعًا مُقَرًّا عَلَيْهِ لَمَا حَكَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَمّ الصَّبِيَّتَيْنِ بِرَدِّ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِمَا ; لِأَنَّ الْأَحْكَام إِذَا مَضَتْ وَجَاءَ النَّسْخ بَعْدهَا إِنَّمَا يُؤَثِّر فِي الْمُسْتَقْبَل فَلَا يُنْقَضُ بِهِ مَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا كَانَتْ ظُلَامَةً رُفِعَتْ.
قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
قَوْله تَعَالَى :" يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ " قَالَتْ الشَّافِعِيَّة : قَوْل اللَّه تَعَالَى " يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ " حَقِيقَة فِي أَوْلَاد الصُّلْب، فَأَمَّا وَلَد الِابْن فَإِنَّمَا يَدْخُل فِيهِ بِطَرِيقِ الْمَجَاز ; فَإِذَا حَلَفَ أَنْ لَا وَلَد لَهُ وَلَهُ وَلَد اِبْن لَمْ يَحْنَث ; وَإِذَا أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَان لَمْ يَدْخُل فِيهِ وَلَدُ وَلَدِهِ.
وَأَبُو حَنِيفَة يَقُول : إِنَّهُ يَدْخُل فِيهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد صُلْب.
وَمَعْلُوم أَنَّ الْأَلْفَاظ لَا تَتَغَيَّر بِمَا قَالُوهُ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَمَّا قَالَ تَعَالَى :" يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ " فَكَانَ الَّذِي يَجِب عَلَى ظَاهِر الْآيَة أَنْ يَكُون الْمِيرَاث لِجَمِيعِ الْأَوْلَاد، الْمُؤْمِن مِنْهُمْ وَالْكَافِر ; فَلَمَّا ثَبَتَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا يَرِث الْمُسْلِم الْكَافِر ) عُلِمَ أَنَّ اللَّه أَرَادَ بَعْض الْأَوْلَاد دُون بَعْض، فَلَا يَرِث الْمُسْلِم الْكَافِر، وَلَا الْكَافِر الْمُسْلِم عَلَى ظَاهِر الْحَدِيث.
قُلْت : وَلَمَّا قَالَ تَعَالَى :" فِي أَوْلَادكُمْ " دَخَلَ فِيهِمْ الْأَسِير فِي أَيْدِي الْكُفَّار ; فَإِنَّهُ يَرِث مَا دَامَ تُعْلَم حَيَاته عَلَى الْإِسْلَام.
وَبِهِ قَالَ كَافَّة أَهْل الْعِلْم، إِلَّا النَّخَعِيّ فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يَرِث الْأَسِير.
فَأَمَّا إِذَا لَمْ تُعْلَمْ حَيَاته فَحُكْمه حُكْم الْمَفْقُود.
وَلَمْ يَدْخُل فِي عُمُوم الْآيَة مِيرَاث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ :( لَا نُورَث مَا تَرَكْنَا صَدَقَة ) وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي " مَرْيَم " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَكَذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ الْقَاتِل عَمْدًا لِأَبِيهِ أَوْ جَدّه أَوْ أَخِيهِ أَوْ عَمّه بِالسُّنَّةِ وَإِجْمَاع الْأُمَّة، وَأَنَّهُ لَا يَرِث مِنْ مَال مَنْ قَتَلَهُ وَلَا مِنْ دِيَته شَيْئًا ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي الْبَقَرَة.
فَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأ فَلَا مِيرَاث لَهُ مِنْ الدِّيَة، وَيَرِث مِنْ الْمَال فِي قَوْل مَالِك، وَلَا يَرِث فِي قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَسُفْيَان وَأَصْحَاب الرَّأْي، مِنْ الْمَال وَلَا مِنْ الدِّيَة شَيْئًا ; حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي الْبَقَرَة.
وَقَوْل مَالِك أَصَحّ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
وَهُوَ قَوْل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَمُجَاهِد وَالزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن الْمُنْذِر ; لِأَنَّ مِيرَاث مَنْ وَرَّثَهُ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه ثَابِت لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ إِلَّا بِسُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاع.
قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
قَوْله تَعَالَى :" يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ " قَالَتْ الشَّافِعِيَّة : قَوْل اللَّه تَعَالَى " يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ " حَقِيقَة فِي أَوْلَاد الصُّلْب، فَأَمَّا وَلَد الِابْن فَإِنَّمَا يَدْخُل فِيهِ بِطَرِيقِ الْمَجَاز ; فَإِذَا حَلَفَ أَنْ لَا وَلَد لَهُ وَلَهُ وَلَد اِبْن لَمْ يَحْنَث ; وَإِذَا أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَان لَمْ يَدْخُل فِيهِ وَلَدُ وَلَدِهِ.
وَأَبُو حَنِيفَة يَقُول : إِنَّهُ يَدْخُل فِيهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد صُلْب.
وَمَعْلُوم أَنَّ الْأَلْفَاظ لَا تَتَغَيَّر بِمَا قَالُوهُ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَمَّا قَالَ تَعَالَى :" يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ " فَكَانَ الَّذِي يَجِب عَلَى ظَاهِر الْآيَة أَنْ يَكُون الْمِيرَاث لِجَمِيعِ الْأَوْلَاد، الْمُؤْمِن مِنْهُمْ وَالْكَافِر ; فَلَمَّا ثَبَتَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( لَا يَرِث الْمُسْلِم الْكَافِر ) عُلِمَ أَنَّ اللَّه أَرَادَ بَعْض الْأَوْلَاد دُون بَعْض، فَلَا يَرِث الْمُسْلِم الْكَافِر، وَلَا الْكَافِر الْمُسْلِم عَلَى ظَاهِر الْحَدِيث.
قُلْت : وَلَمَّا قَالَ تَعَالَى :" فِي أَوْلَادكُمْ " دَخَلَ فِيهِمْ الْأَسِير فِي أَيْدِي الْكُفَّار ; فَإِنَّهُ يَرِث مَا دَامَ تُعْلَم حَيَاته عَلَى الْإِسْلَام.
وَبِهِ قَالَ كَافَّة أَهْل الْعِلْم، إِلَّا النَّخَعِيّ فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يَرِث الْأَسِير.
فَأَمَّا إِذَا لَمْ تُعْلَمْ حَيَاته فَحُكْمه حُكْم الْمَفْقُود.
وَلَمْ يَدْخُل فِي عُمُوم الْآيَة مِيرَاث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ :( لَا نُورَث مَا تَرَكْنَا صَدَقَة ) وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي " مَرْيَم " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَكَذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ الْقَاتِل عَمْدًا لِأَبِيهِ أَوْ جَدّه أَوْ أَخِيهِ أَوْ عَمّه بِالسُّنَّةِ وَإِجْمَاع الْأُمَّة، وَأَنَّهُ لَا يَرِث مِنْ مَال مَنْ قَتَلَهُ وَلَا مِنْ دِيَته شَيْئًا ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي الْبَقَرَة.
فَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأ فَلَا مِيرَاث لَهُ مِنْ الدِّيَة، وَيَرِث مِنْ الْمَال فِي قَوْل مَالِك، وَلَا يَرِث فِي قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَسُفْيَان وَأَصْحَاب الرَّأْي، مِنْ الْمَال وَلَا مِنْ الدِّيَة شَيْئًا ; حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي الْبَقَرَة.
وَقَوْل مَالِك أَصَحّ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
وَهُوَ قَوْل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَمُجَاهِد وَالزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن الْمُنْذِر ; لِأَنَّ مِيرَاث مَنْ وَرَّثَهُ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه ثَابِت لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ إِلَّا بِسُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاع.
وَكُلُّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَمَرْدُودٌ إِلَى ظَاهِر الْآيَات الَّتِي فِيهَا الْمَوَارِيث.
اِعْلَمْ أَنَّ الْمِيرَاث كَانَ يُسْتَحَقّ فِي أَوَّل الْإِسْلَام بِأَسْبَابٍ : مِنْهَا الْحِلْف وَالْهِجْرَة وَالْمُعَاقَدَة، ثُمَّ نُسِخَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي هَذِهِ السُّورَة عِنْد قَوْله تَعَالَى :" وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ " [ النِّسَاء : ٣٣ ].
إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْأَوْلَاد إِذَا كَانَ مَعَهُمْ مَنْ لَهُ فَرْض مُسَمًّى أُعْطِيَهُ، وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَال لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أَلْحِقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا ) رَوَاهُ الْأَئِمَّة.
يَعْنِي الْفَرَائِض الْوَاقِعَة فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى.
وَهِيَ سِتَّةٌ : النِّصْف وَالرُّبُع وَالثُّمُن وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُث وَالسُّدُس.
فَالنِّصْف فَرْض خَمْسَةٍ : اِبْنَة الصُّلْب، وَابْنَة الِابْن، وَالْأُخْت الشَّقِيقَة، وَالْأُخْت لِلْأَبِ، وَالزَّوْج.
وَكُلّ ذَلِكَ إِذَا اِنْفَرَدُوا عَمَّنْ يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ.
وَالرُّبُع فَرْض الزَّوْج مَعَ الْحَاجِب، وَفَرْض الزَّوْجَة وَالزَّوْجَات مَعَ عَدَمِهِ.
وَالثُّمُن فَرْض الزَّوْجَة وَالزَّوْجَات مَعَ الْحَاجِب.
وَالثُّلُثَانِ فَرْض أَرْبَع : الِاثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ بَنَات الصُّلْب، وَبَنَات الِابْن، وَالْأَخَوَات الْأَشِقَّاء، أَوْ لِلْأَبِ.
وَكُلّ هَؤُلَاءِ إِذَا اِنْفَرَدْنَ عَمَّنْ يَحْجُبُهُنَّ عَنْهُ.
وَالثُّلُث فَرْض صِنْفَيْنِ : الْأُمّ مَعَ عَدَم الْوَلَد، وَوَلَد الِابْن، وَعَدَم الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات، وَفَرْض الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ وَلَد الْأُمّ.
وَهَذَا هُوَ ثُلُث كُلّ الْمَال.
فَأَمَّا ثُلُث مَا يَبْقَى فَذَلِكَ لِلْأُمِّ فِي مَسْأَلَة زَوْج أَوْ زَوْجَة وَأَبَوَانِ ; فَلِلْأُمِّ فِيهَا ثُلُث مَا يَبْقَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
وَفِي مَسَائِل الْجَدّ مَعَ الْإِخْوَة إِذَا كَانَ مَعَهُمْ ذُو سَهْم وَكَانَ ثُلُث مَا يَبْقَى أَحْظَى لَهُ.
وَالسُّدُس فَرْض سَبْعَة : الْأَبَوَانِ وَالْجَدّ مَعَ الْوَلَد وَوَلَد الِابْن، وَالْجَدَّة وَالْجَدَّات إِذَا اِجْتَمَعْنَ، وَبَنَات الِابْن مَعَ بِنْت الصُّلْب، وَالْأَخَوَات لِلْأَبِ مَعَ الْأُخْت الشَّقِيقَة، وَالْوَاحِد مِنْ وَلَد الْأُمّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى.
وَهَذِهِ الْفَرَائِض كُلّهَا مَأْخُوذَة مِنْ كِتَاب اللَّه تَعَالَى إِلَّا فَرْضَ الْجَدَّة وَالْجَدَّات فَإِنَّهُ مَأْخُوذ مِنْ السُّنَّة.
وَالْأَسْبَاب الْمُوجِبَة لِهَذِهِ الْفُرُوض بِالْمِيرَاثِ ثَلَاثَة أَشْيَاء : نَسَبٌ ثَابِت، وَنِكَاح مُنْعَقِد، وَوَلَاءُ عَتَاقَةٍ.
وَقَدْ تَجْتَمِع الثَّلَاثَة الْأَشْيَاء فَيَكُون الرَّجُل زَوْج الْمَرْأَة وَمَوْلَاهَا وَابْن عَمِّهَا.
وَقَدْ يَجْتَمِع فِيهِ مِنْهَا شَيْئَانِ لَا أَكْثَرُ، مِثْل أَنْ يَكُون زَوْجَهَا وَمَوْلَاهَا، أَوْ زَوْجَهَا وَابْن عَمّهَا ; فَيَرِث بِوَجْهَيْنِ وَيَكُون لَهُ جَمِيع الْمَال إِذَا اِنْفَرَدَ : نِصْفُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَنِصْفُهُ بِالْوَلَاءِ أَوْ بِالنَّسَبِ.
وَمِثْل أَنْ تَكُون الْمَرْأَة اِبْنَة الرَّجُل وَمَوْلَاته، فَيَكُون لَهَا أَيْضًا الْمَال إِذَا اِنْفَرَدَتْ : نِصْفه بِالنَّسَبِ وَنِصْفه بِالْوَلَاءِ.
اِعْلَمْ أَنَّ الْمِيرَاث كَانَ يُسْتَحَقّ فِي أَوَّل الْإِسْلَام بِأَسْبَابٍ : مِنْهَا الْحِلْف وَالْهِجْرَة وَالْمُعَاقَدَة، ثُمَّ نُسِخَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي هَذِهِ السُّورَة عِنْد قَوْله تَعَالَى :" وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ " [ النِّسَاء : ٣٣ ].
إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْأَوْلَاد إِذَا كَانَ مَعَهُمْ مَنْ لَهُ فَرْض مُسَمًّى أُعْطِيَهُ، وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَال لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( أَلْحِقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا ) رَوَاهُ الْأَئِمَّة.
يَعْنِي الْفَرَائِض الْوَاقِعَة فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى.
وَهِيَ سِتَّةٌ : النِّصْف وَالرُّبُع وَالثُّمُن وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُث وَالسُّدُس.
فَالنِّصْف فَرْض خَمْسَةٍ : اِبْنَة الصُّلْب، وَابْنَة الِابْن، وَالْأُخْت الشَّقِيقَة، وَالْأُخْت لِلْأَبِ، وَالزَّوْج.
وَكُلّ ذَلِكَ إِذَا اِنْفَرَدُوا عَمَّنْ يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ.
وَالرُّبُع فَرْض الزَّوْج مَعَ الْحَاجِب، وَفَرْض الزَّوْجَة وَالزَّوْجَات مَعَ عَدَمِهِ.
وَالثُّمُن فَرْض الزَّوْجَة وَالزَّوْجَات مَعَ الْحَاجِب.
وَالثُّلُثَانِ فَرْض أَرْبَع : الِاثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ بَنَات الصُّلْب، وَبَنَات الِابْن، وَالْأَخَوَات الْأَشِقَّاء، أَوْ لِلْأَبِ.
وَكُلّ هَؤُلَاءِ إِذَا اِنْفَرَدْنَ عَمَّنْ يَحْجُبُهُنَّ عَنْهُ.
وَالثُّلُث فَرْض صِنْفَيْنِ : الْأُمّ مَعَ عَدَم الْوَلَد، وَوَلَد الِابْن، وَعَدَم الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات، وَفَرْض الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ وَلَد الْأُمّ.
وَهَذَا هُوَ ثُلُث كُلّ الْمَال.
فَأَمَّا ثُلُث مَا يَبْقَى فَذَلِكَ لِلْأُمِّ فِي مَسْأَلَة زَوْج أَوْ زَوْجَة وَأَبَوَانِ ; فَلِلْأُمِّ فِيهَا ثُلُث مَا يَبْقَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
وَفِي مَسَائِل الْجَدّ مَعَ الْإِخْوَة إِذَا كَانَ مَعَهُمْ ذُو سَهْم وَكَانَ ثُلُث مَا يَبْقَى أَحْظَى لَهُ.
وَالسُّدُس فَرْض سَبْعَة : الْأَبَوَانِ وَالْجَدّ مَعَ الْوَلَد وَوَلَد الِابْن، وَالْجَدَّة وَالْجَدَّات إِذَا اِجْتَمَعْنَ، وَبَنَات الِابْن مَعَ بِنْت الصُّلْب، وَالْأَخَوَات لِلْأَبِ مَعَ الْأُخْت الشَّقِيقَة، وَالْوَاحِد مِنْ وَلَد الْأُمّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى.
وَهَذِهِ الْفَرَائِض كُلّهَا مَأْخُوذَة مِنْ كِتَاب اللَّه تَعَالَى إِلَّا فَرْضَ الْجَدَّة وَالْجَدَّات فَإِنَّهُ مَأْخُوذ مِنْ السُّنَّة.
وَالْأَسْبَاب الْمُوجِبَة لِهَذِهِ الْفُرُوض بِالْمِيرَاثِ ثَلَاثَة أَشْيَاء : نَسَبٌ ثَابِت، وَنِكَاح مُنْعَقِد، وَوَلَاءُ عَتَاقَةٍ.
وَقَدْ تَجْتَمِع الثَّلَاثَة الْأَشْيَاء فَيَكُون الرَّجُل زَوْج الْمَرْأَة وَمَوْلَاهَا وَابْن عَمِّهَا.
وَقَدْ يَجْتَمِع فِيهِ مِنْهَا شَيْئَانِ لَا أَكْثَرُ، مِثْل أَنْ يَكُون زَوْجَهَا وَمَوْلَاهَا، أَوْ زَوْجَهَا وَابْن عَمّهَا ; فَيَرِث بِوَجْهَيْنِ وَيَكُون لَهُ جَمِيع الْمَال إِذَا اِنْفَرَدَ : نِصْفُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَنِصْفُهُ بِالْوَلَاءِ أَوْ بِالنَّسَبِ.
وَمِثْل أَنْ تَكُون الْمَرْأَة اِبْنَة الرَّجُل وَمَوْلَاته، فَيَكُون لَهَا أَيْضًا الْمَال إِذَا اِنْفَرَدَتْ : نِصْفه بِالنَّسَبِ وَنِصْفه بِالْوَلَاءِ.
وَلَا مِيرَاث إِلَّا بَعْد أَدَاء الدَّيْن وَالْوَصِيَّة ; فَإِذَا مَاتَ الْمُتَوَفَّى أُخْرِجَ مِنْ تَرِكَتِهِ الْحُقُوق الْمُعَيَّنَات، ثُمَّ مَا يَلْزَم مِنْ تَكْفِينِهِ وَتَقْبِيرِهِ، ثُمَّ الدُّيُون عَلَى مَرَاتِبهَا، ثُمَّ يُخْرَج مِنْ الثُّلُث الْوَصَايَا، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا عَلَى مَرَاتِبهَا أَيْضًا، وَيَكُون الْبَاقِي مِيرَاثًا بَيْنَ الْوَرَثَة.
وَجُمْلَتهمْ سَبْعَةَ عَشَرَ.
عَشَرَة مِنْ الرِّجَال : الِابْن وَابْن الِابْن وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأَب وَأَب الْأَب وَهُوَ الْجَدّ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخ وَابْن الْأَخ، وَالْعَمّ وَابْن الْعَمّ، وَالزَّوْج وَمَوْلَى النِّعْمَة.
وَيَرِث مِنْ النِّسَاء سَبْعٌ : الْبِنْت وَبِنْت الِابْن وَإِنْ سَفَلَتْ، وَالْأُمّ وَالْجَدَّة وَإِنْ عَلَتْ، وَالْأُخْت وَالزَّوْجَة، وَمَوْلَاة النِّعْمَة وَهِيَ الْمُعْتَقَة.
وَقَدْ نَظَمَهُمْ بَعْض الْفُضَلَاء فَقَالَ :
لَمَّا قَالَ تَعَالَى :" فِي أَوْلَادكُمْ " يَتَنَاوَل كُلّ وَلَد كَانَ مَوْجُودًا أَوْ جَنِينًا فِي بَطْن أُمّه، دَنِيًّا أَوْ بَعِيدًا، مِنْ الذُّكُور أَوْ الْإِنَاث مَا عَدَا الْكَافِر كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ حَقِيقَة فِي الْأَدْنَيْنَ مَجَازٌ فِي الْأَبْعَدِينَ.
وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ حَقِيقَة فِي الْجَمِيع ; لِأَنَّهُ مِنْ التَّوَلُّد، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَرِثُونَ عَلَى قَدْر الْقُرْب مِنْهُ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" يَا بَنِي آدَم " [ الْأَعْرَاف : ٢٦ ].
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم ) قَالَ :( يَا بَنِي إِسْمَاعِيل اِرْمُوا فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ) إِلَّا أَنَّهُ غَلَبَ عُرْفُ الِاسْتِعْمَال فِي إِطْلَاق ذَلِكَ عَلَى الْأَعْيَان الْأَدْنَيْنَ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَة ; فَإِنْ كَانَ فِي وَلَد الصُّلْب ذَكَرٌ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ الْوَلَد شَيْء، وَهَذَا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْل الْعِلْم.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَلَد الصُّلْب ذَكَرٌ وَكَانَ فِي وَلَد الْوَلَد بُدِئَ بِالْبَنَاتِ لِلصُّلْبِ، فَأُعْطِينَ إِلَى مَبْلَغ الثُّلُثَيْنِ، ثُمَّ أُعْطِيَ الثُّلُثُ الْبَاقِي لِوَلَدِ الْوَلَد إِذَا اِسْتَوَوْا فِي الْقُعْدُد، أَوْ كَانَ الذَّكَر أَسْفَل مِمَّنْ فَوْقَهُ مِنْ الْبَنَات، لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ.
هَذَا قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي.
وَجُمْلَتهمْ سَبْعَةَ عَشَرَ.
عَشَرَة مِنْ الرِّجَال : الِابْن وَابْن الِابْن وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأَب وَأَب الْأَب وَهُوَ الْجَدّ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخ وَابْن الْأَخ، وَالْعَمّ وَابْن الْعَمّ، وَالزَّوْج وَمَوْلَى النِّعْمَة.
وَيَرِث مِنْ النِّسَاء سَبْعٌ : الْبِنْت وَبِنْت الِابْن وَإِنْ سَفَلَتْ، وَالْأُمّ وَالْجَدَّة وَإِنْ عَلَتْ، وَالْأُخْت وَالزَّوْجَة، وَمَوْلَاة النِّعْمَة وَهِيَ الْمُعْتَقَة.
وَقَدْ نَظَمَهُمْ بَعْض الْفُضَلَاء فَقَالَ :
وَالْوَارِثُونَ إِنْ أَرَدْت جَمْعَهُمْ | مَعَ الْإِنَاثِ الْوَارِثَاتِ مَعَهُمْ |
عَشَرَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الذُّكْرَانِ | وَسَبْعُ أَشْخَاصٍ مِنْ النِّسْوَانِ |
وَهُمْ، وَقَدْ حَصَرْتُهُمْ فِي النَّظْمِ | الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَابْنُ الْعَمِّ |
وَالْأَبُ مِنْهُمْ وَهْوَ فِي التَّرْتِيبِ | وَالْجَدُّ مِنْ قَبْلِ الْأَخِ الْقَرِيبِ |
وَابْنُ الْأَخِ الْأَدْنَى أَجَلْ وَالْعَمُّ | وَالزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ ثُمَّ الْأُمُّ |
وَابْنَةُ الِابْنِ بَعْدَهَا وَالْبِنْتُ | وَزَوْجَةٌ وَجَدَّةٌ وَأُخْتُ |
وَالْمَرْأَةُ الْمَوْلَاةُ أَعْنِي الْمُعْتَقَهْ | خُذْهَا إِلَيْك عِدَّةً مُحَقَّقَهْ |
قَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ حَقِيقَة فِي الْأَدْنَيْنَ مَجَازٌ فِي الْأَبْعَدِينَ.
وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ حَقِيقَة فِي الْجَمِيع ; لِأَنَّهُ مِنْ التَّوَلُّد، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَرِثُونَ عَلَى قَدْر الْقُرْب مِنْهُ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" يَا بَنِي آدَم " [ الْأَعْرَاف : ٢٦ ].
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم ) قَالَ :( يَا بَنِي إِسْمَاعِيل اِرْمُوا فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ) إِلَّا أَنَّهُ غَلَبَ عُرْفُ الِاسْتِعْمَال فِي إِطْلَاق ذَلِكَ عَلَى الْأَعْيَان الْأَدْنَيْنَ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَة ; فَإِنْ كَانَ فِي وَلَد الصُّلْب ذَكَرٌ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ الْوَلَد شَيْء، وَهَذَا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْل الْعِلْم.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَلَد الصُّلْب ذَكَرٌ وَكَانَ فِي وَلَد الْوَلَد بُدِئَ بِالْبَنَاتِ لِلصُّلْبِ، فَأُعْطِينَ إِلَى مَبْلَغ الثُّلُثَيْنِ، ثُمَّ أُعْطِيَ الثُّلُثُ الْبَاقِي لِوَلَدِ الْوَلَد إِذَا اِسْتَوَوْا فِي الْقُعْدُد، أَوْ كَانَ الذَّكَر أَسْفَل مِمَّنْ فَوْقَهُ مِنْ الْبَنَات، لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ.
هَذَا قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي.
وَبِهِ قَالَ عَامَّة أَهْل الْعِلْم مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ; إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ :( إِنْ كَانَ الذَّكَر مِنْ وَلَد الْوَلَد بِإِزَاءِ الْوَلَد الْأُنْثَى رُدَّ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ أَسْفَلَ مِنْهَا يُرَدُّ عَلَيْهَا ) ; مُرَاعِيًا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" فَإِنْ كُنَّ نِسَاء فَوْق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ " [ النِّسَاء : ١١ ] فَلَمْ يَجْعَل لِلْبَنَاتِ وَإِنْ كَثُرْنَ إِلَّا الثُّلُثَيْنِ.
قُلْت : هَكَذَا ذَكَرَ اِبْن الْعَرَبِيّ هَذَا التَّفْصِيل عَنْ اِبْن مَسْعُود، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَالْبَاجِيّ عَنْهُ :( أَنَّ مَا فَضَلَ عَنْ بَنَات الصُّلْب لِبَنِي الِابْن دُون بَنَات الِابْن )، وَلَمْ يُفَصِّلَا.
وَحَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ أَبِي ثَوْر.
وَنَحْوه حَكَى أَبُو عُمَر، قَالَ أَبُو عُمَر : وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ اِبْن مَسْعُود فَقَالَ : وَإِذَا اِسْتَكْمَلَ الْبَنَات الثُّلُثَيْنِ فَالْبَاقِي لِبَنِي الِابْن دُون أَخَوَاتِهِمْ، وَدُون مَنْ فَوْقهمْ مِنْ بَنَات الِابْن، وَمَنْ تَحْتَهُمْ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو ثَوْر وَدَاوُد بْن عَلِيّ.
وَرُوِيَ مِثْله عَنْ عَلْقَمَة.
وَحُجَّة مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَب حَدِيث اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( اِقْسِمُوا الْمَال بَيْنَ أَهْل الْفَرَائِض عَلَى كِتَاب اللَّه فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِض فَلِأَوْلَى رَجُل ذَكَرٍ ) خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَغَيْرهمَا.
وَمِنْ حُجَّة الْجُمْهُور قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ " لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ وَلَدٌ.
وَمِنْ جِهَة النَّظَر وَالْقِيَاس أَنَّ كُلّ مَنْ يُعَصِّبُ مَنْ فِي دَرَجَته فِي جُمْلَة الْمَال فَوَاجِب أَنْ يُعَصِّبَهُ فِي الْفَاضِل مِنْ الْمَال ; كَأَوْلَادِ الصُّلْب.
فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنْ يَشْرَك اِبْن الِابْن أُخْتَه، كَمَا يَشْرَك الِابْن لِلصُّلْبِ أُخْته.
فَإِنْ اُحْتُجَّ لِأَبِي ثَوْر وَدَاوُد أَنَّ بِنْت الِابْن لَمَّا لَمْ تَرِث شَيْئًا مِنْ الْفَاضِل بَعْد الثُّلُثَيْنِ مُنْفَرِدَة لَمْ يُعَصِّبْهَا أَخُوهَا.
فَالْجَوَاب أَنَّهَا إِذَا كَانَ مَعَهَا أَخُوهَا قَوِيَتْ بِهِ وَصَارَتْ عَصَبَةً مَعَهُ.
وَظَاهِر قَوْله تَعَالَى :" يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ " وَهِيَ مِنْ الْوَلَد.
قُلْت : هَكَذَا ذَكَرَ اِبْن الْعَرَبِيّ هَذَا التَّفْصِيل عَنْ اِبْن مَسْعُود، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَالْبَاجِيّ عَنْهُ :( أَنَّ مَا فَضَلَ عَنْ بَنَات الصُّلْب لِبَنِي الِابْن دُون بَنَات الِابْن )، وَلَمْ يُفَصِّلَا.
وَحَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ أَبِي ثَوْر.
وَنَحْوه حَكَى أَبُو عُمَر، قَالَ أَبُو عُمَر : وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ اِبْن مَسْعُود فَقَالَ : وَإِذَا اِسْتَكْمَلَ الْبَنَات الثُّلُثَيْنِ فَالْبَاقِي لِبَنِي الِابْن دُون أَخَوَاتِهِمْ، وَدُون مَنْ فَوْقهمْ مِنْ بَنَات الِابْن، وَمَنْ تَحْتَهُمْ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو ثَوْر وَدَاوُد بْن عَلِيّ.
وَرُوِيَ مِثْله عَنْ عَلْقَمَة.
وَحُجَّة مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَب حَدِيث اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( اِقْسِمُوا الْمَال بَيْنَ أَهْل الْفَرَائِض عَلَى كِتَاب اللَّه فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِض فَلِأَوْلَى رَجُل ذَكَرٍ ) خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَغَيْرهمَا.
وَمِنْ حُجَّة الْجُمْهُور قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ " لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ وَلَدٌ.
وَمِنْ جِهَة النَّظَر وَالْقِيَاس أَنَّ كُلّ مَنْ يُعَصِّبُ مَنْ فِي دَرَجَته فِي جُمْلَة الْمَال فَوَاجِب أَنْ يُعَصِّبَهُ فِي الْفَاضِل مِنْ الْمَال ; كَأَوْلَادِ الصُّلْب.
فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنْ يَشْرَك اِبْن الِابْن أُخْتَه، كَمَا يَشْرَك الِابْن لِلصُّلْبِ أُخْته.
فَإِنْ اُحْتُجَّ لِأَبِي ثَوْر وَدَاوُد أَنَّ بِنْت الِابْن لَمَّا لَمْ تَرِث شَيْئًا مِنْ الْفَاضِل بَعْد الثُّلُثَيْنِ مُنْفَرِدَة لَمْ يُعَصِّبْهَا أَخُوهَا.
فَالْجَوَاب أَنَّهَا إِذَا كَانَ مَعَهَا أَخُوهَا قَوِيَتْ بِهِ وَصَارَتْ عَصَبَةً مَعَهُ.
وَظَاهِر قَوْله تَعَالَى :" يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ " وَهِيَ مِنْ الْوَلَد.
فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ
الْآيَة.
فَرَضَ اللَّه تَعَالَى لِلْوَاحِدَةِ النِّصْف، وَفَرَضَ لِمَا فَوْق الثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَلَمْ يَفْرِضْ لِلثِّنْتَيْنِ فَرْضًا مَنْصُوصًا فِي كِتَابه ; فَتَكَلَّمَ الْعُلَمَاء فِي الدَّلِيل الَّذِي يُوجِب لَهُمَا الثُّلُثَيْنِ مَا هُوَ ؟ فَقِيلَ : الْإِجْمَاع وَهُوَ مَرْدُود ; لِأَنَّ الصَّحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ أَعْطَى الْبِنْتَيْنِ النِّصْف ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ :" فَإِنْ كُنَّ نِسَاء فَوْق اِثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ " [ النِّسَاء : ١١ ] وَهَذَا شَرْط وَجَزَاء.
قَالَ : فَلَا أُعْطِي الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ.
وَقِيلَ : أُعْطِيَتَا الثُّلُثَيْنِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأُخْتَيْنِ ; فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ لَمَّا قَالَ فِي آخِر السُّورَة :" وَلَهُ أُخْت فَلَهَا نِصْف مَا تَرَكَ " [ النِّسَاء : ١٧٦ ] وَقَالَ تَعَالَى :" فَإِنْ كَانَتَا اِثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ " [ النِّسَاء : ١٧٦ ] فَأُلْحِقَتْ الِابْنَتَانِ بِالْأُخْتَيْنِ فِي الِاشْتِرَاك فِي الثُّلُثَيْنِ، وَأُلْحِقَتْ الْأَخَوَات إِذَا زِدْنَ عَلَى اِثْنَتَيْنِ بِالْبَنَاتِ فِي الِاشْتِرَاك فِي الثُّلُثَيْنِ.
وَاعْتُرِضَ هَذَا بِأَنَّ ذَلِكَ مَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْأَخَوَات، وَالْإِجْمَاع مُنْعَقِد عَلَيْهِ فَهُوَ مُسَلَّم بِذَلِكَ.
وَقِيلَ : فِي الْآيَة مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْوَاحِدَةِ مَعَ أَخِيهَا الثُّلُث إِذَا اِنْفَرَدَتْ، عَلِمْنَا أَنَّ لِلِاثْنَتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ.
اِحْتَجَّ بِهَذِهِ الْحُجَّة وَقَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة إِسْمَاعِيل الْقَاضِي وَأَبُو الْعَبَّاس الْمُبَرِّد.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الِاحْتِجَاج عِنْد أَهْل النَّظَر غَلَط ; لِأَنَّ الِاخْتِلَاف فِي الْبِنْتَيْنِ وَلَيْسَ فِي الْوَاحِدَة.
فَيَقُول مُخَالِفُهُ : إِذَا تَرَكَ بِنْتَيْنِ وَابْنًا فَلِلْبِنْتَيْنِ النِّصْف ; فَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ هَذَا فَرْضُهُمْ.
وَقِيلَ :" فَوْقَ " زَائِدَة أَيْ إِنْ كُنَّ نِسَاء اِثْنَتَيْنِ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَاضْرِبُوا فَوْق الْأَعْنَاق " [ الْأَنْفَال : ١٢ ] أَيْ الْأَعْنَاق.
وَرَدَّ هَذَا الْقَوْلَ النَّحَّاسُ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَقَالَا : هُوَ خَطَأ ; لِأَنَّ الظُّرُوف وَجَمِيع الْأَسْمَاء لَا يَجُوز فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ تُزَاد لِغَيْرِ مَعْنًى.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :" فَاضْرِبُوا فَوْق الْأَعْنَاق " هُوَ الْفَصِيح، وَلَيْسَتْ فَوْق زَائِدَة بَلْ هِيَ مُحْكَمَة لِلْمَعْنَى ; لِأَنَّ ضَرْبَةَ الْعُنُقِ إِنَّمَا يَجِب أَنْ تَكُون فَوْق الْعِظَام فِي الْمَفْصِل دُون الدِّمَاغ.
كَمَا قَالَ دُرَيْد بْن الصِّمَّةِ : اِخْفِضْ عَنْ الدِّمَاغِ وَارْفَعْ عَنْ الْعَظْمِ، فَهَكَذَا كُنْت أَضْرِبُ أَعْنَاقَ الْأَبْطَال.
وَأَقْوَى الِاحْتِجَاج فِي أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ الْحَدِيث الصَّحِيح الْمَرْوِيّ فِي سَبَب النُّزُول.
وَلُغَة أَهْل الْحِجَاز وَبَنِي أَسَد الثُّلُث وَالرُّبُع إِلَى الْعُشُر.
وَلُغَة بَنِي تَمِيم وَرَبِيعَة الثُّلْث بِإِسْكَانِ اللَّام إِلَى الْعُشْر.
الْآيَة.
فَرَضَ اللَّه تَعَالَى لِلْوَاحِدَةِ النِّصْف، وَفَرَضَ لِمَا فَوْق الثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَلَمْ يَفْرِضْ لِلثِّنْتَيْنِ فَرْضًا مَنْصُوصًا فِي كِتَابه ; فَتَكَلَّمَ الْعُلَمَاء فِي الدَّلِيل الَّذِي يُوجِب لَهُمَا الثُّلُثَيْنِ مَا هُوَ ؟ فَقِيلَ : الْإِجْمَاع وَهُوَ مَرْدُود ; لِأَنَّ الصَّحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ أَعْطَى الْبِنْتَيْنِ النِّصْف ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ :" فَإِنْ كُنَّ نِسَاء فَوْق اِثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ " [ النِّسَاء : ١١ ] وَهَذَا شَرْط وَجَزَاء.
قَالَ : فَلَا أُعْطِي الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ.
وَقِيلَ : أُعْطِيَتَا الثُّلُثَيْنِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأُخْتَيْنِ ; فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ لَمَّا قَالَ فِي آخِر السُّورَة :" وَلَهُ أُخْت فَلَهَا نِصْف مَا تَرَكَ " [ النِّسَاء : ١٧٦ ] وَقَالَ تَعَالَى :" فَإِنْ كَانَتَا اِثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ " [ النِّسَاء : ١٧٦ ] فَأُلْحِقَتْ الِابْنَتَانِ بِالْأُخْتَيْنِ فِي الِاشْتِرَاك فِي الثُّلُثَيْنِ، وَأُلْحِقَتْ الْأَخَوَات إِذَا زِدْنَ عَلَى اِثْنَتَيْنِ بِالْبَنَاتِ فِي الِاشْتِرَاك فِي الثُّلُثَيْنِ.
وَاعْتُرِضَ هَذَا بِأَنَّ ذَلِكَ مَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْأَخَوَات، وَالْإِجْمَاع مُنْعَقِد عَلَيْهِ فَهُوَ مُسَلَّم بِذَلِكَ.
وَقِيلَ : فِي الْآيَة مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْوَاحِدَةِ مَعَ أَخِيهَا الثُّلُث إِذَا اِنْفَرَدَتْ، عَلِمْنَا أَنَّ لِلِاثْنَتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ.
اِحْتَجَّ بِهَذِهِ الْحُجَّة وَقَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة إِسْمَاعِيل الْقَاضِي وَأَبُو الْعَبَّاس الْمُبَرِّد.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الِاحْتِجَاج عِنْد أَهْل النَّظَر غَلَط ; لِأَنَّ الِاخْتِلَاف فِي الْبِنْتَيْنِ وَلَيْسَ فِي الْوَاحِدَة.
فَيَقُول مُخَالِفُهُ : إِذَا تَرَكَ بِنْتَيْنِ وَابْنًا فَلِلْبِنْتَيْنِ النِّصْف ; فَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ هَذَا فَرْضُهُمْ.
وَقِيلَ :" فَوْقَ " زَائِدَة أَيْ إِنْ كُنَّ نِسَاء اِثْنَتَيْنِ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَاضْرِبُوا فَوْق الْأَعْنَاق " [ الْأَنْفَال : ١٢ ] أَيْ الْأَعْنَاق.
وَرَدَّ هَذَا الْقَوْلَ النَّحَّاسُ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَقَالَا : هُوَ خَطَأ ; لِأَنَّ الظُّرُوف وَجَمِيع الْأَسْمَاء لَا يَجُوز فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ تُزَاد لِغَيْرِ مَعْنًى.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :" فَاضْرِبُوا فَوْق الْأَعْنَاق " هُوَ الْفَصِيح، وَلَيْسَتْ فَوْق زَائِدَة بَلْ هِيَ مُحْكَمَة لِلْمَعْنَى ; لِأَنَّ ضَرْبَةَ الْعُنُقِ إِنَّمَا يَجِب أَنْ تَكُون فَوْق الْعِظَام فِي الْمَفْصِل دُون الدِّمَاغ.
كَمَا قَالَ دُرَيْد بْن الصِّمَّةِ : اِخْفِضْ عَنْ الدِّمَاغِ وَارْفَعْ عَنْ الْعَظْمِ، فَهَكَذَا كُنْت أَضْرِبُ أَعْنَاقَ الْأَبْطَال.
وَأَقْوَى الِاحْتِجَاج فِي أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ الْحَدِيث الصَّحِيح الْمَرْوِيّ فِي سَبَب النُّزُول.
وَلُغَة أَهْل الْحِجَاز وَبَنِي أَسَد الثُّلُث وَالرُّبُع إِلَى الْعُشُر.
وَلُغَة بَنِي تَمِيم وَرَبِيعَة الثُّلْث بِإِسْكَانِ اللَّام إِلَى الْعُشْر.
وَيُقَال : ثَلَّثْت الْقَوْمَ أُثَلِّثُهُمْ، وَثَلَّثْت الدَّرَاهِمَ أُثَلِّثُهَا إِذَا تَمَّمْتهَا ثَلَاثَةً، وَأَثْلَثَتْ هِيَ ; إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمِائَة وَالْأَلْف : أَمْأَيْتُهَا وَآلَفْتُهَا وَأَمْأَتْ وَآلَفَتْ.
وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ
قَرَأَ نَافِع وَأَهْل الْمَدِينَة " وَاحِدَةٌ " بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى وَقَعَتْ وَحَدَثَتْ، فَهِيَ كَانَتْ التَّامَّة ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
وَالْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذِهِ قِرَاءَة حَسَنَة.
أَيْ وَإِنْ كَانَتْ الْمَتْرُوكَة أَوْ الْمَوْلُودَة " وَاحِدَةً " مِثْل " فَإِنْ كُنَّ نِسَاء ".
فَإِذَا كَانَ مَعَ بَنَات الصُّلْب بَنَات اِبْن، وَكَانَ بَنَات الصُّلْب اِثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا حَجَبْنَ بَنَاتِ الِابْن أَنْ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ ; لِأَنَّهُ لَا مَدْخَل لِبَنَاتِ الِابْن أَنْ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ فِي غَيْر الثُّلُثَيْنِ.
فَإِنْ كَانَتْ بِنْت الصُّلْب وَاحِدَة فَإِنَّ اِبْنَة الِابْن أَوْ بَنَات الِابْن يَرِثْنَ مَعَ بَنَات الصُّلْب تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ ; لِأَنَّهُ فَرْض يَرِثهُ الْبِنْتَانِ فَمَا زَادَ.
وَبَنَات الِابْن يَقُمْنَ مَقَام الْبَنَات عِنْد عَدَمِهِنَّ.
وَكَذَلِكَ أَبْنَاء الْبَنِينَ يَقُومُونَ مَقَام الْبَنِينَ فِي الْحَجْب وَالْمِيرَاث.
فَلَمَّا عُدِمَ مَنْ يَسْتَحِقّ مِنْهُنَّ السُّدُس كَانَ ذَلِكَ لِبِنْتِ الِابْن، وَهِيَ أَوْلَى بِالسُّدُسِ مِنْ الْأُخْت الشَّقِيقَة لِلْمُتَوَفَّى.
عَلَى هَذَا جُمْهُور الْفُقَهَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ; إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ أَبِي مُوسَى وَسُلَيْمَان بْن أَبِي رَبِيعَة أَنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ، وَالنِّصْف الثَّانِي لِلْأُخْتِ، وَلَا حَقّ فِي ذَلِكَ لِبِنْتِ الِابْن.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ ; رَوَاهُ الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنَا آدَم حَدَّثَنَا شُعْبَة حَدَّثَنَا أَبُو قَيْس سَمِعْت هُزَيْل بْن شُرَحْبِيل يَقُول : سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنْ اِبْنَةٍ وَابْنَةِ اِبْن وَأُخْت.
فَقَالَ :( لِلِابْنَةِ النِّصْف، وَلِلْأُخْتِ النِّصْف ) ; وَأْتِ اِبْن مَسْعُود فَإِنَّهُ سَيُتَابِعُنِي.
فَسُئِلَ اِبْن مَسْعُود وَأَخْبَرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ :( لَقَدْ ضَلَلْت إِذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ ! أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِلِابْنَةِ النِّصْف، وَلِابْنَةِ الِابْن السُّدُس تَكْمِلَة الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ ).
فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ اِبْن مَسْعُود فَقَالَ :( لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْر فِيكُمْ ).
فَإِنْ كَانَ مَعَ بِنْت الِابْن أَوْ بَنَات الِابْن اِبْن فِي دَرَجَتهَا أَوْ أَسْفَل مِنْهَا عَصَّبَهَا، فَكَانَ النِّصْف الثَّانِي بَيْنهمَا، لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ - خِلَافًا لِابْنِ مَسْعُود عَلَى مَا تَقَدَّمَ إِذَا اِسْتَوْفَى بَنَات الصُّلْب، أَوْ بِنْت الصُّلْب وَبَنَات الِابْن الثُّلُثَيْنِ وَكَذَلِكَ يَقُول فِي الْأُخْت لِأَبٍ وَأُمّ، وَأَخَوَات وَإِخْوَة لِأَبٍ : لِلْأُخْتِ مِنْ الْأَب وَالْأُمّ النِّصْف، وَالْبَاقِي لِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَات، مَا لَمْ يُصِبْهُنَّ مِنْ الْمُقَاسَمَة أَكْثَر مِنْ السُّدُس ; فَإِنْ أَصَابَهُنَّ أَكْثَر مِنْ السُّدُس أَعْطَاهُنَّ السُّدُس تَكْمِلَة الثُّلُثَيْنِ، وَلَمْ يَزِدْهُنَّ عَلَى ذَلِكَ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْر.
قَرَأَ نَافِع وَأَهْل الْمَدِينَة " وَاحِدَةٌ " بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى وَقَعَتْ وَحَدَثَتْ، فَهِيَ كَانَتْ التَّامَّة ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَأَدْفِئُونِي | فَإِنَّ الشَّيْخ يُهْرِمُهُ الشِّتَاءُ |
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذِهِ قِرَاءَة حَسَنَة.
أَيْ وَإِنْ كَانَتْ الْمَتْرُوكَة أَوْ الْمَوْلُودَة " وَاحِدَةً " مِثْل " فَإِنْ كُنَّ نِسَاء ".
فَإِذَا كَانَ مَعَ بَنَات الصُّلْب بَنَات اِبْن، وَكَانَ بَنَات الصُّلْب اِثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا حَجَبْنَ بَنَاتِ الِابْن أَنْ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ ; لِأَنَّهُ لَا مَدْخَل لِبَنَاتِ الِابْن أَنْ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ فِي غَيْر الثُّلُثَيْنِ.
فَإِنْ كَانَتْ بِنْت الصُّلْب وَاحِدَة فَإِنَّ اِبْنَة الِابْن أَوْ بَنَات الِابْن يَرِثْنَ مَعَ بَنَات الصُّلْب تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ ; لِأَنَّهُ فَرْض يَرِثهُ الْبِنْتَانِ فَمَا زَادَ.
وَبَنَات الِابْن يَقُمْنَ مَقَام الْبَنَات عِنْد عَدَمِهِنَّ.
وَكَذَلِكَ أَبْنَاء الْبَنِينَ يَقُومُونَ مَقَام الْبَنِينَ فِي الْحَجْب وَالْمِيرَاث.
فَلَمَّا عُدِمَ مَنْ يَسْتَحِقّ مِنْهُنَّ السُّدُس كَانَ ذَلِكَ لِبِنْتِ الِابْن، وَهِيَ أَوْلَى بِالسُّدُسِ مِنْ الْأُخْت الشَّقِيقَة لِلْمُتَوَفَّى.
عَلَى هَذَا جُمْهُور الْفُقَهَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ; إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ أَبِي مُوسَى وَسُلَيْمَان بْن أَبِي رَبِيعَة أَنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ، وَالنِّصْف الثَّانِي لِلْأُخْتِ، وَلَا حَقّ فِي ذَلِكَ لِبِنْتِ الِابْن.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ ; رَوَاهُ الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنَا آدَم حَدَّثَنَا شُعْبَة حَدَّثَنَا أَبُو قَيْس سَمِعْت هُزَيْل بْن شُرَحْبِيل يَقُول : سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنْ اِبْنَةٍ وَابْنَةِ اِبْن وَأُخْت.
فَقَالَ :( لِلِابْنَةِ النِّصْف، وَلِلْأُخْتِ النِّصْف ) ; وَأْتِ اِبْن مَسْعُود فَإِنَّهُ سَيُتَابِعُنِي.
فَسُئِلَ اِبْن مَسْعُود وَأَخْبَرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ :( لَقَدْ ضَلَلْت إِذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ ! أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِلِابْنَةِ النِّصْف، وَلِابْنَةِ الِابْن السُّدُس تَكْمِلَة الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ ).
فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ اِبْن مَسْعُود فَقَالَ :( لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْر فِيكُمْ ).
فَإِنْ كَانَ مَعَ بِنْت الِابْن أَوْ بَنَات الِابْن اِبْن فِي دَرَجَتهَا أَوْ أَسْفَل مِنْهَا عَصَّبَهَا، فَكَانَ النِّصْف الثَّانِي بَيْنهمَا، لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ - خِلَافًا لِابْنِ مَسْعُود عَلَى مَا تَقَدَّمَ إِذَا اِسْتَوْفَى بَنَات الصُّلْب، أَوْ بِنْت الصُّلْب وَبَنَات الِابْن الثُّلُثَيْنِ وَكَذَلِكَ يَقُول فِي الْأُخْت لِأَبٍ وَأُمّ، وَأَخَوَات وَإِخْوَة لِأَبٍ : لِلْأُخْتِ مِنْ الْأَب وَالْأُمّ النِّصْف، وَالْبَاقِي لِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَات، مَا لَمْ يُصِبْهُنَّ مِنْ الْمُقَاسَمَة أَكْثَر مِنْ السُّدُس ; فَإِنْ أَصَابَهُنَّ أَكْثَر مِنْ السُّدُس أَعْطَاهُنَّ السُّدُس تَكْمِلَة الثُّلُثَيْنِ، وَلَمْ يَزِدْهُنَّ عَلَى ذَلِكَ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْر.
إِذَا مَاتَ الرَّجُل وَتَرَكَ زَوْجَته حُبْلَى فَإِنَّ الْمَال يُوقَف حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَا تَضَع.
وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ الرَّجُل إِذَا مَاتَ وَزَوْجَته حُبْلَى أَنَّ الْوَلَد الَّذِي فِي بَطْنهَا يَرِث وَيُورَث إِذَا خَرَجَ حَيًّا وَاسْتَهَلَّ.
وَقَالُوا جَمِيعًا : إِذَا خَرَجَ مَيِّتًا لَمْ يَرِثْ ; فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا وَلَمْ يَسْتَهِلَّ فَقَالَتْ طَائِفَة : لَا مِيرَاث لَهُ وَإِنْ تَحَرَّكَ أَوْ عَطَسَ مَا لَمْ يَسْتَهِلّ.
هَذَا قَوْل مَالِك وَالْقَاسِم بْن مُحَمَّد وَابْن سِيرِينَ وَالشَّعْبِيّ وَالزُّهْرِيّ وَقَتَادَة.
وَقَالَتْ طَائِفَة : إِذَا عُرِفَتْ حَيَاة الْمَوْلُود بِتَحْرِيكٍ أَوْ صِيَاح أَوْ رَضَاع أَوْ نَفَسٍ فَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْحَيّ.
هَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : الَّذِي قَالَ الشَّافِعِيّ يَحْتَمِل النَّظَر، غَيْر أَنَّ الْخَبَر يَمْنَع مِنْهُ وَهُوَ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا مِنْ مَوْلُود يُولَد إِلَّا نَخَسَهُ الشَّيْطَان فَيَسْتَهِلّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَان إِلَّا اِبْنَ مَرْيَم وَأُمَّهُ ).
وَهَذَا خَبَر، وَلَا يَقَع عَلَى الْخَبَر النَّسْخ.
لَمَّا قَالَ تَعَالَى :" فِي أَوْلَادكُمْ " تَنَاوَلَ الْخُنْثَى وَهُوَ الَّذِي لَهُ فَرْجَانِ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ يُورَث مِنْ حَيْثُ يَبُول ; إِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُول الرَّجُل وَرِثَ مِيرَاث رَجُل، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُول الْمَرْأَة وَرِثَ مِيرَاث الْمَرْأَة.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَا أَحْفَظ عَنْ مَالِك فِيهِ شَيْئًا، بَلْ قَدْ ذَكَرَ اِبْن الْقَاسِم أَنَّهُ هَابَ أَنْ يَسْأَلَ مَالِكًا عَنْهُ.
فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا مَعًا فَالْمُعْتَبَر سَبْق الْبَوْل ; قَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَأَحْمَد وَإِسْحَاق.
وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَاب الرَّأْي.
وَرَوَى قَتَادَة عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ قَالَ فِي الْخُنْثَى : يُوَرِّثهُ مِنْ حَيْثُ يَبُول ; فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَمِنْ أَيِّهِمَا سَبَقَ، فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا مَعًا فَنِصْف ذَكَر وَنِصْف أُنْثَى.
وَقَالَ يَعْقُوب وَمُحَمَّد : مِنْ أَيّهمَا خَرَجَ أَكْثَرَ وَرِثَ ; وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيّ.
وَقَالَ النُّعْمَان : إِذَا خَرَجَ مِنْهُمَا مَعًا فَهُوَ مُشْكِلٌ، وَلَا أَنْظُر إِلَى أَيّهمَا أَكْثَر.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَنْهُ إِذَا كَانَ هَكَذَا.
وَحُكِيَ عَنْهُ قَالَ : إِذَا أَشْكَلَ يُعْطَى أَقَلّ النَّصِيبَيْنِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْن آدَم : إِذَا بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُول الرَّجُل وَيَحِيض كَمَا تَحِيض الْمَرْأَة وَرِثَ مِنْ حَيْثُ يَبُول ; لِأَنَّ فِي الْأَثَر : يُوَرَّث مِنْ مَبَالِهِ.
وَفِي قَوْل الشَّافِعِيّ : إِذَا خَرَجَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَلَمْ يَسْبِق أَحَدهمَا الْآخَر يَكُون مُشْكِلًا، وَيُعْطَى مِنْ الْمِيرَاث مِيرَاث أُنْثَى، وَيُوقَف الْبَاقِي بَيْنه وَبَيْنَ سَائِر الْوَرَثَة حَتَّى يَتَبَيَّن أَمْره أَوْ يَصْطَلِحُوا، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْر.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ : يُعْطَى نِصْف مِيرَاث الذَّكَر، وَنِصْف مِيرَاث الْأُنْثَى ; وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيّ، وَهُوَ مَذْهَب مَالِك.
وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ الرَّجُل إِذَا مَاتَ وَزَوْجَته حُبْلَى أَنَّ الْوَلَد الَّذِي فِي بَطْنهَا يَرِث وَيُورَث إِذَا خَرَجَ حَيًّا وَاسْتَهَلَّ.
وَقَالُوا جَمِيعًا : إِذَا خَرَجَ مَيِّتًا لَمْ يَرِثْ ; فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا وَلَمْ يَسْتَهِلَّ فَقَالَتْ طَائِفَة : لَا مِيرَاث لَهُ وَإِنْ تَحَرَّكَ أَوْ عَطَسَ مَا لَمْ يَسْتَهِلّ.
هَذَا قَوْل مَالِك وَالْقَاسِم بْن مُحَمَّد وَابْن سِيرِينَ وَالشَّعْبِيّ وَالزُّهْرِيّ وَقَتَادَة.
وَقَالَتْ طَائِفَة : إِذَا عُرِفَتْ حَيَاة الْمَوْلُود بِتَحْرِيكٍ أَوْ صِيَاح أَوْ رَضَاع أَوْ نَفَسٍ فَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْحَيّ.
هَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : الَّذِي قَالَ الشَّافِعِيّ يَحْتَمِل النَّظَر، غَيْر أَنَّ الْخَبَر يَمْنَع مِنْهُ وَهُوَ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا مِنْ مَوْلُود يُولَد إِلَّا نَخَسَهُ الشَّيْطَان فَيَسْتَهِلّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَان إِلَّا اِبْنَ مَرْيَم وَأُمَّهُ ).
وَهَذَا خَبَر، وَلَا يَقَع عَلَى الْخَبَر النَّسْخ.
لَمَّا قَالَ تَعَالَى :" فِي أَوْلَادكُمْ " تَنَاوَلَ الْخُنْثَى وَهُوَ الَّذِي لَهُ فَرْجَانِ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ يُورَث مِنْ حَيْثُ يَبُول ; إِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُول الرَّجُل وَرِثَ مِيرَاث رَجُل، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُول الْمَرْأَة وَرِثَ مِيرَاث الْمَرْأَة.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَا أَحْفَظ عَنْ مَالِك فِيهِ شَيْئًا، بَلْ قَدْ ذَكَرَ اِبْن الْقَاسِم أَنَّهُ هَابَ أَنْ يَسْأَلَ مَالِكًا عَنْهُ.
فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا مَعًا فَالْمُعْتَبَر سَبْق الْبَوْل ; قَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَأَحْمَد وَإِسْحَاق.
وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَاب الرَّأْي.
وَرَوَى قَتَادَة عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ قَالَ فِي الْخُنْثَى : يُوَرِّثهُ مِنْ حَيْثُ يَبُول ; فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَمِنْ أَيِّهِمَا سَبَقَ، فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا مَعًا فَنِصْف ذَكَر وَنِصْف أُنْثَى.
وَقَالَ يَعْقُوب وَمُحَمَّد : مِنْ أَيّهمَا خَرَجَ أَكْثَرَ وَرِثَ ; وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيّ.
وَقَالَ النُّعْمَان : إِذَا خَرَجَ مِنْهُمَا مَعًا فَهُوَ مُشْكِلٌ، وَلَا أَنْظُر إِلَى أَيّهمَا أَكْثَر.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَنْهُ إِذَا كَانَ هَكَذَا.
وَحُكِيَ عَنْهُ قَالَ : إِذَا أَشْكَلَ يُعْطَى أَقَلّ النَّصِيبَيْنِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْن آدَم : إِذَا بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُول الرَّجُل وَيَحِيض كَمَا تَحِيض الْمَرْأَة وَرِثَ مِنْ حَيْثُ يَبُول ; لِأَنَّ فِي الْأَثَر : يُوَرَّث مِنْ مَبَالِهِ.
وَفِي قَوْل الشَّافِعِيّ : إِذَا خَرَجَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَلَمْ يَسْبِق أَحَدهمَا الْآخَر يَكُون مُشْكِلًا، وَيُعْطَى مِنْ الْمِيرَاث مِيرَاث أُنْثَى، وَيُوقَف الْبَاقِي بَيْنه وَبَيْنَ سَائِر الْوَرَثَة حَتَّى يَتَبَيَّن أَمْره أَوْ يَصْطَلِحُوا، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْر.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ : يُعْطَى نِصْف مِيرَاث الذَّكَر، وَنِصْف مِيرَاث الْأُنْثَى ; وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيّ، وَهُوَ مَذْهَب مَالِك.
قَالَ اِبْن شَاسٍ فِي جَوَاهِره الثَّمِينَة عَلَى مَذْهَب مَالِك عَالِم الْمَدِينَة : الْخُنْثَى يُعْتَبَر إِذَا كَانَ ذَا فَرْجَيْنِ فَرْج الْمَرْأَة وَفَرْج الرَّجُل بِالْمَبَالِ مِنْهُمَا ; فَيُعْطَى الْحُكْم لِمَا بَالَ مِنْهُ فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا اُعْتُبِرَتْ الْكَثْرَة مِنْ أَيّهمَا، فَإِنْ تَسَاوَى الْحَال اُعْتُبِرَ السَّبْق، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا مَعًا اُعْتُبِرَ نَبَات اللِّحْيَة أَوْ كِبَر الثَّدْيَيْنِ وَمُشَابَهَتُهُمَا لِثَدْيِ النِّسَاء، فَإِنْ اِجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ اُعْتُبِرَ الْحَال عِنْد الْبُلُوغ، فَإِنْ وُجِدَ الْحَيْض حُكِمَ بِهِ، وَإِنْ وُجِدَ الِاحْتِلَام وَحْدَهُ حُكِمَ بِهِ، فَإِنْ اجْتَمَعَا فَهُوَ مُشْكِل.
وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فَرْجٌ، لَا الْمُخْتَصّ بِالرِّجَالِ وَلَا الْمُخْتَصّ بِالنِّسَاءِ، بَلْ كَانَ لَهُ مَكَان يَبُول مِنْهُ فَقَطْ اُنْتُظِرَ بِهِ الْبُلُوغ ; فَإِنْ ظَهَرَتْ عَلَامَة مُمَيِّزَة وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِل.
ثُمَّ حَيْثُ حَكَمْنَا بِالْإِشْكَالِ فَمِيرَاثُهُ نِصْف نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى.
قُلْت : هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ الْعَلَامَات فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِل.
وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى عَلَامَةٍ فِي " الْبَقَرَة " وَصَدْر هَذِهِ السُّورَة تُلْحِقُهُ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ، وَهِيَ اِعْتِبَار الْأَضْلَاع ; وَهِيَ مَرْوِيَّة عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَبِهَا حَكَمَ.
وَقَدْ نَظَمَ بَعْض الْفُضَلَاء الْعُلَمَاء حُكْم الْخُنْثَى فِي أَبْيَات كَثِيرَة أَوَّلهَا :
وَفِيهَا يَقُول :
قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ اِبْن رُشْد : وَلَا يَكُون الْخُنْثَى الْمُشْكِل زَوْجًا وَلَا زَوْجَة، وَلَا أَبًا وَلَا أُمًّا.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ قَدْ وُجِدَ مَنْ لَهُ وَلَد مِنْ بَطْنه وَوَلَد مِنْ ظَهْره.
وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فَرْجٌ، لَا الْمُخْتَصّ بِالرِّجَالِ وَلَا الْمُخْتَصّ بِالنِّسَاءِ، بَلْ كَانَ لَهُ مَكَان يَبُول مِنْهُ فَقَطْ اُنْتُظِرَ بِهِ الْبُلُوغ ; فَإِنْ ظَهَرَتْ عَلَامَة مُمَيِّزَة وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِل.
ثُمَّ حَيْثُ حَكَمْنَا بِالْإِشْكَالِ فَمِيرَاثُهُ نِصْف نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى.
قُلْت : هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ الْعَلَامَات فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِل.
وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى عَلَامَةٍ فِي " الْبَقَرَة " وَصَدْر هَذِهِ السُّورَة تُلْحِقُهُ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ، وَهِيَ اِعْتِبَار الْأَضْلَاع ; وَهِيَ مَرْوِيَّة عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَبِهَا حَكَمَ.
وَقَدْ نَظَمَ بَعْض الْفُضَلَاء الْعُلَمَاء حُكْم الْخُنْثَى فِي أَبْيَات كَثِيرَة أَوَّلهَا :
وَأَنَّهُ مُعْتَبَرُ الْأَحْوَالِ | بِالثَّدْيِ وَاللِّحْيَةِ وَالْمَبَالِ |
وَإِنْ يَكُنْ قَدْ اِسْتَوَتْ حَالَاتُهُ | وَلَمْ تَبِنْ وَأَشْكَلَتْ آيَاتُهُ |
فَحَظُّهُ مِنْ مَوْرِثِ الْقَرِيبِ | سِتَّةُ أَثْمَانٍ مِنْ النَّصِيبِ |
هَذَا الَّذِي اِسْتَحَقَّ لِلْإِشْكَالِ | وَفِيهِ مَا فِيهِ مِنْ النَّكَالِ |
وَوَاجِبٌ فِي الْحَقِّ أَلَّا يَنْكِحَا | مَا عَاشَ فِي الدُّنْيَا وَأَلَّا يُنْكَحَا |
إِذْ لَمْ يَكُنْ مِنْ خَالِصِ الْعِيَالِ | وَلَا اِغْتَدَى مِنْ جُمْلَةِ الرِّجَالِ |
وَكُلُّ مَا ذَكَرْته فِي النَّظْمِ | قَدْ قَالَهُ سَرَاةُ أَهْلِ الْعِلْمِ |
وَقَدْ أَبَى الْكَلَامَ فِيهِ قَوْمُ | مِنْهُمْ وَلَمْ يَجْنَحْ إِلَيْهِ لَوْمُ |
لِفَرْطِ مَا يَبْدُو مِنْ الشَّنَاعَهْ | فِي ذِكْرِهِ وَظَاهِرِ الْبَشَاعَهْ |
وَقَدْ مَضَى فِي شَأْنِهِ الْخَفِيِّ | حُكْمُ الْإِمَامِ الْمُرْتَضَى عَلِيِّ |
بِأَنَّهُ إِنْ نَقَصَتْ أَضْلَاعُهُ | فَلِلرِّجَالِ يَنْبَغِي إِتْبَاعُهُ |
فِي الْإِرْثِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِحْرَامِ | فِي الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالْأَحْكَامِ |
وَإِنْ تَزِدْ ضِلْعًا عَلَى الذُّكْرَانِ | فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ النِّسْوَانِ |
لِأَنَّ لِلنِّسْوَانِ ضِلْعًا زَائِدَهْ | عَلَى الرِّجَالِ فَاغْتَنِمْهَا فَائِدَهْ |
إِذْ نَقَصَتْ مِنْ آدَمَ فِيمَا سَبَقْ | لِخَلْقِ حَوَّاءَ وَهَذَا الْقَوْلُ حَقْ |
عَلَيْهِ مِمَّا قَالَهُ الرَّسُولُ | صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَا دَلِيلُ |
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ قَدْ وُجِدَ مَنْ لَهُ وَلَد مِنْ بَطْنه وَوَلَد مِنْ ظَهْره.
قَالَ اِبْن رُشْد : فَإِنْ صَحَّ وَرِثَ مِنْ اِبْنه لِصُلْبِهِ مِيرَاثَ الْأَب كَامِلًا، وَمِنْ اِبْنه لِبَطْنِهِ مِيرَاث الْأُمّ كَامِلًا.
وَهَذَا بَعِيد، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هَانِئ عُمَر بْن بَشِير قَالَ : سُئِلَ عَامِر الشَّعْبِيّ عَنْ مَوْلُود لَيْسَ بِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، لَيْسَ لَهُ مَا لِلذَّكَرِ وَلَا مَا لِلْأُنْثَى، يَخْرُجُ مِنْ سُرَّتِهِ كَهَيْئَةِ الْبَوْل وَالْغَائِط ; فَسُئِلَ عَامِر عَنْ مِيرَاثه فَقَالَ عَامِر : نِصْف حَظِّ الذَّكَرِ وَنِصْف حَظّ الْأُنْثَى.
وَهَذَا بَعِيد، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي سُنَن الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هَانِئ عُمَر بْن بَشِير قَالَ : سُئِلَ عَامِر الشَّعْبِيّ عَنْ مَوْلُود لَيْسَ بِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، لَيْسَ لَهُ مَا لِلذَّكَرِ وَلَا مَا لِلْأُنْثَى، يَخْرُجُ مِنْ سُرَّتِهِ كَهَيْئَةِ الْبَوْل وَالْغَائِط ; فَسُئِلَ عَامِر عَنْ مِيرَاثه فَقَالَ عَامِر : نِصْف حَظِّ الذَّكَرِ وَنِصْف حَظّ الْأُنْثَى.
وَلِأَبَوَيْهِ
أَيْ لِأَبَوَيْ الْمَيِّت.
وَهَذَا كِنَايَة عَنْ غَيْر مَذْكُور، وَجَازَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ ; كَقَوْلِهِ :" حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : ٣٢ ] و " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر " [ الْقَدْر : ١ ].
و " السُّدُس " رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَمَا قَبْلَهُ خَبَرُهُ : وَكَذَلِكَ " الثُّلُث.
وَالسُّدُس ".
وَكَذَلِكَ " نِصْف مَا تَرَكَ " وَكَذَلِكَ " فَلَكُمْ الرُّبُع ".
وَكَذَلِكَ " لَهُنَّ الرُّبُع ".
و " فَلَهُنَّ الثُّمُن " وَكَذَلِكَ " فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُس ".
وَالْأَبَوَانِ تَثْنِيَة الْأَب وَالْأَبَة.
وَاسْتُغْنِيَ بِلَفْظِ الْأُمّ عَنْ أَنْ يُقَال لَهَا أَبَة.
وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يُجْرِي الْمُخْتَلِفَيْنِ مَجْرَى الْمُتَّفِقَيْنِ ; فَيُغَلِّبُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَر لِخِفَّتِهِ أَوْ شُهْرَتِهِ.
جَاءَ ذَلِكَ مَسْمُوعًا فِي أَسْمَاء صَالِحَة ; كَقَوْلِهِمْ لِلْأَبِ وَالْأُمّ : أَبَوَانِ.
وَلِلشَّمْسِ وَالْقَمَر : الْقَمَرَانِ.
وَلِلَّيْلِ وَالنَّهَار : الْمَلَوَانِ.
وَكَذَلِكَ الْعُمَرَانِ لِأَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
غَلَّبُوا الْقَمَرَ عَلَى الشَّمْس لِخِفَّةِ التَّذْكِير، وَغَلَّبُوا عُمَر عَلَى أَبِي بَكْر لِأَنَّ أَيَّام عُمَر اِمْتَدَّتْ فَاشْتَهَرَتْ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُمَرَيْنِ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فَلَيْسَ قَوْله بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُمْ نَطَقُوا بِالْعُمَرَيْنِ قَبْل أَنْ يَرَوْا عُمَرَ بْن عَبْد الْعَزِيز ; قَالَ اِبْن الشَّجَرِيّ.
وَلَمْ يَدْخُل فِي قَوْله تَعَالَى :" وَلِأَبَوَيْهِ " مَنْ عَلَا مِنْ الْآبَاء دُخُولَ مَنْ سَفَلَ مِنْ الْأَبْنَاء فِي قَوْله " أَوْلَادكُمْ " ; لِأَنَّ قَوْله :" وَلِأَبَوَيْهِ " لَفْظ مُثَنًّى لَا يَحْتَمِل الْعُمُومَ وَالْجَمْع أَيْضًا ; بِخِلَافِ قَوْله " أَوْلَادكُمْ ".
وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة هَذَا قَوْله تَعَالَى :" فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُث " وَالْأُمّ الْعُلْيَا جَدَّةٌ وَلَا يُفْرَض لَهَا الثُّلُث بِإِجْمَاعٍ، فَخُرُوج الْجَدَّة عَنْ هَذَا اللَّفْظ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَتَنَاوُلُهُ لِلْجَدِّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
فَمِمَّنْ قَالَ هُوَ أَب وَحَجَبَ بِهِ الْإِخْوَة أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَة فِي ذَلِكَ أَيَّام حَيَاتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ بَعْد وَفَاته ; فَمِمَّنْ قَالَ إِنَّهُ أَب اِبْن عَبَّاس وَعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر وَعَائِشَة وَمُعَاذ بْن جَبَل وَأُبَيّ بْن كَعْب وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأَبُو هُرَيْرَة، كُلّهمْ يَجْعَلُونَ الْجَدّ عِنْد عَدَم الْأَب كَالْأَبِ سَوَاء، يَحْجُبُونَ بِهِ الْإِخْوَةَ كُلَّهُمْ وَلَا يَرِثُونَ مَعَهُ شَيْئًا.
وَقَالَهُ عَطَاء وَطَاوُس وَالْحَسَن وَقَتَادَة.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق.
وَالْحُجَّة لَهُمْ قَوْله تَعَالَى :" مِلَّة أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم " [ الْحَجّ : ٧٨ ] " يَا بَنِي آدَم " [ الْأَعْرَاف : ٢٦ ]، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( يَا بَنِي إِسْمَاعِيل اِرْمُوا فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ).
أَيْ لِأَبَوَيْ الْمَيِّت.
وَهَذَا كِنَايَة عَنْ غَيْر مَذْكُور، وَجَازَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ ; كَقَوْلِهِ :" حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " [ ص : ٣٢ ] و " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر " [ الْقَدْر : ١ ].
و " السُّدُس " رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَمَا قَبْلَهُ خَبَرُهُ : وَكَذَلِكَ " الثُّلُث.
وَالسُّدُس ".
وَكَذَلِكَ " نِصْف مَا تَرَكَ " وَكَذَلِكَ " فَلَكُمْ الرُّبُع ".
وَكَذَلِكَ " لَهُنَّ الرُّبُع ".
و " فَلَهُنَّ الثُّمُن " وَكَذَلِكَ " فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُس ".
وَالْأَبَوَانِ تَثْنِيَة الْأَب وَالْأَبَة.
وَاسْتُغْنِيَ بِلَفْظِ الْأُمّ عَنْ أَنْ يُقَال لَهَا أَبَة.
وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يُجْرِي الْمُخْتَلِفَيْنِ مَجْرَى الْمُتَّفِقَيْنِ ; فَيُغَلِّبُ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَر لِخِفَّتِهِ أَوْ شُهْرَتِهِ.
جَاءَ ذَلِكَ مَسْمُوعًا فِي أَسْمَاء صَالِحَة ; كَقَوْلِهِمْ لِلْأَبِ وَالْأُمّ : أَبَوَانِ.
وَلِلشَّمْسِ وَالْقَمَر : الْقَمَرَانِ.
وَلِلَّيْلِ وَالنَّهَار : الْمَلَوَانِ.
وَكَذَلِكَ الْعُمَرَانِ لِأَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
غَلَّبُوا الْقَمَرَ عَلَى الشَّمْس لِخِفَّةِ التَّذْكِير، وَغَلَّبُوا عُمَر عَلَى أَبِي بَكْر لِأَنَّ أَيَّام عُمَر اِمْتَدَّتْ فَاشْتَهَرَتْ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُمَرَيْنِ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فَلَيْسَ قَوْله بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُمْ نَطَقُوا بِالْعُمَرَيْنِ قَبْل أَنْ يَرَوْا عُمَرَ بْن عَبْد الْعَزِيز ; قَالَ اِبْن الشَّجَرِيّ.
وَلَمْ يَدْخُل فِي قَوْله تَعَالَى :" وَلِأَبَوَيْهِ " مَنْ عَلَا مِنْ الْآبَاء دُخُولَ مَنْ سَفَلَ مِنْ الْأَبْنَاء فِي قَوْله " أَوْلَادكُمْ " ; لِأَنَّ قَوْله :" وَلِأَبَوَيْهِ " لَفْظ مُثَنًّى لَا يَحْتَمِل الْعُمُومَ وَالْجَمْع أَيْضًا ; بِخِلَافِ قَوْله " أَوْلَادكُمْ ".
وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة هَذَا قَوْله تَعَالَى :" فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُث " وَالْأُمّ الْعُلْيَا جَدَّةٌ وَلَا يُفْرَض لَهَا الثُّلُث بِإِجْمَاعٍ، فَخُرُوج الْجَدَّة عَنْ هَذَا اللَّفْظ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَتَنَاوُلُهُ لِلْجَدِّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
فَمِمَّنْ قَالَ هُوَ أَب وَحَجَبَ بِهِ الْإِخْوَة أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَة فِي ذَلِكَ أَيَّام حَيَاتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ بَعْد وَفَاته ; فَمِمَّنْ قَالَ إِنَّهُ أَب اِبْن عَبَّاس وَعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر وَعَائِشَة وَمُعَاذ بْن جَبَل وَأُبَيّ بْن كَعْب وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأَبُو هُرَيْرَة، كُلّهمْ يَجْعَلُونَ الْجَدّ عِنْد عَدَم الْأَب كَالْأَبِ سَوَاء، يَحْجُبُونَ بِهِ الْإِخْوَةَ كُلَّهُمْ وَلَا يَرِثُونَ مَعَهُ شَيْئًا.
وَقَالَهُ عَطَاء وَطَاوُس وَالْحَسَن وَقَتَادَة.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق.
وَالْحُجَّة لَهُمْ قَوْله تَعَالَى :" مِلَّة أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم " [ الْحَجّ : ٧٨ ] " يَا بَنِي آدَم " [ الْأَعْرَاف : ٢٦ ]، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( يَا بَنِي إِسْمَاعِيل اِرْمُوا فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ).
وَذَهَبَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَزَيْد وَابْن مَسْعُود إِلَى تَوْرِيث الْجَدّ مَعَ الْإِخْوَة، وَلَا يُنْقَص مِنْ الثُّلُث مَعَ الْإِخْوَة لِلْأَبِ وَالْأُمّ أَوْ لِلْأَبِ إِلَّا مَعَ ذَوِي الْفُرُوض ; فَإِنَّهُ لَا يُنْقِص مَعَهُمْ مِنْ السُّدُس شَيْئًا فِي قَوْل زَيْد.
وَهُوَ قَوْل مَالِك وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ.
وَكَانَ عَلِيّ يُشْرِك بَيْنَ الْإِخْوَة وَالْجَدّ إِلَى السُّدُس وَلَا يُنْقِصُهُ مِنْ السُّدُس شَيْئًا مَعَ ذَوِي الْفَرَائِض وَغَيْرهمْ.
وَهُوَ قَوْل اِبْن أَبِي لَيْلَى وَطَائِفَة.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْجَدَّ لَا يَرِث مَعَ الْأَب وَأَنَّ الِابْن يَحْجُب أَبَاهُ.
وَأَنْزَلُوا الْجَدّ بِمَنْزِلَةِ الْأَب فِي الْحَجْب وَالْمِيرَاث إِذَا لَمْ يَتْرُك الْمُتَوَفَّى أَبًا أَقْرَبَ مِنْهُ فِي جَمِيع الْمَوَاضِع.
وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّ الْجَدّ يُسْقِطُ بَنِي الْإِخْوَة مِنْ الْمِيرَاث ; إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ أَجْرَى بَنِي الْإِخْوَة فِي الْمُقَاسَمَة مَجْرَى الْإِخْوَة.
وَالْحُجَّة لِقَوْلِ الْجُمْهُور إِنَّ هَذَا ذَكَر لَا يُعَصِّب أُخْتَه فَلَا يُقَاسِم الْجَدّ كَالْعَمِّ وَابْن الْعَمّ.
قَالَ الشَّعْبِيّ : أَوَّل جَدّ وَرِثَ فِي الْإِسْلَام عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; مَاتَ اِبْنٌ لِعَاصِمِ بْن عُمَرَ وَتَرَكَ أَخَوَيْنِ فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِمَالٍ فَاسْتَشَارَ عَلِيًّا وَزَيْدًا فِي ذَلِكَ فَمَثَّلَا لَهُ مَثَلًا فَقَالَ :( لَوْلَا أَنَّ رَأْيَكُمَا اِجْتَمَعَ مَا رَأَيْت أَنْ يَكُون اِبْنِي وَلَا أَكُونُ أَبَاهُ ).
رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب اِسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ يَوْمًا فَأَذِنَ لَهُ، وَرَأْسه فِي يَد جَارِيَةٍ لَهُ تُرَجِّلُهُ، فَنَزَعَ رَأْسَهُ ; فَقَالَ لَهُ عُمَر : دَعْهَا تُرَجِّلكَ.
فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَرْسَلْت إِلَيَّ جِئْتُك.
فَقَالَ عُمَر : إِنَّمَا الْحَاجَة لِي، إِنِّي جِئْتُك لِتَنْظُرَ فِي أَمْر الْجَدّ.
فَقَالَ زَيْد : لَا وَاَللَّهِ ! مَا تَقُول فِيهِ.
فَقَالَ عُمَر : لَيْسَ هُوَ بِوَحْيٍ حَتَّى نَزِيدَ فِيهِ وَنُنْقِص، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تَرَاهُ، فَإِنْ رَأَيْته وَافَقَنِي تَبِعْته، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْك فِيهِ شَيْءٌ.
فَأَبَى زَيْد، فَخَرَجَ مُغْضَبًا وَقَالَ : قَدْ جِئْتُك وَأَنَا أَظُنُّ سَتُفْرِغُ مِنْ حَاجَتِي.
ثُمَّ أَتَاهُ مَرَّة أُخْرَى فِي السَّاعَة الَّتِي أَتَاهُ فِي الْمَرَّة الْأُولَى، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَالَ : فَسَأَكْتُبُ لَك فِيهِ.
فَكَتَبَهُ فِي قِطْعَة قَتْب وَضَرَبَ لَهُ مَثَلًا.
إِنَّمَا مَثَلُهُ مَثَلُ شَجَرَة تَنْبُت عَلَى سَاقٍ وَاحِدَة، فَخَرَجَ فِيهَا غُصْن ثُمَّ خَرَجَ فِي غُصْنٍ غُصْنٌ آخَرُ ; فَالسَّاق يَسْقِي الْغُصْنَ، فَإِنْ قَطَعْت الْغُصْنَ الْأَوَّلَ رَجَعَ الْمَاء إِلَى الْغُصْن، وَإِنْ قَطَعْت الثَّانِيَ رَجَعَ الْمَاء إِلَى الْأَوَّل.
فَأَتَى بِهِ فَخَطَبَ النَّاس عُمَر ثُمَّ قَرَأَ قِطْعَة الْقَتْب عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَدْ قَالَ فِي الْجَدّ قَوْلًا وَقَدْ أَمْضَيْته.
وَهُوَ قَوْل مَالِك وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ.
وَكَانَ عَلِيّ يُشْرِك بَيْنَ الْإِخْوَة وَالْجَدّ إِلَى السُّدُس وَلَا يُنْقِصُهُ مِنْ السُّدُس شَيْئًا مَعَ ذَوِي الْفَرَائِض وَغَيْرهمْ.
وَهُوَ قَوْل اِبْن أَبِي لَيْلَى وَطَائِفَة.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْجَدَّ لَا يَرِث مَعَ الْأَب وَأَنَّ الِابْن يَحْجُب أَبَاهُ.
وَأَنْزَلُوا الْجَدّ بِمَنْزِلَةِ الْأَب فِي الْحَجْب وَالْمِيرَاث إِذَا لَمْ يَتْرُك الْمُتَوَفَّى أَبًا أَقْرَبَ مِنْهُ فِي جَمِيع الْمَوَاضِع.
وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّ الْجَدّ يُسْقِطُ بَنِي الْإِخْوَة مِنْ الْمِيرَاث ; إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ أَجْرَى بَنِي الْإِخْوَة فِي الْمُقَاسَمَة مَجْرَى الْإِخْوَة.
وَالْحُجَّة لِقَوْلِ الْجُمْهُور إِنَّ هَذَا ذَكَر لَا يُعَصِّب أُخْتَه فَلَا يُقَاسِم الْجَدّ كَالْعَمِّ وَابْن الْعَمّ.
قَالَ الشَّعْبِيّ : أَوَّل جَدّ وَرِثَ فِي الْإِسْلَام عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; مَاتَ اِبْنٌ لِعَاصِمِ بْن عُمَرَ وَتَرَكَ أَخَوَيْنِ فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِمَالٍ فَاسْتَشَارَ عَلِيًّا وَزَيْدًا فِي ذَلِكَ فَمَثَّلَا لَهُ مَثَلًا فَقَالَ :( لَوْلَا أَنَّ رَأْيَكُمَا اِجْتَمَعَ مَا رَأَيْت أَنْ يَكُون اِبْنِي وَلَا أَكُونُ أَبَاهُ ).
رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب اِسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ يَوْمًا فَأَذِنَ لَهُ، وَرَأْسه فِي يَد جَارِيَةٍ لَهُ تُرَجِّلُهُ، فَنَزَعَ رَأْسَهُ ; فَقَالَ لَهُ عُمَر : دَعْهَا تُرَجِّلكَ.
فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَرْسَلْت إِلَيَّ جِئْتُك.
فَقَالَ عُمَر : إِنَّمَا الْحَاجَة لِي، إِنِّي جِئْتُك لِتَنْظُرَ فِي أَمْر الْجَدّ.
فَقَالَ زَيْد : لَا وَاَللَّهِ ! مَا تَقُول فِيهِ.
فَقَالَ عُمَر : لَيْسَ هُوَ بِوَحْيٍ حَتَّى نَزِيدَ فِيهِ وَنُنْقِص، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تَرَاهُ، فَإِنْ رَأَيْته وَافَقَنِي تَبِعْته، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْك فِيهِ شَيْءٌ.
فَأَبَى زَيْد، فَخَرَجَ مُغْضَبًا وَقَالَ : قَدْ جِئْتُك وَأَنَا أَظُنُّ سَتُفْرِغُ مِنْ حَاجَتِي.
ثُمَّ أَتَاهُ مَرَّة أُخْرَى فِي السَّاعَة الَّتِي أَتَاهُ فِي الْمَرَّة الْأُولَى، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَالَ : فَسَأَكْتُبُ لَك فِيهِ.
فَكَتَبَهُ فِي قِطْعَة قَتْب وَضَرَبَ لَهُ مَثَلًا.
إِنَّمَا مَثَلُهُ مَثَلُ شَجَرَة تَنْبُت عَلَى سَاقٍ وَاحِدَة، فَخَرَجَ فِيهَا غُصْن ثُمَّ خَرَجَ فِي غُصْنٍ غُصْنٌ آخَرُ ; فَالسَّاق يَسْقِي الْغُصْنَ، فَإِنْ قَطَعْت الْغُصْنَ الْأَوَّلَ رَجَعَ الْمَاء إِلَى الْغُصْن، وَإِنْ قَطَعْت الثَّانِيَ رَجَعَ الْمَاء إِلَى الْأَوَّل.
فَأَتَى بِهِ فَخَطَبَ النَّاس عُمَر ثُمَّ قَرَأَ قِطْعَة الْقَتْب عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَدْ قَالَ فِي الْجَدّ قَوْلًا وَقَدْ أَمْضَيْته.
قَالَ : وَكَانَ عُمَر أَوَّلَ جَدّ كَانَ ; فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ كُلَّهُ، مَالَ اِبْن اِبْنِهِ دُونَ إِخْوَته، فَقَسَمَهُ بَعْد ذَلِكَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَأَمَّا الْجَدَّة فَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أُمّ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأُمَّ تَحْجُب أُمَّهَا وَأُمّ الْأَب.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَب لَا يَحْجُب أُمّ الْأُمّ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيث الْجَدَّة وَابْنُهَا حَيٌّ ; فَقَالَتْ طَائِفَة :( لَا تَرِث الْجَدَّة وَابْنهَا حَيّ ).
رُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت وَعُثْمَان وَعَلِيّ.
وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي.
وَقَالَتْ طَائِفَة :( تَرِث الْجَدَّة مَعَ اِبْنهَا ).
رُوِيَ عَنْ عُمَر وَابْن مَسْعُود وَعُثْمَان وَعَلِيّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَقَالَ بِهِ شُرَيْح وَجَابِر بْن زَيْد وَعُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن وَشَرِيك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذِر.
وَقَالَ : كَمَا أَنَّ الْجَدّ لَا يَحْجُبُهُ إِلَّا الْأَب كَذَلِكَ الْجَدَّة لَا يَحْجُبهَا إِلَّا الْأُمّ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ فِي الْجَدَّة مَعَ اِبْنهَا :( إِنَّهَا أَوَّل جَدَّة أَطْعَمَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُدُسًا مَعَ اِبْنهَا وَابْنُهَا حَيٌّ ).
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَوْرِيث الْجَدَّات ; فَقَالَ مَالِك : لَا يَرِث إِلَّا جَدَّتَانِ، أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ وَأُمَّهَاتهمَا.
وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو ثَوْر عَنْ الشَّافِعِيّ، وَقَالَ بِهِ جَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ.
فَإِنْ اِنْفَرَدَتْ إِحْدَاهُمَا فَالسُّدُس لَهَا، وَإِنْ اِجْتَمَعَتَا وَقَرَابَتهمَا سَوَاء فَالسُّدُس بَيْنهمَا.
وَكَذَلِكَ إِنْ كَثُرْنَ إِذَا تَسَاوَيْنَ فِي الْقُعْدُد ; وَهَذَا كُلّه مُجْمَع عَلَيْهِ.
فَإِنْ قَرُبَتْ الَّتِي مِنْ قِبَل الْأُمّ كَانَ لَهَا السُّدُس دُون غَيْرهَا، وَإِنْ قَرُبَتْ الَّتِي مِنْ قِبَل الْأَب كَانَ بَيْنهَا وَبَيْنَ الَّتِي مِنْ قِبَل الْأُمّ وَإِنْ بَعُدَتْ.
وَلَا تَرِث إِلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ قِبَل الْأُمّ.
وَلَا تَرِث الْجَدَّة أُمّ أَب الْأُمّ عَلَى حَال.
هَذَا مَذْهَب زَيْد بْن ثَابِت، وَهُوَ أَثْبَتُ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ.
وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَهْل الْمَدِينَة.
وَقِيلَ : إِنَّ الْجَدَّات أُمَّهَات ; فَإِذَا اجْتَمَعْنَ فَالسُّدُس لِأَقْرَبِهِنَّ ; كَمَا أَنَّ الْآبَاء إِذَا اِجْتَمَعُوا كَانَ أَحَدهمْ بِالْمِيرَاثِ أَقْرَبَهُمْ ; فَكَذَلِكَ الْبَنُونَ وَالْإِخْوَة، وَبَنُو الْإِخْوَة وَبَنُو الْعَمّ إِذَا اِجْتَمَعُوا كَانَ أَحَقُّهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَقْرَبَهُمْ ; فَكَذَلِكَ الْأُمَّهَات.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهَذَا أَصَحّ، وَبِهِ أَقُول.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ يُوَرِّث ثَلَاثَ جَدَّات : وَاحِدَة مِنْ قِبَل الْأُمّ وَاثْنَتَيْنِ مِنْ قِبَل الْأَب.
وَهُوَ قَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل ; رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَرُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت عَكْس هَذَا ; أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّث ثَلَاثَ جَدَّات : ثِنْتَيْنِ مِنْ جِهَة الْأُمّ وَوَاحِدَة مِنْ قِبَل الْأَب.
وَقَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَقَوْلِ زَيْد هَذَا.
وَأَمَّا الْجَدَّة فَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أُمّ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأُمَّ تَحْجُب أُمَّهَا وَأُمّ الْأَب.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَب لَا يَحْجُب أُمّ الْأُمّ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيث الْجَدَّة وَابْنُهَا حَيٌّ ; فَقَالَتْ طَائِفَة :( لَا تَرِث الْجَدَّة وَابْنهَا حَيّ ).
رُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت وَعُثْمَان وَعَلِيّ.
وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي.
وَقَالَتْ طَائِفَة :( تَرِث الْجَدَّة مَعَ اِبْنهَا ).
رُوِيَ عَنْ عُمَر وَابْن مَسْعُود وَعُثْمَان وَعَلِيّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَقَالَ بِهِ شُرَيْح وَجَابِر بْن زَيْد وَعُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن وَشَرِيك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذِر.
وَقَالَ : كَمَا أَنَّ الْجَدّ لَا يَحْجُبُهُ إِلَّا الْأَب كَذَلِكَ الْجَدَّة لَا يَحْجُبهَا إِلَّا الْأُمّ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ فِي الْجَدَّة مَعَ اِبْنهَا :( إِنَّهَا أَوَّل جَدَّة أَطْعَمَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُدُسًا مَعَ اِبْنهَا وَابْنُهَا حَيٌّ ).
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَوْرِيث الْجَدَّات ; فَقَالَ مَالِك : لَا يَرِث إِلَّا جَدَّتَانِ، أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ وَأُمَّهَاتهمَا.
وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو ثَوْر عَنْ الشَّافِعِيّ، وَقَالَ بِهِ جَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ.
فَإِنْ اِنْفَرَدَتْ إِحْدَاهُمَا فَالسُّدُس لَهَا، وَإِنْ اِجْتَمَعَتَا وَقَرَابَتهمَا سَوَاء فَالسُّدُس بَيْنهمَا.
وَكَذَلِكَ إِنْ كَثُرْنَ إِذَا تَسَاوَيْنَ فِي الْقُعْدُد ; وَهَذَا كُلّه مُجْمَع عَلَيْهِ.
فَإِنْ قَرُبَتْ الَّتِي مِنْ قِبَل الْأُمّ كَانَ لَهَا السُّدُس دُون غَيْرهَا، وَإِنْ قَرُبَتْ الَّتِي مِنْ قِبَل الْأَب كَانَ بَيْنهَا وَبَيْنَ الَّتِي مِنْ قِبَل الْأُمّ وَإِنْ بَعُدَتْ.
وَلَا تَرِث إِلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ قِبَل الْأُمّ.
وَلَا تَرِث الْجَدَّة أُمّ أَب الْأُمّ عَلَى حَال.
هَذَا مَذْهَب زَيْد بْن ثَابِت، وَهُوَ أَثْبَتُ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ.
وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَهْل الْمَدِينَة.
وَقِيلَ : إِنَّ الْجَدَّات أُمَّهَات ; فَإِذَا اجْتَمَعْنَ فَالسُّدُس لِأَقْرَبِهِنَّ ; كَمَا أَنَّ الْآبَاء إِذَا اِجْتَمَعُوا كَانَ أَحَدهمْ بِالْمِيرَاثِ أَقْرَبَهُمْ ; فَكَذَلِكَ الْبَنُونَ وَالْإِخْوَة، وَبَنُو الْإِخْوَة وَبَنُو الْعَمّ إِذَا اِجْتَمَعُوا كَانَ أَحَقُّهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَقْرَبَهُمْ ; فَكَذَلِكَ الْأُمَّهَات.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهَذَا أَصَحّ، وَبِهِ أَقُول.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ يُوَرِّث ثَلَاثَ جَدَّات : وَاحِدَة مِنْ قِبَل الْأُمّ وَاثْنَتَيْنِ مِنْ قِبَل الْأَب.
وَهُوَ قَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل ; رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَرُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت عَكْس هَذَا ; أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّث ثَلَاثَ جَدَّات : ثِنْتَيْنِ مِنْ جِهَة الْأُمّ وَوَاحِدَة مِنْ قِبَل الْأَب.
وَقَوْل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَقَوْلِ زَيْد هَذَا.
وَكَانَا يَجْعَلَانِ السُّدُس لِأَقْرَبِهِمَا، مِنْ قِبَل الْأُمّ كَانَتْ أَوْ مِنْ قِبَل الْأَب.
وَلَا يَشْرَكُهَا فِيهِ مَنْ لَيْسَ فِي قُعْدُدِهَا، وَبِهِ يَقُول الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَأَبُو ثَوْر.
وَأَمَّا عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس فَكَانَا يُوَرِّثَانِ الْجَدَّاتِ الْأَرْبَعَ ; وَهُوَ قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَمُحَمَّد بْن سِيرِينَ وَجَابِر بْن زَيْد.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَكُلّ جَدَّة إِذَا نُسِبَتْ إِلَى الْمُتَوَفَّى وَقَعَ فِي نَسَبِهَا أَب بَيْنَ أُمَّيْنِ فَلَيْسَتْ تَرِث، فِي قَوْل كُلّ مَنْ يُحْفَظ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْم.
وَلَا يَشْرَكُهَا فِيهِ مَنْ لَيْسَ فِي قُعْدُدِهَا، وَبِهِ يَقُول الثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَأَبُو ثَوْر.
وَأَمَّا عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس فَكَانَا يُوَرِّثَانِ الْجَدَّاتِ الْأَرْبَعَ ; وَهُوَ قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَمُحَمَّد بْن سِيرِينَ وَجَابِر بْن زَيْد.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَكُلّ جَدَّة إِذَا نُسِبَتْ إِلَى الْمُتَوَفَّى وَقَعَ فِي نَسَبِهَا أَب بَيْنَ أُمَّيْنِ فَلَيْسَتْ تَرِث، فِي قَوْل كُلّ مَنْ يُحْفَظ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْم.
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ
فَرَضَ تَعَالَى لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَد السُّدُس ; وَأَبْهَمَ الْوَلَد فَكَانَ الذَّكَر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء.
فَإِنْ مَاتَ رَجُل وَتَرَكَ اِبْنًا وَأَبَوَيْنِ فَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا السُّدُس، وَمَا بَقِيَ فَلِلِابْنِ.
فَإِنْ تَرَكَ اِبْنَة وَأَبَوَيْنِ فَلِلِابْنَةِ النِّصْف وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ، وَمَا بَقِيَ فَلِأَقْرَب عَصَبَةٍ وَهُوَ الْأَب ; لِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا أَبْقَتْ الْفَرَائِض فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ ).
فَاجْتَمَعَ لِلْأَبِ الِاسْتِحْقَاق بِجِهَتَيْنِ : التَّعْصِيب وَالْفَرْض.
فَرَضَ تَعَالَى لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَد السُّدُس ; وَأَبْهَمَ الْوَلَد فَكَانَ الذَّكَر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء.
فَإِنْ مَاتَ رَجُل وَتَرَكَ اِبْنًا وَأَبَوَيْنِ فَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا السُّدُس، وَمَا بَقِيَ فَلِلِابْنِ.
فَإِنْ تَرَكَ اِبْنَة وَأَبَوَيْنِ فَلِلِابْنَةِ النِّصْف وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ، وَمَا بَقِيَ فَلِأَقْرَب عَصَبَةٍ وَهُوَ الْأَب ; لِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا أَبْقَتْ الْفَرَائِض فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ ).
فَاجْتَمَعَ لِلْأَبِ الِاسْتِحْقَاق بِجِهَتَيْنِ : التَّعْصِيب وَالْفَرْض.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ
فَأَخْبَرَ جَلَّ ذِكْره أَنَّ الْأَبَوَيْنِ إِذَا وَرِثَاهُ أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ.
وَدَلَّ بِقَوْلِهِ :" وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ " وَإِخْبَاره أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ، أَنَّ الْبَاقِيَ وَهُوَ الثُّلُثَانِ لِلْأَبِ.
وَهَذَا كَمَا تَقُول لِرَجُلَيْنِ : هَذَا الْمَال بَيْنَكُمَا، ثُمَّ تَقُول لِأَحَدِهِمَا : أَنْتَ يَا فُلَانُ لَك مِنْهُ ثُلُثٌ ; فَإِنَّك حَدَّدْت لِلْآخَرِ مِنْهُ الثُّلُثَيْنِ بِنَصِّ كَلَامك ; وَلِأَنَّ قُوَّة الْكَلَام فِي قَوْله :" وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ " يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمَا مُنْفَرِدَانِ عَنْ جَمِيع أَهْل السِّهَام مِنْ وَلَد وَغَيْره، وَلَيْسَ فِي هَذَا اِخْتِلَاف.
قُلْت : وَعَلَى هَذَا يَكُون الثُّلُثَانِ فَرْضًا لِلْأَبِ مُسَمًّى لَا يَكُون عَصَبَة، وَذَكَرَ اِبْن الْعَرَبِيّ أَنَّ الْمَعْنَى فِي تَفْضِيل الْأَب بِالثُّلُثِ عِنْد عَدَم الْوَلَد الذُّكُورِيَّة وَالنُّصْرَة، وَوُجُوب الْمُؤْنَة عَلَيْهِ، وَثَبَتَتْ الْأُمّ عَلَى سَهْم لِأَجْلِ الْقَرَابَة.
قُلْت : وَهَذَا مُنْتَقَض ; فَإِنَّ ذَلِكَ مَوْجُود مَعَ حَيَاته فَلِمَ حُرِمَ السُّدُس.
وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ إِنَّمَا حُرِمَ السُّدُس فِي حَيَاته إِرْفَاقًا بِالصَّبِيِّ وَحِيَاطَة عَلَى مَاله ; إِذْ قَدْ يَكُون إِخْرَاج جُزْء مِنْ مَاله إِجْحَافًا بِهِ.
أَوْ أَنَّ ذَلِكَ تَعَبُّد، وَهُوَ أَوْلَى مَا يُقَال.
وَاَللَّه الْمُوَفِّق.
إِنْ قِيلَ : مَا فَائِدَة زِيَادَة الْوَاو فِي قَوْله :" وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ "، وَكَانَ ظَاهِر الْكَلَام أَنْ يَقُول : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد وَرِثَهُ أَبَوَاهُ.
قِيلَ لَهُ : أَرَادَ بِزِيَادَتِهَا الْإِخْبَار لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ أَمْر مُسْتَقِرّ ثَابِت، فَيُخْبِر عَنْ ثُبُوته وَاسْتِقْرَاره، فَيَكُون حَال الْوَالِدَيْنِ عِنْد اِنْفِرَادهمَا كَحَالِ الْوَلَدَيْنِ، لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ.
وَيَجْتَمِع لِلْأَبِ بِذَلِكَ فَرْضَانِ السَّهْم وَالتَّعْصِيب إِذْ يُحْجَب الْإِخْوَة كَالْوَلَدِ.
وَهَذَا عَدْل فِي الْحُكْم، ظَاهِر فِي الْحِكْمَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
" فَلِأُمِّهِ الثُّلُث " قَرَأَ أَهْل الْكُوفَة " فَلِإِمِّهِ الثُّلُث " وَهِيَ لُغَة حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ.
قَالَ الْكِسَائِيّ : هِيَ لُغَة كَثِير مِنْ هَوَازِن وَهُذَيْل ; وَلِأَنَّ اللَّام لَمَّا كَانَتْ مَكْسُورَة وَكَانَتْ مُتَّصِلَة بِالْحَرْفِ كَرِهُوا ضَمَّةً بَعْد كَسْرَة، فَأَبْدَلُوا مِنْ الضَّمَّة كَسْرَة ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام فِعُل.
وَمَنْ ضَمَّ جَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْل ; وَلِأَنَّ اللَّام تَنْفَصِل لِأَنَّهَا دَاخِلَة عَلَى الِاسْم.
قَالَ جَمِيعه النَّحَّاس.
فَأَخْبَرَ جَلَّ ذِكْره أَنَّ الْأَبَوَيْنِ إِذَا وَرِثَاهُ أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ.
وَدَلَّ بِقَوْلِهِ :" وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ " وَإِخْبَاره أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ، أَنَّ الْبَاقِيَ وَهُوَ الثُّلُثَانِ لِلْأَبِ.
وَهَذَا كَمَا تَقُول لِرَجُلَيْنِ : هَذَا الْمَال بَيْنَكُمَا، ثُمَّ تَقُول لِأَحَدِهِمَا : أَنْتَ يَا فُلَانُ لَك مِنْهُ ثُلُثٌ ; فَإِنَّك حَدَّدْت لِلْآخَرِ مِنْهُ الثُّلُثَيْنِ بِنَصِّ كَلَامك ; وَلِأَنَّ قُوَّة الْكَلَام فِي قَوْله :" وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ " يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمَا مُنْفَرِدَانِ عَنْ جَمِيع أَهْل السِّهَام مِنْ وَلَد وَغَيْره، وَلَيْسَ فِي هَذَا اِخْتِلَاف.
قُلْت : وَعَلَى هَذَا يَكُون الثُّلُثَانِ فَرْضًا لِلْأَبِ مُسَمًّى لَا يَكُون عَصَبَة، وَذَكَرَ اِبْن الْعَرَبِيّ أَنَّ الْمَعْنَى فِي تَفْضِيل الْأَب بِالثُّلُثِ عِنْد عَدَم الْوَلَد الذُّكُورِيَّة وَالنُّصْرَة، وَوُجُوب الْمُؤْنَة عَلَيْهِ، وَثَبَتَتْ الْأُمّ عَلَى سَهْم لِأَجْلِ الْقَرَابَة.
قُلْت : وَهَذَا مُنْتَقَض ; فَإِنَّ ذَلِكَ مَوْجُود مَعَ حَيَاته فَلِمَ حُرِمَ السُّدُس.
وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ إِنَّمَا حُرِمَ السُّدُس فِي حَيَاته إِرْفَاقًا بِالصَّبِيِّ وَحِيَاطَة عَلَى مَاله ; إِذْ قَدْ يَكُون إِخْرَاج جُزْء مِنْ مَاله إِجْحَافًا بِهِ.
أَوْ أَنَّ ذَلِكَ تَعَبُّد، وَهُوَ أَوْلَى مَا يُقَال.
وَاَللَّه الْمُوَفِّق.
إِنْ قِيلَ : مَا فَائِدَة زِيَادَة الْوَاو فِي قَوْله :" وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ "، وَكَانَ ظَاهِر الْكَلَام أَنْ يَقُول : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد وَرِثَهُ أَبَوَاهُ.
قِيلَ لَهُ : أَرَادَ بِزِيَادَتِهَا الْإِخْبَار لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ أَمْر مُسْتَقِرّ ثَابِت، فَيُخْبِر عَنْ ثُبُوته وَاسْتِقْرَاره، فَيَكُون حَال الْوَالِدَيْنِ عِنْد اِنْفِرَادهمَا كَحَالِ الْوَلَدَيْنِ، لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ.
وَيَجْتَمِع لِلْأَبِ بِذَلِكَ فَرْضَانِ السَّهْم وَالتَّعْصِيب إِذْ يُحْجَب الْإِخْوَة كَالْوَلَدِ.
وَهَذَا عَدْل فِي الْحُكْم، ظَاهِر فِي الْحِكْمَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
" فَلِأُمِّهِ الثُّلُث " قَرَأَ أَهْل الْكُوفَة " فَلِإِمِّهِ الثُّلُث " وَهِيَ لُغَة حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ.
قَالَ الْكِسَائِيّ : هِيَ لُغَة كَثِير مِنْ هَوَازِن وَهُذَيْل ; وَلِأَنَّ اللَّام لَمَّا كَانَتْ مَكْسُورَة وَكَانَتْ مُتَّصِلَة بِالْحَرْفِ كَرِهُوا ضَمَّةً بَعْد كَسْرَة، فَأَبْدَلُوا مِنْ الضَّمَّة كَسْرَة ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام فِعُل.
وَمَنْ ضَمَّ جَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْل ; وَلِأَنَّ اللَّام تَنْفَصِل لِأَنَّهَا دَاخِلَة عَلَى الِاسْم.
قَالَ جَمِيعه النَّحَّاس.
فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ
الْإِخْوَة يَحْجُبُونَ الْأُمّ عَنْ الثُّلُث إِلَى السُّدُس، وَهَذَا هُوَ حَجْب النُّقْصَان، وَسَوَاء كَانَ الْإِخْوَة أَشِقَّاء أَوْ لِلْأَبِ أَوْ لِلْأُمِّ، وَلَا سَهْم لَهُمْ.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول :( السُّدُس الَّذِي حَجَبَ الْإِخْوَةُ الْأُمَّ عَنْهُ هُوَ لِلْإِخْوَةِ ).
وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْل قَوْل النَّاس ( إِنَّهُ لِلْأَبِ ).
قَالَ قَتَادَة : وَإِنَّمَا أَخَذَهُ الْأَب دُونَهُمْ ; لِأَنَّهُ يَمُونُهُمْ وَيَلِي نِكَاحَهُمْ وَالنَّفَقَة عَلَيْهِمْ.
وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ أَخَوَيْنِ فَصَاعِدًا ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا مِنْ أَبٍ وَأُمّ، أَوْ مِنْ أَبٍ أَوْ مِنْ أُمّ يَحْجُبُونَ الْأُمّ عَنْ الثُّلُث إِلَى السُّدُس ; إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ ( الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَة فِي حُكْم الْوَاحِد، وَلَا يَحْجُب الْأُمّ أَقَلّ مِنْ ثَلَاثَة ).
وَقَدْ صَارَ بَعْض النَّاس إِلَى أَنَّ الْأَخَوَات لَا يَحْجُبْنَ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُث إِلَى السُّدُس ; لِأَنَّ كِتَاب اللَّه فِي الْإِخْوَة وَلَيْسَتْ قُوَّة مِيرَاث الْإِنَاث مِثْل قُوَّة مِيرَاث الذُّكُور حَتَّى تَقْتَضِيَ الْعِبْرَة الْإِلْحَاق.
قَالَ اِلْكِيَا الطَّبَرِيّ : وَمُقْتَضَى أَقْوَالهمْ أَلَّا يَدْخُلْنَ مَعَ الْإِخْوَة ; فَإِنَّ لَفْظ الْإِخْوَة بِمُطْلَقِهِ لَا يَتَنَاوَل الْأَخَوَات، كَمَا أَنَّ لَفْظ الْبَنِينَ لَا يَتَنَاوَل الْبَنَات.
وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَلَّا تُحْجَب الْأُمّ بِالْأَخِ الْوَاحِد وَالْأُخْت مِنْ الثُّلُث إِلَى السُّدُس ; وَهُوَ خِلَاف إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ.
وَإِذَا كُنَّ مُرَادَات بِالْآيَةِ مَعَ الْإِخْوَة كُنَّ مُرَادَات عَلَى الِانْفِرَاد.
وَاسْتَدَلَّ الْجَمِيع بِأَنَّ أَقَلّ الْجَمْع اِثْنَانِ ; لِأَنَّ التَّثْنِيَة جَمْع شَيْء إِلَى مِثْله، فَالْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنَّهَا جَمْع.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ ).
وَحُكِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ : سَأَلْت الْخَلِيل عَنْ قَوْله " مَا أَحْسَنَ وُجُوهَهُمَا " ؟ فَقَالَ : الِاثْنَانِ جَمَاعَة.
وَقَدْ صَحَّ قَوْل الشَّاعِر :
وَأَنْشَدَ الْأَخْفَش :
وَقَالَ آخَر :
وَلَمَّا وَقَعَ الْكَلَام فِي ذَلِكَ بَيْنَ عُثْمَان وَابْن عَبَّاس قَالَ لَهُ عُثْمَان :( إِنَّ قَوْمك حَجَبُوهَا - يَعْنِي قُرَيْشًا - وَهُمْ أَهْل الْفَصَاحَة وَالْبَلَاغَة ).
وَمِمَّنْ قَالَ :( إِنَّ أَقَلّ الْجَمْع ثَلَاثَة ) - وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ هُنَا - اِبْن مَسْعُود وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَغَيْرهمْ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
الْإِخْوَة يَحْجُبُونَ الْأُمّ عَنْ الثُّلُث إِلَى السُّدُس، وَهَذَا هُوَ حَجْب النُّقْصَان، وَسَوَاء كَانَ الْإِخْوَة أَشِقَّاء أَوْ لِلْأَبِ أَوْ لِلْأُمِّ، وَلَا سَهْم لَهُمْ.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول :( السُّدُس الَّذِي حَجَبَ الْإِخْوَةُ الْأُمَّ عَنْهُ هُوَ لِلْإِخْوَةِ ).
وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْل قَوْل النَّاس ( إِنَّهُ لِلْأَبِ ).
قَالَ قَتَادَة : وَإِنَّمَا أَخَذَهُ الْأَب دُونَهُمْ ; لِأَنَّهُ يَمُونُهُمْ وَيَلِي نِكَاحَهُمْ وَالنَّفَقَة عَلَيْهِمْ.
وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ أَخَوَيْنِ فَصَاعِدًا ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا مِنْ أَبٍ وَأُمّ، أَوْ مِنْ أَبٍ أَوْ مِنْ أُمّ يَحْجُبُونَ الْأُمّ عَنْ الثُّلُث إِلَى السُّدُس ; إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ ( الِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَة فِي حُكْم الْوَاحِد، وَلَا يَحْجُب الْأُمّ أَقَلّ مِنْ ثَلَاثَة ).
وَقَدْ صَارَ بَعْض النَّاس إِلَى أَنَّ الْأَخَوَات لَا يَحْجُبْنَ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُث إِلَى السُّدُس ; لِأَنَّ كِتَاب اللَّه فِي الْإِخْوَة وَلَيْسَتْ قُوَّة مِيرَاث الْإِنَاث مِثْل قُوَّة مِيرَاث الذُّكُور حَتَّى تَقْتَضِيَ الْعِبْرَة الْإِلْحَاق.
قَالَ اِلْكِيَا الطَّبَرِيّ : وَمُقْتَضَى أَقْوَالهمْ أَلَّا يَدْخُلْنَ مَعَ الْإِخْوَة ; فَإِنَّ لَفْظ الْإِخْوَة بِمُطْلَقِهِ لَا يَتَنَاوَل الْأَخَوَات، كَمَا أَنَّ لَفْظ الْبَنِينَ لَا يَتَنَاوَل الْبَنَات.
وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَلَّا تُحْجَب الْأُمّ بِالْأَخِ الْوَاحِد وَالْأُخْت مِنْ الثُّلُث إِلَى السُّدُس ; وَهُوَ خِلَاف إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ.
وَإِذَا كُنَّ مُرَادَات بِالْآيَةِ مَعَ الْإِخْوَة كُنَّ مُرَادَات عَلَى الِانْفِرَاد.
وَاسْتَدَلَّ الْجَمِيع بِأَنَّ أَقَلّ الْجَمْع اِثْنَانِ ; لِأَنَّ التَّثْنِيَة جَمْع شَيْء إِلَى مِثْله، فَالْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنَّهَا جَمْع.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ ).
وَحُكِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ : سَأَلْت الْخَلِيل عَنْ قَوْله " مَا أَحْسَنَ وُجُوهَهُمَا " ؟ فَقَالَ : الِاثْنَانِ جَمَاعَة.
وَقَدْ صَحَّ قَوْل الشَّاعِر :
وَمَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنِ | ظَهْرَاهُمَا مِثْل ظُهُور التُّرْسَيْنِ |
لَمَّا أَتَتْنَا الْمَرْأَتَانِ بِالْخَبَرْ | فَقُلْنَ إِنَّ الْأَمْرَ فِينَا قَدْ شُهِرْ |
يُحَيَّى بِالسَّلَامِ غَنِيُّ قَوْمٍ | وَيُبْخَلُ بِالسَّلَامِ عَلَى الْفَقِيرِ |
أَلَيْسَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمَا سَوَاءً | إِذَا مَاتُوا وَصَارُوا فِي الْقُبُورِ |
وَمِمَّنْ قَالَ :( إِنَّ أَقَلّ الْجَمْع ثَلَاثَة ) - وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ هُنَا - اِبْن مَسْعُود وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَغَيْرهمْ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ
قَرَأَ اِبْن كَثِير ( أَبُو عَمْرو وَابْن عَامِر وَعَاصِم " يُوصَى " بِفَتْحِ الصَّاد.
الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ، وَكَذَلِكَ الْآخَر.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة فِيهِمَا عَنْ عَاصِم.
وَالْكَسْر اخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم ; لِأَنَّهُ جَرَى ذِكْر الْمَيِّت قَبْل هَذَا.
قَالَ الْأَخْفَش : وَتَصْدِيق ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" يُوصِينَ " و " تُوصُونَ ".
إِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي تَقْدِيم ذِكْر الْوَصِيَّة عَلَى ذِكْر الدَّيْن، وَالدَّيْن مُقَدَّم عَلَيْهَا بِإِجْمَاعٍ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ الْحَارِث عَنْ عَلِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْل الْوَصِيَّة، وَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ الْوَصِيَّة قَبْل الدَّيْن.
قَالَ : وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد عَامَّة أَهْل الْعِلْم أَنَّهُ يَبْدَأ بِالدَّيْنِ قَبْل الْوَصِيَّة.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث عَاصِم بْن ضَمْرَة عَنْ عَلِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الدَّيْن قَبْل الْوَصِيَّة وَلَيْسَ لِوَارِثٍ وَصِيَّة ).
رَوَاهُ عَنْهُمَا أَبُو إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ.
فَالْجَوَاب مِنْ أَوْجُه خَمْسَة :
الْأَوَّل : إِنَّمَا قُصِدَ تَقْدِيم هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ عَلَى الْمِيرَاث وَلَمْ يُقْصَد تَرْتِيبُهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا ; فَلِذَلِكَ تَقَدَّمَتْ الْوَصِيَّة فِي اللَّفْظ.
جَوَابٌ ثَانٍ : لَمَّا كَانَتْ الْوَصِيَّة أَقَلّ لُزُومًا مِنْ الدَّيْن قَدَّمَهَا اِهْتِمَامًا بِهَا ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :" لَا يُغَادِر صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً " [ الْكَهْف : ٤٩ ].
جَوَاب ثَالِث : قَدَّمَهَا لِكَثْرَةِ وُجُودِهَا وَوُقُوعِهَا ; فَصَارَتْ كَاللَّازِمِ لِكُلِّ مَيِّت مَعَ نَصّ الشَّرْع عَلَيْهَا، وَأَخَّرَ الدَّيْن لِشُذُوذِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُون وَقَدْ لَا يَكُون.
فَبَدَأَ بِذِكْرِ الَّذِي لَا بُدّ مِنْهُ، وَعَطَفَ بِاَلَّذِي قَدْ يَقَع أَحْيَانًا.
وَيُقَوِّي هَذَا : الْعَطْفُ بِأَوْ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْن رَاتِبًا لَكَانَ الْعَطْف بِالْوَاوِ.
جَوَاب رَابِع : إِنَّمَا قُدِّمَتْ الْوَصِيَّة إِذْ هِيَ حَظّ مَسَاكِينَ وَضُعَفَاء، وَأُخِّرَ الدَّيْن إِذْ هُوَ حَظّ غَرِيم يَطْلُبهُ بِقُوَّةٍ وَسُلْطَانٍ وَلَهُ فِيهِ مَقَال.
جَوَاب خَامِس : لَمَّا كَانَتْ الْوَصِيَّة يُنْشِئهَا مِنْ قَبْل نَفْسه قَدَّمَهَا، وَالدَّيْن ثَابِت مُؤَدًّى ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ.
وَلَمَّا ثَبَتَ هَذَا تَعَلَّقَ الشَّافِعِيّ بِذَلِكَ فِي تَقْدِيم دَيْن الزَّكَاة وَالْحَجّ عَلَى الْمِيرَاث فَقَالَ : إِنَّ الرَّجُل إِذَا فَرَّطَ فِي زَكَاته وَجَبَ أَخْذ ذَلِكَ مِنْ رَأْس مَاله.
وَهَذَا ظَاهِر بِبَادِئِ الرَّأْي ; لِأَنَّهُ حَقّ مِنْ الْحُقُوق فَيَلْزَم أَدَاؤُهُ عَنْهُ بَعْد الْمَوْت كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لَا سِيَّمَا وَالزَّكَاة مَصْرِفهَا إِلَى الْآدَمِيّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك : إِنْ أَوْصَى بِهَا أُدِّيَتْ مِنْ ثُلُثه، وَإِنْ سَكَتَ عَنْهَا لَمْ يَخْرُج عَنْهُ شَيْء.
قَالُوا : لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِب لِتَرْكِ الْوَرَثَة فُقَرَاء ; إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يَتَعَمَّد تَرْك الْكُلّ حَتَّى إِذَا مَاتَ اِسْتَغْرَقَ ذَلِكَ جَمِيع مَاله فَلَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ حَقّ.
قَرَأَ اِبْن كَثِير ( أَبُو عَمْرو وَابْن عَامِر وَعَاصِم " يُوصَى " بِفَتْحِ الصَّاد.
الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ، وَكَذَلِكَ الْآخَر.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة فِيهِمَا عَنْ عَاصِم.
وَالْكَسْر اخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم ; لِأَنَّهُ جَرَى ذِكْر الْمَيِّت قَبْل هَذَا.
قَالَ الْأَخْفَش : وَتَصْدِيق ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" يُوصِينَ " و " تُوصُونَ ".
إِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي تَقْدِيم ذِكْر الْوَصِيَّة عَلَى ذِكْر الدَّيْن، وَالدَّيْن مُقَدَّم عَلَيْهَا بِإِجْمَاعٍ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ الْحَارِث عَنْ عَلِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْل الْوَصِيَّة، وَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ الْوَصِيَّة قَبْل الدَّيْن.
قَالَ : وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد عَامَّة أَهْل الْعِلْم أَنَّهُ يَبْدَأ بِالدَّيْنِ قَبْل الْوَصِيَّة.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث عَاصِم بْن ضَمْرَة عَنْ عَلِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الدَّيْن قَبْل الْوَصِيَّة وَلَيْسَ لِوَارِثٍ وَصِيَّة ).
رَوَاهُ عَنْهُمَا أَبُو إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ.
فَالْجَوَاب مِنْ أَوْجُه خَمْسَة :
الْأَوَّل : إِنَّمَا قُصِدَ تَقْدِيم هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ عَلَى الْمِيرَاث وَلَمْ يُقْصَد تَرْتِيبُهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا ; فَلِذَلِكَ تَقَدَّمَتْ الْوَصِيَّة فِي اللَّفْظ.
جَوَابٌ ثَانٍ : لَمَّا كَانَتْ الْوَصِيَّة أَقَلّ لُزُومًا مِنْ الدَّيْن قَدَّمَهَا اِهْتِمَامًا بِهَا ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :" لَا يُغَادِر صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً " [ الْكَهْف : ٤٩ ].
جَوَاب ثَالِث : قَدَّمَهَا لِكَثْرَةِ وُجُودِهَا وَوُقُوعِهَا ; فَصَارَتْ كَاللَّازِمِ لِكُلِّ مَيِّت مَعَ نَصّ الشَّرْع عَلَيْهَا، وَأَخَّرَ الدَّيْن لِشُذُوذِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُون وَقَدْ لَا يَكُون.
فَبَدَأَ بِذِكْرِ الَّذِي لَا بُدّ مِنْهُ، وَعَطَفَ بِاَلَّذِي قَدْ يَقَع أَحْيَانًا.
وَيُقَوِّي هَذَا : الْعَطْفُ بِأَوْ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْن رَاتِبًا لَكَانَ الْعَطْف بِالْوَاوِ.
جَوَاب رَابِع : إِنَّمَا قُدِّمَتْ الْوَصِيَّة إِذْ هِيَ حَظّ مَسَاكِينَ وَضُعَفَاء، وَأُخِّرَ الدَّيْن إِذْ هُوَ حَظّ غَرِيم يَطْلُبهُ بِقُوَّةٍ وَسُلْطَانٍ وَلَهُ فِيهِ مَقَال.
جَوَاب خَامِس : لَمَّا كَانَتْ الْوَصِيَّة يُنْشِئهَا مِنْ قَبْل نَفْسه قَدَّمَهَا، وَالدَّيْن ثَابِت مُؤَدًّى ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ.
وَلَمَّا ثَبَتَ هَذَا تَعَلَّقَ الشَّافِعِيّ بِذَلِكَ فِي تَقْدِيم دَيْن الزَّكَاة وَالْحَجّ عَلَى الْمِيرَاث فَقَالَ : إِنَّ الرَّجُل إِذَا فَرَّطَ فِي زَكَاته وَجَبَ أَخْذ ذَلِكَ مِنْ رَأْس مَاله.
وَهَذَا ظَاهِر بِبَادِئِ الرَّأْي ; لِأَنَّهُ حَقّ مِنْ الْحُقُوق فَيَلْزَم أَدَاؤُهُ عَنْهُ بَعْد الْمَوْت كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لَا سِيَّمَا وَالزَّكَاة مَصْرِفهَا إِلَى الْآدَمِيّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك : إِنْ أَوْصَى بِهَا أُدِّيَتْ مِنْ ثُلُثه، وَإِنْ سَكَتَ عَنْهَا لَمْ يَخْرُج عَنْهُ شَيْء.
قَالُوا : لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِب لِتَرْكِ الْوَرَثَة فُقَرَاء ; إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يَتَعَمَّد تَرْك الْكُلّ حَتَّى إِذَا مَاتَ اِسْتَغْرَقَ ذَلِكَ جَمِيع مَاله فَلَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ حَقّ.
آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ
رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مُضْمَر، تَقْدِيره : هُمْ الْمَقْسُوم عَلَيْهِمْ وَهُمْ الْمُعْطُونَ.
رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مُضْمَر، تَقْدِيره : هُمْ الْمَقْسُوم عَلَيْهِمْ وَهُمْ الْمُعْطُونَ.
لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا
قِيلَ : فِي الدُّنْيَا بِالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَة ; كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَر ( إِنَّ الرَّجُل لَيُرْفَع بِدُعَاءِ وَلَده مِنْ بَعْده ).
وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح ( إِذَا مَاتَ الرَّجُل اِنْقَطَعَ عَمَله إِلَّا مِنْ ثَلَاث - فَذَكَرَ - أَوْ وَلَد صَالِح يَدْعُو لَهُ ).
وَقِيلَ :( فِي الْآخِرَة ; فَقَدْ يَكُون الِابْن أَفْضَل فَيَشْفَع فِي أَبِيهِ ) ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن.
وَقَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ الِابْن إِذَا كَانَ أَرْفَع مِنْ دَرَجَة أَبِيهِ فِي الْآخِرَة سَأَلَ اللَّه فَرَفَعَ إِلَيْهِ أَبَاهُ، وَكَذَلِكَ الْأَب إِذَا كَانَ أَرْفَعَ مِنْ اِبْنه ; وَسَيَأْتِي فِي " الطُّور " بَيَانه.
وَقِيلَ : فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ; قَالَ اِبْن زَيْد.
وَاللَّفْظ يَقْتَضِي ذَلِكَ.
قِيلَ : فِي الدُّنْيَا بِالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَة ; كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَر ( إِنَّ الرَّجُل لَيُرْفَع بِدُعَاءِ وَلَده مِنْ بَعْده ).
وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح ( إِذَا مَاتَ الرَّجُل اِنْقَطَعَ عَمَله إِلَّا مِنْ ثَلَاث - فَذَكَرَ - أَوْ وَلَد صَالِح يَدْعُو لَهُ ).
وَقِيلَ :( فِي الْآخِرَة ; فَقَدْ يَكُون الِابْن أَفْضَل فَيَشْفَع فِي أَبِيهِ ) ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن.
وَقَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ الِابْن إِذَا كَانَ أَرْفَع مِنْ دَرَجَة أَبِيهِ فِي الْآخِرَة سَأَلَ اللَّه فَرَفَعَ إِلَيْهِ أَبَاهُ، وَكَذَلِكَ الْأَب إِذَا كَانَ أَرْفَعَ مِنْ اِبْنه ; وَسَيَأْتِي فِي " الطُّور " بَيَانه.
وَقِيلَ : فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ; قَالَ اِبْن زَيْد.
وَاللَّفْظ يَقْتَضِي ذَلِكَ.
فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ
" فَرِيضَة " نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر الْمُؤَكِّد، إِذْ مَعْنَى " يُوصِيكُمْ " يَفْرِض عَلَيْكُمْ.
وَقَالَ مَكِّيّ وَغَيْره : هِيَ حَال مُؤَكِّدَة ; وَالْعَامِل " يُوصِيكُمْ " وَذَلِكَ ضَعِيف.
وَالْآيَة مُتَعَلِّقَة بِمَا تَقَدَّمَ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ عَرَّفَ الْعِبَاد أَنَّهُمْ كُفُوا مُؤْنَة الِاجْتِهَاد فِي إِيصَاء الْقَرَابَة مَعَ اِجْتِمَاعهمْ فِي الْقَرَابَة، أَيْ إِنَّ الْآبَاء وَالْأَبْنَاء يَنْفَع بَعْضهمْ بَعْضًا فِي الدُّنْيَا بِالتَّنَاصُرِ وَالْمُوَاسَاة، وَفِي الْآخِرَة بِالشَّفَاعَةِ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْآبَاء وَالْأَبْنَاء تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي جَمِيع الْأَقَارِب ; فَلَوْ كَانَ الْقِسْمَة مَوْكُولَة إِلَى الِاجْتِهَاد لِوُجُوبِ النَّظَر فِي غِنَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ.
وَعِنْد ذَلِكَ يَخْرُج الْأَمْر عَنْ الضَّبْط إِذْ قَدْ يَخْتَلِف الْأَمْر، فَبَيَّنَ الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ الْأَصْلَح لِلْعَبْدِ أَلَّا يُوَكَّل إِلَى اِجْتِهَاده فِي مَقَادِير الْمَوَارِيث، بَلْ بَيَّنَ الْمَقَادِير شَرْعًا.
" فَرِيضَة " نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر الْمُؤَكِّد، إِذْ مَعْنَى " يُوصِيكُمْ " يَفْرِض عَلَيْكُمْ.
وَقَالَ مَكِّيّ وَغَيْره : هِيَ حَال مُؤَكِّدَة ; وَالْعَامِل " يُوصِيكُمْ " وَذَلِكَ ضَعِيف.
وَالْآيَة مُتَعَلِّقَة بِمَا تَقَدَّمَ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ عَرَّفَ الْعِبَاد أَنَّهُمْ كُفُوا مُؤْنَة الِاجْتِهَاد فِي إِيصَاء الْقَرَابَة مَعَ اِجْتِمَاعهمْ فِي الْقَرَابَة، أَيْ إِنَّ الْآبَاء وَالْأَبْنَاء يَنْفَع بَعْضهمْ بَعْضًا فِي الدُّنْيَا بِالتَّنَاصُرِ وَالْمُوَاسَاة، وَفِي الْآخِرَة بِالشَّفَاعَةِ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْآبَاء وَالْأَبْنَاء تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي جَمِيع الْأَقَارِب ; فَلَوْ كَانَ الْقِسْمَة مَوْكُولَة إِلَى الِاجْتِهَاد لِوُجُوبِ النَّظَر فِي غِنَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ.
وَعِنْد ذَلِكَ يَخْرُج الْأَمْر عَنْ الضَّبْط إِذْ قَدْ يَخْتَلِف الْأَمْر، فَبَيَّنَ الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ الْأَصْلَح لِلْعَبْدِ أَلَّا يُوَكَّل إِلَى اِجْتِهَاده فِي مَقَادِير الْمَوَارِيث، بَلْ بَيَّنَ الْمَقَادِير شَرْعًا.
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا
أَيْ بِقِسْمَةِ الْمَوَارِيث
أَيْ بِقِسْمَةِ الْمَوَارِيث
حَكِيمًا
حَكَمَ قِسْمَتهَا وَبَيَّنَهَا لِأَهْلِهَا.
وَقَالَ الزَّجَّاج :" عَلِيمًا " أَيْ بِالْأَشْيَاءِ قَبْل خَلْقهَا " حَكِيمًا " فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيُمْضِيهِ مِنْهَا.
وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّ اللَّه سُبْحَانه لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَال، وَالْخَبَر مِنْهُ بِالْمَاضِي كَالْخَبَرِ مِنْهُ بِالِاسْتِقْبَالِ.
وَمَذْهَب سِيبَوَيْهِ أَنَّهُمْ رَأَوْا حِكْمَة وَعِلْمًا فَقِيلَ لَهُمْ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلْ عَلَى مَا رَأَيْتُمْ.
حَكَمَ قِسْمَتهَا وَبَيَّنَهَا لِأَهْلِهَا.
وَقَالَ الزَّجَّاج :" عَلِيمًا " أَيْ بِالْأَشْيَاءِ قَبْل خَلْقهَا " حَكِيمًا " فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيُمْضِيهِ مِنْهَا.
وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّ اللَّه سُبْحَانه لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَال، وَالْخَبَر مِنْهُ بِالْمَاضِي كَالْخَبَرِ مِنْهُ بِالِاسْتِقْبَالِ.
وَمَذْهَب سِيبَوَيْهِ أَنَّهُمْ رَأَوْا حِكْمَة وَعِلْمًا فَقِيلَ لَهُمْ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلْ عَلَى مَا رَأَيْتُمْ.
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ
الْخِطَاب لِلرِّجَالِ.
وَالْوَلَد هُنَا بَنُو الصُّلْب وَبَنُو بَنِيهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا، ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَاحِدًا فَمَا زَادَ بِإِجْمَاعٍ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ مَعَ عَدَم الْوَلَد أَوْ وَلَد الْوَلَد، وَلَهُ مَعَ وُجُوده الرُّبُع.
وَتَرِثُ الْمَرْأَة مِنْ زَوْجهَا الرُّبُع مَعَ فَقْد الْوَلَد، وَالثُّمُن مَعَ وُجُوده.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ حُكْم الْوَاحِدَة مِنْ الْأَزْوَاج وَالثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاث وَالْأَرْبَع فِي الرُّبُع إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد، وَفِي الثُّمُن إِنْ كَانَ لَهُ وَلَد وَاحِد، وَأَنَّهُنَّ شُرَكَاء فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حُكْم الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ وَبَيْنَ حُكْم الْجَمِيع، كَمَا فَرَّقَ بَيْنَ حُكْم الْوَاحِدَة مِنْ الْبَنَات وَالْوَاحِدَة مِنْ الْأَخَوَات وَبَيْنَ حُكْم الْجَمِيع مِنْهُنَّ.
الْخِطَاب لِلرِّجَالِ.
وَالْوَلَد هُنَا بَنُو الصُّلْب وَبَنُو بَنِيهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا، ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَاحِدًا فَمَا زَادَ بِإِجْمَاعٍ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ مَعَ عَدَم الْوَلَد أَوْ وَلَد الْوَلَد، وَلَهُ مَعَ وُجُوده الرُّبُع.
وَتَرِثُ الْمَرْأَة مِنْ زَوْجهَا الرُّبُع مَعَ فَقْد الْوَلَد، وَالثُّمُن مَعَ وُجُوده.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ حُكْم الْوَاحِدَة مِنْ الْأَزْوَاج وَالثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاث وَالْأَرْبَع فِي الرُّبُع إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد، وَفِي الثُّمُن إِنْ كَانَ لَهُ وَلَد وَاحِد، وَأَنَّهُنَّ شُرَكَاء فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حُكْم الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ وَبَيْنَ حُكْم الْجَمِيع، كَمَا فَرَّقَ بَيْنَ حُكْم الْوَاحِدَة مِنْ الْبَنَات وَالْوَاحِدَة مِنْ الْأَخَوَات وَبَيْنَ حُكْم الْجَمِيع مِنْهُنَّ.
وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
الْكَلَالَة مَصْدَر ; مِنْ تَكَلَّلَهُ النَّسَب أَيْ أَحَاطَ بِهِ.
وَبِهِ سُمِّيَ الْإِكْلِيل، وَهِيَ مَنْزِلَة مِنْ مَنَازِل الْقَمَر لِإِحَاطَتِهَا بِالْقَمَرِ إِذَا اِحْتَلَّ بِهَا.
وَمِنْهُ الْإِكْلِيل أَيْضًا وَهُوَ التَّاج وَالْعِصَابَة الْمُحِيطَة بِالرَّأْسِ.
( فَإِذَا مَاتَ الرَّجُل وَلَيْسَ لَهُ وَلَد وَلَا وَالِد فَوَرَثَتُهُ كَلَالَةٌ ).
هَذَا قَوْل أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعُمَر وَعَلِيّ وَجُمْهُور أَهْل الْعِلْم.
وَذَكَرَ يَحْيَى بْن آدَم عَنْ شَرِيك وَزُهَيْر وَأَبِي الْأَحْوَص عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ سُلَيْمَان بْن عَبْد قَالَ : مَا رَأَيْتهمْ إِلَّا وَقَدْ تَوَاطَئُوا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَلَالَة مَنْ مَاتَ لَيْسَ لَهُ وَلَد وَلَا وَالِد.
وَهَكَذَا قَالَ صَاحِب كِتَاب الْعَيْن وَأَبُو مَنْصُور اللُّغَوِيّ وَابْن عَرَفَة والْقُتَبِيّ وَأَبُو عُبَيْد وَابْن الْأَنْبَارِيّ.
فَالْأَب وَالِابْن طَرَفَانِ لِلرَّجُلِ ; فَإِذَا ذَهَبَا تَكَلَّلَهُ النَّسَب.
وَمِنْهُ قِيلَ : رَوْضَة مُكَلَّلَة إِذَا حُفَّتْ بِالنُّورِ.
وَأَنْشَدُوا :
يَعْنِي نَبْتَيْنِ.
وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس :
فَسَمَّوْا الْقَرَابَةَ كَلَالَةً ; لِأَنَّهُمْ أَطَافُوا بِالْمَيِّتِ مِنْ جَوَانِبه وَلَيْسُوا مِنْهُ وَلَا هُوَ مِنْهُمْ، وَإِحَاطَتهمْ بِهِ أَنَّهُمْ يَنْتَسِبُونَ مَعَهُ.
كَمَا قَالَ أَعْرَابِيّ : مَالِي كَثِيرٌ وَيَرِثُنِي كَلَالَةٌ مُتَرَاخٍ نَسَبُهُمْ.
وَقَالَ الْفَرَزْدَق :
وَقَالَ آخَر :
وَقِيلَ : إِنَّ الْكَلَالَة مَأْخُوذَة مِنْ الْكَلَال وَهُوَ الْإِعْيَاء ; فَكَأَنَّهُ يَصِير الْمِيرَاث إِلَى الْوَارِث عَنْ بُعْد وَإِعْيَاء.
قَالَ الْأَعْشَى :
وَذَكَرَ أَبُو حَاتِم وَالْأَثْرَم عَنْ أَبِي عُبَيْدَة قَالَ : الْكَلَالَة كُلّ مَنْ لَمْ يَرِثْهُ أَبٌ أَوْ اِبْن أَوْ أَخٌ فَهُوَ عِنْد الْعَرَب كَلَالَة.
قَالَ أَبُو عُمَر : ذِكْر أَبِي عُبَيْدَة الْأَخَ هُنَا مَعَ الْأَب وَالِابْن فِي شَرْط الْكَلَالَة غَلَطٌ لَا وَجْه لَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي شَرْط الْكَلَالَة غَيْره.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب أَنَّ ( الْكَلَالَة مَنْ لَا وَلَد لَهُ خَاصَّة ) ; وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْر ثُمَّ رَجَعَا عَنْهُ.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْكَلَالَة الْحَيّ وَالْمَيِّت جَمِيعًا.
وَعَنْ عَطَاء : الْكَلَالَة الْمَال.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا قَوْل طَرِيف لَا وَجْه لَهُ.
قُلْت : لَهُ وَجْهٌ يَتَبَيَّن بِالْإِعْرَابِ آنِفًا.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيّ أَنَّ الْكَلَالَة بَنُو الْعَمّ الْأَبَاعِد.
وَعَنْ السُّدِّيّ أَنَّ الْكَلَالَة الْمَيِّت.
وَعَنْهُ مِثْل قَوْل الْجُمْهُور.
الْكَلَالَة مَصْدَر ; مِنْ تَكَلَّلَهُ النَّسَب أَيْ أَحَاطَ بِهِ.
وَبِهِ سُمِّيَ الْإِكْلِيل، وَهِيَ مَنْزِلَة مِنْ مَنَازِل الْقَمَر لِإِحَاطَتِهَا بِالْقَمَرِ إِذَا اِحْتَلَّ بِهَا.
وَمِنْهُ الْإِكْلِيل أَيْضًا وَهُوَ التَّاج وَالْعِصَابَة الْمُحِيطَة بِالرَّأْسِ.
( فَإِذَا مَاتَ الرَّجُل وَلَيْسَ لَهُ وَلَد وَلَا وَالِد فَوَرَثَتُهُ كَلَالَةٌ ).
هَذَا قَوْل أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعُمَر وَعَلِيّ وَجُمْهُور أَهْل الْعِلْم.
وَذَكَرَ يَحْيَى بْن آدَم عَنْ شَرِيك وَزُهَيْر وَأَبِي الْأَحْوَص عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ سُلَيْمَان بْن عَبْد قَالَ : مَا رَأَيْتهمْ إِلَّا وَقَدْ تَوَاطَئُوا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَلَالَة مَنْ مَاتَ لَيْسَ لَهُ وَلَد وَلَا وَالِد.
وَهَكَذَا قَالَ صَاحِب كِتَاب الْعَيْن وَأَبُو مَنْصُور اللُّغَوِيّ وَابْن عَرَفَة والْقُتَبِيّ وَأَبُو عُبَيْد وَابْن الْأَنْبَارِيّ.
فَالْأَب وَالِابْن طَرَفَانِ لِلرَّجُلِ ; فَإِذَا ذَهَبَا تَكَلَّلَهُ النَّسَب.
وَمِنْهُ قِيلَ : رَوْضَة مُكَلَّلَة إِذَا حُفَّتْ بِالنُّورِ.
وَأَنْشَدُوا :
مَسْكَنُهُ رَوْضَةٌ مُكَلَّلَةٌ | عَمَّ بِهَا الْأَيْهُقَانِ وَالذُّرَق |
وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس :
أَصَاحِ تَرَى بَرْقًا أُرِيك وَمِيضَهُ | كَلَمْعِ الْيَدَيْنِ فِي حَبِيٍّ مُكَلَّلِ |
كَمَا قَالَ أَعْرَابِيّ : مَالِي كَثِيرٌ وَيَرِثُنِي كَلَالَةٌ مُتَرَاخٍ نَسَبُهُمْ.
وَقَالَ الْفَرَزْدَق :
وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمَجْدِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ | عَنْ اِبْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ |
وَإِنَّ أَبَا الْمَرْءِ أَحْمَى لَهُ | وَمَوْلَى الْكَلَالَةِ لَا يَغْضَب |
قَالَ الْأَعْشَى :
فَآلَيْت لَا أَرْثِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ | وَلَا مِنْ وَجًى حَتَّى تُلَاقِي مُحَمَّدًا |
قَالَ أَبُو عُمَر : ذِكْر أَبِي عُبَيْدَة الْأَخَ هُنَا مَعَ الْأَب وَالِابْن فِي شَرْط الْكَلَالَة غَلَطٌ لَا وَجْه لَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي شَرْط الْكَلَالَة غَيْره.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب أَنَّ ( الْكَلَالَة مَنْ لَا وَلَد لَهُ خَاصَّة ) ; وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْر ثُمَّ رَجَعَا عَنْهُ.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْكَلَالَة الْحَيّ وَالْمَيِّت جَمِيعًا.
وَعَنْ عَطَاء : الْكَلَالَة الْمَال.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا قَوْل طَرِيف لَا وَجْه لَهُ.
قُلْت : لَهُ وَجْهٌ يَتَبَيَّن بِالْإِعْرَابِ آنِفًا.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيّ أَنَّ الْكَلَالَة بَنُو الْعَمّ الْأَبَاعِد.
وَعَنْ السُّدِّيّ أَنَّ الْكَلَالَة الْمَيِّت.
وَعَنْهُ مِثْل قَوْل الْجُمْهُور.
وَهَذِهِ الْأَقْوَال تَتَبَيَّنُ وُجُوهُهَا بِالْإِعْرَابِ ; فَقَرَأَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ " يُوَرِّثُ كَلَالَةً " بِكَسْرِ الرَّاء وَتَشْدِيدهَا.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَيُّوب " يُورِث " بِكَسْرِ الرَّاء وَتَخْفِيفهَا، عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُمَا.
وَعَلَى هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ لَا تَكُون الْكَلَالَة إِلَّا الْوَرَثَة أَوْ الْمَال.
كَذَلِكَ حَكَى أَصْحَاب الْمَعَانِي ; فَالْأَوَّل مِنْ وَرِثَ، وَالثَّانِي مِنْ أَوْرَثَ.
و " كَلَالَة " مَفْعُولُهُ و " كَانَ " بِمَعْنَى وَقَعَ.
وَمَنْ قَرَأَ " يُورَث " بِفَتْحِ الرَّاء اِحْتَمَلَ أَنْ تَكُون الْكَلَالَة الْمَال، وَالتَّقْدِير : يُورَثُ وِرَاثَةَ كَلَالَةٍ فَتَكُون نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف.
وَيَجُوز أَنْ تَكُون الْكَلَالَة اِسْمًا لِلْوَرَثَةِ وَهِيَ خَبَر كَانَ ; فَالتَّقْدِير : ذَا وَرَثَة.
وَيَجُوز أَنْ تَكُون تَامَّة بِمَعْنَى وَقَعَ، و " يُورَث " نَعْت لِرَجُلٍ، و " رَجُل " رُفِعَ بِكَانَ، و " كَلَالَة " نُصِبَ عَلَى التَّفْسِير أَوْ الْحَال ; عَلَى أَنَّ الْكَلَالَة هُوَ الْمَيِّت، التَّقْدِير : وَإِنْ كَانَ رَجُل يُورَث مُتَكَلِّلَ النَّسَب إِلَى الْمَيِّت.
ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابه الْكَلَالَة فِي مَوْضِعَيْنِ : آخِر السُّورَة وَهُنَا، وَلَمْ يَذْكُر فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَارِثًا غَيْر الْإِخْوَة.
فَأَمَّا هَذِهِ الْآيَة فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِخْوَة فِيهَا عَنَى بِهَا الْإِخْوَة لِلْأُمِّ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُث ".
وَكَانَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص يَقْرَأ " وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ ".
وَلَا خِلَاف بَيْنَ أَهْل الْعِلْم أَنَّ الْإِخْوَة لِلْأَبِ وَالْأُمّ أَوْ الْأَب لَيْسَ مِيرَاثُهُمْ كَهَذَا ; فَدَلَّ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ الْإِخْوَة الْمَذْكُورِينَ فِي آخِر السُّورَة هُمْ إِخْوَة الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ وَأُمّه أَوْ لِأَبِيهِ ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَإِنْ كَانُوا إِخْوَة رِجَالًا وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ " [ النِّسَاء : ١٧٦ ].
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ مِيرَاث الْإِخْوَة لِلْأُمِّ لَيْسَ هَكَذَا ; فَدَلَّتْ الْآيَتَانِ أَنَّ الْإِخْوَة كُلّهمْ جَمِيعًا كَلَالَة.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ :( الْكَلَالَة مَا كَانَ سِوَى الْوَلَد وَالْوَالِد مِنْ الْوَرَثَة إِخْوَة أَوْ غَيْرهمْ مِنْ الْعَصَبَة ).
كَذَلِكَ قَالَ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَزَيْد وَابْن عَبَّاس، وَهُوَ الْقَوْل الْأَوَّل الَّذِي بَدَأْنَا بِهِ.
قَالَ الطَّبَرِيّ : وَالصَّوَاب أَنَّ الْكَلَالَة هُمْ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْمَيِّت مَنْ عَدَا وَلَده وَوَالِده، لِصِحَّةِ خَبَر جَابِر : فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا يَرِثنِي كَلَالَة، أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلّه ؟ قَالَ :( لَا ).
قَالَ أَهْل اللُّغَة : يُقَال رَجُل كَلَالَة وَامْرَأَة كَلَالَة.
وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَع ; لِأَنَّهُ مَصْدَر كَالْوَكَالَةِ وَالدَّلَالَة وَالسَّمَاحَة وَالشُّجَاعَة.
وَأَعَادَ ضَمِيرَ مُفْرَدٍ فِي قَوْله :" وَلَهُ أَخٌ " وَلَمْ يَقُلْ لَهُمَا.
وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَيُّوب " يُورِث " بِكَسْرِ الرَّاء وَتَخْفِيفهَا، عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُمَا.
وَعَلَى هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ لَا تَكُون الْكَلَالَة إِلَّا الْوَرَثَة أَوْ الْمَال.
كَذَلِكَ حَكَى أَصْحَاب الْمَعَانِي ; فَالْأَوَّل مِنْ وَرِثَ، وَالثَّانِي مِنْ أَوْرَثَ.
و " كَلَالَة " مَفْعُولُهُ و " كَانَ " بِمَعْنَى وَقَعَ.
وَمَنْ قَرَأَ " يُورَث " بِفَتْحِ الرَّاء اِحْتَمَلَ أَنْ تَكُون الْكَلَالَة الْمَال، وَالتَّقْدِير : يُورَثُ وِرَاثَةَ كَلَالَةٍ فَتَكُون نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوف.
وَيَجُوز أَنْ تَكُون الْكَلَالَة اِسْمًا لِلْوَرَثَةِ وَهِيَ خَبَر كَانَ ; فَالتَّقْدِير : ذَا وَرَثَة.
وَيَجُوز أَنْ تَكُون تَامَّة بِمَعْنَى وَقَعَ، و " يُورَث " نَعْت لِرَجُلٍ، و " رَجُل " رُفِعَ بِكَانَ، و " كَلَالَة " نُصِبَ عَلَى التَّفْسِير أَوْ الْحَال ; عَلَى أَنَّ الْكَلَالَة هُوَ الْمَيِّت، التَّقْدِير : وَإِنْ كَانَ رَجُل يُورَث مُتَكَلِّلَ النَّسَب إِلَى الْمَيِّت.
ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابه الْكَلَالَة فِي مَوْضِعَيْنِ : آخِر السُّورَة وَهُنَا، وَلَمْ يَذْكُر فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَارِثًا غَيْر الْإِخْوَة.
فَأَمَّا هَذِهِ الْآيَة فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِخْوَة فِيهَا عَنَى بِهَا الْإِخْوَة لِلْأُمِّ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُث ".
وَكَانَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص يَقْرَأ " وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ ".
وَلَا خِلَاف بَيْنَ أَهْل الْعِلْم أَنَّ الْإِخْوَة لِلْأَبِ وَالْأُمّ أَوْ الْأَب لَيْسَ مِيرَاثُهُمْ كَهَذَا ; فَدَلَّ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ الْإِخْوَة الْمَذْكُورِينَ فِي آخِر السُّورَة هُمْ إِخْوَة الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ وَأُمّه أَوْ لِأَبِيهِ ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَإِنْ كَانُوا إِخْوَة رِجَالًا وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ " [ النِّسَاء : ١٧٦ ].
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ مِيرَاث الْإِخْوَة لِلْأُمِّ لَيْسَ هَكَذَا ; فَدَلَّتْ الْآيَتَانِ أَنَّ الْإِخْوَة كُلّهمْ جَمِيعًا كَلَالَة.
وَقَالَ الشَّعْبِيّ :( الْكَلَالَة مَا كَانَ سِوَى الْوَلَد وَالْوَالِد مِنْ الْوَرَثَة إِخْوَة أَوْ غَيْرهمْ مِنْ الْعَصَبَة ).
كَذَلِكَ قَالَ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَزَيْد وَابْن عَبَّاس، وَهُوَ الْقَوْل الْأَوَّل الَّذِي بَدَأْنَا بِهِ.
قَالَ الطَّبَرِيّ : وَالصَّوَاب أَنَّ الْكَلَالَة هُمْ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْمَيِّت مَنْ عَدَا وَلَده وَوَالِده، لِصِحَّةِ خَبَر جَابِر : فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا يَرِثنِي كَلَالَة، أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلّه ؟ قَالَ :( لَا ).
قَالَ أَهْل اللُّغَة : يُقَال رَجُل كَلَالَة وَامْرَأَة كَلَالَة.
وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَع ; لِأَنَّهُ مَصْدَر كَالْوَكَالَةِ وَالدَّلَالَة وَالسَّمَاحَة وَالشُّجَاعَة.
وَأَعَادَ ضَمِيرَ مُفْرَدٍ فِي قَوْله :" وَلَهُ أَخٌ " وَلَمْ يَقُلْ لَهُمَا.
وَمَضَى ذِكْر الرَّجُل وَالْمَرْأَة عَلَى عَادَة الْعَرَب إِذَا ذَكَرَتْ اِسْمَيْنِ ثُمَّ أَخْبَرَتْ عَنْهُمَا وَكَانَا فِي الْحُكْم سَوَاء رُبَّمَا أَضَافَتْ إِلَى أَحَدهمَا وَرُبَّمَا أَضَافَتْ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا ; تَقُول : مَنْ كَانَ عِنْده غُلَام وَجَارِيَة فَلْيُحْسِنْ إِلَيْهِ وَإِلَيْهَا وَإِلَيْهِمَا وَإِلَيْهِمْ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ " [ الْبَقَرَة : ٤٥ ].
وَقَالَ تَعَالَى :" إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاَللَّه أَوْلَى بِهِمَا " [ النِّسَاء : ١٣٥ ] وَيَجُوز أَوْلَى بِهِمْ ; عَنْ الْفَرَّاء وَغَيْره.
وَيُقَال فِي اِمْرَأَة : مَرْأَة، وَهُوَ الْأَصْل.
وَأَخ أَصْله أَخُو، يَدُلّ عَلَيْهِ أَخَوَانِ ; فَحُذِفَ مِنْهُ وَغُيِّرَ عَلَى غَيْر قِيَاس.
قَالَ الْفَرَّاء ضُمَّ أَوَّل أُخْت، لِأَنَّ الْمَحْذُوف مِنْهَا وَاو، وَكُسِرَ أَوَّل بِنْت ; لِأَنَّ الْمَحْذُوف مِنْهَا يَاء.
وَهَذَا الْحَذْف وَالتَّعْلِيل عَلَى غَيْر قِيَاس أَيْضًا.
وَقَالَ تَعَالَى :" إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاَللَّه أَوْلَى بِهِمَا " [ النِّسَاء : ١٣٥ ] وَيَجُوز أَوْلَى بِهِمْ ; عَنْ الْفَرَّاء وَغَيْره.
وَيُقَال فِي اِمْرَأَة : مَرْأَة، وَهُوَ الْأَصْل.
وَأَخ أَصْله أَخُو، يَدُلّ عَلَيْهِ أَخَوَانِ ; فَحُذِفَ مِنْهُ وَغُيِّرَ عَلَى غَيْر قِيَاس.
قَالَ الْفَرَّاء ضُمَّ أَوَّل أُخْت، لِأَنَّ الْمَحْذُوف مِنْهَا وَاو، وَكُسِرَ أَوَّل بِنْت ; لِأَنَّ الْمَحْذُوف مِنْهَا يَاء.
وَهَذَا الْحَذْف وَالتَّعْلِيل عَلَى غَيْر قِيَاس أَيْضًا.
فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ
هَذَا التَّشْرِيك يَقْتَضِي التَّسْوِيَة بَيْنَ الذَّكَر وَالْأُنْثَى وَإِنْ كَثُرُوا.
وَإِذَا كَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأُمِّ فَلَا يُفَضَّل الذَّكَر عَلَى الْأُنْثَى.
وَهَذَا إِجْمَاع مِنْ الْعُلَمَاء، وَلَيْسَ فِي الْفَرَائِض مَوْضِع يَكُون فِيهِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى سَوَاء إِلَّا فِي مِيرَاث الْإِخْوَة لِلْأُمِّ.
فَإِذَا مَاتَتْ اِمْرَأَة وَتَرَكَتْ زَوْجهَا وَأُمّهَا وَأَخَاهَا لِأُمِّهَا فَلِلزَّوْجِ النِّصْف وَلِلْأُمِّ الثُّلُث وَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمّ السُّدُس.
فَإِنْ تَرَكَتْ أَخَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ - وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا - فَلِلزَّوْجِ النِّصْف وَلِلْأُمِّ السُّدُس وَلِلْأَخَوَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ الثُّلُث، وَقَدْ تَمَّتْ الْفَرِيضَة.
وَعَلَى هَذَا عَامَّة الصَّحَابَة ; لِأَنَّهُمْ حَجَبُوا الْأُمّ بِالْأَخِ وَالْأُخْت مِنْ الثُّلُث إِلَى السُّدُس.
وَأَمَّا اِبْن عَبَّاس فَإِنَّهُ لَمْ يَرَ الْعَوْل وَلَوْ جَعَلَ لِلْأُمِّ الثُّلُث لَعَالَتْ الْمَسْأَلَة، وَهُوَ لَا يَرَى ذَلِكَ.
وَالْعَوْل مَذْكُور فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه.
فَإِنْ تَرَكَتْ زَوْجهَا وَإِخْوَة لِأُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمّ ; فَلِلزَّوْجِ النِّصْف، وَلِإِخْوَتِهَا لِأُمّهَا الثُّلُث، وَمَا بَقِيَ فَلِأَخِيهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا.
وَهَكَذَا مَنْ لَهُ فَرْض مُسَمًّى أُعْطِيَهُ، وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ إِنْ فَضَلَ.
فَإِنْ تَرَكَتْ سِتَّة إِخْوَة مُفْتَرِقِينَ فَهَذِهِ الْحِمَارِيَّة، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْمُشْتَرَكَة.
قَالَ قَوْم :( لِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُث، وَلِلزَّوْجِ النِّصْف، وَلِلْأُمِّ السُّدُس )، وَسَقَطَ الْأَخ وَالْأُخْت مِنْ الْأَب وَالْأُمّ، وَالْأَخ وَالْأُخْت مِنْ الْأَب.
رُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَأَبِي مُوسَى وَالشَّعْبِيّ وَشَرِيك وَيَحْيَى بْن آدَم، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر ; لِأَنَّ الزَّوْج وَالْأُمّ وَالْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ أَصْحَاب فَرَائِض مُسَمَّاة وَلَمْ يَبْقَ لِلْعَصَبَةِ شَيْء.
وَقَالَ قَوْم :( الْأُمّ وَاحِدَة، وَهَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا ! وَأَشْرَكُوا بَيْنهمْ فِي الثُّلُث ) ; وَلِهَذَا سُمِّيَتْ الْمُشْتَرَكَة وَالْحِمَارِيَّة.
رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَيْضًا وَزَيْد بْن ثَابِت وَمَسْرُوق وَشُرَيْح، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق.
وَلَا تَسْتَقِيم هَذِهِ الْمَسْأَلَة أَنْ لَوْ كَانَ الْمَيِّت رَجُلًا.
فَهَذِهِ جُمْلَة مِنْ عِلْم الْفَرَائِض تَضَمَّنَتْهَا الْآيَة، وَاَللَّه الْمُوَفِّق لِلْهِدَايَةِ.
وَكَانَتْ الْوِرَاثَة فِي الْجَاهِلِيَّة بِالرُّجُولِيَّةِ وَالْقُوَّة، وَكَانُوا يُوَرِّثُونَ الرِّجَال دُون النِّسَاء ; فَأَبْطَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :" لِلرِّجَالِ نَصِيب مِمَّا اِكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيب " [ النِّسَاء : ٣٢ ] كَمَا تَقَدَّمَ.
وَكَانَتْ الْوِرَاثَة أَيْضًا فِي الْجَاهِلِيَّة وَبَدْء الْإِسْلَام بِالْمُحَالَفَةِ، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَاَلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ " [ النِّسَاء : ٣٣ ] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.
هَذَا التَّشْرِيك يَقْتَضِي التَّسْوِيَة بَيْنَ الذَّكَر وَالْأُنْثَى وَإِنْ كَثُرُوا.
وَإِذَا كَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأُمِّ فَلَا يُفَضَّل الذَّكَر عَلَى الْأُنْثَى.
وَهَذَا إِجْمَاع مِنْ الْعُلَمَاء، وَلَيْسَ فِي الْفَرَائِض مَوْضِع يَكُون فِيهِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى سَوَاء إِلَّا فِي مِيرَاث الْإِخْوَة لِلْأُمِّ.
فَإِذَا مَاتَتْ اِمْرَأَة وَتَرَكَتْ زَوْجهَا وَأُمّهَا وَأَخَاهَا لِأُمِّهَا فَلِلزَّوْجِ النِّصْف وَلِلْأُمِّ الثُّلُث وَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمّ السُّدُس.
فَإِنْ تَرَكَتْ أَخَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ - وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا - فَلِلزَّوْجِ النِّصْف وَلِلْأُمِّ السُّدُس وَلِلْأَخَوَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ الثُّلُث، وَقَدْ تَمَّتْ الْفَرِيضَة.
وَعَلَى هَذَا عَامَّة الصَّحَابَة ; لِأَنَّهُمْ حَجَبُوا الْأُمّ بِالْأَخِ وَالْأُخْت مِنْ الثُّلُث إِلَى السُّدُس.
وَأَمَّا اِبْن عَبَّاس فَإِنَّهُ لَمْ يَرَ الْعَوْل وَلَوْ جَعَلَ لِلْأُمِّ الثُّلُث لَعَالَتْ الْمَسْأَلَة، وَهُوَ لَا يَرَى ذَلِكَ.
وَالْعَوْل مَذْكُور فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه.
فَإِنْ تَرَكَتْ زَوْجهَا وَإِخْوَة لِأُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمّ ; فَلِلزَّوْجِ النِّصْف، وَلِإِخْوَتِهَا لِأُمّهَا الثُّلُث، وَمَا بَقِيَ فَلِأَخِيهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا.
وَهَكَذَا مَنْ لَهُ فَرْض مُسَمًّى أُعْطِيَهُ، وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ إِنْ فَضَلَ.
فَإِنْ تَرَكَتْ سِتَّة إِخْوَة مُفْتَرِقِينَ فَهَذِهِ الْحِمَارِيَّة، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْمُشْتَرَكَة.
قَالَ قَوْم :( لِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُث، وَلِلزَّوْجِ النِّصْف، وَلِلْأُمِّ السُّدُس )، وَسَقَطَ الْأَخ وَالْأُخْت مِنْ الْأَب وَالْأُمّ، وَالْأَخ وَالْأُخْت مِنْ الْأَب.
رُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَأَبِي مُوسَى وَالشَّعْبِيّ وَشَرِيك وَيَحْيَى بْن آدَم، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر ; لِأَنَّ الزَّوْج وَالْأُمّ وَالْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ أَصْحَاب فَرَائِض مُسَمَّاة وَلَمْ يَبْقَ لِلْعَصَبَةِ شَيْء.
وَقَالَ قَوْم :( الْأُمّ وَاحِدَة، وَهَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا ! وَأَشْرَكُوا بَيْنهمْ فِي الثُّلُث ) ; وَلِهَذَا سُمِّيَتْ الْمُشْتَرَكَة وَالْحِمَارِيَّة.
رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَيْضًا وَزَيْد بْن ثَابِت وَمَسْرُوق وَشُرَيْح، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق.
وَلَا تَسْتَقِيم هَذِهِ الْمَسْأَلَة أَنْ لَوْ كَانَ الْمَيِّت رَجُلًا.
فَهَذِهِ جُمْلَة مِنْ عِلْم الْفَرَائِض تَضَمَّنَتْهَا الْآيَة، وَاَللَّه الْمُوَفِّق لِلْهِدَايَةِ.
وَكَانَتْ الْوِرَاثَة فِي الْجَاهِلِيَّة بِالرُّجُولِيَّةِ وَالْقُوَّة، وَكَانُوا يُوَرِّثُونَ الرِّجَال دُون النِّسَاء ; فَأَبْطَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :" لِلرِّجَالِ نَصِيب مِمَّا اِكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيب " [ النِّسَاء : ٣٢ ] كَمَا تَقَدَّمَ.
وَكَانَتْ الْوِرَاثَة أَيْضًا فِي الْجَاهِلِيَّة وَبَدْء الْإِسْلَام بِالْمُحَالَفَةِ، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" وَاَلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ " [ النِّسَاء : ٣٣ ] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.
ثُمَّ صَارَتْ بَعْد الْمُحَالَفَة بِالْهِجْرَةِ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْء حَتَّى يُهَاجِرُوا " [ الْأَنْفَال : ٧٢ ] وَسَيَأْتِي.
وَهُنَاكَ يَأْتِي الْقَوْل فِي ذَوِي الْأَرْحَام وَمِيرَاثهمْ، إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَسَيَأْتِي فِي سُورَة " النُّور " مِيرَاث اِبْن الْمُلَاعَنَة وَوَلَد الزِّنَا وَالْمُكَاتَب بِحَوْلِ اللَّه تَعَالَى.
وَالْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْأَسِير الْمَعْلُوم حَيَاته أَنَّ مِيرَاثه ثَابِت ; لِأَنَّهُ دَاخِل فِي جُمْلَة الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَحْكَام الْإِسْلَام جَارِيَة عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَسِير فِي يَد الْعَدُوّ : لَا يَرِث.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِيرَاث الْمُرْتَدّ فِي سُورَة " الْبَقَرَة " وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَهُنَاكَ يَأْتِي الْقَوْل فِي ذَوِي الْأَرْحَام وَمِيرَاثهمْ، إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَسَيَأْتِي فِي سُورَة " النُّور " مِيرَاث اِبْن الْمُلَاعَنَة وَوَلَد الزِّنَا وَالْمُكَاتَب بِحَوْلِ اللَّه تَعَالَى.
وَالْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْأَسِير الْمَعْلُوم حَيَاته أَنَّ مِيرَاثه ثَابِت ; لِأَنَّهُ دَاخِل فِي جُمْلَة الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَحْكَام الْإِسْلَام جَارِيَة عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَسِير فِي يَد الْعَدُوّ : لَا يَرِث.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِيرَاث الْمُرْتَدّ فِي سُورَة " الْبَقَرَة " وَالْحَمْد لِلَّهِ.
مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ
" غَيْر مُضَارّ " نَصْب عَلَى الْحَال وَالْعَامِل " يُوصَى ".
أَيْ يُوصِي بِهَا غَيْر مُضَارّ، أَيْ غَيْر مُدْخِل الضَّرَر عَلَى الْوَرَثَة.
أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصِيَ بِدَيْنٍ لَيْسَ عَلَيْهِ لِيَضُرّ بِالْوَرَثَةِ ; وَلَا يُقِرّ بِدَيْنٍ.
فَالْإِضْرَار رَاجِع إِلَى الْوَصِيَّة وَالدَّيْن ; أَمَّا رُجُوعه إِلَى الْوَصِيَّة فَبِأَنْ يَزِيد عَلَى الثُّلُث أَوْ يُوصِيَ لِوَارِثٍ، فَإِنْ زَادَ فَإِنَّهُ يُرَدّ، إِلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَة ; لِأَنَّ الْمَنْع لِحُقُوقِهِمْ لَا لِحَقِّ اللَّه تَعَالَى.
وَإِنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ فَإِنَّهُ يَرْجِع مِيرَاثًا.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّة لِلْوَارِثِ لَا تَجُوز.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي " الْبَقَرَة ".
وَأَمَّا رُجُوعُهُ إِلَى الدَّيْن فَبِالْإِقْرَارِ فِي حَالَة لَا يَجُوز لَهُ فِيهَا ; كَمَا لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضه لِوَارِثِهِ أَوْ لِصَدِيقٍ مُلَاطِف ; فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوز عِنْدَنَا.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَرَأَ " غَيْر مُضَارِّ وَصِيَّة مِنْ اللَّه " عَلَى الْإِضَافَة.
قَالَ النَّحَّاس : وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل اللُّغَة أَنَّ هَذَا لَحْن ; لِأَنَّ اِسْم الْفَاعِل لَا يُضَاف إِلَى الْمَصْدَر.
وَالْقِرَاءَة حَسَنَة عَلَى حَذْفٍ، وَالْمَعْنَى : غَيْر مُضَارّ ذِي وَصِيَّة، أَيْ غَيْر مُضَارّ بِهَا وَرَثَته فِي مِيرَاثهمْ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ إِقْرَاره بِدَيْنٍ لِغَيْرِ وَارِث حَال الْمَرَض جَائِز إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْن فِي الصِّحَّة.
فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْن فِي الصِّحَّة بِبَيِّنَةٍ وَأَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ بِدَيْنٍ ; فَقَالَتْ طَائِفَة : يَبْدَأ بِدَيْنِ الصِّحَّة ; هَذَا قَوْل النَّخَعِيّ وَالْكُوفِيِّينَ.
قَالُوا : فَإِذَا اِسْتَوْفَاهُ صَاحِبه فَأَصْحَاب الْإِقْرَار فِي الْمَرَض يَتَحَاصُّونَ.
وَقَالَتْ طَائِفَة : هُمَا سَوَاء إِذَا كَانَ لِغَيْرِ وَارِث.
هَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر وَأَبِي عُبَيْد، وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْد إِنَّهُ قَوْل أَهْل الْمَدِينَة وَرَوَاهُ عَنْ الْحَسَن.
قَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " الْوَعِيد فِي الْإِضْرَار فِي الْوَصِيَّة وَوُجُوههَا.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث شَهْر بْن حَوْشَب ( وَهُوَ مَطْعُون فِيهِ ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَة حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ الرَّجُل أَوْ الْمَرْأَة لَيَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه سِتِّينَ سَنَة ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْت فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّة فَتَجِب لَهُمَا النَّار ).
قَالَ : وَقَرَأَ عَلَيَّ أَبُو هُرَيْرَة مِنْ هَاهُنَا " مِنْ بَعْد وَصِيَّة يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْن غَيْر مُضَارّ " حَتَّى بَلَغَ " ذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم ".
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس :( الْإِضْرَار فِي الْوَصِيَّة مِنْ الْكَبَائِر ) ; وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّ مَشْهُور مَذْهَب مَالِك وَابْن الْقَاسِم أَنَّ الْمُوصِيَ لَا يُعَدّ فِعْله مُضَارَّة فِي ثُلُثه ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَقّه فَلَهُ التَّصَرُّف فِيهِ كَيْفَ شَاءَ.
وَفِي الْمَذْهَب قَوْله : أَنَّ ذَلِكَ مُضَارَّة تُرَدّ.
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
" غَيْر مُضَارّ " نَصْب عَلَى الْحَال وَالْعَامِل " يُوصَى ".
أَيْ يُوصِي بِهَا غَيْر مُضَارّ، أَيْ غَيْر مُدْخِل الضَّرَر عَلَى الْوَرَثَة.
أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصِيَ بِدَيْنٍ لَيْسَ عَلَيْهِ لِيَضُرّ بِالْوَرَثَةِ ; وَلَا يُقِرّ بِدَيْنٍ.
فَالْإِضْرَار رَاجِع إِلَى الْوَصِيَّة وَالدَّيْن ; أَمَّا رُجُوعه إِلَى الْوَصِيَّة فَبِأَنْ يَزِيد عَلَى الثُّلُث أَوْ يُوصِيَ لِوَارِثٍ، فَإِنْ زَادَ فَإِنَّهُ يُرَدّ، إِلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَة ; لِأَنَّ الْمَنْع لِحُقُوقِهِمْ لَا لِحَقِّ اللَّه تَعَالَى.
وَإِنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ فَإِنَّهُ يَرْجِع مِيرَاثًا.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّة لِلْوَارِثِ لَا تَجُوز.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي " الْبَقَرَة ".
وَأَمَّا رُجُوعُهُ إِلَى الدَّيْن فَبِالْإِقْرَارِ فِي حَالَة لَا يَجُوز لَهُ فِيهَا ; كَمَا لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضه لِوَارِثِهِ أَوْ لِصَدِيقٍ مُلَاطِف ; فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوز عِنْدَنَا.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَرَأَ " غَيْر مُضَارِّ وَصِيَّة مِنْ اللَّه " عَلَى الْإِضَافَة.
قَالَ النَّحَّاس : وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل اللُّغَة أَنَّ هَذَا لَحْن ; لِأَنَّ اِسْم الْفَاعِل لَا يُضَاف إِلَى الْمَصْدَر.
وَالْقِرَاءَة حَسَنَة عَلَى حَذْفٍ، وَالْمَعْنَى : غَيْر مُضَارّ ذِي وَصِيَّة، أَيْ غَيْر مُضَارّ بِهَا وَرَثَته فِي مِيرَاثهمْ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ إِقْرَاره بِدَيْنٍ لِغَيْرِ وَارِث حَال الْمَرَض جَائِز إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْن فِي الصِّحَّة.
فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْن فِي الصِّحَّة بِبَيِّنَةٍ وَأَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ بِدَيْنٍ ; فَقَالَتْ طَائِفَة : يَبْدَأ بِدَيْنِ الصِّحَّة ; هَذَا قَوْل النَّخَعِيّ وَالْكُوفِيِّينَ.
قَالُوا : فَإِذَا اِسْتَوْفَاهُ صَاحِبه فَأَصْحَاب الْإِقْرَار فِي الْمَرَض يَتَحَاصُّونَ.
وَقَالَتْ طَائِفَة : هُمَا سَوَاء إِذَا كَانَ لِغَيْرِ وَارِث.
هَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر وَأَبِي عُبَيْد، وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْد إِنَّهُ قَوْل أَهْل الْمَدِينَة وَرَوَاهُ عَنْ الْحَسَن.
قَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " الْوَعِيد فِي الْإِضْرَار فِي الْوَصِيَّة وَوُجُوههَا.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث شَهْر بْن حَوْشَب ( وَهُوَ مَطْعُون فِيهِ ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَة حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ الرَّجُل أَوْ الْمَرْأَة لَيَعْمَل بِطَاعَةِ اللَّه سِتِّينَ سَنَة ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْت فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّة فَتَجِب لَهُمَا النَّار ).
قَالَ : وَقَرَأَ عَلَيَّ أَبُو هُرَيْرَة مِنْ هَاهُنَا " مِنْ بَعْد وَصِيَّة يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْن غَيْر مُضَارّ " حَتَّى بَلَغَ " ذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم ".
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس :( الْإِضْرَار فِي الْوَصِيَّة مِنْ الْكَبَائِر ) ; وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّ مَشْهُور مَذْهَب مَالِك وَابْن الْقَاسِم أَنَّ الْمُوصِيَ لَا يُعَدّ فِعْله مُضَارَّة فِي ثُلُثه ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَقّه فَلَهُ التَّصَرُّف فِيهِ كَيْفَ شَاءَ.
وَفِي الْمَذْهَب قَوْله : أَنَّ ذَلِكَ مُضَارَّة تُرَدّ.
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
قَوْله تَعَالَى :" وَصِيَّة " نَصْب عَلَى الْمَصْدَر فِي مَوْضِع الْحَال وَالْعَامِل " يُوصِيكُمْ " وَيَصِحّ أَنْ يَعْمَل فِيهَا " مُضَارّ " وَالْمَعْنَى أَنْ يَقَع الضَّرَر بِهَا أَوْ بِسَبَبِهَا فَأُوقِعَ عَلَيْهَا تَجَوُّزًا، قَالَ اِبْن عَطِيَّة ; وَذُكِرَ أَنَّ الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن قَرَأَ " غَيْر مُضَارِّ وَصِيَّةٍ " بِالْإِضَافَةِ ; كَمَا تَقُول : شُجَاعُ حَرْبٍ.
وَبَضَّةُ الْمُتَجَرَّدِ ; فِي قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد.
وَالْمَعْنَى عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّجَوُّز فِي اللَّفْظ لِصِحَّةِ الْمَعْنَى.
وَبَضَّةُ الْمُتَجَرَّدِ ; فِي قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد.
وَالْمَعْنَى عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّجَوُّز فِي اللَّفْظ لِصِحَّةِ الْمَعْنَى.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ
يَعْنِي عَلِيم بِأَهْلِ الْمِيرَاث حَلِيم عَلَى أَهْل الْجَهْل مِنْكُمْ.
وَقَرَأَ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ " وَاَللَّه عَلِيم حَكِيم " [ النِّسَاء : ٢٦ ] يَعْنِي حَكِيم بِقِسْمَةِ الْمِيرَاث وَالْوَصِيَّة.
يَعْنِي عَلِيم بِأَهْلِ الْمِيرَاث حَلِيم عَلَى أَهْل الْجَهْل مِنْكُمْ.
وَقَرَأَ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ " وَاَللَّه عَلِيم حَكِيم " [ النِّسَاء : ٢٦ ] يَعْنِي حَكِيم بِقِسْمَةِ الْمِيرَاث وَالْوَصِيَّة.
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ
و " تِلْكَ " بِمَعْنَى هَذِهِ، أَيْ هَذِهِ أَحْكَام اللَّه قَدْ بَيَّنَهَا لَكُمْ لِتَعْرِفُوهَا وَتَعْمَلُوا بِهَا.
و " تِلْكَ " بِمَعْنَى هَذِهِ، أَيْ هَذِهِ أَحْكَام اللَّه قَدْ بَيَّنَهَا لَكُمْ لِتَعْرِفُوهَا وَتَعْمَلُوا بِهَا.
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فِي قِسْمَة الْمَوَارِيث فَيُقِرّ بِهَا وَيَعْمَل بِهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى
فِي قِسْمَة الْمَوَارِيث فَيُقِرّ بِهَا وَيَعْمَل بِهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَالْجَنَّات : الْبَسَاتِين، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ جَنَّاتٍ لِأَنَّهَا تَجُنّ مَنْ فِيهَا أَيْ تَسْتُرُهُ بِشَجَرِهَا، وَمِنْهُ : الْمِجَنّ وَالْجَنِين وَالْجِنَّة.
" مِنْ تَحْتهَا " أَيْ مِنْ تَحْت أَشْجَارهَا، وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر، لِأَنَّ الْجَنَّات دَالَّة عَلَيْهَا.
" الْأَنْهَار " أَيْ مَاء الْأَنْهَار، فَنُسِبَ الْجَرْي إِلَى الْأَنْهَار تَوَسُّعًا، وَإِنَّمَا يَجْرِي الْمَاء وَحْدَهُ فَحُذِفَ اِخْتِصَارًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " [ يُوسُف : ٨٢ ] أَيْ أَهْلهَا.
وَقَالَ الشَّاعِر :
أَرَادَ : أَهْل الْمَجْلِس ; فَحَذَفَ.
وَالنَّهْر : مَأْخُوذ مِنْ أَنْهَرْت، أَيْ وَسَّعْت، وَمِنْهُ قَوْل قَيْس بْن الْخَطِيم :
أَيْ وَسَّعْتهَا، يَصِف طَعْنَةً.
وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا أَنْهَرَ الدَّم وَذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ فَكُلُوهُ ).
مَعْنَاهُ : مَا وَسَّعَ الذَّبْح حَتَّى يَجْرِيَ الدَّم كَالنَّهْرِ.
وَجَمْع النَّهْر : نُهُر وَأَنْهَار.
وَنَهْر نَهِر : كَثِير الْمَاء ; قَالَ أَبُو ذُؤَيْب :
وَرُوِيَ : إِنَّ أَنْهَارَ الْجَنَّة لَيْسَتْ فِي أَخَادِيد، إِنَّمَا تَجْرِي عَلَى سَطْح الْجَنَّة مُنْضَبِطَة بِالْقُدْرَةِ حَيْثُ شَاءَ أَهْلهَا.
وَالْوَقْف عَلَى " الْأَنْهَار " حَسَن وَلَيْسَ بِتَامٍّ
وَالْجَنَّات : الْبَسَاتِين، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ جَنَّاتٍ لِأَنَّهَا تَجُنّ مَنْ فِيهَا أَيْ تَسْتُرُهُ بِشَجَرِهَا، وَمِنْهُ : الْمِجَنّ وَالْجَنِين وَالْجِنَّة.
" مِنْ تَحْتهَا " أَيْ مِنْ تَحْت أَشْجَارهَا، وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر، لِأَنَّ الْجَنَّات دَالَّة عَلَيْهَا.
" الْأَنْهَار " أَيْ مَاء الْأَنْهَار، فَنُسِبَ الْجَرْي إِلَى الْأَنْهَار تَوَسُّعًا، وَإِنَّمَا يَجْرِي الْمَاء وَحْدَهُ فَحُذِفَ اِخْتِصَارًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " [ يُوسُف : ٨٢ ] أَيْ أَهْلهَا.
وَقَالَ الشَّاعِر :
نُبِّئْت أَنَّ النَّارَ بَعْدَك أُوقِدَتْ | وَاسْتَبَّ بَعْدَك يَا كُلَيْبُ الْمَجْلِسُ |
وَالنَّهْر : مَأْخُوذ مِنْ أَنْهَرْت، أَيْ وَسَّعْت، وَمِنْهُ قَوْل قَيْس بْن الْخَطِيم :
مَلَكْت بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا | يَرَى قَائِمٌ مِنْ دُونِهَا مَا وَرَاءَهَا |
وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا أَنْهَرَ الدَّم وَذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ فَكُلُوهُ ).
مَعْنَاهُ : مَا وَسَّعَ الذَّبْح حَتَّى يَجْرِيَ الدَّم كَالنَّهْرِ.
وَجَمْع النَّهْر : نُهُر وَأَنْهَار.
وَنَهْر نَهِر : كَثِير الْمَاء ; قَالَ أَبُو ذُؤَيْب :
أَقَامَتْ بِهِ فَابْتَنَتْ خَيْمَةً | عَلَى قَصَبٍ وَفُرَاتٍ نَهِرْ |
وَالْوَقْف عَلَى " الْأَنْهَار " حَسَن وَلَيْسَ بِتَامٍّ
وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
الْكَبِير
الْكَبِير
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يُرِيد فِي قِسْمَة الْمَوَارِيث فَلَمْ يَقْسِمهَا وَلَمْ يَعْمَل بِهَا
يُرِيد فِي قِسْمَة الْمَوَارِيث فَلَمْ يَقْسِمهَا وَلَمْ يَعْمَل بِهَا
وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
أَيْ يُخَالِف أَمْره
أَيْ يُخَالِف أَمْره
يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ
وَالْعِصْيَان إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْكُفْر فَالْخُلُود عَلَى بَابه، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْكَبَائِر وَتَجَاوُز أَوَامِر اللَّه تَعَالَى فَالْخُلُود مُسْتَعَار لِمُدَّةٍ مَا.
كَمَا تَقُول : خَلَّدَ اللَّه مُلْكَهُ.
وَقَالَ زُهَيْر :
وَلَا خَالِدًا إِلَّا الْجِبَالُ الرَّوَاسِيَا
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْر مَوْضِع.
وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر " نُدْخِلْهُ " بِالنُّونِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، عَلَى مَعْنَى الْإِضَافَة إِلَى نَفْسه سُبْحَانَهُ.
الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ كِلَاهُمَا ; لِأَنَّهُ سَبَقَ ذِكْر اِسْم اللَّه تَعَالَى أَيْ يُدْخِلْهُ اللَّه.
وَالْعِصْيَان إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْكُفْر فَالْخُلُود عَلَى بَابه، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْكَبَائِر وَتَجَاوُز أَوَامِر اللَّه تَعَالَى فَالْخُلُود مُسْتَعَار لِمُدَّةٍ مَا.
كَمَا تَقُول : خَلَّدَ اللَّه مُلْكَهُ.
وَقَالَ زُهَيْر :
وَلَا خَالِدًا إِلَّا الْجِبَالُ الرَّوَاسِيَا
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْر مَوْضِع.
وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامِر " نُدْخِلْهُ " بِالنُّونِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، عَلَى مَعْنَى الْإِضَافَة إِلَى نَفْسه سُبْحَانَهُ.
الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ كِلَاهُمَا ; لِأَنَّهُ سَبَقَ ذِكْر اِسْم اللَّه تَعَالَى أَيْ يُدْخِلْهُ اللَّه.
وَاللَّاتِي
لَمَّا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَة الْإِحْسَان إِلَى النِّسَاء وَإِيصَال صَدُقَاتِهِنَّ إِلَيْهِنَّ، وَانْجَرَّ الْأَمْر إِلَى ذِكْر مِيرَاثِهِنَّ مَعَ مَوَارِيث الرِّجَال، ذَكَرَ أَيْضًا التَّغْلِيظ عَلَيْهِنَّ فِيمَا يَأْتِينَ بِهِ مِنْ الْفَاحِشَة، لِئَلَّا تَتَوَهَّمَ الْمَرْأَة أَنَّهُ يَسُوغ لَهَا تَرْكُ التَّعَفُّف.
قَوْله تَعَالَى :" وَاَللَّاتِي " " اللَّاتِي " جَمْع الَّتِي، وَهُوَ اِسْم مُبْهَم لِلْمُؤَنَّثِ، وَهِيَ مَعْرِفَة وَلَا يَجُوز نَزْع الْأَلِف وَاللَّام مِنْهُ لِلتَّنْكِيرِ، وَلَا يَتِمّ إِلَّا بِصِلَتِهِ ; وَفِيهِ ثَلَاث لُغَات كَمَا تَقَدَّمَ.
وَيُجْمَع أَيْضًا " اللَّاتِ " بِحَذْفِ الْيَاء وَإِبْقَاء الْكَسْرَة ; و " اللَّائِي " بِالْهَمْزَةِ وَإِثْبَات الْيَاء، و " اللَّاءِ " بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَحَذْف الْيَاء، و " اللَّا " بِحَذْفِ الْهَمْزَة.
فَإِنْ جَمَعْت الْجَمْع قُلْت فِي اللَّاتِي : اللَّوَاتِي، وَفِي اللَّاءِ : اللَّوَائِي.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ " اللَّوَاتِ " بِحَذْفِ الْيَاء وَإِبْقَاء الْكَسْرَة ; قَالَهُ اِبْن الشَّجَرِيّ.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : أَنْشَدَ أَبُو عُبَيْد :
وَاللَّوَا بِإِسْقَاطِ التَّاء.
وَتَصْغِير الَّتِي اللَّتَيَّا بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيد ; قَالَ الرَّاجِز :
وَبَعْض الشُّعَرَاء أَدْخَلَ عَلَى " الَّتِي " حَرْف النِّدَاء، وَحُرُوف النِّدَاء لَا تَدْخُل عَلَى مَا فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام إِلَّا فِي قَوْلنَا : يَا اللَّه وَحْدَهُ ; فَكَأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِهِ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ الْأَلِف وَاللَّام غَيْر مُفَارِقَتَيْنِ لَهَا.
وَقَالَ :
وَيُقَال : وَقَعَ فِي اللَّتَيَّا وَاَلَّتِي ; وَهُمَا اِسْمَانِ مِنْ أَسْمَاء الدَّاهِيَة.
لَمَّا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَة الْإِحْسَان إِلَى النِّسَاء وَإِيصَال صَدُقَاتِهِنَّ إِلَيْهِنَّ، وَانْجَرَّ الْأَمْر إِلَى ذِكْر مِيرَاثِهِنَّ مَعَ مَوَارِيث الرِّجَال، ذَكَرَ أَيْضًا التَّغْلِيظ عَلَيْهِنَّ فِيمَا يَأْتِينَ بِهِ مِنْ الْفَاحِشَة، لِئَلَّا تَتَوَهَّمَ الْمَرْأَة أَنَّهُ يَسُوغ لَهَا تَرْكُ التَّعَفُّف.
قَوْله تَعَالَى :" وَاَللَّاتِي " " اللَّاتِي " جَمْع الَّتِي، وَهُوَ اِسْم مُبْهَم لِلْمُؤَنَّثِ، وَهِيَ مَعْرِفَة وَلَا يَجُوز نَزْع الْأَلِف وَاللَّام مِنْهُ لِلتَّنْكِيرِ، وَلَا يَتِمّ إِلَّا بِصِلَتِهِ ; وَفِيهِ ثَلَاث لُغَات كَمَا تَقَدَّمَ.
وَيُجْمَع أَيْضًا " اللَّاتِ " بِحَذْفِ الْيَاء وَإِبْقَاء الْكَسْرَة ; و " اللَّائِي " بِالْهَمْزَةِ وَإِثْبَات الْيَاء، و " اللَّاءِ " بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَحَذْف الْيَاء، و " اللَّا " بِحَذْفِ الْهَمْزَة.
فَإِنْ جَمَعْت الْجَمْع قُلْت فِي اللَّاتِي : اللَّوَاتِي، وَفِي اللَّاءِ : اللَّوَائِي.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ " اللَّوَاتِ " بِحَذْفِ الْيَاء وَإِبْقَاء الْكَسْرَة ; قَالَهُ اِبْن الشَّجَرِيّ.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : أَنْشَدَ أَبُو عُبَيْد :
مِنْ اللَّوَاتِي وَاَلَّتِي وَاَللَّاتِي | زَعَمْنَ أَنْ قَدْ كَبُرَتْ لِدَاتِ |
وَتَصْغِير الَّتِي اللَّتَيَّا بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيد ; قَالَ الرَّاجِز :
بَعْدَ اللُّتَيَّا وَاللَّتَيَّا وَاَلَّتِي | إِذَا عَلَتْهَا نَفَسٌ تَوَدَّتِ |
وَقَالَ :
مِنْ اجْلِكِ يَالَّتِي تَيَّمْت قَلْبِي | وَأَنْتِ بَخِيلَةٌ بِالْوُدِّ عَنِّي |
يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ
الْفَاحِشَة فِي هَذَا الْمَوْضِع الزِّنَا، وَالْفَاحِشَة الْفِعْلَة الْقَبِيحَة، وَهِيَ مَصْدَر كَالْعَاقِبَةِ وَالْعَافِيَة.
وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود " بِالْفَاحِشَةِ " بِبَاءِ الْجَرّ.
الْفَاحِشَة فِي هَذَا الْمَوْضِع الزِّنَا، وَالْفَاحِشَة الْفِعْلَة الْقَبِيحَة، وَهِيَ مَصْدَر كَالْعَاقِبَةِ وَالْعَافِيَة.
وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود " بِالْفَاحِشَةِ " بِبَاءِ الْجَرّ.
مِنْ نِسَائِكُمْ
إِضَافَة فِي مَعْنَى الْإِسْلَام وَبَيَان حَال الْمُؤْمِنَات ; كَمَا قَالَ " وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٨٢ ] لِأَنَّ الْكَافِرَة قَدْ تَكُون مِنْ نِسَاء الْمُسْلِمِينَ بِنَسَبٍ وَلَا يَلْحَقُهَا هَذَا الْحُكْم.
إِضَافَة فِي مَعْنَى الْإِسْلَام وَبَيَان حَال الْمُؤْمِنَات ; كَمَا قَالَ " وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٨٢ ] لِأَنَّ الْكَافِرَة قَدْ تَكُون مِنْ نِسَاء الْمُسْلِمِينَ بِنَسَبٍ وَلَا يَلْحَقُهَا هَذَا الْحُكْم.
فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ
أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلَ اللَّه الشَّهَادَة عَلَى الزِّنَا خَاصَّة أَرْبَعَة تَغْلِيظًا عَلَى الْمُدَّعِي وَسَتْرًا عَلَى الْعِبَاد.
وَتَعْدِيل الشُّهُود بِالْأَرْبَعَةِ فِي الزِّنَا حُكْم ثَابِت فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة " [ النُّور : ٤ ] وَقَالَ هُنَا :" فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَة مِنْكُمْ ".
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : جَاءَتْ الْيَهُود بِرَجُلٍ وَامْرَأَة مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا فَقَالَ : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اِئْتُونِي بِأَعْلَم رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ ) فَأَتَوْهُ بِابْنَيْ صُورِيَّا فَنَشَدَهُمَا :( كَيْفَ تَجِدَانِ أَمْر هَذَيْنِ فِي التَّوْرَاة ؟ ) قَالَا : نَجِد فِي التَّوْرَاة إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَة أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْل الْمِيل فِي الْمُكْحُلَة رُجِمَا.
قَالَ :( فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَرْجُمُوهُمَا ) ; قَالَا : ذَهَبَ سُلْطَانُنَا فَكَرِهْنَا الْقَتْل ; فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّهُودِ، فَجَاءُوا فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْل الْمِيل فِي الْمُكْحُلَة ; فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِهِمَا.
وَقَالَ قَوْم : إِنَّمَا كَانَ الشُّهُود فِي الزِّنَا أَرْبَعَة لِيَتَرَتَّب شَاهِدَانِ عَلَى كُلّ وَاحِد مِنْ الزَّانِيَيْنِ كَسَائِرِ الْحُقُوق ; إِذْ هُوَ حَقّ يُؤْخَذ مِنْ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا ; وَهَذَا ضَعِيف ; فَإِنَّ الْيَمِين تَدْخُل فِي الْأَمْوَال وَاللَّوْث فِي الْقَسَامَة وَلَا مَدْخَلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا هُنَا.
وَلَا بُدّ أَنْ يَكُون الشُّهُود ذُكُورًا ; لِقَوْلِهِ :" مِنْكُمْ " وَلَا خِلَاف فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّة.
وَأَنْ يَكُونُوا عُدُولًا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى شَرَطَ الْعَدَالَةَ فِي الْبُيُوع وَالرَّجْعَة، وَهَذَا أَعْظَم، وَهُوَ بِذَلِكَ أَوْلَى.
وَهَذَا مِنْ حَمْل الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد بِالدَّلِيلِ، عَلَى مَا هُوَ مَذْكُور فِي أُصُول الْفِقْه.
وَلَا يَكُونُونَ ذِمَّة، وَإِنْ كَانَ الْحُكْم عَلَى ذِمِّيَّة، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي " الْمَائِدَة " وَتَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَة بِقَوْلِهِ :" أَرْبَعَة مِنْكُمْ " فِي أَنَّ الزَّوْج إِذَا كَانَ أَحَد الشُّهُود فِي الْقَذْف لَمْ يُلَاعِن.
وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي " النُّور " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلَ اللَّه الشَّهَادَة عَلَى الزِّنَا خَاصَّة أَرْبَعَة تَغْلِيظًا عَلَى الْمُدَّعِي وَسَتْرًا عَلَى الْعِبَاد.
وَتَعْدِيل الشُّهُود بِالْأَرْبَعَةِ فِي الزِّنَا حُكْم ثَابِت فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة " [ النُّور : ٤ ] وَقَالَ هُنَا :" فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَة مِنْكُمْ ".
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : جَاءَتْ الْيَهُود بِرَجُلٍ وَامْرَأَة مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا فَقَالَ : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اِئْتُونِي بِأَعْلَم رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ ) فَأَتَوْهُ بِابْنَيْ صُورِيَّا فَنَشَدَهُمَا :( كَيْفَ تَجِدَانِ أَمْر هَذَيْنِ فِي التَّوْرَاة ؟ ) قَالَا : نَجِد فِي التَّوْرَاة إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَة أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْل الْمِيل فِي الْمُكْحُلَة رُجِمَا.
قَالَ :( فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَرْجُمُوهُمَا ) ; قَالَا : ذَهَبَ سُلْطَانُنَا فَكَرِهْنَا الْقَتْل ; فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّهُودِ، فَجَاءُوا فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْل الْمِيل فِي الْمُكْحُلَة ; فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِهِمَا.
وَقَالَ قَوْم : إِنَّمَا كَانَ الشُّهُود فِي الزِّنَا أَرْبَعَة لِيَتَرَتَّب شَاهِدَانِ عَلَى كُلّ وَاحِد مِنْ الزَّانِيَيْنِ كَسَائِرِ الْحُقُوق ; إِذْ هُوَ حَقّ يُؤْخَذ مِنْ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا ; وَهَذَا ضَعِيف ; فَإِنَّ الْيَمِين تَدْخُل فِي الْأَمْوَال وَاللَّوْث فِي الْقَسَامَة وَلَا مَدْخَلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا هُنَا.
وَلَا بُدّ أَنْ يَكُون الشُّهُود ذُكُورًا ; لِقَوْلِهِ :" مِنْكُمْ " وَلَا خِلَاف فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّة.
وَأَنْ يَكُونُوا عُدُولًا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى شَرَطَ الْعَدَالَةَ فِي الْبُيُوع وَالرَّجْعَة، وَهَذَا أَعْظَم، وَهُوَ بِذَلِكَ أَوْلَى.
وَهَذَا مِنْ حَمْل الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد بِالدَّلِيلِ، عَلَى مَا هُوَ مَذْكُور فِي أُصُول الْفِقْه.
وَلَا يَكُونُونَ ذِمَّة، وَإِنْ كَانَ الْحُكْم عَلَى ذِمِّيَّة، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي " الْمَائِدَة " وَتَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَة بِقَوْلِهِ :" أَرْبَعَة مِنْكُمْ " فِي أَنَّ الزَّوْج إِذَا كَانَ أَحَد الشُّهُود فِي الْقَذْف لَمْ يُلَاعِن.
وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي " النُّور " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا
هَذِهِ أَوَّل عُقُوبَات الزُّنَاة ; وَكَانَ هَذَا فِي اِبْتِدَاء الْإِسْلَام ; قَالَهُ عُبَادَة بْن الصَّامِت وَالْحَسَن وَمُجَاهِد حَتَّى نُسِخَ بِالْأَذَى الَّذِي بَعْدَهُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ " النُّور " وَبِالرَّجْمِ فِي الثَّيِّب.
وَقَالَتْ فِرْقَة : بَلْ كَانَ الْإِيذَاء هُوَ الْأَوَّل ثُمَّ نُسِخَ بِالْإِمْسَاكِ، وَلَكِنَّ التِّلَاوَةَ أُخِّرَتْ وَقُدِّمَتْ ; ذَكَرَهُ اِبْن فُورَك، وَهَذَا الْإِمْسَاك وَالْحَبْس فِي الْبُيُوت كَانَ فِي صَدْر الْإِسْلَام قَبْل أَنْ يُكْثِر الْجُنَاة، فَلَمَّا كَثُرُوا وَخُشِيَ قُوَّتُهُمْ اُتُّخِذَ لَهُمْ سِجْن ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء هَلْ كَانَ هَذَا السِّجْن حَدًّا أَوْ تَوَعُّدًا بِالْحَدِّ عَلَى قَوْلَيْنِ :
أَحَدهمَا : أَنَّهُ تَوَعُّد بِالْحَدِّ،
وَالثَّانِي :( أَنَّهُ حَدّ ) ; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن.
زَادَ اِبْن زَيْد : وَأَنَّهُمْ مُنِعُوا مِنْ النِّكَاح حَتَّى يَمُوتُوا عُقُوبَة لَهُمْ حِينَ طَلَبُوا النِّكَاح مِنْ غَيْر وَجْهِهِ.
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَدًّا بَلْ أَشَدّ ; غَيْر أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْم كَانَ مَمْدُودًا إِلَى غَايَة وَهُوَ الْأَذَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى، عَلَى اِخْتِلَاف التَّأْوِيلَيْنِ فِي أَيّهمَا قَبْل ; وَكِلَاهُمَا مَمْدُود إِلَى غَايَة وَهِيَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث عُبَادَة بْن الصَّامِت :( خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّه لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْر بِالْبِكْرِ جَلْد مِائَة وَتَغْرِيب عَام وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جَلْد مِائَة وَالرَّجْم ).
وَهَذَا نَحْو قَوْله تَعَالَى :" ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَام إِلَى اللَّيْل " [ الْبَقَرَة : ١٨٧ ] فَإِذَا جَاءَ اللَّيْل اِرْتَفَعَ حُكْم الصِّيَام لِانْتِهَاءِ غَايَته لَا لِنَسْخِهِ.
هَذَا قَوْل الْمُحَقِّقِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ، فَإِنَّ النَّسْخ إِنَّمَا يَكُون فِي الْقَوْلَيْنِ الْمُتَعَارِضِينَ مِنْ كُلّ وَجْه اللَّذَيْنِ لَا يُمْكِن الْجَمْع بَيْنهمَا، وَالْجَمْع مُمْكِن بَيْنَ الْحَبْس وَالتَّعْيِير وَالْجَلْد وَالرَّجْم، وَقَدْ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ الْأَذَى وَالتَّعْيِير بَاقٍ مَعَ الْجَلْد ; لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَارَضَانِ بَلْ يُحْمَلَانِ عَلَى شَخْص وَاحِد.
وَأَمَّا الْحَبْس فَمَنْسُوخ بِإِجْمَاعٍ، وَإِطْلَاق الْمُتَقَدِّمِينَ النَّسْخ عَلَى مِثْل هَذَا تَجَوُّزٌ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
هَذِهِ أَوَّل عُقُوبَات الزُّنَاة ; وَكَانَ هَذَا فِي اِبْتِدَاء الْإِسْلَام ; قَالَهُ عُبَادَة بْن الصَّامِت وَالْحَسَن وَمُجَاهِد حَتَّى نُسِخَ بِالْأَذَى الَّذِي بَعْدَهُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ " النُّور " وَبِالرَّجْمِ فِي الثَّيِّب.
وَقَالَتْ فِرْقَة : بَلْ كَانَ الْإِيذَاء هُوَ الْأَوَّل ثُمَّ نُسِخَ بِالْإِمْسَاكِ، وَلَكِنَّ التِّلَاوَةَ أُخِّرَتْ وَقُدِّمَتْ ; ذَكَرَهُ اِبْن فُورَك، وَهَذَا الْإِمْسَاك وَالْحَبْس فِي الْبُيُوت كَانَ فِي صَدْر الْإِسْلَام قَبْل أَنْ يُكْثِر الْجُنَاة، فَلَمَّا كَثُرُوا وَخُشِيَ قُوَّتُهُمْ اُتُّخِذَ لَهُمْ سِجْن ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء هَلْ كَانَ هَذَا السِّجْن حَدًّا أَوْ تَوَعُّدًا بِالْحَدِّ عَلَى قَوْلَيْنِ :
أَحَدهمَا : أَنَّهُ تَوَعُّد بِالْحَدِّ،
وَالثَّانِي :( أَنَّهُ حَدّ ) ; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن.
زَادَ اِبْن زَيْد : وَأَنَّهُمْ مُنِعُوا مِنْ النِّكَاح حَتَّى يَمُوتُوا عُقُوبَة لَهُمْ حِينَ طَلَبُوا النِّكَاح مِنْ غَيْر وَجْهِهِ.
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَدًّا بَلْ أَشَدّ ; غَيْر أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْم كَانَ مَمْدُودًا إِلَى غَايَة وَهُوَ الْأَذَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى، عَلَى اِخْتِلَاف التَّأْوِيلَيْنِ فِي أَيّهمَا قَبْل ; وَكِلَاهُمَا مَمْدُود إِلَى غَايَة وَهِيَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث عُبَادَة بْن الصَّامِت :( خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّه لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْر بِالْبِكْرِ جَلْد مِائَة وَتَغْرِيب عَام وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جَلْد مِائَة وَالرَّجْم ).
وَهَذَا نَحْو قَوْله تَعَالَى :" ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَام إِلَى اللَّيْل " [ الْبَقَرَة : ١٨٧ ] فَإِذَا جَاءَ اللَّيْل اِرْتَفَعَ حُكْم الصِّيَام لِانْتِهَاءِ غَايَته لَا لِنَسْخِهِ.
هَذَا قَوْل الْمُحَقِّقِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ، فَإِنَّ النَّسْخ إِنَّمَا يَكُون فِي الْقَوْلَيْنِ الْمُتَعَارِضِينَ مِنْ كُلّ وَجْه اللَّذَيْنِ لَا يُمْكِن الْجَمْع بَيْنهمَا، وَالْجَمْع مُمْكِن بَيْنَ الْحَبْس وَالتَّعْيِير وَالْجَلْد وَالرَّجْم، وَقَدْ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ الْأَذَى وَالتَّعْيِير بَاقٍ مَعَ الْجَلْد ; لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَارَضَانِ بَلْ يُحْمَلَانِ عَلَى شَخْص وَاحِد.
وَأَمَّا الْحَبْس فَمَنْسُوخ بِإِجْمَاعٍ، وَإِطْلَاق الْمُتَقَدِّمِينَ النَّسْخ عَلَى مِثْل هَذَا تَجَوُّزٌ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا
فِيهِ سِتّ مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" وَاَللَّذَانِ " " اللَّذَانِ " تَثْنِيَة الَّذِي، وَكَانَ الْقِيَاس أَنْ يُقَال : اللَّذَيَانِ كَرَحَيَانِ وَمُصْطَفَيَانِ وَشَجِيَّانِ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : حُذِفَتْ الْيَاء لِيُفَرَّق بَيْنَ الْأَسْمَاء الْمُتَمَكِّنَة وَالْأَسْمَاء الْمُبْهَمَات.
وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : حُذِفَتْ الْيَاءُ تَخْفِيفًا، إِذْ قَدْ أُمِنَ اللَّبْس فِي اللَّذَانِ ; لِأَنَّ النُّون لَا تَنْحَذِفُ، وَنُون التَّثْنِيَة فِي الْأَسْمَاء الْمُتَمَكِّنَة قَدْ تَنْحَذِفُ مَعَ الْإِضَافَة فِي رَحَيَاك وَمُصْطَفَيَا الْقَوْمِ ; فَلَوْ حُذِفَتْ الْيَاء لَاشْتَبَهَ الْمُفْرَد بِالِاثْنَيْنِ.
وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " اللَّذَانِ " بِتَشْدِيدِ النُّون ; وَهِيَ لُغَة قُرَيْش ; وَعِلَّتُهُ أَنَّهُ جَعَلَ التَّشْدِيد عِوَضًا مِنْ أَلِف " ذَا " عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " الْقَصَص " عِنْد قَوْله تَعَالَى :" فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ " [ الْقَصَص : ٣٢ ].
وَفِيهَا لَغْهُ أُخْرَى " اللَّذَا " بِحَذْفِ النُّون.
هَذَا قَوْل الْكُوفِيِّينَ.
وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ : إِنَّمَا حُذِفَتْ النُّون لِطُولِ الِاسْم بِالصِّلَةِ.
وَكَذَلِكَ قَرَأَ " هَذَانِ " و " فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ " بِالتَّشْدِيدِ فِيهِمَا.
وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ.
وَشَدَّدَ أَبُو عَمْرو " فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ " وَحْدهَا.
و " اللَّذَانِ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : الْمَعْنَى وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ اللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا، أَيْ الْفَاحِشَة " مِنْكُمْ ".
وَدَخَلَتْ الْفَاء فِي " فَآذُوهُمَا " لِأَنَّ فِي الْكَلَام مَعْنَى الْأَمْر ; لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ الَّذِي بِالْفِعْلِ تَمَكَّنَ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْط ; إِذْ لَا يَقَع عَلَيْهِ شَيْء بِعَيْنِهِ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ الشَّرْط وَالْإِبْهَام فِيهِ جَرَى مَجْرَى الشَّرْط فَدَخَلَتْ الْفَاء، وَلَمْ يَعْمَل فِيهِ مَا قَبْله مِنْ الْإِضْمَار كَمَا لَا يَعْمَل فِي الشَّرْط مَا قَبْله ; فَلَمَّا لَمْ يَحْسُنْ إِضْمَار الْفِعْل قَبْلَهُمَا لِيُنْصَبَا رُفِعَا بِالِابْتِدَاءِ ; وَهَذَا اخْتِيَار سِيبَوَيْهِ.
وَيَجُوز النَّصْب عَلَى تَقْدِير إِضْمَار فِعْل، وَهُوَ الِاخْتِيَار إِذَا كَانَ فِي الْكَلَام مَعْنَى الْأَمْر وَالنَّهْي نَحْو قَوْلِك : اللَّذَيْنِ عِنْدك فَأَكْرِمْهُمَا.
الثَّانِيَة : قَوْله تَعَالَى :" فَآذُوهُمَا " قَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ : مَعْنَاهُ التَّوْبِيخ وَالتَّعْيِير.
وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ السَّبّ وَالْجَفَاء دُون تَعْيِير.
اِبْن عَبَّاس : النَّيْل بِاللِّسَانِ وَالضَّرْب بِالنِّعَالِ.
قَالَ النَّحَّاس : وَزَعَمَ قَوْم أَنَّهُ مَنْسُوخ.
قُلْت : رَوَاهُ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ :" وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَة " و " اللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا " كَانَ فِي أَوَّل الْأَمْر فَنَسَخَتْهُمَا الْآيَة الَّتِي فِي " النُّور ".
قَالَهُ النَّحَّاس : وَقِيلَ وَهُوَ أَوْلَى : إِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، وَأَنَّهُ وَاجِب أَنْ يُؤَدَّبَا بِالتَّوْبِيخِ فَيُقَال لَهُمَا : فَجَرْتُمَا وَفَسَقْتُمَا وَخَالَفْتُمَا أَمْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
فِيهِ سِتّ مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" وَاَللَّذَانِ " " اللَّذَانِ " تَثْنِيَة الَّذِي، وَكَانَ الْقِيَاس أَنْ يُقَال : اللَّذَيَانِ كَرَحَيَانِ وَمُصْطَفَيَانِ وَشَجِيَّانِ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : حُذِفَتْ الْيَاء لِيُفَرَّق بَيْنَ الْأَسْمَاء الْمُتَمَكِّنَة وَالْأَسْمَاء الْمُبْهَمَات.
وَقَالَ أَبُو عَلِيّ : حُذِفَتْ الْيَاءُ تَخْفِيفًا، إِذْ قَدْ أُمِنَ اللَّبْس فِي اللَّذَانِ ; لِأَنَّ النُّون لَا تَنْحَذِفُ، وَنُون التَّثْنِيَة فِي الْأَسْمَاء الْمُتَمَكِّنَة قَدْ تَنْحَذِفُ مَعَ الْإِضَافَة فِي رَحَيَاك وَمُصْطَفَيَا الْقَوْمِ ; فَلَوْ حُذِفَتْ الْيَاء لَاشْتَبَهَ الْمُفْرَد بِالِاثْنَيْنِ.
وَقَرَأَ اِبْن كَثِير " اللَّذَانِ " بِتَشْدِيدِ النُّون ; وَهِيَ لُغَة قُرَيْش ; وَعِلَّتُهُ أَنَّهُ جَعَلَ التَّشْدِيد عِوَضًا مِنْ أَلِف " ذَا " عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " الْقَصَص " عِنْد قَوْله تَعَالَى :" فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ " [ الْقَصَص : ٣٢ ].
وَفِيهَا لَغْهُ أُخْرَى " اللَّذَا " بِحَذْفِ النُّون.
هَذَا قَوْل الْكُوفِيِّينَ.
وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ : إِنَّمَا حُذِفَتْ النُّون لِطُولِ الِاسْم بِالصِّلَةِ.
وَكَذَلِكَ قَرَأَ " هَذَانِ " و " فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ " بِالتَّشْدِيدِ فِيهِمَا.
وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ.
وَشَدَّدَ أَبُو عَمْرو " فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ " وَحْدهَا.
و " اللَّذَانِ " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : الْمَعْنَى وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ اللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا، أَيْ الْفَاحِشَة " مِنْكُمْ ".
وَدَخَلَتْ الْفَاء فِي " فَآذُوهُمَا " لِأَنَّ فِي الْكَلَام مَعْنَى الْأَمْر ; لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ الَّذِي بِالْفِعْلِ تَمَكَّنَ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْط ; إِذْ لَا يَقَع عَلَيْهِ شَيْء بِعَيْنِهِ، فَلَمَّا تَمَكَّنَ الشَّرْط وَالْإِبْهَام فِيهِ جَرَى مَجْرَى الشَّرْط فَدَخَلَتْ الْفَاء، وَلَمْ يَعْمَل فِيهِ مَا قَبْله مِنْ الْإِضْمَار كَمَا لَا يَعْمَل فِي الشَّرْط مَا قَبْله ; فَلَمَّا لَمْ يَحْسُنْ إِضْمَار الْفِعْل قَبْلَهُمَا لِيُنْصَبَا رُفِعَا بِالِابْتِدَاءِ ; وَهَذَا اخْتِيَار سِيبَوَيْهِ.
وَيَجُوز النَّصْب عَلَى تَقْدِير إِضْمَار فِعْل، وَهُوَ الِاخْتِيَار إِذَا كَانَ فِي الْكَلَام مَعْنَى الْأَمْر وَالنَّهْي نَحْو قَوْلِك : اللَّذَيْنِ عِنْدك فَأَكْرِمْهُمَا.
الثَّانِيَة : قَوْله تَعَالَى :" فَآذُوهُمَا " قَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ : مَعْنَاهُ التَّوْبِيخ وَالتَّعْيِير.
وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ السَّبّ وَالْجَفَاء دُون تَعْيِير.
اِبْن عَبَّاس : النَّيْل بِاللِّسَانِ وَالضَّرْب بِالنِّعَالِ.
قَالَ النَّحَّاس : وَزَعَمَ قَوْم أَنَّهُ مَنْسُوخ.
قُلْت : رَوَاهُ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ :" وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَة " و " اللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا " كَانَ فِي أَوَّل الْأَمْر فَنَسَخَتْهُمَا الْآيَة الَّتِي فِي " النُّور ".
قَالَهُ النَّحَّاس : وَقِيلَ وَهُوَ أَوْلَى : إِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، وَأَنَّهُ وَاجِب أَنْ يُؤَدَّبَا بِالتَّوْبِيخِ فَيُقَال لَهُمَا : فَجَرْتُمَا وَفَسَقْتُمَا وَخَالَفْتُمَا أَمْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
الثَّالِثَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :" وَاَللَّاتِي " وَقَوْله :" وَاَللَّذَانِ " فَقَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : الْآيَة الْأُولَى فِي النِّسَاء عَامَّة مُحْصَنَاتٍ وَغَيْرَ مُحْصَنَاتٍ، وَالْآيَة الثَّانِيَة فِي الرِّجَال خَاصَّة.
وَبَيْنَ لَفْظ التَّثْنِيَة صِنْفَيْ الرِّجَال مَنْ أُحْصِنَ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ ; فَعُقُوبَة النِّسَاء الْحَبْس، وَعُقُوبَة الرِّجَال الْأَذَى.
وَهَذَا قَوْلٌ يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ، وَيَسْتَوْفِي نَصُّ الْكَلَام أَصْنَاف الزُّنَاة.
وَيُؤَيِّدُهُ مِنْ جِهَة اللَّفْظ قَوْله فِي الْأُولَى :" مِنْ نِسَائِكُمْ " وَفِي الثَّانِيَة " مِنْكُمْ " ; وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس وَرَوَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ السُّدِّيّ وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا : الْأُولَى فِي النِّسَاء الْمُحْصَنَات.
يُرِيد : وَدَخَلَ مَعَهُنَّ مَنْ أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَال بِالْمَعْنَى، وَالثَّانِيَة فِي الرَّجُل وَالْمَرْأَة الْبِكْرَيْنِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْل تَامّ إِلَّا أَنَّ لَفْظ الْآيَة يُقْلِق عَنْهُ.
وَقَدْ رَجَّحَهُ الطَّبَرِيّ، وَأَبَاهُ النَّحَّاسُ وَقَالَ : تَغْلِيب الْمُؤَنَّث عَلَى الْمُذَكَّر بَعِيد ; لِأَنَّهُ لَا يَخْرُج الشَّيْء إِلَى الْمَجَاز وَمَعْنَاهُ صَحِيح فِي الْحَقِيقَة.
وَقِيلَ : كَانَ الْإِمْسَاك لِلْمَرْأَةِ الزَّانِيَة دُون الرَّجُل ; فَخُصَّتْ الْمَرْأَة بِالذِّكْرِ فِي الْإِمْسَاك ثُمَّ جُمِعَا فِي الْإِيذَاءِ.
قَالَ قَتَادَة : كَانَتْ الْمَرْأَة تُحْبَس وَيُؤْذَيَانِ جَمِيعًا ; وَهَذَا لِأَنَّ الرَّجُل يَحْتَاج إِلَى السَّعْي وَالِاكْتِسَاب.
الرَّابِعَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء أَيْضًا فِي الْقَوْل بِمُقْتَضَى حَدِيث عُبَادَة الَّذِي هُوَ بَيَانٌ لِأَحْكَامِ الزُّنَاة عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ; فَقَالَ بِمُقْتَضَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب لَا اِخْتِلَاف عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ جَلَدَ شُرَاحَة الْهَمْدَانِيَّة مِائَة وَرَجَمَهَا بَعْد ذَلِكَ، وَقَالَ : جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّه وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ بِهَذَا الْقَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالْحَسَن بْن صَالِح بْن حَيّ وَإِسْحَاق.
وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء : بَلْ عَلَى الثَّيِّب الرَّجْم بِلَا جَلْد.
وَهَذَا يُرْوَى عَنْ عُمَر وَهُوَ قَوْل الزُّهْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَمَالِك وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي وَأَحْمَد وَأَبِي ثَوْر ; مُتَمَسِّكِينَ بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّة وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام لِأُنَيْسٍ :( اُغْدُ عَلَى اِمْرَأَة هَذَا فَإِنْ اِعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ) وَلَمْ يَذْكُر الْجَلْد ; فَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ.
قِيلَ لَهُمْ : إِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ ثَابِت بِكِتَابِ اللَّه تَعَالَى، فَلَيْسَ يَمْتَنِع أَنْ يَسْكُت عَنْهُ لِشُهْرَتِهِ وَالتَّنْصِيص عَلَيْهِ فِي الْقُرْآن ; لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :" الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَة جَلْدَة " [ النُّور : ٢ ] يَعُمُّ جَمِيع الزُّنَاة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَبَيْنَ لَفْظ التَّثْنِيَة صِنْفَيْ الرِّجَال مَنْ أُحْصِنَ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ ; فَعُقُوبَة النِّسَاء الْحَبْس، وَعُقُوبَة الرِّجَال الْأَذَى.
وَهَذَا قَوْلٌ يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ، وَيَسْتَوْفِي نَصُّ الْكَلَام أَصْنَاف الزُّنَاة.
وَيُؤَيِّدُهُ مِنْ جِهَة اللَّفْظ قَوْله فِي الْأُولَى :" مِنْ نِسَائِكُمْ " وَفِي الثَّانِيَة " مِنْكُمْ " ; وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس وَرَوَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ السُّدِّيّ وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا : الْأُولَى فِي النِّسَاء الْمُحْصَنَات.
يُرِيد : وَدَخَلَ مَعَهُنَّ مَنْ أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَال بِالْمَعْنَى، وَالثَّانِيَة فِي الرَّجُل وَالْمَرْأَة الْبِكْرَيْنِ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْل تَامّ إِلَّا أَنَّ لَفْظ الْآيَة يُقْلِق عَنْهُ.
وَقَدْ رَجَّحَهُ الطَّبَرِيّ، وَأَبَاهُ النَّحَّاسُ وَقَالَ : تَغْلِيب الْمُؤَنَّث عَلَى الْمُذَكَّر بَعِيد ; لِأَنَّهُ لَا يَخْرُج الشَّيْء إِلَى الْمَجَاز وَمَعْنَاهُ صَحِيح فِي الْحَقِيقَة.
وَقِيلَ : كَانَ الْإِمْسَاك لِلْمَرْأَةِ الزَّانِيَة دُون الرَّجُل ; فَخُصَّتْ الْمَرْأَة بِالذِّكْرِ فِي الْإِمْسَاك ثُمَّ جُمِعَا فِي الْإِيذَاءِ.
قَالَ قَتَادَة : كَانَتْ الْمَرْأَة تُحْبَس وَيُؤْذَيَانِ جَمِيعًا ; وَهَذَا لِأَنَّ الرَّجُل يَحْتَاج إِلَى السَّعْي وَالِاكْتِسَاب.
الرَّابِعَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء أَيْضًا فِي الْقَوْل بِمُقْتَضَى حَدِيث عُبَادَة الَّذِي هُوَ بَيَانٌ لِأَحْكَامِ الزُّنَاة عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ; فَقَالَ بِمُقْتَضَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب لَا اِخْتِلَاف عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ جَلَدَ شُرَاحَة الْهَمْدَانِيَّة مِائَة وَرَجَمَهَا بَعْد ذَلِكَ، وَقَالَ : جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّه وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ بِهَذَا الْقَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالْحَسَن بْن صَالِح بْن حَيّ وَإِسْحَاق.
وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء : بَلْ عَلَى الثَّيِّب الرَّجْم بِلَا جَلْد.
وَهَذَا يُرْوَى عَنْ عُمَر وَهُوَ قَوْل الزُّهْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَمَالِك وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي وَأَحْمَد وَأَبِي ثَوْر ; مُتَمَسِّكِينَ بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّة وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام لِأُنَيْسٍ :( اُغْدُ عَلَى اِمْرَأَة هَذَا فَإِنْ اِعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ) وَلَمْ يَذْكُر الْجَلْد ; فَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ.
قِيلَ لَهُمْ : إِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ ثَابِت بِكِتَابِ اللَّه تَعَالَى، فَلَيْسَ يَمْتَنِع أَنْ يَسْكُت عَنْهُ لِشُهْرَتِهِ وَالتَّنْصِيص عَلَيْهِ فِي الْقُرْآن ; لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى :" الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَة جَلْدَة " [ النُّور : ٢ ] يَعُمُّ جَمِيع الزُّنَاة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَيُبَيِّنُ هَذَا فِعْل عَلِيّ بِأَخْذِهِ عَنْ الْخُلَفَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَلَمْ يُنْكَر عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ : عَمِلْت بِالْمَنْسُوخِ وَتَرَكْت النَّاسِخ.
وَهَذَا وَاضِح.
الْخَامِسَة : وَاخْتَلَفُوا فِي نَفْي الْبِكْر مَعَ الْجَلْد ; فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّهُ يُنْفَى مَعَ الْجَلْد ; قَالَهُ الْخُلَفَاء الرَّاشِدُونَ : أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ، وَهُوَ قَوْل اِبْن عُمَر رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَبِهِ قَالَ عَطَاء وَطَاوُس وَسُفْيَان وَمَالِك وَابْن أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
وَقَالَ بِتَرْكِهِ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان وَأَبُو حَنِيفَة وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن.
وَالْحُجَّة لِلْجُمْهُورِ حَدِيث عُبَادَة الْمَذْكُور، وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَزَيْد بْن خَالِد، حَدِيث الْعَسِيف وَفِيهِ : فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّه أَمَّا غَنَمُك وَجَارِيَتُك فَرُدَّ عَلَيْك ) وَجَلَدَ اِبْنَهُ مِائَة وَغَرَّبَهُ عَامًا.
أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّة.
اِحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ نَفْيَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة فِي الْأَمَة، ذَكَرَ فِيهِ الْجَلْد دُون النَّفْي.
وَذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ : غَرَّبَ عُمَر رَبِيعَةَ بْن أَبِي أُمَيَّة بْن خَلَف فِي الْخَمْر إِلَى خَيْبَر فَلَحِقَ بِهِرَقْل فَتَنَصَّرَ ; فَقَالَ عُمَر : لَا أُغَرِّب مُسْلِمًا بَعْد هَذَا.
قَالُوا : وَلَوْ كَانَ التَّغْرِيب حَدًّا لِلَّهِ تَعَالَى مَا تَرَكَهُ عُمَرُ بَعْدُ.
ثُمَّ إِنَّ النَّصَّ الَّذِي فِي الْكِتَاب إِنَّمَا هُوَ الْجَلْد، وَالزِّيَادَة عَلَى النَّصّ نَسْخ ; فَيَلْزَم عَلَيْهِ نَسْخ الْقَاطِع بِخَبَرِ الْوَاحِد.
وَالْجَوَاب : أَمَّا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْإِمَاء لَا فِي الْأَحْرَار.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر أَنَّهُ ضَرَبَ أَمَتَهُ فِي الزِّنَا وَنَفَاهَا.
وَأَمَّا حَدِيث عُمَر وَقَوْله : لَا أُغَرِّب بَعْدَهُ مُسْلِمًا، فَيَعْنِي فِي الْخَمْر - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِمَا رَوَاهُ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْر ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَر ضَرَبَ وَغَرَّبَ.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ فِي جَامِعِهِ، وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي كُرَيْب مُحَمَّد بْن الْعَلَاء الْهَمْدَانِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : تَفَرَّدَ بِهِ عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس وَلَمْ يُسْنِدْهُ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ الثِّقَات غَيْر أَبِي كُرَيْب، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّفْي فَلَا كَلَامَ لِأَحَدٍ مَعَهُ، وَمَنْ خَالَفَتْهُ السُّنَّةُ خَاصَمْته.
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
وَأَمَّا قَوْلهمْ : الزِّيَادَة عَلَى النَّصّ نَسْخ، فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ، بَلْ زِيَادَة حُكْم آخَر مَعَ الْأَصْل.
ثُمَّ هُوَ قَدْ زَادَ الْوُضُوء بِالنَّبِيذِ بِخَبَرٍ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَاء، وَاشْتَرَطَ الْفَقْرَ فِي الْقُرْبَى ; إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْقُرْآن.
وَهَذَا وَاضِح.
الْخَامِسَة : وَاخْتَلَفُوا فِي نَفْي الْبِكْر مَعَ الْجَلْد ; فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّهُ يُنْفَى مَعَ الْجَلْد ; قَالَهُ الْخُلَفَاء الرَّاشِدُونَ : أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ، وَهُوَ قَوْل اِبْن عُمَر رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَبِهِ قَالَ عَطَاء وَطَاوُس وَسُفْيَان وَمَالِك وَابْن أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
وَقَالَ بِتَرْكِهِ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان وَأَبُو حَنِيفَة وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن.
وَالْحُجَّة لِلْجُمْهُورِ حَدِيث عُبَادَة الْمَذْكُور، وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَزَيْد بْن خَالِد، حَدِيث الْعَسِيف وَفِيهِ : فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّه أَمَّا غَنَمُك وَجَارِيَتُك فَرُدَّ عَلَيْك ) وَجَلَدَ اِبْنَهُ مِائَة وَغَرَّبَهُ عَامًا.
أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّة.
اِحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ نَفْيَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة فِي الْأَمَة، ذَكَرَ فِيهِ الْجَلْد دُون النَّفْي.
وَذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ : غَرَّبَ عُمَر رَبِيعَةَ بْن أَبِي أُمَيَّة بْن خَلَف فِي الْخَمْر إِلَى خَيْبَر فَلَحِقَ بِهِرَقْل فَتَنَصَّرَ ; فَقَالَ عُمَر : لَا أُغَرِّب مُسْلِمًا بَعْد هَذَا.
قَالُوا : وَلَوْ كَانَ التَّغْرِيب حَدًّا لِلَّهِ تَعَالَى مَا تَرَكَهُ عُمَرُ بَعْدُ.
ثُمَّ إِنَّ النَّصَّ الَّذِي فِي الْكِتَاب إِنَّمَا هُوَ الْجَلْد، وَالزِّيَادَة عَلَى النَّصّ نَسْخ ; فَيَلْزَم عَلَيْهِ نَسْخ الْقَاطِع بِخَبَرِ الْوَاحِد.
وَالْجَوَاب : أَمَّا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْإِمَاء لَا فِي الْأَحْرَار.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر أَنَّهُ ضَرَبَ أَمَتَهُ فِي الزِّنَا وَنَفَاهَا.
وَأَمَّا حَدِيث عُمَر وَقَوْله : لَا أُغَرِّب بَعْدَهُ مُسْلِمًا، فَيَعْنِي فِي الْخَمْر - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِمَا رَوَاهُ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْر ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَر ضَرَبَ وَغَرَّبَ.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ فِي جَامِعِهِ، وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي كُرَيْب مُحَمَّد بْن الْعَلَاء الْهَمْدَانِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : تَفَرَّدَ بِهِ عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس وَلَمْ يُسْنِدْهُ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ الثِّقَات غَيْر أَبِي كُرَيْب، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّفْي فَلَا كَلَامَ لِأَحَدٍ مَعَهُ، وَمَنْ خَالَفَتْهُ السُّنَّةُ خَاصَمْته.
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
وَأَمَّا قَوْلهمْ : الزِّيَادَة عَلَى النَّصّ نَسْخ، فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ، بَلْ زِيَادَة حُكْم آخَر مَعَ الْأَصْل.
ثُمَّ هُوَ قَدْ زَادَ الْوُضُوء بِالنَّبِيذِ بِخَبَرٍ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَاء، وَاشْتَرَطَ الْفَقْرَ فِي الْقُرْبَى ; إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْقُرْآن.
وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي الْبَقَرَة وَيَأْتِي.
السَّادِسَة : الْقَائِلُونَ بِالتَّغْرِيبِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي تَغْرِيب الذَّكَر الْحُرّ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَغْرِيب الْعَبْد وَالْأَمَة ; فَمِمَّنْ رَأَى التَّغْرِيب فِيهِمَا اِبْن عُمَر جَلَدَ مَمْلُوكَةً لَهُ فِي الزِّنَا وَنَفَاهَا إِلَى فَدَك وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَالثَّوْرِيّ وَالطَّبَرِيّ وَدَاوُد.
وَاخْتَلَفَ قَوْل الشَّافِعِيّ فِي نَفْي الْعَبْد، فَمَرَّةً قَالَ : أَسْتَخِير اللَّه فِي نَفْي الْعَبْد، وَمَرَّة قَالَ : يُنْفَى نِصْفَ سَنَة، وَمَرَّة قَالَ : يُنْفَى سَنَة إِلَى غَيْر بَلَدِهِ ; وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيّ.
وَاخْتَلَفَ أَيْضًا قَوْله فِي نَفْي الْأَمَة عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَقَالَ مَالِك : يُنْفَى الرَّجُل وَلَا تُنْفَى الْمَرْأَة وَلَا الْعَبْد، وَمَنْ نُفِيَ حُبِسَ فِي الْمَوْضِع الَّذِي يُنْفَى إِلَيْهِ.
وَيُنْفَى مِنْ مِصْرَ إِلَى الْحِجَاز وَشَغْب وَأُسْوَان وَنَحْوهَا، وَمِنْ الْمَدِينَة إِلَى خَيْبَر وَفَدَك ; وَكَذَلِكَ فَعَلَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز.
وَنَفَى عَلِيّ مِنْ الْكُوفَة إِلَى الْبَصْرَة.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : أَقَلّ ذَلِكَ يَوْم وَلَيْلَة.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : كَانَ أَصْل النَّفْي أَنَّ بَنِي إِسْمَاعِيلَ أَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَم غُرِّبَ مِنْهُ، فَصَارَتْ سُنَّة فِيهِمْ يَدِينُونَ بِهَا ; فَلِأَجْلِ ذَلِكَ اِسْتَنَّ النَّاس إِذَا أَحْدَثَ أَحَدٌ حَدَثًا غُرِّبَ عَنْ بَلَده، وَتَمَادَى ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَى أَنْ جَاءَ الْإِسْلَام فَأَقَرَّهُ فِي الزِّنَا خَاصَّة.
اِحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ النَّفْي عَلَى الْعَبْد بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة فِي الْأَمَة ; وَلِأَنَّ تَغْرِيبَهُ عُقُوبَة لِمَالِكِهِ تَمْنَعُهُ مِنْ مَنَافِعِهِ فِي مُدَّةِ تَغْرِيبِهِ، وَلَا يُنَاسِب ذَلِكَ تَصَرُّف الشَّرْع، فَلَا يُعَاقَب غَيْرُ الْجَانِي.
وَأَيْضًا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْجُمُعَة وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَجْلِ السَّيِّد ; فَكَذَلِكَ التَّغْرِيب.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَرْأَة إِذَا غُرِّبَتْ رُبَّمَا يَكُون ذَلِكَ سَبَبًا لِوُقُوعِهَا فِيمَا أُخْرِجَتْ مِنْ سَبَبِهِ وَهُوَ الْفَاحِشَة، وَفِي التَّغْرِيب سَبَب لِكَشْفِ عَوْرَتهَا وَتَضْيِيعٌ لِحَالِهَا ; وَلِأَنَّ الْأَصْل مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوج مِنْ بَيْتهَا وَأَنَّ صَلَاتَهَا فِيهِ أَفْضَل.
وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَعْرُوا النِّسَاء يَلْزَمْنَ الْحِجَال ) فَحَصَلَ مِنْ هَذَا تَخْصِيص عُمُوم حَدِيث التَّغْرِيب بِالْمَصْلَحَةِ الْمَشْهُود لَهَا بِالِاعْتِبَارِ.
وَهُوَ مُخْتَلَف فِيهِ عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَالنُّظَّار.
وَشَذَّتْ طَائِفَة فَقَالَتْ : يُجْمَع الْجَلْد وَالرَّجْم عَلَى الشَّيْخ، وَيُجْلَد الشَّابّ ; تَمَسُّكًا بِلَفْظِ " الشَّيْخ " فِي حَدِيث زَيْد بْن ثَابِت أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :" الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّة " خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ.
وَهَذَا فَاسِد ; لِأَنَّهُ قَدْ سَمَّاهُ فِي الْحَدِيث الْآخَر " الثَّيِّب ".
السَّادِسَة : الْقَائِلُونَ بِالتَّغْرِيبِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي تَغْرِيب الذَّكَر الْحُرّ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَغْرِيب الْعَبْد وَالْأَمَة ; فَمِمَّنْ رَأَى التَّغْرِيب فِيهِمَا اِبْن عُمَر جَلَدَ مَمْلُوكَةً لَهُ فِي الزِّنَا وَنَفَاهَا إِلَى فَدَك وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَالثَّوْرِيّ وَالطَّبَرِيّ وَدَاوُد.
وَاخْتَلَفَ قَوْل الشَّافِعِيّ فِي نَفْي الْعَبْد، فَمَرَّةً قَالَ : أَسْتَخِير اللَّه فِي نَفْي الْعَبْد، وَمَرَّة قَالَ : يُنْفَى نِصْفَ سَنَة، وَمَرَّة قَالَ : يُنْفَى سَنَة إِلَى غَيْر بَلَدِهِ ; وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيّ.
وَاخْتَلَفَ أَيْضًا قَوْله فِي نَفْي الْأَمَة عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَقَالَ مَالِك : يُنْفَى الرَّجُل وَلَا تُنْفَى الْمَرْأَة وَلَا الْعَبْد، وَمَنْ نُفِيَ حُبِسَ فِي الْمَوْضِع الَّذِي يُنْفَى إِلَيْهِ.
وَيُنْفَى مِنْ مِصْرَ إِلَى الْحِجَاز وَشَغْب وَأُسْوَان وَنَحْوهَا، وَمِنْ الْمَدِينَة إِلَى خَيْبَر وَفَدَك ; وَكَذَلِكَ فَعَلَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز.
وَنَفَى عَلِيّ مِنْ الْكُوفَة إِلَى الْبَصْرَة.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : أَقَلّ ذَلِكَ يَوْم وَلَيْلَة.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : كَانَ أَصْل النَّفْي أَنَّ بَنِي إِسْمَاعِيلَ أَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَم غُرِّبَ مِنْهُ، فَصَارَتْ سُنَّة فِيهِمْ يَدِينُونَ بِهَا ; فَلِأَجْلِ ذَلِكَ اِسْتَنَّ النَّاس إِذَا أَحْدَثَ أَحَدٌ حَدَثًا غُرِّبَ عَنْ بَلَده، وَتَمَادَى ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَى أَنْ جَاءَ الْإِسْلَام فَأَقَرَّهُ فِي الزِّنَا خَاصَّة.
اِحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ النَّفْي عَلَى الْعَبْد بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة فِي الْأَمَة ; وَلِأَنَّ تَغْرِيبَهُ عُقُوبَة لِمَالِكِهِ تَمْنَعُهُ مِنْ مَنَافِعِهِ فِي مُدَّةِ تَغْرِيبِهِ، وَلَا يُنَاسِب ذَلِكَ تَصَرُّف الشَّرْع، فَلَا يُعَاقَب غَيْرُ الْجَانِي.
وَأَيْضًا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْجُمُعَة وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَجْلِ السَّيِّد ; فَكَذَلِكَ التَّغْرِيب.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَرْأَة إِذَا غُرِّبَتْ رُبَّمَا يَكُون ذَلِكَ سَبَبًا لِوُقُوعِهَا فِيمَا أُخْرِجَتْ مِنْ سَبَبِهِ وَهُوَ الْفَاحِشَة، وَفِي التَّغْرِيب سَبَب لِكَشْفِ عَوْرَتهَا وَتَضْيِيعٌ لِحَالِهَا ; وَلِأَنَّ الْأَصْل مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوج مِنْ بَيْتهَا وَأَنَّ صَلَاتَهَا فِيهِ أَفْضَل.
وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَعْرُوا النِّسَاء يَلْزَمْنَ الْحِجَال ) فَحَصَلَ مِنْ هَذَا تَخْصِيص عُمُوم حَدِيث التَّغْرِيب بِالْمَصْلَحَةِ الْمَشْهُود لَهَا بِالِاعْتِبَارِ.
وَهُوَ مُخْتَلَف فِيهِ عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَالنُّظَّار.
وَشَذَّتْ طَائِفَة فَقَالَتْ : يُجْمَع الْجَلْد وَالرَّجْم عَلَى الشَّيْخ، وَيُجْلَد الشَّابّ ; تَمَسُّكًا بِلَفْظِ " الشَّيْخ " فِي حَدِيث زَيْد بْن ثَابِت أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :" الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّة " خَرَّجَهُ النَّسَائِيّ.
وَهَذَا فَاسِد ; لِأَنَّهُ قَدْ سَمَّاهُ فِي الْحَدِيث الْآخَر " الثَّيِّب ".
فَإِنْ تَابَا
أَيْ مِنْ الْفَاحِشَة.
أَيْ مِنْ الْفَاحِشَة.
وَأَصْلَحَا
يَعْنِي الْعَمَل فِيمَا بَعْد ذَلِكَ.
يَعْنِي الْعَمَل فِيمَا بَعْد ذَلِكَ.
فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا
أَيْ اُتْرُكُوا أَذَاهُمَا وَتَعْيِيرَهُمَا.
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلِ نُزُولِ الْحُدُودِ.
فَلَمَّا نَزَلَتْ الْحُدُود نُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَة.
وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالْإِعْرَاضِ الْهِجْرَة، وَلَكِنَّهَا مُتَارَكَة مُعْرِض ; وَفِي ذَلِكَ اِحْتِقَار لَهُمْ بِسَبَبِ الْمَعْصِيَة الْمُتَقَدِّمَة، وَبِحَسَبِ الْجَهَالَةِ فِي الْآيَة الْأُخْرَى.
أَيْ اُتْرُكُوا أَذَاهُمَا وَتَعْيِيرَهُمَا.
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلِ نُزُولِ الْحُدُودِ.
فَلَمَّا نَزَلَتْ الْحُدُود نُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَة.
وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالْإِعْرَاضِ الْهِجْرَة، وَلَكِنَّهَا مُتَارَكَة مُعْرِض ; وَفِي ذَلِكَ اِحْتِقَار لَهُمْ بِسَبَبِ الْمَعْصِيَة الْمُتَقَدِّمَة، وَبِحَسَبِ الْجَهَالَةِ فِي الْآيَة الْأُخْرَى.
إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا
وَاَللَّه تَوَّاب أَيْ رَاجِع بِعِبَادِهِ عَنْ الْمَعَاصِي.
وَاَللَّه تَوَّاب أَيْ رَاجِع بِعِبَادِهِ عَنْ الْمَعَاصِي.
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ
قِيلَ : هَذِهِ الْآيَة عَامَّة لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ ذَنْبًا.
وَقِيلَ : لِمَنْ جَهِلَ فَقَطْ، وَالتَّوْبَة لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ ذَنْبًا فِي مَوْضِع آخَر.
وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ فَرْض عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَتُوبُوا إِلَى اللَّه جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ".
[ النُّور : ٣١ ].
وَتَصِحّ مِنْ ذَنْب مَعَ الْإِقَامَة عَلَى غَيْره مِنْ غَيْر نَوْعه خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلهمْ : لَا يَكُون تَائِبًا مَنْ أَقَامَ عَلَى ذَنْب.
وَلَا فَرْق بَيْنَ مَعْصِيَة وَمَعْصِيَة - هَذَا مَذْهَب أَهْل السُّنَّة.
وَإِذَا تَابَ الْعَبْد فَاَللَّه سُبْحَانَهُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَبِلَهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْهَا.
وَلَيْسَ قَبُول التَّوْبَة وَاجِبًا عَلَى اللَّه مِنْ طَرِيق الْعَقْل كَمَا قَالَ الْمُخَالِف ; لِأَنَّ مِنْ شَرْط الْوَاجِب أَنْ يَكُون أَعْلَى رُتْبَة مِنْ الْمُوجَب عَلَيْهِ، وَالْحَقّ سُبْحَانه خَالِق الْخَلْق وَمَالِكهمْ، وَالْمُكَلِّف لَهُمْ ; فَلَا يَصِحّ أَنْ يُوصَف بِوُجُوبِ شَيْء عَلَيْهِ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، غَيْر أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانه وَهُوَ الصَّادِق فِي وَعْده بِأَنَّهُ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ الْعَاصِينَ مِنْ عِبَاده بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَهُوَ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَات " [ الشُّورَى : ٢٥ ].
وَقَوْل :" أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه هُوَ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده " [ التَّوْبَة : ١٠٤ ] وَقَوْله :" وَإِنِّي لَغَفَّار لِمَنْ تَابَ " [ طَه : ٨٢ ] فَإِخْبَاره سُبْحَانه وَتَعَالَى عَنْ أَشْيَاء أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسه يَقْتَضِي وُجُوب تِلْكَ الْأَشْيَاء.
وَالْعَقِيدَة أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِ شَيْء عَقْلًا ; فَأَمَّا السَّمْع فَظَاهِره قَبُول تَوْبَة التَّائِب.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْره : وَهَذِهِ الظَّوَاهِر إِنَّمَا تُعْطِي غَلَبَة ظَنٍّ، لَا قَطْعًا عَلَى اللَّه تَعَالَى بِقَبُولِ التَّوْبَة.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَقَدْ خُولِفَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْره فِي هَذَا الْمَعْنَى.
فَإِذَا فَرَضْنَا رَجُلًا قَدْ تَابَ تَوْبَة نَصُوحًا تَامَّة الشُّرُوط فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : يَغْلِب عَلَى الظَّنّ قَبُول تَوْبَته.
وَقَالَ غَيْره : يَقْطَع عَلَى اللَّه تَعَالَى بِقَبُولِ تَوْبَته كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسه جَلَّ وَعَزَّ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَكَانَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّه يَمِيل إِلَى هَذَا الْقَوْل وَيُرَجِّحُهُ، وَبِهِ أَقُول، وَاَللَّه تَعَالَى أَرْحَم بِعِبَادِهِ مِنْ أَنْ يَنْخَرِم فِي هَذَا التَّائِب الْمَفْرُوض مَعْنَى قَوْله :" وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده " [ الشُّورَى : ٢٥ ] وَقَوْله تَعَالَى :" وَإِنِّي لَغَفَّارٌ " [ طَه : ٨٢ ].
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَم أَنَّ فِي قَوْله " عَلَى اللَّه " حَذْفًا وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِره، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى عَلَى فَضْل اللَّه وَرَحْمَته بِعِبَادِهِ.
وَهَذَا نَحْو قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ :( أَتَدْرِي مَا حَقّ الْعِبَاد عَلَى اللَّه ) ؟ قَالَ : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم.
قَالَ :( أَنْ يُدْخِلَهُمْ الْجَنَّة ).
فَهَذَا كُلّه مَعْنَاهُ : عَلَى فَضْله وَرَحْمَتِهِ بِوَعْدِهِ الْحَقّ وَقَوْله الصِّدْق.
قِيلَ : هَذِهِ الْآيَة عَامَّة لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ ذَنْبًا.
وَقِيلَ : لِمَنْ جَهِلَ فَقَطْ، وَالتَّوْبَة لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ ذَنْبًا فِي مَوْضِع آخَر.
وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ فَرْض عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَتُوبُوا إِلَى اللَّه جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ".
[ النُّور : ٣١ ].
وَتَصِحّ مِنْ ذَنْب مَعَ الْإِقَامَة عَلَى غَيْره مِنْ غَيْر نَوْعه خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلهمْ : لَا يَكُون تَائِبًا مَنْ أَقَامَ عَلَى ذَنْب.
وَلَا فَرْق بَيْنَ مَعْصِيَة وَمَعْصِيَة - هَذَا مَذْهَب أَهْل السُّنَّة.
وَإِذَا تَابَ الْعَبْد فَاَللَّه سُبْحَانَهُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَبِلَهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْهَا.
وَلَيْسَ قَبُول التَّوْبَة وَاجِبًا عَلَى اللَّه مِنْ طَرِيق الْعَقْل كَمَا قَالَ الْمُخَالِف ; لِأَنَّ مِنْ شَرْط الْوَاجِب أَنْ يَكُون أَعْلَى رُتْبَة مِنْ الْمُوجَب عَلَيْهِ، وَالْحَقّ سُبْحَانه خَالِق الْخَلْق وَمَالِكهمْ، وَالْمُكَلِّف لَهُمْ ; فَلَا يَصِحّ أَنْ يُوصَف بِوُجُوبِ شَيْء عَلَيْهِ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، غَيْر أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانه وَهُوَ الصَّادِق فِي وَعْده بِأَنَّهُ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ الْعَاصِينَ مِنْ عِبَاده بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَهُوَ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَات " [ الشُّورَى : ٢٥ ].
وَقَوْل :" أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه هُوَ يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده " [ التَّوْبَة : ١٠٤ ] وَقَوْله :" وَإِنِّي لَغَفَّار لِمَنْ تَابَ " [ طَه : ٨٢ ] فَإِخْبَاره سُبْحَانه وَتَعَالَى عَنْ أَشْيَاء أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسه يَقْتَضِي وُجُوب تِلْكَ الْأَشْيَاء.
وَالْعَقِيدَة أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِ شَيْء عَقْلًا ; فَأَمَّا السَّمْع فَظَاهِره قَبُول تَوْبَة التَّائِب.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْره : وَهَذِهِ الظَّوَاهِر إِنَّمَا تُعْطِي غَلَبَة ظَنٍّ، لَا قَطْعًا عَلَى اللَّه تَعَالَى بِقَبُولِ التَّوْبَة.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَقَدْ خُولِفَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْره فِي هَذَا الْمَعْنَى.
فَإِذَا فَرَضْنَا رَجُلًا قَدْ تَابَ تَوْبَة نَصُوحًا تَامَّة الشُّرُوط فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : يَغْلِب عَلَى الظَّنّ قَبُول تَوْبَته.
وَقَالَ غَيْره : يَقْطَع عَلَى اللَّه تَعَالَى بِقَبُولِ تَوْبَته كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسه جَلَّ وَعَزَّ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَكَانَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّه يَمِيل إِلَى هَذَا الْقَوْل وَيُرَجِّحُهُ، وَبِهِ أَقُول، وَاَللَّه تَعَالَى أَرْحَم بِعِبَادِهِ مِنْ أَنْ يَنْخَرِم فِي هَذَا التَّائِب الْمَفْرُوض مَعْنَى قَوْله :" وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده " [ الشُّورَى : ٢٥ ] وَقَوْله تَعَالَى :" وَإِنِّي لَغَفَّارٌ " [ طَه : ٨٢ ].
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَم أَنَّ فِي قَوْله " عَلَى اللَّه " حَذْفًا وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِره، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى عَلَى فَضْل اللَّه وَرَحْمَته بِعِبَادِهِ.
وَهَذَا نَحْو قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ :( أَتَدْرِي مَا حَقّ الْعِبَاد عَلَى اللَّه ) ؟ قَالَ : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم.
قَالَ :( أَنْ يُدْخِلَهُمْ الْجَنَّة ).
فَهَذَا كُلّه مَعْنَاهُ : عَلَى فَضْله وَرَحْمَتِهِ بِوَعْدِهِ الْحَقّ وَقَوْله الصِّدْق.
دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" كَتَبَ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة " [ الْأَنْعَام : ١٢ ] أَيْ وَعَدَ بِهَا.
وَقِيلَ :" عَلَى " هَاهُنَا مَعْنَاهَا " عِنْد " وَالْمَعْنَى وَاحِد، التَّقْدِير : عِنْد اللَّه، أَيْ إِنَّهُ وَعَدَ وَلَا خُلْف فِي وَعْدِهِ أَنَّهُ يَقْبَل التَّوْبَة إِذَا كَانَتْ بِشُرُوطِهَا الْمُصَحِّحَة لَهَا ; وَهِيَ أَرْبَعَة : النَّدَم بِالْقَلْبِ، وَتَرْك الْمَعْصِيَة فِي الْحَال، وَالْعَزْم عَلَى أَلَّا يَعُود إِلَى مِثْلهَا، وَأَنْ يَكُون ذَلِكَ حَيَاء مِنْ اللَّه تَعَالَى لَا مِنْ غَيْره ; فَإِذَا اِخْتَلَّ شَرْط مِنْ هَذِهِ الشُّرُوط لَمْ تَصِحّ التَّوْبَة.
وَقَدْ قِيلَ مِنْ شُرُوطهَا : الِاعْتِرَاف بِالذَّنْبِ وَكَثْرَة الِاسْتِغْفَار، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " آل عِمْرَان " كَثِير مِنْ مَعَانِي التَّوْبَة وَأَحْكَامهَا.
وَلَا خِلَاف فِيمَا أَعْلَمُهُ أَنَّ التَّوْبَة لَا تُسْقِط حَدًّا ; وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّ السَّارِق وَالسَّارِقَة وَالْقَاذِف مَتَى تَابُوا وَقَامَتْ الشَّهَادَة عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ الْحُدُود.
وَقِيلَ :" عَلَى " بِمَعْنَى " مِنْ " أَيْ إِنَّمَا التَّوْبَة مِنْ اللَّه لِلَّذِينَ ; قَالَهُ أَبُو بَكْر بْن عَبْدُوس، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَسَيَأْتِي فِي " التَّحْرِيم " الْكَلَام فِي التَّوْبَة النَّصُوح وَالْأَشْيَاء الَّتِي يُتَاب مِنْهَا.
وَقِيلَ :" عَلَى " هَاهُنَا مَعْنَاهَا " عِنْد " وَالْمَعْنَى وَاحِد، التَّقْدِير : عِنْد اللَّه، أَيْ إِنَّهُ وَعَدَ وَلَا خُلْف فِي وَعْدِهِ أَنَّهُ يَقْبَل التَّوْبَة إِذَا كَانَتْ بِشُرُوطِهَا الْمُصَحِّحَة لَهَا ; وَهِيَ أَرْبَعَة : النَّدَم بِالْقَلْبِ، وَتَرْك الْمَعْصِيَة فِي الْحَال، وَالْعَزْم عَلَى أَلَّا يَعُود إِلَى مِثْلهَا، وَأَنْ يَكُون ذَلِكَ حَيَاء مِنْ اللَّه تَعَالَى لَا مِنْ غَيْره ; فَإِذَا اِخْتَلَّ شَرْط مِنْ هَذِهِ الشُّرُوط لَمْ تَصِحّ التَّوْبَة.
وَقَدْ قِيلَ مِنْ شُرُوطهَا : الِاعْتِرَاف بِالذَّنْبِ وَكَثْرَة الِاسْتِغْفَار، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " آل عِمْرَان " كَثِير مِنْ مَعَانِي التَّوْبَة وَأَحْكَامهَا.
وَلَا خِلَاف فِيمَا أَعْلَمُهُ أَنَّ التَّوْبَة لَا تُسْقِط حَدًّا ; وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّ السَّارِق وَالسَّارِقَة وَالْقَاذِف مَتَى تَابُوا وَقَامَتْ الشَّهَادَة عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ الْحُدُود.
وَقِيلَ :" عَلَى " بِمَعْنَى " مِنْ " أَيْ إِنَّمَا التَّوْبَة مِنْ اللَّه لِلَّذِينَ ; قَالَهُ أَبُو بَكْر بْن عَبْدُوس، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَسَيَأْتِي فِي " التَّحْرِيم " الْكَلَام فِي التَّوْبَة النَّصُوح وَالْأَشْيَاء الَّتِي يُتَاب مِنْهَا.
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ
السُّوء فِي هَذِهِ الْآيَة، و " الْأَنْعَام ".
" أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ " [ الْأَنْعَام : ٥٤ ] يَعُمُّ الْكُفْرَ وَالْمَعَاصِيَ ; فَكُلّ مَنْ عَصَى رَبّه فَهُوَ جَاهِل حَتَّى يَنْزِع عَنْ مَعْصِيَته.
قَالَ قَتَادَة : أَجْمَعَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ كُلّ مَعْصِيَة فَهِيَ بِجَهَالَةٍ، عَمْدًا كَانَتْ أَوْ جَهْلًا ; وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَمُجَاهِد وَالسُّدِّيّ.
وَرُوِيَ عَنْ الضَّحَّاك وَمُجَاهِد أَنَّهُمَا قَالَا : الْجَهَالَة هُنَا الْعَمْد.
وَقَالَ عِكْرِمَة : أُمُور الدُّنْيَا كُلّهَا جَهَالَة ; يُرِيد الْخَاصَّة بِهَا الْخَارِجَة عَنْ طَاعَة اللَّه.
وَهَذَا الْقَوْل جَارٍ مَعَ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ " [ مُحَمَّد : ٣٦ ].
وَقَالَ الزَّجَّاج : يَعْنِي قَوْله " بِجَهَالَةٍ " اِخْتِيَارَهُمْ اللَّذَّةَ الْفَانِيَةَ عَلَى اللَّذَّة الْبَاقِيَة.
وَقِيلَ :" بِجَهَالَةٍ " أَيْ لَا يَعْلَمُونَ كُنْهَ الْعُقُوبَة ; ذَكَرَهُ اِبْن فُورَك.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَضُعِّفَ قَوْله هَذَا وَرُدَّ عَلَيْهِ.
السُّوء فِي هَذِهِ الْآيَة، و " الْأَنْعَام ".
" أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ " [ الْأَنْعَام : ٥٤ ] يَعُمُّ الْكُفْرَ وَالْمَعَاصِيَ ; فَكُلّ مَنْ عَصَى رَبّه فَهُوَ جَاهِل حَتَّى يَنْزِع عَنْ مَعْصِيَته.
قَالَ قَتَادَة : أَجْمَعَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ كُلّ مَعْصِيَة فَهِيَ بِجَهَالَةٍ، عَمْدًا كَانَتْ أَوْ جَهْلًا ; وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَمُجَاهِد وَالسُّدِّيّ.
وَرُوِيَ عَنْ الضَّحَّاك وَمُجَاهِد أَنَّهُمَا قَالَا : الْجَهَالَة هُنَا الْعَمْد.
وَقَالَ عِكْرِمَة : أُمُور الدُّنْيَا كُلّهَا جَهَالَة ; يُرِيد الْخَاصَّة بِهَا الْخَارِجَة عَنْ طَاعَة اللَّه.
وَهَذَا الْقَوْل جَارٍ مَعَ قَوْله تَعَالَى :" إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ " [ مُحَمَّد : ٣٦ ].
وَقَالَ الزَّجَّاج : يَعْنِي قَوْله " بِجَهَالَةٍ " اِخْتِيَارَهُمْ اللَّذَّةَ الْفَانِيَةَ عَلَى اللَّذَّة الْبَاقِيَة.
وَقِيلَ :" بِجَهَالَةٍ " أَيْ لَا يَعْلَمُونَ كُنْهَ الْعُقُوبَة ; ذَكَرَهُ اِبْن فُورَك.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَضُعِّفَ قَوْله هَذَا وَرُدَّ عَلَيْهِ.
ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ : مَعْنَاهُ قَبْل الْمَرَض وَالْمَوْت.
وَرُوِيَ عَنْ الضَّحَّاك أَنَّهُ قَالَ : كُلّ مَا كَانَ قَبْل الْمَوْت فَهُوَ قَرِيب.
وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ وَالضَّحَّاك أَيْضًا وَعِكْرِمَة وَابْن زَيْد وَغَيْرهمْ : قَبْل الْمُعَايَنَة لِلْمَلَائِكَةِ وَالسَّوْق، وَأَنْ يُغْلَب الْمَرْء عَلَى نَفْسه.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاق حَيْثُ قَالَ :
قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّه : وَإِنَّمَا صَحَّتْ التَّوْبَة مِنْهُ فِي هَذَا الْوَقْت ; لِأَنَّ الرَّجَاء بَاقٍ وَيَصِحّ مِنْهُ النَّدَم وَالْعَزْم عَلَى تَرْك الْفِعْل.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ اللَّه يَقْبَل تَوْبَة الْعَبْد مَا لَمْ يُغَرْغِر ).
قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَمَعْنَى مَا لَمْ يُغَرْغِر : مَا لَمْ تَبْلُغ رُوحه حُلْقُومه ; فَيَكُون بِمَنْزِلَةِ الشَّيْء الَّذِي يُتَغَرْغَر بِهِ.
قَالَهُ الْهَرَوِيّ وَقِيلَ : الْمَعْنَى يَتُوبُونَ عَلَى قُرْب عَهْد مِنْ الذَّنْب مِنْ غَيْر إِصْرَار.
وَالْمُبَادَر فِي الصِّحَّة أَفْضَل، وَأَلْحَقُ لِأَمَلِهِ مِنْ الْعَمَل الصَّالِح.
وَالْبُعْد كُلّ الْبُعْد الْمَوْت ; كَمَا قَالَ :
وَأَيْنَ مَكَان الْبُعْد إِلَّا مَكَانِيَا
وَرَوَى صَالِح الْمُرِّيّ عَنْ الْحَسَن قَالَ : مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ قَدْ تَابَ إِلَى اللَّه مِنْهُ اِبْتَلَاهُ اللَّه بِهِ.
وَقَالَ الْحَسَن أَيْضًا : إِنَّ إِبْلِيس لَمَّا هَبَطَ قَالَ : بِعِزَّتِك لَا أُفَارِق اِبْن آدَم مَا دَامَ الرُّوح فِي جَسَده.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :( فَبِعِزَّتِي لَا أَحْجُبُ التَّوْبَةَ عَنْ اِبْن آدَم مَا لَمْ تُغَرْغِرْ نَفْسُهُ ).
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ : مَعْنَاهُ قَبْل الْمَرَض وَالْمَوْت.
وَرُوِيَ عَنْ الضَّحَّاك أَنَّهُ قَالَ : كُلّ مَا كَانَ قَبْل الْمَوْت فَهُوَ قَرِيب.
وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ وَالضَّحَّاك أَيْضًا وَعِكْرِمَة وَابْن زَيْد وَغَيْرهمْ : قَبْل الْمُعَايَنَة لِلْمَلَائِكَةِ وَالسَّوْق، وَأَنْ يُغْلَب الْمَرْء عَلَى نَفْسه.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاق حَيْثُ قَالَ :
قَدِّمْ لِنَفْسِك تَوْبَةً مَرْجُوَّةً | قَبْلَ الْمَمَاتِ وَقَبْلَ حَبْسِ الْأَلْسُنِ |
بَادِرْ بِهَا غَلْقَ النُّفُوسِ فَإِنَّهَا | ذُخْرٌ وَغُنْمٌ لِلْمُنِيبِ الْمُحْسِنِ |
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ اللَّه يَقْبَل تَوْبَة الْعَبْد مَا لَمْ يُغَرْغِر ).
قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَمَعْنَى مَا لَمْ يُغَرْغِر : مَا لَمْ تَبْلُغ رُوحه حُلْقُومه ; فَيَكُون بِمَنْزِلَةِ الشَّيْء الَّذِي يُتَغَرْغَر بِهِ.
قَالَهُ الْهَرَوِيّ وَقِيلَ : الْمَعْنَى يَتُوبُونَ عَلَى قُرْب عَهْد مِنْ الذَّنْب مِنْ غَيْر إِصْرَار.
وَالْمُبَادَر فِي الصِّحَّة أَفْضَل، وَأَلْحَقُ لِأَمَلِهِ مِنْ الْعَمَل الصَّالِح.
وَالْبُعْد كُلّ الْبُعْد الْمَوْت ; كَمَا قَالَ :
وَأَيْنَ مَكَان الْبُعْد إِلَّا مَكَانِيَا
وَرَوَى صَالِح الْمُرِّيّ عَنْ الْحَسَن قَالَ : مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ قَدْ تَابَ إِلَى اللَّه مِنْهُ اِبْتَلَاهُ اللَّه بِهِ.
وَقَالَ الْحَسَن أَيْضًا : إِنَّ إِبْلِيس لَمَّا هَبَطَ قَالَ : بِعِزَّتِك لَا أُفَارِق اِبْن آدَم مَا دَامَ الرُّوح فِي جَسَده.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :( فَبِعِزَّتِي لَا أَحْجُبُ التَّوْبَةَ عَنْ اِبْن آدَم مَا لَمْ تُغَرْغِرْ نَفْسُهُ ).
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
نَفَى سُبْحَانَهُ أَنْ يُدْخِلَ فِي حُكْم التَّائِبِينَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَصَارَ فِي حِينِ الْيَأْسِ ; كَمَا كَانَ فِرْعَوْن حِينَ صَارَ فِي غَمْرَة الْمَاء وَالْغَرَق فَلَمْ يَنْفَعْهُ مَا أَظْهَرَ مِنْ الْإِيمَان ; لِأَنَّ التَّوْبَة فِي ذَلِكَ الْوَقْت لَا تَنْفَع، لِأَنَّهَا حَالَ زَوَالِ التَّكْلِيفِ.
وَبِهَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن زَيْد وَجُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ.
وَأَمَّا الْكُفَّار يَمُوتُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ فَلَا تَوْبَةَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة، وَإِلَيْهِمْ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " وَهُوَ الْخُلُود.
وَإِنْ كَانَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ إِلَى الْجَمِيع فَهُوَ فِي جِهَة الْعُصَاة عَذَاب لَا خُلُودَ مَعَهُ ; وَهَذَا عَلَى أَنَّ السَّيِّئَات مَا دُونَ الْكُفْرِ ; أَيْ لَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِمَنْ عَمِلَ دُونَ الْكُفْر مِنْ السَّيِّئَات ثُمَّ تَابَ عِنْدَ الْمَوْت، وَلَا لِمَنْ مَاتَ كَافِرًا فَتَابَ يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ السَّيِّئَات هُنَا الْكُفْر، فَيَكُون الْمَعْنَى وَلَيْسَتْ التَّوْبَة لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ يَتُوبُونَ عِنْد الْمَوْت، وَلَا لِلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّار.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : نَزَلَ أَوَّلُ الْآيَةِ فِي الْمُؤْمِنِينَ " إِنَّمَا التَّوْبَة عَلَى اللَّه ".
وَالثَّانِيَة فِي الْمُنَافِقِينَ.
" وَلَيْسَتْ التَّوْبَة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات " يَعْنِي قَبُول التَّوْبَة لِلَّذِينَ أَصَرُّوا عَلَى فِعْلِهِمْ.
" حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ " يَعْنِي الشَّرَق وَالنَّزْع وَمُعَايَنَة مَلَك الْمَوْت.
" قَالَ إِنِّي تُبْت الْآنَ " فَلَيْسَ لِهَذَا تَوْبَةٌ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَوْبَةَ الْكُفَّار فَقَالَ تَعَالَى :" وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّار أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " أَيْ وَجِيعًا دَائِمًا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
نَفَى سُبْحَانَهُ أَنْ يُدْخِلَ فِي حُكْم التَّائِبِينَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَصَارَ فِي حِينِ الْيَأْسِ ; كَمَا كَانَ فِرْعَوْن حِينَ صَارَ فِي غَمْرَة الْمَاء وَالْغَرَق فَلَمْ يَنْفَعْهُ مَا أَظْهَرَ مِنْ الْإِيمَان ; لِأَنَّ التَّوْبَة فِي ذَلِكَ الْوَقْت لَا تَنْفَع، لِأَنَّهَا حَالَ زَوَالِ التَّكْلِيفِ.
وَبِهَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن زَيْد وَجُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ.
وَأَمَّا الْكُفَّار يَمُوتُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ فَلَا تَوْبَةَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة، وَإِلَيْهِمْ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " وَهُوَ الْخُلُود.
وَإِنْ كَانَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ إِلَى الْجَمِيع فَهُوَ فِي جِهَة الْعُصَاة عَذَاب لَا خُلُودَ مَعَهُ ; وَهَذَا عَلَى أَنَّ السَّيِّئَات مَا دُونَ الْكُفْرِ ; أَيْ لَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِمَنْ عَمِلَ دُونَ الْكُفْر مِنْ السَّيِّئَات ثُمَّ تَابَ عِنْدَ الْمَوْت، وَلَا لِمَنْ مَاتَ كَافِرًا فَتَابَ يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ السَّيِّئَات هُنَا الْكُفْر، فَيَكُون الْمَعْنَى وَلَيْسَتْ التَّوْبَة لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ يَتُوبُونَ عِنْد الْمَوْت، وَلَا لِلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّار.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : نَزَلَ أَوَّلُ الْآيَةِ فِي الْمُؤْمِنِينَ " إِنَّمَا التَّوْبَة عَلَى اللَّه ".
وَالثَّانِيَة فِي الْمُنَافِقِينَ.
" وَلَيْسَتْ التَّوْبَة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَات " يَعْنِي قَبُول التَّوْبَة لِلَّذِينَ أَصَرُّوا عَلَى فِعْلِهِمْ.
" حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ " يَعْنِي الشَّرَق وَالنَّزْع وَمُعَايَنَة مَلَك الْمَوْت.
" قَالَ إِنِّي تُبْت الْآنَ " فَلَيْسَ لِهَذَا تَوْبَةٌ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَوْبَةَ الْكُفَّار فَقَالَ تَعَالَى :" وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّار أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " أَيْ وَجِيعًا دَائِمًا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ
هَذَا مُتَّصِل بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْره مِنْ الزَّوْجَات.
وَالْمَقْصُود نَفْي الظُّلْم عَنْهُنَّ وَإِضْرَارهنَّ ; وَالْخِطَاب لِلْأَوْلِيَاءِ.
و " أَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع بِ " يَحِلُّ " ; أَيْ لَا يَحِلّ لَكُمْ وِرَاثَة النِّسَاء.
و " كَرْهًا " مَصْدَر ف ِي مَوْضِع الْحَال.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَات وَأَقْوَال الْمُفَسِّرِينَ فِي سَبَب نُزُولهَا ; فَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاء كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ " قَالَ : كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُل كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضهمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا، فَهُمْ أَحَقّ بِهَا مِنْ أَهْلهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَأَبُو مِجْلَزٍ : كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ إِذَا مَاتَ الرَّجُل يُلْقِي اِبْنُهُ مِنْ غَيْرهَا أَوْ أَقْرَبُ عَصَبَتْهُ ثَوْبَهُ عَلَى الْمَرْأَة فَيَصِير أَحَقَّ بِهَا مِنْ نَفْسهَا وَمِنْ أَوْلِيَائِهَا ; فَإِنْ شَاءَ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاق إِلَّا الصَّدَاق الَّذِي أَصْدَقَهَا الْمَيِّت، وَإِنْ شَاءَ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْره وَأَخَذَ صَدَاقَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا ; وَإِنْ شَاءَ عَضَلَهَا لِتَفْتَدِي مِنْهُ بِمَا وَرِثَتْهُ مِنْ الْمَيِّت أَوْ تَمُوت فَيَرِثُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاء كَرْهًا ".
فَيَكُون الْمَعْنَى : لَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَرْثُوهُنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ فَتَكُونُوا أَزْوَاجًا لَهُنَّ.
وَقِيلَ : كَانَ الْوَارِث إِنْ سَبَقَ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا فَهُوَ أَحَقّ بِهَا، وَإِنْ سَبَقَتْهُ فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلهَا كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا ; قَالَهُ السُّدِّيّ.
وَقِيلَ : كَانَ يَكُون عِنْد الرَّجُل عَجُوز وَنَفْسه تَتُوق إِلَى الشَّابَّة فَيَكْرَهُ فِرَاقَ الْعَجُوز لِمَالِهَا فَيُمْسِكُهَا وَلَا يَقْرَبهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَالِهَا أَوْ تَمُوت فَيَرِث مَالَهَا.
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة.
وَأَمَرَ الزَّوْج أَنْ يُطَلِّقَهَا إِنْ كَرِهَ صُحْبَتَهَا وَلَا يُمْسِكُهَا كَرْهًا ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" لَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاء كَرْهًا ".
وَالْمَقْصُود مِنْ الْآيَة إِذْهَاب مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي جَاهِلِيَّتهمْ، وَأَلَّا تُجْعَل النِّسَاء كَالْمَالِ يُورَثْنَ عَنْ الرِّجَال كَمَا يُورَث الْمَال.
" وَكُرْهًا " بِضَمِّ الْكَاف قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ، الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَهُمَا لُغَتَانِ.
وَقَالَ الْقُتَبِيّ : الْكَرْه ( بِالْفَتْحِ ) بِمَعْنَى الْإِكْرَاه، وَالْكُرْه ( بِالضَّمِّ ) الْمَشَقَّة.
يُقَال : لِتَفْعَلْ ذَلِكَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، يَعْنِي طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا.
وَالْخِطَاب لِلْأَوْلِيَاءِ.
وَقِيلَ : لِأَزْوَاجِ النِّسَاء إِذَا حَبَسُوهُنَّ مَعَ سُوء الْعِشْرَة طَمَاعِيَةَ إِرْثهَا، أَوْ يَفْتَدِينَ بِبَعْضِ مُهُورِهِنَّ، وَهَذَا أَصَحّ.
هَذَا مُتَّصِل بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْره مِنْ الزَّوْجَات.
وَالْمَقْصُود نَفْي الظُّلْم عَنْهُنَّ وَإِضْرَارهنَّ ; وَالْخِطَاب لِلْأَوْلِيَاءِ.
و " أَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع بِ " يَحِلُّ " ; أَيْ لَا يَحِلّ لَكُمْ وِرَاثَة النِّسَاء.
و " كَرْهًا " مَصْدَر ف ِي مَوْضِع الْحَال.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَات وَأَقْوَال الْمُفَسِّرِينَ فِي سَبَب نُزُولهَا ; فَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاء كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ " قَالَ : كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُل كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضهمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا، فَهُمْ أَحَقّ بِهَا مِنْ أَهْلهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَأَبُو مِجْلَزٍ : كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ إِذَا مَاتَ الرَّجُل يُلْقِي اِبْنُهُ مِنْ غَيْرهَا أَوْ أَقْرَبُ عَصَبَتْهُ ثَوْبَهُ عَلَى الْمَرْأَة فَيَصِير أَحَقَّ بِهَا مِنْ نَفْسهَا وَمِنْ أَوْلِيَائِهَا ; فَإِنْ شَاءَ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاق إِلَّا الصَّدَاق الَّذِي أَصْدَقَهَا الْمَيِّت، وَإِنْ شَاءَ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْره وَأَخَذَ صَدَاقَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا ; وَإِنْ شَاءَ عَضَلَهَا لِتَفْتَدِي مِنْهُ بِمَا وَرِثَتْهُ مِنْ الْمَيِّت أَوْ تَمُوت فَيَرِثُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاء كَرْهًا ".
فَيَكُون الْمَعْنَى : لَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَرْثُوهُنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ فَتَكُونُوا أَزْوَاجًا لَهُنَّ.
وَقِيلَ : كَانَ الْوَارِث إِنْ سَبَقَ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا فَهُوَ أَحَقّ بِهَا، وَإِنْ سَبَقَتْهُ فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلهَا كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا ; قَالَهُ السُّدِّيّ.
وَقِيلَ : كَانَ يَكُون عِنْد الرَّجُل عَجُوز وَنَفْسه تَتُوق إِلَى الشَّابَّة فَيَكْرَهُ فِرَاقَ الْعَجُوز لِمَالِهَا فَيُمْسِكُهَا وَلَا يَقْرَبهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَالِهَا أَوْ تَمُوت فَيَرِث مَالَهَا.
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة.
وَأَمَرَ الزَّوْج أَنْ يُطَلِّقَهَا إِنْ كَرِهَ صُحْبَتَهَا وَلَا يُمْسِكُهَا كَرْهًا ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" لَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاء كَرْهًا ".
وَالْمَقْصُود مِنْ الْآيَة إِذْهَاب مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي جَاهِلِيَّتهمْ، وَأَلَّا تُجْعَل النِّسَاء كَالْمَالِ يُورَثْنَ عَنْ الرِّجَال كَمَا يُورَث الْمَال.
" وَكُرْهًا " بِضَمِّ الْكَاف قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ، الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَهُمَا لُغَتَانِ.
وَقَالَ الْقُتَبِيّ : الْكَرْه ( بِالْفَتْحِ ) بِمَعْنَى الْإِكْرَاه، وَالْكُرْه ( بِالضَّمِّ ) الْمَشَقَّة.
يُقَال : لِتَفْعَلْ ذَلِكَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، يَعْنِي طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا.
وَالْخِطَاب لِلْأَوْلِيَاءِ.
وَقِيلَ : لِأَزْوَاجِ النِّسَاء إِذَا حَبَسُوهُنَّ مَعَ سُوء الْعِشْرَة طَمَاعِيَةَ إِرْثهَا، أَوْ يَفْتَدِينَ بِبَعْضِ مُهُورِهِنَّ، وَهَذَا أَصَحّ.
وَاخْتَارَهُ اِبْن عَطِيَّة قَالَ : وَدَلِيل ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ ) وَإِذَا أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ حَبْسُهَا حَتَّى يَذْهَب بِمَالِهَا إِجْمَاعًا مِنْ الْأُمَّة، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلزَّوْجِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمَسْأَلَة بَعْد هَذَا.
كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا
قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْعَضْل وَأَنَّهُ الْمَنْع فِي " الْبَقَرَة ".
وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : كَانَ الرَّجُل إِذَا أَصَابَتْ اِمْرَأَتُهُ فَاحِشَة أَخَذَ مِنْهَا مَا سَاقَ إِلَيْهَا وَأَخْرَجَهَا، فَنُسِخَ ذَلِكَ بِالْحُدُودِ.
وَإِذَا تَنَزَّلْنَا عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْمُرَاد بِالْخِطَابِ فِي الْعَضْل الْأَوْلِيَاء فَفِقْهُهُ أَنَّهُ مَتَى صَحَّ فِي وَلِيّ أَنَّهُ عَاضِل نَظَرَ الْقَاضِي فِي أَمْر الْمَرْأَة وَزَوْجهَا.
إِلَّا الْأَب فِي بَنَاته ; فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي عَضْلِهِ صَلَاحٌ فَلَا يُعْتَرَض، قَوْلًا وَاحِدًا، وَذَلِكَ بِالْخَاطِبِ وَالْخَاطِبِينَ وَإِنْ صَحَّ عَضْله فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَب مَالِك : أَنَّهُ كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاء، يُزَوِّج الْقَاضِي مَنْ شَاءَ التَّزْوِيج مِنْ بَنَاته وَطَلَبَهُ.
وَالْقَوْل الْآخَر - لَا يَعْرِض لَهُ :
يَجُوز أَنْ يَكُون " تَعْضُلُوهُنَّ " جَزْمًا عَلَى النَّهْيِ، فَتَكُونُ الْوَاوُ عَاطِفَةَ جُمْلَةِ كَلَامٍ مَقْطُوعَةً مِنْ الْأُولَى، وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَصْبًا عَطْفًا عَلَى " أَنْ تَرِثُوا " فَتَكُون الْوَاو مُشْتَرَكَة عَطَفَتْ فِعْلًا عَلَى فِعْل.
وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود " وَلَا أَنْ تَعْضُلُوهُنَّ " فَهَذِهِ الْقِرَاءَة تُقَوِّي اِحْتِمَال النَّصْب، وَأَنَّ الْعَضْل مِمَّا لَا يَجُوز بِالنَّصِّ.
قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْعَضْل وَأَنَّهُ الْمَنْع فِي " الْبَقَرَة ".
وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : كَانَ الرَّجُل إِذَا أَصَابَتْ اِمْرَأَتُهُ فَاحِشَة أَخَذَ مِنْهَا مَا سَاقَ إِلَيْهَا وَأَخْرَجَهَا، فَنُسِخَ ذَلِكَ بِالْحُدُودِ.
وَإِذَا تَنَزَّلْنَا عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْمُرَاد بِالْخِطَابِ فِي الْعَضْل الْأَوْلِيَاء فَفِقْهُهُ أَنَّهُ مَتَى صَحَّ فِي وَلِيّ أَنَّهُ عَاضِل نَظَرَ الْقَاضِي فِي أَمْر الْمَرْأَة وَزَوْجهَا.
إِلَّا الْأَب فِي بَنَاته ; فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي عَضْلِهِ صَلَاحٌ فَلَا يُعْتَرَض، قَوْلًا وَاحِدًا، وَذَلِكَ بِالْخَاطِبِ وَالْخَاطِبِينَ وَإِنْ صَحَّ عَضْله فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَب مَالِك : أَنَّهُ كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاء، يُزَوِّج الْقَاضِي مَنْ شَاءَ التَّزْوِيج مِنْ بَنَاته وَطَلَبَهُ.
وَالْقَوْل الْآخَر - لَا يَعْرِض لَهُ :
يَجُوز أَنْ يَكُون " تَعْضُلُوهُنَّ " جَزْمًا عَلَى النَّهْيِ، فَتَكُونُ الْوَاوُ عَاطِفَةَ جُمْلَةِ كَلَامٍ مَقْطُوعَةً مِنْ الْأُولَى، وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَصْبًا عَطْفًا عَلَى " أَنْ تَرِثُوا " فَتَكُون الْوَاو مُشْتَرَكَة عَطَفَتْ فِعْلًا عَلَى فِعْل.
وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود " وَلَا أَنْ تَعْضُلُوهُنَّ " فَهَذِهِ الْقِرَاءَة تُقَوِّي اِحْتِمَال النَّصْب، وَأَنَّ الْعَضْل مِمَّا لَا يَجُوز بِالنَّصِّ.
آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ
اِخْتَلَفَ النَّاس فِي مَعْنَى الْفَاحِشَة ; فَقَالَ الْحَسَن : هُوَ الزِّنَا، وَإِذَا زَنَتْ الْبِكْر فَإِنَّهَا تُجْلَد مِائَة وَتُنْفَى سَنَة، وَتَرُدّ إِلَى زَوْجهَا مَا أَخَذَتْ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ ; إِذَا زَنَتْ اِمْرَأَة الرَّجُل فَلَا بَأْس أَنْ يُضَارَّهَا وَيَشُقَّ عَلَيْهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ.
وَقَالَ السُّدِّيّ : إِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ فَخُذُوا مُهُورَهُنَّ.
وَقَالَ اِبْن سِيرِينَ وَأَبُو قِلَابَةَ : لَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَأْخُذ مِنْهَا فِدْيَةً إِلَّا أَنْ يَجِد عَلَى بَطْنِهَا رَجُلًا، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ".
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة : الْفَاحِشَة الْمُبَيِّنَة فِي هَذِهِ الْآيَة الْبُغْض وَالنُّشُوز، قَالُوا : فَإِذَا نَشَزَتْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذ مَالهَا ; وَهَذَا هُوَ مَذْهَب مَالِك.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : إِلَّا أَنِّي لَا أَحْفَظ لَهُ نَصًّا فِي الْفَاحِشَة فِي الْآيَة.
وَقَالَ قَوْم : الْفَاحِشَة الْبَذَاء بِاللِّسَانِ وَسُوء الْعِشْرَة قَوْلًا وَفِعْلًا ; وَهَذَا فِي مَعْنَى النُّشُوز.
وَمِنْ أَهْل الْعِلْم مَنْ يُجِيز أَخْذ الْمَال مِنْ النَّاشِز عَلَى جِهَة الْخُلْع ; إِلَّا أَنَّهُ يَرَى أَلَّا يَتَجَاوَز مَا أَعْطَاهَا رُكُونًا إِلَى قَوْله تَعَالَى :" لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ".
وَقَالَ مَالِك وَجَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم : لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذ مِنْ النَّاشِز جَمِيع مَا تَمْلِك.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَالزِّنَا أَصْعَب عَلَى الزَّوْج مِنْ النُّشُوز وَالْأَذَى، وَكُلّ ذَلِكَ فَاحِشَة تُحِلُّ أَخْذ الْمَال.
قَالَ أَبُو عُمَر : قَوْل اِبْن سِيرِينَ وَأَبِي قِلَابَةَ عِنْدِي لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ الْفَاحِشَة قَدْ تَكُون الْبَذَاء وَالْأَذَى ; وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبَذِيءِ : فَاحِش وَمُتَفَحِّش، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ اِطَّلَعَ مِنْهَا عَلَى الْفَاحِشَة كَانَ لَهُ لِعَانُهَا، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا ; وَأَمَّا أَنْ يُضَارّهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَالِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا أَعْلَم أَحَدًا قَالَ : لَهُ أَنْ يُضَارّهَا وَيُسِيء إِلَيْهَا حَتَّى تَخْتَلِع مِنْهُ إِذَا وَجَدَهَا تَزْنِي غَيْر أَبِي قِلَابَةَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُود اللَّه " [ الْبَقَرَة : ٢٢٩ ] يَعْنِي فِي حُسْن الْعِشْرَة وَالْقِيَام بِحَقِّ الزَّوْج وَقِيَامه بِحَقِّهَا " فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا اِفْتَدَتْ بِهِ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٩ ] وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا " [ النِّسَاء : ٤ ] فَهَذِهِ الْآيَات أَصْل هَذَا الْبَاب.
وَقَوْلٌ رَابِعٌ " إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة " إِلَّا أَنْ يَزْنِينَ فَيُحْبَسْنَ فِي الْبُيُوت، فَيَكُون هَذَا قَبْل النَّسْخ، وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْل عَطَاء، وَهُوَ ضَعِيف.
" مُبَيِّنَة " بِكَسْرِ الْيَاء قِرَاءَة نَافِع وَأَبِي عَمْرو، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاء.
اِخْتَلَفَ النَّاس فِي مَعْنَى الْفَاحِشَة ; فَقَالَ الْحَسَن : هُوَ الزِّنَا، وَإِذَا زَنَتْ الْبِكْر فَإِنَّهَا تُجْلَد مِائَة وَتُنْفَى سَنَة، وَتَرُدّ إِلَى زَوْجهَا مَا أَخَذَتْ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ ; إِذَا زَنَتْ اِمْرَأَة الرَّجُل فَلَا بَأْس أَنْ يُضَارَّهَا وَيَشُقَّ عَلَيْهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ.
وَقَالَ السُّدِّيّ : إِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ فَخُذُوا مُهُورَهُنَّ.
وَقَالَ اِبْن سِيرِينَ وَأَبُو قِلَابَةَ : لَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَأْخُذ مِنْهَا فِدْيَةً إِلَّا أَنْ يَجِد عَلَى بَطْنِهَا رَجُلًا، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ".
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة : الْفَاحِشَة الْمُبَيِّنَة فِي هَذِهِ الْآيَة الْبُغْض وَالنُّشُوز، قَالُوا : فَإِذَا نَشَزَتْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذ مَالهَا ; وَهَذَا هُوَ مَذْهَب مَالِك.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : إِلَّا أَنِّي لَا أَحْفَظ لَهُ نَصًّا فِي الْفَاحِشَة فِي الْآيَة.
وَقَالَ قَوْم : الْفَاحِشَة الْبَذَاء بِاللِّسَانِ وَسُوء الْعِشْرَة قَوْلًا وَفِعْلًا ; وَهَذَا فِي مَعْنَى النُّشُوز.
وَمِنْ أَهْل الْعِلْم مَنْ يُجِيز أَخْذ الْمَال مِنْ النَّاشِز عَلَى جِهَة الْخُلْع ; إِلَّا أَنَّهُ يَرَى أَلَّا يَتَجَاوَز مَا أَعْطَاهَا رُكُونًا إِلَى قَوْله تَعَالَى :" لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ".
وَقَالَ مَالِك وَجَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم : لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذ مِنْ النَّاشِز جَمِيع مَا تَمْلِك.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَالزِّنَا أَصْعَب عَلَى الزَّوْج مِنْ النُّشُوز وَالْأَذَى، وَكُلّ ذَلِكَ فَاحِشَة تُحِلُّ أَخْذ الْمَال.
قَالَ أَبُو عُمَر : قَوْل اِبْن سِيرِينَ وَأَبِي قِلَابَةَ عِنْدِي لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ الْفَاحِشَة قَدْ تَكُون الْبَذَاء وَالْأَذَى ; وَمِنْهُ قِيلَ لِلْبَذِيءِ : فَاحِش وَمُتَفَحِّش، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ اِطَّلَعَ مِنْهَا عَلَى الْفَاحِشَة كَانَ لَهُ لِعَانُهَا، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا ; وَأَمَّا أَنْ يُضَارّهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَالِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا أَعْلَم أَحَدًا قَالَ : لَهُ أَنْ يُضَارّهَا وَيُسِيء إِلَيْهَا حَتَّى تَخْتَلِع مِنْهُ إِذَا وَجَدَهَا تَزْنِي غَيْر أَبِي قِلَابَةَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُود اللَّه " [ الْبَقَرَة : ٢٢٩ ] يَعْنِي فِي حُسْن الْعِشْرَة وَالْقِيَام بِحَقِّ الزَّوْج وَقِيَامه بِحَقِّهَا " فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا اِفْتَدَتْ بِهِ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٩ ] وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا " [ النِّسَاء : ٤ ] فَهَذِهِ الْآيَات أَصْل هَذَا الْبَاب.
وَقَوْلٌ رَابِعٌ " إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَة " إِلَّا أَنْ يَزْنِينَ فَيُحْبَسْنَ فِي الْبُيُوت، فَيَكُون هَذَا قَبْل النَّسْخ، وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْل عَطَاء، وَهُوَ ضَعِيف.
" مُبَيِّنَة " بِكَسْرِ الْيَاء قِرَاءَة نَافِع وَأَبِي عَمْرو، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاء.
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس " مُبِينَة " بِكَسْرِ الْبَاء وَسُكُون الْيَاء، مِنْ أَبَانَ الشَّيْء، يُقَال : أَبَانَ الْأَمْرُ بِنَفْسِهِ، وَأَبَنْته وَبَيَّنَ وَبَيَّنْته، وَهَذِهِ الْقِرَاءَات كُلّهَا لُغَات فَصِيحَة.
مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ
أَيْ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ مِنْ حُسْن الْمُعَاشَرَة.
وَالْخِطَاب لِلْجَمِيعِ، إِذْ لِكُلِّ أَحَد عِشْرَة، زَوْجًا كَانَ أَوْ وَلِيًّا ; وَلَكِنَّ الْمُرَاد بِهَذَا الْأَمْر فِي الْأَغْلَب الْأَزْوَاج، وَهُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى :" فَإِمْسَاك بِمَعْرُوفٍ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٩ ].
وَذَلِكَ تَوْفِيَة حَقّهَا مِنْ الْمَهْر وَالنَّفَقَة، وَأَلَّا يَعْبَسَ فِي وَجْهِهَا بِغَيْرِ ذَنْب، وَأَنْ يَكُون مُنْطَلِقًا فِي الْقَوْل لَا فَظًّا وَلَا غَلِيظًا وَلَا مُظْهِرًا مَيْلًا إِلَى غَيْرهَا.
وَالْعِشْرَة : الْمُخَالَطَة وَالْمُمَازَجَة.
وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَة :
جَعَلَ الْحَبِيب.
جَمْعًا كَالْخَلِيطِ وَالْغَرِيق.
وَعَاشَرَهُ مُعَاشَرَة، وَتَعَاشَرَ الْقَوْم وَاعْتَشَرُوا.
فَأَمَرَ اللَّه سُبْحَانَهُ بِحُسْنِ صُحْبَة النِّسَاء إِذَا عَقَدُوا عَلَيْهِنَّ لِتَكُونَ أَدَمَة مَا بَيْنَهُمْ وَصُحْبَتهمْ عَلَى الْكَمَال، فَإِنَّهُ أَهْدَأ لِلنَّفْسِ وَأَهْنَأ لِلْعَيْشِ.
وَهَذَا وَاجِب عَلَى الزَّوْج وَلَا يَلْزَمهُ فِي الْقَضَاء.
وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَنْ يَتَصَنَّع لَهَا كَمَا تَتَصَنَّعُ لَهُ.
وَقَالَ يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْحَنْظَلِيّ : أَتَيْت مُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة فَخَرَجَ إِلَيَّ فِي مِلْحَفَة حَمْرَاء وَلِحْيَتُهُ تَقْطُر مِنْ الْغَالِيَة، فَقُلْت : مَا هَذَا ؟ قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْمِلْحَفَة أَلْقَتْهَا عَلَيَّ اِمْرَأَتِي وَدَهَنَتْنِي بِالطِّيبِ، وَإِنَّهُنَّ يَشْتَهِينَ مِنَّا مَا نَشْتَهِيهِ مِنْهُنَّ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّن لِامْرَأَتِي كَمَا أُحِبّ أَنْ تَتَزَيَّن الْمَرْأَة لِي.
وَهَذَا دَاخِل فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَإِلَى مَعْنَى الْآيَة يُنْظَر قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( فَاسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِيهَا عِوَج ) أَيْ لَا يَكُنْ مِنْك سُوء عِشْرَة مَعَ اِعْوِجَاجهَا ; فَعَنْهَا تَنْشَأ الْمُخَالَفَة وَبِهَا يَقَع الشِّقَاق، وَهُوَ سَبَب الْخُلْع.
وَاسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " عَلَى أَنَّ الْمَرْأَة إِذَا كَانَتْ لَا يَكْفِيهَا خَادِم وَاحِد أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَخْدُمَهَا قَدْر كِفَايَتهَا، كَابْنَةِ الْخَلِيفَة وَالْمَلِكِ وَشَبَهِهِمَا مِمَّنْ لَا يَكْفِيهَا خَادِم وَاحِد، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعَاشَرَة بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة : لَا يَلْزَمهُ إِلَّا خَادِم وَاحِد - وَذَلِكَ يَكْفِيهَا خِدْمَةَ نَفْسِهَا، وَلَيْسَ فِي الْعَالَم اِمْرَأَة إِلَّا وَخَادِم وَاحِد يَكْفِيهَا ; وَهَذَا كَالْمُقَاتِلِ تَكُون لَهُ أَفْرَاس عِدَّة فَلَا يُسْهَم لَهُ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِد ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِتَال إِلَّا عَلَى فَرَس وَاحِد.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذَا غَلَطٌ ; لِأَنَّ مِثْل بَنَات الْمُلُوك اللَّاتِي لَهُنَّ خِدْمَة كَثِيرَة لَا يَكْفِيهَا خَادِم وَاحِد ; لِأَنَّهَا تَحْتَاج مِنْ غَسْل ثِيَابهَا لِإِصْلَاحِ مَضْجَعهَا وَغَيْر ذَلِكَ إِلَى مَا لَا يَقُوم بِهِ الْوَاحِد، وَهَذَا بَيِّن.
وَاَللَّه أَعْلَم.
أَيْ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ مِنْ حُسْن الْمُعَاشَرَة.
وَالْخِطَاب لِلْجَمِيعِ، إِذْ لِكُلِّ أَحَد عِشْرَة، زَوْجًا كَانَ أَوْ وَلِيًّا ; وَلَكِنَّ الْمُرَاد بِهَذَا الْأَمْر فِي الْأَغْلَب الْأَزْوَاج، وَهُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى :" فَإِمْسَاك بِمَعْرُوفٍ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٩ ].
وَذَلِكَ تَوْفِيَة حَقّهَا مِنْ الْمَهْر وَالنَّفَقَة، وَأَلَّا يَعْبَسَ فِي وَجْهِهَا بِغَيْرِ ذَنْب، وَأَنْ يَكُون مُنْطَلِقًا فِي الْقَوْل لَا فَظًّا وَلَا غَلِيظًا وَلَا مُظْهِرًا مَيْلًا إِلَى غَيْرهَا.
وَالْعِشْرَة : الْمُخَالَطَة وَالْمُمَازَجَة.
وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَة :
فَلَئِنْ شَطَّتْ نَوَاهَا مَرَّةً | لَعَلَى عَهْدِ حَبِيبٍ مُعْتَشِرْ |
جَمْعًا كَالْخَلِيطِ وَالْغَرِيق.
وَعَاشَرَهُ مُعَاشَرَة، وَتَعَاشَرَ الْقَوْم وَاعْتَشَرُوا.
فَأَمَرَ اللَّه سُبْحَانَهُ بِحُسْنِ صُحْبَة النِّسَاء إِذَا عَقَدُوا عَلَيْهِنَّ لِتَكُونَ أَدَمَة مَا بَيْنَهُمْ وَصُحْبَتهمْ عَلَى الْكَمَال، فَإِنَّهُ أَهْدَأ لِلنَّفْسِ وَأَهْنَأ لِلْعَيْشِ.
وَهَذَا وَاجِب عَلَى الزَّوْج وَلَا يَلْزَمهُ فِي الْقَضَاء.
وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَنْ يَتَصَنَّع لَهَا كَمَا تَتَصَنَّعُ لَهُ.
وَقَالَ يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْحَنْظَلِيّ : أَتَيْت مُحَمَّد اِبْن الْحَنَفِيَّة فَخَرَجَ إِلَيَّ فِي مِلْحَفَة حَمْرَاء وَلِحْيَتُهُ تَقْطُر مِنْ الْغَالِيَة، فَقُلْت : مَا هَذَا ؟ قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْمِلْحَفَة أَلْقَتْهَا عَلَيَّ اِمْرَأَتِي وَدَهَنَتْنِي بِالطِّيبِ، وَإِنَّهُنَّ يَشْتَهِينَ مِنَّا مَا نَشْتَهِيهِ مِنْهُنَّ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّن لِامْرَأَتِي كَمَا أُحِبّ أَنْ تَتَزَيَّن الْمَرْأَة لِي.
وَهَذَا دَاخِل فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَإِلَى مَعْنَى الْآيَة يُنْظَر قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( فَاسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِيهَا عِوَج ) أَيْ لَا يَكُنْ مِنْك سُوء عِشْرَة مَعَ اِعْوِجَاجهَا ; فَعَنْهَا تَنْشَأ الْمُخَالَفَة وَبِهَا يَقَع الشِّقَاق، وَهُوَ سَبَب الْخُلْع.
وَاسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " عَلَى أَنَّ الْمَرْأَة إِذَا كَانَتْ لَا يَكْفِيهَا خَادِم وَاحِد أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَخْدُمَهَا قَدْر كِفَايَتهَا، كَابْنَةِ الْخَلِيفَة وَالْمَلِكِ وَشَبَهِهِمَا مِمَّنْ لَا يَكْفِيهَا خَادِم وَاحِد، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعَاشَرَة بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة : لَا يَلْزَمهُ إِلَّا خَادِم وَاحِد - وَذَلِكَ يَكْفِيهَا خِدْمَةَ نَفْسِهَا، وَلَيْسَ فِي الْعَالَم اِمْرَأَة إِلَّا وَخَادِم وَاحِد يَكْفِيهَا ; وَهَذَا كَالْمُقَاتِلِ تَكُون لَهُ أَفْرَاس عِدَّة فَلَا يُسْهَم لَهُ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِد ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِتَال إِلَّا عَلَى فَرَس وَاحِد.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَهَذَا غَلَطٌ ; لِأَنَّ مِثْل بَنَات الْمُلُوك اللَّاتِي لَهُنَّ خِدْمَة كَثِيرَة لَا يَكْفِيهَا خَادِم وَاحِد ; لِأَنَّهَا تَحْتَاج مِنْ غَسْل ثِيَابهَا لِإِصْلَاحِ مَضْجَعهَا وَغَيْر ذَلِكَ إِلَى مَا لَا يَقُوم بِهِ الْوَاحِد، وَهَذَا بَيِّن.
وَاَللَّه أَعْلَم.
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا
" فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ " أَيْ لِدَمَامَةٍ أَوْ سُوء خُلُق مِنْ غَيْر اِرْتِكَاب فَاحِشَة أَوْ نُشُوز ; فَهَذَا يُنْدَب فِيهِ إِلَى الِاحْتِمَال، فَعَسَى أَنْ يَئُول الْأَمْر إِلَى أَنْ يَرْزُق اللَّه مِنْهَا أَوْلَادًا صَالِحِينَ.
و " أَنْ " رَفْع بِ " عَسَى " وَأَنْ وَالْفِعْل مَصْدَر.
قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا وَرَدَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَر ) أَوْ قَالَ ( غَيْره ).
الْمَعْنَى : أَيْ لَا يُبْغِضْهَا بُغْضًا كُلِّيًّا يَحْمِلُهُ عَلَى فِرَاقهَا.
أَيْ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَغْفِرُ سَيِّئَتَهَا لِحَسَنَتِهَا وَيَتَغَاضَى عَمَّا يَكْرَه لِمَا يُحِبُّ.
وَقَالَ مَكْحُول : سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : إِنَّ الرَّجُل لَيَسْتَخِير اللَّه تَعَالَى فَيُخَارُ لَهُ، فَيَسْخَطُ عَلَى رَبّه عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَلْبَث أَنْ يَنْظُر فِي الْعَاقِبَة فَإِذَا هُوَ قَدْ خِيرَ لَهُ.
وَذَكَرَ اِبْن الْعَرَبِيّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِم بْن حَبِيب بِالْمَهْدِيَّةِ، عَنْ أَبِي الْقَاسِم السُّيُورِيّ عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن حَيْثُ قَالَ : كَانَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي زَيْد مِنْ الْعِلْم وَالدِّين فِي الْمَنْزِلَة وَالْمَعْرِفَة.
وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَة سَيِّئَة الْعِشْرَة وَكَانَتْ تُقَصِّر فِي حُقُوقه وَتُؤْذِيهِ بِلِسَانِهَا ; فَيُقَال لَهُ فِي أَمْرِهَا وَيُعْذَلُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَقُول : أَنَا رَجُل قَدْ أَكْمَلَ اللَّه عَلَيَّ النِّعْمَة فِي صِحَّة بَدَنِي وَمَعْرِفَتِي وَمَا مَلَكَتْ يَمِينِي، فَلَعَلَّهَا بُعِثَتْ عُقُوبَة عَلَى ذَنْبِي فَأَخَاف إِنْ فَارَقْتهَا أَنْ تَنْزِل بِي عُقُوبَة هِيَ أَشَدّ مِنْهَا.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فِي هَذَا دَلِيل عَلَى كَرَاهَة الطَّلَاق مَعَ الْإِبَاحَة.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( إِنَّ اللَّه لَا يَكْرَه شَيْئًا أَبَاحَهُ إِلَّا الطَّلَاق وَالْأَكْل وَإِنَّ اللَّه لَيُبْغِضُ الْمِعَى إِذَا اِمْتَلَأَ ).
" فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ " أَيْ لِدَمَامَةٍ أَوْ سُوء خُلُق مِنْ غَيْر اِرْتِكَاب فَاحِشَة أَوْ نُشُوز ; فَهَذَا يُنْدَب فِيهِ إِلَى الِاحْتِمَال، فَعَسَى أَنْ يَئُول الْأَمْر إِلَى أَنْ يَرْزُق اللَّه مِنْهَا أَوْلَادًا صَالِحِينَ.
و " أَنْ " رَفْع بِ " عَسَى " وَأَنْ وَالْفِعْل مَصْدَر.
قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا وَرَدَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَر ) أَوْ قَالَ ( غَيْره ).
الْمَعْنَى : أَيْ لَا يُبْغِضْهَا بُغْضًا كُلِّيًّا يَحْمِلُهُ عَلَى فِرَاقهَا.
أَيْ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَغْفِرُ سَيِّئَتَهَا لِحَسَنَتِهَا وَيَتَغَاضَى عَمَّا يَكْرَه لِمَا يُحِبُّ.
وَقَالَ مَكْحُول : سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : إِنَّ الرَّجُل لَيَسْتَخِير اللَّه تَعَالَى فَيُخَارُ لَهُ، فَيَسْخَطُ عَلَى رَبّه عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَلْبَث أَنْ يَنْظُر فِي الْعَاقِبَة فَإِذَا هُوَ قَدْ خِيرَ لَهُ.
وَذَكَرَ اِبْن الْعَرَبِيّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِم بْن حَبِيب بِالْمَهْدِيَّةِ، عَنْ أَبِي الْقَاسِم السُّيُورِيّ عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن حَيْثُ قَالَ : كَانَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي زَيْد مِنْ الْعِلْم وَالدِّين فِي الْمَنْزِلَة وَالْمَعْرِفَة.
وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَة سَيِّئَة الْعِشْرَة وَكَانَتْ تُقَصِّر فِي حُقُوقه وَتُؤْذِيهِ بِلِسَانِهَا ; فَيُقَال لَهُ فِي أَمْرِهَا وَيُعْذَلُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَقُول : أَنَا رَجُل قَدْ أَكْمَلَ اللَّه عَلَيَّ النِّعْمَة فِي صِحَّة بَدَنِي وَمَعْرِفَتِي وَمَا مَلَكَتْ يَمِينِي، فَلَعَلَّهَا بُعِثَتْ عُقُوبَة عَلَى ذَنْبِي فَأَخَاف إِنْ فَارَقْتهَا أَنْ تَنْزِل بِي عُقُوبَة هِيَ أَشَدّ مِنْهَا.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فِي هَذَا دَلِيل عَلَى كَرَاهَة الطَّلَاق مَعَ الْإِبَاحَة.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( إِنَّ اللَّه لَا يَكْرَه شَيْئًا أَبَاحَهُ إِلَّا الطَّلَاق وَالْأَكْل وَإِنَّ اللَّه لَيُبْغِضُ الْمِعَى إِذَا اِمْتَلَأَ ).
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ
لَمَّا مَضَى فِي الْآيَة الْمُتَقَدِّمَة حُكْمُ الْفِرَاقَ الَّذِي سَبَبه الْمَرْأَة، وَأَنَّ لِلزَّوْجِ أَخْذَ الْمَال مِنْهَا عَقِبَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْفِرَاق الَّذِي سَبَبه الزَّوْج، وَبَيَّنَ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ الطَّلَاق مِنْ غَيْر نُشُوز وَسُوء عِشْرَة فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُب مِنْهَا مَالًا.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء إِذَا كَانَ الزَّوْجَانِ يُرِيدَانِ الْفِرَاق وَكَانَ مِنْهُمَا نُشُوز وَسُوء عِشْرَة ; فَقَالَ مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذ مِنْهَا إِذَا تَسَبَّبَتْ فِي الْفِرَاق وَلَا يُرَاعَى تَسَبُّبُهُ هُوَ.
وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء : لَا يَجُوز لَهُ أَخْذ الْمَال إِلَّا أَنْ تَنْفَرِد هِيَ بِالنُّشُوزِ وَتَطْلُبهُ فِي ذَلِكَ.
لَمَّا مَضَى فِي الْآيَة الْمُتَقَدِّمَة حُكْمُ الْفِرَاقَ الَّذِي سَبَبه الْمَرْأَة، وَأَنَّ لِلزَّوْجِ أَخْذَ الْمَال مِنْهَا عَقِبَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْفِرَاق الَّذِي سَبَبه الزَّوْج، وَبَيَّنَ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ الطَّلَاق مِنْ غَيْر نُشُوز وَسُوء عِشْرَة فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُب مِنْهَا مَالًا.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء إِذَا كَانَ الزَّوْجَانِ يُرِيدَانِ الْفِرَاق وَكَانَ مِنْهُمَا نُشُوز وَسُوء عِشْرَة ; فَقَالَ مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذ مِنْهَا إِذَا تَسَبَّبَتْ فِي الْفِرَاق وَلَا يُرَاعَى تَسَبُّبُهُ هُوَ.
وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء : لَا يَجُوز لَهُ أَخْذ الْمَال إِلَّا أَنْ تَنْفَرِد هِيَ بِالنُّشُوزِ وَتَطْلُبهُ فِي ذَلِكَ.
وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا
فِيهَا دَلِيل عَلَى جَوَاز الْمُغَالَاة فِي الْمُهُور ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُمَثِّلُ إِلَّا بِمُبَاحٍ.
وَخَطَبَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : أَلَا لَا تُغَالُوا فِي صَدَقَات النِّسَاء فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْد اللَّه لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; مَا أَصْدَقَ قَطُّ اِمْرَأَة مِنْ نِسَائِهِ وَلَا بَنَاته فَوْق اِثْنَتَيْ عَشْرَة أُوقِيَّة.
فَقَامَتْ إِلَيْهِ اِمْرَأَة فَقَالَتْ : يَا عُمَر، يُعْطِينَا اللَّه وَتَحْرِمُنَا ! أَلَيْسَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُول :" وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا " ؟ فَقَالَ عُمَر : أَصَابَتْ اِمْرَأَة وَأَخْطَأَ عُمَر.
وَفِي رِوَايَة فَأَطْرَقَ عُمَر ثُمَّ قَالَ : كُلّ النَّاس أَفْقَهُ مِنْك يَا عُمَر !.
وَفِي أُخْرَى : اِمْرَأَة أَصَابَتْ وَرَجُل أَخْطَأَ.
وَتَرَكَ الْإِنْكَار.
أَخْرَجَهُ أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ فِي صَحِيح مُسْنَده عَنْ أَبِي الْعَجْفَاء السُّلَمِيّ قَالَ : خَطَبَ عُمَر النَّاس، فَذَكَرَهُ إِلَى قَوْله : اِثْنَتَيْ عَشْرَة أُوقِيَّة، وَلَمْ يَذْكُر : فَقَامَتْ إِلَيْهِ اِمْرَأَة.
إِلَى آخِره.
وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي الْعَجْفَاء، وَزَادَ بَعْد قَوْله : أُوقِيَّة.
وَإِنَّ الرَّجُل لَيُثْقِل صَدَقَة اِمْرَأَته حَتَّى تَكُون لَهَا عَدَاوَة فِي نَفْسه، وَيَقُول : قَدْ كَلِفْت إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَة - أَوْ عَرَقَ الْقِرْبَة ; وَكُنْت رَجُلًا عَرَبِيًّا مُوَلَّدًا مَا أَدْرِي مَا عَلَق الْقِرْبَة أَوْ عَرَق الْقِرْبَة.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَعَلَق الْقِرْبَة لُغَة فِي عَرَق الْقِرْبَة.
قَالَ غَيْره : وَيُقَال عَلَق الْقِرْبَة عِصَامهَا الَّذِي تُعَلَّق بِهِ.
يَقُول كَلِفْت إِلَيْك حَتَّى عِصَام الْقِرْبَة.
وَعَرَق الْقِرْبَة مَاؤُهَا ; يَقُول : جَشِمْت إِلَيْك حَتَّى سَافَرْت وَاحْتَجْت إِلَى عَرَق الْقِرْبَة، وَهُوَ مَاؤُهَا فِي السَّفَر.
وَيُقَال : بَلْ عَرَق الْقِرْبَة أَنْ يَقُول : نَصِبْت لَك وَتَكَلَّفْت حَتَّى عَرِقْت عَرَق الْقِرْبَة، وَهُوَ سَيَلَانُهَا.
وَقِيلَ : إِنَّهُمْ كَانُوا يَتَزَوَّدُونَ الْمَاء فَيُعَلِّقُونَهُ عَلَى الْإِبِل يَتَنَاوَبُونَهُ فَيَشُقُّ عَلَى الظَّهْر ; فَفُسِّرَ بِهِ اللَّفْظَانِ : الْعَرَق وَالْعَلَق.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : عَرَق الْقِرْبَة كَلِمَة مَعْنَاهَا الشِّدَّة.
قَالَ : وَلَا أَدْرِي مَا أَصْلُهَا.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ : وَسَمِعْت اِبْن أَبِي طَرَفَة وَكَانَ مِنْ أَفْصَحِ مَنْ رَأَيْت يَقُول : سَمِعْت شِيخَانَنَا يَقُولُونَ : لَقِيت مِنْ فُلَان عَرَق الْقِرْبَة، يَعْنُونَ الشِّدَّة.
وَأَنْشَدَنِي لِابْنِ الْأَحْمَر : ش لَيْسَتْ بِمَشْتَمَةٍ تُعَدُّ وَعَفْوُهَا و عَرَقُ السِّقَاءِ عَلَى الْقَعُودِ اللَّاغِبِ ش قَالَ أَبُو عُبَيْد : أَرَادَ أَنَّهُ يَسْمَع الْكَلِمَةَ تَغِيظُهُ وَلَيْسَتْ بِشَتْمٍ فَيُؤَاخِذ صَاحِبَهَا بِهَا، وَقَدْ أَبْلَغْت إِلَيْهِ كَعَرَقِ الْقِرْبَة، فَقَالَ : كَعَرَقِ السِّقَا لَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ الشِّعْر ; ثُمَّ قَالَ : عَلَى الْقَعُود اللَّاغِب، وَكَانَ مَعْنَاهُ أَنْ تُعَلَّق الْقِرْبَة عَلَى الْقَعُود فِي أَسْفَارهمْ.
فِيهَا دَلِيل عَلَى جَوَاز الْمُغَالَاة فِي الْمُهُور ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُمَثِّلُ إِلَّا بِمُبَاحٍ.
وَخَطَبَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : أَلَا لَا تُغَالُوا فِي صَدَقَات النِّسَاء فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْد اللَّه لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; مَا أَصْدَقَ قَطُّ اِمْرَأَة مِنْ نِسَائِهِ وَلَا بَنَاته فَوْق اِثْنَتَيْ عَشْرَة أُوقِيَّة.
فَقَامَتْ إِلَيْهِ اِمْرَأَة فَقَالَتْ : يَا عُمَر، يُعْطِينَا اللَّه وَتَحْرِمُنَا ! أَلَيْسَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُول :" وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا " ؟ فَقَالَ عُمَر : أَصَابَتْ اِمْرَأَة وَأَخْطَأَ عُمَر.
وَفِي رِوَايَة فَأَطْرَقَ عُمَر ثُمَّ قَالَ : كُلّ النَّاس أَفْقَهُ مِنْك يَا عُمَر !.
وَفِي أُخْرَى : اِمْرَأَة أَصَابَتْ وَرَجُل أَخْطَأَ.
وَتَرَكَ الْإِنْكَار.
أَخْرَجَهُ أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ فِي صَحِيح مُسْنَده عَنْ أَبِي الْعَجْفَاء السُّلَمِيّ قَالَ : خَطَبَ عُمَر النَّاس، فَذَكَرَهُ إِلَى قَوْله : اِثْنَتَيْ عَشْرَة أُوقِيَّة، وَلَمْ يَذْكُر : فَقَامَتْ إِلَيْهِ اِمْرَأَة.
إِلَى آخِره.
وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي الْعَجْفَاء، وَزَادَ بَعْد قَوْله : أُوقِيَّة.
وَإِنَّ الرَّجُل لَيُثْقِل صَدَقَة اِمْرَأَته حَتَّى تَكُون لَهَا عَدَاوَة فِي نَفْسه، وَيَقُول : قَدْ كَلِفْت إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَة - أَوْ عَرَقَ الْقِرْبَة ; وَكُنْت رَجُلًا عَرَبِيًّا مُوَلَّدًا مَا أَدْرِي مَا عَلَق الْقِرْبَة أَوْ عَرَق الْقِرْبَة.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَعَلَق الْقِرْبَة لُغَة فِي عَرَق الْقِرْبَة.
قَالَ غَيْره : وَيُقَال عَلَق الْقِرْبَة عِصَامهَا الَّذِي تُعَلَّق بِهِ.
يَقُول كَلِفْت إِلَيْك حَتَّى عِصَام الْقِرْبَة.
وَعَرَق الْقِرْبَة مَاؤُهَا ; يَقُول : جَشِمْت إِلَيْك حَتَّى سَافَرْت وَاحْتَجْت إِلَى عَرَق الْقِرْبَة، وَهُوَ مَاؤُهَا فِي السَّفَر.
وَيُقَال : بَلْ عَرَق الْقِرْبَة أَنْ يَقُول : نَصِبْت لَك وَتَكَلَّفْت حَتَّى عَرِقْت عَرَق الْقِرْبَة، وَهُوَ سَيَلَانُهَا.
وَقِيلَ : إِنَّهُمْ كَانُوا يَتَزَوَّدُونَ الْمَاء فَيُعَلِّقُونَهُ عَلَى الْإِبِل يَتَنَاوَبُونَهُ فَيَشُقُّ عَلَى الظَّهْر ; فَفُسِّرَ بِهِ اللَّفْظَانِ : الْعَرَق وَالْعَلَق.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : عَرَق الْقِرْبَة كَلِمَة مَعْنَاهَا الشِّدَّة.
قَالَ : وَلَا أَدْرِي مَا أَصْلُهَا.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ : وَسَمِعْت اِبْن أَبِي طَرَفَة وَكَانَ مِنْ أَفْصَحِ مَنْ رَأَيْت يَقُول : سَمِعْت شِيخَانَنَا يَقُولُونَ : لَقِيت مِنْ فُلَان عَرَق الْقِرْبَة، يَعْنُونَ الشِّدَّة.
وَأَنْشَدَنِي لِابْنِ الْأَحْمَر : ش لَيْسَتْ بِمَشْتَمَةٍ تُعَدُّ وَعَفْوُهَا و عَرَقُ السِّقَاءِ عَلَى الْقَعُودِ اللَّاغِبِ ش قَالَ أَبُو عُبَيْد : أَرَادَ أَنَّهُ يَسْمَع الْكَلِمَةَ تَغِيظُهُ وَلَيْسَتْ بِشَتْمٍ فَيُؤَاخِذ صَاحِبَهَا بِهَا، وَقَدْ أَبْلَغْت إِلَيْهِ كَعَرَقِ الْقِرْبَة، فَقَالَ : كَعَرَقِ السِّقَا لَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ الشِّعْر ; ثُمَّ قَالَ : عَلَى الْقَعُود اللَّاغِب، وَكَانَ مَعْنَاهُ أَنْ تُعَلَّق الْقِرْبَة عَلَى الْقَعُود فِي أَسْفَارهمْ.
وَهَذَا الْمَعْنَى شَبِيهٌ بِمَا كَانَ الْفَرَّاء يَحْكِيهِ ; زَعَمَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْمَفَاوِز فِي أَسْفَارهمْ يَتَزَوَّدُونَ الْمَاء فَيُعَلِّقُونَهُ عَلَى الْإِبِل يَتَنَاوَبُونَهُ ; فَكَانَ فِي ذَلِكَ تَعَبٌ وَمَشَقَّةٌ عَلَى الظَّهْر.
وَكَانَ الْفَرَّاء يَجْعَل هَذَا التَّفْسِير فِي عَلَق الْقِرْبَة بِاللَّامِ.
وَقَالَ قَوْم : لَا تُعْطِي الْآيَة جَوَاز الْمُغَالَاة بِالْمُهُورِ ; لِأَنَّ التَّمْثِيل بِالْقِنْطَارِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَة الْمُبَالَغَة ; كَأَنَّهُ قَالَ : وَآتَيْتُمْ هَذَا الْقَدْر الْعَظِيم الَّذِي لَا يُؤْتِيهِ أَحَد.
وَهَذَا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاة بَنَى اللَّه لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّة ).
وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَا يَكُون مَسْجِد كَمَفْحَصِ قَطَاة.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ وَقَدْ جَاءَ يَسْتَعِينُهُ فِي مَهْره، فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَقَالَ : مِائَتَيْنِ ; فَغَضِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ :( كَأَنَّكُمْ تَقْطَعُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة مِنْ عُرْض الْحَرَّة أَوْ جَبَل ).
فَاسْتَقْرَأَ بَعْض النَّاس مِنْ هَذَا مَنْع الْمُغَالَاة بِالْمُهُورِ ; وَهَذَا لَا يَلْزَم، وَإِنْكَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الرَّجُل الْمُتَزَوِّج لَيْسَ إِنْكَارًا لِأَجْلِ الْمُغَالَاة وَالْإِكْثَار فِي الْمُهُور، وَإِنَّمَا الْإِنْكَار لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فِي تِلْكَ الْحَال فَأَحْوَجَ نَفْسه إِلَى الِاسْتِعَانَة وَالسُّؤَال، وَهَذَا مَكْرُوه بِاتِّفَاقٍ.
وَقَدْ أَصْدَقَ عُمَر أُمّ كُلْثُوم بِنْت عَلِيّ مِنْ فَاطِمَة رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ أَلْف دِرْهَم.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ :( أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجك فُلَانَة ) ؟ قَالَ : نَعَمْ.
وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ :( أَتَرْضَيْنَ أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانًا ) ؟ قَالَتْ : نَعَمْ.
فَزَوَّجَ أَحَدهمَا مِنْ صَاحِبِهِ ; فَدَخَلَ بِهَا الرَّجُل وَلَمْ يَفْرِض لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَة وَلَهُ سَهْم بِخَيْبَر ; فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاة قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَنِي فُلَانَة وَلَمْ أَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئًا، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَعْطَيْتهَا مِنْ صَدَاقهَا سَهْمِي بِخَيْبَر ; فَأَخَذَتْ سَهْمَهَا فَبَاعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْف.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَلَّا تَحْدِيد فِي أَكْثَر الصَّدَاق ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا " وَاخْتَلَفُوا فِي أَقَلِّهِ، وَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله تَعَالَى :" أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٤ ].
وَمَضَى الْقَوْل فِي تَحْدِيد الْقِنْطَار فِي " آل عِمْرَان ".
وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن " وَآتَيْتُمْ اِحْدَاهُنَّ " بِوَصْلِ أَلِف " إِحْدَاهُنَّ " وَهِيَ لُغَة ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
وَتَسْمَعُ مِنْ تَحْتِ الْعَجَاجِ لَهَا اَزْمَلَا
وَقَوْل الْآخَر :
إِنْ لَمْ أُقَاتِلْ فَأَلْبِسُونِي بُرْقُعًا
وَكَانَ الْفَرَّاء يَجْعَل هَذَا التَّفْسِير فِي عَلَق الْقِرْبَة بِاللَّامِ.
وَقَالَ قَوْم : لَا تُعْطِي الْآيَة جَوَاز الْمُغَالَاة بِالْمُهُورِ ; لِأَنَّ التَّمْثِيل بِالْقِنْطَارِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَة الْمُبَالَغَة ; كَأَنَّهُ قَالَ : وَآتَيْتُمْ هَذَا الْقَدْر الْعَظِيم الَّذِي لَا يُؤْتِيهِ أَحَد.
وَهَذَا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاة بَنَى اللَّه لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّة ).
وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَا يَكُون مَسْجِد كَمَفْحَصِ قَطَاة.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ وَقَدْ جَاءَ يَسْتَعِينُهُ فِي مَهْره، فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَقَالَ : مِائَتَيْنِ ; فَغَضِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ :( كَأَنَّكُمْ تَقْطَعُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة مِنْ عُرْض الْحَرَّة أَوْ جَبَل ).
فَاسْتَقْرَأَ بَعْض النَّاس مِنْ هَذَا مَنْع الْمُغَالَاة بِالْمُهُورِ ; وَهَذَا لَا يَلْزَم، وَإِنْكَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الرَّجُل الْمُتَزَوِّج لَيْسَ إِنْكَارًا لِأَجْلِ الْمُغَالَاة وَالْإِكْثَار فِي الْمُهُور، وَإِنَّمَا الْإِنْكَار لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فِي تِلْكَ الْحَال فَأَحْوَجَ نَفْسه إِلَى الِاسْتِعَانَة وَالسُّؤَال، وَهَذَا مَكْرُوه بِاتِّفَاقٍ.
وَقَدْ أَصْدَقَ عُمَر أُمّ كُلْثُوم بِنْت عَلِيّ مِنْ فَاطِمَة رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ أَلْف دِرْهَم.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ :( أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجك فُلَانَة ) ؟ قَالَ : نَعَمْ.
وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ :( أَتَرْضَيْنَ أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانًا ) ؟ قَالَتْ : نَعَمْ.
فَزَوَّجَ أَحَدهمَا مِنْ صَاحِبِهِ ; فَدَخَلَ بِهَا الرَّجُل وَلَمْ يَفْرِض لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَة وَلَهُ سَهْم بِخَيْبَر ; فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاة قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَنِي فُلَانَة وَلَمْ أَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئًا، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَعْطَيْتهَا مِنْ صَدَاقهَا سَهْمِي بِخَيْبَر ; فَأَخَذَتْ سَهْمَهَا فَبَاعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْف.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَلَّا تَحْدِيد فِي أَكْثَر الصَّدَاق ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا " وَاخْتَلَفُوا فِي أَقَلِّهِ، وَسَيَأْتِي عِنْد قَوْله تَعَالَى :" أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٤ ].
وَمَضَى الْقَوْل فِي تَحْدِيد الْقِنْطَار فِي " آل عِمْرَان ".
وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن " وَآتَيْتُمْ اِحْدَاهُنَّ " بِوَصْلِ أَلِف " إِحْدَاهُنَّ " وَهِيَ لُغَة ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
وَتَسْمَعُ مِنْ تَحْتِ الْعَجَاجِ لَهَا اَزْمَلَا
وَقَوْل الْآخَر :
إِنْ لَمْ أُقَاتِلْ فَأَلْبِسُونِي بُرْقُعًا
فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا
قَالَ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ : لَا يَأْخُذ الزَّوْج مِنْ الْمُخْتَلِعَة شَيْئًا ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى :" فَلَا تَأْخُذُوا "، وَجَعَلَهَا نَاسِخَة لِآيَةِ " الْبَقَرَة ".
وَقَالَ اِبْن زَيْد وَغَيْره : هِيَ مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَة الْبَقَرَة " وَلَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا " [ الْبَقَرَة : ٢٢٩ ].
وَالصَّحِيح أَنَّ هَذِهِ الْآيَات مُحْكَمَة وَلَيْسَ فِيهَا نَاسِخ وَلَا مَنْسُوخ وَكُلّهَا يُبْنَى بَعْضهَا عَلَى بَعْض.
قَالَ الطَّبَرِيّ : هِيَ مُحْكَمَة، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ بَكْر : إِنْ أَرَادَتْ هِيَ الْعَطَاء ; فَقَدْ جَوَّزَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتٍ أَنْ يَأْخُذ مِنْ زَوْجَته مَا سَاقَ إِلَيْهَا.
قَالَ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ : لَا يَأْخُذ الزَّوْج مِنْ الْمُخْتَلِعَة شَيْئًا ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى :" فَلَا تَأْخُذُوا "، وَجَعَلَهَا نَاسِخَة لِآيَةِ " الْبَقَرَة ".
وَقَالَ اِبْن زَيْد وَغَيْره : هِيَ مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَة الْبَقَرَة " وَلَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا " [ الْبَقَرَة : ٢٢٩ ].
وَالصَّحِيح أَنَّ هَذِهِ الْآيَات مُحْكَمَة وَلَيْسَ فِيهَا نَاسِخ وَلَا مَنْسُوخ وَكُلّهَا يُبْنَى بَعْضهَا عَلَى بَعْض.
قَالَ الطَّبَرِيّ : هِيَ مُحْكَمَة، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ بَكْر : إِنْ أَرَادَتْ هِيَ الْعَطَاء ; فَقَدْ جَوَّزَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتٍ أَنْ يَأْخُذ مِنْ زَوْجَته مَا سَاقَ إِلَيْهَا.
أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا
" بُهْتَانًا " مَصْدَر فِي مَوْضِع الْحَال " وَإِثْمًا " مَعْطُوف عَلَيْهِ " مُبِينًا " مِنْ نَعْتِهِ.
" بُهْتَانًا " مَصْدَر فِي مَوْضِع الْحَال " وَإِثْمًا " مَعْطُوف عَلَيْهِ " مُبِينًا " مِنْ نَعْتِهِ.
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ
تَعْلِيل لِمَنْعِ الْأَخْذ مَعَ الْخَلْوَة.
وَقَالَ بَعْضهمْ : الْإِفْضَاء إِذَا كَانَ مَعَهَا فِي لِحَاف وَاحِد جَامَعَ أَوْ لَمْ يُجَامِع ; حَكَاهُ الْهَرَوِيّ وَهُوَ قَوْل الْكَلْبِيّ.
وَقَالَ الْفَرَّاء : الْإِفْضَاء أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُل وَالْمَرْأَة وَأَنْ يُجَامِعَهَا.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمْ : الْإِفْضَاء فِي هَذِهِ الْآيَة الْجِمَاع.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَلَكِنَّ اللَّهَ كَرِيم يَكُنِّي.
وَأَصْل الْإِفْضَاء فِي اللُّغَة الْمُخَالَطَة ; وَيُقَال لِلشَّيْءِ الْمُخْتَلِط : فَضًا.
قَالَ الشَّاعِر :
وَيُقَال : الْقَوْم فَوْضَى فَضًا، أَيْ مُخْتَلِطُونَ لَا أَمِيرَ عَلَيْهِمْ.
وَعَلَى أَنَّ مَعْنَى " أَفْضَى " خَلَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَامَعَ، هَلْ يَتَقَرَّرُ الْمَهْر بِوُجُودِ الْخَلْوَة أَمْ لَا ؟ اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال : يَسْتَقِرّ بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَة.
لَا يَسْتَقِرّ إِلَّا بِالْوَطْءِ.
يَسْتَقِرّ بِالْخَلْوَةِ فِي بَيْت الْإِهْدَاء.
التَّفْرِقَة بَيْنَ بَيْته وَبَيْتهَا.
وَالصَّحِيح اِسْتِقْرَارُهُ بِالْخَلْوَةِ مُطْلَقًا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه، قَالُوا : إِذَا خَلَا بِهَا خَلْوَة صَحِيحَة يَجِب كَمَالِ الْمَهْر وَالْعِدَّة دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُل بِهَا ; لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ثَوْبَان قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ كَشَفَ خِمَار اِمْرَأَة وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاق ).
وَقَالَ عُمَر : إِذَا أَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا وَرَأَى عَوْرَة فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاق وَعَلَيْهَا الْعِدَّة وَلَهَا الْمِيرَاث.
وَعَنْ عَلِيّ : إِذَا أَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا وَرَأَى عَوْرَة فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاق.
وَقَالَ مَالِك : إِذَا طَالَ مُكْثُهُ مَعَهَا مِثْل السَّنَة وَنَحْوهَا، وَاتَّفَقَا عَلَى أَلَّا مَسِيسَ وَطَلَبَتْ الْمَهْر كُلَّهُ كَانَ لَهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا عِدَّة عَلَيْهَا وَلَهَا نِصْف الْمَهْر.
وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة ".
تَعْلِيل لِمَنْعِ الْأَخْذ مَعَ الْخَلْوَة.
وَقَالَ بَعْضهمْ : الْإِفْضَاء إِذَا كَانَ مَعَهَا فِي لِحَاف وَاحِد جَامَعَ أَوْ لَمْ يُجَامِع ; حَكَاهُ الْهَرَوِيّ وَهُوَ قَوْل الْكَلْبِيّ.
وَقَالَ الْفَرَّاء : الْإِفْضَاء أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُل وَالْمَرْأَة وَأَنْ يُجَامِعَهَا.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمْ : الْإِفْضَاء فِي هَذِهِ الْآيَة الْجِمَاع.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَلَكِنَّ اللَّهَ كَرِيم يَكُنِّي.
وَأَصْل الْإِفْضَاء فِي اللُّغَة الْمُخَالَطَة ; وَيُقَال لِلشَّيْءِ الْمُخْتَلِط : فَضًا.
قَالَ الشَّاعِر :
فَقُلْت لَهَا يَا عَمَّتِي لَكِ نَاقَتِي | وَتَمْرٌ فَضًا فِي عَيْبَتِي وَزَبِيبُ |
وَعَلَى أَنَّ مَعْنَى " أَفْضَى " خَلَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَامَعَ، هَلْ يَتَقَرَّرُ الْمَهْر بِوُجُودِ الْخَلْوَة أَمْ لَا ؟ اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال : يَسْتَقِرّ بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَة.
لَا يَسْتَقِرّ إِلَّا بِالْوَطْءِ.
يَسْتَقِرّ بِالْخَلْوَةِ فِي بَيْت الْإِهْدَاء.
التَّفْرِقَة بَيْنَ بَيْته وَبَيْتهَا.
وَالصَّحِيح اِسْتِقْرَارُهُ بِالْخَلْوَةِ مُطْلَقًا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه، قَالُوا : إِذَا خَلَا بِهَا خَلْوَة صَحِيحَة يَجِب كَمَالِ الْمَهْر وَالْعِدَّة دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُل بِهَا ; لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ثَوْبَان قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ كَشَفَ خِمَار اِمْرَأَة وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاق ).
وَقَالَ عُمَر : إِذَا أَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا وَرَأَى عَوْرَة فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاق وَعَلَيْهَا الْعِدَّة وَلَهَا الْمِيرَاث.
وَعَنْ عَلِيّ : إِذَا أَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا وَرَأَى عَوْرَة فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاق.
وَقَالَ مَالِك : إِذَا طَالَ مُكْثُهُ مَعَهَا مِثْل السَّنَة وَنَحْوهَا، وَاتَّفَقَا عَلَى أَلَّا مَسِيسَ وَطَلَبَتْ الْمَهْر كُلَّهُ كَانَ لَهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا عِدَّة عَلَيْهَا وَلَهَا نِصْف الْمَهْر.
وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة ".
وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا
فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال.
قِيلَ : هُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( فَاتَّقُوا اللَّه فِي النِّسَاء فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّه وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّه ).
قَالَهُ عِكْرِمَة وَالرَّبِيع.
الثَّانِي : قَوْله تَعَالَى :" فَإِمْسَاك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيح بِإِحْسَانٍ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٩ ] قَالَهُ الْحَسَن وَابْن سِيرِينَ وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ.
الثَّالِث : عُقْدَة النِّكَاح قَوْل الرَّجُل : نَكَحْت وَمَلَكْت عُقْدَة النِّكَاح ; قَالَهُ مُجَاهِد وَابْن زَيْد.
وَقَالَ قَوْم : الْمِيثَاق الْغَلِيظ الْوَلَد.
وَاَللَّه أَعْلَم.
فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال.
قِيلَ : هُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( فَاتَّقُوا اللَّه فِي النِّسَاء فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّه وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّه ).
قَالَهُ عِكْرِمَة وَالرَّبِيع.
الثَّانِي : قَوْله تَعَالَى :" فَإِمْسَاك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيح بِإِحْسَانٍ " [ الْبَقَرَة : ٢٢٩ ] قَالَهُ الْحَسَن وَابْن سِيرِينَ وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ.
الثَّالِث : عُقْدَة النِّكَاح قَوْل الرَّجُل : نَكَحْت وَمَلَكْت عُقْدَة النِّكَاح ; قَالَهُ مُجَاهِد وَابْن زَيْد.
وَقَالَ قَوْم : الْمِيثَاق الْغَلِيظ الْوَلَد.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ
يُقَال : كَانَ النَّاس يَتَزَوَّجُونَ اِمْرَأَة الْأَب بِرِضَاهَا بَعْد نُزُول قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاء كَرْهًا " [ النِّسَاء : ١٩ ] حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة :" وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ " فَصَارَ حَرَامًا فِي الْأَحْوَال كُلّهَا ; لِأَنَّ النِّكَاح يَقَع عَلَى الْجِمَاع وَالتَّزَوُّج، فَإِنْ كَانَ الْأَب تَزَوَّجَ اِمْرَأَة أَوْ وَطِئَهَا بِغَيْرِ نِكَاح حَرُمَتْ عَلَى اِبْنِهِ ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
" مَا نَكَحَ " قِيلَ : الْمُرَاد بِهَا النِّسَاء.
وَقِيلَ : الْعَقْد، أَيْ نِكَاح آبَاؤُكُمْ الْفَاسِد الْمُخَالِف لِدِينِ اللَّه ; إِذْ اللَّه قَدْ أَحْكَمَ وَجْه النِّكَاح وَفَصَّلَ شُرُوطه.
وَهُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ.
فَ " مِنْ " مُتَعَلِّقَة بِ " تَنْكِحُوا " و " مَا نَكَحَ " مَصْدَر.
قَالَ : وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ وَلَا تَنْكِحُوا النِّسَاء اللَّاتِي نَكَحَ آبَاؤُكُمْ لَوَجَبَ أَنْ يَكُون مَوْضِع " مَا " " مَنْ ".
فَالنَّهْي عَلَى هَذَا إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى أَلَّا يَنْكِحُوا مِثْل نِكَاح آبَائِهِمْ الْفَاسِد.
وَالْأَوَّل أَصَحّ، وَتَكُون " مَا " بِمَعْنَى " الَّذِي " و " مَنْ ".
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنَّ الصَّحَابَة تَلَقَّتْ الْآيَة عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى ; وَمِنْهُ اِسْتَدَلَّتْ عَلَى مَنْع نِكَاح الْأَبْنَاء حَلَائِل الْآبَاء.
وَقَدْ كَانَ فِي الْعَرَب قَبَائِل قَدْ أَعْتَادَتْ أَنْ يَخْلُف اِبْن الرَّجُل عَلَى اِمْرَأَة أَبِيهِ، وَكَانَتْ هَذِهِ السِّيرَة فِي الْأَنْصَار لَازِمَة، وَكَانَتْ فِي قُرَيْش مُبَاحَة مَعَ التَّرَاضِي.
أَلَا تَرَى أَنَّ عَمْرو بْن أُمَيَّة خَلَفَ عَلَى اِمْرَأَة أَبِيهِ بَعْد مَوْته فَوَلَدَتْ لَهُ مُسَافِرًا وَأَبَا مُعَيْط، وَكَانَ لَهَا مِنْ أُمَيَّة أَبُو الْعِيص وَغَيْره ; فَكَانَ بَنُو أُمَيَّة إِخْوَة مُسَافِر وَأَبِي مُعَيْط وَأَعْمَامَهُمَا.
وَمِنْ ذَلِكَ صَفْوَان بْن أُمَيَّة بْن خَلَف تَزَوَّجَ بَعْد أَبِيهِ اِمْرَأَتَهُ فَاخِتَة بِنْت الْأَسْوَد بْن الْمُطَّلِب بْن أَسَد، وَكَانَ أُمَيَّة قُتِلَ عَنْهَا.
وَمِنْ ذَلِكَ مَنْظُور بْن زَبَّان خَلَف عَلَى مُلَيْكَة بِنْت خَارِجَة، وَكَانَتْ تَحْت أَبِيهِ زَبَّان بْن سَيَّار.
وَمِنْ ذَلِكَ حِصْن بْن أَبِي قَيْس تَزَوَّجَ اِمْرَأَة أَبِيهِ كُبَيْشَة بِنْت مَعْن.
وَالْأَسْوَد بْن خَلَف تَزَوَّجَ اِمْرَأَة أَبِيهِ.
وَقَالَ الْأَشْعَث بْن سِوَار : تُوُفِّيَ أَبُو قَيْس وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَار فَخَطَبَ اِبْنه قَيْس اِمْرَأَة أَبِيهِ فَقَالَتْ : إِنِّي أَعُدُّك وَلَدًا، وَلَكِنِّي آتِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَأْمِرُهُ ; فَأَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة.
وَقَدْ كَانَ فِي الْعَرَب مَنْ تَزَوَّجَ اِبْنَتَهُ، وَهُوَ حَاجِب بْن زُرَارَة تَمَجَّسَ وَفَعَلَ هَذِهِ الْفَعْلَة ; ذَكَرَ ذَلِكَ النَّضْر بْن شُمَيْل فِي كِتَاب الْمَثَالِب.
فَنَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُمْ مِنْ هَذِهِ السِّيرَة.
يُقَال : كَانَ النَّاس يَتَزَوَّجُونَ اِمْرَأَة الْأَب بِرِضَاهَا بَعْد نُزُول قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاء كَرْهًا " [ النِّسَاء : ١٩ ] حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة :" وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ " فَصَارَ حَرَامًا فِي الْأَحْوَال كُلّهَا ; لِأَنَّ النِّكَاح يَقَع عَلَى الْجِمَاع وَالتَّزَوُّج، فَإِنْ كَانَ الْأَب تَزَوَّجَ اِمْرَأَة أَوْ وَطِئَهَا بِغَيْرِ نِكَاح حَرُمَتْ عَلَى اِبْنِهِ ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
" مَا نَكَحَ " قِيلَ : الْمُرَاد بِهَا النِّسَاء.
وَقِيلَ : الْعَقْد، أَيْ نِكَاح آبَاؤُكُمْ الْفَاسِد الْمُخَالِف لِدِينِ اللَّه ; إِذْ اللَّه قَدْ أَحْكَمَ وَجْه النِّكَاح وَفَصَّلَ شُرُوطه.
وَهُوَ اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ.
فَ " مِنْ " مُتَعَلِّقَة بِ " تَنْكِحُوا " و " مَا نَكَحَ " مَصْدَر.
قَالَ : وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ وَلَا تَنْكِحُوا النِّسَاء اللَّاتِي نَكَحَ آبَاؤُكُمْ لَوَجَبَ أَنْ يَكُون مَوْضِع " مَا " " مَنْ ".
فَالنَّهْي عَلَى هَذَا إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى أَلَّا يَنْكِحُوا مِثْل نِكَاح آبَائِهِمْ الْفَاسِد.
وَالْأَوَّل أَصَحّ، وَتَكُون " مَا " بِمَعْنَى " الَّذِي " و " مَنْ ".
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنَّ الصَّحَابَة تَلَقَّتْ الْآيَة عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى ; وَمِنْهُ اِسْتَدَلَّتْ عَلَى مَنْع نِكَاح الْأَبْنَاء حَلَائِل الْآبَاء.
وَقَدْ كَانَ فِي الْعَرَب قَبَائِل قَدْ أَعْتَادَتْ أَنْ يَخْلُف اِبْن الرَّجُل عَلَى اِمْرَأَة أَبِيهِ، وَكَانَتْ هَذِهِ السِّيرَة فِي الْأَنْصَار لَازِمَة، وَكَانَتْ فِي قُرَيْش مُبَاحَة مَعَ التَّرَاضِي.
أَلَا تَرَى أَنَّ عَمْرو بْن أُمَيَّة خَلَفَ عَلَى اِمْرَأَة أَبِيهِ بَعْد مَوْته فَوَلَدَتْ لَهُ مُسَافِرًا وَأَبَا مُعَيْط، وَكَانَ لَهَا مِنْ أُمَيَّة أَبُو الْعِيص وَغَيْره ; فَكَانَ بَنُو أُمَيَّة إِخْوَة مُسَافِر وَأَبِي مُعَيْط وَأَعْمَامَهُمَا.
وَمِنْ ذَلِكَ صَفْوَان بْن أُمَيَّة بْن خَلَف تَزَوَّجَ بَعْد أَبِيهِ اِمْرَأَتَهُ فَاخِتَة بِنْت الْأَسْوَد بْن الْمُطَّلِب بْن أَسَد، وَكَانَ أُمَيَّة قُتِلَ عَنْهَا.
وَمِنْ ذَلِكَ مَنْظُور بْن زَبَّان خَلَف عَلَى مُلَيْكَة بِنْت خَارِجَة، وَكَانَتْ تَحْت أَبِيهِ زَبَّان بْن سَيَّار.
وَمِنْ ذَلِكَ حِصْن بْن أَبِي قَيْس تَزَوَّجَ اِمْرَأَة أَبِيهِ كُبَيْشَة بِنْت مَعْن.
وَالْأَسْوَد بْن خَلَف تَزَوَّجَ اِمْرَأَة أَبِيهِ.
وَقَالَ الْأَشْعَث بْن سِوَار : تُوُفِّيَ أَبُو قَيْس وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَار فَخَطَبَ اِبْنه قَيْس اِمْرَأَة أَبِيهِ فَقَالَتْ : إِنِّي أَعُدُّك وَلَدًا، وَلَكِنِّي آتِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَأْمِرُهُ ; فَأَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة.
وَقَدْ كَانَ فِي الْعَرَب مَنْ تَزَوَّجَ اِبْنَتَهُ، وَهُوَ حَاجِب بْن زُرَارَة تَمَجَّسَ وَفَعَلَ هَذِهِ الْفَعْلَة ; ذَكَرَ ذَلِكَ النَّضْر بْن شُمَيْل فِي كِتَاب الْمَثَالِب.
فَنَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُمْ مِنْ هَذِهِ السِّيرَة.
إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ
أَيْ تَقَدَّمَ وَمَضَى.
وَالسَّلَف ; مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ آبَائِك وَذَوِي قَرَابَتك.
وَهَذَا اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، أَيْ لَكِنَّ مَا قَدْ سَلَفَ فَاجْتَنِبُوهُ وَدَعُوهُ.
وَقِيلَ :" إِلَّا " بِمَعْنَى بَعْد، أَيْ بَعْد مَا سَلَفَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :" لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الْمَوْتَة الْأُولَى " [ الدُّخَان : ٥٦ ] أَيْ بَعْد الْمَوْتَة الْأُولَى.
وَقِيلَ :" إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ " أَيْ وَلَا مَا سَلَفَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً " [ النِّسَاء : ٩٢ ] يَعْنِي وَلَا خَطَأً.
وَقِيلَ : فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، مَعْنَاهُ : وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَة وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ.
وَقِيلَ : فِي الْآيَة إِضْمَار لِقَوْلِهِ " وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء " فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ تُعَاقَبُونَ وَتُؤَاخَذُونَ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ.
أَيْ تَقَدَّمَ وَمَضَى.
وَالسَّلَف ; مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ آبَائِك وَذَوِي قَرَابَتك.
وَهَذَا اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، أَيْ لَكِنَّ مَا قَدْ سَلَفَ فَاجْتَنِبُوهُ وَدَعُوهُ.
وَقِيلَ :" إِلَّا " بِمَعْنَى بَعْد، أَيْ بَعْد مَا سَلَفَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :" لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الْمَوْتَة الْأُولَى " [ الدُّخَان : ٥٦ ] أَيْ بَعْد الْمَوْتَة الْأُولَى.
وَقِيلَ :" إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ " أَيْ وَلَا مَا سَلَفَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً " [ النِّسَاء : ٩٢ ] يَعْنِي وَلَا خَطَأً.
وَقِيلَ : فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، مَعْنَاهُ : وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَة وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ.
وَقِيلَ : فِي الْآيَة إِضْمَار لِقَوْلِهِ " وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء " فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ تُعَاقَبُونَ وَتُؤَاخَذُونَ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ.
إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا
عَقَّبَ بِالذَّمِّ الْبَالِغ الْمُتَتَابِع، وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ فِعْل اِنْتَهَى مِنْ الْقُبْح إِلَى الْغَايَة.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس : سَأَلْت اِبْن الْأَعْرَابِيّ عَنْ نِكَاح الْمَقْت فَقَالَ : هُوَ أَنْ يَتَزَوَّج الرَّجُل اِمْرَأَة أَبِيهِ إِذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ; وَيُقَال لِهَذَا الرَّجُل : الضَّيْزَن.
وَقَالَ اِبْن عَرَفَة : كَانَتْ الْعَرَب إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُل اِمْرَأَة أَبِيهِ فَأَوْلَدَهَا قِيلَ لِلْوَلَدِ : الْمَقْتِيّ.
وَأَصْل الْمَقْت الْبُغْض ; مِنْ مَقَتَهُ يَمْقُتُهُ مَقْتًا فَهُوَ مَمْقُوت وَمَقِيت.
فَكَانَتْ الْعَرَب تَقُول لِلرَّجُلِ مِنْ اِمْرَأَة أَبِيهِ : مَقِيت ; فَسَمَّى تَعَالَى هَذَا النِّكَاح " مَقْتًا " إِذْ هُوَ ذَا مَقْت يَلْحَق فَاعِلَهُ.
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْآيَةِ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَطَأ الرَّجُل اِمْرَأَة وَطِئَهَا الْآبَاء، إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ الْآبَاء فِي الْجَاهِلِيَّة مِنْ الزِّنَى بِالنِّسَاءِ لَا عَلَى وَجْه الْمُنَاكَحَة فَإِنَّهُ جَائِز لَكُمْ زَوَاجُهُنَّ.
وَأَنْ تَطَئُوا بِعَقْدِ النِّكَاح مَا وَطِئَهُ آبَاؤُكُمْ مِنْ الزِّنَى ; قَالَ اِبْن زَيْد : وَعَلَيْهِ فَيَكُون الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلًا، وَيَكُون أَصْلًا فِي أَنَّ الزِّنَى لَا يُحَرِّمُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
عَقَّبَ بِالذَّمِّ الْبَالِغ الْمُتَتَابِع، وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ فِعْل اِنْتَهَى مِنْ الْقُبْح إِلَى الْغَايَة.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس : سَأَلْت اِبْن الْأَعْرَابِيّ عَنْ نِكَاح الْمَقْت فَقَالَ : هُوَ أَنْ يَتَزَوَّج الرَّجُل اِمْرَأَة أَبِيهِ إِذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ; وَيُقَال لِهَذَا الرَّجُل : الضَّيْزَن.
وَقَالَ اِبْن عَرَفَة : كَانَتْ الْعَرَب إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُل اِمْرَأَة أَبِيهِ فَأَوْلَدَهَا قِيلَ لِلْوَلَدِ : الْمَقْتِيّ.
وَأَصْل الْمَقْت الْبُغْض ; مِنْ مَقَتَهُ يَمْقُتُهُ مَقْتًا فَهُوَ مَمْقُوت وَمَقِيت.
فَكَانَتْ الْعَرَب تَقُول لِلرَّجُلِ مِنْ اِمْرَأَة أَبِيهِ : مَقِيت ; فَسَمَّى تَعَالَى هَذَا النِّكَاح " مَقْتًا " إِذْ هُوَ ذَا مَقْت يَلْحَق فَاعِلَهُ.
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْآيَةِ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَطَأ الرَّجُل اِمْرَأَة وَطِئَهَا الْآبَاء، إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ الْآبَاء فِي الْجَاهِلِيَّة مِنْ الزِّنَى بِالنِّسَاءِ لَا عَلَى وَجْه الْمُنَاكَحَة فَإِنَّهُ جَائِز لَكُمْ زَوَاجُهُنَّ.
وَأَنْ تَطَئُوا بِعَقْدِ النِّكَاح مَا وَطِئَهُ آبَاؤُكُمْ مِنْ الزِّنَى ; قَالَ اِبْن زَيْد : وَعَلَيْهِ فَيَكُون الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلًا، وَيَكُون أَصْلًا فِي أَنَّ الزِّنَى لَا يُحَرِّمُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ
" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ " أَيْ نِكَاح أُمَّهَاتِكُمْ وَنِكَاح بَنَاتكُمْ ; فَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة مَا يَحِلّ مِنْ النِّسَاء وَمَا يَحْرُم، كَمَا ذَكَرَ تَحْرِيم حَلِيلَة الْأَب.
فَحَرَّمَ اللَّه سَبْعًا مِنْ النَّسَب وَسِتًّا مِنْ رَضَاع وَصِهْر، وَأَلْحَقَتْ السُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ سَابِعَةً ; وَذَلِكَ الْجَمْع بَيْنَ الْمَرْأَة وَعَمَّتهَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاع.
وَثَبَتَتْ الرِّوَايَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : حَرُمَ مِنْ النَّسَب سَبْع وَمِنْ الصِّهْر سَبْع، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة.
وَقَالَ عَمْرو بْن سَالِم مَوْلَى الْأَنْصَار مِثْل ذَلِكَ، وَقَالَ : السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى :" وَالْمُحْصَنَات ".
فَالسَّبْع الْمُحَرَّمَات مِنْ النَّسَب : الْأُمَّهَات وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات وَالْعَمَّات وَالْخَالَات، وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت.
وَالسَّبْع الْمُحَرَّمَات بِالصِّهْرِ وَالرَّضَاع : الْأُمَّهَات مِنْ الرَّضَاعَة وَالْأَخَوَات مِنْ الرَّضَاعَة، وَأُمَّهَات النِّسَاء وَالرَّبَائِب وَحَلَائِل الْأَبْنَاء وَالْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَالسَّابِعَة " وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَائِكُمْ ".
قَالَ الطَّحَاوِيّ : وَكُلّ هَذَا مِنْ الْمُحْكَم الْمُتَّفَق عَلَيْهِ، وَغَيْر جَائِز نِكَاح وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِإِجْمَاعٍ إِلَّا أُمَّهَات النِّسَاء اللَّوَاتِي لَمْ يَدْخُل بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ ; فَإِنَّ جُمْهُور السَّلَف ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْأُمّ تَحْرُم بِالْعَقْدِ عَلَى الِابْنَة، وَلَا تَحْرُم الِابْنَة إِلَّا بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ ; وَبِهَذَا قَوْل جَمِيع أَئِمَّة الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ.
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ السَّلَف : الْأُمّ وَالرَّبِيبَة سَوَاء، لَا تَحْرُم مِنْهُمَا وَاحِدَة إِلَّا بِالدُّخُولِ بِالْأُخْرَى.
قَالُوا : وَمَعْنَى قَوْل :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ " أَيْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ.
" وَرَبَائِبكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُوركُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ".
وَزَعَمُوا أَنَّ شَرْط الدُّخُول رَاجِع إِلَى الْأُمَّهَات وَالرَّبَائِب جَمِيعًا ; رَوَاهُ خِلَاس عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر وَزَيْد بْن ثَابِت، وَهُوَ قَوْل اِبْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد.
قَالَ مُجَاهِد : الدُّخُول مُرَاد فِي النَّازِلَتَيْنِ ; وَقَوْل الْجُمْهُور مُخَالِف لِهَذَا وَعَلَيْهِ الْحُكْم وَالْفُتْيَا، وَقَدْ شَدَّدَ أَهْل الْعِرَاق فِيهِ حَتَّى قَالُوا : لَوْ وَطِئَهَا بِزِنًى أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ اِبْنَتهَا.
وَعِنْدنَا وَعِنْد الشَّافِعِيّ إِنَّمَا تَحْرُم بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح ; وَالْحَرَام لَا يُحَرِّم الْحَلَال عَلَى مَا يَأْتِي.
وَحَدِيث خِلَاس عَنْ عَلِيّ لَا تَقُوم بِهِ حُجَّة، وَلَا تَصِحّ رِوَايَته عِنْد أَهْل الْعِلْم بِالْحَدِيثِ، وَالصَّحِيح عَنْهُ مِثْل قَوْل الْجَمَاعَة.
قَالَ اِبْن جُرَيْج : قُلْت لِعَطَاءِ الرَّجُل يَنْكِح الْمَرْأَة ثُمَّ لَا يَرَاهَا وَلَا يُجَامِعُهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا أَوَتَحِلُّ لَهُ أُمّهَا ؟ قَالَ : لَا، هِيَ مُرْسَلَة دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُل.
" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ " أَيْ نِكَاح أُمَّهَاتِكُمْ وَنِكَاح بَنَاتكُمْ ; فَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة مَا يَحِلّ مِنْ النِّسَاء وَمَا يَحْرُم، كَمَا ذَكَرَ تَحْرِيم حَلِيلَة الْأَب.
فَحَرَّمَ اللَّه سَبْعًا مِنْ النَّسَب وَسِتًّا مِنْ رَضَاع وَصِهْر، وَأَلْحَقَتْ السُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ سَابِعَةً ; وَذَلِكَ الْجَمْع بَيْنَ الْمَرْأَة وَعَمَّتهَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاع.
وَثَبَتَتْ الرِّوَايَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : حَرُمَ مِنْ النَّسَب سَبْع وَمِنْ الصِّهْر سَبْع، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة.
وَقَالَ عَمْرو بْن سَالِم مَوْلَى الْأَنْصَار مِثْل ذَلِكَ، وَقَالَ : السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى :" وَالْمُحْصَنَات ".
فَالسَّبْع الْمُحَرَّمَات مِنْ النَّسَب : الْأُمَّهَات وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات وَالْعَمَّات وَالْخَالَات، وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت.
وَالسَّبْع الْمُحَرَّمَات بِالصِّهْرِ وَالرَّضَاع : الْأُمَّهَات مِنْ الرَّضَاعَة وَالْأَخَوَات مِنْ الرَّضَاعَة، وَأُمَّهَات النِّسَاء وَالرَّبَائِب وَحَلَائِل الْأَبْنَاء وَالْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَالسَّابِعَة " وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَائِكُمْ ".
قَالَ الطَّحَاوِيّ : وَكُلّ هَذَا مِنْ الْمُحْكَم الْمُتَّفَق عَلَيْهِ، وَغَيْر جَائِز نِكَاح وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِإِجْمَاعٍ إِلَّا أُمَّهَات النِّسَاء اللَّوَاتِي لَمْ يَدْخُل بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ ; فَإِنَّ جُمْهُور السَّلَف ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْأُمّ تَحْرُم بِالْعَقْدِ عَلَى الِابْنَة، وَلَا تَحْرُم الِابْنَة إِلَّا بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ ; وَبِهَذَا قَوْل جَمِيع أَئِمَّة الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ.
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ السَّلَف : الْأُمّ وَالرَّبِيبَة سَوَاء، لَا تَحْرُم مِنْهُمَا وَاحِدَة إِلَّا بِالدُّخُولِ بِالْأُخْرَى.
قَالُوا : وَمَعْنَى قَوْل :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ " أَيْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ.
" وَرَبَائِبكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُوركُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ".
وَزَعَمُوا أَنَّ شَرْط الدُّخُول رَاجِع إِلَى الْأُمَّهَات وَالرَّبَائِب جَمِيعًا ; رَوَاهُ خِلَاس عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر وَزَيْد بْن ثَابِت، وَهُوَ قَوْل اِبْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد.
قَالَ مُجَاهِد : الدُّخُول مُرَاد فِي النَّازِلَتَيْنِ ; وَقَوْل الْجُمْهُور مُخَالِف لِهَذَا وَعَلَيْهِ الْحُكْم وَالْفُتْيَا، وَقَدْ شَدَّدَ أَهْل الْعِرَاق فِيهِ حَتَّى قَالُوا : لَوْ وَطِئَهَا بِزِنًى أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ اِبْنَتهَا.
وَعِنْدنَا وَعِنْد الشَّافِعِيّ إِنَّمَا تَحْرُم بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح ; وَالْحَرَام لَا يُحَرِّم الْحَلَال عَلَى مَا يَأْتِي.
وَحَدِيث خِلَاس عَنْ عَلِيّ لَا تَقُوم بِهِ حُجَّة، وَلَا تَصِحّ رِوَايَته عِنْد أَهْل الْعِلْم بِالْحَدِيثِ، وَالصَّحِيح عَنْهُ مِثْل قَوْل الْجَمَاعَة.
قَالَ اِبْن جُرَيْج : قُلْت لِعَطَاءِ الرَّجُل يَنْكِح الْمَرْأَة ثُمَّ لَا يَرَاهَا وَلَا يُجَامِعُهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا أَوَتَحِلُّ لَهُ أُمّهَا ؟ قَالَ : لَا، هِيَ مُرْسَلَة دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُل.
فَقُلْت لَهُ : أَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ " ؟ قَالَ : لَا لَا.
وَرَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ " قَالَ : هِيَ مُبْهَمَة لَا تَحِلّ بِالْعَقْدِ عَلَى الِابْنَة ; وَكَذَلِكَ رَوَى مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت، وَفِيهِ :" فَقَالَ زَيْد لَا، الْأُمّ مُبْهَمَة لَيْسَ فِيهَا شَرْط وَإِنَّمَا الشَّرْط فِي الرَّبَائِب ".
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح ; لِدُخُولِ جَمِيع أُمَّهَات النِّسَاء فِي قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ ".
وَيُؤَيِّد هَذَا الْقَوْل مِنْ جِهَة الْإِعْرَاب أَنَّ الْخَبَرَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْعَامِل لَمْ يَكُنْ نَعْتُهُمَا وَاحِدًا ; فَلَا يَجُوز عِنْد النَّحْوِيِّينَ مَرَرْت بِنِسَائِك وَهَرَبْت مِنْ نِسَاء زَيْد الظَّرِيفَات، عَلَى أَنْ تَكُون " الظَّرِيفَات " نَعْتًا لِنِسَائِك وَنِسَاء زَيْد ; فَكَذَلِكَ الْآيَة لَا يَجُوز أَنْ يَكُون " اللَّاتِي " مِنْ نَعْتِهِمَا جَمِيعًا ; لِأَنَّ الْخَبَرَيْنِ مُخْتَلِفَانِ، وَلَكِنَّهُ يَجُوز عَلَى مَعْنَى أَعْنِي.
وَأَنْشَدَ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ :
خُوَيْرَبَيْنِ يَعْنِي لِصَّيْنِ، بِمَعْنَى أَعْنِي.
وَيَنْقُفَانِ : يَكْسِرَانِ ; نَقَفْت رَأْسَهُ كَسَرْته.
وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا نَكَحَ الرَّجُل الْمَرْأَة فَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج أُمَّهَا دَخَلَ بِالْبِنْتِ أَوْ لَمْ يَدْخُل وَإِذَا تَزَوَّجَ الْأُمّ فَلَمْ يَدْخُل بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنْ شَاءَ تَزَوَّجَ الْبِنْت ) أَخْرَجَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَثَبَتَ فَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْرِيم لَيْسَ صِفَة لِلْأَعْيَانِ، وَالْأَعْيَان لَيْسَتْ مَوْرِدًا لِلتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيم وَلَا مَصْدَرًا، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّق التَّكْلِيف بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَرَكَة وَسُكُون ; لَكِنَّ الْأَعْيَان لَمَّا كَانَتْ مَوْرِدًا لِلْأَفْعَالِ أُضِيفَ الْأَمْر وَالنَّهْي وَالْحُكْم إِلَيْهَا وَعُلِّقَ بِهَا مَجَازًا عَلَى مَعْنَى الْكِنَايَة بِالْمَحَلِّ عَنْ الْفِعْل الَّذِي يَحِلّ بِهِ.
قَوْله تَعَالَى :" أُمَّهَاتكُمْ " تَحْرِيم الْأُمَّهَات عَامّ فِي كُلّ حَال لَا يَتَخَصَّص بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه ; وَلِهَذَا يُسَمِّيهِ أَهْل الْعِلْم الْمُبْهَم، أَيْ لَا بَاب فِيهِ وَلَا طَرِيق إِلَيْهِ لِانْسِدَادِ التَّحْرِيم وَقُوَّتِهِ ; وَكَذَلِكَ تَحْرِيم الْبَنَات وَالْأَخَوَات وَمَنْ ذُكِرَ مِنْ الْمُحَرَّمَات.
وَالْأُمَّهَات جَمْع أُمَّهَة ; يُقَال : أُمّ وَأُمَّهَة بِمَعْنًى وَاحِد، وَجَاءَ الْقُرْآن بِهِمَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَاتِحَة بَيَانُهُ.
وَقِيلَ : إِنَّ أَصْل أُمّ أُمَّهَة عَلَى وَزْن فُعَّلَة مِثْل قُبَّرَة وَحُمَّرَة لِطَيْرَيْنِ، فَسَقَطَتْ وَعَادَتْ فِي الْجَمْع.
قَالَ الشَّاعِر :
أُمَّهَتِي خِنْدِفٌ وَالدَّوْسُ أَبِي
وَقِيلَ : أَصْل الْأُمّ أُمَّة، وَأَنْشَدُوا :
وَيَكُون جَمْعُهَا أُمَّات.
وَرَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ " قَالَ : هِيَ مُبْهَمَة لَا تَحِلّ بِالْعَقْدِ عَلَى الِابْنَة ; وَكَذَلِكَ رَوَى مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت، وَفِيهِ :" فَقَالَ زَيْد لَا، الْأُمّ مُبْهَمَة لَيْسَ فِيهَا شَرْط وَإِنَّمَا الشَّرْط فِي الرَّبَائِب ".
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح ; لِدُخُولِ جَمِيع أُمَّهَات النِّسَاء فِي قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ ".
وَيُؤَيِّد هَذَا الْقَوْل مِنْ جِهَة الْإِعْرَاب أَنَّ الْخَبَرَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْعَامِل لَمْ يَكُنْ نَعْتُهُمَا وَاحِدًا ; فَلَا يَجُوز عِنْد النَّحْوِيِّينَ مَرَرْت بِنِسَائِك وَهَرَبْت مِنْ نِسَاء زَيْد الظَّرِيفَات، عَلَى أَنْ تَكُون " الظَّرِيفَات " نَعْتًا لِنِسَائِك وَنِسَاء زَيْد ; فَكَذَلِكَ الْآيَة لَا يَجُوز أَنْ يَكُون " اللَّاتِي " مِنْ نَعْتِهِمَا جَمِيعًا ; لِأَنَّ الْخَبَرَيْنِ مُخْتَلِفَانِ، وَلَكِنَّهُ يَجُوز عَلَى مَعْنَى أَعْنِي.
وَأَنْشَدَ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ :
إِنَّ بِهَا أَكْتَلَ أَوْ رِزَامَا | خُوَيْرَبَيْنِ يَنْقُفَانِ الْهَامَا |
وَيَنْقُفَانِ : يَكْسِرَانِ ; نَقَفْت رَأْسَهُ كَسَرْته.
وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا نَكَحَ الرَّجُل الْمَرْأَة فَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج أُمَّهَا دَخَلَ بِالْبِنْتِ أَوْ لَمْ يَدْخُل وَإِذَا تَزَوَّجَ الْأُمّ فَلَمْ يَدْخُل بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنْ شَاءَ تَزَوَّجَ الْبِنْت ) أَخْرَجَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَثَبَتَ فَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْرِيم لَيْسَ صِفَة لِلْأَعْيَانِ، وَالْأَعْيَان لَيْسَتْ مَوْرِدًا لِلتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيم وَلَا مَصْدَرًا، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّق التَّكْلِيف بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَرَكَة وَسُكُون ; لَكِنَّ الْأَعْيَان لَمَّا كَانَتْ مَوْرِدًا لِلْأَفْعَالِ أُضِيفَ الْأَمْر وَالنَّهْي وَالْحُكْم إِلَيْهَا وَعُلِّقَ بِهَا مَجَازًا عَلَى مَعْنَى الْكِنَايَة بِالْمَحَلِّ عَنْ الْفِعْل الَّذِي يَحِلّ بِهِ.
قَوْله تَعَالَى :" أُمَّهَاتكُمْ " تَحْرِيم الْأُمَّهَات عَامّ فِي كُلّ حَال لَا يَتَخَصَّص بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه ; وَلِهَذَا يُسَمِّيهِ أَهْل الْعِلْم الْمُبْهَم، أَيْ لَا بَاب فِيهِ وَلَا طَرِيق إِلَيْهِ لِانْسِدَادِ التَّحْرِيم وَقُوَّتِهِ ; وَكَذَلِكَ تَحْرِيم الْبَنَات وَالْأَخَوَات وَمَنْ ذُكِرَ مِنْ الْمُحَرَّمَات.
وَالْأُمَّهَات جَمْع أُمَّهَة ; يُقَال : أُمّ وَأُمَّهَة بِمَعْنًى وَاحِد، وَجَاءَ الْقُرْآن بِهِمَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَاتِحَة بَيَانُهُ.
وَقِيلَ : إِنَّ أَصْل أُمّ أُمَّهَة عَلَى وَزْن فُعَّلَة مِثْل قُبَّرَة وَحُمَّرَة لِطَيْرَيْنِ، فَسَقَطَتْ وَعَادَتْ فِي الْجَمْع.
قَالَ الشَّاعِر :
أُمَّهَتِي خِنْدِفٌ وَالدَّوْسُ أَبِي
وَقِيلَ : أَصْل الْأُمّ أُمَّة، وَأَنْشَدُوا :
تَقَبَّلْتهَا عَنْ أُمَّة لَك طَالَمَا | تَثُوبُ إِلَيْهَا فِي النَّوَائِبِ أَجْمَعَا |
قَالَ الرَّاعِي :
فَالْأُمّ اِسْم لِكُلِّ أُنْثَى لَهَا عَلَيْك وِلَادَة ; فَيَدْخُل فِي ذَلِكَ الْأُمّ دِنْيَةً، وَأُمَّهَاتُهَا وَجَدَّاتُهَا وَأُمّ الْأَب وَجَدَّاتُهُ وَإِنْ عَلَوْنَ.
وَالْبِنْت اِسْم لِكُلِّ أُنْثَى لَك عَلَيْهَا وِلَادَة، وَإِنْ شِئْت قُلْت : كُلّ أُنْثَى يَرْجِع نَسَبُهَا إِلَيْك بِالْوِلَادَةِ بِدَرَجَةٍ أَوْ دَرَجَات ; فَيَدْخُل فِي ذَلِكَ بِنْت الصُّلْب وَبَنَاتهَا وَبَنَات الْأَبْنَاء وَإِنْ نَزَلْنَ.
وَالْأُخْت اِسْم لِكُلِّ أُنْثَى جَاوَرَتْك فِي أَصْلَيْك أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَالْبَنَات جَمْع بِنْت، وَالْأَصْل بُنَيَّة، وَالْمُسْتَعْمَل اِبْنَة وَبِنْت.
قَالَ الْفَرَّاء : كُسِرَتْ الْبَاء مِنْ بِنْت لِتَدُلَّ الْكَسْرَة عَلَى الْيَاء، وَضُمَّتْ الْأَلِف مِنْ أُخْت لِتَدُلّ عَلَى حَذْف الْوَاو، فَإِنَّ أَصْل أُخْت أَخَوَة، وَالْجَمْع أَخَوَات.
وَالْعَمَّة اِسْم لِكُلِّ أُنْثَى شَارَكَتْ أَبَاك أَوْ جَدَّك فِي أَصْلَيْهِ أَوْ فِي أَحَدهمَا.
وَإِنْ شِئْت قُلْت : كُلّ ذَكَر رَجَعَ نَسَبُهُ إِلَيْك فَأُخْتُهُ عَمَّتك.
وَقَدْ تَكُون الْعَمَّة مِنْ جِهَة الْأُمّ، وَهِيَ أُخْت أَبِ أُمّك.
وَالْخَالَة اِسْم لِكُلِّ أُنْثَى شَارَكَتْ أُمّك فِي أَصْلَيْهَا أَوْ فِي أَحَدهمَا.
وَإِنْ شِئْت قُلْت : كُلّ أُنْثَى رَجَعَ نَسَبُهَا إِلَيْك بِالْوِلَادَةِ فَأُخْتُهَا خَالَتُك.
وَقَدْ تَكُون الْخَالَة مِنْ جِهَة الْأَب وَهِيَ أُخْت أُمّ أَبِيك.
وَبِنْت الْأَخ اِسْم لِكُلِّ أُنْثَى لِأَخِيك عَلَيْهَا وِلَادَة بِوَاسِطَةٍ أَوْ مُبَاشَرَة ; وَكَذَلِكَ بِنْت الْأُخْت.
فَهَذِهِ السَّبْع الْمُحَرَّمَات مِنْ النَّسَب.
وَقَرَأَ نَافِع - فِي رِوَايَة أَبِي بَكْر بْن أَبِي أُوَيْس - بِتَشْدِيدِ الْخَاء مِنْ الْأَخ إِذَا كَانَتْ فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام مَعَ نَقْل الْحَرَكَة.
كَانَتْ نَجَائِبُ مُنْذِرٍ وَمُحَرِّقٍ | أُمَّاتُهُنَّ وَطَرْقُهُنَّ فَحِيلَا |
وَالْبِنْت اِسْم لِكُلِّ أُنْثَى لَك عَلَيْهَا وِلَادَة، وَإِنْ شِئْت قُلْت : كُلّ أُنْثَى يَرْجِع نَسَبُهَا إِلَيْك بِالْوِلَادَةِ بِدَرَجَةٍ أَوْ دَرَجَات ; فَيَدْخُل فِي ذَلِكَ بِنْت الصُّلْب وَبَنَاتهَا وَبَنَات الْأَبْنَاء وَإِنْ نَزَلْنَ.
وَالْأُخْت اِسْم لِكُلِّ أُنْثَى جَاوَرَتْك فِي أَصْلَيْك أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَالْبَنَات جَمْع بِنْت، وَالْأَصْل بُنَيَّة، وَالْمُسْتَعْمَل اِبْنَة وَبِنْت.
قَالَ الْفَرَّاء : كُسِرَتْ الْبَاء مِنْ بِنْت لِتَدُلَّ الْكَسْرَة عَلَى الْيَاء، وَضُمَّتْ الْأَلِف مِنْ أُخْت لِتَدُلّ عَلَى حَذْف الْوَاو، فَإِنَّ أَصْل أُخْت أَخَوَة، وَالْجَمْع أَخَوَات.
وَالْعَمَّة اِسْم لِكُلِّ أُنْثَى شَارَكَتْ أَبَاك أَوْ جَدَّك فِي أَصْلَيْهِ أَوْ فِي أَحَدهمَا.
وَإِنْ شِئْت قُلْت : كُلّ ذَكَر رَجَعَ نَسَبُهُ إِلَيْك فَأُخْتُهُ عَمَّتك.
وَقَدْ تَكُون الْعَمَّة مِنْ جِهَة الْأُمّ، وَهِيَ أُخْت أَبِ أُمّك.
وَالْخَالَة اِسْم لِكُلِّ أُنْثَى شَارَكَتْ أُمّك فِي أَصْلَيْهَا أَوْ فِي أَحَدهمَا.
وَإِنْ شِئْت قُلْت : كُلّ أُنْثَى رَجَعَ نَسَبُهَا إِلَيْك بِالْوِلَادَةِ فَأُخْتُهَا خَالَتُك.
وَقَدْ تَكُون الْخَالَة مِنْ جِهَة الْأَب وَهِيَ أُخْت أُمّ أَبِيك.
وَبِنْت الْأَخ اِسْم لِكُلِّ أُنْثَى لِأَخِيك عَلَيْهَا وِلَادَة بِوَاسِطَةٍ أَوْ مُبَاشَرَة ; وَكَذَلِكَ بِنْت الْأُخْت.
فَهَذِهِ السَّبْع الْمُحَرَّمَات مِنْ النَّسَب.
وَقَرَأَ نَافِع - فِي رِوَايَة أَبِي بَكْر بْن أَبِي أُوَيْس - بِتَشْدِيدِ الْخَاء مِنْ الْأَخ إِذَا كَانَتْ فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام مَعَ نَقْل الْحَرَكَة.
وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ
وَهِيَ فِي التَّحْرِيم مِثْل مَنْ ذَكَرْنَا ; قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( يَحْرُم مِنْ الرَّضَاع مَا يَحْرُم مِنْ النَّسَب ).
وَقَرَأَ عَبْد اللَّه " وَأُمَّهَاتكُمْ اللَّائِي " بِغَيْرِ تَاء ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيض " [ الطَّلَاق : ٤ ] قَالَ الشَّاعِر :
" أَرْضَعْنَكُمْ " فَإِذَا أَرْضَعَتْ الْمَرْأَة طِفْلًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا أُمُّهُ، وَبِنْتُهَا لِأَنَّهَا أُخْتُهُ، وَأُخْتهَا لِأَنَّهَا خَالَته، وَأُمّهَا لِأَنَّهَا جَدَّته، وَبِنْت زَوْجهَا صَاحِب اللَّبَن لِأَنَّهَا أُخْتُهُ، وَأُخْتُهُ لِأَنَّهَا عَمَّتُهُ، وَأُمّه لِأَنَّهَا جَدَّته، وَبَنَات بَنِيهَا وَبَنَاتهَا لِأَنَّهُنَّ بَنَات إِخْوَته وَأَخَوَاته.
قَالَ أَبُو نُعَيْم عُبَيْد اللَّه بْن هِشَام الْحَلَبِيّ : سُئِلَ مَالِك عَنْ الْمَرْأَة أَيَحُجُّ مَعَهَا أَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعَة ؟ قَالَ : نَعَمْ.
قَالَ أَبُو نُعَيْم : وَسُئِلَ مَالِك عَنْ اِمْرَأَة تَزَوَّجَتْ فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا.
ثُمَّ جَاءَتْ اِمْرَأَة فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا ; قَالَ : يُفَرَّق بَيْنهمَا، وَمَا أَخَذَتْ مِنْ شَيْء لَهُ فَهُوَ لَهَا، وَمَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ مَالِك : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مِثْل هَذَا فَأَمَرَ بِذَلِكَ ; فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه، إِنَّهَا اِمْرَأَة ضَعِيفَة ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَلَيْسَ يُقَال إِنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ أُخْتَه ) ؟
التَّحْرِيم بِالرَّضَاعِ إِنَّمَا يَحْصُل إِذَا اِتَّفَقَ الْإِرْضَاع فِي الْحَوْلَيْنِ ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة ".
وَلَا فَرْق بَيْنَ قَلِيل الرَّضَاع وَكَثِيره عِنْدَنَا إِذَا وَصَلَ إِلَى الْأَمْعَاء وَلَوْ مَصَّة وَاحِدَة.
وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيّ فِي الْإِرْضَاع شَرْطَيْنِ : أَحَدهمَا خَمْس رَضَعَات ; لِحَدِيثِ عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّه عَشْر رَضَعَات مَعْلُومَات يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَات، وَتُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأ مِنْ الْقُرْآن.
مَوْضِع الدَّلِيل مِنْهُ أَنَّهَا أَثْبَتَتْ أَنَّ الْعَشْر نُسِخْنَ بِخَمْسٍ، فَلَوْ تَعَلَّقَ التَّحْرِيم بِمَا دُون الْخَمْس لَكَانَ ذَلِكَ نَسْخًا لِلْخَمْسِ.
وَلَا يُقْبَل عَلَى هَذَا خَبَر وَاحِد وَلَا قِيَاس ; لِأَنَّهُ لَا يُنْسَخ بِهِمَا.
وَفِي حَدِيث سَهْلَة ( أَرْضِعِيهِ خَمْس رَضَعَات يَحْرُم بِهِنَّ ).
الشَّرْط الثَّانِي : أَنْ يَكُون فِي الْحَوْلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهُمَا لَمْ يَحْرُم ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" حَوْلَيْنِ كَامِلِينَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَة " [ الْبَقَرَة : ٢٣٣ ].
وَلَيْسَ بَعْد التَّمَام وَالْكَمَال شَيْء.
وَاعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَة بَعْد الْحَوْلَيْنِ سِتَّة أَشْهُر.
وَمَالِك الشَّهْر وَنَحْوه.
وَقَالَ زُفَر : مَا دَامَ يَجْتَزِئ بِاللَّبَنِ وَلَمْ يُفْطَم فَهُوَ رَضَاع وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاث سِنِينَ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : إِذَا فُطِمَ لِسَنَةٍ وَاسْتَمَرَّ فِطَامُهُ فَلَيْسَ بَعْده رَضَاع.
وَهِيَ فِي التَّحْرِيم مِثْل مَنْ ذَكَرْنَا ; قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( يَحْرُم مِنْ الرَّضَاع مَا يَحْرُم مِنْ النَّسَب ).
وَقَرَأَ عَبْد اللَّه " وَأُمَّهَاتكُمْ اللَّائِي " بِغَيْرِ تَاء ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيض " [ الطَّلَاق : ٤ ] قَالَ الشَّاعِر :
مِنْ اللَّاءِ لَمْ يَحْجُجْنَ يَبْغِينَ حِسْبَةً | وَلَكِنْ لِيَقْتُلْنَ الْبَرِيءَ الْمُغَفَّلَا |
قَالَ أَبُو نُعَيْم عُبَيْد اللَّه بْن هِشَام الْحَلَبِيّ : سُئِلَ مَالِك عَنْ الْمَرْأَة أَيَحُجُّ مَعَهَا أَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعَة ؟ قَالَ : نَعَمْ.
قَالَ أَبُو نُعَيْم : وَسُئِلَ مَالِك عَنْ اِمْرَأَة تَزَوَّجَتْ فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا.
ثُمَّ جَاءَتْ اِمْرَأَة فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا ; قَالَ : يُفَرَّق بَيْنهمَا، وَمَا أَخَذَتْ مِنْ شَيْء لَهُ فَهُوَ لَهَا، وَمَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ مَالِك : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مِثْل هَذَا فَأَمَرَ بِذَلِكَ ; فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه، إِنَّهَا اِمْرَأَة ضَعِيفَة ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَلَيْسَ يُقَال إِنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ أُخْتَه ) ؟
التَّحْرِيم بِالرَّضَاعِ إِنَّمَا يَحْصُل إِذَا اِتَّفَقَ الْإِرْضَاع فِي الْحَوْلَيْنِ ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة ".
وَلَا فَرْق بَيْنَ قَلِيل الرَّضَاع وَكَثِيره عِنْدَنَا إِذَا وَصَلَ إِلَى الْأَمْعَاء وَلَوْ مَصَّة وَاحِدَة.
وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيّ فِي الْإِرْضَاع شَرْطَيْنِ : أَحَدهمَا خَمْس رَضَعَات ; لِحَدِيثِ عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّه عَشْر رَضَعَات مَعْلُومَات يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَات، وَتُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأ مِنْ الْقُرْآن.
مَوْضِع الدَّلِيل مِنْهُ أَنَّهَا أَثْبَتَتْ أَنَّ الْعَشْر نُسِخْنَ بِخَمْسٍ، فَلَوْ تَعَلَّقَ التَّحْرِيم بِمَا دُون الْخَمْس لَكَانَ ذَلِكَ نَسْخًا لِلْخَمْسِ.
وَلَا يُقْبَل عَلَى هَذَا خَبَر وَاحِد وَلَا قِيَاس ; لِأَنَّهُ لَا يُنْسَخ بِهِمَا.
وَفِي حَدِيث سَهْلَة ( أَرْضِعِيهِ خَمْس رَضَعَات يَحْرُم بِهِنَّ ).
الشَّرْط الثَّانِي : أَنْ يَكُون فِي الْحَوْلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهُمَا لَمْ يَحْرُم ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" حَوْلَيْنِ كَامِلِينَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَة " [ الْبَقَرَة : ٢٣٣ ].
وَلَيْسَ بَعْد التَّمَام وَالْكَمَال شَيْء.
وَاعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَة بَعْد الْحَوْلَيْنِ سِتَّة أَشْهُر.
وَمَالِك الشَّهْر وَنَحْوه.
وَقَالَ زُفَر : مَا دَامَ يَجْتَزِئ بِاللَّبَنِ وَلَمْ يُفْطَم فَهُوَ رَضَاع وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاث سِنِينَ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : إِذَا فُطِمَ لِسَنَةٍ وَاسْتَمَرَّ فِطَامُهُ فَلَيْسَ بَعْده رَضَاع.
وَانْفَرَدَ اللَّيْث بْن سَعْد مِنْ بَيْنَ الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ رَضَاع الْكَبِير يُوجِب التَّحْرِيم ; وَهُوَ قَوْل عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا ; وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَرُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلّ عَلَى رُجُوعه عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو حُصَيْن عَنْ أَبِي عَطِيَّة قَالَ : قَدِمَ رَجُل بِامْرَأَتِهِ مِنْ الْمَدِينَة فَوَضَعَتْ وَتَوَرَّمَ ثَدْيهَا، فَجَعَلَ يَمُصُّهُ وَيَمُجُّهُ فَدَخَلَ فِي بَطْنِهِ جَرْعَةٌ مِنْهُ ; فَسَأَلَ أَبَا مُوسَى فَقَالَ : بَانَتْ مِنْك، وَائْتِ اِبْن مَسْعُود فَأَخْبِرْهُ، فَفَعَلَ ; فَأَقْبَلَ بِالْأَعْرَابِيِّ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَقَالَ : أَرَضِيعًا تَرَى هَذَا الْأَشْمَط ! إِنَّمَا يَحْرُم مِنْ الرَّضَاع مَا يُنْبِت اللَّحْم وَالْعَظْم.
فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ : لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء وَهَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ.
فَقَوْله :" لَا تَسْأَلُونِي " يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ.
وَاحْتَجَّتْ عَائِشَة بِقِصَّةِ سَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة وَأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَهْلَةَ بِنْت سُهَيْل :( أَرْضِعِيهِ ) خَرَّجَهُ الْمُوَطَّأ وَغَيْره.
وَشَذَّتْ طَائِفَة فَاعْتَبَرَتْ عَشْر رَضَعَات ; تَمَسُّكًا بِأَنَّهُ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ : عَشْر رَضَعَات.
وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغهُمْ النَّاسِخ.
وَقَالَ دَاوُدُ : لَا يَحْرُم إِلَّا بِثَلَاثِ رَضَعَات ; وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا تُحَرِّم الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَان ).
خَرَّجَهُ مُسْلِم.
وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ عَائِشَة وَابْن الزُّبَيْر، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عُبَيْد، وَهُوَ تَمَسُّك بِدَلِيلِ الْخِطَاب، وَهُوَ مُخْتَلَف فِيهِ.
وَذَهَبَ مَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ مِنْ أَئِمَّة الْفَتْوَى إِلَى أَنَّ الرَّضْعَة الْوَاحِدَة تُحَرِّم إِذَا تَحَقَّقَتْ كَمَا ذَكَرْنَا ; مُتَمَسِّكِينَ بِأَقَلّ مَا يَنْطَلِق عَلَيْهِ اِسْم الرَّضَاع.
وَعُضِّدَ هَذَا بِمَا وُجِدَ مِنْ الْعَمَل عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الصِّهْر ; بِعِلَّةِ أَنَّهُ مَعْنًى طَارِئ يَقْتَضِي تَأْبِيد التَّحْرِيم فَلَا يُشْتَرَط فِيهِ الْعَدَد كَالصِّهْرِ.
وَقَالَ اللَّيْث بْن سَعْد : وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ قَلِيل الرَّضَاع وَكَثِيره يُحَرِّم فِي الْمَهْد مَا يُفَطِّرُ الصَّائِم.
قَالَ أَبُو عُمَر.
لَمْ يَقِف اللَّيْث عَلَى الْخِلَاف فِي ذَلِكَ.
قُلْت : وَأَنَصُّ مَا فِي هَذَا الْبَاب قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تُحَرِّم الْمَصَّة وَلَا الْمَصَّتَانِ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه.
وَهُوَ يُفَسِّر مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَاتكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ " أَيْ أَرْضَعْنَكُمْ ثَلَاث رَضَعَات فَأَكْثَرَ ; غَيْر أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَل عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَتَحَقَّق وُصُولُهُ إِلَى جَوْف الرَّضِيع ; لِقَوْلِهِ :" عَشْر رَضَعَات مَعْلُومَات.
وَخَمْس رَضَعَات مَعْلُومَات ".
فَوَصْفُهَا بِالْمَعْلُومَاتِ إِنَّمَا هُوَ تَحَرُّز مِمَّا يُتَوَهَّم أَوْ يُشَكُّ فِي وُصُوله إِلَى الْجَوْف.
وَيُفِيد دَلِيل خِطَابه أَنَّ الرَّضَعَات إِذَا كَانَتْ غَيْر مَعْلُومَات لَمْ تُحَرِّم.
وَاَللَّه أَعْلَم.
فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ : لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء وَهَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ.
فَقَوْله :" لَا تَسْأَلُونِي " يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ.
وَاحْتَجَّتْ عَائِشَة بِقِصَّةِ سَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة وَأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا.
فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَهْلَةَ بِنْت سُهَيْل :( أَرْضِعِيهِ ) خَرَّجَهُ الْمُوَطَّأ وَغَيْره.
وَشَذَّتْ طَائِفَة فَاعْتَبَرَتْ عَشْر رَضَعَات ; تَمَسُّكًا بِأَنَّهُ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ : عَشْر رَضَعَات.
وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغهُمْ النَّاسِخ.
وَقَالَ دَاوُدُ : لَا يَحْرُم إِلَّا بِثَلَاثِ رَضَعَات ; وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا تُحَرِّم الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَان ).
خَرَّجَهُ مُسْلِم.
وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ عَائِشَة وَابْن الزُّبَيْر، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عُبَيْد، وَهُوَ تَمَسُّك بِدَلِيلِ الْخِطَاب، وَهُوَ مُخْتَلَف فِيهِ.
وَذَهَبَ مَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ مِنْ أَئِمَّة الْفَتْوَى إِلَى أَنَّ الرَّضْعَة الْوَاحِدَة تُحَرِّم إِذَا تَحَقَّقَتْ كَمَا ذَكَرْنَا ; مُتَمَسِّكِينَ بِأَقَلّ مَا يَنْطَلِق عَلَيْهِ اِسْم الرَّضَاع.
وَعُضِّدَ هَذَا بِمَا وُجِدَ مِنْ الْعَمَل عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الصِّهْر ; بِعِلَّةِ أَنَّهُ مَعْنًى طَارِئ يَقْتَضِي تَأْبِيد التَّحْرِيم فَلَا يُشْتَرَط فِيهِ الْعَدَد كَالصِّهْرِ.
وَقَالَ اللَّيْث بْن سَعْد : وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ قَلِيل الرَّضَاع وَكَثِيره يُحَرِّم فِي الْمَهْد مَا يُفَطِّرُ الصَّائِم.
قَالَ أَبُو عُمَر.
لَمْ يَقِف اللَّيْث عَلَى الْخِلَاف فِي ذَلِكَ.
قُلْت : وَأَنَصُّ مَا فِي هَذَا الْبَاب قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تُحَرِّم الْمَصَّة وَلَا الْمَصَّتَانِ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه.
وَهُوَ يُفَسِّر مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَاتكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ " أَيْ أَرْضَعْنَكُمْ ثَلَاث رَضَعَات فَأَكْثَرَ ; غَيْر أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَل عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَتَحَقَّق وُصُولُهُ إِلَى جَوْف الرَّضِيع ; لِقَوْلِهِ :" عَشْر رَضَعَات مَعْلُومَات.
وَخَمْس رَضَعَات مَعْلُومَات ".
فَوَصْفُهَا بِالْمَعْلُومَاتِ إِنَّمَا هُوَ تَحَرُّز مِمَّا يُتَوَهَّم أَوْ يُشَكُّ فِي وُصُوله إِلَى الْجَوْف.
وَيُفِيد دَلِيل خِطَابه أَنَّ الرَّضَعَات إِذَا كَانَتْ غَيْر مَعْلُومَات لَمْ تُحَرِّم.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيّ أَنَّ حَدِيث الْإِمْلَاجَة والْإمْلَاجَتَيْنِ لَا يَثْبُت ; لِأَنَّهُ مَرَّة يَرْوِيهِ اِبْن الزُّبَيْر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَرَّة يَرْوِيهِ عَنْ عَائِشَة، وَمَرَّة يَرْوِيهِ عَنْ أَبِيهِ ; وَمِثْل هَذَا الِاضْطِرَاب يُسْقِطُهُ.
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَة أَنَّهُ لَا يُحَرِّم إِلَّا سَبْع رَضَعَات.
وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا أَمَرَتْ أُخْتَهَا " أُمّ كُلْثُوم " أَنْ تُرْضِعَ سَالِمَ بْن عَبْد اللَّه عَشْر رَضَعَات.
وَرُوِيَ عَنْ حَفْصَة مِثْله، وَرُوِيَ عَنْهَا ثَلَاث، وَرُوِيَ عَنْهَا خَمْس ; كَمَا قَالَ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَحُكِيَ عَنْ إِسْحَاق.
قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ " اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ نَفَى لَبَن الْفَحْل، وَهُوَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَأَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن، وَقَالُوا : لَبَن الْفَحْل لَا يُحَرِّم شَيْئًا مِنْ قِبَلِ الرَّجُل.
وَقَالَ الْجُمْهُور : قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَاتكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ " يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْفَحْل أَبٌ ; لِأَنَّ اللَّبَن مَنْسُوب إِلَيْهِ فَإِنَّهُ دَرَّ بِسَبَبِ وَلَده.
وَهَذَا ضَعِيف ; فَإِنَّ الْوَلَد خُلِقَ مِنْ مَاء الرَّجُل وَالْمَرْأَة جَمِيعًا، وَاللَّبَن مِنْ الْمَرْأَة وَلَمْ يَخْرُج مِنْ الرَّجُل، وَمَا كَانَ مِنْ الرَّجُل إِلَّا وَطْء هُوَ سَبَب لِنُزُولِ الْمَاء مِنْهُ، وَإِذَا فُصِلَ الْوَلَد خَلَقَ اللَّه اللَّبَن مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون مُضَافًا إِلَى الرَّجُل بِوَجْهٍ مَا ; وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ حَقّ فِي اللَّبَن، وَإِنَّمَا اللَّبَن لَهَا، فَلَا يُمْكِنُ أَخْذ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَاس عَلَى الْمَاء.
وَقَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( يَحْرُم مِنْ الرَّضَاع مَا يَحْرُم مِنْ النَّسَب ) يَقْتَضِي التَّحْرِيم مِنْ الرَّضَاع، وَلَا يَظْهَر وَجْه نِسْبَة الرَّضَاع إِلَى الرَّجُل مِثْل ظُهُور نِسْبَة الْمَاء إِلَيْهِ وَالرَّضَاع مِنْهَا.
نَعَمْ، الْأَصْل فِيهِ حَدِيث الزُّهْرِيّ وَهِشَام بْن عُرْوَة عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْس جَاءَ يَسْتَأْذِن عَلَيْهَا، وَهُوَ عَمّهَا مِنْ الرَّضَاعَة بَعْد أَنْ نَزَلَ الْحِجَاب.
قَالَتْ : فَأَبَيْت أَنْ آذَنَ لَهُ ; فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ فَقَالَ :( لِيَلِجْ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ عَمُّك تَرِبَتْ يَمِينُك ).
وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْس زَوْج الْمَرْأَة الَّتِي أَرْضَعَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا ; وَهَذَا أَيْضًا خَبَر وَاحِد.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون " أَفْلَحُ " مَعَ أَبِي بَكْر رَضِيعَيْ لِبَان فَلِذَلِكَ قَالَ :( لِيَلِجْ عَلَيْك فَإِنَّهُ عَمّك ).
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَوْل فِيهِ مُشْكِل وَالْعِلْم عِنْد اللَّه، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ، وَالِاحْتِيَاط فِي التَّحْرِيم أَوْلَى، مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى :" وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَلِكُمْ " يُقَوِّي قَوْلَ الْمُخَالِف.
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَة أَنَّهُ لَا يُحَرِّم إِلَّا سَبْع رَضَعَات.
وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا أَمَرَتْ أُخْتَهَا " أُمّ كُلْثُوم " أَنْ تُرْضِعَ سَالِمَ بْن عَبْد اللَّه عَشْر رَضَعَات.
وَرُوِيَ عَنْ حَفْصَة مِثْله، وَرُوِيَ عَنْهَا ثَلَاث، وَرُوِيَ عَنْهَا خَمْس ; كَمَا قَالَ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَحُكِيَ عَنْ إِسْحَاق.
قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ " اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ نَفَى لَبَن الْفَحْل، وَهُوَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَأَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن، وَقَالُوا : لَبَن الْفَحْل لَا يُحَرِّم شَيْئًا مِنْ قِبَلِ الرَّجُل.
وَقَالَ الْجُمْهُور : قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَاتكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ " يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْفَحْل أَبٌ ; لِأَنَّ اللَّبَن مَنْسُوب إِلَيْهِ فَإِنَّهُ دَرَّ بِسَبَبِ وَلَده.
وَهَذَا ضَعِيف ; فَإِنَّ الْوَلَد خُلِقَ مِنْ مَاء الرَّجُل وَالْمَرْأَة جَمِيعًا، وَاللَّبَن مِنْ الْمَرْأَة وَلَمْ يَخْرُج مِنْ الرَّجُل، وَمَا كَانَ مِنْ الرَّجُل إِلَّا وَطْء هُوَ سَبَب لِنُزُولِ الْمَاء مِنْهُ، وَإِذَا فُصِلَ الْوَلَد خَلَقَ اللَّه اللَّبَن مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون مُضَافًا إِلَى الرَّجُل بِوَجْهٍ مَا ; وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ حَقّ فِي اللَّبَن، وَإِنَّمَا اللَّبَن لَهَا، فَلَا يُمْكِنُ أَخْذ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَاس عَلَى الْمَاء.
وَقَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( يَحْرُم مِنْ الرَّضَاع مَا يَحْرُم مِنْ النَّسَب ) يَقْتَضِي التَّحْرِيم مِنْ الرَّضَاع، وَلَا يَظْهَر وَجْه نِسْبَة الرَّضَاع إِلَى الرَّجُل مِثْل ظُهُور نِسْبَة الْمَاء إِلَيْهِ وَالرَّضَاع مِنْهَا.
نَعَمْ، الْأَصْل فِيهِ حَدِيث الزُّهْرِيّ وَهِشَام بْن عُرْوَة عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْس جَاءَ يَسْتَأْذِن عَلَيْهَا، وَهُوَ عَمّهَا مِنْ الرَّضَاعَة بَعْد أَنْ نَزَلَ الْحِجَاب.
قَالَتْ : فَأَبَيْت أَنْ آذَنَ لَهُ ; فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ فَقَالَ :( لِيَلِجْ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ عَمُّك تَرِبَتْ يَمِينُك ).
وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْس زَوْج الْمَرْأَة الَّتِي أَرْضَعَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا ; وَهَذَا أَيْضًا خَبَر وَاحِد.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون " أَفْلَحُ " مَعَ أَبِي بَكْر رَضِيعَيْ لِبَان فَلِذَلِكَ قَالَ :( لِيَلِجْ عَلَيْك فَإِنَّهُ عَمّك ).
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَوْل فِيهِ مُشْكِل وَالْعِلْم عِنْد اللَّه، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ، وَالِاحْتِيَاط فِي التَّحْرِيم أَوْلَى، مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى :" وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَلِكُمْ " يُقَوِّي قَوْلَ الْمُخَالِف.
وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ
وَهِيَ الْأُخْت لِأَبٍ وَأُمّ، وَهِيَ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا أُمّك بِلِبَانِ أَبِيك ; سَوَاء أَرْضَعَتْهَا مَعَك أَوْ وُلِدَتْ قَبْلَك أَوْ بَعْدَك.
وَالْأُخْت مِنْ الْأَب دُون الْأُمّ، وَهِيَ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا زَوْجَة أَبِيك.
وَالْأُخْت مِنْ الْأُمّ دُون الْأَب، وَهِيَ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا أُمّك بِلِبَانِ رَجُل آخَر.
وَهِيَ الْأُخْت لِأَبٍ وَأُمّ، وَهِيَ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا أُمّك بِلِبَانِ أَبِيك ; سَوَاء أَرْضَعَتْهَا مَعَك أَوْ وُلِدَتْ قَبْلَك أَوْ بَعْدَك.
وَالْأُخْت مِنْ الْأَب دُون الْأُمّ، وَهِيَ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا زَوْجَة أَبِيك.
وَالْأُخْت مِنْ الْأُمّ دُون الْأَب، وَهِيَ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا أُمّك بِلِبَانِ رَجُل آخَر.
وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ
ثُمَّ ذَكَرَ التَّحْرِيم بِالْمُصَاهَرَةِ فَقَالَ تَعَالَى :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ " وَالصِّهْر أَرْبَع : أُمّ الْمَرْأَة وَابْنَتهَا وَزَوْجَة الْأَب وَزَوْجَة الِابْن.
فَأُمّ الْمَرْأَة تَحْرُم بِمُجَرَّدِ الْعَقْد الصَّحِيح عَلَى اِبْنَتهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمَعْنَى قَوْل :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ " أَيْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ.
" وَرَبَائِبكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُوركُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ".
وَزَعَمُوا أَنَّ شَرْط الدُّخُول رَاجِع إِلَى الْأُمَّهَات وَالرَّبَائِب جَمِيعًا ; رَوَاهُ خِلَاس عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر وَزَيْد بْن ثَابِت، وَهُوَ قَوْل اِبْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد.
قَالَ مُجَاهِد : الدُّخُول مُرَاد فِي النَّازِلَتَيْنِ ; وَقَوْل الْجُمْهُور مُخَالِف لِهَذَا وَعَلَيْهِ الْحُكْم وَالْفُتْيَا، وَقَدْ شَدَّدَ أَهْل الْعِرَاق فِيهِ حَتَّى قَالُوا : لَوْ وَطِئَهَا بِزِنًى أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ اِبْنَتهَا.
وَعِنْدَنَا وَعِنْد الشَّافِعِيّ إِنَّمَا تَحْرُمُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح ; وَالْحَرَام لَا يُحَرِّمُ الْحَلَال عَلَى مَا يَأْتِي.
وَحَدِيث خِلَاس عَنْ عَلِيّ لَا تَقُوم بِهِ حُجَّة، وَلَا تَصِحّ رِوَايَتُهُ عِنْد أَهْل الْعِلْم بِالْحَدِيثِ، وَالصَّحِيح عَنْهُ مِثْل قَوْل الْجَمَاعَة.
قَالَ اِبْن جُرَيْج : قُلْت لِعَطَاءٍ : الرَّجُل يَنْكِح الْمَرْأَة ثُمَّ لَا يَرَاهَا وَلَا يُجَامِعُهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا أَوَتَحِلُّ لَهُ أُمّهَا ؟ قَالَ : لَا، هِيَ مُرْسَلَة دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُل.
فَقُلْت لَهُ : أَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ " ؟ قَالَ : لَا لَا.
وَرَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ " قَالَ : هِيَ مُبْهَمَة لَا تَحِلّ بِالْعَقْدِ عَلَى الِابْنَة ; وَكَذَلِكَ رَوَى مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت، وَفِيهِ :" فَقَالَ زَيْد لَا، الْأُمّ مُبْهَمَة لَيْسَ فِيهَا شَرْط وَإِنَّمَا الشَّرْط فِي الرَّبَائِب ".
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح ; لِدُخُولِ جَمِيع أُمَّهَات النِّسَاء فِي قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ ".
وَيُؤَيِّد هَذَا الْقَوْل مِنْ جِهَة الْإِعْرَاب أَنَّ الْخَبَرَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْعَامِل لَمْ يَكُنْ نَعْتُهُمَا وَاحِدًا ; فَلَا يَجُوز عِنْد النَّحْوِيِّينَ مَرَرْت بِنِسَائِك وَهَرَبْت مِنْ نِسَاء زَيْد الظَّرِيفَات، عَلَى أَنْ تَكُون " الظَّرِيفَات " نَعْتًا لِنِسَائِك وَنِسَاء زَيْد ; فَكَذَلِكَ الْآيَة لَا يَجُوز أَنْ يَكُون " اللَّاتِي " مِنْ نَعْتِهِمَا جَمِيعًا ; لِأَنَّ الْخَبَرَيْنِ مُخْتَلِفَانِ، وَلَكِنَّهُ يَجُوز عَلَى مَعْنَى أَعْنِي.
وَأَنْشَدَ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ : ش إِنَّ بِهَا أَكْتَلَ أَوْ رِزَامَا و خُوَيْرَبَيْنِ يَنْقُفَانِ الْهَامَا ش خُوَيْرَبَيْنِ يَعْنِي لِصَّيْنِ، بِمَعْنَى أَعْنِي.
وَيَنْقُفَانِ : يَكْسِرَانِ ; نَقَفْت رَأْسه كَسَرْته.
ثُمَّ ذَكَرَ التَّحْرِيم بِالْمُصَاهَرَةِ فَقَالَ تَعَالَى :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ " وَالصِّهْر أَرْبَع : أُمّ الْمَرْأَة وَابْنَتهَا وَزَوْجَة الْأَب وَزَوْجَة الِابْن.
فَأُمّ الْمَرْأَة تَحْرُم بِمُجَرَّدِ الْعَقْد الصَّحِيح عَلَى اِبْنَتهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمَعْنَى قَوْل :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ " أَيْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ.
" وَرَبَائِبكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُوركُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ".
وَزَعَمُوا أَنَّ شَرْط الدُّخُول رَاجِع إِلَى الْأُمَّهَات وَالرَّبَائِب جَمِيعًا ; رَوَاهُ خِلَاس عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر وَزَيْد بْن ثَابِت، وَهُوَ قَوْل اِبْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد.
قَالَ مُجَاهِد : الدُّخُول مُرَاد فِي النَّازِلَتَيْنِ ; وَقَوْل الْجُمْهُور مُخَالِف لِهَذَا وَعَلَيْهِ الْحُكْم وَالْفُتْيَا، وَقَدْ شَدَّدَ أَهْل الْعِرَاق فِيهِ حَتَّى قَالُوا : لَوْ وَطِئَهَا بِزِنًى أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ اِبْنَتهَا.
وَعِنْدَنَا وَعِنْد الشَّافِعِيّ إِنَّمَا تَحْرُمُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح ; وَالْحَرَام لَا يُحَرِّمُ الْحَلَال عَلَى مَا يَأْتِي.
وَحَدِيث خِلَاس عَنْ عَلِيّ لَا تَقُوم بِهِ حُجَّة، وَلَا تَصِحّ رِوَايَتُهُ عِنْد أَهْل الْعِلْم بِالْحَدِيثِ، وَالصَّحِيح عَنْهُ مِثْل قَوْل الْجَمَاعَة.
قَالَ اِبْن جُرَيْج : قُلْت لِعَطَاءٍ : الرَّجُل يَنْكِح الْمَرْأَة ثُمَّ لَا يَرَاهَا وَلَا يُجَامِعُهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا أَوَتَحِلُّ لَهُ أُمّهَا ؟ قَالَ : لَا، هِيَ مُرْسَلَة دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُل.
فَقُلْت لَهُ : أَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ " ؟ قَالَ : لَا لَا.
وَرَوَى سَعِيد عَنْ قَتَادَة عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ " قَالَ : هِيَ مُبْهَمَة لَا تَحِلّ بِالْعَقْدِ عَلَى الِابْنَة ; وَكَذَلِكَ رَوَى مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت، وَفِيهِ :" فَقَالَ زَيْد لَا، الْأُمّ مُبْهَمَة لَيْسَ فِيهَا شَرْط وَإِنَّمَا الشَّرْط فِي الرَّبَائِب ".
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح ; لِدُخُولِ جَمِيع أُمَّهَات النِّسَاء فِي قَوْله تَعَالَى :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ ".
وَيُؤَيِّد هَذَا الْقَوْل مِنْ جِهَة الْإِعْرَاب أَنَّ الْخَبَرَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْعَامِل لَمْ يَكُنْ نَعْتُهُمَا وَاحِدًا ; فَلَا يَجُوز عِنْد النَّحْوِيِّينَ مَرَرْت بِنِسَائِك وَهَرَبْت مِنْ نِسَاء زَيْد الظَّرِيفَات، عَلَى أَنْ تَكُون " الظَّرِيفَات " نَعْتًا لِنِسَائِك وَنِسَاء زَيْد ; فَكَذَلِكَ الْآيَة لَا يَجُوز أَنْ يَكُون " اللَّاتِي " مِنْ نَعْتِهِمَا جَمِيعًا ; لِأَنَّ الْخَبَرَيْنِ مُخْتَلِفَانِ، وَلَكِنَّهُ يَجُوز عَلَى مَعْنَى أَعْنِي.
وَأَنْشَدَ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ : ش إِنَّ بِهَا أَكْتَلَ أَوْ رِزَامَا و خُوَيْرَبَيْنِ يَنْقُفَانِ الْهَامَا ش خُوَيْرَبَيْنِ يَعْنِي لِصَّيْنِ، بِمَعْنَى أَعْنِي.
وَيَنْقُفَانِ : يَكْسِرَانِ ; نَقَفْت رَأْسه كَسَرْته.
وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا نَكَحَ الرَّجُل الْمَرْأَة فَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج أُمّهَا دَخَلَ بِالْبِنْتِ أَوْ لَمْ يَدْخُل وَإِذَا تَزَوَّجَ الْأُمّ فَلَمْ يَدْخُل بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنْ شَاءَ تَزَوَّجَ الْبِنْت ) أَخْرَجَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَثَبَتَ فَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْرِيم لَيْسَ صِفَة لِلْأَعْيَانِ، وَالْأَعْيَان لَيْسَتْ مَوْرِدًا لِلتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيم وَلَا مَصْدَرًا، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّق التَّكْلِيف بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَرَكَة وَسُكُون ; لَكِنَّ الْأَعْيَان لَمَّا كَانَتْ مَوْرِدًا لِلْأَفْعَالِ أُضِيفَ الْأَمْر وَالنَّهْي وَالْحُكْم إِلَيْهَا وَعُلِّقَ بِهَا مَجَازًا عَلَى مَعْنَى الْكِنَايَة بِالْمَحِلِّ عَنْ الْفِعْل الَّذِي يَحِلّ بِهِ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَثَبَتَ فَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْرِيم لَيْسَ صِفَة لِلْأَعْيَانِ، وَالْأَعْيَان لَيْسَتْ مَوْرِدًا لِلتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيم وَلَا مَصْدَرًا، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّق التَّكْلِيف بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَرَكَة وَسُكُون ; لَكِنَّ الْأَعْيَان لَمَّا كَانَتْ مَوْرِدًا لِلْأَفْعَالِ أُضِيفَ الْأَمْر وَالنَّهْي وَالْحُكْم إِلَيْهَا وَعُلِّقَ بِهَا مَجَازًا عَلَى مَعْنَى الْكِنَايَة بِالْمَحِلِّ عَنْ الْفِعْل الَّذِي يَحِلّ بِهِ.
وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
هَذَا مُسْتَقِلّ بِنَفْسِهِ.
وَلَا يَرْجِع قَوْله :" مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ " إِلَى الْفَرِيق الْأَوَّل، بَلْ هُوَ رَاجِع إِلَى الرَّبَائِب، إِذْ هُوَ أَقْرَب مَذْكُور كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالرَّبِيبَة : بِنْت اِمْرَأَة الرَّجُل مِنْ غَيْره ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرَبِّيهَا فِي حِجْرِهِ فَهِيَ مَرْبُوبَة، فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاء عَلَى أَنَّ الرَّبِيبَة تَحْرُم عَلَى زَوْج أُمّهَا إِذَا دَخَلَ بِالْأُمِّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الرَّبِيبَة فِي حِجْره.
وَشَذَّ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَهْل الظَّاهِر فَقَالُوا : لَا تَحْرُم عَلَيْهِ الرَّبِيبَة إِلَّا أَنْ تَكُون فِي حِجْر الْمُتَزَوِّج بِأُمِّهَا ; فَلَوْ كَانَتْ فِي بَلَد آخَر وَفَارَقَ الْأُمّ بَعْد الدُّخُول فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّج بِهَا ; وَاحْتَجُّوا بِالْآيَةِ فَقَالُوا : حَرَّمَ اللَّه تَعَالَى الرَّبِيبَة بِشَرْطَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنْ تَكُون فِي حِجْر الْمُتَزَوِّج بِأُمِّهَا.
وَالثَّانِي : الدُّخُول بِالْأُمِّ ; فَإِذَا عُدِمَ أَحَد الشَّرْطَيْنِ لَمْ يُوجَد التَّحْرِيم.
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إِنَّهَا اِبْنَة أَخِي مِنْ الرَّضَاعَة ) فَشَرَطَ الْحِجْر.
وَرَوَوْا عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب إِجَازَة ذَلِكَ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَالطَّحَاوِيّ : أَمَّا الْحَدِيث عَنْ عَلِيّ فَلَا يَثْبُت ; لِأَنَّ رَاوِيَهُ إِبْرَاهِيم بْن عُبَيْد عَنْ مَالِك بْن أَوْس عَنْ عَلِيّ، وَإِبْرَاهِيم هَذَا لَا يُعْرَف، وَأَكْثَر أَهْل الْعِلْم قَدْ تَلَقَّوْهُ بِالدَّفْعِ وَالْخِلَاف.
قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَيَدْفَعُهُ قَوْله :( فَلَا تَعْرِضُنَّ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ ) فَعَمَّ.
وَلَمْ يَقُلْ : اللَّائِي فِي حِجْرِي، وَلَكِنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُنَّ فِي التَّحْرِيم.
قَالَ الطَّحَاوِيّ : وَإِضَافَتهنَّ إِلَى الْحُجُور إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الْأَغْلَب مِمَّا يَكُون عَلَيْهِ الرَّبَائِب ; لَا أَنَّهُنَّ لَا يَحْرُمْنَ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.
هَذَا مُسْتَقِلّ بِنَفْسِهِ.
وَلَا يَرْجِع قَوْله :" مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ " إِلَى الْفَرِيق الْأَوَّل، بَلْ هُوَ رَاجِع إِلَى الرَّبَائِب، إِذْ هُوَ أَقْرَب مَذْكُور كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالرَّبِيبَة : بِنْت اِمْرَأَة الرَّجُل مِنْ غَيْره ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرَبِّيهَا فِي حِجْرِهِ فَهِيَ مَرْبُوبَة، فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاء عَلَى أَنَّ الرَّبِيبَة تَحْرُم عَلَى زَوْج أُمّهَا إِذَا دَخَلَ بِالْأُمِّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الرَّبِيبَة فِي حِجْره.
وَشَذَّ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَهْل الظَّاهِر فَقَالُوا : لَا تَحْرُم عَلَيْهِ الرَّبِيبَة إِلَّا أَنْ تَكُون فِي حِجْر الْمُتَزَوِّج بِأُمِّهَا ; فَلَوْ كَانَتْ فِي بَلَد آخَر وَفَارَقَ الْأُمّ بَعْد الدُّخُول فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّج بِهَا ; وَاحْتَجُّوا بِالْآيَةِ فَقَالُوا : حَرَّمَ اللَّه تَعَالَى الرَّبِيبَة بِشَرْطَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنْ تَكُون فِي حِجْر الْمُتَزَوِّج بِأُمِّهَا.
وَالثَّانِي : الدُّخُول بِالْأُمِّ ; فَإِذَا عُدِمَ أَحَد الشَّرْطَيْنِ لَمْ يُوجَد التَّحْرِيم.
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إِنَّهَا اِبْنَة أَخِي مِنْ الرَّضَاعَة ) فَشَرَطَ الْحِجْر.
وَرَوَوْا عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب إِجَازَة ذَلِكَ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَالطَّحَاوِيّ : أَمَّا الْحَدِيث عَنْ عَلِيّ فَلَا يَثْبُت ; لِأَنَّ رَاوِيَهُ إِبْرَاهِيم بْن عُبَيْد عَنْ مَالِك بْن أَوْس عَنْ عَلِيّ، وَإِبْرَاهِيم هَذَا لَا يُعْرَف، وَأَكْثَر أَهْل الْعِلْم قَدْ تَلَقَّوْهُ بِالدَّفْعِ وَالْخِلَاف.
قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَيَدْفَعُهُ قَوْله :( فَلَا تَعْرِضُنَّ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ ) فَعَمَّ.
وَلَمْ يَقُلْ : اللَّائِي فِي حِجْرِي، وَلَكِنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُنَّ فِي التَّحْرِيم.
قَالَ الطَّحَاوِيّ : وَإِضَافَتهنَّ إِلَى الْحُجُور إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الْأَغْلَب مِمَّا يَكُون عَلَيْهِ الرَّبَائِب ; لَا أَنَّهُنَّ لَا يَحْرُمْنَ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.
فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
يَعْنِي بِالْأُمَّهَاتِ.
يَعْنِي بِالْأُمَّهَاتِ.
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
يَعْنِي فِي نِكَاح بَنَاتهنَّ إِذَا طَلَّقْتُمُوهُنَّ أَوْ مُتْنَ عَنْكُمْ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الرَّجُل إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَة ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ قَبْل أَنْ يَدْخُل بِهَا حَلَّ لَهُ نِكَاح اِبْنَتهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الدُّخُول بِالْأُمَّهَاتِ الَّذِي يَقَع بِهِ تَحْرِيم الرَّبَائِب ; فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : الدُّخُول الْجِمَاع ; وَهُوَ قَوْل طَاوُس وَعَمْرو بْن دِينَار وَغَيْرهمَا.
وَاتَّفَقَ مَالِك وَالثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث عَلَى أَنَّهُ إِذَا مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمّهَا وَابْنَتهَا وَحَرُمَتْ عَلَى الْأَب وَالِابْن، وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ.
وَاخْتَلَفُوا فِي النَّظَر ; فَقَالَ مَالِك : إِذَا نَظَرَ إِلَى شَعْرِهَا أَوْ صَدْرهَا أَوْ شَيْء مِنْ مَحَاسِنِهَا لِلَذَّةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمّهَا وَابْنَتهَا.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : إِذَا نَظَرَ إِلَى فَرْجِهَا لِلشَّهْوَةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ اللَّمْس لِلشَّهْوَةِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ : يَحْرُم إِذَا نَظَرَ إِلَى فَرْجهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ لَمَسَهَا ; وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهْوَة.
وَقَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى : لَا تَحْرُم بِالنَّظَرِ حَتَّى يَلْمِسَ ; وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ.
وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ بِالنَّظَرِ يَقَع التَّحْرِيم أَنَّ فِيهِ نَوْعَ اِسْتِمْتَاع فَجَرَى مَجْرَى النِّكَاح ; إِذْ الْأَحْكَام تَتَعَلَّق بِالْمَعَانِي لَا بِالْأَلْفَاظِ.
وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يُقَال : إِنَّهُ نَوْع مِنْ الِاجْتِمَاع بِالِاسْتِمْتَاعِ ; فَإِنَّ النَّظَر اِجْتِمَاع وَلِقَاء، وَفِيهِ بَيْنَ الْمُحِبِّينَ اِسْتِمْتَاع ; وَقَدْ بَالَغَ فِي ذَلِكَ الشُّعَرَاء فَقَالُوا :
فَكَيْفَ بِالنَّظَرِ وَالْمُجَالَسَة وَالْمُحَادَثَة وَاللَّذَّة.
يَعْنِي فِي نِكَاح بَنَاتهنَّ إِذَا طَلَّقْتُمُوهُنَّ أَوْ مُتْنَ عَنْكُمْ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الرَّجُل إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَة ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ قَبْل أَنْ يَدْخُل بِهَا حَلَّ لَهُ نِكَاح اِبْنَتهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الدُّخُول بِالْأُمَّهَاتِ الَّذِي يَقَع بِهِ تَحْرِيم الرَّبَائِب ; فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : الدُّخُول الْجِمَاع ; وَهُوَ قَوْل طَاوُس وَعَمْرو بْن دِينَار وَغَيْرهمَا.
وَاتَّفَقَ مَالِك وَالثَّوْرِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث عَلَى أَنَّهُ إِذَا مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمّهَا وَابْنَتهَا وَحَرُمَتْ عَلَى الْأَب وَالِابْن، وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ.
وَاخْتَلَفُوا فِي النَّظَر ; فَقَالَ مَالِك : إِذَا نَظَرَ إِلَى شَعْرِهَا أَوْ صَدْرهَا أَوْ شَيْء مِنْ مَحَاسِنِهَا لِلَذَّةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمّهَا وَابْنَتهَا.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : إِذَا نَظَرَ إِلَى فَرْجِهَا لِلشَّهْوَةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ اللَّمْس لِلشَّهْوَةِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ : يَحْرُم إِذَا نَظَرَ إِلَى فَرْجهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ لَمَسَهَا ; وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهْوَة.
وَقَالَ اِبْن أَبِي لَيْلَى : لَا تَحْرُم بِالنَّظَرِ حَتَّى يَلْمِسَ ; وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ.
وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ بِالنَّظَرِ يَقَع التَّحْرِيم أَنَّ فِيهِ نَوْعَ اِسْتِمْتَاع فَجَرَى مَجْرَى النِّكَاح ; إِذْ الْأَحْكَام تَتَعَلَّق بِالْمَعَانِي لَا بِالْأَلْفَاظِ.
وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يُقَال : إِنَّهُ نَوْع مِنْ الِاجْتِمَاع بِالِاسْتِمْتَاعِ ; فَإِنَّ النَّظَر اِجْتِمَاع وَلِقَاء، وَفِيهِ بَيْنَ الْمُحِبِّينَ اِسْتِمْتَاع ; وَقَدْ بَالَغَ فِي ذَلِكَ الشُّعَرَاء فَقَالُوا :
أَلَيْسَ اللَّيْل يَجْمَعُ أُمّ عَمْرٍو | وَإِيَّانَا فَذَاكَ بِنَا تَدَانِ |
نَعَمْ، وَتَرَى الْهِلَالَ كَمَا أَرَاهُ | وَيَعْلُوهَا النَّهَارُ كَمَا عَلَانِي |
وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ
الْحَلَائِل جَمْع حَلِيلَة، وَهِيَ الزَّوْجَة.
سُمِّيَتْ حَلِيلَة لِأَنَّهَا تَحُلُّ مَعَ الزَّوْج حَيْثُ حَلَّ ;.
فَهِيَ فَعِيلَة بِمَعْنَى فَاعِلَة.
وَذَهَبَ الزَّجَّاج وَقَوْم إِلَى أَنَّهَا مِنْ لَفْظَة الْحَلَال ; فَهِيَ حَلِيلَة بِمَعْنَى مُحَلَّلَة.
وَقِيلَ : لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يَحُلُّ إِزَارَ صَاحِبِهِ.
أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى تَحْرِيم مَا عَقَدَ عَلَيْهِ الْآبَاء عَلَى الْأَبْنَاء، وَمَا عَقَدَ عَلَيْهِ الْأَبْنَاء عَلَى الْآبَاء، كَانَ مَعَ الْعَقْد وَطْء أَوْ لَمْ يَكُنْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء " وَقَوْله تَعَالَى :" وَحَلَائِلُ أَبِتَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابكُمْ " ; فَإِنْ نَكَحَ أَحَدهمَا نِكَاحًا فَاسِدًا حَرُمَ عَلَى الْآخَر الْعَقْد عَلَيْهَا كَمَا يَحْرُم بِالصَّحِيحِ ; لِأَنَّ النِّكَاح الْفَاسِد لَا يَخْلُو : إِمَّا أَنْ يَكُون مُتَّفَقًا عَلَى فَسَاده أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ.
فَإِنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَاده لَمْ يُوجِب حُكْمًا وَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَيَتَعَلَّق بِهِ مِنْ الْحُرْمَة مَا يَتَعَلَّق بِالصَّحِيحِ ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون نِكَاحًا فَيَدْخُل تَحْت مُطْلَق اللَّفْظ.
وَالْفُرُوج إِذَا تَعَارَضَ فِيهَا التَّحْرِيم وَالتَّحْلِيل غَلَبَ التَّحْرِيم.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : أَجْمَعَ كُلّ مَنْ يُحْفَظ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاء الْأَمْصَار عَلَى أَنَّ الرَّجُل إِذَا وَطِئَ اِمْرَأَة بِنِكَاحٍ فَاسِد أَنَّهَا تَحْرُم عَلَى أَبِيهِ وَابْنه وَعَلَى أَجْدَاده وَوَلَد وَلَده.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء وَهِيَ الْمَسْأَلَة :
عَلَى أَنَّ عَقْد الشِّرَاء عَلَى الْجَارِيَة لَا يُحَرِّمهَا عَلَى أَبِيهِ وَابْنه ; فَإِذَا اِشْتَرَى الرَّجُل جَارِيَة فَلَمَسَ أَوْ قَبَّلَ حَرُمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنه، لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ; فَوَجَبَ تَحْرِيم ذَلِكَ تَسْلِيمًا لَهُمْ.
وَلَمَّا اِخْتَلَفُوا فِي تَحْرِيمهَا بِالنَّظَرِ دُون اللَّمْس لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِهِمْ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَا يَصِحّ عَنْ أَحَد مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَاف مَا قُلْنَاهُ.
وَقَالَ يَعْقُوب وَمُحَمَّد : إِذَا نَظَرَ رَجُل فِي فَرْج اِمْرَأَة مِنْ شَهْوَة حَرُمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنه، وَتَحْرُم عَلَيْهِ أُمّهَا وَابْنَتهَا.
وَقَالَ مَالِك : إِذَا وَطِئَ الْأَمَة أَوْ قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدًا لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُفْضِ إِلَيْهَا، أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ بَاشَرَهَا أَوْ غَمَزَهَا تَلَذُّذًا فَلَا تَحِلّ لِابْنِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : إِنَّمَا تَحْرُم بِاللَّمْسِ وَلَا تَحْرُم بِالنَّظَرِ دُون اللَّمْس ; وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيّ :
وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَطْء بِالزِّنَى هَلْ يُحَرِّم أَمْ لَا ; فَقَالَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم : لَوْ أَصَابَ رَجُل اِمْرَأَة بِزِنًى لَمْ يَحْرُم عَلَيْهِ نِكَاحُهَا بِذَلِكَ ; وَكَذَلِكَ لَا تَحْرُم عَلَيْهِ اِمْرَأَته إِذَا زَنَى بِأُمِّهَا أَوْ بِابْنَتِهَا، وَحَسْبُهُ أَنْ يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ، ثُمَّ يَدْخُل بِامْرَأَتِهِ.
وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ أَرَادَ نِكَاح أُمّهَا أَوْ اِبْنَتهَا لَمْ تَحْرُمَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
وَقَالَتْ طَائِفَة : تَحْرُم عَلَيْهِ.
الْحَلَائِل جَمْع حَلِيلَة، وَهِيَ الزَّوْجَة.
سُمِّيَتْ حَلِيلَة لِأَنَّهَا تَحُلُّ مَعَ الزَّوْج حَيْثُ حَلَّ ;.
فَهِيَ فَعِيلَة بِمَعْنَى فَاعِلَة.
وَذَهَبَ الزَّجَّاج وَقَوْم إِلَى أَنَّهَا مِنْ لَفْظَة الْحَلَال ; فَهِيَ حَلِيلَة بِمَعْنَى مُحَلَّلَة.
وَقِيلَ : لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يَحُلُّ إِزَارَ صَاحِبِهِ.
أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى تَحْرِيم مَا عَقَدَ عَلَيْهِ الْآبَاء عَلَى الْأَبْنَاء، وَمَا عَقَدَ عَلَيْهِ الْأَبْنَاء عَلَى الْآبَاء، كَانَ مَعَ الْعَقْد وَطْء أَوْ لَمْ يَكُنْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء " وَقَوْله تَعَالَى :" وَحَلَائِلُ أَبِتَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابكُمْ " ; فَإِنْ نَكَحَ أَحَدهمَا نِكَاحًا فَاسِدًا حَرُمَ عَلَى الْآخَر الْعَقْد عَلَيْهَا كَمَا يَحْرُم بِالصَّحِيحِ ; لِأَنَّ النِّكَاح الْفَاسِد لَا يَخْلُو : إِمَّا أَنْ يَكُون مُتَّفَقًا عَلَى فَسَاده أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ.
فَإِنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَاده لَمْ يُوجِب حُكْمًا وَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَيَتَعَلَّق بِهِ مِنْ الْحُرْمَة مَا يَتَعَلَّق بِالصَّحِيحِ ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون نِكَاحًا فَيَدْخُل تَحْت مُطْلَق اللَّفْظ.
وَالْفُرُوج إِذَا تَعَارَضَ فِيهَا التَّحْرِيم وَالتَّحْلِيل غَلَبَ التَّحْرِيم.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : أَجْمَعَ كُلّ مَنْ يُحْفَظ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاء الْأَمْصَار عَلَى أَنَّ الرَّجُل إِذَا وَطِئَ اِمْرَأَة بِنِكَاحٍ فَاسِد أَنَّهَا تَحْرُم عَلَى أَبِيهِ وَابْنه وَعَلَى أَجْدَاده وَوَلَد وَلَده.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء وَهِيَ الْمَسْأَلَة :
عَلَى أَنَّ عَقْد الشِّرَاء عَلَى الْجَارِيَة لَا يُحَرِّمهَا عَلَى أَبِيهِ وَابْنه ; فَإِذَا اِشْتَرَى الرَّجُل جَارِيَة فَلَمَسَ أَوْ قَبَّلَ حَرُمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنه، لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ; فَوَجَبَ تَحْرِيم ذَلِكَ تَسْلِيمًا لَهُمْ.
وَلَمَّا اِخْتَلَفُوا فِي تَحْرِيمهَا بِالنَّظَرِ دُون اللَّمْس لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِهِمْ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَا يَصِحّ عَنْ أَحَد مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَاف مَا قُلْنَاهُ.
وَقَالَ يَعْقُوب وَمُحَمَّد : إِذَا نَظَرَ رَجُل فِي فَرْج اِمْرَأَة مِنْ شَهْوَة حَرُمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنه، وَتَحْرُم عَلَيْهِ أُمّهَا وَابْنَتهَا.
وَقَالَ مَالِك : إِذَا وَطِئَ الْأَمَة أَوْ قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدًا لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُفْضِ إِلَيْهَا، أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ بَاشَرَهَا أَوْ غَمَزَهَا تَلَذُّذًا فَلَا تَحِلّ لِابْنِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : إِنَّمَا تَحْرُم بِاللَّمْسِ وَلَا تَحْرُم بِالنَّظَرِ دُون اللَّمْس ; وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيّ :
وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَطْء بِالزِّنَى هَلْ يُحَرِّم أَمْ لَا ; فَقَالَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم : لَوْ أَصَابَ رَجُل اِمْرَأَة بِزِنًى لَمْ يَحْرُم عَلَيْهِ نِكَاحُهَا بِذَلِكَ ; وَكَذَلِكَ لَا تَحْرُم عَلَيْهِ اِمْرَأَته إِذَا زَنَى بِأُمِّهَا أَوْ بِابْنَتِهَا، وَحَسْبُهُ أَنْ يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ، ثُمَّ يَدْخُل بِامْرَأَتِهِ.
وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ أَرَادَ نِكَاح أُمّهَا أَوْ اِبْنَتهَا لَمْ تَحْرُمَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
وَقَالَتْ طَائِفَة : تَحْرُم عَلَيْهِ.
رُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن ; وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيّ وَعَطَاء وَالْحَسَن وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَرُوِيَ عَنْ مَالِك ; وَأَنَّ الزِّنَى يُحَرِّم الْأُمّ وَالِابْنَة وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَلَال، وَهُوَ قَوْل أَهْل الْعِرَاق.
وَالصَّحِيح مِنْ قَوْل مَالِك وَأَهْل الْحِجَاز : أَنَّ الزِّنَى لَا حُكْم لَهُ ; لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ " وَلَيْسَتْ الَّتِي زَنَى بِهَا مِنْ أُمَّهَات نِسَائِهِ، وَلَا اِبْنَتهَا مِنْ رَبَائِبِهِ.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر.
لِأَنَّهُ لَمَّا اِرْتَفَعَ الصَّدَاق فِي الزِّنَى وَوُجُوب الْعِدَّة وَالْمِيرَاث وَلُحُوق الْوَلَد وَوُجُوب الْحَدّ اِرْتَفَعَ أَنْ يُحْكَم لَهُ بِحُكْمِ النِّكَاح الْجَائِز.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُل زَنَى بِامْرَأَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجهَا أَوْ اِبْنَتهَا فَقَالَ :( لَا يُحَرِّم الْحَرَامُ الْحَلَالَ إِنَّمَا يُحَرِّم مَا كَانَ بِنِكَاحٍ ).
وَمِنْ الْحُجَّة لِلْقَوْلِ الْآخَر إِخْبَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جُرَيْج وَقَوْله :( يَا غُلَام مَنْ أَبُوك ) قَالَ : فُلَان الرَّاعِي.
فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الزِّنَى يُحَرِّم كَمَا يُحَرِّم الْوَطْء الْحَلَال ; فَلَا تَحِلّ أُمّ الْمَزْنِيّ بِهَا وَلَا بَنَاتهَا لِآبَاءِ الزَّانِي وَلَا لِأَوْلَادِهِ ; وَهِيَ رِوَايَة اِبْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة.
وَيُسْتَدَلّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَخْلُوقَة مِنْ مَاء الزِّنَى لَا تَحِلّ لِلزَّانِي بِأُمِّهَا، وَهُوَ الْمَشْهُور.
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَنْظُر اللَّه إِلَى رَجُل نَظَرَ إِلَى فَرْج اِمْرَأَة وَابْنَتِهَا ) وَلَمْ يَفْصِل بَيْنَ الْحَلَال وَالْحَرَام.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَنْظُر اللَّه إِلَى مَنْ كَشَفَ قِنَاعَ اِمْرَأَة وَابْنَتهَا ).
قَالَ اِبْن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ : وَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّ الْقُبْلَة وَسَائِر وُجُوه الِاسْتِمْتَاع يَنْشُر الْحُرْمَة.
وَقَالَ عَبْد الْمَلِك الْمَاجِشُون : إِنَّهَا تَحِلّ ; وَهُوَ الصَّحِيح لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا " [ الْفُرْقَان : ٥٤ ] يَعْنِي بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح، عَلَى مَا يَأْتِي فِي " الْفُرْقَان " بَيَانه.
وَوَجْه التَّمَسُّك مِنْ الْحَدِيث عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَكَى عَنْ جُرَيْج أَنَّهُ نَسَبَ اِبْن الزِّنَى لِلزَّانِي، وَصَدَّقَ اللَّه نِسْبَتَهُ بِمَا خَرَقَ لَهُ مِنْ الْعَادَة فِي نُطْقِ الصَّبِيّ بِالشَّهَادَةِ لَهُ بِذَلِكَ ; وَأَخْبَرَ بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جُرَيْج فِي مَعْرِض الْمَدْح وَإِظْهَار كَرَامَته ; فَكَانَتْ تِلْكَ النِّسْبَة صَحِيحَة بِتَصْدِيقِ اللَّه تَعَالَى وَبِإِخْبَارِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ; فَثَبَتَتْ الْبُنُوَّة وَأَحْكَامهَا.
وَالصَّحِيح مِنْ قَوْل مَالِك وَأَهْل الْحِجَاز : أَنَّ الزِّنَى لَا حُكْم لَهُ ; لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ :" وَأُمَّهَات نِسَائِكُمْ " وَلَيْسَتْ الَّتِي زَنَى بِهَا مِنْ أُمَّهَات نِسَائِهِ، وَلَا اِبْنَتهَا مِنْ رَبَائِبِهِ.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر.
لِأَنَّهُ لَمَّا اِرْتَفَعَ الصَّدَاق فِي الزِّنَى وَوُجُوب الْعِدَّة وَالْمِيرَاث وَلُحُوق الْوَلَد وَوُجُوب الْحَدّ اِرْتَفَعَ أَنْ يُحْكَم لَهُ بِحُكْمِ النِّكَاح الْجَائِز.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُل زَنَى بِامْرَأَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجهَا أَوْ اِبْنَتهَا فَقَالَ :( لَا يُحَرِّم الْحَرَامُ الْحَلَالَ إِنَّمَا يُحَرِّم مَا كَانَ بِنِكَاحٍ ).
وَمِنْ الْحُجَّة لِلْقَوْلِ الْآخَر إِخْبَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جُرَيْج وَقَوْله :( يَا غُلَام مَنْ أَبُوك ) قَالَ : فُلَان الرَّاعِي.
فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الزِّنَى يُحَرِّم كَمَا يُحَرِّم الْوَطْء الْحَلَال ; فَلَا تَحِلّ أُمّ الْمَزْنِيّ بِهَا وَلَا بَنَاتهَا لِآبَاءِ الزَّانِي وَلَا لِأَوْلَادِهِ ; وَهِيَ رِوَايَة اِبْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة.
وَيُسْتَدَلّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَخْلُوقَة مِنْ مَاء الزِّنَى لَا تَحِلّ لِلزَّانِي بِأُمِّهَا، وَهُوَ الْمَشْهُور.
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَنْظُر اللَّه إِلَى رَجُل نَظَرَ إِلَى فَرْج اِمْرَأَة وَابْنَتِهَا ) وَلَمْ يَفْصِل بَيْنَ الْحَلَال وَالْحَرَام.
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَنْظُر اللَّه إِلَى مَنْ كَشَفَ قِنَاعَ اِمْرَأَة وَابْنَتهَا ).
قَالَ اِبْن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ : وَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّ الْقُبْلَة وَسَائِر وُجُوه الِاسْتِمْتَاع يَنْشُر الْحُرْمَة.
وَقَالَ عَبْد الْمَلِك الْمَاجِشُون : إِنَّهَا تَحِلّ ; وَهُوَ الصَّحِيح لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا " [ الْفُرْقَان : ٥٤ ] يَعْنِي بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح، عَلَى مَا يَأْتِي فِي " الْفُرْقَان " بَيَانه.
وَوَجْه التَّمَسُّك مِنْ الْحَدِيث عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَكَى عَنْ جُرَيْج أَنَّهُ نَسَبَ اِبْن الزِّنَى لِلزَّانِي، وَصَدَّقَ اللَّه نِسْبَتَهُ بِمَا خَرَقَ لَهُ مِنْ الْعَادَة فِي نُطْقِ الصَّبِيّ بِالشَّهَادَةِ لَهُ بِذَلِكَ ; وَأَخْبَرَ بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جُرَيْج فِي مَعْرِض الْمَدْح وَإِظْهَار كَرَامَته ; فَكَانَتْ تِلْكَ النِّسْبَة صَحِيحَة بِتَصْدِيقِ اللَّه تَعَالَى وَبِإِخْبَارِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ; فَثَبَتَتْ الْبُنُوَّة وَأَحْكَامهَا.
فَإِنْ قِيلَ : فَيَلْزَم عَلَى هَذَا أَنْ تَجْرِيَ أَحْكَام الْبُنُوَّة وَالْأُبُوَّة مِنْ التَّوَارُث وَالْوِلَايَات وَغَيْر ذَلِكَ، وَقَدْ اِتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَوَارُث بَيْنَهُمَا فَلَمْ تَصِحّ تِلْكَ النِّسْبَة ؟
فَالْجَوَاب : إِنَّ ذَلِكَ مُوجِب مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَمَا اِنْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاع مِنْ الْأَحْكَام اِسْتَثْنَيْنَاهُ، وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْل ذَلِكَ الدَّلِيل، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء أَيْضًا مِنْ هَذَا الْبَاب فِي مَسْأَلَة اللَّائِط ; فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابهمْ : لَا يَحْرُم النِّكَاح بِاللِّوَاطِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ : إِذَا لَعِبَ بِالصَّبِيِّ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمّه ; وَهُوَ قَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل.
قَالَ : إِذَا تَلَوَّطَ بِابْنِ اِمْرَأَته أَوْ أَبِيهَا أَوْ أَخِيهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ اِمْرَأَته.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : إِذَا لَاطَ بِغُلَامٍ وَوُلِدَ لِلْمَفْجُورِ بِهِ بِنْتٌ لَمْ يَجُزْ لِلْفَاجِرِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ; لِأَنَّهَا بِنْت مَنْ قَدْ دَخَلَ بِهِ.
وَهُوَ قَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل.
فَالْجَوَاب : إِنَّ ذَلِكَ مُوجِب مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَمَا اِنْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاع مِنْ الْأَحْكَام اِسْتَثْنَيْنَاهُ، وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْل ذَلِكَ الدَّلِيل، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء أَيْضًا مِنْ هَذَا الْبَاب فِي مَسْأَلَة اللَّائِط ; فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابهمْ : لَا يَحْرُم النِّكَاح بِاللِّوَاطِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ : إِذَا لَعِبَ بِالصَّبِيِّ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمّه ; وَهُوَ قَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل.
قَالَ : إِذَا تَلَوَّطَ بِابْنِ اِمْرَأَته أَوْ أَبِيهَا أَوْ أَخِيهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ اِمْرَأَته.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : إِذَا لَاطَ بِغُلَامٍ وَوُلِدَ لِلْمَفْجُورِ بِهِ بِنْتٌ لَمْ يَجُزْ لِلْفَاجِرِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ; لِأَنَّهَا بِنْت مَنْ قَدْ دَخَلَ بِهِ.
وَهُوَ قَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل.
الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ
تَخْصِيص لِيُخْرِج عَنْهُ كُلّ مَنْ كَانَتْ الْعَرَب تَتَبَنَّاهُ مِمَّنْ لَيْسَ لِلصُّلْبِ.
وَلَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَة زَيْد بْن حَارِثَة قَالَ الْمُشْرِكُونَ : تَزَوَّجَ اِمْرَأَة اِبْنِهِ ! وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام تَبَنَّاهُ ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي " الْأَحْزَاب ".
وَحَرُمَتْ حَلِيلَة الِابْن مِنْ الرَّضَاع وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصُّلْبِ - بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِد إِلَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( يَحْرُم مِنْ الرَّضَاع مَا يَحْرُم مِنْ النَّسَب ).
تَخْصِيص لِيُخْرِج عَنْهُ كُلّ مَنْ كَانَتْ الْعَرَب تَتَبَنَّاهُ مِمَّنْ لَيْسَ لِلصُّلْبِ.
وَلَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَة زَيْد بْن حَارِثَة قَالَ الْمُشْرِكُونَ : تَزَوَّجَ اِمْرَأَة اِبْنِهِ ! وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام تَبَنَّاهُ ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي " الْأَحْزَاب ".
وَحَرُمَتْ حَلِيلَة الِابْن مِنْ الرَّضَاع وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصُّلْبِ - بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِد إِلَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( يَحْرُم مِنْ الرَّضَاع مَا يَحْرُم مِنْ النَّسَب ).
وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ
مَوْضِع " أَنْ " رَفْع عَلَى الْعَطْف عَلَى " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ".
وَالْأُخْتَانِ لَفْظ يَعُمُّ الْجَمِيع بِنِكَاحٍ وَبِمِلْكِ يَمِين.
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى مَنْع جَمْعِهِمَا فِي عَقْد وَاحِد مِنْ النِّكَاح لِهَذِهِ الْآيَة، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا تَعْرِضُنَّ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ ).
وَاخْتَلَفُوا فِي الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِين ; فَذَهَبَ كَافَّة الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز الْجَمْع بَيْنهمَا بِالْمِلْكِ فِي الْوَطْء، وَإِنْ كَانَ يَجُوز الْجَمْع بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْك بِإِجْمَاعٍ ; وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة وَابْنَتُهَا صَفْقَة وَاحِدَة.
وَاخْتَلَفُوا فِي عَقْد النِّكَاح عَلَى أُخْت الْجَارِيَة الَّتِي وَطِئَهَا ; فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : إِذَا وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِين لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج أُخْتهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : مِلْك الْيَمِين لَا يَمْنَع نِكَاح الْأُخْت.
قَالَ أَبُو عُمَر : مَنْ جَعَلَ عَقْد النِّكَاح كَالشِّرَاءِ أَجَازَهُ، وَمَنْ جَعَلَهُ كَالْوَطْءِ لَمْ يُجِزْهُ.
وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز الْعَقْد عَلَى أُخْت الزَّوْجَة ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى :" وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ " يَعْنِي الزَّوْجَتَيْنِ بِعَقْدِ النِّكَاح.
فَقِفْ عَلَى مَا اِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ يَتَبَيَّنْ لَك الصَّوَاب إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَاَللَّه أَعْلَم.
شَذَّ أَهْل الظَّاهِر فَقَالُوا : يَجُوز الْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِين فِي الْوَطْء ; كَمَا يَجُوز الْجَمْع بَيْنهمَا فِي الْمِلْك.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَان فِي الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْك الْيَمِين :" حَرَّمَتْهُمَا آيَة وَأَحَلَّتْهُمَا آيَة ".
ذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ قَبِيصَة بْن ذُؤَيْب أَنَّ عُثْمَان بْن عَفَّان سُئِلَ عَنْ الْأُخْتَيْنِ مِمَّا مَلَكَتْ الْيَمِين فَقَالَ : لَا آمُرك وَلَا أَنْهَاك أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ.
فَخَرَجَ السَّائِل فَلَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَعْمَر : أَحْسَبُهُ قَالَ عَلِيّ - قَالَ : وَمَا سَأَلْت عَنْهُ عُثْمَان ؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا سَأَلَهُ وَبِمَا أَفْتَاهُ ; فَقَالَ لَهُ : لَكِنِّي أَنْهَاك، وَلَوْ كَانَ لِي عَلَيْك سَبِيل ثُمَّ فَعَلْت لَجَعَلْتُك نَكَالًا.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس مِثْل قَوْل عُثْمَان.
وَالْآيَة الَّتِي أَحَلَّتْهُمَا قَوْله تَعَالَى :" وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ".
وَلَمْ يَلْتَفِتْ أَحَد مِنْ أَئِمَّة الْفَتْوَى إِلَى هَذَا الْقَوْل ; لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ تَأْوِيل كِتَاب اللَّه خِلَافَهُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيفُ التَّأْوِيلِ.
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَة : عُمَر وَعَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَعُثْمَان وَابْن عَبَّاس وَعَمَّار وَابْن عُمَر وَعَائِشَة وَابْن الزُّبَيْر ; وَهَؤُلَاءِ أَهْل الْعِلْم بِكِتَابِ اللَّه، فَمَنْ خَالَفَهُمْ فَهُوَ مُتَعَسِّف فِي التَّأْوِيل.
مَوْضِع " أَنْ " رَفْع عَلَى الْعَطْف عَلَى " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ".
وَالْأُخْتَانِ لَفْظ يَعُمُّ الْجَمِيع بِنِكَاحٍ وَبِمِلْكِ يَمِين.
وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى مَنْع جَمْعِهِمَا فِي عَقْد وَاحِد مِنْ النِّكَاح لِهَذِهِ الْآيَة، وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا تَعْرِضُنَّ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ ).
وَاخْتَلَفُوا فِي الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِين ; فَذَهَبَ كَافَّة الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز الْجَمْع بَيْنهمَا بِالْمِلْكِ فِي الْوَطْء، وَإِنْ كَانَ يَجُوز الْجَمْع بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْك بِإِجْمَاعٍ ; وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة وَابْنَتُهَا صَفْقَة وَاحِدَة.
وَاخْتَلَفُوا فِي عَقْد النِّكَاح عَلَى أُخْت الْجَارِيَة الَّتِي وَطِئَهَا ; فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : إِذَا وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِين لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج أُخْتهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : مِلْك الْيَمِين لَا يَمْنَع نِكَاح الْأُخْت.
قَالَ أَبُو عُمَر : مَنْ جَعَلَ عَقْد النِّكَاح كَالشِّرَاءِ أَجَازَهُ، وَمَنْ جَعَلَهُ كَالْوَطْءِ لَمْ يُجِزْهُ.
وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز الْعَقْد عَلَى أُخْت الزَّوْجَة ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى :" وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ " يَعْنِي الزَّوْجَتَيْنِ بِعَقْدِ النِّكَاح.
فَقِفْ عَلَى مَا اِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ يَتَبَيَّنْ لَك الصَّوَاب إِنْ شَاءَ اللَّه.
وَاَللَّه أَعْلَم.
شَذَّ أَهْل الظَّاهِر فَقَالُوا : يَجُوز الْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِين فِي الْوَطْء ; كَمَا يَجُوز الْجَمْع بَيْنهمَا فِي الْمِلْك.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَان فِي الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْك الْيَمِين :" حَرَّمَتْهُمَا آيَة وَأَحَلَّتْهُمَا آيَة ".
ذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ قَبِيصَة بْن ذُؤَيْب أَنَّ عُثْمَان بْن عَفَّان سُئِلَ عَنْ الْأُخْتَيْنِ مِمَّا مَلَكَتْ الْيَمِين فَقَالَ : لَا آمُرك وَلَا أَنْهَاك أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ.
فَخَرَجَ السَّائِل فَلَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَعْمَر : أَحْسَبُهُ قَالَ عَلِيّ - قَالَ : وَمَا سَأَلْت عَنْهُ عُثْمَان ؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا سَأَلَهُ وَبِمَا أَفْتَاهُ ; فَقَالَ لَهُ : لَكِنِّي أَنْهَاك، وَلَوْ كَانَ لِي عَلَيْك سَبِيل ثُمَّ فَعَلْت لَجَعَلْتُك نَكَالًا.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس مِثْل قَوْل عُثْمَان.
وَالْآيَة الَّتِي أَحَلَّتْهُمَا قَوْله تَعَالَى :" وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ".
وَلَمْ يَلْتَفِتْ أَحَد مِنْ أَئِمَّة الْفَتْوَى إِلَى هَذَا الْقَوْل ; لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ تَأْوِيل كِتَاب اللَّه خِلَافَهُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيفُ التَّأْوِيلِ.
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَة : عُمَر وَعَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَعُثْمَان وَابْن عَبَّاس وَعَمَّار وَابْن عُمَر وَعَائِشَة وَابْن الزُّبَيْر ; وَهَؤُلَاءِ أَهْل الْعِلْم بِكِتَابِ اللَّه، فَمَنْ خَالَفَهُمْ فَهُوَ مُتَعَسِّف فِي التَّأْوِيل.
وَذَكَرَ اِبْن الْمُنْذِر أَنَّ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ حَرَّمَ الْجَمْع بَيْنهمَا بِالْوَطْءِ، وَأَنَّ جُمْهُور أَهْل الْعِلْم كَرِهُوا ذَلِكَ، وَجَعَلَ مَالِكًا فِيمَنْ كَرِهَهُ.
وَلَا خِلَاف فِي جَوَاز جَمْعِهِمَا فِي الْمِلْك، وَكَذَلِكَ الْأُمّ وَابْنَتهَا.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيَجِيء مِنْ قَوْل إِسْحَاق أَنْ يُرْجَم الْجَامِع بَيْنهمَا بِالْوَطْءِ، وَتُسْتَقْرَأ الْكَرَاهِيَة مِنْ قَوْل مَالِك : إِنَّهُ إِذَا وَطِئَ وَاحِدَةً ثُمَّ وَطِئَ الْأُخْرَى وَقَفَ عَنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّم إِحْدَاهُمَا ; فَلَمْ يُلْزِمْهُ حَدًّا.
قَالَ أَبُو عُمَر :( أَمَّا قَوْل عَلِيّ لَجَعَلْته نَكَالًا ) وَلَمْ يَقُلْ لَحَدَدْته حَدّ الزَّانِي ; فَلِأَنَّ مَنْ تَأَوَّلَ آيَة أَوْ سُنَّة وَلَمْ يَطَأْ عِنْد نَفْسه حَرَامًا فَلَيْسَ بِزَانٍ بِإِجْمَاعٍ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا، إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُعْذَر بِجَهْلِهِ.
وَقَوْل بَعْض السَّلَف فِي الْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِين :( أَحَلَّتْهُمَا آيَة وَحَرَّمَتْهُمَا آيَة ) مَعْلُوم مَحْفُوظ ; فَكَيْفَ يُحَدُّ حَدَّ الزَّانِي مَنْ فَعَلَ مَا فِيهِ مِثْل هَذَا مِنْ الشُّبْهَة الْقَوِيَّة ؟ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء إِذَا كَانَ يَطَأ وَاحِدَة ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَطَأ الْأُخْرَى ; فَقَالَ عَلِيّ وَابْن عُمَر وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق : لَا يَجُوز لَهُ وَطْء الثَّانِيَة حَتَّى يَحْرُم فَرْج الْأُخْرَى بِإِخْرَاجِهَا مِنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ عِتْق، أَوْ بِأَنْ يُزَوِّجَهَا.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَفِيهِ قَوْل ثَانٍ لِقَتَادَةَ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَطَأ وَاحِدَة وَأَرَادَ وَطْء الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَنْوِي تَحْرِيم الْأُولَى عَلَى نَفْسه وَأَلَّا يَقْرَبَهَا، ثُمَّ يُمْسِك عَنْهُمَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَ الْأُولَى الْمُحَرَّمَة، ثُمَّ يَغْشَى الثَّانِيَة.
وَفِيهِ قَوْل ثَالِث : وَهُوَ إِذَا كَانَ عِنْده أُخْتَانِ فَلَا يَقْرَب وَاحِدَة مِنْهُمَا.
هَكَذَا قَالَ الْحَكَم وَحَمَّاد ; وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيّ.
وَمَذْهَب مَالِك : إِذَا كَانَ أُخْتَانِ عِنْد رَجُل بِمِلْكٍ فَلَهُ أَنْ يَطَأ أَيَّتَهمَا شَاءَ، وَالْكَفّ عَنْ الْأُخْرَى مَوْكُول إِلَى أَمَانَته.
فَإِنْ أَرَادَ وَطْء الْأُخْرَى فَيَلْزَمهُ أَنْ يُحَرِّم عَلَى نَفْسه فَرْج الْأُولَى بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ مِنْ إِخْرَاج عَنْ الْمِلْك : إِمَّا بِتَزْوِيجٍ أَوْ بَيْع أَوْ عِتْق إِلَى أَجَل أَوْ كِتَابَة أَوْ إِخْدَام طَوِيل.
فَإِنْ كَانَ يَطَأ إِحْدَاهُمَا ثُمَّ وَثَبَ عَلَى الْأُخْرَى دُون أَنْ يُحَرِّم الْأُولَى وَقَفَ عَنْهُمَا، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ قُرْب إِحْدَاهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى ; وَلَمْ يُوَكَّل ذَلِكَ إِلَى أَمَانَته ; لِأَنَّهُ مُتَّهَم فِيمَنْ قَدْ وَطِئَ ; وَلَمْ يَكُنْ قَبْلُ مُتَّهَمًا إِذْ كَانَ لَمْ يَطَأ إِلَّا الْوَاحِدَة.
وَمَذْهَب الْكُوفِيِّينَ فِي هَذَا الْبَاب : الثَّوْرِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه أَنَّهُ إِنْ وَطِئَ إِحْدَى أَمَتَيْهِ لَمْ يَطَأْ الْأُخْرَى ; فَإِنْ بَاعَ الْأُولَى أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَيْهِ أَمْسَكَ عَنْ الْأُخْرَى ; وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَا دَامَتْ أُخْتهَا فِي الْعِدَّة مِنْ طَلَاق أَوْ وَفَاة.
وَلَا خِلَاف فِي جَوَاز جَمْعِهِمَا فِي الْمِلْك، وَكَذَلِكَ الْأُمّ وَابْنَتهَا.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيَجِيء مِنْ قَوْل إِسْحَاق أَنْ يُرْجَم الْجَامِع بَيْنهمَا بِالْوَطْءِ، وَتُسْتَقْرَأ الْكَرَاهِيَة مِنْ قَوْل مَالِك : إِنَّهُ إِذَا وَطِئَ وَاحِدَةً ثُمَّ وَطِئَ الْأُخْرَى وَقَفَ عَنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّم إِحْدَاهُمَا ; فَلَمْ يُلْزِمْهُ حَدًّا.
قَالَ أَبُو عُمَر :( أَمَّا قَوْل عَلِيّ لَجَعَلْته نَكَالًا ) وَلَمْ يَقُلْ لَحَدَدْته حَدّ الزَّانِي ; فَلِأَنَّ مَنْ تَأَوَّلَ آيَة أَوْ سُنَّة وَلَمْ يَطَأْ عِنْد نَفْسه حَرَامًا فَلَيْسَ بِزَانٍ بِإِجْمَاعٍ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا، إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُعْذَر بِجَهْلِهِ.
وَقَوْل بَعْض السَّلَف فِي الْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِين :( أَحَلَّتْهُمَا آيَة وَحَرَّمَتْهُمَا آيَة ) مَعْلُوم مَحْفُوظ ; فَكَيْفَ يُحَدُّ حَدَّ الزَّانِي مَنْ فَعَلَ مَا فِيهِ مِثْل هَذَا مِنْ الشُّبْهَة الْقَوِيَّة ؟ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء إِذَا كَانَ يَطَأ وَاحِدَة ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَطَأ الْأُخْرَى ; فَقَالَ عَلِيّ وَابْن عُمَر وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق : لَا يَجُوز لَهُ وَطْء الثَّانِيَة حَتَّى يَحْرُم فَرْج الْأُخْرَى بِإِخْرَاجِهَا مِنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ عِتْق، أَوْ بِأَنْ يُزَوِّجَهَا.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَفِيهِ قَوْل ثَانٍ لِقَتَادَةَ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَطَأ وَاحِدَة وَأَرَادَ وَطْء الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَنْوِي تَحْرِيم الْأُولَى عَلَى نَفْسه وَأَلَّا يَقْرَبَهَا، ثُمَّ يُمْسِك عَنْهُمَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَ الْأُولَى الْمُحَرَّمَة، ثُمَّ يَغْشَى الثَّانِيَة.
وَفِيهِ قَوْل ثَالِث : وَهُوَ إِذَا كَانَ عِنْده أُخْتَانِ فَلَا يَقْرَب وَاحِدَة مِنْهُمَا.
هَكَذَا قَالَ الْحَكَم وَحَمَّاد ; وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيّ.
وَمَذْهَب مَالِك : إِذَا كَانَ أُخْتَانِ عِنْد رَجُل بِمِلْكٍ فَلَهُ أَنْ يَطَأ أَيَّتَهمَا شَاءَ، وَالْكَفّ عَنْ الْأُخْرَى مَوْكُول إِلَى أَمَانَته.
فَإِنْ أَرَادَ وَطْء الْأُخْرَى فَيَلْزَمهُ أَنْ يُحَرِّم عَلَى نَفْسه فَرْج الْأُولَى بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ مِنْ إِخْرَاج عَنْ الْمِلْك : إِمَّا بِتَزْوِيجٍ أَوْ بَيْع أَوْ عِتْق إِلَى أَجَل أَوْ كِتَابَة أَوْ إِخْدَام طَوِيل.
فَإِنْ كَانَ يَطَأ إِحْدَاهُمَا ثُمَّ وَثَبَ عَلَى الْأُخْرَى دُون أَنْ يُحَرِّم الْأُولَى وَقَفَ عَنْهُمَا، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ قُرْب إِحْدَاهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى ; وَلَمْ يُوَكَّل ذَلِكَ إِلَى أَمَانَته ; لِأَنَّهُ مُتَّهَم فِيمَنْ قَدْ وَطِئَ ; وَلَمْ يَكُنْ قَبْلُ مُتَّهَمًا إِذْ كَانَ لَمْ يَطَأ إِلَّا الْوَاحِدَة.
وَمَذْهَب الْكُوفِيِّينَ فِي هَذَا الْبَاب : الثَّوْرِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه أَنَّهُ إِنْ وَطِئَ إِحْدَى أَمَتَيْهِ لَمْ يَطَأْ الْأُخْرَى ; فَإِنْ بَاعَ الْأُولَى أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَيْهِ أَمْسَكَ عَنْ الْأُخْرَى ; وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَا دَامَتْ أُخْتهَا فِي الْعِدَّة مِنْ طَلَاق أَوْ وَفَاة.
فَأَمَّا بَعْد اِنْقِضَاء الْعِدَّة فَلَا، حَتَّى يَمْلِكَ فَرْج الَّتِي يَطَأ غَيْره ; وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قَالُوا : لِأَنَّ الْمِلْك الَّذِي مَنَعَ وَطْء الْجَارِيَة فِي الِابْتِدَاء مَوْجُود، فَلَا فَرْق بَيْنَ عَوْدَتهَا إِلَيْهِ وَبَيْنَ بَقَائِهَا فِي مِلْكه.
وَقَوْل مَالِك حَسَن ; لِأَنَّهُ تَحْرِيم صَحِيح فِي الْحَال وَلَا يَلْزَم مُرَاعَاة الْمَال ; وَحَسْبُهُ إِذَا حَرُمَ فَرْجُهَا عَلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ بِتَزْوِيجٍ أَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ فِي الْحَال.
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْعِتْق ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَرَّف فِيهِ بِحَالٍ ; وَأَمَّا الْمُكَاتَبَة فَقَدْ تَعْجِز فَتَرْجِع إِلَى مِلْكه.
فَإِنْ كَانَ عِنْد رَجُل أَمَة يَطَؤُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتهَا فَفِيهَا فِي الْمَذْهَب ثَلَاثَة أَقْوَال فِي النِّكَاح.
الثَّالِث : فِي الْمُدَوَّنَة أَنَّهُ يُوقَف عَنْهُمَا إِذَا وَقَعَ عَقْد النِّكَاح حَتَّى يُحَرِّم إِحْدَاهُمَا مَعَ كَرَاهِيَة لِهَذَا النِّكَاح ; إِذْ هُوَ عَقْد فِي مَوْضِع لَا يَجُوز فِيهِ الْوَطْء.
وَفِي هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مِلْك الْيَمِين لَا يَمْنَع النِّكَاح ; كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيّ.
وَفِي الْبَاب بِعَيْنِهِ قَوْل آخَر : أَنَّ النِّكَاح لَا يَنْعَقِد ; وَهُوَ مَعْنَى قَوْل الْأَوْزَاعِيّ.
وَقَالَ أَشْهَب فِي كِتَاب الِاسْتِبْرَاء : عَقْد النِّكَاح فِي الْوَاحِدَة تَحْرِيم لِفَرْجِ الْمَمْلُوكَة.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الرَّجُل إِذَا طَلَّقَ زَوْجَته طَلَاقًا يَمْلِك رَجْعَتَهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِح أُخْتهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّة الْمُطَلَّقَة.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَا يَمْلِك رَجْعَتهَا ; فَقَالَتْ طَائِفَة : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتهَا وَلَا رَابِعَة حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّة الَّتِي طَلَّقَ ; وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَزَيْد بْن ثَابِت، وَهُوَ مَذْهَب مُجَاهِد وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَالنَّخَعِيّ، وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَأَصْحَاب الرَّأْي.
وَقَالَتْ طَائِفَة : لَهُ أَنْ يَنْكِح أُخْتهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا ; وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء، وَهِيَ أَثْبَتُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت أَيْضًا ; وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن وَالْقَاسِم وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَابْن أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عُبَيْد.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا قَوْل مَالِك وَبِهِ نَقُول.
قَالُوا : لِأَنَّ الْمِلْك الَّذِي مَنَعَ وَطْء الْجَارِيَة فِي الِابْتِدَاء مَوْجُود، فَلَا فَرْق بَيْنَ عَوْدَتهَا إِلَيْهِ وَبَيْنَ بَقَائِهَا فِي مِلْكه.
وَقَوْل مَالِك حَسَن ; لِأَنَّهُ تَحْرِيم صَحِيح فِي الْحَال وَلَا يَلْزَم مُرَاعَاة الْمَال ; وَحَسْبُهُ إِذَا حَرُمَ فَرْجُهَا عَلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ بِتَزْوِيجٍ أَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ فِي الْحَال.
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْعِتْق ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَرَّف فِيهِ بِحَالٍ ; وَأَمَّا الْمُكَاتَبَة فَقَدْ تَعْجِز فَتَرْجِع إِلَى مِلْكه.
فَإِنْ كَانَ عِنْد رَجُل أَمَة يَطَؤُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتهَا فَفِيهَا فِي الْمَذْهَب ثَلَاثَة أَقْوَال فِي النِّكَاح.
الثَّالِث : فِي الْمُدَوَّنَة أَنَّهُ يُوقَف عَنْهُمَا إِذَا وَقَعَ عَقْد النِّكَاح حَتَّى يُحَرِّم إِحْدَاهُمَا مَعَ كَرَاهِيَة لِهَذَا النِّكَاح ; إِذْ هُوَ عَقْد فِي مَوْضِع لَا يَجُوز فِيهِ الْوَطْء.
وَفِي هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مِلْك الْيَمِين لَا يَمْنَع النِّكَاح ; كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيّ.
وَفِي الْبَاب بِعَيْنِهِ قَوْل آخَر : أَنَّ النِّكَاح لَا يَنْعَقِد ; وَهُوَ مَعْنَى قَوْل الْأَوْزَاعِيّ.
وَقَالَ أَشْهَب فِي كِتَاب الِاسْتِبْرَاء : عَقْد النِّكَاح فِي الْوَاحِدَة تَحْرِيم لِفَرْجِ الْمَمْلُوكَة.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الرَّجُل إِذَا طَلَّقَ زَوْجَته طَلَاقًا يَمْلِك رَجْعَتَهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِح أُخْتهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّة الْمُطَلَّقَة.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَا يَمْلِك رَجْعَتهَا ; فَقَالَتْ طَائِفَة : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتهَا وَلَا رَابِعَة حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّة الَّتِي طَلَّقَ ; وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَزَيْد بْن ثَابِت، وَهُوَ مَذْهَب مُجَاهِد وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَالنَّخَعِيّ، وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَأَصْحَاب الرَّأْي.
وَقَالَتْ طَائِفَة : لَهُ أَنْ يَنْكِح أُخْتهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا ; وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء، وَهِيَ أَثْبَتُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت أَيْضًا ; وَبِهِ قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن وَالْقَاسِم وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَابْن أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عُبَيْد.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا قَوْل مَالِك وَبِهِ نَقُول.
إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
" إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ " يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْله :" إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ " فِي قَوْله :" وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ".
وَيَحْتَمِل مَعْنًى زَائِدًا وَهُوَ جَوَاز مَا سَلَفَ، وَأَنَّهُ إِذَا جَرَى الْجَمْع فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ النِّكَاح صَحِيحًا، وَإِذَا جَرَى فِي الْإِسْلَام خُيِّرَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ; عَلَى مَا قَالَهُ مَالِك وَالشَّافِعِيّ، مِنْ غَيْر إِجْرَاء عُقُود الْكُفَّار عَلَى مُوجِب الْإِسْلَام وَمُقْتَضَى الشَّرْع ; وَسَوَاء عَقَدَ عَلَيْهِمَا عَقْدًا وَاحِدًا جَمَعَ بِهِ بَيْنهمَا أَوْ جَمَعَ بَيْنهمَا فِي عَقْدَيْنِ.
وَأَبُو حَنِيفَة يُبْطِل نِكَاحَهُمَا إِنْ جَمَعَ فِي عَقْد وَاحِد.
وَرَوَى هِشَام بْن عَبْد اللَّه عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَعْرِفُونَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَات كُلّهَا الَّتِي ذَكَرْت فِي هَذِهِ الْآيَة إِلَّا اِثْنَتَيْنِ ; إِحْدَاهُمَا نِكَاح اِمْرَأَة الْأَب، وَالثَّانِيَة، الْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ; أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ :" وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ".
" وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ " وَلَمْ يَذْكُر فِي سَائِر الْمُحَرَّمَات " إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ".
وَاَللَّه أَعْلَم.
" إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ " يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْله :" إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ " فِي قَوْله :" وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ".
وَيَحْتَمِل مَعْنًى زَائِدًا وَهُوَ جَوَاز مَا سَلَفَ، وَأَنَّهُ إِذَا جَرَى الْجَمْع فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ النِّكَاح صَحِيحًا، وَإِذَا جَرَى فِي الْإِسْلَام خُيِّرَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ; عَلَى مَا قَالَهُ مَالِك وَالشَّافِعِيّ، مِنْ غَيْر إِجْرَاء عُقُود الْكُفَّار عَلَى مُوجِب الْإِسْلَام وَمُقْتَضَى الشَّرْع ; وَسَوَاء عَقَدَ عَلَيْهِمَا عَقْدًا وَاحِدًا جَمَعَ بِهِ بَيْنهمَا أَوْ جَمَعَ بَيْنهمَا فِي عَقْدَيْنِ.
وَأَبُو حَنِيفَة يُبْطِل نِكَاحَهُمَا إِنْ جَمَعَ فِي عَقْد وَاحِد.
وَرَوَى هِشَام بْن عَبْد اللَّه عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَعْرِفُونَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَات كُلّهَا الَّتِي ذَكَرْت فِي هَذِهِ الْآيَة إِلَّا اِثْنَتَيْنِ ; إِحْدَاهُمَا نِكَاح اِمْرَأَة الْأَب، وَالثَّانِيَة، الْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ; أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ :" وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ".
" وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ " وَلَمْ يَذْكُر فِي سَائِر الْمُحَرَّمَات " إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ".
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ
قَوْله تَعَالَى :" وَالْمُحْصَنَات " عَطْف عَلَى الْمُحَرَّمَات وَالْمَذْكُورَات قَبْل.
وَالتَّحَصُّن : التَّمَنُّع ; وَمِنْهُ الْحِصْن لِأَنَّهُ يُمْتَنَع فِيهِ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَة لَبُوس لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ " [ الْأَنْبِيَاء : ٨٠ ] أَيْ لِتَمْنَعَكُمْ ; وَمِنْهُ الْحِصَان لِلْفَرَسِ ( بِكَسْرِ الْحَاء ) لِأَنَّهُ يَمْنَع صَاحِبه مِنْ الْهَلَاك.
وَالْحَصَان ( بِفَتْحِ الْحَاء ) : الْمَرْأَة الْعَفِيفَة لِمَنْعِهَا نَفْسَهَا مِنْ الْهَلَاكِ.
وَحَصُنَتْ الْمَرْأَة تَحْصُن فَهِيَ حَصَانٌ ; مِثْل جَبُنَتْ فَهِيَ جَبَان.
وَقَالَ حَسَّان فِي عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا :
وَالْمَصْدَر الْحَصَانَة ( بِفَتْحِ الْحَاء ) وَالْحِصْن كَالْعِلْمِ.
فَالْمُرَاد بِالْمُحْصَنَاتِ هَاهُنَا ذَوَات الْأَزْوَاج ; يُقَال : اِمْرَأَة مُحْصَنَة أَيْ مُتَزَوِّجَة، وَمُحْصَنَة أَيْ حُرَّة ; وَمِنْهُ " وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب " [ الْمَائِدَة : ٥ ].
وَمُحْصَنَة أَيْ عَفِيفة ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" مُحْصَنَاتٍ غَيْر مُسَافِحَات " [ النِّسَاء : ٢٥ ] وَقَالَ :" مُحْصِنِينَ غَيْر مُسَافِحِينَ ".
وَمُحْصَنَة وَمُحَصَّنَة وَحَصَان أَيْ عَفِيفَة، أَيْ مُمْتَنِعَة مِنْ الْفِسْق، وَالْحُرِّيَّة تَمْنَع الْحُرَّة مِمَّا يَتَعَاطَاهُ الْعَبِيد.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات " [ النُّور : ٤ ] أَيْ الْحَرَائِر، وَكَانَ عُرْف الْإِمَاء فِي الْجَاهِلِيَّة الزِّنَى ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْل هِنْد بِنْت عُتْبَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَايَعَتْهُ :" وَهَلْ تَزْنِي الْحُرَّة " ؟ وَالزَّوْج أَيْضًا يَمْنَعُ زَوْجَهُ مِنْ أَنْ تَزَوَّجَ غَيْره ; فَبِنَاء ( ح ص ن ) مَعْنَاهُ الْمَنْع كَمَا بَيَّنَّا.
وَيُسْتَعْمَل الْإِحْصَان فِي الْإِسْلَام ; لِأَنَّهُ حَافِظ وَمَانِع، وَلَمْ يَرِد فِي الْكِتَاب وَوَرَدَ فِي السُّنَّة ; وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْإِيمَان قَيْدٌ لِفَتْكٍ ).
وَمِنْهُ قَوْل الْهُذَلِيّ :
وَقَالَ الشَّاعِر :
وَمِنْهُ قَوْل سُحَيْم :
كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو قِلَابَةَ وَابْن زَيْد وَمَكْحُول وَالزُّهْرِيّ وَأَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ : الْمُرَاد بِالْمُحْصَنَاتِ هُنَا الْمَسْبِيَّات ذَوَات الْأَزْوَاج خَاصَّة، أَيْ هُنَّ مُحَرَّمَات إِلَّا مَا مَلَكَتْ الْيَمِين بِالسَّبْيِ مِنْ أَرْض الْحَرْب، فَإِنَّ تِلْكَ حَلَال لِلَّذِي تَقَع فِي سَهْمه وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْج.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ فِي أَنَّ السِّبَاء يَقْطَع الْعِصْمَة ; وَقَالَهُ اِبْن وَهْب وَابْن عَبْد الْحَكَم وَرَوَيَاهُ عَنْ مَالِك، وَقَالَ بِهِ أَشْهَب.
قَوْله تَعَالَى :" وَالْمُحْصَنَات " عَطْف عَلَى الْمُحَرَّمَات وَالْمَذْكُورَات قَبْل.
وَالتَّحَصُّن : التَّمَنُّع ; وَمِنْهُ الْحِصْن لِأَنَّهُ يُمْتَنَع فِيهِ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَة لَبُوس لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ " [ الْأَنْبِيَاء : ٨٠ ] أَيْ لِتَمْنَعَكُمْ ; وَمِنْهُ الْحِصَان لِلْفَرَسِ ( بِكَسْرِ الْحَاء ) لِأَنَّهُ يَمْنَع صَاحِبه مِنْ الْهَلَاك.
وَالْحَصَان ( بِفَتْحِ الْحَاء ) : الْمَرْأَة الْعَفِيفَة لِمَنْعِهَا نَفْسَهَا مِنْ الْهَلَاكِ.
وَحَصُنَتْ الْمَرْأَة تَحْصُن فَهِيَ حَصَانٌ ; مِثْل جَبُنَتْ فَهِيَ جَبَان.
وَقَالَ حَسَّان فِي عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا :
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ | وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ |
فَالْمُرَاد بِالْمُحْصَنَاتِ هَاهُنَا ذَوَات الْأَزْوَاج ; يُقَال : اِمْرَأَة مُحْصَنَة أَيْ مُتَزَوِّجَة، وَمُحْصَنَة أَيْ حُرَّة ; وَمِنْهُ " وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب " [ الْمَائِدَة : ٥ ].
وَمُحْصَنَة أَيْ عَفِيفة ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" مُحْصَنَاتٍ غَيْر مُسَافِحَات " [ النِّسَاء : ٢٥ ] وَقَالَ :" مُحْصِنِينَ غَيْر مُسَافِحِينَ ".
وَمُحْصَنَة وَمُحَصَّنَة وَحَصَان أَيْ عَفِيفَة، أَيْ مُمْتَنِعَة مِنْ الْفِسْق، وَالْحُرِّيَّة تَمْنَع الْحُرَّة مِمَّا يَتَعَاطَاهُ الْعَبِيد.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات " [ النُّور : ٤ ] أَيْ الْحَرَائِر، وَكَانَ عُرْف الْإِمَاء فِي الْجَاهِلِيَّة الزِّنَى ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْل هِنْد بِنْت عُتْبَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَايَعَتْهُ :" وَهَلْ تَزْنِي الْحُرَّة " ؟ وَالزَّوْج أَيْضًا يَمْنَعُ زَوْجَهُ مِنْ أَنْ تَزَوَّجَ غَيْره ; فَبِنَاء ( ح ص ن ) مَعْنَاهُ الْمَنْع كَمَا بَيَّنَّا.
وَيُسْتَعْمَل الْإِحْصَان فِي الْإِسْلَام ; لِأَنَّهُ حَافِظ وَمَانِع، وَلَمْ يَرِد فِي الْكِتَاب وَوَرَدَ فِي السُّنَّة ; وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْإِيمَان قَيْدٌ لِفَتْكٍ ).
وَمِنْهُ قَوْل الْهُذَلِيّ :
فَلَيْسَ كَعَهْدِ الدَّارِ يَا أُمَّ مَالِكٍ | وَلَكِنْ أَحَاطَتْ بِالرِّقَابِ السَّلَاسِلُ |
قَالَتْ هَلُمَّ إِلَى الْحَدِيث فَقُلْت لَا | يَأْبَى عَلَيْكِ اللَّه وَالْإِسْلَامُ |
كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو قِلَابَةَ وَابْن زَيْد وَمَكْحُول وَالزُّهْرِيّ وَأَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ : الْمُرَاد بِالْمُحْصَنَاتِ هُنَا الْمَسْبِيَّات ذَوَات الْأَزْوَاج خَاصَّة، أَيْ هُنَّ مُحَرَّمَات إِلَّا مَا مَلَكَتْ الْيَمِين بِالسَّبْيِ مِنْ أَرْض الْحَرْب، فَإِنَّ تِلْكَ حَلَال لِلَّذِي تَقَع فِي سَهْمه وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْج.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ فِي أَنَّ السِّبَاء يَقْطَع الْعِصْمَة ; وَقَالَهُ اِبْن وَهْب وَابْن عَبْد الْحَكَم وَرَوَيَاهُ عَنْ مَالِك، وَقَالَ بِهِ أَشْهَب.
يَدُلّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاس فَلَقُوا الْعَدُوّ فَقَاتَلُوهُمْ وَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا ; فَكَانَ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْل أَزْوَاجهنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ " وَالْمُحْصَنَات مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ ".
أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلَال إِذَا اِنْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ.
وَهَذَا نَصّ صَحِيح صَرِيح فِي أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ بِسَبَبِ تَحَرُّج أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَطْء الْمَسْبِيَّات ذَوَات الْأَزْوَاج ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِي جَوَابهمْ " إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ ".
وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَهُوَ الصَّحِيح إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَاخْتَلَفُوا فِي اِسْتِبْرَائِهَا بِمَاذَا يَكُون ; فَقَالَ الْحَسَن : كَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَبْرِئُونَ الْمَسْبِيَّة بِحَيْضَةٍ ; وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ فِي سَبَايَا أَوْطَاس ( لَا تُوطَأ حَامِل حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِل حَتَّى تَحِيضَ ).
وَلَمْ يَجْعَل لِفِرَاشِ الزَّوْج السَّابِق أَثَرًا حَتَّى يُقَال إِنَّ الْمَسْبِيَّة مَمْلُوكَة وَلَكِنَّهَا كَانَتْ زَوْجَة زَالَ نِكَاحهَا فَتَعْتَدُّ عِدَّة الْإِمَاء، عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْحَسَن بْن صَالِح قَالَ : عَلَيْهَا الْعِدَّة حَيْضَتَانِ إِذَا كَانَ لَهَا زَوْج فِي دَار الْحَرْب.
وَكَافَّة الْعُلَمَاء رَأَوْا اِسْتِبْرَاءَهَا وَاسْتِبْرَاء الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا وَاحِدًا فِي أَنَّ الْجَمِيع بِحَيْضَةٍ وَاحِدَة.
وَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْنَ أَنْ يُسْبَى الزَّوْجَانِ مُجْتَمِعَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ.
وَرَوَى عَنْهُ اِبْن بُكَيْر أَنَّهُمَا إِنْ سُبِيَا جَمِيعًا وَاسْتُبْقِيَ الرَّجُل أُقِرَّا عَلَى نِكَاحِهِمَا ; فَرَأَى فِي هَذِهِ الرِّوَايَة أَنَّ اِسْتِبْقَاءَهُ إِبْقَاء لِمَا يَمْلِكُهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ عَهْد وَزَوْجَتُهُ مِنْ جُمْلَة مَا يَمْلِكُهُ، فَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ; وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَالثَّوْرِيّ، وَبِهِ قَالَ اِبْن الْقَاسِم وَرَوَاهُ عَنْ مَالِك.
وَالصَّحِيح الْأَوَّل ; لِمَا ذَكَرْنَاهُ ; وَلِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :( إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ ) فَأَحَالَ عَلَى مِلْك الْيَمِين وَجَعَلَهُ هُوَ الْمُؤَثِّرَ فَيَتَعَلَّق الْحُكْم بِهِ مِنْ حَيْثُ الْعُمُوم وَالتَّعْلِيل جَمِيعًا، إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيل.
وَفِي الْآيَة قَوْل ثَانٍ قَالَهُ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن وَأُبَيّ بْن كَعْب وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة عِكْرِمَة : أَنَّ الْمُرَاد بِالْآيَةِ ذَوَات الْأَزْوَاج، أَيْ فَهُنَّ حَرَام إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُل الْأَمَة ذَات الزَّوْج فَإِنَّ بَيْعَهَا طَلَاقهَا وَالصَّدَقَة بِهَا طَلَاقهَا وَأَنْ تُورَث طَلَاقهَا وَتَطْلِيق الزَّوْج طَلَاقهَا.
أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلَال إِذَا اِنْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ.
وَهَذَا نَصّ صَحِيح صَرِيح فِي أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ بِسَبَبِ تَحَرُّج أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَطْء الْمَسْبِيَّات ذَوَات الْأَزْوَاج ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِي جَوَابهمْ " إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ ".
وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَهُوَ الصَّحِيح إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَاخْتَلَفُوا فِي اِسْتِبْرَائِهَا بِمَاذَا يَكُون ; فَقَالَ الْحَسَن : كَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَبْرِئُونَ الْمَسْبِيَّة بِحَيْضَةٍ ; وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ فِي سَبَايَا أَوْطَاس ( لَا تُوطَأ حَامِل حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِل حَتَّى تَحِيضَ ).
وَلَمْ يَجْعَل لِفِرَاشِ الزَّوْج السَّابِق أَثَرًا حَتَّى يُقَال إِنَّ الْمَسْبِيَّة مَمْلُوكَة وَلَكِنَّهَا كَانَتْ زَوْجَة زَالَ نِكَاحهَا فَتَعْتَدُّ عِدَّة الْإِمَاء، عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْحَسَن بْن صَالِح قَالَ : عَلَيْهَا الْعِدَّة حَيْضَتَانِ إِذَا كَانَ لَهَا زَوْج فِي دَار الْحَرْب.
وَكَافَّة الْعُلَمَاء رَأَوْا اِسْتِبْرَاءَهَا وَاسْتِبْرَاء الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا وَاحِدًا فِي أَنَّ الْجَمِيع بِحَيْضَةٍ وَاحِدَة.
وَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْنَ أَنْ يُسْبَى الزَّوْجَانِ مُجْتَمِعَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ.
وَرَوَى عَنْهُ اِبْن بُكَيْر أَنَّهُمَا إِنْ سُبِيَا جَمِيعًا وَاسْتُبْقِيَ الرَّجُل أُقِرَّا عَلَى نِكَاحِهِمَا ; فَرَأَى فِي هَذِهِ الرِّوَايَة أَنَّ اِسْتِبْقَاءَهُ إِبْقَاء لِمَا يَمْلِكُهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ عَهْد وَزَوْجَتُهُ مِنْ جُمْلَة مَا يَمْلِكُهُ، فَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ; وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَالثَّوْرِيّ، وَبِهِ قَالَ اِبْن الْقَاسِم وَرَوَاهُ عَنْ مَالِك.
وَالصَّحِيح الْأَوَّل ; لِمَا ذَكَرْنَاهُ ; وَلِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :( إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ ) فَأَحَالَ عَلَى مِلْك الْيَمِين وَجَعَلَهُ هُوَ الْمُؤَثِّرَ فَيَتَعَلَّق الْحُكْم بِهِ مِنْ حَيْثُ الْعُمُوم وَالتَّعْلِيل جَمِيعًا، إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيل.
وَفِي الْآيَة قَوْل ثَانٍ قَالَهُ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن وَأُبَيّ بْن كَعْب وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة عِكْرِمَة : أَنَّ الْمُرَاد بِالْآيَةِ ذَوَات الْأَزْوَاج، أَيْ فَهُنَّ حَرَام إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُل الْأَمَة ذَات الزَّوْج فَإِنَّ بَيْعَهَا طَلَاقهَا وَالصَّدَقَة بِهَا طَلَاقهَا وَأَنْ تُورَث طَلَاقهَا وَتَطْلِيق الزَّوْج طَلَاقهَا.
قَالَ اِبْن مَسْعُود : فَإِذَا بِيعَتْ الْأَمَة وَلَهَا زَوْج فَالْمُشْتَرِي أَحَقّ بِبُضْعِهَا وَكَذَلِكَ الْمَسْبِيَّة ; كُلّ ذَلِكَ مُوجِب لِلْفُرْقَةِ بَيْنهَا وَبَيْنَ زَوْجهَا.
قَالُوا : وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدّ أَنْ يَكُون بَيْع الْأَمَة طَلَاقًا لَهَا ; لِأَنَّ الْفَرْج مُحَرَّم عَلَى اِثْنَيْنِ فِي حَال وَاحِدَة بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
قُلْت : وَهَذَا يَرُدُّهُ حَدِيث بَرِيرَة ; لِأَنَّ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اِشْتَرَتْ بَرِيرَة وَأَعْتَقَتْهَا ثُمَّ خَيَّرَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ ذَات زَوْج ; وَفِي إِجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّ بَرِيرَة قَدْ خُيِّرَتْ تَحْت زَوْجِهَا مُغِيث بَعْد أَنْ اِشْتَرَتْهَا عَائِشَة فَأَعْتَقَتْهَا لَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْع الْأَمَة لَيْسَ طَلَاقَهَا ; وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَة فُقَهَاء الْأَمْصَار مِنْ أَهْل الرَّأْي وَالْحَدِيث، وَأَلَّا طَلَاق لَهَا إِلَّا الطَّلَاق.
وَقَدْ اِحْتَجَّ بَعْضهمْ بِعُمُومِ قَوْله :" إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " وَقِيَاسًا عَلَى الْمَسْبِيَّات.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيث بَرِيرَة يَخُصُّهُ وَيَرُدُّهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ خَاصّ بِالْمَسْبِيَّاتِ عَلَى حَدِيث أَبِي سَعِيد، وَهُوَ الصَّوَاب وَالْحَقّ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَفِي الْآيَة قَوْل ثَالِث : رَوَى الثَّوْرِيّ عَنْ مُجَاهِد عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ اِبْن مَسْعُود فِي قَوْله تَعَالَى :" وَالْمُحْصَنَات مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " قَالَ : ذَوَات الْأَزْوَاج مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ.
وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : ذَوَات الْأَزْوَاج مِنْ الْمُشْرِكِينَ.
وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب " وَالْمُحْصَنَات مِنْ النِّسَاء " هُنَّ ذَوَات الْأَزْوَاج ; وَيَرْجِع ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اللَّه حَرَّمَ الزِّنَى.
وَقَالَتْ طَائِفَة : الْمُحْصَنَات فِي هَذِهِ الْآيَة يُرَاد بِهِ الْعَفَائِف، أَيْ كُلّ النِّسَاء حَرَام.
وَأَلْبَسَهُنَّ اِسْم الْإِحْصَان مَنْ كَانَ مِنْهُنَّ ذَات زَوْج أَوْ غَيْر ذَات زَوْج ; إِذْ الشَّرَائِع فِي أَنْفُسِهَا تَقْتَضِي ذَلِكَ.
قَالُوا : وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدّ أَنْ يَكُون بَيْع الْأَمَة طَلَاقًا لَهَا ; لِأَنَّ الْفَرْج مُحَرَّم عَلَى اِثْنَيْنِ فِي حَال وَاحِدَة بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
قُلْت : وَهَذَا يَرُدُّهُ حَدِيث بَرِيرَة ; لِأَنَّ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اِشْتَرَتْ بَرِيرَة وَأَعْتَقَتْهَا ثُمَّ خَيَّرَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ ذَات زَوْج ; وَفِي إِجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّ بَرِيرَة قَدْ خُيِّرَتْ تَحْت زَوْجِهَا مُغِيث بَعْد أَنْ اِشْتَرَتْهَا عَائِشَة فَأَعْتَقَتْهَا لَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْع الْأَمَة لَيْسَ طَلَاقَهَا ; وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَة فُقَهَاء الْأَمْصَار مِنْ أَهْل الرَّأْي وَالْحَدِيث، وَأَلَّا طَلَاق لَهَا إِلَّا الطَّلَاق.
وَقَدْ اِحْتَجَّ بَعْضهمْ بِعُمُومِ قَوْله :" إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " وَقِيَاسًا عَلَى الْمَسْبِيَّات.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيث بَرِيرَة يَخُصُّهُ وَيَرُدُّهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ خَاصّ بِالْمَسْبِيَّاتِ عَلَى حَدِيث أَبِي سَعِيد، وَهُوَ الصَّوَاب وَالْحَقّ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَفِي الْآيَة قَوْل ثَالِث : رَوَى الثَّوْرِيّ عَنْ مُجَاهِد عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ اِبْن مَسْعُود فِي قَوْله تَعَالَى :" وَالْمُحْصَنَات مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " قَالَ : ذَوَات الْأَزْوَاج مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ.
وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : ذَوَات الْأَزْوَاج مِنْ الْمُشْرِكِينَ.
وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب " وَالْمُحْصَنَات مِنْ النِّسَاء " هُنَّ ذَوَات الْأَزْوَاج ; وَيَرْجِع ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اللَّه حَرَّمَ الزِّنَى.
وَقَالَتْ طَائِفَة : الْمُحْصَنَات فِي هَذِهِ الْآيَة يُرَاد بِهِ الْعَفَائِف، أَيْ كُلّ النِّسَاء حَرَام.
وَأَلْبَسَهُنَّ اِسْم الْإِحْصَان مَنْ كَانَ مِنْهُنَّ ذَات زَوْج أَوْ غَيْر ذَات زَوْج ; إِذْ الشَّرَائِع فِي أَنْفُسِهَا تَقْتَضِي ذَلِكَ.
إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
قَالُوا : مَعْنَاهُ بِنِكَاحٍ أَوْ شِرَاء.
هَذَا قَوْل أَبِي الْعَالِيَة وَعَبِيدَة السَّلْمَانِيّ وَطَاوُس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطَاء، وَرَوَاهُ عَبِيدَة عَنْ عُمَر ; فَأَدْخَلُوا النِّكَاح تَحْت مِلْك الْيَمِين، وَيَكُون مَعْنَى الْآيَة عِنْدهمْ فِي قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " يَعْنِي تَمْلِكُونَ عِصْمَتَهُنَّ بِالنِّكَاحِ وَتَمْلِكُونَ الرَّقَبَةَ بِالشِّرَاءِ، فَكَأَنَّهُنَّ كُلَّهُنَّ مِلْك يَمِين وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَزِنًى، وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ.
وَقَدْ قَالَ اِبْن عَبَّاس :" الْمُحْصَنَات " الْعَفَائِف مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَهْل الْكِتَاب.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَبِهَذَا التَّأْوِيل يَرْجِع مَعْنَى الْآيَة إِلَى تَحْرِيم الزِّنَى ; وَأَسْنَدَ الطَّبَرِيّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر : أَمَا رَأَيْت اِبْن عَبَّاس حِينَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة فَلَمْ يَقُلْ فِيهَا شَيْئًا ؟ فَقَالَ سَعِيد : كَانَ اِبْن عَبَّاس لَا يَعْلَمهَا.
وَأَسْنَدَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ : لَوْ أَعْلَم مَنْ يُفَسِّر لِي هَذِهِ الْآيَة لَضَرَبْت إِلَيْهِ أَكْبَاد الْإِبِل : قَوْله " وَالْمُحْصَنَات " إِلَى قَوْله " حَكِيمًا ".
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَلَا أَدْرِي كَيْفَ نُسِبَ هَذَا الْقَوْل إِلَى اِبْن عَبَّاس وَلَا كَيْفَ اِنْتَهَى مُجَاهِد إِلَى هَذَا الْقَوْل ؟
قَالُوا : مَعْنَاهُ بِنِكَاحٍ أَوْ شِرَاء.
هَذَا قَوْل أَبِي الْعَالِيَة وَعَبِيدَة السَّلْمَانِيّ وَطَاوُس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطَاء، وَرَوَاهُ عَبِيدَة عَنْ عُمَر ; فَأَدْخَلُوا النِّكَاح تَحْت مِلْك الْيَمِين، وَيَكُون مَعْنَى الْآيَة عِنْدهمْ فِي قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ " يَعْنِي تَمْلِكُونَ عِصْمَتَهُنَّ بِالنِّكَاحِ وَتَمْلِكُونَ الرَّقَبَةَ بِالشِّرَاءِ، فَكَأَنَّهُنَّ كُلَّهُنَّ مِلْك يَمِين وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَزِنًى، وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ.
وَقَدْ قَالَ اِبْن عَبَّاس :" الْمُحْصَنَات " الْعَفَائِف مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَهْل الْكِتَاب.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَبِهَذَا التَّأْوِيل يَرْجِع مَعْنَى الْآيَة إِلَى تَحْرِيم الزِّنَى ; وَأَسْنَدَ الطَّبَرِيّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر : أَمَا رَأَيْت اِبْن عَبَّاس حِينَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة فَلَمْ يَقُلْ فِيهَا شَيْئًا ؟ فَقَالَ سَعِيد : كَانَ اِبْن عَبَّاس لَا يَعْلَمهَا.
وَأَسْنَدَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ : لَوْ أَعْلَم مَنْ يُفَسِّر لِي هَذِهِ الْآيَة لَضَرَبْت إِلَيْهِ أَكْبَاد الْإِبِل : قَوْله " وَالْمُحْصَنَات " إِلَى قَوْله " حَكِيمًا ".
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَلَا أَدْرِي كَيْفَ نُسِبَ هَذَا الْقَوْل إِلَى اِبْن عَبَّاس وَلَا كَيْفَ اِنْتَهَى مُجَاهِد إِلَى هَذَا الْقَوْل ؟
كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر الْمُؤَكَّد، أَيْ حُرِّمَتْ هَذِهِ النِّسَاء كِتَابًا مِنْ اللَّه عَلَيْكُمْ.
وَمَعْنَى " حُرِّمْت عَلَيْكُمْ " كَتَبَ اللَّه عَلَيْكُمْ.
وَقَالَ الزَّجَّاج وَالْكُوفِيُّونَ : هُوَ نَصْب عَلَى الْإِغْرَاء، أَيْ اِلْزَمُوا كِتَاب اللَّه، أَوْ عَلَيْكُمْ كِتَاب اللَّه.
وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيّ ; فَإِنَّ الْإِغْرَاء لَا يَجُوز فِيهِ تَقْدِيم الْمَنْصُوب عَلَى حَرْف الْإِغْرَاء، فَلَا يُقَال : زَيْدًا عَلَيْك، أَوْ زَيْدًا دُونَك ; بَلْ يُقَال : عَلَيْك زَيْدًا وَدُونَك عَمْرًا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيح عَلَى أَنَّهُ يَكُون مَنْصُوبًا بِ " عَلَيْكُمْ " إِشَارَةً إِلَى مَا ثَبَتَ فِي الْقُرْآن مِنْ قَوْله تَعَالَى :" مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاع " [ النِّسَاء : ٣ ] وَفِي هَذَا بُعْد ; وَالْأَظْهَر أَنَّ قَوْله :" كِتَاب اللَّه عَلَيْكُمْ " إِنَّمَا هُوَ إِشَارَة إِلَى التَّحْرِيم الْحَاجِز بَيْنَ النَّاس وَبَيْنَ مَا كَانَتْ الْعَرَب تَفْعَلهُ.
نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر الْمُؤَكَّد، أَيْ حُرِّمَتْ هَذِهِ النِّسَاء كِتَابًا مِنْ اللَّه عَلَيْكُمْ.
وَمَعْنَى " حُرِّمْت عَلَيْكُمْ " كَتَبَ اللَّه عَلَيْكُمْ.
وَقَالَ الزَّجَّاج وَالْكُوفِيُّونَ : هُوَ نَصْب عَلَى الْإِغْرَاء، أَيْ اِلْزَمُوا كِتَاب اللَّه، أَوْ عَلَيْكُمْ كِتَاب اللَّه.
وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيّ ; فَإِنَّ الْإِغْرَاء لَا يَجُوز فِيهِ تَقْدِيم الْمَنْصُوب عَلَى حَرْف الْإِغْرَاء، فَلَا يُقَال : زَيْدًا عَلَيْك، أَوْ زَيْدًا دُونَك ; بَلْ يُقَال : عَلَيْك زَيْدًا وَدُونَك عَمْرًا، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيح عَلَى أَنَّهُ يَكُون مَنْصُوبًا بِ " عَلَيْكُمْ " إِشَارَةً إِلَى مَا ثَبَتَ فِي الْقُرْآن مِنْ قَوْله تَعَالَى :" مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاع " [ النِّسَاء : ٣ ] وَفِي هَذَا بُعْد ; وَالْأَظْهَر أَنَّ قَوْله :" كِتَاب اللَّه عَلَيْكُمْ " إِنَّمَا هُوَ إِشَارَة إِلَى التَّحْرِيم الْحَاجِز بَيْنَ النَّاس وَبَيْنَ مَا كَانَتْ الْعَرَب تَفْعَلهُ.
وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَعَاصِم فِي رِوَايَة حَفْص " وَأُحِلَّ لَكُمْ " رَدًّا عَلَى " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ".
الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ رَدًّا عَلَى قَوْله تَعَالَى :" كِتَابَ اللَّه عَلَيْكُمْ ".
وَهَذَا يَقْتَضِي أَلَّا يَحْرُم مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَنْ ذُكِرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ عَلَى لِسَان نَبِيِّهِ مَنْ لَمْ يُذْكَر فِي الْآيَة فَيُضَمُّ إِلَيْهَا، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " [ الْحَشْر : ٧ ].
رَوَى مُسْلِم وَغَيْره عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" لَا يُجْمَع بَيْنَ الْمَرْأَة وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَة وَخَالَتهَا ).
وَقَالَ اِبْن شِهَاب : فَنَرَى خَالَة أَبِيهَا وَعَمَّة أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَة، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ تَحْرِيم الْجَمْع بَيْنَ الْمَرْأَة وَعَمَّتهَا وَخَالَتهَا مُتَلَقًّى مِنْ الْآيَة نَفْسهَا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى حَرَّمَ الْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَالْجَمْع بَيْنَ الْمَرْأَة وَعَمَّتِهَا فِي مَعْنَى الْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ; أَوْ لِأَنَّ الْخَالَة فِي مَعْنَى الْوَالِدَة وَالْعَمَّة فِي مَعْنَى الْوَالِد.
وَالصَّحِيح الْأَوَّل ; لِأَنَّ الْكِتَاب وَالسُّنَّة كَالشَّيْءِ الْوَاحِد ; فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَحْلَلْت لَكُمْ مَا وَرَاء مَا ذَكَرْنَا فِي الْكِتَاب، وَمَا وَرَاء مَا أَكْمَلْت بِهِ الْبَيَان عَلَى لِسَان مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَوْل اِبْن شِهَاب :" فَنَرَى خَالَة أَبِيهَا وَعَمَّة أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَة " إِنَّمَا صَارَ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْخَالَة وَالْعَمَّة عَلَى الْعُمُوم وَتَمَّ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْعَمَّة اِسْم لِكُلِّ أُنْثَى شَارَكَتْ أَبَاك فِي أَصْلَيْهِ أَوْ فِي أَحَدهمَا وَالْخَالَة كَذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّاهُ.
وَفِي مُصَنَّف أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا وَلَا الْعَمَّة عَلَى بِنْت أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَة عَلَى خَالَتهَا وَلَا الْخَالَة عَلَى بِنْت أُخْتهَا وَلَا تُنْكَح الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى ).
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَع بَيْنَ الْعَمَّة وَالْخَالَة وَبَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ.
الرِّوَايَة " لَا يُجْمَع " بِرَفْعِ الْعَيْن عَلَى الْخَبَر عَلَى الْمَشْرُوعِيَّة فَيَتَضَمَّن النَّهْي عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيث مُجْمَع عَلَى الْعَمَل بِهِ فِي تَحْرِيم الْجَمْع بَيْنَ مَنْ ذُكِرَ فِيهِ بِالنِّكَاحِ.
وَأَجَازَ الْخَوَارِج الْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَة وَعَمَّتهَا وَخَالَتهَا، وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ لِأَنَّهُمْ مَرَقُوا مِنْ الدِّين وَخَرَجُوا مِنْهُ، وَلِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَة.
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَعَاصِم فِي رِوَايَة حَفْص " وَأُحِلَّ لَكُمْ " رَدًّا عَلَى " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ".
الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ رَدًّا عَلَى قَوْله تَعَالَى :" كِتَابَ اللَّه عَلَيْكُمْ ".
وَهَذَا يَقْتَضِي أَلَّا يَحْرُم مِنْ النِّسَاء إِلَّا مَنْ ذُكِرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ عَلَى لِسَان نَبِيِّهِ مَنْ لَمْ يُذْكَر فِي الْآيَة فَيُضَمُّ إِلَيْهَا، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " [ الْحَشْر : ٧ ].
رَوَى مُسْلِم وَغَيْره عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" لَا يُجْمَع بَيْنَ الْمَرْأَة وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَة وَخَالَتهَا ).
وَقَالَ اِبْن شِهَاب : فَنَرَى خَالَة أَبِيهَا وَعَمَّة أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَة، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ تَحْرِيم الْجَمْع بَيْنَ الْمَرْأَة وَعَمَّتهَا وَخَالَتهَا مُتَلَقًّى مِنْ الْآيَة نَفْسهَا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى حَرَّمَ الْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَالْجَمْع بَيْنَ الْمَرْأَة وَعَمَّتِهَا فِي مَعْنَى الْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ; أَوْ لِأَنَّ الْخَالَة فِي مَعْنَى الْوَالِدَة وَالْعَمَّة فِي مَعْنَى الْوَالِد.
وَالصَّحِيح الْأَوَّل ; لِأَنَّ الْكِتَاب وَالسُّنَّة كَالشَّيْءِ الْوَاحِد ; فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَحْلَلْت لَكُمْ مَا وَرَاء مَا ذَكَرْنَا فِي الْكِتَاب، وَمَا وَرَاء مَا أَكْمَلْت بِهِ الْبَيَان عَلَى لِسَان مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَوْل اِبْن شِهَاب :" فَنَرَى خَالَة أَبِيهَا وَعَمَّة أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَة " إِنَّمَا صَارَ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْخَالَة وَالْعَمَّة عَلَى الْعُمُوم وَتَمَّ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْعَمَّة اِسْم لِكُلِّ أُنْثَى شَارَكَتْ أَبَاك فِي أَصْلَيْهِ أَوْ فِي أَحَدهمَا وَالْخَالَة كَذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّاهُ.
وَفِي مُصَنَّف أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا وَلَا الْعَمَّة عَلَى بِنْت أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَة عَلَى خَالَتهَا وَلَا الْخَالَة عَلَى بِنْت أُخْتهَا وَلَا تُنْكَح الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى ).
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَع بَيْنَ الْعَمَّة وَالْخَالَة وَبَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ.
الرِّوَايَة " لَا يُجْمَع " بِرَفْعِ الْعَيْن عَلَى الْخَبَر عَلَى الْمَشْرُوعِيَّة فَيَتَضَمَّن النَّهْي عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا الْحَدِيث مُجْمَع عَلَى الْعَمَل بِهِ فِي تَحْرِيم الْجَمْع بَيْنَ مَنْ ذُكِرَ فِيهِ بِالنِّكَاحِ.
وَأَجَازَ الْخَوَارِج الْجَمْع بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَة وَعَمَّتهَا وَخَالَتهَا، وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ لِأَنَّهُمْ مَرَقُوا مِنْ الدِّين وَخَرَجُوا مِنْهُ، وَلِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَة.
وَقَوْله :( لَا يُجْمَع بَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ ) فَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى بَعْض أَهْل الْعِلْم وَتَحَيَّرَ فِي مَعْنَاهُ حَتَّى حَمَلَهُ عَلَى مَا يَبْعُد أَوْ لَا يَجُوز ; فَقَالَ : مَعْنَى بَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ عَلَى الْمَجَاز، أَيْ بَيْنَ الْعَمَّة وَبِنْت أَخِيهَا ; فَقِيلَ لَهُمَا : عَمَّتَانِ، كَمَا قِيلَ : سُنَّة الْعُمَرَيْنِ أَبِي بَكْر وَعُمَر ; قَالَ : وَبَيْنَ الْخَالَتَيْنِ مِثْله.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا مِنْ التَّعَسُّف الَّذِي لَا يَكَاد يُسْمَع بِمِثْلِهِ، وَفِيهِ أَيْضًا مَعَ التَّعَسُّف أَنَّهُ يَكُون كَلَامًا مُكَرَّرًا لِغَيْرِ فَائِدَة ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَعْنَى نَهَى أَنْ يُجْمَع بَيْنَ الْعَمَّة وَبِنْت أَخِيهَا وَبَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ يَعْنِي بِهِ الْعَمَّة وَبِنْت أَخِيهَا صَارَ الْكَلَام مُكَرَّرًا لِغَيْرِ فَائِدَة ; وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُون وَبَيْنَ الْخَالَة، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَدِيث ; لِأَنَّ الْحَدِيث ( نَهَى أَنْ يُجْمَع بَيْنَ الْعَمَّة وَالْخَالَة ).
فَالْوَاجِب عَلَى لَفْظ الْحَدِيث أَلَّا يُجْمَع بَيْنَ اِمْرَأَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَمَّة الْأُخْرَى وَالْأُخْرَى خَالَة الْأُخْرَى.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى مَعْنًى صَحِيح، يَكُون رَجُل وَابْنه تَزَوَّجَا اِمْرَأَة وَابْنَتهَا ; تَزَوَّجَ الرَّجُل الْبِنْت وَتَزَوَّجَ الِابْن الْأُمّ فَوُلِدَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا اِبْنَة مِنْ هَاتَيْنِ الزَّوْجَتَيْنِ ; فَابْنَة الْأَب عَمَّة اِبْنَة الِابْن، وَابْنَة الِابْن خَالَة اِبْنَة الْأَب.
وَأَمَّا الْجَمْع بَيْنَ الْخَالَتَيْنِ فَهَذَا يُوجِب أَنْ يَكُونَا اِمْرَأَتَيْنِ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا خَالَة الْأُخْرَى ; وَذَلِكَ أَنْ يَكُون رَجُل تَزَوَّجَ اِبْنَة رَجُل وَتَزَوَّجَ الْآخَر اِبْنَتَهُ، فَوُلِدَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا اِبْنَة، فَابْنَة كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا خَالَة الْأُخْرَى.
وَأَمَّا الْجَمْع بَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ فَيُوجِب أَلَّا يُجْمَع بَيْنَ اِمْرَأَتَيْنِ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عَمَّة الْأُخْرَى ; وَذَلِكَ أَنْ يَتَزَوَّج رَجُل أُمّ رَجُل وَيَتَزَوَّج الْآخَر أُمّ الْآخَر، فَيُولَد لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا اِبْنَة فَابْنَة كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَمَّة الْأُخْرَى ; فَهَذَا مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَى لِسَان رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآن.
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَدْ عَقَدَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ يَحْرُم الْجَمْع بَيْنَهُنَّ عَقْدًا حَسَنًا ; فَرَوَى مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ فُضَيْل بْن مَيْسَرَة عَنْ أَبِي جَرِير عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : كُلّ اِمْرَأَتَيْنِ إِذَا جَعَلْت مَوْضِع إِحْدَاهُمَا ذَكَرًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج الْأُخْرَى فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بَاطِل.
فَقُلْت لَهُ : عَمَّنْ هَذَا ؟ قَالَ : عَنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : تَفْسِيره عِنْدَنَا أَنْ يَكُون مِنْ النَّسَب، وَلَا يَكُون بِمَنْزِلَةِ اِمْرَأَة وَابْنَة زَوْجهَا يُجْمَع بَيْنهمَا إِنْ شَاءَ.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَهَذَا عَلَى مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَسَائِر فُقَهَاء الْأَمْصَار مِنْ أَهْل الْحَدِيث وَغَيْرهمْ فِيمَا عَلِمْت لَا يَخْتَلِفُونَ فِي هَذَا الْأَصْل.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا مِنْ التَّعَسُّف الَّذِي لَا يَكَاد يُسْمَع بِمِثْلِهِ، وَفِيهِ أَيْضًا مَعَ التَّعَسُّف أَنَّهُ يَكُون كَلَامًا مُكَرَّرًا لِغَيْرِ فَائِدَة ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَعْنَى نَهَى أَنْ يُجْمَع بَيْنَ الْعَمَّة وَبِنْت أَخِيهَا وَبَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ يَعْنِي بِهِ الْعَمَّة وَبِنْت أَخِيهَا صَارَ الْكَلَام مُكَرَّرًا لِغَيْرِ فَائِدَة ; وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُون وَبَيْنَ الْخَالَة، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَدِيث ; لِأَنَّ الْحَدِيث ( نَهَى أَنْ يُجْمَع بَيْنَ الْعَمَّة وَالْخَالَة ).
فَالْوَاجِب عَلَى لَفْظ الْحَدِيث أَلَّا يُجْمَع بَيْنَ اِمْرَأَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَمَّة الْأُخْرَى وَالْأُخْرَى خَالَة الْأُخْرَى.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى مَعْنًى صَحِيح، يَكُون رَجُل وَابْنه تَزَوَّجَا اِمْرَأَة وَابْنَتهَا ; تَزَوَّجَ الرَّجُل الْبِنْت وَتَزَوَّجَ الِابْن الْأُمّ فَوُلِدَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا اِبْنَة مِنْ هَاتَيْنِ الزَّوْجَتَيْنِ ; فَابْنَة الْأَب عَمَّة اِبْنَة الِابْن، وَابْنَة الِابْن خَالَة اِبْنَة الْأَب.
وَأَمَّا الْجَمْع بَيْنَ الْخَالَتَيْنِ فَهَذَا يُوجِب أَنْ يَكُونَا اِمْرَأَتَيْنِ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا خَالَة الْأُخْرَى ; وَذَلِكَ أَنْ يَكُون رَجُل تَزَوَّجَ اِبْنَة رَجُل وَتَزَوَّجَ الْآخَر اِبْنَتَهُ، فَوُلِدَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا اِبْنَة، فَابْنَة كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا خَالَة الْأُخْرَى.
وَأَمَّا الْجَمْع بَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ فَيُوجِب أَلَّا يُجْمَع بَيْنَ اِمْرَأَتَيْنِ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عَمَّة الْأُخْرَى ; وَذَلِكَ أَنْ يَتَزَوَّج رَجُل أُمّ رَجُل وَيَتَزَوَّج الْآخَر أُمّ الْآخَر، فَيُولَد لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا اِبْنَة فَابْنَة كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَمَّة الْأُخْرَى ; فَهَذَا مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَى لِسَان رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآن.
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَدْ عَقَدَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ يَحْرُم الْجَمْع بَيْنَهُنَّ عَقْدًا حَسَنًا ; فَرَوَى مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ فُضَيْل بْن مَيْسَرَة عَنْ أَبِي جَرِير عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : كُلّ اِمْرَأَتَيْنِ إِذَا جَعَلْت مَوْضِع إِحْدَاهُمَا ذَكَرًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج الْأُخْرَى فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بَاطِل.
فَقُلْت لَهُ : عَمَّنْ هَذَا ؟ قَالَ : عَنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : تَفْسِيره عِنْدَنَا أَنْ يَكُون مِنْ النَّسَب، وَلَا يَكُون بِمَنْزِلَةِ اِمْرَأَة وَابْنَة زَوْجهَا يُجْمَع بَيْنهمَا إِنْ شَاءَ.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَهَذَا عَلَى مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَسَائِر فُقَهَاء الْأَمْصَار مِنْ أَهْل الْحَدِيث وَغَيْرهمْ فِيمَا عَلِمْت لَا يَخْتَلِفُونَ فِي هَذَا الْأَصْل.
وَقَدْ كَرِهَ قَوْم مِنْ السَّلَف أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُل بَيْنَ اِبْنَة رَجُل وَامْرَأَته مِنْ أَجْل أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ كَانَ ذَكَرًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاح الْأُخْرَى.
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا بَأْس بِذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُرَاعَى النَّسَب دُون غَيْره مِنْ الْمُصَاهَرَةِ ; ثُمَّ وَرَدَ فِي بَعْض الْأَخْبَار التَّنْبِيه عَلَى الْعِلَّة فِي مَنْع الْجَمْع بَيْنَ مَنْ ذُكِرَ، وَذَلِكَ مَا يُفْضِي إِلَيْهِ الْجَمْع مِنْ قَطْع الْأَرْحَام الْقَرِيبَة مِمَّا يَقَع بَيْنَ الضَّرَائِر مِنْ الشَّنَآن وَالشُّرُور بِسَبَبِ الْغَيْرَة ; فَرَوَى اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّج الرَّجُل الْمَرْأَة عَلَى الْعَمَّة أَوْ عَلَى الْخَالَة، وَقَالَ :( إِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَّعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ ) ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّد الْأَصِيلِيّ فِي فَوَائِده وَابْن عَبْد الْبَرّ وَغَيْرهمَا.
وَمِنْ مَرَاسِيل أَبِي دَاوُدَ عَنْ حُسَيْن بْن طَلْحَة قَالَ : نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَح الْمَرْأَة عَلَى أَخَوَاتهَا مَخَافَة الْقَطِيعَة ; وَقَدْ طَرَدَ بَعْضُ السَّلَفِ هَذِهِ الْعِلَّةَ فَمَنَعَ الْجَمْع بَيْنَ الْمَرْأَة وَقَرِيبَتهَا، وَسَوَاء كَانَتْ بِنْت عَمّ أَوْ بِنْت خَال أَوْ بِنْت خَالَة ; رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إِسْحَاق بْن طَلْحَة وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَعَطَاء فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي نَجِيح، وَرَوَى عَنْهُ اِبْن جُرَيْج أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيح.
وَقَدْ نَكَحَ حَسَن بْن حُسَيْن بْن عَلِيّ فِي لَيْلَة وَاحِدَة اِبْنَةَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ وَابْنَة عُمَر بْن عَلِيّ فَجَمَعَ بَيْنَ اِبْنَتَيْ عَمّ ; ذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق.
زَادَ اِبْن عُيَيْنَة : فَأَصْبَحَ نِسَاؤُهُمْ لَا يَدْرِينَ إِلَى أَيَّتِهِمَا يَذْهَبْنَ ; وَقَدْ كَرِهَ مَالِك هَذَا، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ عِنْده.
وَفِي سَمَاع اِبْن الْقَاسِم : سُئِلَ مَالِك عَنْ اِبْنَتَيْ الْعَمّ أَيُجْمَعُ بَيْنهمَا ؟ فَقَالَ : مَا أَعْلَمُهُ حَرَامًا.
قِيلَ لَهُ : أَفَتَكْرَهُهُ ؟ قَالَ : إِنَّ نَاسًا لَيَتَّقُونَهُ ; قَالَ اِبْن الْقَاسِم : وَهُوَ حَلَال لَا بَأْس بِهِ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَا أَعْلَم أَحَدًا أَبْطَلَ هَذَا النِّكَاح.
وَهُمَا دَاخِلَتَانِ فِي جُمْلَة مَا أُبِيحَ بِالنِّكَاحِ غَيْر خَارِجَتَيْنِ مِنْهُ بِكِتَابٍ وَلَا سُنَّة وَلَا إِجْمَاع، وَكَذَلِكَ الْجَمْع بَيْنَ اِبْنَتَيْ عَمَّة وَابْنَتَيْ خَالَة.
وَقَالَ السُّدِّيّ فِي قَوْله تَعَالَى :" وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَلِكُمْ " : يَعْنِي النِّكَاح فِيمَا دُون الْفَرْج.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَوَات الْمَحَارِم مِنْ أَقْرِبَائِكُمْ.
قَتَادَة : يَعْنِي بِذَلِكَ مِلْك الْيَمِين خَاصَّة.
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا بَأْس بِذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُرَاعَى النَّسَب دُون غَيْره مِنْ الْمُصَاهَرَةِ ; ثُمَّ وَرَدَ فِي بَعْض الْأَخْبَار التَّنْبِيه عَلَى الْعِلَّة فِي مَنْع الْجَمْع بَيْنَ مَنْ ذُكِرَ، وَذَلِكَ مَا يُفْضِي إِلَيْهِ الْجَمْع مِنْ قَطْع الْأَرْحَام الْقَرِيبَة مِمَّا يَقَع بَيْنَ الضَّرَائِر مِنْ الشَّنَآن وَالشُّرُور بِسَبَبِ الْغَيْرَة ; فَرَوَى اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّج الرَّجُل الْمَرْأَة عَلَى الْعَمَّة أَوْ عَلَى الْخَالَة، وَقَالَ :( إِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَّعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ ) ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّد الْأَصِيلِيّ فِي فَوَائِده وَابْن عَبْد الْبَرّ وَغَيْرهمَا.
وَمِنْ مَرَاسِيل أَبِي دَاوُدَ عَنْ حُسَيْن بْن طَلْحَة قَالَ : نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَح الْمَرْأَة عَلَى أَخَوَاتهَا مَخَافَة الْقَطِيعَة ; وَقَدْ طَرَدَ بَعْضُ السَّلَفِ هَذِهِ الْعِلَّةَ فَمَنَعَ الْجَمْع بَيْنَ الْمَرْأَة وَقَرِيبَتهَا، وَسَوَاء كَانَتْ بِنْت عَمّ أَوْ بِنْت خَال أَوْ بِنْت خَالَة ; رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إِسْحَاق بْن طَلْحَة وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَعَطَاء فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي نَجِيح، وَرَوَى عَنْهُ اِبْن جُرَيْج أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيح.
وَقَدْ نَكَحَ حَسَن بْن حُسَيْن بْن عَلِيّ فِي لَيْلَة وَاحِدَة اِبْنَةَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ وَابْنَة عُمَر بْن عَلِيّ فَجَمَعَ بَيْنَ اِبْنَتَيْ عَمّ ; ذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق.
زَادَ اِبْن عُيَيْنَة : فَأَصْبَحَ نِسَاؤُهُمْ لَا يَدْرِينَ إِلَى أَيَّتِهِمَا يَذْهَبْنَ ; وَقَدْ كَرِهَ مَالِك هَذَا، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ عِنْده.
وَفِي سَمَاع اِبْن الْقَاسِم : سُئِلَ مَالِك عَنْ اِبْنَتَيْ الْعَمّ أَيُجْمَعُ بَيْنهمَا ؟ فَقَالَ : مَا أَعْلَمُهُ حَرَامًا.
قِيلَ لَهُ : أَفَتَكْرَهُهُ ؟ قَالَ : إِنَّ نَاسًا لَيَتَّقُونَهُ ; قَالَ اِبْن الْقَاسِم : وَهُوَ حَلَال لَا بَأْس بِهِ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَا أَعْلَم أَحَدًا أَبْطَلَ هَذَا النِّكَاح.
وَهُمَا دَاخِلَتَانِ فِي جُمْلَة مَا أُبِيحَ بِالنِّكَاحِ غَيْر خَارِجَتَيْنِ مِنْهُ بِكِتَابٍ وَلَا سُنَّة وَلَا إِجْمَاع، وَكَذَلِكَ الْجَمْع بَيْنَ اِبْنَتَيْ عَمَّة وَابْنَتَيْ خَالَة.
وَقَالَ السُّدِّيّ فِي قَوْله تَعَالَى :" وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَلِكُمْ " : يَعْنِي النِّكَاح فِيمَا دُون الْفَرْج.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَوَات الْمَحَارِم مِنْ أَقْرِبَائِكُمْ.
قَتَادَة : يَعْنِي بِذَلِكَ مِلْك الْيَمِين خَاصَّة.
أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ
" أَنْ تَبْغَتُوا بِأَمْوَالِكُمْ " لَفْظ يَجْمَع التَّزَوُّج وَالسِّرَاء.
وَ " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب بَدَل مِنْ " مَا "، وَعَلَى قِرَاءَة حَمْزَة فِي مَوْضِع رَفْع ; وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى لِأَنْ، أَوْ بِأَنْ ; فَتُحْذَف اللَّام أَوْ الْبَاء فَيَكُون فِي مَوْضِع نَصْب.
و " مُحْصِنِينَ " نُصِبَ عَلَى الْحَال، وَمَعْنَاهُ مُتَعَفِّفِينَ عَنْ الزِّنَى.
" غَيْر مُسَافِحِينَ " أَيْ غَيْر زَانِينَ.
وَالسِّفَاح الزِّنَى، وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ سَفْح الْمَاء، أَيْ صَبُّهُ وَسَيَلَانه ; وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ الدِّفَاف فِي عُرْس :( هَذَا النِّكَاح لَا السِّفَاح وَلَا نِكَاح السِّرّ ).
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ قَوْله " مُحْصِنِينَ غَيْر مُسَافِحِينَ " يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ الْإِحْصَان بِعَقْدِ النِّكَاح، تَقْدِيره اُطْلُبُوا مَنَافِع الْبُضْع بِأَمْوَالِكُمْ عَلَى وَجْه النِّكَاح لَا عَلَى وَجْه السِّفَاح ; فَيَكُون لِلْآيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْه عُمُوم.
وَيَحْتَمِل أَنْ يُقَال :" مُحْصِنِينَ " أَيْ الْإِحْصَان صِفَة لَهُنَّ، وَمَعْنَاهُ لِتَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى شَرْط الْإِحْصَان فِيهِنَّ ; وَالْوَجْه الْأَوَّل أَوْلَى ; لِأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ جَرْيُ الْآيَة عَلَى عُمُومهَا وَالتَّعَلُّق بِمُقْتَضَاهَا فَهُوَ أَوْلَى ; وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الْوَجْه الثَّانِي أَنَّ الْمُسَافِحَات لَا يَحِلّ التَّزَوُّجُ بِهِنَّ، وَذَلِكَ خِلَاف الْإِجْمَاع.
قَوْله تَعَالَى :" بِأَمْوَالِكُمْ " أَبَاحَ اللَّه تَعَالَى الْفُرُوج بِالْأَمْوَالِ وَلَمْ يَحْصُلْ، فَوَجَبَ إِذَا حَصَلَ بِغَيْرِ الْمَال أَلَّا تَقَعَ الْإِبَاحَة بِهِ ; لِأَنَّهَا عَلَى غَيْر الشَّرْط الْمَأْذُون فِيهِ، كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَى خَمْر أَوْ خِنْزِير أَوْ مَا لَا يَصِحّ تَمَلُّكُهُ.
وَيَرُدّ عَلَى أَحْمَد قَوْله فِي أَنَّ الْعِتْق يَكُون صَدَاقًا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَسْلِيم مَال وَإِنَّمَا فِيهِ إِسْقَاط الْمِلْك مِنْ غَيْر أَنْ اِسْتَحَقَّتْ بِهِ تَسْلِيم مَال إِلَيْهَا ; فَإِنَّ الَّذِي كَانَ يَمْلِكهُ الْمَوْلَى مِنْ عِنْده لَمْ يَنْتَقِل إِلَيْهَا وَإِنَّمَا سَقَطَ.
فَإِذَا لَمْ يُسَلِّم الزَّوْج إِلَيْهَا شَيْئًا وَلَمْ تَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَتْلَفَ بِهِ مِلْكَهُ، لَمْ يَكُنْ مَهْرًا.
وَهَذَا بَيِّنٌ مَعَ قَوْله تَعَالَى :" وَآتُوا النِّسَاء " [ النِّسَاء : ٤ ] وَذَلِكَ أَمْر يَقْتَضِي الْإِيجَاب، وَإِعْطَاء الْعِتْق لَا يَصِحّ.
وَقَوْله تَعَالَى :" فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ " [ النِّسَاء : ٤ ] وَذَلِكَ مُحَال فِي الْعِتْق، فَلَمْ يَبْقَ أَنْ يَكُون الصَّدَاق إِلَّا مَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" بِأَمْوَالِكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٤ ] اِخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ فِي قَدْر ذَلِكَ ; فَتَعَلَّقَ الشَّافِعِيّ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى :" بِأَمْوَالِكُمْ " فِي جَوَاز الصَّدَاق بِقَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَهُوَ الصَّحِيح ; وَيُعَضِّدُهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث الْمَوْهُوبَة ( وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيد ).
وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( أَنْكِحُوا الْأَيَامَى ) ; ثَلَاثًا.
" أَنْ تَبْغَتُوا بِأَمْوَالِكُمْ " لَفْظ يَجْمَع التَّزَوُّج وَالسِّرَاء.
وَ " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب بَدَل مِنْ " مَا "، وَعَلَى قِرَاءَة حَمْزَة فِي مَوْضِع رَفْع ; وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى لِأَنْ، أَوْ بِأَنْ ; فَتُحْذَف اللَّام أَوْ الْبَاء فَيَكُون فِي مَوْضِع نَصْب.
و " مُحْصِنِينَ " نُصِبَ عَلَى الْحَال، وَمَعْنَاهُ مُتَعَفِّفِينَ عَنْ الزِّنَى.
" غَيْر مُسَافِحِينَ " أَيْ غَيْر زَانِينَ.
وَالسِّفَاح الزِّنَى، وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ سَفْح الْمَاء، أَيْ صَبُّهُ وَسَيَلَانه ; وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ الدِّفَاف فِي عُرْس :( هَذَا النِّكَاح لَا السِّفَاح وَلَا نِكَاح السِّرّ ).
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ قَوْله " مُحْصِنِينَ غَيْر مُسَافِحِينَ " يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ الْإِحْصَان بِعَقْدِ النِّكَاح، تَقْدِيره اُطْلُبُوا مَنَافِع الْبُضْع بِأَمْوَالِكُمْ عَلَى وَجْه النِّكَاح لَا عَلَى وَجْه السِّفَاح ; فَيَكُون لِلْآيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْه عُمُوم.
وَيَحْتَمِل أَنْ يُقَال :" مُحْصِنِينَ " أَيْ الْإِحْصَان صِفَة لَهُنَّ، وَمَعْنَاهُ لِتَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى شَرْط الْإِحْصَان فِيهِنَّ ; وَالْوَجْه الْأَوَّل أَوْلَى ; لِأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ جَرْيُ الْآيَة عَلَى عُمُومهَا وَالتَّعَلُّق بِمُقْتَضَاهَا فَهُوَ أَوْلَى ; وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الْوَجْه الثَّانِي أَنَّ الْمُسَافِحَات لَا يَحِلّ التَّزَوُّجُ بِهِنَّ، وَذَلِكَ خِلَاف الْإِجْمَاع.
قَوْله تَعَالَى :" بِأَمْوَالِكُمْ " أَبَاحَ اللَّه تَعَالَى الْفُرُوج بِالْأَمْوَالِ وَلَمْ يَحْصُلْ، فَوَجَبَ إِذَا حَصَلَ بِغَيْرِ الْمَال أَلَّا تَقَعَ الْإِبَاحَة بِهِ ; لِأَنَّهَا عَلَى غَيْر الشَّرْط الْمَأْذُون فِيهِ، كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَى خَمْر أَوْ خِنْزِير أَوْ مَا لَا يَصِحّ تَمَلُّكُهُ.
وَيَرُدّ عَلَى أَحْمَد قَوْله فِي أَنَّ الْعِتْق يَكُون صَدَاقًا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَسْلِيم مَال وَإِنَّمَا فِيهِ إِسْقَاط الْمِلْك مِنْ غَيْر أَنْ اِسْتَحَقَّتْ بِهِ تَسْلِيم مَال إِلَيْهَا ; فَإِنَّ الَّذِي كَانَ يَمْلِكهُ الْمَوْلَى مِنْ عِنْده لَمْ يَنْتَقِل إِلَيْهَا وَإِنَّمَا سَقَطَ.
فَإِذَا لَمْ يُسَلِّم الزَّوْج إِلَيْهَا شَيْئًا وَلَمْ تَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَتْلَفَ بِهِ مِلْكَهُ، لَمْ يَكُنْ مَهْرًا.
وَهَذَا بَيِّنٌ مَعَ قَوْله تَعَالَى :" وَآتُوا النِّسَاء " [ النِّسَاء : ٤ ] وَذَلِكَ أَمْر يَقْتَضِي الْإِيجَاب، وَإِعْطَاء الْعِتْق لَا يَصِحّ.
وَقَوْله تَعَالَى :" فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ " [ النِّسَاء : ٤ ] وَذَلِكَ مُحَال فِي الْعِتْق، فَلَمْ يَبْقَ أَنْ يَكُون الصَّدَاق إِلَّا مَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" بِأَمْوَالِكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٤ ] اِخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ فِي قَدْر ذَلِكَ ; فَتَعَلَّقَ الشَّافِعِيّ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى :" بِأَمْوَالِكُمْ " فِي جَوَاز الصَّدَاق بِقَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَهُوَ الصَّحِيح ; وَيُعَضِّدُهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث الْمَوْهُوبَة ( وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيد ).
وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( أَنْكِحُوا الْأَيَامَى ) ; ثَلَاثًا.
قِيلَ : مَا الْعَلَائِق بَيْنَهُمْ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ :( مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاك ).
وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ : سَأَلْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَدَاق النِّسَاء فَقَالَ :( هُوَ مَا اِصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَهْلُوهُمْ ).
وَرَوَى جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْطَى اِمْرَأَة مِلْء يَدَيْهِ طَعَامًا كَانَتْ بِهِ حَلَالًا ).
أَخْرَجَهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنه.
قَالَ الشَّافِعِيّ : كُلّ مَا جَازَ أَنْ يَكُون ثَمَنًا لِشَيْءٍ، أَوْ جَازَ أَنْ يَكُون أُجْرَة جَازَ أَنْ يَكُون صَدَاقًا، وَهَذَا قَوْل جُمْهُور أَهْل الْعِلْم.
وَجَمَاعَة أَهْل الْحَدِيث مِنْ أَهْل الْمَدِينَة وَغَيْرهَا، كُلّهمْ أَجَازُوا الصَّدَاق بِقَلِيلِ الْمَال وَكَثِيره، وَهُوَ قَوْل عَبْد اللَّه بْن وَهْب صَاحِب مَالِك، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْره.
قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا حَلَّتْ بِهِ، وَأَنْكَحَ اِبْنَته مِنْ عَبْد اللَّه بْن وَدَاعَة بِدِرْهَمَيْنِ.
وَقَالَ رَبِيعَة : يَجُوز النِّكَاح بِدِرْهَمٍ.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا فِي تَعْلِيل لَهُ : وَكَانَ أَشْبَه الْأَشْيَاء بِذَلِكَ قَطْع مِنْ رُبُع دِينَار أَوْ ثَلَاثَة دَرَاهِم كَيْلًا.
قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا فِي تَعْلِيل لَهُ : وَكَانَ أَشْبَه الْأَشْيَاء بِذَلِكَ قَطْع الْيَد، لِأَنَّ الْبُضْع عُضْو وَالْيَد عُضْو يُسْتَبَاح بِمُقَدَّرٍ مِنْ الْمَال، وَذَلِكَ رُبُع دِينَار أَوْ ثَلَاثَة دَرَاهِم كَيْلًا ; فَرَدَّ مَالِك الْبُضْع إِلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى الْيَد.
قَالَ أَبُو عُمَر : قَدْ تَقَدَّمَهُ إِلَى هَذَا أَبُو حَنِيفَة، فَقَاسَ الصَّدَاق عَلَى قَطْع الْيَد، وَالْيَد عِنْده لَا تُقْطَع إِلَّا فِي دِينَار ذَهَبًا أَوْ عَشَرَة دَرَاهِم كَيْلًا، وَلَا صَدَاق عِنْده أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَة أَصْحَابه وَأَهْل مَذْهَبه، وَهُوَ قَوْل أَكْثَر أَهْل بَلَده فِي قَطْع الْيَد لَا فِي أَقَلّ الصَّدَاق.
وَقَدْ قَالَ الدَّرَاوَرْدِيّ لِمَالِكٍ إِذْ قَالَ لَا صَدَاق أَقَلّ مِنْ رُبُع دِينَار : تَعَرَّقْتَ فِيهَا يَا أَبَا عَبْد اللَّه أَيْ سَلَكْت فِيهَا سَبِيل أَهْل الْعِرَاق.
وَقَدْ اِحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَة بِمَا رَوَاهُ جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَا صَدَاق دُون عَشَرَة دَرَاهِم ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَفِي سَنَدِهِ مُبَشِّر بْن عُبَيْد مَتْرُوك.
وَرُوِيَ عَنْ دَاوُدَ الْأَوْدِيّ عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَام : لَا يَكُون الْمَهْر أَقَلّ مِنْ عَشَرَة دَرَاهِم.
قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل : لَقَّنَ غِيَاث بْن إِبْرَاهِيم دَاوُدَ الْأَوْدِيّ عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ عَلِيّ : لَا مَهْر أَقَلّ مِنْ عَشَرَة دَرَاهِم.
فَصَارَ حَدِيثًا.
وَقَالَ النَّخَعِيّ : أَقَلّه أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.
سَعِيد بْن جُبَيْر : خَمْسُونَ دِرْهَمًا.
اِبْن شُبْرُمَة : خَمْسَة دَرَاهِم.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لَا مَهْر أَقَلّ مِنْ خَمْسَة دَرَاهِم.
وَقَالَ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ : سَأَلْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَدَاق النِّسَاء فَقَالَ :( هُوَ مَا اِصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَهْلُوهُمْ ).
وَرَوَى جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْطَى اِمْرَأَة مِلْء يَدَيْهِ طَعَامًا كَانَتْ بِهِ حَلَالًا ).
أَخْرَجَهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنه.
قَالَ الشَّافِعِيّ : كُلّ مَا جَازَ أَنْ يَكُون ثَمَنًا لِشَيْءٍ، أَوْ جَازَ أَنْ يَكُون أُجْرَة جَازَ أَنْ يَكُون صَدَاقًا، وَهَذَا قَوْل جُمْهُور أَهْل الْعِلْم.
وَجَمَاعَة أَهْل الْحَدِيث مِنْ أَهْل الْمَدِينَة وَغَيْرهَا، كُلّهمْ أَجَازُوا الصَّدَاق بِقَلِيلِ الْمَال وَكَثِيره، وَهُوَ قَوْل عَبْد اللَّه بْن وَهْب صَاحِب مَالِك، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْره.
قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا حَلَّتْ بِهِ، وَأَنْكَحَ اِبْنَته مِنْ عَبْد اللَّه بْن وَدَاعَة بِدِرْهَمَيْنِ.
وَقَالَ رَبِيعَة : يَجُوز النِّكَاح بِدِرْهَمٍ.
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا فِي تَعْلِيل لَهُ : وَكَانَ أَشْبَه الْأَشْيَاء بِذَلِكَ قَطْع مِنْ رُبُع دِينَار أَوْ ثَلَاثَة دَرَاهِم كَيْلًا.
قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا فِي تَعْلِيل لَهُ : وَكَانَ أَشْبَه الْأَشْيَاء بِذَلِكَ قَطْع الْيَد، لِأَنَّ الْبُضْع عُضْو وَالْيَد عُضْو يُسْتَبَاح بِمُقَدَّرٍ مِنْ الْمَال، وَذَلِكَ رُبُع دِينَار أَوْ ثَلَاثَة دَرَاهِم كَيْلًا ; فَرَدَّ مَالِك الْبُضْع إِلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى الْيَد.
قَالَ أَبُو عُمَر : قَدْ تَقَدَّمَهُ إِلَى هَذَا أَبُو حَنِيفَة، فَقَاسَ الصَّدَاق عَلَى قَطْع الْيَد، وَالْيَد عِنْده لَا تُقْطَع إِلَّا فِي دِينَار ذَهَبًا أَوْ عَشَرَة دَرَاهِم كَيْلًا، وَلَا صَدَاق عِنْده أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَة أَصْحَابه وَأَهْل مَذْهَبه، وَهُوَ قَوْل أَكْثَر أَهْل بَلَده فِي قَطْع الْيَد لَا فِي أَقَلّ الصَّدَاق.
وَقَدْ قَالَ الدَّرَاوَرْدِيّ لِمَالِكٍ إِذْ قَالَ لَا صَدَاق أَقَلّ مِنْ رُبُع دِينَار : تَعَرَّقْتَ فِيهَا يَا أَبَا عَبْد اللَّه أَيْ سَلَكْت فِيهَا سَبِيل أَهْل الْعِرَاق.
وَقَدْ اِحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَة بِمَا رَوَاهُ جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( لَا صَدَاق دُون عَشَرَة دَرَاهِم ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَفِي سَنَدِهِ مُبَشِّر بْن عُبَيْد مَتْرُوك.
وَرُوِيَ عَنْ دَاوُدَ الْأَوْدِيّ عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَام : لَا يَكُون الْمَهْر أَقَلّ مِنْ عَشَرَة دَرَاهِم.
قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل : لَقَّنَ غِيَاث بْن إِبْرَاهِيم دَاوُدَ الْأَوْدِيّ عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ عَلِيّ : لَا مَهْر أَقَلّ مِنْ عَشَرَة دَرَاهِم.
فَصَارَ حَدِيثًا.
وَقَالَ النَّخَعِيّ : أَقَلّه أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.
سَعِيد بْن جُبَيْر : خَمْسُونَ دِرْهَمًا.
اِبْن شُبْرُمَة : خَمْسَة دَرَاهِم.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لَا مَهْر أَقَلّ مِنْ خَمْسَة دَرَاهِم.
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً
الِاسْتِمْتَاع التَّلَذُّذ وَالْأُجُور الْمُهُور ; وَسُمِّيَ الْمَهْر أَجْرًا لِأَنَّهُ أَجْر الِاسْتِمْتَاع، وَهَذَا نَصّ عَلَى أَنَّ الْمَهْر يُسَمَّى أَجْرًا، وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ فِي مُقَابَلَة الْبُضْع ; لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ الْمَنْفَعَة يُسَمَّى أَجْرًا.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي النِّكَاح مَا هُوَ : بَدَن الْمَرْأَة أَوْ مَنْفَعَة الْبُضْع أَوْ الْحِلّ ; ثَلَاثَة أَقْوَال، وَالظَّاهِر الْمَجْمُوع ; فَإِنَّ الْعَقْد يَقْتَضِي كُلّ ذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الْآيَة ; فَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : الْمَعْنَى فَمَا اِنْتَفَعْتُمْ وَتَلَذَّذْتُمْ بِالْجِمَاعِ مِنْ النِّسَاء بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح " فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ " أَيْ مُهُورَهُنَّ، فَإِذَا جَامَعَهَا مَرَّة وَاحِدَة فَقَدْ وَجَبَ الْمَهْر كَامِلًا إِنْ كَانَ مُسَمًّى، أَوْ مَهْر مِثْلهَا إِنْ لَمْ يُسَمَّ.
فَإِنْ كَانَ النِّكَاح فَاسِدًا فَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ مَالِك فِي النِّكَاح الْفَاسِد، هَلْ تَسْتَحِقّ بِهِ مَهْر الْمِثْل، أَوْ الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ مَهْرًا صَحِيحًا ؟ فَقَالَ مَرَّة الْمَهْر الْمُسَمَّى، وَهُوَ ظَاهِر مَذْهَبه ; وَذَلِكَ أَنَّ مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ يَقِين، وَمَهْر الْمِثْل اِجْتِهَاد فَيَجِب أَنْ يُرْجَع إِلَى مَا تَيَقَّنَّاهُ ; لِأَنَّ الْأَمْوَال لَا تُسْتَحَقّ بِالشَّكِّ.
وَوَجْه قَوْله :" مَهْر الْمِثْل " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( أَيّمَا اِمْرَأَة نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْن وَلِيّهَا فَنِكَاحهَا بَاطِل فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْر مِثْلهَا بِمَا اِسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجهَا ).
قَالَ اِبْن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ : وَلَا يَجُوز أَنْ تُحْمَل الْآيَة عَلَى جَوَاز الْمُتْعَة ; لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاح الْمُتْعَة وَحَرَّمَهُ ; وَلِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" فَأَنْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ " وَمَعْلُوم أَنَّ النِّكَاح بِإِذْنِ الْأَهْلِينَ هُوَ النِّكَاح الشَّرْعِيّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ، وَنِكَاح الْمُتْعَة لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَقَالَ الْجُمْهُور : الْمُرَاد نِكَاح الْمُتْعَة الَّذِي كَانَ فِي صَدْر الْإِسْلَام.
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَأُبَيّ وَابْن جُبَيْر " فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ " ثُمَّ نَهَى عَنْهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : نَسَخَتْهَا آيَة الْمِيرَاث ; إِذْ كَانَتْ الْمُتْعَة لَا مِيرَاث فِيهَا.
وَقَالَتْ عَائِشَة وَالْقَاسِم بْن مُحَمَّد : تَحْرِيمهَا وَنَسْخُهَا فِي الْقُرْآن ; وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى :" وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجهمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْر مَلُومِينَ " [ الْمُؤْمِنُونَ :
٥ - ٦ ].
وَلَيْسَتْ الْمُتْعَة نِكَاحًا وَلَا مِلْك يَمِين.
الِاسْتِمْتَاع التَّلَذُّذ وَالْأُجُور الْمُهُور ; وَسُمِّيَ الْمَهْر أَجْرًا لِأَنَّهُ أَجْر الِاسْتِمْتَاع، وَهَذَا نَصّ عَلَى أَنَّ الْمَهْر يُسَمَّى أَجْرًا، وَذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ فِي مُقَابَلَة الْبُضْع ; لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ الْمَنْفَعَة يُسَمَّى أَجْرًا.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي النِّكَاح مَا هُوَ : بَدَن الْمَرْأَة أَوْ مَنْفَعَة الْبُضْع أَوْ الْحِلّ ; ثَلَاثَة أَقْوَال، وَالظَّاهِر الْمَجْمُوع ; فَإِنَّ الْعَقْد يَقْتَضِي كُلّ ذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الْآيَة ; فَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : الْمَعْنَى فَمَا اِنْتَفَعْتُمْ وَتَلَذَّذْتُمْ بِالْجِمَاعِ مِنْ النِّسَاء بِالنِّكَاحِ الصَّحِيح " فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ " أَيْ مُهُورَهُنَّ، فَإِذَا جَامَعَهَا مَرَّة وَاحِدَة فَقَدْ وَجَبَ الْمَهْر كَامِلًا إِنْ كَانَ مُسَمًّى، أَوْ مَهْر مِثْلهَا إِنْ لَمْ يُسَمَّ.
فَإِنْ كَانَ النِّكَاح فَاسِدًا فَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ مَالِك فِي النِّكَاح الْفَاسِد، هَلْ تَسْتَحِقّ بِهِ مَهْر الْمِثْل، أَوْ الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ مَهْرًا صَحِيحًا ؟ فَقَالَ مَرَّة الْمَهْر الْمُسَمَّى، وَهُوَ ظَاهِر مَذْهَبه ; وَذَلِكَ أَنَّ مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ يَقِين، وَمَهْر الْمِثْل اِجْتِهَاد فَيَجِب أَنْ يُرْجَع إِلَى مَا تَيَقَّنَّاهُ ; لِأَنَّ الْأَمْوَال لَا تُسْتَحَقّ بِالشَّكِّ.
وَوَجْه قَوْله :" مَهْر الْمِثْل " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( أَيّمَا اِمْرَأَة نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْن وَلِيّهَا فَنِكَاحهَا بَاطِل فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْر مِثْلهَا بِمَا اِسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجهَا ).
قَالَ اِبْن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ : وَلَا يَجُوز أَنْ تُحْمَل الْآيَة عَلَى جَوَاز الْمُتْعَة ; لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاح الْمُتْعَة وَحَرَّمَهُ ; وَلِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" فَأَنْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ " وَمَعْلُوم أَنَّ النِّكَاح بِإِذْنِ الْأَهْلِينَ هُوَ النِّكَاح الشَّرْعِيّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ، وَنِكَاح الْمُتْعَة لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَقَالَ الْجُمْهُور : الْمُرَاد نِكَاح الْمُتْعَة الَّذِي كَانَ فِي صَدْر الْإِسْلَام.
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَأُبَيّ وَابْن جُبَيْر " فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ " ثُمَّ نَهَى عَنْهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : نَسَخَتْهَا آيَة الْمِيرَاث ; إِذْ كَانَتْ الْمُتْعَة لَا مِيرَاث فِيهَا.
وَقَالَتْ عَائِشَة وَالْقَاسِم بْن مُحَمَّد : تَحْرِيمهَا وَنَسْخُهَا فِي الْقُرْآن ; وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى :" وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجهمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْر مَلُومِينَ " [ الْمُؤْمِنُونَ :
٥ - ٦ ].
وَلَيْسَتْ الْمُتْعَة نِكَاحًا وَلَا مِلْك يَمِين.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب قَالَ : نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُتْعَة، قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَتْ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَلَمَّا نَزَلَ النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْعِدَّة وَالْمِيرَاث بَيْنَ الزَّوْج وَالْمَرْأَة نُسِخَتْ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : نَسَخَ صَوْم رَمَضَان كُلّ صَوْم، وَنَسَخَتْ الزَّكَاة كُلّ صَدَقَة، وَنَسَخَ الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ الْمُتْعَةَ، وَنَسَخَتْ الْأُضْحِيَّة كُلّ ذَبْح.
وَعَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : الْمُتْعَة مَنْسُوخَة نَسَخَهَا الطَّلَاق وَالْعِدَّة وَالْمِيرَاث.
وَرَوَى عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مَا كَانَتْ الْمُتْعَة إِلَّا رَحْمَة مِنْ اللَّه تَعَالَى رَحِمَ بِهَا عِبَادَهُ وَلَوْلَا نَهْي عُمَر عَنْهَا مَا زَنَى إِلَّا شَقِيٌّ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء كَمْ مَرَّة أُبِيحَتْ وَنُسِخَتْ ; فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا نِسَاء ; فَقُلْنَا : أَلَا نَسْتَخْصِي ؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَة بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَل.
قَالَ أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ فِي صَحِيحه : قَوْلهمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَا نَسْتَخْصِي " دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُتْعَة كَانَتْ مَحْظُورَة قَبْل أَنْ أُبِيحَ لَهُمْ الِاسْتِمْتَاع، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَحْظُوره لَمْ يَكُنْ لِسُؤَالِهِمْ عَنْ هَذَا مَعْنًى، ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ فِي الْغَزْو أَنْ يَنْكِحُوا الْمَرْأَة بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَل ثُمَّ نَهَى عَنْهَا عَام خَيْبَر، ثُمَّ أَذِنَ فِيهَا عَام الْفَتْح، ثُمَّ حَرَّمَهَا بَعْد ثَلَاث، فَهِيَ مُحَرَّمَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَأَمَّا مُتْعَة النِّسَاء فَهِيَ مِنْ غَرَائِب الشَّرِيعَة ; لِأَنَّهَا أُبِيحَتْ فِي صَدْر الْإِسْلَام ثُمَّ حُرِّمَتْ يَوْم خَيْبَر، ثُمَّ أُبِيحَتْ فِي غَزْوَة أَوْطَاس، ثُمَّ حُرِّمَتْ بَعْد ذَلِكَ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْر عَلَى التَّحْرِيم، وَلَيْسَ لَهَا أُخْت فِي الشَّرِيعَة إِلَّا مَسْأَلَة الْقِبْلَة، لِأَنَّ النَّسْخ طَرَأَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اِسْتَقَرَّتْ بَعْد ذَلِكَ.
وَقَالَ غَيْره مِمَّنْ جَمَعَ طُرُق الْأَحَادِيث فِيهَا : إِنَّهَا تَقْتَضِي التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم سَبْع مَرَّات ; فَرَوَى اِبْن أَبِي عَمْرَة أَنَّهَا كَانَتْ فِي صَدْر الْإِسْلَام.
وَرَوَى سَلَمَة بْن الْأَكْوَع أَنَّهَا كَانَتْ عَام أَوْطَاس.
وَمِنْ رِوَايَة عَلِيّ تَحْرِيمهَا يَوْم خَيْبَر.
وَمِنْ رِوَايَة الرَّبِيع بْن سَبْرَة إِبَاحَتهَا يَوْم الْفَتْح.
قُلْت : وَهَذِهِ الطُّرُق كُلّهَا فِي صَحِيح مُسْلِم ; وَفِي غَيْره عَنْ عَلِيّ نَهْيه عَنْهَا فِي غَزْوَة تَبُوك ; رَوَاهُ إِسْحَاق بْن رَاشِد عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ، وَلَمْ يُتَابِع إِسْحَاق بْن رَاشِد عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة عَنْ اِبْن شِهَاب، قَالَهُ أَبُو عُمَر رَحِمَهُ اللَّه.
وَفِي مُصَنَّف أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيث الرَّبِيع بْن سَبْرَة النَّهْي عَنْهَا فِي حَجَّة الْوَدَاع، وَذَهَبَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى أَنَّ هَذَا أَصَحّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : نَسَخَ صَوْم رَمَضَان كُلّ صَوْم، وَنَسَخَتْ الزَّكَاة كُلّ صَدَقَة، وَنَسَخَ الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ الْمُتْعَةَ، وَنَسَخَتْ الْأُضْحِيَّة كُلّ ذَبْح.
وَعَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : الْمُتْعَة مَنْسُوخَة نَسَخَهَا الطَّلَاق وَالْعِدَّة وَالْمِيرَاث.
وَرَوَى عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مَا كَانَتْ الْمُتْعَة إِلَّا رَحْمَة مِنْ اللَّه تَعَالَى رَحِمَ بِهَا عِبَادَهُ وَلَوْلَا نَهْي عُمَر عَنْهَا مَا زَنَى إِلَّا شَقِيٌّ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء كَمْ مَرَّة أُبِيحَتْ وَنُسِخَتْ ; فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا نِسَاء ; فَقُلْنَا : أَلَا نَسْتَخْصِي ؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَة بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَل.
قَالَ أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ فِي صَحِيحه : قَوْلهمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَا نَسْتَخْصِي " دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُتْعَة كَانَتْ مَحْظُورَة قَبْل أَنْ أُبِيحَ لَهُمْ الِاسْتِمْتَاع، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَحْظُوره لَمْ يَكُنْ لِسُؤَالِهِمْ عَنْ هَذَا مَعْنًى، ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ فِي الْغَزْو أَنْ يَنْكِحُوا الْمَرْأَة بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَل ثُمَّ نَهَى عَنْهَا عَام خَيْبَر، ثُمَّ أَذِنَ فِيهَا عَام الْفَتْح، ثُمَّ حَرَّمَهَا بَعْد ثَلَاث، فَهِيَ مُحَرَّمَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَأَمَّا مُتْعَة النِّسَاء فَهِيَ مِنْ غَرَائِب الشَّرِيعَة ; لِأَنَّهَا أُبِيحَتْ فِي صَدْر الْإِسْلَام ثُمَّ حُرِّمَتْ يَوْم خَيْبَر، ثُمَّ أُبِيحَتْ فِي غَزْوَة أَوْطَاس، ثُمَّ حُرِّمَتْ بَعْد ذَلِكَ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْر عَلَى التَّحْرِيم، وَلَيْسَ لَهَا أُخْت فِي الشَّرِيعَة إِلَّا مَسْأَلَة الْقِبْلَة، لِأَنَّ النَّسْخ طَرَأَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اِسْتَقَرَّتْ بَعْد ذَلِكَ.
وَقَالَ غَيْره مِمَّنْ جَمَعَ طُرُق الْأَحَادِيث فِيهَا : إِنَّهَا تَقْتَضِي التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم سَبْع مَرَّات ; فَرَوَى اِبْن أَبِي عَمْرَة أَنَّهَا كَانَتْ فِي صَدْر الْإِسْلَام.
وَرَوَى سَلَمَة بْن الْأَكْوَع أَنَّهَا كَانَتْ عَام أَوْطَاس.
وَمِنْ رِوَايَة عَلِيّ تَحْرِيمهَا يَوْم خَيْبَر.
وَمِنْ رِوَايَة الرَّبِيع بْن سَبْرَة إِبَاحَتهَا يَوْم الْفَتْح.
قُلْت : وَهَذِهِ الطُّرُق كُلّهَا فِي صَحِيح مُسْلِم ; وَفِي غَيْره عَنْ عَلِيّ نَهْيه عَنْهَا فِي غَزْوَة تَبُوك ; رَوَاهُ إِسْحَاق بْن رَاشِد عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ، وَلَمْ يُتَابِع إِسْحَاق بْن رَاشِد عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة عَنْ اِبْن شِهَاب، قَالَهُ أَبُو عُمَر رَحِمَهُ اللَّه.
وَفِي مُصَنَّف أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيث الرَّبِيع بْن سَبْرَة النَّهْي عَنْهَا فِي حَجَّة الْوَدَاع، وَذَهَبَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى أَنَّ هَذَا أَصَحّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ عَمْرو عَنْ الْحَسَن : مَا حَلَّتْ الْمُتْعَة قَطُّ إِلَّا ثَلَاثًا فِي عُمْرَة الْقَضَاء مَا حَلَّتْ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا.
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ سَبْرَة أَيْضًا ; فَهَذِهِ سَبْعَة مَوَاطِن أُحِلَّتْ فِيهَا الْمُتْعَة وَحُرِّمَتْ.
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ : كُلّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِطْلَاقَهَا أَخْبَرُوا أَنَّهَا كَانَتْ فِي سَفَر، وَأَنَّ النَّهْي لَحِقَهَا فِي ذَلِكَ السَّفَر بَعْد ذَلِكَ، فَمَنَعَ مِنْهَا، وَلَيْسَ أَحَد مِنْهُمْ يُخْبِر أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَضَرٍ ; وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود.
فَأَمَّا حَدِيث سَبْرَة الَّذِي فِيهِ إِبَاحَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فِي حَجَّة الْوَدَاع فَخَارِج عَنْ مَعَانِيهَا كُلّهَا ; وَقَدْ اِعْتَبَرْنَا هَذَا الْحَرْف فَلَمْ نَجِدْهُ إِلَّا فِي رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز خَاصَّة، وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي فَتْح مَكَّة وَأَنَّهُمْ شَكَوْا إِلَيْهِ الْعُزْبَةَ فَرَخَّصَ لَهُمْ فِيهَا، وَمُحَال أَنْ يَشْكُوا إِلَيْهِ الْعُزْبَة فِي حَجَّة الْوَدَاع ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا حَجُّوا بِالنِّسَاءِ، وَكَانَ تَزْوِيج النِّسَاء بِمَكَّة يُمْكِنُهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا حِينَئِذٍ كَمَا كَانُوا فِي الْغَزَوَات الْمُتَقَدِّمَة.
وَيَحْتَمِل أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ عَادَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْرِير مِثْل هَذَا فِي مَغَازِيهِ وَفِي الْمَوَاضِع الْجَامِعَة، ذَكَرَ تَحْرِيمهَا فِي حَجَّة الْوَدَاع ; لِاجْتِمَاعِ النَّاس حَتَّى يَسْمَعَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ، فَأَكَّدَ ذَلِكَ حَتَّى لَا تَبْقَى شُبْهَة لِأَحَدٍ يَدَّعِي تَحْلِيلهَا ; وَلِأَنَّ أَهْل مَكَّة كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهَا كَثِيرًا.
رَوَى اللَّيْث بْن سَعْد عَنْ بُكَيْر بْن الْأَشَجّ عَنْ عَمَّار مَوْلَى الشَّرِيد قَالَ : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس عَنْ الْمُتْعَة أَسِفَاح هِيَ أَمْ نِكَاح ؟ قَالَ : لَا سِفَاح وَلَا نِكَاح.
قُلْت : فَمَا هِيَ ؟ قَالَ : الْمُتْعَة كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى.
قُلْت : هَلْ عَلَيْهَا عِدَّة ؟ قَالَ : نَعَمْ حَيْضَة.
قُلْت : يَتَوَارَثَانِ، قَالَ : لَا.
قَالَ أَبُو عُمَر : لَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف أَنَّ الْمُتْعَة نِكَاح إِلَى أَجَل لَا مِيرَاث فِيهِ، وَالْفُرْقَة تَقَع عِنْد اِنْقِضَاء الْأَجَل مِنْ غَيْر طَلَاق.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة :" وَكَانَتْ الْمُتْعَة أَنْ يَتَزَوَّج الرَّجُل الْمَرْأَة بِشَاهِدَيْنِ وَإِذْن الْوَلِيّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ; وَعَلَى أَنْ لَا مِيرَاث بَيْنهمَا، وَيُعْطِيهَا مَا اِتَّفَقَا عَلَيْهِ ; فَإِذَا اِنْقَضَتْ الْمُدَّة فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيل وَيَسْتَبْرِئ رَحِمَهَا : لِأَنَّ الْوَلَد لَا حَقّ فِيهِ بِلَا شَكٍّ، فَإِنْ لَمْ تَحْمِل حَلَّتْ لِغَيْرِهِ.
وَفِي كِتَاب النَّحَّاس : فِي هَذَا خَطَأ وَأَنَّ الْوَلَد لَا يَلْحَق فِي نِكَاح الْمُتْعَة ".
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ سَبْرَة أَيْضًا ; فَهَذِهِ سَبْعَة مَوَاطِن أُحِلَّتْ فِيهَا الْمُتْعَة وَحُرِّمَتْ.
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ : كُلّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِطْلَاقَهَا أَخْبَرُوا أَنَّهَا كَانَتْ فِي سَفَر، وَأَنَّ النَّهْي لَحِقَهَا فِي ذَلِكَ السَّفَر بَعْد ذَلِكَ، فَمَنَعَ مِنْهَا، وَلَيْسَ أَحَد مِنْهُمْ يُخْبِر أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَضَرٍ ; وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود.
فَأَمَّا حَدِيث سَبْرَة الَّذِي فِيهِ إِبَاحَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فِي حَجَّة الْوَدَاع فَخَارِج عَنْ مَعَانِيهَا كُلّهَا ; وَقَدْ اِعْتَبَرْنَا هَذَا الْحَرْف فَلَمْ نَجِدْهُ إِلَّا فِي رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز خَاصَّة، وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي فَتْح مَكَّة وَأَنَّهُمْ شَكَوْا إِلَيْهِ الْعُزْبَةَ فَرَخَّصَ لَهُمْ فِيهَا، وَمُحَال أَنْ يَشْكُوا إِلَيْهِ الْعُزْبَة فِي حَجَّة الْوَدَاع ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا حَجُّوا بِالنِّسَاءِ، وَكَانَ تَزْوِيج النِّسَاء بِمَكَّة يُمْكِنُهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا حِينَئِذٍ كَمَا كَانُوا فِي الْغَزَوَات الْمُتَقَدِّمَة.
وَيَحْتَمِل أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ عَادَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْرِير مِثْل هَذَا فِي مَغَازِيهِ وَفِي الْمَوَاضِع الْجَامِعَة، ذَكَرَ تَحْرِيمهَا فِي حَجَّة الْوَدَاع ; لِاجْتِمَاعِ النَّاس حَتَّى يَسْمَعَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ، فَأَكَّدَ ذَلِكَ حَتَّى لَا تَبْقَى شُبْهَة لِأَحَدٍ يَدَّعِي تَحْلِيلهَا ; وَلِأَنَّ أَهْل مَكَّة كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهَا كَثِيرًا.
رَوَى اللَّيْث بْن سَعْد عَنْ بُكَيْر بْن الْأَشَجّ عَنْ عَمَّار مَوْلَى الشَّرِيد قَالَ : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس عَنْ الْمُتْعَة أَسِفَاح هِيَ أَمْ نِكَاح ؟ قَالَ : لَا سِفَاح وَلَا نِكَاح.
قُلْت : فَمَا هِيَ ؟ قَالَ : الْمُتْعَة كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى.
قُلْت : هَلْ عَلَيْهَا عِدَّة ؟ قَالَ : نَعَمْ حَيْضَة.
قُلْت : يَتَوَارَثَانِ، قَالَ : لَا.
قَالَ أَبُو عُمَر : لَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف أَنَّ الْمُتْعَة نِكَاح إِلَى أَجَل لَا مِيرَاث فِيهِ، وَالْفُرْقَة تَقَع عِنْد اِنْقِضَاء الْأَجَل مِنْ غَيْر طَلَاق.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة :" وَكَانَتْ الْمُتْعَة أَنْ يَتَزَوَّج الرَّجُل الْمَرْأَة بِشَاهِدَيْنِ وَإِذْن الْوَلِيّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ; وَعَلَى أَنْ لَا مِيرَاث بَيْنهمَا، وَيُعْطِيهَا مَا اِتَّفَقَا عَلَيْهِ ; فَإِذَا اِنْقَضَتْ الْمُدَّة فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيل وَيَسْتَبْرِئ رَحِمَهَا : لِأَنَّ الْوَلَد لَا حَقّ فِيهِ بِلَا شَكٍّ، فَإِنْ لَمْ تَحْمِل حَلَّتْ لِغَيْرِهِ.
وَفِي كِتَاب النَّحَّاس : فِي هَذَا خَطَأ وَأَنَّ الْوَلَد لَا يَلْحَق فِي نِكَاح الْمُتْعَة ".
قُلْت : هَذَا هُوَ الْمَفْهُوم مِنْ عِبَارَة النَّحَّاس ; فَإِنَّهُ قَالَ : وَإِنَّمَا الْمُتْعَة أَنْ يَقُول لَهَا : أَتَزَوَّجُك يَوْمًا - أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - عَلَى أَنَّهُ لَا عِدَّة عَلَيْكِ وَلَا مِيرَاث بَيْنَنَا وَلَا طَلَاق وَلَا شَاهِد يَشْهَد عَلَى ذَلِكَ ; وَهَذَا هُوَ الزِّنَى بِعَيْنِهِ وَلَمْ يُبَحْ قَطُّ فِي الْإِسْلَام ; وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَر : لَا أَوُتَى بِرَجُلٍ تَزَوَّجَ مُتْعَة إِلَّا غَيَّبْته تَحْت الْحِجَارَة.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا إِذَا دَخَلَ فِي نِكَاح الْمُتْعَة هَلْ يُحَدُّ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَد أَوْ يُدْفَع الْحَدّ لِلشُّبْهَةِ وَيَلْحَق بِهِ الْوَلَد عَلَى قَوْلَيْنِ ; وَلَكِنْ يُعَذَّر وَيُعَاقَب.
وَإِذَا لَحِقَ الْيَوْم الْوَلَد فِي نِكَاح الْمُتْعَة فِي قَوْل بَعْض الْعُلَمَاء مَعَ الْقَوْل بِتَحْرِيمِهِ، فَكَيْفَ لَا يَلْحَق فِي ذَلِكَ الْوَقْت الَّذِي أُبِيحَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ نِكَاح الْمُتْعَة كَانَ عَلَى حُكْم النِّكَاح الصَّحِيح، وَيُفَارِقُهُ فِي الْأَجَل وَالْمِيرَاث.
وَحَكَى الْمَهْدَوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ نِكَاح الْمُتْعَة كَانَ بِلَا وَلِيّ وَلَا شُهُود.
وَفِيمَا حَكَاهُ ضَعْف ; لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول بِجَوَازِهَا، ثُمَّ ثَبَتَ رُجُوعه عَنْهَا، فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاع عَلَى تَحْرِيمهَا ; فَإِذَا فَعَلَهَا أَحَد رُجِمَ فِي مَشْهُور الْمَذْهَب.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَنْ مَالِك : لَا يُرْجَم ; لِأَنَّ نِكَاح الْمُتْعَة لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنْ لِأَصْلٍ آخَر لِعُلَمَائِنَا غَرِيب اِنْفَرَدُوا بِهِ دُون سَائِر الْعُلَمَاء ; وَهُوَ أَنَّ مَا حَرُمَ بِالسُّنَّةِ هَلْ هُوَ مِثْل مَا حَرُمَ بِالْقُرْآنِ أَمْ لَا ؟ فَمِنْ رِوَايَة بَعْض الْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِك أَنَّهُمَا لَيْسَا بِسَوَاءٍ ; وَهَذَا ضَعِيف.
وَقَالَ أَبُو بَكْر الطَّرْطُوسِيّ : وَلَمْ يُرَخِّص فِي نِكَاح الْمُتْعَة إِلَّا عِمْرَان بْن حُصَيْن وَابْن عَبَّاس وَبَعْض الصَّحَابَة وَطَائِفَة مِنْ أَهْل الْبَيْت.
وَفِي قَوْل اِبْن عَبَّاس يَقُول الشَّاعِر :
وَسَائِر الْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالسَّلَف الصَّالِحِينَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة، وَأَنَّ الْمُتْعَة حَرَام.
وَقَالَ أَبُو عُمَر : أَصْحَاب اِبْن عَبَّاس مِنْ أَهْل مَكَّة وَالْيَمَن كُلّهمْ يَرَوْنَ الْمُتْعَة حَلَالًا عَلَى مَذْهَب اِبْن عَبَّاس وَحَرَّمَهَا سَائِر النَّاس.
وَقَالَ مَعْمَر : قَالَ الزُّهْرِيّ : اِزْدَادَ النَّاس لَهَا مَقْتًا حَتَّى قَالَ الشَّاعِر :
كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه.
قَوْله تَعَالَى :" أُجُورهنَّ " يَعُمُّ الْمَال وَغَيْره، فَيَجُوز أَنْ يَكُون الصَّدَاق مَنَافِع أَعْيَان.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا إِذَا دَخَلَ فِي نِكَاح الْمُتْعَة هَلْ يُحَدُّ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَد أَوْ يُدْفَع الْحَدّ لِلشُّبْهَةِ وَيَلْحَق بِهِ الْوَلَد عَلَى قَوْلَيْنِ ; وَلَكِنْ يُعَذَّر وَيُعَاقَب.
وَإِذَا لَحِقَ الْيَوْم الْوَلَد فِي نِكَاح الْمُتْعَة فِي قَوْل بَعْض الْعُلَمَاء مَعَ الْقَوْل بِتَحْرِيمِهِ، فَكَيْفَ لَا يَلْحَق فِي ذَلِكَ الْوَقْت الَّذِي أُبِيحَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ نِكَاح الْمُتْعَة كَانَ عَلَى حُكْم النِّكَاح الصَّحِيح، وَيُفَارِقُهُ فِي الْأَجَل وَالْمِيرَاث.
وَحَكَى الْمَهْدَوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ نِكَاح الْمُتْعَة كَانَ بِلَا وَلِيّ وَلَا شُهُود.
وَفِيمَا حَكَاهُ ضَعْف ; لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول بِجَوَازِهَا، ثُمَّ ثَبَتَ رُجُوعه عَنْهَا، فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاع عَلَى تَحْرِيمهَا ; فَإِذَا فَعَلَهَا أَحَد رُجِمَ فِي مَشْهُور الْمَذْهَب.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَنْ مَالِك : لَا يُرْجَم ; لِأَنَّ نِكَاح الْمُتْعَة لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنْ لِأَصْلٍ آخَر لِعُلَمَائِنَا غَرِيب اِنْفَرَدُوا بِهِ دُون سَائِر الْعُلَمَاء ; وَهُوَ أَنَّ مَا حَرُمَ بِالسُّنَّةِ هَلْ هُوَ مِثْل مَا حَرُمَ بِالْقُرْآنِ أَمْ لَا ؟ فَمِنْ رِوَايَة بَعْض الْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِك أَنَّهُمَا لَيْسَا بِسَوَاءٍ ; وَهَذَا ضَعِيف.
وَقَالَ أَبُو بَكْر الطَّرْطُوسِيّ : وَلَمْ يُرَخِّص فِي نِكَاح الْمُتْعَة إِلَّا عِمْرَان بْن حُصَيْن وَابْن عَبَّاس وَبَعْض الصَّحَابَة وَطَائِفَة مِنْ أَهْل الْبَيْت.
وَفِي قَوْل اِبْن عَبَّاس يَقُول الشَّاعِر :
أَقُولُ لِلرَّكْبِ إِذْ طَالَ الثَّوَاء بِنَا | يَا صَاحِ هَلْ لَك فِي فُتْيَا اِبْن عَبَّاسِ |
فِي بَضَّةٍ رُخْصَةِ الْأَطْرَافِ نَاعِمَةٍ | تَكُونُ مَثْوَاك حَتَّى مَرْجِع النَّاسِ |
وَقَالَ أَبُو عُمَر : أَصْحَاب اِبْن عَبَّاس مِنْ أَهْل مَكَّة وَالْيَمَن كُلّهمْ يَرَوْنَ الْمُتْعَة حَلَالًا عَلَى مَذْهَب اِبْن عَبَّاس وَحَرَّمَهَا سَائِر النَّاس.
وَقَالَ مَعْمَر : قَالَ الزُّهْرِيّ : اِزْدَادَ النَّاس لَهَا مَقْتًا حَتَّى قَالَ الشَّاعِر :
قَالَ الْمُحَدِّثُ لَمَّا طَالَ مَجْلِسُهُ | يَا صَاحِ هَلْ لَك فِي فُتْيَا اِبْن عَبَّاس |
قَوْله تَعَالَى :" أُجُورهنَّ " يَعُمُّ الْمَال وَغَيْره، فَيَجُوز أَنْ يَكُون الصَّدَاق مَنَافِع أَعْيَان.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ فِي هَذَا الْعُلَمَاء ; فَمَنَعَهُ مَالِك وَالْمُزَنِيّ وَاللَّيْث وَأَحْمَد وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه ; إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَة قَالَ : إِذَا تَزَوَّجَ عَلَى ذَلِكَ فَالنِّكَاح جَائِز وَهُوَ فِي حُكْم مَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا، وَلَهَا مَهْر مِثْلهَا إِنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُل بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَة.
وَكَرِهَهُ اِبْن الْقَاسِم فِي كِتَاب مُحَمَّد وَأَجَازَهُ أَصْبَغ.
قَالَ اِبْن شَاسٍ : فَإِنْ وَقَعَ مَضَى فِي قَوْل أَكْثَر الْأَصْحَاب.
وَهِيَ رِوَايَة أَصْبَغ عَنْ اِبْن الْقَاسِم.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : النِّكَاح ثَابِت وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهَا مَا شَرَطَ لَهَا.
فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول فَفِيهَا لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنَّ لَهَا نِصْفَ أَجْر تَعْلِيم تِلْكَ السُّورَة، وَالْآخَر أَنَّ لَهَا نِصْفَ مَهْر مِثْلهَا.
وَقَالَ إِسْحَاق : النِّكَاح جَائِز.
قَالَ أَبُو الْحَسَن اللَّخْمِيّ : وَالْقَوْل بِجَوَازِ جَمِيع ذَلِكَ أَحْسَن.
وَالْإِجَارَة وَالْحَجّ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَال الَّتِي تُتَمَلَّك وَتُبَاع وَتُشْتَرَى.
وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَالِك لِأَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون الصَّدَاق مُعَجَّلًا، وَالْإِجَارَة وَالْحَجّ فِي مَعْنَى الْمُؤَجَّل.
اِحْتَجَّ أَهْل الْقَوْل الْأَوَّل بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" بِأَمْوَالِكُمْ " [ النِّسَاء : ١٠ ] وَتَحْقِيق الْمَال مَا تَتَعَلَّق بِهِ الْأَطْمَاع، وَيُعَدّ لِلِانْتِفَاعِ، وَمَنْفَعَة الرَّقَبَة فِي الْإِجَارَة وَمَنْفَعَة التَّعْلِيم لِلْعِلْمِ كُلّه لَيْسَ بِمَالٍ.
قَالَ الطَّحَاوِيّ : وَالْأَصْل الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ أَنَّ رَجُلًا لَوْ اِسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ سُورَة مِنْ الْقُرْآن سَمَّاهَا، بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّ الْإِجَارَات لَا تَجُوز إِلَّا لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ ; إِمَّا عَلَى عَمَلٍ بِعَيْنِهِ كَخِيَاطَةِ ثَوْب وَمَا أَشْبَهَهُ، وَإِمَّا عَلَى وَقْت مَعْلُوم ; وَكَانَ إِذَا اِسْتَأْجَرَهُ عَلَى تَعْلِيم سُورَة فَتِلْك إِجَارَة لَا عَلَى وَقْت مَعْلُوم وَلَا عَلَى عَمَل مَعْلُوم، وَإِنَّمَا اِسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يُعَلَّم، وَقَدْ يُفْهَم بِقَلِيلِ التَّعْلِيم وَكَثِيرِهِ فِي قَلِيل الْأَوْقَات وَكَثِيرهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ دَارَهُ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ سُورَة مِنْ الْقُرْآن لَمْ يَجُزْ لِلْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْإِجَارَات.
وَإِذَا كَانَ التَّعْلِيم لَا يُمْلَك بِهِ الْمَنَافِع وَلَا أَعْيَان الْأَمْوَال ثَبَتَ بِالنَّظَرِ أَنَّهُ لَا تُمْلَك بِهِ الْأَبْضَاع.
وَاَللَّه الْمُوَفِّق.
اِحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَهْل بْن سَعْد فِي حَدِيث الْمَوْهُوبَة، وَفِيهِ فَقَالَ :( اِذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآن ).
فِي رِوَايَة قَالَ :( اِنْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا فَعَلِّمْهَا مِنْ الْقُرْآن ).
قَالُوا : فَقِي هَذَا دَلِيل عَلَى اِنْعِقَاد النِّكَاح وَتَأَخُّر الْمَهْر الَّذِي هُوَ التَّعْلِيم، وَهَذَا عَلَى الظَّاهِر مِنْ قَوْله :( بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآن ) فَإِنَّ الْبَاء لِلْعِوَضِ ; كَمَا تَقُول : خُذْ هَذَا بِهَذَا، أَيْ عِوَضًا مِنْهُ.
وَكَرِهَهُ اِبْن الْقَاسِم فِي كِتَاب مُحَمَّد وَأَجَازَهُ أَصْبَغ.
قَالَ اِبْن شَاسٍ : فَإِنْ وَقَعَ مَضَى فِي قَوْل أَكْثَر الْأَصْحَاب.
وَهِيَ رِوَايَة أَصْبَغ عَنْ اِبْن الْقَاسِم.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : النِّكَاح ثَابِت وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهَا مَا شَرَطَ لَهَا.
فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْل الدُّخُول فَفِيهَا لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنَّ لَهَا نِصْفَ أَجْر تَعْلِيم تِلْكَ السُّورَة، وَالْآخَر أَنَّ لَهَا نِصْفَ مَهْر مِثْلهَا.
وَقَالَ إِسْحَاق : النِّكَاح جَائِز.
قَالَ أَبُو الْحَسَن اللَّخْمِيّ : وَالْقَوْل بِجَوَازِ جَمِيع ذَلِكَ أَحْسَن.
وَالْإِجَارَة وَالْحَجّ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَال الَّتِي تُتَمَلَّك وَتُبَاع وَتُشْتَرَى.
وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَالِك لِأَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون الصَّدَاق مُعَجَّلًا، وَالْإِجَارَة وَالْحَجّ فِي مَعْنَى الْمُؤَجَّل.
اِحْتَجَّ أَهْل الْقَوْل الْأَوَّل بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" بِأَمْوَالِكُمْ " [ النِّسَاء : ١٠ ] وَتَحْقِيق الْمَال مَا تَتَعَلَّق بِهِ الْأَطْمَاع، وَيُعَدّ لِلِانْتِفَاعِ، وَمَنْفَعَة الرَّقَبَة فِي الْإِجَارَة وَمَنْفَعَة التَّعْلِيم لِلْعِلْمِ كُلّه لَيْسَ بِمَالٍ.
قَالَ الطَّحَاوِيّ : وَالْأَصْل الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ أَنَّ رَجُلًا لَوْ اِسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ سُورَة مِنْ الْقُرْآن سَمَّاهَا، بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّ الْإِجَارَات لَا تَجُوز إِلَّا لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ ; إِمَّا عَلَى عَمَلٍ بِعَيْنِهِ كَخِيَاطَةِ ثَوْب وَمَا أَشْبَهَهُ، وَإِمَّا عَلَى وَقْت مَعْلُوم ; وَكَانَ إِذَا اِسْتَأْجَرَهُ عَلَى تَعْلِيم سُورَة فَتِلْك إِجَارَة لَا عَلَى وَقْت مَعْلُوم وَلَا عَلَى عَمَل مَعْلُوم، وَإِنَّمَا اِسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يُعَلَّم، وَقَدْ يُفْهَم بِقَلِيلِ التَّعْلِيم وَكَثِيرِهِ فِي قَلِيل الْأَوْقَات وَكَثِيرهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ دَارَهُ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ سُورَة مِنْ الْقُرْآن لَمْ يَجُزْ لِلْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْإِجَارَات.
وَإِذَا كَانَ التَّعْلِيم لَا يُمْلَك بِهِ الْمَنَافِع وَلَا أَعْيَان الْأَمْوَال ثَبَتَ بِالنَّظَرِ أَنَّهُ لَا تُمْلَك بِهِ الْأَبْضَاع.
وَاَللَّه الْمُوَفِّق.
اِحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَهْل بْن سَعْد فِي حَدِيث الْمَوْهُوبَة، وَفِيهِ فَقَالَ :( اِذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآن ).
فِي رِوَايَة قَالَ :( اِنْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا فَعَلِّمْهَا مِنْ الْقُرْآن ).
قَالُوا : فَقِي هَذَا دَلِيل عَلَى اِنْعِقَاد النِّكَاح وَتَأَخُّر الْمَهْر الَّذِي هُوَ التَّعْلِيم، وَهَذَا عَلَى الظَّاهِر مِنْ قَوْله :( بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآن ) فَإِنَّ الْبَاء لِلْعِوَضِ ; كَمَا تَقُول : خُذْ هَذَا بِهَذَا، أَيْ عِوَضًا مِنْهُ.
وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى :( فَعَلِّمْهَا ) نَصّ فِي الْأَمْر بِالتَّعْلِيمِ، وَالْمَسَاق يَشْهَد بِأَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ النِّكَاح، وَلَا يُلْتَفَت لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ إِكْرَامًا لِلرَّجُلِ بِمَا حَفِظَهُ مِنْ الْقُرْآن، أَيْ لِمَا حَفِظَهُ، فَتَكُون الْبَاء بِمَعْنَى اللَّام ; فَإِنَّ الْحَدِيث الثَّانِي يُصَرِّح بِخِلَافِهِ فِي قَوْله :( فَعَلِّمْهَا مِنْ الْقُرْآن ).
وَلَا حُجَّة فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي طَلْحَة أَنَّهُ خَطَبَ أُمّ سُلَيْم فَقَالَتْ : إِنْ أَسْلَمَ تَزَوَّجْته.
فَأَسْلَمَ فَتَزَوَّجَهَا ; فَلَا يُعْلَم مَهْر كَانَ أَكْرَمَ مِنْ مَهْرهَا، كَانَ مَهْرُهَا الْإِسْلَام فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَصِل إِلَيْهَا مِنْهُ شَيْء بِخِلَافِ التَّعْلِيم وَغَيْره مِنْ الْمَنَافِع.
وَقَدْ زَوَّجَ شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام اِبْنَته مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا فِي صَدَاقهَا ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " الْقَصَص ".
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابه :( يَا فُلَان هَلْ تَزَوَّجْت ) ؟ قَالَ : لَا، وَلَيْسَ مَعِي مَا أَتَزَوَّج بِهِ.
قَالَ : أَلَيْسَ مَعَك " قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد " [ الْإِخْلَاص : ١ ] ؟ قَالَ : بَلَى ! قَالَ :( ثُلُث الْقُرْآن، أَلَيْسَ مَعَك آيَة الْكُرْسِيّ ) ؟ قَالَ : بَلَى ! قَالَ :( رُبْع الْقُرْآن، أَلَيْسَ مَعَك " إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه وَالْفَتْح " [ الْفَتْح : ١ ] ) ؟ قَالَ : بَلَى ! قَالَ :( رُبُع الْقُرْآن أَلَيْسَ مَعَك " إِذَا زُلْزِلَتْ " [ الزَّلْزَلَة : ١ ] ) ؟ قَالَ : بَلَى ! قَالَ :( رُبُع الْقُرْآن.
تَزَوَّجْ تَزَوَّجْ ).
قُلْت : وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث سَهْل مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود، وَفِيهِ زِيَادَة تُبَيِّنُ، مَا اِحْتَجَّ بِهِ مَالِك وَغَيْره، وَفِيهِ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ يَنْكِحْ هَذِهِ ) ؟ فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُل فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُول اللَّه ; فَقَالَ :( أَلَك مَال ) ؟ قَالَ : لَا، يَا رَسُول اللَّه ; قَالَ :( فَهَلْ تَقْرَأ مِنْ الْقُرْآن شَيْئًا ) ؟.
قَالَ : نَعَمْ، سُورَة الْبَقَرَة، وَسُورَة الْمُفَصَّل.
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( قَدْ أَنْكَحْتُكهَا عَلَى أَنْ تُقْرِئَهَا وَتُعَلِّمَهَا وَإِذَا رَزَقَك اللَّه عَوَّضْتهَا ).
فَتَزَوَّجَهَا الرَّجُل عَلَى ذَلِكَ.
وَهَذَا نَصّ - لَوْ صَحَّ - فِي أَنَّ التَّعْلِيم لَا يَكُون صَدَاقًا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : تَفَرَّدَ بِهِ عُتْبَة بْن السَّكَن وَهُوَ مَتْرُوك الْحَدِيث.
و " فَرِيضَة " نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر فِي مَوْضِع الْحَال، أَيْ مَفْرُوضَة.
وَلَا حُجَّة فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي طَلْحَة أَنَّهُ خَطَبَ أُمّ سُلَيْم فَقَالَتْ : إِنْ أَسْلَمَ تَزَوَّجْته.
فَأَسْلَمَ فَتَزَوَّجَهَا ; فَلَا يُعْلَم مَهْر كَانَ أَكْرَمَ مِنْ مَهْرهَا، كَانَ مَهْرُهَا الْإِسْلَام فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَصِل إِلَيْهَا مِنْهُ شَيْء بِخِلَافِ التَّعْلِيم وَغَيْره مِنْ الْمَنَافِع.
وَقَدْ زَوَّجَ شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام اِبْنَته مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا فِي صَدَاقهَا ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " الْقَصَص ".
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابه :( يَا فُلَان هَلْ تَزَوَّجْت ) ؟ قَالَ : لَا، وَلَيْسَ مَعِي مَا أَتَزَوَّج بِهِ.
قَالَ : أَلَيْسَ مَعَك " قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد " [ الْإِخْلَاص : ١ ] ؟ قَالَ : بَلَى ! قَالَ :( ثُلُث الْقُرْآن، أَلَيْسَ مَعَك آيَة الْكُرْسِيّ ) ؟ قَالَ : بَلَى ! قَالَ :( رُبْع الْقُرْآن، أَلَيْسَ مَعَك " إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه وَالْفَتْح " [ الْفَتْح : ١ ] ) ؟ قَالَ : بَلَى ! قَالَ :( رُبُع الْقُرْآن أَلَيْسَ مَعَك " إِذَا زُلْزِلَتْ " [ الزَّلْزَلَة : ١ ] ) ؟ قَالَ : بَلَى ! قَالَ :( رُبُع الْقُرْآن.
تَزَوَّجْ تَزَوَّجْ ).
قُلْت : وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث سَهْل مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود، وَفِيهِ زِيَادَة تُبَيِّنُ، مَا اِحْتَجَّ بِهِ مَالِك وَغَيْره، وَفِيهِ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ يَنْكِحْ هَذِهِ ) ؟ فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُل فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُول اللَّه ; فَقَالَ :( أَلَك مَال ) ؟ قَالَ : لَا، يَا رَسُول اللَّه ; قَالَ :( فَهَلْ تَقْرَأ مِنْ الْقُرْآن شَيْئًا ) ؟.
قَالَ : نَعَمْ، سُورَة الْبَقَرَة، وَسُورَة الْمُفَصَّل.
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( قَدْ أَنْكَحْتُكهَا عَلَى أَنْ تُقْرِئَهَا وَتُعَلِّمَهَا وَإِذَا رَزَقَك اللَّه عَوَّضْتهَا ).
فَتَزَوَّجَهَا الرَّجُل عَلَى ذَلِكَ.
وَهَذَا نَصّ - لَوْ صَحَّ - فِي أَنَّ التَّعْلِيم لَا يَكُون صَدَاقًا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : تَفَرَّدَ بِهِ عُتْبَة بْن السَّكَن وَهُوَ مَتْرُوك الْحَدِيث.
و " فَرِيضَة " نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر فِي مَوْضِع الْحَال، أَيْ مَفْرُوضَة.
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ
أَيْ مِنْ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ فِي الْمَهْر ; فَإِنَّ ذَلِكَ سَائِغ عِنْد التَّرَاضِي بَعْد اِسْتِقْرَار الْفَرِيضَة.
وَالْمُرَاد إِبْرَاء الْمَرْأَة عَنْ الْمَهْر، أَوْ تَوْفِيَة الرَّجُل كُلّ الْمَهْر إِنْ طَلَّقَ قَبْل الدُّخُول.
وَقَالَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْآيَة فِي الْمُتْعَة : هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنْ زِيَادَة فِي مُدَّة الْمُتْعَة فِي أَوَّل الْإِسْلَام ; فَإِنَّهُ كَانَ يَتَزَوَّج الرَّجُل الْمَرْأَة شَهْرًا عَلَى دِينَار مَثَلًا، فَإِذَا اِنْقَضَى الشَّهْر فَرُبَّمَا كَانَ يَقُول : زِيدِينِي فِي الْأَجَل أَزِدْك فِي الْمَهْر.
فَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا عِنْد التَّرَاضِي.
أَيْ مِنْ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ فِي الْمَهْر ; فَإِنَّ ذَلِكَ سَائِغ عِنْد التَّرَاضِي بَعْد اِسْتِقْرَار الْفَرِيضَة.
وَالْمُرَاد إِبْرَاء الْمَرْأَة عَنْ الْمَهْر، أَوْ تَوْفِيَة الرَّجُل كُلّ الْمَهْر إِنْ طَلَّقَ قَبْل الدُّخُول.
وَقَالَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْآيَة فِي الْمُتْعَة : هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنْ زِيَادَة فِي مُدَّة الْمُتْعَة فِي أَوَّل الْإِسْلَام ; فَإِنَّهُ كَانَ يَتَزَوَّج الرَّجُل الْمَرْأَة شَهْرًا عَلَى دِينَار مَثَلًا، فَإِذَا اِنْقَضَى الشَّهْر فَرُبَّمَا كَانَ يَقُول : زِيدِينِي فِي الْأَجَل أَزِدْك فِي الْمَهْر.
فَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا عِنْد التَّرَاضِي.
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
قَالَ الزَّجَّاج :" عَلِيمًا " أَيْ بِالْأَشْيَاءِ قَبْل خَلْقهَا " حَكِيمًا " فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيُمْضِيهِ مِنْهَا.
وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَالْخَبَر مِنْهُ بِالْمَاضِي كَالْخَبَرِ مِنْهُ بِالِاسْتِقْبَالِ.
وَمَذْهَب سِيبَوَيْهِ أَنَّهُمْ رَأَوْا حِكْمَة وَعِلْمًا فَقِيلَ لَهُمْ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلْ عَلَى مَا رَأَيْتُمْ.
قَالَ الزَّجَّاج :" عَلِيمًا " أَيْ بِالْأَشْيَاءِ قَبْل خَلْقهَا " حَكِيمًا " فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيُمْضِيهِ مِنْهَا.
وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَالْخَبَر مِنْهُ بِالْمَاضِي كَالْخَبَرِ مِنْهُ بِالِاسْتِقْبَالِ.
وَمَذْهَب سِيبَوَيْهِ أَنَّهُمْ رَأَوْا حِكْمَة وَعِلْمًا فَقِيلَ لَهُمْ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلْ عَلَى مَا رَأَيْتُمْ.
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ
نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى تَخْفِيف فِي النِّكَاح وَهُوَ نِكَاح الْأَمَة لِمَنْ لَمْ يَجِد الطَّوْلَ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الطَّوْل عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال : الْأَوَّل : السَّعَة وَالْغِنَى ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالسُّدِّيّ وَابْن زَيْد وَمَالِك فِي الْمُدَوَّنَة.
يُقَال : طَالَ يَطُول طَوْلًا فِي الْإِفْضَال وَالْقُدْرَة.
وَفُلَان ذُو طَوْل أَيْ ذُو قُدْرَة فِي مَاله ( بِفَتْحِ الطَّاء ).
وَطُولًا ( بِضَمِّ الطَّاء ) فِي ضِدّ الْقِصَر.
وَالْمُرَاد هَهُنَا الْقُدْرَة عَلَى الْمَهْر فِي قَوْل أَكْثَر أَهْل الْعِلْم، وَبِهِ يَقُول الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
قَالَ أَحْمَد بْن الْمُعَذَّل : قَالَ عَبْد الْمَلِك : الطَّوْل كُلّ مَا يُقْدَر بِهِ عَلَى النِّكَاح مِنْ نَقْد أَوْ عَرْض أَوْ دَيْن عَلَى مَلِيّ.
قَالَ : وَكُلّ مَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ فَهُوَ طَوْل.
قَالَ : وَلَيْسَتْ الزَّوْجَة وَلَا الزَّوْجَتَانِ وَلَا الثَّلَاثَة طَوْلًا.
وَقَالَ : وَقَدْ سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قَالَ عَبْد الْمَلِك : لِأَنَّ الزَّوْجَة لَا يُنْكَح بِهَا وَلَا يَصِل بِهَا إِلَى غَيْرهَا إِذْ لَيْسَتْ بِمَالٍ.
وَقَدْ سُئِلَ مَالِك عَنْ رَجُل يَتَزَوَّج أَمَة وَهُوَ مِمَّنْ يَجِد الطَّوْل ; فَقَالَ : أَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
قِيلَ لَهُ : إِنَّهُ يَخَاف الْعَنَت.
قَالَ : السَّوْط يُضْرَب بِهِ.
ثُمَّ خَفَّفَهُ بَعْد ذَلِكَ.
الْقَوْل الثَّانِي : الطَّوْل الْحُرَّة.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ قَوْل مَالِك فِي الْحُرَّة هَلْ هِيَ طَوْل أَمْ لَا ; فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة : لَيْسَتْ الْحُرَّة بِطَوْلٍ تَمْنَع مِنْ نِكَاح الْأَمَة ; إِذَا لَمْ يَجِد سَعَة لِأُخْرَى وَخَافَ الْعَنَت.
وَقَالَ فِي كِتَاب مُحَمَّد مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحُرَّة بِمَثَابَةِ الطَّوْل.
قَالَ اللَّخْمِيّ : وَهُوَ ظَاهِر الْقُرْآن.
وَرُوِيَ نَحْو هَذَا عَنْ اِبْن حَبِيب، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَة.
فَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّ مَنْ عِنْده حُرَّة فَلَا يَجُوز لَهُ نِكَاح الْأَمَة وَإِنْ عَدِمَ السَّعَة وَخَافَ الْعَنَت، لِأَنَّهُ طَالِب شَهْوَة وَعِنْدَهُ اِمْرَأَة، وَقَالَ بِهِ الطَّبَرِيّ وَاحْتَجَّ لَهُ.
قَالَ أَبُو يُوسُف : الطَّوْل هُوَ وُجُود الْحُرَّة تَحْتَهُ ; فَإِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّة فَهُوَ ذُو طَوْل، فَلَا يَجُوز لَهُ نِكَاح الْأَمَة.
الْقَوْل الثَّالِث : الطَّوْل الْجَلَد وَالصَّبْر لِمَنْ أَحَبَّ أَمَة وَهَوِيَهَا حَتَّى صَارَ لِذَلِكَ لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَتَزَوَّج غَيْرهَا، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج الْأَمَة إِذَا لَمْ يَمْلِكْ هَوَاهَا وَخَافَ أَنْ يَبْغِيَ بِهَا وَإِنْ كَانَ يَجِد سَعَة فِي الْمَال لِنِكَاحِ حُرَّة ; هَذَا قَوْل قَتَادَة وَالنَّخَعِيّ وَعَطَاء وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ.
فَيَكُون قَوْله تَعَالَى :" لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَت " عَلَى هَذَا التَّأْوِيل فِي صِفَة عَدَم الْجَلَد.
وَعَلَى التَّأْوِيل الْأَوَّل يَكُون تَزْوِيج الْأَمَة مُعَلَّقًا بِشَرْطَيْنِ : عَدَم السَّعَة فِي الْمَال، وَخَوْف الْعَنَت ; فَلَا يَصِحّ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا.
وَهَذَا هُوَ نَصّ مَذْهَب مَالِك فِي الْمُدَوَّنَة مِنْ رِوَايَة اِبْن نَافِع وَابْن الْقَاسِم وَابْن وَهْب وَابْن زِيَاد.
نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى تَخْفِيف فِي النِّكَاح وَهُوَ نِكَاح الْأَمَة لِمَنْ لَمْ يَجِد الطَّوْلَ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الطَّوْل عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال : الْأَوَّل : السَّعَة وَالْغِنَى ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالسُّدِّيّ وَابْن زَيْد وَمَالِك فِي الْمُدَوَّنَة.
يُقَال : طَالَ يَطُول طَوْلًا فِي الْإِفْضَال وَالْقُدْرَة.
وَفُلَان ذُو طَوْل أَيْ ذُو قُدْرَة فِي مَاله ( بِفَتْحِ الطَّاء ).
وَطُولًا ( بِضَمِّ الطَّاء ) فِي ضِدّ الْقِصَر.
وَالْمُرَاد هَهُنَا الْقُدْرَة عَلَى الْمَهْر فِي قَوْل أَكْثَر أَهْل الْعِلْم، وَبِهِ يَقُول الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
قَالَ أَحْمَد بْن الْمُعَذَّل : قَالَ عَبْد الْمَلِك : الطَّوْل كُلّ مَا يُقْدَر بِهِ عَلَى النِّكَاح مِنْ نَقْد أَوْ عَرْض أَوْ دَيْن عَلَى مَلِيّ.
قَالَ : وَكُلّ مَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ فَهُوَ طَوْل.
قَالَ : وَلَيْسَتْ الزَّوْجَة وَلَا الزَّوْجَتَانِ وَلَا الثَّلَاثَة طَوْلًا.
وَقَالَ : وَقَدْ سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قَالَ عَبْد الْمَلِك : لِأَنَّ الزَّوْجَة لَا يُنْكَح بِهَا وَلَا يَصِل بِهَا إِلَى غَيْرهَا إِذْ لَيْسَتْ بِمَالٍ.
وَقَدْ سُئِلَ مَالِك عَنْ رَجُل يَتَزَوَّج أَمَة وَهُوَ مِمَّنْ يَجِد الطَّوْل ; فَقَالَ : أَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
قِيلَ لَهُ : إِنَّهُ يَخَاف الْعَنَت.
قَالَ : السَّوْط يُضْرَب بِهِ.
ثُمَّ خَفَّفَهُ بَعْد ذَلِكَ.
الْقَوْل الثَّانِي : الطَّوْل الْحُرَّة.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ قَوْل مَالِك فِي الْحُرَّة هَلْ هِيَ طَوْل أَمْ لَا ; فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَة : لَيْسَتْ الْحُرَّة بِطَوْلٍ تَمْنَع مِنْ نِكَاح الْأَمَة ; إِذَا لَمْ يَجِد سَعَة لِأُخْرَى وَخَافَ الْعَنَت.
وَقَالَ فِي كِتَاب مُحَمَّد مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحُرَّة بِمَثَابَةِ الطَّوْل.
قَالَ اللَّخْمِيّ : وَهُوَ ظَاهِر الْقُرْآن.
وَرُوِيَ نَحْو هَذَا عَنْ اِبْن حَبِيب، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَة.
فَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّ مَنْ عِنْده حُرَّة فَلَا يَجُوز لَهُ نِكَاح الْأَمَة وَإِنْ عَدِمَ السَّعَة وَخَافَ الْعَنَت، لِأَنَّهُ طَالِب شَهْوَة وَعِنْدَهُ اِمْرَأَة، وَقَالَ بِهِ الطَّبَرِيّ وَاحْتَجَّ لَهُ.
قَالَ أَبُو يُوسُف : الطَّوْل هُوَ وُجُود الْحُرَّة تَحْتَهُ ; فَإِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّة فَهُوَ ذُو طَوْل، فَلَا يَجُوز لَهُ نِكَاح الْأَمَة.
الْقَوْل الثَّالِث : الطَّوْل الْجَلَد وَالصَّبْر لِمَنْ أَحَبَّ أَمَة وَهَوِيَهَا حَتَّى صَارَ لِذَلِكَ لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَتَزَوَّج غَيْرهَا، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج الْأَمَة إِذَا لَمْ يَمْلِكْ هَوَاهَا وَخَافَ أَنْ يَبْغِيَ بِهَا وَإِنْ كَانَ يَجِد سَعَة فِي الْمَال لِنِكَاحِ حُرَّة ; هَذَا قَوْل قَتَادَة وَالنَّخَعِيّ وَعَطَاء وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ.
فَيَكُون قَوْله تَعَالَى :" لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَت " عَلَى هَذَا التَّأْوِيل فِي صِفَة عَدَم الْجَلَد.
وَعَلَى التَّأْوِيل الْأَوَّل يَكُون تَزْوِيج الْأَمَة مُعَلَّقًا بِشَرْطَيْنِ : عَدَم السَّعَة فِي الْمَال، وَخَوْف الْعَنَت ; فَلَا يَصِحّ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا.
وَهَذَا هُوَ نَصّ مَذْهَب مَالِك فِي الْمُدَوَّنَة مِنْ رِوَايَة اِبْن نَافِع وَابْن الْقَاسِم وَابْن وَهْب وَابْن زِيَاد.
قَالَ مُطَرِّف وَابْن الْمَاجِشُون : لَا يَحِلّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْكِح أَمَة، وَلَا يُقَرَّانِ إِلَّا أَنْ يَجْتَمِع الشَّرْطَانِ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَالَهُ أَصْبَغ.
وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَطَاوُس وَالزُّهْرِيّ وَمَكْحُول، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأَحْمَد وَإِسْحَاق، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْره.
فَإِنْ وَجَدَ الْمَهْر وَعَدِمَ النَّفَقَة فَقَالَ مَالِك فِي كِتَاب مُحَمَّد : لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج أَمَة.
وَقَالَ أَصْبَغ : ذَلِكَ جَائِز ; إِذْ نَفَقَة الْأَمَة عَلَى أَهْلهَا إِذَا لَمْ يَضُمَّهَا إِلَيْهِ.
وَفِي الْآيَة قَوْل رَابِع : قَالَ مُجَاهِد : مِمَّا وَسَّعَ اللَّه عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة نِكَاح الْأَمَة وَالنَّصْرَانِيَّة، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا.
وَقَالَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَة أَيْضًا، وَلَمْ يَشْتَرِط خَوْف الْعَنَت ; إِذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّة.
قَالُوا : لِأَنَّ كُلّ مَال يُمْكِنُ أَنْ يَتَزَوَّج بِهِ الْأَمَة يُمْكِنُ أَنْ يَتَزَوَّج بِهِ الْحُرَّة ; فَالْآيَة عَلَى هَذَا أَصْل فِي جَوَاز نِكَاح الْأَمَة مُطْلَقًا.
قَالَ مُجَاهِد : وَبِهِ يَأْخُذ سُفْيَان، وَذَلِكَ أَنِّي سَأَلْته عَنْ نِكَاح الْأَمَة فَحَدَّثَنِي عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى عَنْ الْمِنْهَال عَنْ عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : إِذَا نُكِحَتْ الْحُرَّة عَلَى الْأَمَة كَانَ لِلْحُرَّةِ يَوْمَانِ وَلِلْأَمَةِ يَوْم.
قَالَ : وَلَمْ يَرَ عَلِيّ بِهِ بَأْسًا.
وَحُجَّة هَذَا الْقَوْل عُمُوم قَوْله تَعَالَى :" وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَلِكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٤ ].
وَقَوْله تَعَالَى :" وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا " إِلَى قَوْله :" ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَت مِنْكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٥ ] ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة " [ النِّسَاء : ٣ ].
وَقَدْ اِتَّفَقَ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّج أَرْبَعًا وَإِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِل.
قَالُوا : وَكَذَلِكَ لَهُ تَزَوُّج الْأَمَة وَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ غَيْر خَائِف لِلْعَنَتِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك فِي الَّذِي يَجِد طَوْلًا لِحُرَّةٍ أَنَّهُ يَتَزَوَّج أَمَة مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى طَوْل الْحُرَّة ; وَذَلِكَ ضَعِيف مِنْ قَوْله.
وَقَدْ قَالَ مَرَّة أُخْرَى : مَا هُوَ بِالْحَرَامِ الْبَيِّن، وَأُجَوِّزُهُ.
وَالصَّحِيح أَنَّهُ لَا يَجُوز لِلْحُرِّ الْمُسْلِم أَنْ يَنْكِح أَمَة غَيْر مُسْلِمَة بِحَالٍ، وَلَا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأَمَةِ الْمُسْلِمَة إِلَّا بِالشَّرْطَيْنِ الْمَنْصُوص عَلَيْهِمَا كَمَا بَيَّنَّا.
وَالْعَنَت الزِّنَى ; فَإِنْ عَدِمَ الطَّوْلَ وَلَمْ يَخْشَ الْعَنَت لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاح الْأَمَة، وَكَذَلِكَ إِنْ وَجَدَ الطَّوْل وَخَشِيَ الْعَنَت.
فَإِنْ قَدَرَ عَلَى طَوْل حُرَّة كِتَابِيَّة وَهِيَ الْمَسْأَلَة :
الثَّانِيَة: فَهَلْ يَتَزَوَّج الْأَمَة ; اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ، فَقِيلَ : يَتَزَوَّج الْأَمَة فَإِنَّ الْأَمَة الْمُسْلِمَة لَا تَلْحَق بِالْكَافِرَةِ، فَأَمَة مُؤْمِنَة خَيْر مِنْ حُرَّة مُشْرِكَة.
وَاخْتَارَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
وَقَالَهُ أَصْبَغ.
وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَطَاوُس وَالزُّهْرِيّ وَمَكْحُول، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأَحْمَد وَإِسْحَاق، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْره.
فَإِنْ وَجَدَ الْمَهْر وَعَدِمَ النَّفَقَة فَقَالَ مَالِك فِي كِتَاب مُحَمَّد : لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج أَمَة.
وَقَالَ أَصْبَغ : ذَلِكَ جَائِز ; إِذْ نَفَقَة الْأَمَة عَلَى أَهْلهَا إِذَا لَمْ يَضُمَّهَا إِلَيْهِ.
وَفِي الْآيَة قَوْل رَابِع : قَالَ مُجَاهِد : مِمَّا وَسَّعَ اللَّه عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة نِكَاح الْأَمَة وَالنَّصْرَانِيَّة، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا.
وَقَالَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَة أَيْضًا، وَلَمْ يَشْتَرِط خَوْف الْعَنَت ; إِذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّة.
قَالُوا : لِأَنَّ كُلّ مَال يُمْكِنُ أَنْ يَتَزَوَّج بِهِ الْأَمَة يُمْكِنُ أَنْ يَتَزَوَّج بِهِ الْحُرَّة ; فَالْآيَة عَلَى هَذَا أَصْل فِي جَوَاز نِكَاح الْأَمَة مُطْلَقًا.
قَالَ مُجَاهِد : وَبِهِ يَأْخُذ سُفْيَان، وَذَلِكَ أَنِّي سَأَلْته عَنْ نِكَاح الْأَمَة فَحَدَّثَنِي عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى عَنْ الْمِنْهَال عَنْ عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : إِذَا نُكِحَتْ الْحُرَّة عَلَى الْأَمَة كَانَ لِلْحُرَّةِ يَوْمَانِ وَلِلْأَمَةِ يَوْم.
قَالَ : وَلَمْ يَرَ عَلِيّ بِهِ بَأْسًا.
وَحُجَّة هَذَا الْقَوْل عُمُوم قَوْله تَعَالَى :" وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَلِكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٤ ].
وَقَوْله تَعَالَى :" وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا " إِلَى قَوْله :" ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَت مِنْكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٥ ] ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :" فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة " [ النِّسَاء : ٣ ].
وَقَدْ اِتَّفَقَ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّج أَرْبَعًا وَإِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِل.
قَالُوا : وَكَذَلِكَ لَهُ تَزَوُّج الْأَمَة وَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ غَيْر خَائِف لِلْعَنَتِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك فِي الَّذِي يَجِد طَوْلًا لِحُرَّةٍ أَنَّهُ يَتَزَوَّج أَمَة مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى طَوْل الْحُرَّة ; وَذَلِكَ ضَعِيف مِنْ قَوْله.
وَقَدْ قَالَ مَرَّة أُخْرَى : مَا هُوَ بِالْحَرَامِ الْبَيِّن، وَأُجَوِّزُهُ.
وَالصَّحِيح أَنَّهُ لَا يَجُوز لِلْحُرِّ الْمُسْلِم أَنْ يَنْكِح أَمَة غَيْر مُسْلِمَة بِحَالٍ، وَلَا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأَمَةِ الْمُسْلِمَة إِلَّا بِالشَّرْطَيْنِ الْمَنْصُوص عَلَيْهِمَا كَمَا بَيَّنَّا.
وَالْعَنَت الزِّنَى ; فَإِنْ عَدِمَ الطَّوْلَ وَلَمْ يَخْشَ الْعَنَت لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاح الْأَمَة، وَكَذَلِكَ إِنْ وَجَدَ الطَّوْل وَخَشِيَ الْعَنَت.
فَإِنْ قَدَرَ عَلَى طَوْل حُرَّة كِتَابِيَّة وَهِيَ الْمَسْأَلَة :
الثَّانِيَة: فَهَلْ يَتَزَوَّج الْأَمَة ; اِخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ، فَقِيلَ : يَتَزَوَّج الْأَمَة فَإِنَّ الْأَمَة الْمُسْلِمَة لَا تَلْحَق بِالْكَافِرَةِ، فَأَمَة مُؤْمِنَة خَيْر مِنْ حُرَّة مُشْرِكَة.
وَاخْتَارَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
وَقِيلَ : يَتَزَوَّج الْكِتَابِيَّة ; لِأَنَّ الْأَمَة وَإِنْ كَانَتْ تَفْضُلُهَا بِالْإِيمَانِ فَالْكَافِرَة تَفْضُلُهَا بِالْحُرِّيَّةِ وَهِيَ زَوْجَة.
وَأَيْضًا فَإِنَّ وَلَدهَا يَكُون حُرًّا لَا يُسْتَرَقُّ، وَوَلَد الْأَمَة يَكُون رَقِيقًا ; وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَمَشَّى عَلَى أَصْل الْمَذْهَب.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الرَّجُل يَتَزَوَّج الْحُرَّة عَلَى الْأَمَة وَلَمْ تَعْلَمْ بِهَا ; فَقَالَتْ طَائِفَة : النِّكَاح ثَابِت.
كَذَلِكَ قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ.
وَقِيلَ : لِلْحُرَّةِ الْخِيَار إِذَا عَلِمَتْ.
ثُمَّ فِي أَيّ شَيْء يَكُون لَهَا الْخِيَار ; فَقَالَ الزُّهْرِيّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَمَالِك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق فِي أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ أَوْ تُفَارِقَهُ.
وَقَالَ عَبْد الْمَلِك : فِي أَنْ تُقِرَّ نِكَاح الْأَمَة أَوْ تَفْسَخَهُ.
وَقَالَ النَّخَعِيّ : إِذَا تَزَوَّجَ الْحُرَّة عَلَى الْأَمَة فَارَقَ الْأَمَة إِلَّا أَنْ يَكُون لَهُ مِنْهَا وَلَد ; فَإِنْ كَانَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ مَسْرُوق : يُفْسَخ نِكَاح الْأَمَة ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ كَالْمَيِّتَةِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَة اِرْتَفَعَتْ الْإِبَاحَة.
فَإِنْ كَانَتْ تَحْته أَمَتَانِ عَلِمَتْ الْحُرَّة بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَكُون لَهَا الْخِيَار.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ حُرَّة تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَة فَرَضِيَتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَة فَرَضِيَتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْرَى فَأَنْكَرَتْ كَانَ ذَلِكَ لَهَا ; فَكَذَلِكَ هَذِهِ إِذَا لَمْ تَعْلَمْ بِالْأَمَتَيْنِ وَعَلِمَتْ بِوَاحِدَةٍ.
قَالَ اِبْن الْقَاسِم : قَالَ مَالِك : وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْخِيَار لِلْحُرَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِل لِمَا قَالَتْ الْعُلَمَاء قَبْلِي.
يُرِيد سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَابْن شِهَاب وَغَيْرهمَا.
قَالَ مَالِك : وَلَوْلَا مَا قَالُوهُ لَرَأَيْته حَلَالًا ; لِأَنَّهُ فِي كِتَاب اللَّه حَلَال.
فَإِنْ لَمْ تَكْفِهِ الْحُرَّة وَاحْتَاجَ إِلَى أُخْرَى وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَدَاقِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج الْأَمَة حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَرْبَع بِالتَّزْوِيجِ بِظَاهِرِ الْقُرْآن.
رَوَاهُ اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك.
وَرَوَى اِبْن الْقَاسِم عَنْهُ : يُرَدّ نِكَاحه.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالْأَوَّل أَصَحّ فِي الدَّلِيل، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْقُرْآن ; فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِالسَّبَبِ الْمُحَقَّق رَضِيَ بِالْمُسَبَّبِ الْمُرَتَّب عَلَيْهِ، وَأَلَّا يَكُون لَهَا خِيَار ; لِأَنَّهَا قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ لَهُ نِكَاحَ الْأَرْبَع ; وَعَلِمَتْ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نِكَاح حُرَّة تَزَوَّجَ أَمَة، وَمَا شَرَطَ اللَّه سُبْحَانَهُ عَلَيْهَا كَمَا شَرَطَتْ عَلَى نَفْسهَا، وَلَا يُعْتَبَر فِي شُرُوط اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِلْمُهَا.
وَهَذَا غَايَة التَّحْقِيق فِي الْبَاب وَالْإِنْصَاف فِيهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ وَلَدهَا يَكُون حُرًّا لَا يُسْتَرَقُّ، وَوَلَد الْأَمَة يَكُون رَقِيقًا ; وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَمَشَّى عَلَى أَصْل الْمَذْهَب.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الرَّجُل يَتَزَوَّج الْحُرَّة عَلَى الْأَمَة وَلَمْ تَعْلَمْ بِهَا ; فَقَالَتْ طَائِفَة : النِّكَاح ثَابِت.
كَذَلِكَ قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ.
وَقِيلَ : لِلْحُرَّةِ الْخِيَار إِذَا عَلِمَتْ.
ثُمَّ فِي أَيّ شَيْء يَكُون لَهَا الْخِيَار ; فَقَالَ الزُّهْرِيّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَمَالِك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق فِي أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ أَوْ تُفَارِقَهُ.
وَقَالَ عَبْد الْمَلِك : فِي أَنْ تُقِرَّ نِكَاح الْأَمَة أَوْ تَفْسَخَهُ.
وَقَالَ النَّخَعِيّ : إِذَا تَزَوَّجَ الْحُرَّة عَلَى الْأَمَة فَارَقَ الْأَمَة إِلَّا أَنْ يَكُون لَهُ مِنْهَا وَلَد ; فَإِنْ كَانَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ مَسْرُوق : يُفْسَخ نِكَاح الْأَمَة ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ كَالْمَيِّتَةِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَة اِرْتَفَعَتْ الْإِبَاحَة.
فَإِنْ كَانَتْ تَحْته أَمَتَانِ عَلِمَتْ الْحُرَّة بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَكُون لَهَا الْخِيَار.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ حُرَّة تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَة فَرَضِيَتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَة فَرَضِيَتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أُخْرَى فَأَنْكَرَتْ كَانَ ذَلِكَ لَهَا ; فَكَذَلِكَ هَذِهِ إِذَا لَمْ تَعْلَمْ بِالْأَمَتَيْنِ وَعَلِمَتْ بِوَاحِدَةٍ.
قَالَ اِبْن الْقَاسِم : قَالَ مَالِك : وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْخِيَار لِلْحُرَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِل لِمَا قَالَتْ الْعُلَمَاء قَبْلِي.
يُرِيد سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَابْن شِهَاب وَغَيْرهمَا.
قَالَ مَالِك : وَلَوْلَا مَا قَالُوهُ لَرَأَيْته حَلَالًا ; لِأَنَّهُ فِي كِتَاب اللَّه حَلَال.
فَإِنْ لَمْ تَكْفِهِ الْحُرَّة وَاحْتَاجَ إِلَى أُخْرَى وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَدَاقِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج الْأَمَة حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَرْبَع بِالتَّزْوِيجِ بِظَاهِرِ الْقُرْآن.
رَوَاهُ اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك.
وَرَوَى اِبْن الْقَاسِم عَنْهُ : يُرَدّ نِكَاحه.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالْأَوَّل أَصَحّ فِي الدَّلِيل، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْقُرْآن ; فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِالسَّبَبِ الْمُحَقَّق رَضِيَ بِالْمُسَبَّبِ الْمُرَتَّب عَلَيْهِ، وَأَلَّا يَكُون لَهَا خِيَار ; لِأَنَّهَا قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ لَهُ نِكَاحَ الْأَرْبَع ; وَعَلِمَتْ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نِكَاح حُرَّة تَزَوَّجَ أَمَة، وَمَا شَرَطَ اللَّه سُبْحَانَهُ عَلَيْهَا كَمَا شَرَطَتْ عَلَى نَفْسهَا، وَلَا يُعْتَبَر فِي شُرُوط اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِلْمُهَا.
وَهَذَا غَايَة التَّحْقِيق فِي الْبَاب وَالْإِنْصَاف فِيهِ.
الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ
يُرِيد الْحَرَائِر ; يَدُلّ عَلَيْهِ التَّقْسِيم بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْإِمَاء فِي قَوْله :" مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَات ".
وَقَالَتْ فِرْقَة : مَعْنَاهُ الْعَفَائِف.
وَهُوَ ضَعِيف ; لِأَنَّ الْإِمَاء يَقَعْنَ تَحْتَهُ فَأَجَازُوا نِكَاح إِمَاء أَهْل الْكِتَاب، وَحَرَّمُوا الْبَغَايَا مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْكِتَابِيَّات.
وَهُوَ قَوْل اِبْن مَيْسَرَة وَالسُّدِّيّ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَا يَجُوز لِلْحُرِّ الَّذِي لَا يَجِد الطَّوْل وَيَخْشَى الْعَنَت مِنْ نِكَاح الْإِمَاء ; فَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَابْن شِهَاب الزُّهْرِيّ وَالْحَارِث الْعُكْلِيّ : لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج أَرْبَعًا.
وَقَالَ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِح مِنْ الْإِمَاء أَكْثَر مِنْ اِثْنَتَيْنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأَحْمَد وَإِسْحَاق : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِنْ الْإِمَاء إِلَّا وَاحِدَةً.
وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمَسْرُوق وَجَمَاعَة ; وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَت مِنْكُمْ " وَهَذَا الْمَعْنَى يَزُول بِنِكَاحٍ وَاحِدَة.
يُرِيد الْحَرَائِر ; يَدُلّ عَلَيْهِ التَّقْسِيم بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْإِمَاء فِي قَوْله :" مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَات ".
وَقَالَتْ فِرْقَة : مَعْنَاهُ الْعَفَائِف.
وَهُوَ ضَعِيف ; لِأَنَّ الْإِمَاء يَقَعْنَ تَحْتَهُ فَأَجَازُوا نِكَاح إِمَاء أَهْل الْكِتَاب، وَحَرَّمُوا الْبَغَايَا مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْكِتَابِيَّات.
وَهُوَ قَوْل اِبْن مَيْسَرَة وَالسُّدِّيّ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَا يَجُوز لِلْحُرِّ الَّذِي لَا يَجِد الطَّوْل وَيَخْشَى الْعَنَت مِنْ نِكَاح الْإِمَاء ; فَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَابْن شِهَاب الزُّهْرِيّ وَالْحَارِث الْعُكْلِيّ : لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج أَرْبَعًا.
وَقَالَ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِح مِنْ الْإِمَاء أَكْثَر مِنْ اِثْنَتَيْنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأَحْمَد وَإِسْحَاق : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِنْ الْإِمَاء إِلَّا وَاحِدَةً.
وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمَسْرُوق وَجَمَاعَة ; وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَت مِنْكُمْ " وَهَذَا الْمَعْنَى يَزُول بِنِكَاحٍ وَاحِدَة.
فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
أَيْ فَلْيَتَزَوَّجْ بِأَمَةِ الْغَيْر.
وَلَا خِلَاف بَيْنَ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج أَمَة نَفْسه ; لِتَعَارُضِ الْحُقُوق وَاخْتِلَافِهَا.
أَيْ فَلْيَتَزَوَّجْ بِأَمَةِ الْغَيْر.
وَلَا خِلَاف بَيْنَ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج أَمَة نَفْسه ; لِتَعَارُضِ الْحُقُوق وَاخْتِلَافِهَا.
مِنْ فَتَيَاتِكُمُ
أَيْ الْمَمْلُوكَات، وَهِيَ جَمْع فَتَاة.
وَالْعَرَب تَقُول لِلْمَمْلُوكِ : فَتًى، وَلِلْمَمْلُوكَةِ فَتَاة.
وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح :( لَا يَقُولَنَّ أَحَدكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي وَلَكِنْ لِيَقُلْ فَتَايَ وَفَتَاتِي ) وَسَيَأْتِي.
وَلَفْظ الْفَتَى وَالْفَتَاة يُطْلَق أَيْضًا عَلَى الْأَحْرَار فِي اِبْتِدَاء الشَّبَاب، فَأَمَّا فِي الْمَمَالِيك فَيُطْلَق فِي الشَّبَاب وَفِي الْكِبَر.
أَيْ الْمَمْلُوكَات، وَهِيَ جَمْع فَتَاة.
وَالْعَرَب تَقُول لِلْمَمْلُوكِ : فَتًى، وَلِلْمَمْلُوكَةِ فَتَاة.
وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح :( لَا يَقُولَنَّ أَحَدكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي وَلَكِنْ لِيَقُلْ فَتَايَ وَفَتَاتِي ) وَسَيَأْتِي.
وَلَفْظ الْفَتَى وَالْفَتَاة يُطْلَق أَيْضًا عَلَى الْأَحْرَار فِي اِبْتِدَاء الشَّبَاب، فَأَمَّا فِي الْمَمَالِيك فَيُطْلَق فِي الشَّبَاب وَفِي الْكِبَر.
الْمُؤْمِنَاتِ
بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوز التَّزَوُّج بِالْأَمَةِ الْكِتَابِيَّة، فَهَذِهِ الصِّفَة مُشْتَرَطَة عِنْد مَالِك وَأَصْحَابه، وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه، وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالزُّهْرِيّ وَمَكْحُول وَمُجَاهِد.
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم مِنْهُمْ أَصْحَاب الرَّأْي : نِكَاح الْأَمَة الْكِتَابِيَّة جَائِز.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَلَا أَعْلَم لَهُمْ سَلَفًا فِي قَوْلهمْ، إِلَّا أَبَا مَيْسَرَة عَمْرو بْن شُرَحْبِيل فَإِنَّهُ قَالَ : إِمَاء أَهْل الْكِتَاب بِمَنْزِلَةِ الْحَرَائِر مِنْهُنَّ.
قَالُوا : وَقَوْله " الْمُؤْمِنَات " عَلَى جِهَة الْوَصْف الْفَاضِل وَلَيْسَ بِشَرْطٍ أَلَّا يَجُوز غَيْرهَا ; وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْله تَعَالَى :" فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة " فَإِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِل فَتَزَوَّجَ أَكْثَر مِنْ وَاحِدَة جَازَ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَل أَلَّا يَتَزَوَّج ; فَكَذَلِكَ هُنَا الْأَفْضَل أَلَّا يَتَزَوَّج إِلَّا مُؤْمِنَة، وَلَوْ تَزَوَّجَ غَيْر الْمُؤْمِنَة جَازَ.
وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَرَائِر، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَع قَوْله :" الْمُؤْمِنَات " فِي الْحَرَائِر مِنْ نِكَاح الْكِتَابِيَّات فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَع قَوْله :" الْمُؤْمِنَات " فِي الْإِمَاء مِنْ نِكَاح إِمَاء الْكِتَابِيَّات.
وَقَالَ أَشْهَب فِي الْمُدَوَّنَة : جَائِز لِلْعَبْدِ الْمُسْلِم أَنْ يَتَزَوَّج أَمَة كِتَابِيَّة.
فَالْمَنْع عِنْده أَنْ يُفَضَّل الزَّوْج فِي الْحُرِّيَّة وَالدِّين مَعًا.
وَلَا خِلَاف بَيْنَ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يَجُوز لِمُسْلِمٍ نِكَاح مَجُوسِيَّة وَلَا وَثَنِيَّة، وَإِذَا كَانَ حَرَامًا بِإِجْمَاعٍ نِكَاحُهُمَا فَكَذَلِكَ وَطْؤُهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِين قِيَاسًا وَنَظَرًا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُس وَمُجَاهِد وَعَطَاء وَعَمْرو بْن دِينَار أَنَّهُمْ قَالُوا : لَا بَأْس بِنِكَاحِ الْأَمَة الْمَجُوسِيَّة بِمِلْكِ الْيَمِين.
وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ مَهْجُور لَمْ يَلْتَفِت إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاء الْأَمْصَار.
وَقَالُوا : لَا يَحِلّ أَنْ يَطَأهَا حَتَّى تُسْلِم.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى.
وَالْحَمْد لِلَّهِ.
بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوز التَّزَوُّج بِالْأَمَةِ الْكِتَابِيَّة، فَهَذِهِ الصِّفَة مُشْتَرَطَة عِنْد مَالِك وَأَصْحَابه، وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه، وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالزُّهْرِيّ وَمَكْحُول وَمُجَاهِد.
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم مِنْهُمْ أَصْحَاب الرَّأْي : نِكَاح الْأَمَة الْكِتَابِيَّة جَائِز.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَلَا أَعْلَم لَهُمْ سَلَفًا فِي قَوْلهمْ، إِلَّا أَبَا مَيْسَرَة عَمْرو بْن شُرَحْبِيل فَإِنَّهُ قَالَ : إِمَاء أَهْل الْكِتَاب بِمَنْزِلَةِ الْحَرَائِر مِنْهُنَّ.
قَالُوا : وَقَوْله " الْمُؤْمِنَات " عَلَى جِهَة الْوَصْف الْفَاضِل وَلَيْسَ بِشَرْطٍ أَلَّا يَجُوز غَيْرهَا ; وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْله تَعَالَى :" فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة " فَإِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِل فَتَزَوَّجَ أَكْثَر مِنْ وَاحِدَة جَازَ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَل أَلَّا يَتَزَوَّج ; فَكَذَلِكَ هُنَا الْأَفْضَل أَلَّا يَتَزَوَّج إِلَّا مُؤْمِنَة، وَلَوْ تَزَوَّجَ غَيْر الْمُؤْمِنَة جَازَ.
وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَرَائِر، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَع قَوْله :" الْمُؤْمِنَات " فِي الْحَرَائِر مِنْ نِكَاح الْكِتَابِيَّات فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَع قَوْله :" الْمُؤْمِنَات " فِي الْإِمَاء مِنْ نِكَاح إِمَاء الْكِتَابِيَّات.
وَقَالَ أَشْهَب فِي الْمُدَوَّنَة : جَائِز لِلْعَبْدِ الْمُسْلِم أَنْ يَتَزَوَّج أَمَة كِتَابِيَّة.
فَالْمَنْع عِنْده أَنْ يُفَضَّل الزَّوْج فِي الْحُرِّيَّة وَالدِّين مَعًا.
وَلَا خِلَاف بَيْنَ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يَجُوز لِمُسْلِمٍ نِكَاح مَجُوسِيَّة وَلَا وَثَنِيَّة، وَإِذَا كَانَ حَرَامًا بِإِجْمَاعٍ نِكَاحُهُمَا فَكَذَلِكَ وَطْؤُهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِين قِيَاسًا وَنَظَرًا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُس وَمُجَاهِد وَعَطَاء وَعَمْرو بْن دِينَار أَنَّهُمْ قَالُوا : لَا بَأْس بِنِكَاحِ الْأَمَة الْمَجُوسِيَّة بِمِلْكِ الْيَمِين.
وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ مَهْجُور لَمْ يَلْتَفِت إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاء الْأَمْصَار.
وَقَالُوا : لَا يَحِلّ أَنْ يَطَأهَا حَتَّى تُسْلِم.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى.
وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ
الْمَعْنَى أَنَّ اللَّه عَلِيم بِبَوَاطِن الْأُمُور وَلَكُمْ ظَوَاهِرهَا، وَكُلُّكُمْ بَنُو آدَم وَأَكْرَمُكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ، فَلَا تَسْتَنْكِفُوا مِنْ التَّزَوُّج بِالْإِمَاءِ عِنْد الضَّرُورَة، وَإِنْ كَانَتْ حَدِيثَة عَهْد بِسِبَاءٍ، أَوْ كَانَتْ خَرْسَاء وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَفِي اللَّفْظ تَنْبِيه عَلَى أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ إِيمَان أَمَة أَفْضَل مِنْ إِيمَان بَعْض الْحَرَائِر.
الْمَعْنَى أَنَّ اللَّه عَلِيم بِبَوَاطِن الْأُمُور وَلَكُمْ ظَوَاهِرهَا، وَكُلُّكُمْ بَنُو آدَم وَأَكْرَمُكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ، فَلَا تَسْتَنْكِفُوا مِنْ التَّزَوُّج بِالْإِمَاءِ عِنْد الضَّرُورَة، وَإِنْ كَانَتْ حَدِيثَة عَهْد بِسِبَاءٍ، أَوْ كَانَتْ خَرْسَاء وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَفِي اللَّفْظ تَنْبِيه عَلَى أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ إِيمَان أَمَة أَفْضَل مِنْ إِيمَان بَعْض الْحَرَائِر.
بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ
اِبْتِدَاء وَخَبَر ; كَقَوْلِك زَيْد فِي الدَّار.
وَالْمَعْنَى أَنْتُمْ بَنُو آدَم.
وَقِيلَ : أَنْتُمْ مُؤْمِنُونَ.
وَقِيلَ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; الْمَعْنَى : وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِح الْمُحْصَنَات الْمُؤْمِنَات فَلْيَنْكِحْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ : هَذَا فَتَاةَ هَذَا، وَهَذَا فَتَاةَ هَذَا.
فَبَعْضكُمْ عَلَى هَذَا التَّقْدِير مَرْفُوع بِفِعْلِهِ وَهُوَ فَلْيَنْكِحْ.
وَالْمَقْصُود بِهَذَا الْكَلَام تَوْطِئَة نُفُوس الْعَرَب الَّتِي كَانَتْ تَسْتَهْجِن وَلَد الْأَمَة وَتُعَيِّرُهُ وَتُسَمِّيهِ الْهَجِين، فَلَمَّا جَاءَ الشَّرْع بِجَوَازِ نِكَاحهَا عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ التَّهْجِين لَا مَعْنَى لَهُ، وَإِنَّمَا اِنْحَطَّتْ الْأَمَة فَلَمْ يَجُزْ لِلْحُرِّ التَّزَوُّج بِهَا إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة ; لِأَنَّهُ تَسَبُّب إِلَى إِرْقَاق الْوَلَد، وَأَنَّ الْأَمَة لَا تَفْرُغ لِلزَّوْجِ عَلَى الدَّوَام، لِأَنَّهَا مَشْغُولَة بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى.
اِبْتِدَاء وَخَبَر ; كَقَوْلِك زَيْد فِي الدَّار.
وَالْمَعْنَى أَنْتُمْ بَنُو آدَم.
وَقِيلَ : أَنْتُمْ مُؤْمِنُونَ.
وَقِيلَ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; الْمَعْنَى : وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِح الْمُحْصَنَات الْمُؤْمِنَات فَلْيَنْكِحْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ : هَذَا فَتَاةَ هَذَا، وَهَذَا فَتَاةَ هَذَا.
فَبَعْضكُمْ عَلَى هَذَا التَّقْدِير مَرْفُوع بِفِعْلِهِ وَهُوَ فَلْيَنْكِحْ.
وَالْمَقْصُود بِهَذَا الْكَلَام تَوْطِئَة نُفُوس الْعَرَب الَّتِي كَانَتْ تَسْتَهْجِن وَلَد الْأَمَة وَتُعَيِّرُهُ وَتُسَمِّيهِ الْهَجِين، فَلَمَّا جَاءَ الشَّرْع بِجَوَازِ نِكَاحهَا عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ التَّهْجِين لَا مَعْنَى لَهُ، وَإِنَّمَا اِنْحَطَّتْ الْأَمَة فَلَمْ يَجُزْ لِلْحُرِّ التَّزَوُّج بِهَا إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة ; لِأَنَّهُ تَسَبُّب إِلَى إِرْقَاق الْوَلَد، وَأَنَّ الْأَمَة لَا تَفْرُغ لِلزَّوْجِ عَلَى الدَّوَام، لِأَنَّهَا مَشْغُولَة بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى.
فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ
أَيْ بِوِلَايَةِ أَرْبَابهنَّ الْمَالِكِينَ وَإِذْنهمْ.
وَكَذَلِكَ الْعَبْد لَا يَنْكِح إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّده ; لِأَنَّ الْعَبْد مَمْلُوك لَا أَمْر لَهُ، وَبَدَنه كُلّه مُسْتَغْرَق، لَكِنَّ الْفَرْق بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَبْد إِذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْن سَيِّده فَإِنْ أَجَازَهُ السَّيِّد جَازَ ; هَذَا مَذْهَب مَالِك وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَهُوَ قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَشُرَيْح وَالشَّعْبِيّ.
وَالْأَمَة إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إِذْن أَهْلهَا فُسِخَ وَلَمْ يَجُزْ بِإِجَازَةِ السَّيِّد ; لِأَنَّ نُقْصَان الْأُنُوثَة فِي الْأَمَة يَمْنَع مِنْ اِنْعِقَاد النِّكَاح أَلْبَتَّةَ.
وَقَالَتْ طَائِفَة : إِذَا نَكَحَ الْعَبْد بِغَيْرِ إِذْن سَيِّده فُسِخَ نِكَاحه ; هَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَدَاوُد بْن عَلِيّ، قَالُوا : لَا تَجُوز إِجَازَة الْمَوْلَى إِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ ; لِأَنَّ الْعَقْد الْفَاسِد لَا تَصِحّ إِجَازَته، فَإِنْ أَرَادَ النِّكَاح اِسْتَقْبَلَهُ عَلَى سُنَّته.
وَقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز نِكَاح الْعَبْد بِغَيْرِ إِذْن سَيِّده.
وَقَدْ كَانَ اِبْن عُمَر يَعُدُّ الْعَبْد بِذَلِكَ زَانِيًا وَيَحُدُّهُ ; وَهُوَ قَوْل أَبِي ثَوْر.
وَذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر، وَعَنْ مَعْمَر عَنْ أَيُّوب عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ أَخَذَ عَبْدًا لَهُ نَكَحَ بِغَيْرِ إِذْنه فَضَرَبَهُ الْحَدَّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَبْطَلَ صَدَاقهَا.
قَالَ : وَأَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَرَى نِكَاح الْعَبْد بِغَيْرِ إِذْن وَلِيِّهِ زِنًى، وَيَرَى عَلَيْهِ الْحَدّ، وَيُعَاقِب الَّذِينَ أَنْكَحُوهُمَا.
قَالَ : وَأَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَيّمَا عَبْدٍ نَكَحَ بِغَيْرِ إِذْن سَيِّده فَهُوَ عَاهِر ).
وَعَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هُوَ نِكَاح حَرَام ; فَإِنْ نَكَحَ بِإِذْنِ سَيِّده فَالطَّلَاق بِيَدِ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْفَرْج.
قَالَ أَبُو عُمَر : عَلَى هَذَا مَذْهَب جَمَاعَة فُقَهَاء الْأَمْصَار بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاق، وَلَمْ يُخْتَلَف عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الطَّلَاق بِيَدِ السَّيِّد ; وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَابِر بْن زَيْد وَفِرْقَة.
وَهُوَ عِنْد الْعُلَمَاء شُذُوذ لَا يُعَرَّج عَلَيْهِ، وَأَظُنّ اِبْن عَبَّاس تَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى :" ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء " [ النَّحْل : ٧٥ ].
وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ نِكَاح الْعَبْد جَائِز بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ; فَإِنْ نَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا فَقَالَ الشَّافِعِيّ : إِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فَلَا شَيْء لَهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ فَعَلَيْهِ الْمَهْر إِذَا عَتَقَ ; هَذَا هُوَ الصَّحِيح مِنْ مَذْهَبه، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد لَا مَهْر عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِق.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِنْ دَخَلَ عَلَيْهَا فَلَهَا الْمَهْر.
أَيْ بِوِلَايَةِ أَرْبَابهنَّ الْمَالِكِينَ وَإِذْنهمْ.
وَكَذَلِكَ الْعَبْد لَا يَنْكِح إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّده ; لِأَنَّ الْعَبْد مَمْلُوك لَا أَمْر لَهُ، وَبَدَنه كُلّه مُسْتَغْرَق، لَكِنَّ الْفَرْق بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَبْد إِذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْن سَيِّده فَإِنْ أَجَازَهُ السَّيِّد جَازَ ; هَذَا مَذْهَب مَالِك وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَهُوَ قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَشُرَيْح وَالشَّعْبِيّ.
وَالْأَمَة إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إِذْن أَهْلهَا فُسِخَ وَلَمْ يَجُزْ بِإِجَازَةِ السَّيِّد ; لِأَنَّ نُقْصَان الْأُنُوثَة فِي الْأَمَة يَمْنَع مِنْ اِنْعِقَاد النِّكَاح أَلْبَتَّةَ.
وَقَالَتْ طَائِفَة : إِذَا نَكَحَ الْعَبْد بِغَيْرِ إِذْن سَيِّده فُسِخَ نِكَاحه ; هَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَدَاوُد بْن عَلِيّ، قَالُوا : لَا تَجُوز إِجَازَة الْمَوْلَى إِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ ; لِأَنَّ الْعَقْد الْفَاسِد لَا تَصِحّ إِجَازَته، فَإِنْ أَرَادَ النِّكَاح اِسْتَقْبَلَهُ عَلَى سُنَّته.
وَقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز نِكَاح الْعَبْد بِغَيْرِ إِذْن سَيِّده.
وَقَدْ كَانَ اِبْن عُمَر يَعُدُّ الْعَبْد بِذَلِكَ زَانِيًا وَيَحُدُّهُ ; وَهُوَ قَوْل أَبِي ثَوْر.
وَذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر، وَعَنْ مَعْمَر عَنْ أَيُّوب عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ أَخَذَ عَبْدًا لَهُ نَكَحَ بِغَيْرِ إِذْنه فَضَرَبَهُ الْحَدَّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَبْطَلَ صَدَاقهَا.
قَالَ : وَأَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَرَى نِكَاح الْعَبْد بِغَيْرِ إِذْن وَلِيِّهِ زِنًى، وَيَرَى عَلَيْهِ الْحَدّ، وَيُعَاقِب الَّذِينَ أَنْكَحُوهُمَا.
قَالَ : وَأَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَيّمَا عَبْدٍ نَكَحَ بِغَيْرِ إِذْن سَيِّده فَهُوَ عَاهِر ).
وَعَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هُوَ نِكَاح حَرَام ; فَإِنْ نَكَحَ بِإِذْنِ سَيِّده فَالطَّلَاق بِيَدِ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْفَرْج.
قَالَ أَبُو عُمَر : عَلَى هَذَا مَذْهَب جَمَاعَة فُقَهَاء الْأَمْصَار بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاق، وَلَمْ يُخْتَلَف عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الطَّلَاق بِيَدِ السَّيِّد ; وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَابِر بْن زَيْد وَفِرْقَة.
وَهُوَ عِنْد الْعُلَمَاء شُذُوذ لَا يُعَرَّج عَلَيْهِ، وَأَظُنّ اِبْن عَبَّاس تَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى :" ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء " [ النَّحْل : ٧٥ ].
وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ نِكَاح الْعَبْد جَائِز بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ; فَإِنْ نَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا فَقَالَ الشَّافِعِيّ : إِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فَلَا شَيْء لَهَا، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ فَعَلَيْهِ الْمَهْر إِذَا عَتَقَ ; هَذَا هُوَ الصَّحِيح مِنْ مَذْهَبه، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد لَا مَهْر عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِق.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِنْ دَخَلَ عَلَيْهَا فَلَهَا الْمَهْر.
وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ : إِذَا كَانَ عَبْد بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَذِنَ لَهُ أَحَدهمَا فِي النِّكَاح فَنَكَحَ فَالنِّكَاح بَاطِل، فَأَمَّا الْأَمَة إِذَا آذَنَتْ أَهْلهَا فِي النِّكَاح فَأَذِنُوا جَازَ، وَإِنْ لَمْ تُبَاشِر الْعَقْد لَكِنْ تُوَلِّي مَنْ يَعْقِدُهُ عَلَيْهَا.
وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
دَلِيل عَلَى وُجُوب الْمَهْر فِي النِّكَاح، وَأَنَّهُ لِلْأَمَةِ.
دَلِيل عَلَى وُجُوب الْمَهْر فِي النِّكَاح، وَأَنَّهُ لِلْأَمَةِ.
بِالْمَعْرُوفِ
مَعْنَاهُ بِالشَّرْعِ وَالسُّنَّة، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُنَّ أَحَقّ بِمُهُورِهِنَّ مِنْ السَّادَة، وَهُوَ مَذْهَب مَالِك.
قَالَ فِي كِتَاب الرُّهُون : لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذ مَهْر أَمَته وَيَدَعَهَا بِلَا جِهَاز.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : الصَّدَاق لِلسَّيِّدِ ; لِأَنَّهُ عِوَض فَلَا يَكُون لِلْأَمَةِ.
أَصْله إِجَازَة الْمَنْفَعَة فِي الرَّقَبَة، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ لِأَنَّ الْمَهْر وَجَبَ بِسَبَبِهَا.
وَذَكَرَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيل فِي أَحْكَامِهِ : زَعَمَ بَعْض الْعِرَاقِيِّينَ إِذَا زَوَّجَ أَمَته مِنْ عَبْده فَلَا مَهْر.
وَهَذَا خِلَاف الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَأَطْنَبَ فِيهِ.
مَعْنَاهُ بِالشَّرْعِ وَالسُّنَّة، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُنَّ أَحَقّ بِمُهُورِهِنَّ مِنْ السَّادَة، وَهُوَ مَذْهَب مَالِك.
قَالَ فِي كِتَاب الرُّهُون : لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذ مَهْر أَمَته وَيَدَعَهَا بِلَا جِهَاز.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : الصَّدَاق لِلسَّيِّدِ ; لِأَنَّهُ عِوَض فَلَا يَكُون لِلْأَمَةِ.
أَصْله إِجَازَة الْمَنْفَعَة فِي الرَّقَبَة، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ لِأَنَّ الْمَهْر وَجَبَ بِسَبَبِهَا.
وَذَكَرَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيل فِي أَحْكَامِهِ : زَعَمَ بَعْض الْعِرَاقِيِّينَ إِذَا زَوَّجَ أَمَته مِنْ عَبْده فَلَا مَهْر.
وَهَذَا خِلَاف الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَأَطْنَبَ فِيهِ.
مُحْصَنَاتٍ
أَيْ عَفَائِف.
وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ " مُحْصِنَات " بِكَسْرِ الصَّاد فِي جَمِيع الْقُرْآن، إِلَّا فِي قَوْله تَعَالَى :" وَالْمُحْصَنَات مِنْ النِّسَاء " [ النِّسَاء : ٢٤ ].
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ فِي جَمِيع الْقُرْآن.
أَيْ عَفَائِف.
وَقَرَأَ الْكِسَائِيّ " مُحْصِنَات " بِكَسْرِ الصَّاد فِي جَمِيع الْقُرْآن، إِلَّا فِي قَوْله تَعَالَى :" وَالْمُحْصَنَات مِنْ النِّسَاء " [ النِّسَاء : ٢٤ ].
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ فِي جَمِيع الْقُرْآن.
غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ
أَيْ غَيْر زَوَانٍ، أَيْ مُعْلِنَات بِالزِّنَى ; لِأَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانَ فِيهِمْ الزَّوَانِي فِي الْعَلَانِيَة، وَلَهُنَّ رَايَات مَنْصُوبَات كَرَايَةِ الْبَيْطَار.
أَيْ غَيْر زَوَانٍ، أَيْ مُعْلِنَات بِالزِّنَى ; لِأَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانَ فِيهِمْ الزَّوَانِي فِي الْعَلَانِيَة، وَلَهُنَّ رَايَات مَنْصُوبَات كَرَايَةِ الْبَيْطَار.
وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ
أَصْدِقَاء عَلَى الْفَاحِشَة، وَاحِدهمْ خِدْن وَخَدِين، وَهُوَ الَّذِي يُخَادِنُكَ، وَرَجُل خُدَنَة، إِذَا اِتَّخَذَ أَخْذَانًا أَيْ أَصْحَابًا، عَنْ أَبِي زَيْد.
وَقِيلَ : الْمُسَافِحَة الْمُجَاهِرَة بِالزِّنَى، أَيْ الَّتِي تُكْرِي نَفْسهَا لِذَلِكَ.
وَذَات الْخِدْن هِيَ الَّتِي تَزْنِي سِرًّا.
وَقِيلَ : الْمُسَافِحَة الْمَبْذُولَة، وَذَات الْخِدْن الَّتِي تَزْنِي بِوَاحِدٍ.
وَكَانَتْ الْعَرَب تَعِيب الْإِعْلَان بِالزِّنَى، وَلَا تَعِيب اِتِّخَاذ الْأَخْدَان، ثُمَّ رَفَعَ الْإِسْلَام جَمِيع ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى :" وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ " [ الْأَنْعَام : ١٥١ ] ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره.
أَصْدِقَاء عَلَى الْفَاحِشَة، وَاحِدهمْ خِدْن وَخَدِين، وَهُوَ الَّذِي يُخَادِنُكَ، وَرَجُل خُدَنَة، إِذَا اِتَّخَذَ أَخْذَانًا أَيْ أَصْحَابًا، عَنْ أَبِي زَيْد.
وَقِيلَ : الْمُسَافِحَة الْمُجَاهِرَة بِالزِّنَى، أَيْ الَّتِي تُكْرِي نَفْسهَا لِذَلِكَ.
وَذَات الْخِدْن هِيَ الَّتِي تَزْنِي سِرًّا.
وَقِيلَ : الْمُسَافِحَة الْمَبْذُولَة، وَذَات الْخِدْن الَّتِي تَزْنِي بِوَاحِدٍ.
وَكَانَتْ الْعَرَب تَعِيب الْإِعْلَان بِالزِّنَى، وَلَا تَعِيب اِتِّخَاذ الْأَخْدَان، ثُمَّ رَفَعَ الْإِسْلَام جَمِيع ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى :" وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ " [ الْأَنْعَام : ١٥١ ] ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره.
فَإِذَا أُحْصِنَّ
قِرَاءَة عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ بِفَتْحِ الْهَمْزَة.
الْبَاقُونَ بِضَمِّهَا.
فَبِالْفَتْحِ مَعْنَاهُ أَسْلَمْنَ، وَبِالضَّمِّ زُوِّجْنَ.
فَإِذَا زَنَتْ الْأَمَة الْمُسْلِمَة جُلِدَتْ نِصْف جَلْد الْحُرَّة ; وَإِسْلَامُهَا هُوَ إِحْصَانُهَا فِي قَوْل الْجُمْهُور، اِبْن مَسْعُود وَالشَّعْبِيّ وَالزُّهْرِيّ وَغَيْرهمْ.
وَعَلَيْهِ فَلَا تُحَدّ كَافِرَة إِذَا زَنَتْ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ فِيمَا ذَكَرَ اِبْن الْمُنْذِر.
وَقَالَ آخَرُونَ : إِحْصَانهَا التَّزَوُّج بِحُرٍّ.
فَإِذَا زَنَتْ الْأَمَة الْمُسْلِمَة الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّج فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالْحَسَن وَقَتَادَة، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي الدَّرْدَاء، وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْد.
قَالَ : وَفِي حَدِيث عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدّ الْأَمَة فَقَالَ : إِنَّ الْأَمَة أَلْقَتْ فَرْوَة رَأْسِهَا مِنْ وَرَاء الدَّار.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ : الْفَرْوَة جِلْدَة الرَّأْس.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : وَهُوَ لَمْ يُرِدْ الْفَرْوَة بِعَيْنِهَا، وَكَيْفَ تُلْقِي جِلْدَة رَأْسِهَا مِنْ وَرَاء الدَّار، وَلَكِنَّ هَذَا مِثْل ! إِنَّمَا أَرَادَ بِالْفَرْوَةِ الْقِنَاع، يَقُول لَيْسَ عَلَيْهَا قِنَاع وَلَا حِجَاب، وَأَنَّهَا تَخْرُج إِلَى كُلّ مَوْضِع يُرْسِلهَا أَهْلهَا إِلَيْهِ، لَا تَقْدِر عَلَى الِامْتِنَاع مِنْ ذَلِكَ ; فَتَصِير حَيْثُ لَا تَقْدِر عَلَى الِامْتِنَاع مِنْ الْفُجُور، مِثْل رِعَايَة الْغَنَم وَأَدَاء الضَّرِيبَة وَنَحْو ذَلِكَ ; فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنْ لَا حَدّ عَلَيْهَا إِذَا فَجَرَتْ ; لِهَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَتْ فِرْقَة : إِحْصَانهَا التَّزَوُّج، إِلَّا أَنَّ الْحَدّ وَاجِب عَلَى الْأَمَة الْمُسْلِمَة غَيْر الْمُتَزَوِّجَة بِالسُّنَّةِ، كَمَا فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم أَنَّهُ قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه، الْأَمَة إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَن ؟ فَأَوْجَبَ عَلَيْهَا الْحَدّ.
قَالَ الزُّهْرِيّ : فَالْمُتَزَوِّجَة مَحْدُوده بِالْقُرْآنِ، وَالْمُسْلِمَة غَيْر الْمُتَزَوِّجَة مَحْدُودَة بِالْحَدِيثِ.
قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيل فِي قَوْل مَنْ قَالَ " إِذَا أُحْصِنَّ " أَسْلَمْنَ : بُعْد ; لِأَنَّ ذِكْر الْإِيمَان قَدْ تَقَدَّمَ لَهُنَّ فِي قَوْله تَعَالَى :" مِنْ فَتَيَاتكُمْ الْمُؤْمِنَات ".
وَأَمَّا مَنْ قَالَ :" إِذَا أُحْصِنَّ " تَزَوَّجْنَ، وَأَنَّهُ لَا حَدّ عَلَى الْأَمَة حَتَّى تَتَزَوَّجَ ; فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى ظَاهِر الْقُرْآن وَأَحْسَبُهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا هَذَا الْحَدِيث.
وَالْأَمْر عِنْدَنَا أَنَّ الْأَمَة إِذَا زَنَتْ وَقَدْ أُحْصِنَتْ مَجْلُودَة بِكِتَابِ اللَّه، وَإِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ مَجْلُودَة بِحَدِيثِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا رَجْم عَلَيْهَا ; لِأَنَّ الرَّجْم لَا يَتَنَصَّف.
قَالَ أَبُو عُمَر : ظَاهِر قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقْتَضِي أَلَّا حَدَّ عَلَى أَمَة وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَة إِلَّا بَعْد التَّزْوِيج، ثُمَّ جَاءَتْ السُّنَّة بِجَلْدِهَا وَإِنْ لَمْ تُحْصَنْ، فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَة بَيَان.
قُلْت : ظَهْر الْمُؤْمِن حِمًى لَا يُسْتَبَاح إِلَّا بِيَقِينٍ، وَلَا يَقِين مَعَ الِاخْتِلَاف، لَوْلَا مَا جَاءَ فِي صَحِيح السُّنَّة مِنْ الْجَلْد فِي ذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قِرَاءَة عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ بِفَتْحِ الْهَمْزَة.
الْبَاقُونَ بِضَمِّهَا.
فَبِالْفَتْحِ مَعْنَاهُ أَسْلَمْنَ، وَبِالضَّمِّ زُوِّجْنَ.
فَإِذَا زَنَتْ الْأَمَة الْمُسْلِمَة جُلِدَتْ نِصْف جَلْد الْحُرَّة ; وَإِسْلَامُهَا هُوَ إِحْصَانُهَا فِي قَوْل الْجُمْهُور، اِبْن مَسْعُود وَالشَّعْبِيّ وَالزُّهْرِيّ وَغَيْرهمْ.
وَعَلَيْهِ فَلَا تُحَدّ كَافِرَة إِذَا زَنَتْ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ فِيمَا ذَكَرَ اِبْن الْمُنْذِر.
وَقَالَ آخَرُونَ : إِحْصَانهَا التَّزَوُّج بِحُرٍّ.
فَإِذَا زَنَتْ الْأَمَة الْمُسْلِمَة الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّج فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالْحَسَن وَقَتَادَة، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي الدَّرْدَاء، وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْد.
قَالَ : وَفِي حَدِيث عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدّ الْأَمَة فَقَالَ : إِنَّ الْأَمَة أَلْقَتْ فَرْوَة رَأْسِهَا مِنْ وَرَاء الدَّار.
قَالَ الْأَصْمَعِيّ : الْفَرْوَة جِلْدَة الرَّأْس.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : وَهُوَ لَمْ يُرِدْ الْفَرْوَة بِعَيْنِهَا، وَكَيْفَ تُلْقِي جِلْدَة رَأْسِهَا مِنْ وَرَاء الدَّار، وَلَكِنَّ هَذَا مِثْل ! إِنَّمَا أَرَادَ بِالْفَرْوَةِ الْقِنَاع، يَقُول لَيْسَ عَلَيْهَا قِنَاع وَلَا حِجَاب، وَأَنَّهَا تَخْرُج إِلَى كُلّ مَوْضِع يُرْسِلهَا أَهْلهَا إِلَيْهِ، لَا تَقْدِر عَلَى الِامْتِنَاع مِنْ ذَلِكَ ; فَتَصِير حَيْثُ لَا تَقْدِر عَلَى الِامْتِنَاع مِنْ الْفُجُور، مِثْل رِعَايَة الْغَنَم وَأَدَاء الضَّرِيبَة وَنَحْو ذَلِكَ ; فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنْ لَا حَدّ عَلَيْهَا إِذَا فَجَرَتْ ; لِهَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَتْ فِرْقَة : إِحْصَانهَا التَّزَوُّج، إِلَّا أَنَّ الْحَدّ وَاجِب عَلَى الْأَمَة الْمُسْلِمَة غَيْر الْمُتَزَوِّجَة بِالسُّنَّةِ، كَمَا فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم أَنَّهُ قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه، الْأَمَة إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَن ؟ فَأَوْجَبَ عَلَيْهَا الْحَدّ.
قَالَ الزُّهْرِيّ : فَالْمُتَزَوِّجَة مَحْدُوده بِالْقُرْآنِ، وَالْمُسْلِمَة غَيْر الْمُتَزَوِّجَة مَحْدُودَة بِالْحَدِيثِ.
قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيل فِي قَوْل مَنْ قَالَ " إِذَا أُحْصِنَّ " أَسْلَمْنَ : بُعْد ; لِأَنَّ ذِكْر الْإِيمَان قَدْ تَقَدَّمَ لَهُنَّ فِي قَوْله تَعَالَى :" مِنْ فَتَيَاتكُمْ الْمُؤْمِنَات ".
وَأَمَّا مَنْ قَالَ :" إِذَا أُحْصِنَّ " تَزَوَّجْنَ، وَأَنَّهُ لَا حَدّ عَلَى الْأَمَة حَتَّى تَتَزَوَّجَ ; فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى ظَاهِر الْقُرْآن وَأَحْسَبُهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا هَذَا الْحَدِيث.
وَالْأَمْر عِنْدَنَا أَنَّ الْأَمَة إِذَا زَنَتْ وَقَدْ أُحْصِنَتْ مَجْلُودَة بِكِتَابِ اللَّه، وَإِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ مَجْلُودَة بِحَدِيثِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا رَجْم عَلَيْهَا ; لِأَنَّ الرَّجْم لَا يَتَنَصَّف.
قَالَ أَبُو عُمَر : ظَاهِر قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقْتَضِي أَلَّا حَدَّ عَلَى أَمَة وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَة إِلَّا بَعْد التَّزْوِيج، ثُمَّ جَاءَتْ السُّنَّة بِجَلْدِهَا وَإِنْ لَمْ تُحْصَنْ، فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَة بَيَان.
قُلْت : ظَهْر الْمُؤْمِن حِمًى لَا يُسْتَبَاح إِلَّا بِيَقِينٍ، وَلَا يَقِين مَعَ الِاخْتِلَاف، لَوْلَا مَا جَاءَ فِي صَحِيح السُّنَّة مِنْ الْجَلْد فِي ذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر فِيمَا ذَكَرَ اِبْن الْمُنْذِر : وَإِنْ كَانُوا اِخْتَلَفُوا فِي رَجْمِهِمَا فَإِنَّهُمَا يُرْجَمَانِ إِذَا كَانَا مُحْصَنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ إِجْمَاع فَالْإِجْمَاع أَوْلَى.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ يُقِيم الْحَدّ عَلَيْهِمَا ; فَقَالَ اِبْن شِهَاب : مَضَتْ السُّنَّة أَنْ يَحُدَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ أَهْلُوهُمْ فِي الزِّنَى، إِلَّا أَنْ يُرْفَع أَمْرهمْ إِلَى السُّلْطَان فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْتَات عَلَيْهِ ; وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا زَنَتْ أَمَة أَحَدكُمْ فَلْيَحُدَّهَا الْحَدّ ).
وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي خُطْبَته : يَا أَيّهَا النَّاس، أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمْ الْحَدّ، مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَن، فَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا، فَإِذَا هِيَ حَدِيث عَهْد بِنِفَاسٍ، فَخَشِيت إِنْ أَنَا جَلَدْتهَا أَقْتُلُهَا، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :( أَحْسَنْت ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم مَوْقُوفًا عَنْ عَلِيّ.
وَأَسْنَدَهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ فِيهِ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَقِيمُوا الْحُدُود عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ ) وَهَذَا نَصّ فِي إِقَامَة السَّادَةِ الْحُدُودَ عَلَى الْمَمَالِيك مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَن.
قَالَ مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : يَحُدّ الْمَوْلَى عَبْده فِي الزِّنَى وَشُرْب الْخَمْر وَالْقَذْف إِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُود بِذَلِكَ، وَلَا يَقْطَعُهُ فِي السَّرِقَة، وَإِنَّمَا يَقْطَعُهُ الْإِمَام ; وَهُوَ قَوْل اللَّيْث.
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة أَنَّهُمْ أَقَامُوا الْحُدُود عَلَى عَبِيدهمْ، مِنْهُمْ اِبْن عُمَر وَأَنَس، وَلَا مُخَالِف لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَة.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ : أَدْرَكْت بَقَايَا الْأَنْصَار يَضْرِبُونَ الْوَلِيدَة مِنْ وَلَائِدهمْ إِذَا زَنَتْ، فِي مَجَالِسهمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُقِيم الْحُدُود عَلَى الْعَبِيد وَالْإِمَاء السُّلْطَانُ دُون الْمَوْلَى فِي الزِّنَى وَسَائِر الْحُدُود ; وَهُوَ قَوْل الْحَسَن بْن حَيّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يَحُدُّهُ الْمَوْلَى فِي كُلّ حَدّ وَيَقْطَعُهُ ; وَاحْتَجَّ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَا.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ : يَحُدّهُ فِي الزِّنَى ; وَهُوَ مُقْتَضَى الْأَحَادِيث، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي تَغْرِيب الْعَبِيد فِي هَذِهِ السُّورَة.
فَإِنْ زَنَتْ الْأَمَة ثُمَّ عَتَقَتْ قَبْل أَنْ يَحُدَّهَا سَيِّدهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيل إِلَى حَدّهَا، وَالسُّلْطَان يَجْلِدهَا إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْده ; فَإِنْ زَنَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهَا أَنْ يَجْلِدَهَا أَيْضًا لِحَقِّ الزَّوْج ; إِذْ قَدْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ.
وَهَذَا مَذْهَب مَالِك إِذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْج مِلْكًا لِلسَّيِّدِ، فَلَوْ كَانَ، جَازَ لِلسَّيِّدِ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّهُمَا حَقّه.
فَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْد بِالزِّنَى وَأَنْكَرَهُ الْمَوْلَى فَإِنَّ الْحَدّ يَجِب عَلَى الْعَبْد لِإِقْرَارِهِ، وَلَا اِلْتِفَات لِمَا أَنْكَرَهُ الْمَوْلَى، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاء.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ يُقِيم الْحَدّ عَلَيْهِمَا ; فَقَالَ اِبْن شِهَاب : مَضَتْ السُّنَّة أَنْ يَحُدَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ أَهْلُوهُمْ فِي الزِّنَى، إِلَّا أَنْ يُرْفَع أَمْرهمْ إِلَى السُّلْطَان فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْتَات عَلَيْهِ ; وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا زَنَتْ أَمَة أَحَدكُمْ فَلْيَحُدَّهَا الْحَدّ ).
وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي خُطْبَته : يَا أَيّهَا النَّاس، أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمْ الْحَدّ، مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَن، فَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا، فَإِذَا هِيَ حَدِيث عَهْد بِنِفَاسٍ، فَخَشِيت إِنْ أَنَا جَلَدْتهَا أَقْتُلُهَا، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :( أَحْسَنْت ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم مَوْقُوفًا عَنْ عَلِيّ.
وَأَسْنَدَهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ فِيهِ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَقِيمُوا الْحُدُود عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ ) وَهَذَا نَصّ فِي إِقَامَة السَّادَةِ الْحُدُودَ عَلَى الْمَمَالِيك مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَن.
قَالَ مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : يَحُدّ الْمَوْلَى عَبْده فِي الزِّنَى وَشُرْب الْخَمْر وَالْقَذْف إِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُود بِذَلِكَ، وَلَا يَقْطَعُهُ فِي السَّرِقَة، وَإِنَّمَا يَقْطَعُهُ الْإِمَام ; وَهُوَ قَوْل اللَّيْث.
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة أَنَّهُمْ أَقَامُوا الْحُدُود عَلَى عَبِيدهمْ، مِنْهُمْ اِبْن عُمَر وَأَنَس، وَلَا مُخَالِف لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَة.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ : أَدْرَكْت بَقَايَا الْأَنْصَار يَضْرِبُونَ الْوَلِيدَة مِنْ وَلَائِدهمْ إِذَا زَنَتْ، فِي مَجَالِسهمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُقِيم الْحُدُود عَلَى الْعَبِيد وَالْإِمَاء السُّلْطَانُ دُون الْمَوْلَى فِي الزِّنَى وَسَائِر الْحُدُود ; وَهُوَ قَوْل الْحَسَن بْن حَيّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يَحُدُّهُ الْمَوْلَى فِي كُلّ حَدّ وَيَقْطَعُهُ ; وَاحْتَجَّ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَا.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ : يَحُدّهُ فِي الزِّنَى ; وَهُوَ مُقْتَضَى الْأَحَادِيث، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي تَغْرِيب الْعَبِيد فِي هَذِهِ السُّورَة.
فَإِنْ زَنَتْ الْأَمَة ثُمَّ عَتَقَتْ قَبْل أَنْ يَحُدَّهَا سَيِّدهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيل إِلَى حَدّهَا، وَالسُّلْطَان يَجْلِدهَا إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْده ; فَإِنْ زَنَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهَا أَنْ يَجْلِدَهَا أَيْضًا لِحَقِّ الزَّوْج ; إِذْ قَدْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ.
وَهَذَا مَذْهَب مَالِك إِذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْج مِلْكًا لِلسَّيِّدِ، فَلَوْ كَانَ، جَازَ لِلسَّيِّدِ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّهُمَا حَقّه.
فَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْد بِالزِّنَى وَأَنْكَرَهُ الْمَوْلَى فَإِنَّ الْحَدّ يَجِب عَلَى الْعَبْد لِإِقْرَارِهِ، وَلَا اِلْتِفَات لِمَا أَنْكَرَهُ الْمَوْلَى، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاء.
وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّر وَأُمّ الْوَلَد وَالْمُكَاتَب وَالْمُعْتَق بَعْضه.
وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَمَة إِذَا زَنَتْ ثُمَّ أُعْتِقَتْ حُدَّتْ حَدَّ الْإِمَاء ; وَإِذَا زَنَتْ وَهِيَ لَا تَعْلَم بِالْعِتْقِ ثُمَّ عَلِمَتْ وَقَدْ حُدَّتْ أُقِيمَ عَلَيْهَا تَمَام حَدّ الْحُرَّة ; ذَكَرَهُ اِبْن الْمُنْذِر.
وَاخْتَلَفُوا فِي عَفْو السَّيِّد عَنْ عَبْده وَأُمَّته إِذَا زَنَيَا ; فَكَانَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ يَقُول : لَهُ أَنْ يَعْفُوَ.
وَقَالَ غَيْر الْحَسَن : لَا يَسَعُهُ إِلَّا إِقَامَة الْحَدّ، كَمَا لَا يَسَع السُّلْطَان أَنْ يَعْفُوَ عَنْ حَدّ إِذَا عَلِمَهُ، لَمْ يَسَع السَّيِّد كَذَلِكَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ أَمَته إِذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدّ ; وَهَذَا عَلَى مَذْهَب أَبِي ثَوْر.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَبِهِ نَقُول.
وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَمَة إِذَا زَنَتْ ثُمَّ أُعْتِقَتْ حُدَّتْ حَدَّ الْإِمَاء ; وَإِذَا زَنَتْ وَهِيَ لَا تَعْلَم بِالْعِتْقِ ثُمَّ عَلِمَتْ وَقَدْ حُدَّتْ أُقِيمَ عَلَيْهَا تَمَام حَدّ الْحُرَّة ; ذَكَرَهُ اِبْن الْمُنْذِر.
وَاخْتَلَفُوا فِي عَفْو السَّيِّد عَنْ عَبْده وَأُمَّته إِذَا زَنَيَا ; فَكَانَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ يَقُول : لَهُ أَنْ يَعْفُوَ.
وَقَالَ غَيْر الْحَسَن : لَا يَسَعُهُ إِلَّا إِقَامَة الْحَدّ، كَمَا لَا يَسَع السُّلْطَان أَنْ يَعْفُوَ عَنْ حَدّ إِذَا عَلِمَهُ، لَمْ يَسَع السَّيِّد كَذَلِكَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ أَمَته إِذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدّ ; وَهَذَا عَلَى مَذْهَب أَبِي ثَوْر.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَبِهِ نَقُول.
فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ
أَيْ الْجَلْد وَيَعْنِي بِالْمُحْصَنَاتِ هَاهُنَا الْأَبْكَار الْحَرَائِر ; لِأَنَّ الثَّيِّب عَلَيْهَا الرَّجْم وَالرَّجْم لَا يَتَبَعَّض، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْبِكْرِ مُحْصَنَة وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَة ; لِأَنَّ الْإِحْصَان يَكُون بِهَا ; كَمَا يُقَال : أُضْحِيَّة قَبْل أَنْ يُضَحَّى بِهَا ; وَكَمَا يُقَال لِلْبَقَرَةِ : مُثِيرَة قَبْل أَنْ تُثِير.
وَقِيلَ :" الْمُحْصَنَات " الْمُتَزَوِّجَات ; لِأَنَّ عَلَيْهَا الضَّرْبَ وَالرَّجْمَ فِي الْحَدِيث، وَالرَّجْم لَا يَتَبَعَّض فَصَارَ عَلَيْهِنَّ نِصْف الضَّرْب.
وَالْفَائِدَة فِي نُقْصَان حَدِّهِنَّ أَنَّهُنَّ أَضْعَفُ مِنْ الْحَرَائِر.
وَيُقَال : إِنَّهُنَّ لَا يَصِلْنَ إِلَى مُرَادهنَّ كَمَا تَصِل الْحَرَائِر.
وَقِيلَ : لِأَنَّ الْعُقُوبَة تَجِب عَلَى قَدْر النِّعْمَة ; أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" يَا نِسَاء النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ " [ الْأَحْزَاب : ٣٠ ] فَلَمَّا كَانَتْ نِعْمَتُهُنَّ أَكْثَر جَعَلَ عُقُوبَتهنَّ أَشَدّ، وَكَذَلِكَ الْإِمَاء لَمَّا كَانَتْ نِعْمَتهنَّ أَقَلّ فَعُقُوبَتهنَّ أَقَلّ.
وَذَكَرَ فِي الْآيَة حَدّ الْإِمَاء خَاصَّة، وَلَمْ يَذْكُر حَدَّ الْعَبِيد ; وَلَكِنَّ حَدَّ الْعَبِيد وَالْإِمَاء سَوَاء ; خَمْسُونَ جَلْدَة فِي الزِّنَى، وَفِي الْقَذْف وَشُرْب الْخَمْر أَرْبَعُونَ ; لِأَنَّ حَدّ الْأَمَة إِنَّمَا نَقَصَ لِنُقْصَانِ الرِّقّ فَدَخَلَ الذُّكُور مِنْ الْعَبِيد فِي ذَلِكَ بِعِلَّةِ الْمَمْلُوكِيَّة، كَمَا دَخَلَ الْإِمَاء تَحْت قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْد ).
وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ الْعُلَمَاء الْقِيَاس فِي مَعْنَى الْأَصْل ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات " [ النُّور : ٦ ] الْآيَة.
فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمُحْصِنِينَ قَطْعًا ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " النُّور " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ بَيْع الْأَمَة الزَّانِيَة لَيْسَ بَيْعهَا بِوَاجِبٍ لَازِم عَلَى رَبّهَا، وَإِنْ اِخْتَارُوا لَهُ ذَلِكَ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا زَنَتْ أَمَة أَحَدكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدّ وَلَا يُثَرِّب عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ الثَّالِثَة فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْر ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة.
وَقَالَ أَهْل الظَّاهِر بِوُجُوبِ بَيْعهَا فِي الرَّابِعَة.
مِنْهُمْ دَاوُدُ وَغَيْره ; لِقَوْلِهِ ( فَلْيَبِعْهَا ) وَقَوْله :( ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ ).
قَالَ اِبْن شِهَاب : فَلَا أَدْرِي بَعْد الثَّالِثَة أَوْ الرَّابِعَة ; وَالضَّفِير الْحَبْل.
فَإِذَا بَاعَهَا بِزِنَاهَا ; لِأَنَّهُ عَيْب فَلَا يَحِلّ أَنْ يَكْتُم.
فَإِنْ قِيلَ : إِذَا كَانَ مَقْصُود الْحَدِيث إِبْعَاد الزَّانِيَة وَوَجَبَ عَلَى بَائِعهَا التَّعْرِيف بِزِنَاهَا فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهَا ; لِأَنَّهَا مِمَّا قَدْ أُمِرْنَا بِإِبْعَادِهَا.
أَيْ الْجَلْد وَيَعْنِي بِالْمُحْصَنَاتِ هَاهُنَا الْأَبْكَار الْحَرَائِر ; لِأَنَّ الثَّيِّب عَلَيْهَا الرَّجْم وَالرَّجْم لَا يَتَبَعَّض، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْبِكْرِ مُحْصَنَة وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَة ; لِأَنَّ الْإِحْصَان يَكُون بِهَا ; كَمَا يُقَال : أُضْحِيَّة قَبْل أَنْ يُضَحَّى بِهَا ; وَكَمَا يُقَال لِلْبَقَرَةِ : مُثِيرَة قَبْل أَنْ تُثِير.
وَقِيلَ :" الْمُحْصَنَات " الْمُتَزَوِّجَات ; لِأَنَّ عَلَيْهَا الضَّرْبَ وَالرَّجْمَ فِي الْحَدِيث، وَالرَّجْم لَا يَتَبَعَّض فَصَارَ عَلَيْهِنَّ نِصْف الضَّرْب.
وَالْفَائِدَة فِي نُقْصَان حَدِّهِنَّ أَنَّهُنَّ أَضْعَفُ مِنْ الْحَرَائِر.
وَيُقَال : إِنَّهُنَّ لَا يَصِلْنَ إِلَى مُرَادهنَّ كَمَا تَصِل الْحَرَائِر.
وَقِيلَ : لِأَنَّ الْعُقُوبَة تَجِب عَلَى قَدْر النِّعْمَة ; أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" يَا نِسَاء النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ " [ الْأَحْزَاب : ٣٠ ] فَلَمَّا كَانَتْ نِعْمَتُهُنَّ أَكْثَر جَعَلَ عُقُوبَتهنَّ أَشَدّ، وَكَذَلِكَ الْإِمَاء لَمَّا كَانَتْ نِعْمَتهنَّ أَقَلّ فَعُقُوبَتهنَّ أَقَلّ.
وَذَكَرَ فِي الْآيَة حَدّ الْإِمَاء خَاصَّة، وَلَمْ يَذْكُر حَدَّ الْعَبِيد ; وَلَكِنَّ حَدَّ الْعَبِيد وَالْإِمَاء سَوَاء ; خَمْسُونَ جَلْدَة فِي الزِّنَى، وَفِي الْقَذْف وَشُرْب الْخَمْر أَرْبَعُونَ ; لِأَنَّ حَدّ الْأَمَة إِنَّمَا نَقَصَ لِنُقْصَانِ الرِّقّ فَدَخَلَ الذُّكُور مِنْ الْعَبِيد فِي ذَلِكَ بِعِلَّةِ الْمَمْلُوكِيَّة، كَمَا دَخَلَ الْإِمَاء تَحْت قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْد ).
وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ الْعُلَمَاء الْقِيَاس فِي مَعْنَى الْأَصْل ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات " [ النُّور : ٦ ] الْآيَة.
فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمُحْصِنِينَ قَطْعًا ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " النُّور " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ بَيْع الْأَمَة الزَّانِيَة لَيْسَ بَيْعهَا بِوَاجِبٍ لَازِم عَلَى رَبّهَا، وَإِنْ اِخْتَارُوا لَهُ ذَلِكَ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا زَنَتْ أَمَة أَحَدكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدّ وَلَا يُثَرِّب عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ الثَّالِثَة فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْر ).
أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة.
وَقَالَ أَهْل الظَّاهِر بِوُجُوبِ بَيْعهَا فِي الرَّابِعَة.
مِنْهُمْ دَاوُدُ وَغَيْره ; لِقَوْلِهِ ( فَلْيَبِعْهَا ) وَقَوْله :( ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ ).
قَالَ اِبْن شِهَاب : فَلَا أَدْرِي بَعْد الثَّالِثَة أَوْ الرَّابِعَة ; وَالضَّفِير الْحَبْل.
فَإِذَا بَاعَهَا بِزِنَاهَا ; لِأَنَّهُ عَيْب فَلَا يَحِلّ أَنْ يَكْتُم.
فَإِنْ قِيلَ : إِذَا كَانَ مَقْصُود الْحَدِيث إِبْعَاد الزَّانِيَة وَوَجَبَ عَلَى بَائِعهَا التَّعْرِيف بِزِنَاهَا فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهَا ; لِأَنَّهَا مِمَّا قَدْ أُمِرْنَا بِإِبْعَادِهَا.
فَالْجَوَاب أَنَّهَا مَال وَلَا تُضَاع ; لِلنَّهْيِ عَنْ إِضَاعَة الْمَال، وَلَا تُسَيَّب ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِغْرَاء لَهَا بِالزِّنَى وَتَمْكِين مِنْهُ، وَلَا تُحْبَس دَائِمًا، فَإِنَّ فِيهِ تَعْطِيلَ مَنْفَعَتهَا عَلَى سَيِّدهَا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا بَيْعهَا.
وَلَعَلَّ السَّيِّد الثَّانِي يُعِفُّهَا بِالْوَطْءِ أَوْ يُبَالِغ فِي التَّحَرُّز فَيَمْنَعهَا مِنْ ذَلِكَ.
وَعَلَى الْجُمْلَة فَعِنْد تَبَدُّل الْمُلَّاك تَخْتَلِف عَلَيْهَا الْأَحْوَال.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَلَعَلَّ السَّيِّد الثَّانِي يُعِفُّهَا بِالْوَطْءِ أَوْ يُبَالِغ فِي التَّحَرُّز فَيَمْنَعهَا مِنْ ذَلِكَ.
وَعَلَى الْجُمْلَة فَعِنْد تَبَدُّل الْمُلَّاك تَخْتَلِف عَلَيْهَا الْأَحْوَال.
وَاَللَّه أَعْلَم.
ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
أَيْ الصَّبْر عَلَى الْعُزْبَة خَيْر مِنْ نِكَاح الْأَمَة، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى إِرْقَاق الْوَلَد، وَالْغَضّ مِنْ النَّفْس وَالصَّبْر عَلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق أَوْلَى مِنْ الْبَذَالَة.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَيّمَا حُرٍّ تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ فَقَدْ أُرِقَّ نِصْفه.
يَعْنِي يَصِير وَلَده رَقِيقًا ; فَالصَّبْر عَنْ ذَلِكَ أَفْضَل لِكَيْلَا يَرِقَّ الْوَلَد.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : مَا نِكَاح الْأَمَة مِنْ الزِّنَى إِلَّا قَرِيب، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْر لَكُمْ "، أَيْ عَنْ نِكَاح الْإِمَاء.
وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم قَالَ : سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :" مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْقَى اللَّه طَاهِرًا مُطَهَّرًا فَلْيَتَزَوَّجْ الْحَرَائِر ).
وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق الثَّعْلَبِيّ مِنْ حَدِيث يُونُس بْن مِرْدَاس، وَكَانَ خَادِمًا لِأَنَسٍ، وَزَادَ : فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( الْحَرَائِر صَلَاح الْبَيْت وَالْإِمَاء هَلَاك الْبَيْت - أَوْ قَالَ - فَسَاد الْبَيْت ).
أَيْ الصَّبْر عَلَى الْعُزْبَة خَيْر مِنْ نِكَاح الْأَمَة، لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى إِرْقَاق الْوَلَد، وَالْغَضّ مِنْ النَّفْس وَالصَّبْر عَلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق أَوْلَى مِنْ الْبَذَالَة.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَيّمَا حُرٍّ تَزَوَّجَ بِأَمَةٍ فَقَدْ أُرِقَّ نِصْفه.
يَعْنِي يَصِير وَلَده رَقِيقًا ; فَالصَّبْر عَنْ ذَلِكَ أَفْضَل لِكَيْلَا يَرِقَّ الْوَلَد.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : مَا نِكَاح الْأَمَة مِنْ الزِّنَى إِلَّا قَرِيب، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْر لَكُمْ "، أَيْ عَنْ نِكَاح الْإِمَاء.
وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم قَالَ : سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :" مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْقَى اللَّه طَاهِرًا مُطَهَّرًا فَلْيَتَزَوَّجْ الْحَرَائِر ).
وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق الثَّعْلَبِيّ مِنْ حَدِيث يُونُس بْن مِرْدَاس، وَكَانَ خَادِمًا لِأَنَسٍ، وَزَادَ : فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( الْحَرَائِر صَلَاح الْبَيْت وَالْإِمَاء هَلَاك الْبَيْت - أَوْ قَالَ - فَسَاد الْبَيْت ).
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ
أَيْ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ أَمْر دِينكُمْ وَمَصَالِح أَمْركُمْ، وَمَا يَحِلّ لَكُمْ وَمَا يَحْرُم عَلَيْكُمْ.
وَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى اِمْتِنَاع خُلُوّ وَاقِعَة عَنْ حُكْم اللَّه تَعَالَى ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَاب مِنْ شَيْء " [ الْأَنْعَام : ٣٨ ] عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقَالَ بَعْد هَذَا :" يُرِيد اللَّه أَنْ يُخَفِّف عَنْكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٨ ] فَجَاءَ هَذَا " بِأَنْ " وَالْأَوَّل بِاللَّامِ.
فَقَالَ الْفَرَّاء : الْعَرَب تُعَاقِب بَيْنَ لَام كَيْ وَأَنْ ; فَتَأْتِي بِاللَّامِ الَّتِي عَلَى مَعْنَى " كَيْ " فِي مَوْضِع " أَنْ " فِي أَرَدْت وَأَمَرْت ; فَيَقُولُونَ : أَرَدْت أَنْ تَفْعَل، وَأَرَدْت تَفْعَل ; لِأَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْمُسْتَقْبَل.
وَلَا يَجُوز ظَنَنْت لِتَفْعَل ; لِأَنَّك تَقُول ظَنَنْت أَنْ قَدْ قُمْت.
وَفِي التَّنْزِيل " وَأُمِرْت لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ " [ الشُّورَى : ١٥ ] " وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " [ الْأَنْعَام : ٧١ ].
" يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُور اللَّه بِأَفْوَاهِهِمْ " [ الصَّفّ : ٨ ].
" يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُور اللَّه " [ التَّوْبَة : ٣٢ ].
قَالَ الشَّاعِر :
يُرِيد أَنْ أَنْسَى.
قَالَ النَّحَّاس : وَخَطَّأَ الزَّجَّاج هَذَا الْقَوْل وَقَالَ : لَوْ كَانَتْ اللَّام بِمَعْنَى " أَنْ " لَدَخَلَتْ عَلَيْهَا لَام أُخْرَى ; كَمَا تَقُول : جِئْت كَيْ تُكْرِمَنِي، ثُمَّ تَقُول جِئْت لِكَيْ تُكْرِمَنِي.
وَأُنْشِدْنَا :
قَالَ : وَالتَّقْدِير إِرَادَتُهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ.
قَالَ النَّحَّاس : وَزَادَ الْأَمْر عَلَى هَذَا حَتَّى سَمَّاهَا بَعْض الْقُرَّاء لَام أَنْ ; وَقِيلَ : الْمَعْنَى يُرِيد اللَّه هَذَا مِنْ أَجْل أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ.
أَيْ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ أَمْر دِينكُمْ وَمَصَالِح أَمْركُمْ، وَمَا يَحِلّ لَكُمْ وَمَا يَحْرُم عَلَيْكُمْ.
وَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى اِمْتِنَاع خُلُوّ وَاقِعَة عَنْ حُكْم اللَّه تَعَالَى ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَاب مِنْ شَيْء " [ الْأَنْعَام : ٣٨ ] عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقَالَ بَعْد هَذَا :" يُرِيد اللَّه أَنْ يُخَفِّف عَنْكُمْ " [ النِّسَاء : ٢٨ ] فَجَاءَ هَذَا " بِأَنْ " وَالْأَوَّل بِاللَّامِ.
فَقَالَ الْفَرَّاء : الْعَرَب تُعَاقِب بَيْنَ لَام كَيْ وَأَنْ ; فَتَأْتِي بِاللَّامِ الَّتِي عَلَى مَعْنَى " كَيْ " فِي مَوْضِع " أَنْ " فِي أَرَدْت وَأَمَرْت ; فَيَقُولُونَ : أَرَدْت أَنْ تَفْعَل، وَأَرَدْت تَفْعَل ; لِأَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْمُسْتَقْبَل.
وَلَا يَجُوز ظَنَنْت لِتَفْعَل ; لِأَنَّك تَقُول ظَنَنْت أَنْ قَدْ قُمْت.
وَفِي التَّنْزِيل " وَأُمِرْت لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ " [ الشُّورَى : ١٥ ] " وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " [ الْأَنْعَام : ٧١ ].
" يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُور اللَّه بِأَفْوَاهِهِمْ " [ الصَّفّ : ٨ ].
" يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُور اللَّه " [ التَّوْبَة : ٣٢ ].
قَالَ الشَّاعِر :
أُرِيدُ لِأَنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأَنَّمَا | تَمَثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ سَبِيلِ |
قَالَ النَّحَّاس : وَخَطَّأَ الزَّجَّاج هَذَا الْقَوْل وَقَالَ : لَوْ كَانَتْ اللَّام بِمَعْنَى " أَنْ " لَدَخَلَتْ عَلَيْهَا لَام أُخْرَى ; كَمَا تَقُول : جِئْت كَيْ تُكْرِمَنِي، ثُمَّ تَقُول جِئْت لِكَيْ تُكْرِمَنِي.
وَأُنْشِدْنَا :
أَرَدْت لِكَيْمَا يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهَا | سَرَاوِيلُ قَيْسٍ وَالْوُفُودُ شُهُودُ |
قَالَ النَّحَّاس : وَزَادَ الْأَمْر عَلَى هَذَا حَتَّى سَمَّاهَا بَعْض الْقُرَّاء لَام أَنْ ; وَقِيلَ : الْمَعْنَى يُرِيد اللَّه هَذَا مِنْ أَجْل أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ.
وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ
أَيْ مِنْ أَهْل الْحَقّ.
وَقِيلَ : مَعْنَى " يَهْدِيكُمْ " يُبَيِّن لَكُمْ طُرُق الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ مِنْ أَهْل الْحَقّ وَأَهْل الْبَاطِل.
وَقَالَ بَعْض أَهْل النَّظَر : فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ كُلّ مَا حَرَّمَ اللَّه قَبْل هَذِهِ الْآيَة عَلَيْنَا فَقَدْ حُرِّمَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَنَا.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا غَلَط ; لِأَنَّهُ يَكُون الْمَعْنَى وَيُبَيِّن لَكُمْ أَمْر مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِمَّنْ كَانَ يَجْتَنِبُ مَا نُهِيَ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُون وَيُبَيِّن لَكُمْ كَمَا بَيَّنَ لِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ الْأَنْبِيَاء فَلَا يُومِي بِهِ إِلَى هَذَا بِعَيْنِهِ.
وَيُقَال : إِنَّ قَوْله " يُرِيد اللَّه " اِبْتِدَاء الْقِصَّة، أَيْ يُرِيد اللَّه أَنْ يُبَيِّن لَكُمْ كَيْفِيَّة طَاعَته.
" وَيَهْدِيكُمْ " يُعَرِّفكُمْ " سُنَن الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ " أَنَّهُمْ لَمَّا تَرَكُوا أَمْرِي كَيْفَ عَاقَبْتهمْ، وَأَنْتُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَا أُعَاقِبكُمْ وَلَكِنِّي أَتُوب عَلَيْكُمْ.
أَيْ مِنْ أَهْل الْحَقّ.
وَقِيلَ : مَعْنَى " يَهْدِيكُمْ " يُبَيِّن لَكُمْ طُرُق الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ مِنْ أَهْل الْحَقّ وَأَهْل الْبَاطِل.
وَقَالَ بَعْض أَهْل النَّظَر : فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ كُلّ مَا حَرَّمَ اللَّه قَبْل هَذِهِ الْآيَة عَلَيْنَا فَقَدْ حُرِّمَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَنَا.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا غَلَط ; لِأَنَّهُ يَكُون الْمَعْنَى وَيُبَيِّن لَكُمْ أَمْر مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِمَّنْ كَانَ يَجْتَنِبُ مَا نُهِيَ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُون وَيُبَيِّن لَكُمْ كَمَا بَيَّنَ لِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ الْأَنْبِيَاء فَلَا يُومِي بِهِ إِلَى هَذَا بِعَيْنِهِ.
وَيُقَال : إِنَّ قَوْله " يُرِيد اللَّه " اِبْتِدَاء الْقِصَّة، أَيْ يُرِيد اللَّه أَنْ يُبَيِّن لَكُمْ كَيْفِيَّة طَاعَته.
" وَيَهْدِيكُمْ " يُعَرِّفكُمْ " سُنَن الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ " أَنَّهُمْ لَمَّا تَرَكُوا أَمْرِي كَيْفَ عَاقَبْتهمْ، وَأَنْتُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَا أُعَاقِبكُمْ وَلَكِنِّي أَتُوب عَلَيْكُمْ.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِمَنْ تَابَ
بِمَنْ تَابَ
حَكِيمٌ
بِقَبُولِ التَّوْبَة.
بِقَبُولِ التَّوْبَة.
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا
قَوْله تَعَالَى :" وَاَللَّه يُرِيد أَنْ يَتُوب عَلَيْكُمْ " اِبْتِدَاء وَخَبَر.
و " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب ب " يُرِيد " وَكَذَلِكَ " يُرِيد اللَّه أَنْ يُخَفِّف عَنْكُمْ " ; ف " أَنْ يُخَفِّف " فِي مَوْضِع نَصْب ب " يُرِيد " وَالْمَعْنَى : يُرِيد تَوْبَتَكُمْ، أَيْ يَقْبَلهَا فَيَتَجَاوَز عَنْ ذُنُوبكُمْ وَيُرِيد التَّخْفِيف عَنْكُمْ.
قِيلَ : هَذَا فِي جَمِيع أَحْكَام الشَّرْع، وَهُوَ الصَّحِيح.
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالتَّخْفِيفِ نِكَاح الْأَمَة، أَيْ لَمَّا عَلِمْنَا ضَعْفَكُمْ عَنْ الصَّبْر عَنْ النِّسَاء خَفَّفْنَا عَنْكُمْ بِإِبَاحَةِ الْإِمَاء ; قَالَهُ مُجَاهِد وَابْن زَيْد وَطَاوُس.
قَالَ طَاوُس : لَيْسَ يَكُون الْإِنْسَان فِي شَيْء أَضْعَف مِنْهُ فِي أَمْر النِّسَاء.
وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِين الْمُتَّبِعِينَ لِلشَّهَوَاتِ ; فَقَالَ مُجَاهِد : هُمْ الزُّنَاة.
السُّدِّيّ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى.
وَقَالَتْ فِرْقَة : هُمْ الْيَهُود خَاصَّة ; لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَتَّبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فِي نِكَاح الْأَخَوَات مِنْ الْأَب.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : ذَلِكَ عَلَى الْعُمُوم، وَهُوَ الْأَصَحّ.
وَالْمَيْل : الْعُدُول عَنْ طَرِيق الِاسْتِوَاء ; فَمَنْ كَانَ عَلَيْهَا أَحَبَّ أَنْ يَكُون أَمْثَاله عَلَيْهَا حَتَّى لَا تَلْحَقُهُ مَعَرَّةٌ.
قَوْله تَعَالَى :" وَاَللَّه يُرِيد أَنْ يَتُوب عَلَيْكُمْ " اِبْتِدَاء وَخَبَر.
و " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب ب " يُرِيد " وَكَذَلِكَ " يُرِيد اللَّه أَنْ يُخَفِّف عَنْكُمْ " ; ف " أَنْ يُخَفِّف " فِي مَوْضِع نَصْب ب " يُرِيد " وَالْمَعْنَى : يُرِيد تَوْبَتَكُمْ، أَيْ يَقْبَلهَا فَيَتَجَاوَز عَنْ ذُنُوبكُمْ وَيُرِيد التَّخْفِيف عَنْكُمْ.
قِيلَ : هَذَا فِي جَمِيع أَحْكَام الشَّرْع، وَهُوَ الصَّحِيح.
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالتَّخْفِيفِ نِكَاح الْأَمَة، أَيْ لَمَّا عَلِمْنَا ضَعْفَكُمْ عَنْ الصَّبْر عَنْ النِّسَاء خَفَّفْنَا عَنْكُمْ بِإِبَاحَةِ الْإِمَاء ; قَالَهُ مُجَاهِد وَابْن زَيْد وَطَاوُس.
قَالَ طَاوُس : لَيْسَ يَكُون الْإِنْسَان فِي شَيْء أَضْعَف مِنْهُ فِي أَمْر النِّسَاء.
وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِين الْمُتَّبِعِينَ لِلشَّهَوَاتِ ; فَقَالَ مُجَاهِد : هُمْ الزُّنَاة.
السُّدِّيّ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى.
وَقَالَتْ فِرْقَة : هُمْ الْيَهُود خَاصَّة ; لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَتَّبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فِي نِكَاح الْأَخَوَات مِنْ الْأَب.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : ذَلِكَ عَلَى الْعُمُوم، وَهُوَ الْأَصَحّ.
وَالْمَيْل : الْعُدُول عَنْ طَرِيق الِاسْتِوَاء ; فَمَنْ كَانَ عَلَيْهَا أَحَبَّ أَنْ يَكُون أَمْثَاله عَلَيْهَا حَتَّى لَا تَلْحَقُهُ مَعَرَّةٌ.
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا
قَوْله تَعَالَى :" وَخُلِقَ الْإِنْسَان ضَعِيفًا " نُصِبَ عَلَى الْحَال ; وَالْمَعْنَى أَنَّ هَوَاهُ يَسْتَمِيلُهُ وَشَهْوَتَهُ وَغَضَبَهُ يَسْتَخِفَّانِهِ، وَهَذَا أَشَدّ الضَّعْف فَاحْتَاجَ إِلَى التَّخْفِيف.
وَقَالَ طَاوُس : ذَلِكَ فِي أَمْر النِّسَاء خَاصَّة.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَ " وَخَلَقَ الْإِنْسَانَ ضَعِيفًا " أَيْ وَخَلَقَ اللَّه الْإِنْسَانَ ضَعِيفًا، أَيْ لَا يَصْبِر عَنْ النِّسَاء.
قَالَ اِبْن الْمُسَيِّب : لَقَدْ أَتَى عَلَيَّ ثَمَانُونَ سَنَة وَذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيَّ وَأَنَا أَعْشُو بِالْأُخْرَى وَصَاحِبِي أَعْمَى أَصَمُّ - يَعْنِي ذَكَره - وَإِنِّي أَخَاف مِنْ فِتْنَة النِّسَاء.
وَنَحْوه عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، قَالَ عُبَادَة : أَلَا تَرَوْنِي لَا أَقُوم إِلَّا رِفْدًا وَلَا آكُل إِلَّا مَا لُوِّقَ لِي - قَالَ يَحْيَى : يَعْنِي لُيِّنَ وَسُخِّنَ - وَقَدْ مَاتَ صَاحِبِي مُنْذُ زَمَان - قَالَ يَحْيَى : يَعْنِي ذَكَره - وَمَا يَسُرُّنِي أَنِّي خَلَوْت بِامْرَأَةٍ لَا تَحِلّ لِي، وَأَنَّ لِي مَا تَطْلُع عَلَيْهِ الشَّمْس مَخَافَة أَنْ يَأْتِيَنِي الشَّيْطَان فَيُحَرِّكَهُ عَلَيَّ، إِنَّهُ لَا سَمْع لَهُ وَلَا بَصَر.
قَوْله تَعَالَى :" وَخُلِقَ الْإِنْسَان ضَعِيفًا " نُصِبَ عَلَى الْحَال ; وَالْمَعْنَى أَنَّ هَوَاهُ يَسْتَمِيلُهُ وَشَهْوَتَهُ وَغَضَبَهُ يَسْتَخِفَّانِهِ، وَهَذَا أَشَدّ الضَّعْف فَاحْتَاجَ إِلَى التَّخْفِيف.
وَقَالَ طَاوُس : ذَلِكَ فِي أَمْر النِّسَاء خَاصَّة.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَ " وَخَلَقَ الْإِنْسَانَ ضَعِيفًا " أَيْ وَخَلَقَ اللَّه الْإِنْسَانَ ضَعِيفًا، أَيْ لَا يَصْبِر عَنْ النِّسَاء.
قَالَ اِبْن الْمُسَيِّب : لَقَدْ أَتَى عَلَيَّ ثَمَانُونَ سَنَة وَذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيَّ وَأَنَا أَعْشُو بِالْأُخْرَى وَصَاحِبِي أَعْمَى أَصَمُّ - يَعْنِي ذَكَره - وَإِنِّي أَخَاف مِنْ فِتْنَة النِّسَاء.
وَنَحْوه عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، قَالَ عُبَادَة : أَلَا تَرَوْنِي لَا أَقُوم إِلَّا رِفْدًا وَلَا آكُل إِلَّا مَا لُوِّقَ لِي - قَالَ يَحْيَى : يَعْنِي لُيِّنَ وَسُخِّنَ - وَقَدْ مَاتَ صَاحِبِي مُنْذُ زَمَان - قَالَ يَحْيَى : يَعْنِي ذَكَره - وَمَا يَسُرُّنِي أَنِّي خَلَوْت بِامْرَأَةٍ لَا تَحِلّ لِي، وَأَنَّ لِي مَا تَطْلُع عَلَيْهِ الشَّمْس مَخَافَة أَنْ يَأْتِيَنِي الشَّيْطَان فَيُحَرِّكَهُ عَلَيَّ، إِنَّهُ لَا سَمْع لَهُ وَلَا بَصَر.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
قَوْله تَعَالَى :" بِالْبَاطِلِ " أَيْ بِغَيْرِ حَقّ.
وَوُجُوه ذَلِكَ تَكْثُر عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ; وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَاهُ فِي الْبَقَرَة.
وَمِنْ أَكْل الْمَال بِالْبَاطِلِ بَيْع الْعُرْبَانِ ; وَهُوَ أَنْ يَأْخُذ مِنْك السِّلْعَة أَوْ يَكْتَرِيَ مِنْك الدَّابَّة وَيُعْطِيك دِرْهَمًا فَمَا فَوْقه، عَلَى أَنَّهُ إِنْ اِشْتَرَاهَا أَوْ رَكِبَ الدَّابَّة فَهُوَ مِنْ ثَمَن السِّلْعَة أَوْ كِرَاء الدَّابَّة ; وَإِنْ تَرَكَ اِبْتِيَاع السِّلْعَة أَوْ كِرَاء الدَّابَّة فَمَا أَعْطَاك فَهُوَ لَك.
فَهَذَا لَا يَصْلُح وَلَا يَجُوز عِنْد جَمَاعَة فُقَهَاء الْأَمْصَار مِنْ الْحِجَازِيِّينَ وَالْعِرَاقِيِّينَ، لِأَنَّهُ مِنْ بَاب بَيْع الْقِمَار وَالْغَرَر وَالْمُخَاطَرَة، وَأَكْل الْمَال بِالْبَاطِلِ بِغَيْرِ عِوَض وَلَا هِبَة، وَذَلِكَ بَاطِل بِإِجْمَاعٍ.
وَبَيْع الْعُرْبَانِ مَفْسُوخ إِذَا وَقَعَ عَلَى هَذَا الْوَجْه قَبْل الْقَبْض وَبَعْده، وَتُرَدّ السِّلْعَة إِنْ كَانَتْ قَائِمَة، فَإِنْ فَاتَتْ رُدَّ قِيمَتهَا يَوْم قَبْضهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَوْم مِنْهُمْ اِبْن سِيرِينَ وَمُجَاهِد وَنَافِع بْن عَبْد الْحَارِث وَزَيْد بْن أَسْلَم أَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْع الْعُرْبَانِ عَلَى مَا وَصَفْنَا.
وَكَانَ زَيْد بْن أَسْلَم يَقُول : أَجَازَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُمَر : هَذَا لَا يُعْرَف عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْه يَصِحّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ الْأَسْلَمِيّ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم مُرْسَلًا ; وَهَذَا وَمِثْله لَيْسَ حُجَّة.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون بَيْع الْعُرْبَانِ الْجَائِز عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ مَالِك وَالْفُقَهَاء مَعَهُ ; وَذَلِكَ أَنْ يُعَرْبِنَهُ ثُمَّ يَحْسِب عُرْبَانَهُ مِنْ الثَّمَن إِذَا اخْتَار تَمَام الْبَيْع.
وَهَذَا لَا خِلَاف فِي جَوَازه عَنْ مَالِك وَغَيْره ; وَفِي مُوَطَّأ مَالِك عَنْ الثِّقَة عِنْده عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( نَهَى عَنْ بَيْع الْعُرْبَانِ ).
قَالَ أَبُو عُمَر : قَدْ تَكَلَّمَ النَّاس فِي الثِّقَة عِنْده فِي هَذَا الْمَوْضِع، وَأَشْبَهُ مَا قِيلَ فِيهِ : أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ اِبْن لَهِيعَة أَوْ عَنْ اِبْن وَهْب عَنْ اِبْن لَهِيعَة ; لِأَنَّ اِبْن لَهِيعَة سَمِعَهُ مِنْ عَمْرو بْن شُعَيْب وَرَوَاهُ عَنْهُ.
حَدَّثَ بِهِ عَنْ اِبْن لَهِيعَة اِبْن وَهْب وَغَيْره، وَابْن لَهِيعَة أَحَد الْعُلَمَاء إِلَّا أَنَّهُ يُقَال : إِنَّهُ اِحْتَرَقَتْ كُتُبه فَكَانَ إِذَا حَدَّثَ بَعْد ذَلِكَ مِنْ حِفْظِهِ غَلِطَ.
وَمَا رَوَاهُ عَنْهُ اِبْن الْمُبَارَك وَابْن وَهْب فَهُوَ عِنْد بَعْضهمْ صَحِيح.
وَمِنْهُمْ مِنْ يُضَعِّف حَدِيثَهُ كُلَّهُ.
، وَكَانَ عِنْده عِلْم وَاسِع وَكَانَ كَثِير الْحَدِيث، إِلَّا أَنَّ حَالَهُ عِنْدهمْ كَمَا وَصَفْنَا.
قَوْله تَعَالَى :" بِالْبَاطِلِ " أَيْ بِغَيْرِ حَقّ.
وَوُجُوه ذَلِكَ تَكْثُر عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ; وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَاهُ فِي الْبَقَرَة.
وَمِنْ أَكْل الْمَال بِالْبَاطِلِ بَيْع الْعُرْبَانِ ; وَهُوَ أَنْ يَأْخُذ مِنْك السِّلْعَة أَوْ يَكْتَرِيَ مِنْك الدَّابَّة وَيُعْطِيك دِرْهَمًا فَمَا فَوْقه، عَلَى أَنَّهُ إِنْ اِشْتَرَاهَا أَوْ رَكِبَ الدَّابَّة فَهُوَ مِنْ ثَمَن السِّلْعَة أَوْ كِرَاء الدَّابَّة ; وَإِنْ تَرَكَ اِبْتِيَاع السِّلْعَة أَوْ كِرَاء الدَّابَّة فَمَا أَعْطَاك فَهُوَ لَك.
فَهَذَا لَا يَصْلُح وَلَا يَجُوز عِنْد جَمَاعَة فُقَهَاء الْأَمْصَار مِنْ الْحِجَازِيِّينَ وَالْعِرَاقِيِّينَ، لِأَنَّهُ مِنْ بَاب بَيْع الْقِمَار وَالْغَرَر وَالْمُخَاطَرَة، وَأَكْل الْمَال بِالْبَاطِلِ بِغَيْرِ عِوَض وَلَا هِبَة، وَذَلِكَ بَاطِل بِإِجْمَاعٍ.
وَبَيْع الْعُرْبَانِ مَفْسُوخ إِذَا وَقَعَ عَلَى هَذَا الْوَجْه قَبْل الْقَبْض وَبَعْده، وَتُرَدّ السِّلْعَة إِنْ كَانَتْ قَائِمَة، فَإِنْ فَاتَتْ رُدَّ قِيمَتهَا يَوْم قَبْضهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَوْم مِنْهُمْ اِبْن سِيرِينَ وَمُجَاهِد وَنَافِع بْن عَبْد الْحَارِث وَزَيْد بْن أَسْلَم أَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْع الْعُرْبَانِ عَلَى مَا وَصَفْنَا.
وَكَانَ زَيْد بْن أَسْلَم يَقُول : أَجَازَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُمَر : هَذَا لَا يُعْرَف عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْه يَصِحّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ الْأَسْلَمِيّ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم مُرْسَلًا ; وَهَذَا وَمِثْله لَيْسَ حُجَّة.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون بَيْع الْعُرْبَانِ الْجَائِز عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ مَالِك وَالْفُقَهَاء مَعَهُ ; وَذَلِكَ أَنْ يُعَرْبِنَهُ ثُمَّ يَحْسِب عُرْبَانَهُ مِنْ الثَّمَن إِذَا اخْتَار تَمَام الْبَيْع.
وَهَذَا لَا خِلَاف فِي جَوَازه عَنْ مَالِك وَغَيْره ; وَفِي مُوَطَّأ مَالِك عَنْ الثِّقَة عِنْده عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( نَهَى عَنْ بَيْع الْعُرْبَانِ ).
قَالَ أَبُو عُمَر : قَدْ تَكَلَّمَ النَّاس فِي الثِّقَة عِنْده فِي هَذَا الْمَوْضِع، وَأَشْبَهُ مَا قِيلَ فِيهِ : أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ اِبْن لَهِيعَة أَوْ عَنْ اِبْن وَهْب عَنْ اِبْن لَهِيعَة ; لِأَنَّ اِبْن لَهِيعَة سَمِعَهُ مِنْ عَمْرو بْن شُعَيْب وَرَوَاهُ عَنْهُ.
حَدَّثَ بِهِ عَنْ اِبْن لَهِيعَة اِبْن وَهْب وَغَيْره، وَابْن لَهِيعَة أَحَد الْعُلَمَاء إِلَّا أَنَّهُ يُقَال : إِنَّهُ اِحْتَرَقَتْ كُتُبه فَكَانَ إِذَا حَدَّثَ بَعْد ذَلِكَ مِنْ حِفْظِهِ غَلِطَ.
وَمَا رَوَاهُ عَنْهُ اِبْن الْمُبَارَك وَابْن وَهْب فَهُوَ عِنْد بَعْضهمْ صَحِيح.
وَمِنْهُمْ مِنْ يُضَعِّف حَدِيثَهُ كُلَّهُ.
، وَكَانَ عِنْده عِلْم وَاسِع وَكَانَ كَثِير الْحَدِيث، إِلَّا أَنَّ حَالَهُ عِنْدهمْ كَمَا وَصَفْنَا.
بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ
هَذَا اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، أَيْ وَلَكِنْ تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ.
وَالتِّجَارَة هِيَ الْبَيْع وَالشِّرَاء ; وَهَذَا مِثْل قَوْله تَعَالَى :" وَأَحَلَّ اللَّه الْبَيْع وَحَرَّمَ الرِّبَا " [ الْبَقَرَة : ٢٧٥ ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقُرِئَ " تِجَارَةٌ "، بِالرَّفْعِ أَيْ إِلَّا أَنْ تَقَع تِجَارَة ; وَعَلَيْهِ أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ :
وَتُسَمَّى هَذِهِ كَانَ التَّامَّة ; لِأَنَّهَا تَمَّتْ بِفَاعِلِهَا وَلَمْ تَحْتَجْ إِلَى مَفْعُول.
وَقُرِئَ " تِجَارَةً " بِالنَّصْبِ ; فَتَكُون كَانَ نَاقِصَة ; لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ بِالِاسْمِ دُون الْخَبَر، فَاسْمهَا مُضْمَر فِيهَا، وَإِنْ شِئْت قَدَّرْته، أَيْ إِلَّا أَنْ تَكُون الْأَمْوَالُ أَمْوَالَ تِجَارَةٍ ; فَحُذِفَ الْمُضَاف وَأُقِيمَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ " [ الْبَقَرَة : ٢٨٠ ].
قَوْله تَعَالَى :" تِجَارَة " التِّجَارَة فِي اللُّغَة عِبَارَة عَنْ الْمُعَاوَضَة ; وَمِنْهُ الْأَجْر الَّذِي يُعْطِيهِ الْبَارِئُ سُبْحَانُهُ الْعَبْد عِوَضًا عَنْ الْأَعْمَال الصَّالِحَة الَّتِي هِيَ بَعْض مِنْ فِعْله ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَة تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَاب أَلِيم " [ الصَّفّ : ١٠ ].
وَقَالَ تَعَالَى :" يَرْجُونَ تِجَارَة لَنْ تَبُورَ " [ فَاطِر : ٢٩ ].
وَقَالَ تَعَالَى :" إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ " [ التَّوْبَة : ١١١ ] الْآيَة.
فَسَمَّى ذَلِكَ كُلّه بَيْعًا وَشِرَاء عَلَى وَجْه الْمَجَاز، تَشْبِيهًا بِعُقُودِ الْأَشْرِبَة وَالْبِيَاعَات الَّتِي تَحْصُل بِهَا الْأَغْرَاض، وَهِيَ نَوْعَانِ : تَقَلُّب فِي الْحَضَر مِنْ غَيْر نُقْلَة وَلَا سَفَر، وَهَذَا تَرَبُّص وَاحْتِكَار قَدْ رَغِبَ عَنْهُ أُولُو الْأَقْدَار، وَزَهِدَ فِيهِ ذَوُو الْأَخْطَار.
وَالثَّانِي تَقَلُّب الْمَال بِالْأَسْفَارِ وَنَقْله إِلَى الْأَمْصَار، فَهَذَا أَلْيَق بِأَهْلِ الْمُرُوءَة، وَأَعَمّ جَدْوَى وَمَنْفَعَةً، غَيْر أَنَّهُ أَكْثَر خَطَرًا وَأَعْظَم غَرَرًا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( إِنَّ الْمُسَافِر وَمَالَهُ لَعَلَى قَلَتٍ إِلَّا مَا وَقَى اللَّه ).
يَعْنِي عَلَى خَطَر.
وَقِيلَ : فِي التَّوْرَاة يَا اِبْن آدَم، أَحْدِثْ سَفَرًا أُحْدِثْ لَك رِزْقًا.
الطَّبَرِيّ : وَهَذِهِ الْآيَة أَدَلّ دَلِيلٍ عَلَى فَسَاد قَوْل.
اِعْلَمْ أَنَّ كُلّ مُعَاوَضَة تِجَارَة عَلَى أَيّ وَجْه كَانَ الْعِوَض إِلَّا أَنَّ قَوْله " بِالْبَاطِلِ " أَخْرَجَ مِنْهَا كُلّ عِوَض لَا يَجُوز شَرْعًا مِنْ رِبًا أَوْ جَهَالَة أَوْ تَقْدِير عِوَض فَاسِد كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِير وَغَيْر ذَلِكَ.
وَخَرَجَ مِنْهَا أَيْضًا كُلّ عَقْد جَائِز لَا عِوَض فِيهِ ; كَالْقَرْضِ وَالصَّدَقَة وَالْهِبَة لَا لِلثَّوَابِ.
وَجَازَتْ عُقُود التَّبَرُّعَات بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى مَذْكُورَة فِي مَوَاضِعهَا.
فَهَذَانِ طَرَفَانِ مُتَّفَق عَلَيْهِمَا.
وَخَرَجَ مِنْهَا أَيْضًا دُعَاء أَخِيك إِيَّاكَ إِلَى طَعَامه.
هَذَا اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، أَيْ وَلَكِنْ تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ.
وَالتِّجَارَة هِيَ الْبَيْع وَالشِّرَاء ; وَهَذَا مِثْل قَوْله تَعَالَى :" وَأَحَلَّ اللَّه الْبَيْع وَحَرَّمَ الرِّبَا " [ الْبَقَرَة : ٢٧٥ ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقُرِئَ " تِجَارَةٌ "، بِالرَّفْعِ أَيْ إِلَّا أَنْ تَقَع تِجَارَة ; وَعَلَيْهِ أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ :
فِدًى لِبَنِي ذُهْلِ بْنِ شَيْبَان نَاقَتِي | إِذَا كَانَ يَوْمٌ ذُو كَوَاكِبَ أَشْهَبُ |
وَقُرِئَ " تِجَارَةً " بِالنَّصْبِ ; فَتَكُون كَانَ نَاقِصَة ; لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ بِالِاسْمِ دُون الْخَبَر، فَاسْمهَا مُضْمَر فِيهَا، وَإِنْ شِئْت قَدَّرْته، أَيْ إِلَّا أَنْ تَكُون الْأَمْوَالُ أَمْوَالَ تِجَارَةٍ ; فَحُذِفَ الْمُضَاف وَأُقِيمَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ " [ الْبَقَرَة : ٢٨٠ ].
قَوْله تَعَالَى :" تِجَارَة " التِّجَارَة فِي اللُّغَة عِبَارَة عَنْ الْمُعَاوَضَة ; وَمِنْهُ الْأَجْر الَّذِي يُعْطِيهِ الْبَارِئُ سُبْحَانُهُ الْعَبْد عِوَضًا عَنْ الْأَعْمَال الصَّالِحَة الَّتِي هِيَ بَعْض مِنْ فِعْله ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَة تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَاب أَلِيم " [ الصَّفّ : ١٠ ].
وَقَالَ تَعَالَى :" يَرْجُونَ تِجَارَة لَنْ تَبُورَ " [ فَاطِر : ٢٩ ].
وَقَالَ تَعَالَى :" إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ " [ التَّوْبَة : ١١١ ] الْآيَة.
فَسَمَّى ذَلِكَ كُلّه بَيْعًا وَشِرَاء عَلَى وَجْه الْمَجَاز، تَشْبِيهًا بِعُقُودِ الْأَشْرِبَة وَالْبِيَاعَات الَّتِي تَحْصُل بِهَا الْأَغْرَاض، وَهِيَ نَوْعَانِ : تَقَلُّب فِي الْحَضَر مِنْ غَيْر نُقْلَة وَلَا سَفَر، وَهَذَا تَرَبُّص وَاحْتِكَار قَدْ رَغِبَ عَنْهُ أُولُو الْأَقْدَار، وَزَهِدَ فِيهِ ذَوُو الْأَخْطَار.
وَالثَّانِي تَقَلُّب الْمَال بِالْأَسْفَارِ وَنَقْله إِلَى الْأَمْصَار، فَهَذَا أَلْيَق بِأَهْلِ الْمُرُوءَة، وَأَعَمّ جَدْوَى وَمَنْفَعَةً، غَيْر أَنَّهُ أَكْثَر خَطَرًا وَأَعْظَم غَرَرًا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( إِنَّ الْمُسَافِر وَمَالَهُ لَعَلَى قَلَتٍ إِلَّا مَا وَقَى اللَّه ).
يَعْنِي عَلَى خَطَر.
وَقِيلَ : فِي التَّوْرَاة يَا اِبْن آدَم، أَحْدِثْ سَفَرًا أُحْدِثْ لَك رِزْقًا.
الطَّبَرِيّ : وَهَذِهِ الْآيَة أَدَلّ دَلِيلٍ عَلَى فَسَاد قَوْل.
اِعْلَمْ أَنَّ كُلّ مُعَاوَضَة تِجَارَة عَلَى أَيّ وَجْه كَانَ الْعِوَض إِلَّا أَنَّ قَوْله " بِالْبَاطِلِ " أَخْرَجَ مِنْهَا كُلّ عِوَض لَا يَجُوز شَرْعًا مِنْ رِبًا أَوْ جَهَالَة أَوْ تَقْدِير عِوَض فَاسِد كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِير وَغَيْر ذَلِكَ.
وَخَرَجَ مِنْهَا أَيْضًا كُلّ عَقْد جَائِز لَا عِوَض فِيهِ ; كَالْقَرْضِ وَالصَّدَقَة وَالْهِبَة لَا لِلثَّوَابِ.
وَجَازَتْ عُقُود التَّبَرُّعَات بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى مَذْكُورَة فِي مَوَاضِعهَا.
فَهَذَانِ طَرَفَانِ مُتَّفَق عَلَيْهِمَا.
وَخَرَجَ مِنْهَا أَيْضًا دُعَاء أَخِيك إِيَّاكَ إِلَى طَعَامه.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى :" لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُون تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ " فَكَانَ الرَّجُل يُحْرَج أَنْ يَأْكُل عِنْد أَحَد مِنْ النَّاس بَعْد مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ; فَنُسِخَ ذَلِكَ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِي " النُّور " ; فَقَالَ :" لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَج وَلَا عَلَى الْأَعْرَج حَرَج وَلَا عَلَى الْمَرِيض حَرَج وَلَا عَلَى أَنْفُسكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ " [ النُّور : ٦١ ] إِلَى قَوْله " أَشْتَاتًا " ; فَكَانَ الرَّجُل الْغَنِيّ يَدْعُو الرَّجُل مِنْ أَهْله إِلَى طَعَامه فَيَقُول : إِنِّي لَأَجْنَح أَنْ آكُل مِنْهُ - وَالتَّجَنُّح الْحَرَج وَيَقُول : الْمِسْكِينُ أَحَقّ بِهِ مِنِّي.
فَأُحِلَّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ، وَأُحِلَّ طَعَام أَهْل الْكِتَاب.
لَوْ اِشْتَرَيْت مِنْ السُّوق شَيْئًا ; فَقَالَ لَك صَاحِبه قَبْل الشِّرَاء : ذُقْهُ وَأَنْتَ فِي حِلٍّ ; فَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ ; لِأَنَّ إِذْنه بِالْأَكْلِ لِأَجْلِ الشِّرَاء ; فَرُبَّمَا لَا يَقَع بَيْنَكُمَا شِرَاء فَيَكُون ذَلِكَ شُبْهَة، وَلَكِنْ لَوْ وَصَفَ لَك صِفَة فَاشْتَرَيْته فَلَمْ تَجِدهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَة فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ.
وَالْجُمْهُور عَلَى جَوَاز الْغَبْن فِي التِّجَارَة ; مِثْل أَنْ يَبِيع رَجُل يَاقُوتَة بِهِ بِدِرْهَمٍ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَة فَذَلِكَ جَائِز، وَأَنَّ الْمَالِك الصَّحِيح الْمِلْك جَائِز لَهُ أَنْ يَبِيع مَاله الْكَثِير بِالتَّافِهِ الْيَسِير، وَهَذَا مَا لَا اِخْتِلَاف فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاء إِذَا عُرِفَ قَدْر ذَلِكَ، كَمَا تَجُوز الْهِبَة لَوْ وُهِبَ.
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إِذَا لَمْ يَعْرِف قَدْر ذَلِكَ ; فَقَالَ قَوْم : عَرَفَ قَدْر ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْرِف فَهُوَ جَائِز إِذَا كَانَ رَشِيدًا حُرًّا بَالِغًا.
وَقَالَتْ فِرْقَة : الْغَبْن إِذَا تَجَاوَزَ الثُّلُث مَرْدُود، وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ الْمُتَقَارِب الْمُتَعَارَف فِي التِّجَارَات، وَأَمَّا الْمُتَفَاحِش الْفَادِح فَلَا ; وَقَالَهُ اِبْن وَهْب مِنْ أَصْحَاب مَالِك رَحِمَهُ اللَّه.
وَالْأَوَّل أَصَحّ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث الْأَمَة الزَّانِيَة.
( فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ ) وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِعُمَرَ :( لَا تَبْتَعْهُ يَعْنِي الْفَرَس - وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِد ) وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( دَعُوا النَّاس يَرْزُقُ اللَّه بَعْضهمْ مِنْ بَعْض ) وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَبِعْ حَاضِر لِبَادٍ ) وَلَيْسَ فِيهَا تَفْصِيل بَيْنَ الْقَلِيل وَالْكَثِير مِنْ ثُلُث وَلَا غَيْره.
فَأُحِلَّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ، وَأُحِلَّ طَعَام أَهْل الْكِتَاب.
لَوْ اِشْتَرَيْت مِنْ السُّوق شَيْئًا ; فَقَالَ لَك صَاحِبه قَبْل الشِّرَاء : ذُقْهُ وَأَنْتَ فِي حِلٍّ ; فَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ ; لِأَنَّ إِذْنه بِالْأَكْلِ لِأَجْلِ الشِّرَاء ; فَرُبَّمَا لَا يَقَع بَيْنَكُمَا شِرَاء فَيَكُون ذَلِكَ شُبْهَة، وَلَكِنْ لَوْ وَصَفَ لَك صِفَة فَاشْتَرَيْته فَلَمْ تَجِدهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَة فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ.
وَالْجُمْهُور عَلَى جَوَاز الْغَبْن فِي التِّجَارَة ; مِثْل أَنْ يَبِيع رَجُل يَاقُوتَة بِهِ بِدِرْهَمٍ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَة فَذَلِكَ جَائِز، وَأَنَّ الْمَالِك الصَّحِيح الْمِلْك جَائِز لَهُ أَنْ يَبِيع مَاله الْكَثِير بِالتَّافِهِ الْيَسِير، وَهَذَا مَا لَا اِخْتِلَاف فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاء إِذَا عُرِفَ قَدْر ذَلِكَ، كَمَا تَجُوز الْهِبَة لَوْ وُهِبَ.
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إِذَا لَمْ يَعْرِف قَدْر ذَلِكَ ; فَقَالَ قَوْم : عَرَفَ قَدْر ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْرِف فَهُوَ جَائِز إِذَا كَانَ رَشِيدًا حُرًّا بَالِغًا.
وَقَالَتْ فِرْقَة : الْغَبْن إِذَا تَجَاوَزَ الثُّلُث مَرْدُود، وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ الْمُتَقَارِب الْمُتَعَارَف فِي التِّجَارَات، وَأَمَّا الْمُتَفَاحِش الْفَادِح فَلَا ; وَقَالَهُ اِبْن وَهْب مِنْ أَصْحَاب مَالِك رَحِمَهُ اللَّه.
وَالْأَوَّل أَصَحّ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فِي حَدِيث الْأَمَة الزَّانِيَة.
( فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ ) وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لِعُمَرَ :( لَا تَبْتَعْهُ يَعْنِي الْفَرَس - وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِد ) وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( دَعُوا النَّاس يَرْزُقُ اللَّه بَعْضهمْ مِنْ بَعْض ) وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( لَا يَبِعْ حَاضِر لِبَادٍ ) وَلَيْسَ فِيهَا تَفْصِيل بَيْنَ الْقَلِيل وَالْكَثِير مِنْ ثُلُث وَلَا غَيْره.
تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ
أَيْ عَنْ رِضًا، إِلَّا أَنَّهَا جَاءَتْ مِنْ الْمُفَاعَلَة إِذْ التِّجَارَة مِنْ اِثْنَيْنِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي التَّرَاضِي ; فَقَالَتْ طَائِفَة : تَمَامه وَجَزْمه بِافْتِرَاقِ الْأَبْدَانِ بَعْد عُقْدَة الْبَيْع، أَوْ بِأَنْ يَقُول أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : اِخْتَرْ ; فَيَقُول : قَدْ اِخْتَرْت، وَذَلِكَ بَعْد الْعُقْدَة أَيْضًا فَيَنْجَزِمُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا ; قَالَهُ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَابْن عُيَيْنَة وَإِسْحَاق وَغَيْرهمْ.
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ : هُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ; إِلَّا بُيُوعًا ثَلَاثَة : بَيْع السُّلْطَان الْمَغَانِم، وَالشَّرِكَة فِي الْمِيرَاث، وَالشَّرِكَة فِي التِّجَارَة ; فَإِذَا صَافَقَهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَة فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْع وَلَيْسَا فِيهِ بِالْخِيَارِ.
وَقَالَ : وَحَدّ التَّفْرِقَة أَنْ يَتَوَارَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبه ; وَهُوَ قَوْل أَهْل الشَّام.
وَقَالَ اللَّيْث : التَّفَرُّق أَنْ يَقُوم أَحَدهمَا.
وَكَانَ أَحْمَد بْن حَنْبَل يَقُول : هُمَا بِالْخِيَارِ أَبَدًا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، وَسَوَاء قَالَا : اِخْتَرْنَا أَوْ لَمْ يَقُولَاهُ حَتَّى يَفْتَرِقَا بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ مَكَانهمَا ; وَقَالَهُ الشَّافِعِيّ أَيْضًا.
وَهُوَ الصَّحِيح فِي هَذَا الْبَاب لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ.
وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ اِبْن عُمَر وَأَبِي بَرْزَة وَجَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء.
وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة : تَمَام الْبَيْع هُوَ أَنْ يُعْقَد الْبَيْع بِالْأَلْسِنَةِ فَيَنْجَزِم الْعَقْد بِذَلِكَ وَيَرْتَفِع الْخِيَار.
قَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن : مَعْنَى قَوْله فِي الْحَدِيث ( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ) أَنَّ الْبَائِع إِذَا قَالَ : قَدْ بِعْتُك، فَلَهُ أَنْ يَرْجِع مَا لَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبِلْت.
وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة، وَنَصُّ مَذْهَب مَالِك أَيْضًا، حَكَاهُ اِبْن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ.
وَقِيلَ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِع.
وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة ".
وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيث سَمُرَة بْن جُنْدَب وَأَبِي بَرْزَة وَابْن عُمَر وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص وَأَبِي هُرَيْرَة وَحَكِيم بْن حِزَام وَغَيْرهمْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُول أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ أَخْتَرْ ).
رَوَاهُ أَيُّوب عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر ; فَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي هَذِهِ الرِّوَايَة :( أَوْ يَقُول أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ اِخْتَرْ ) هُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى ( إِلَّا بَيْع الْخِيَار ) وَقَوْله :( إِلَّا أَنْ يَكُون بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَار ) وَنَحْوه.
أَيْ يَقُول أَحَدهمَا بَعْد تَمَام الْبَيْع لِصَاحِبِهِ : اِخْتَرْ إِنْفَاذ الْبَيْع أَوْ فَسْخَهُ ; فَإِنْ اِخْتَارَ إِمْضَاء الْبَيْع تَمَّ الْبَيْع بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا.
وَكَانَ اِبْن عُمَر وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيث إِذَا بَايَعَ أَحَدًا وَأَحَبَّ أَنْ يُنْفِذ الْبَيْع مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ.
أَيْ عَنْ رِضًا، إِلَّا أَنَّهَا جَاءَتْ مِنْ الْمُفَاعَلَة إِذْ التِّجَارَة مِنْ اِثْنَيْنِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي التَّرَاضِي ; فَقَالَتْ طَائِفَة : تَمَامه وَجَزْمه بِافْتِرَاقِ الْأَبْدَانِ بَعْد عُقْدَة الْبَيْع، أَوْ بِأَنْ يَقُول أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : اِخْتَرْ ; فَيَقُول : قَدْ اِخْتَرْت، وَذَلِكَ بَعْد الْعُقْدَة أَيْضًا فَيَنْجَزِمُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا ; قَالَهُ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَابْن عُيَيْنَة وَإِسْحَاق وَغَيْرهمْ.
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ : هُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ; إِلَّا بُيُوعًا ثَلَاثَة : بَيْع السُّلْطَان الْمَغَانِم، وَالشَّرِكَة فِي الْمِيرَاث، وَالشَّرِكَة فِي التِّجَارَة ; فَإِذَا صَافَقَهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَة فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْع وَلَيْسَا فِيهِ بِالْخِيَارِ.
وَقَالَ : وَحَدّ التَّفْرِقَة أَنْ يَتَوَارَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبه ; وَهُوَ قَوْل أَهْل الشَّام.
وَقَالَ اللَّيْث : التَّفَرُّق أَنْ يَقُوم أَحَدهمَا.
وَكَانَ أَحْمَد بْن حَنْبَل يَقُول : هُمَا بِالْخِيَارِ أَبَدًا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، وَسَوَاء قَالَا : اِخْتَرْنَا أَوْ لَمْ يَقُولَاهُ حَتَّى يَفْتَرِقَا بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ مَكَانهمَا ; وَقَالَهُ الشَّافِعِيّ أَيْضًا.
وَهُوَ الصَّحِيح فِي هَذَا الْبَاب لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ.
وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ اِبْن عُمَر وَأَبِي بَرْزَة وَجَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء.
وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة : تَمَام الْبَيْع هُوَ أَنْ يُعْقَد الْبَيْع بِالْأَلْسِنَةِ فَيَنْجَزِم الْعَقْد بِذَلِكَ وَيَرْتَفِع الْخِيَار.
قَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن : مَعْنَى قَوْله فِي الْحَدِيث ( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ) أَنَّ الْبَائِع إِذَا قَالَ : قَدْ بِعْتُك، فَلَهُ أَنْ يَرْجِع مَا لَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبِلْت.
وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة، وَنَصُّ مَذْهَب مَالِك أَيْضًا، حَكَاهُ اِبْن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ.
وَقِيلَ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِع.
وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة ".
وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيث سَمُرَة بْن جُنْدَب وَأَبِي بَرْزَة وَابْن عُمَر وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص وَأَبِي هُرَيْرَة وَحَكِيم بْن حِزَام وَغَيْرهمْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُول أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ أَخْتَرْ ).
رَوَاهُ أَيُّوب عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر ; فَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي هَذِهِ الرِّوَايَة :( أَوْ يَقُول أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ اِخْتَرْ ) هُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى ( إِلَّا بَيْع الْخِيَار ) وَقَوْله :( إِلَّا أَنْ يَكُون بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَار ) وَنَحْوه.
أَيْ يَقُول أَحَدهمَا بَعْد تَمَام الْبَيْع لِصَاحِبِهِ : اِخْتَرْ إِنْفَاذ الْبَيْع أَوْ فَسْخَهُ ; فَإِنْ اِخْتَارَ إِمْضَاء الْبَيْع تَمَّ الْبَيْع بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا.
وَكَانَ اِبْن عُمَر وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيث إِذَا بَايَعَ أَحَدًا وَأَحَبَّ أَنْ يُنْفِذ الْبَيْع مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ.
وَفِي الْأُصُول : إِنَّ مَنْ رَوَى حَدِيثًا فَهُوَ أَعْلَم بِتَأْوِيلِهِ، لَا سِيَّمَا الصَّحَابَة إِذْ هُمْ أَعْلَم بِالْمَقَالِ وَأَقْعَدُ بِالْحَالِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي الْوَضِيء قَالَ : كُنَّا فِي سَفَر فِي عَسْكَر فَأَتَى رَجُل مَعَهُ فَرَس فَقَالَ لَهُ رَجُل مِنَّا : أَتَبِيعُ هَذَا الْفَرَس بِهَذَا الْغُلَام ؟ قَالَ : نَعَمْ ; فَبَاعَهُ ثُمَّ بَاتَ مَعَنَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَامَ إِلَى فَرَسِهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُنَا : مَا لَك وَالْفَرَس ! أَلَيْسَ قَدْ بِعْتنِيهَا ؟ فَقَالَ : مَا لِي فِي هَذَا الْبَيْع مِنْ حَاجَة.
فَقَالَ : مَا لَك ذَلِكَ، لَقَدْ بِعْتنِي.
فَقَالَ لَهُمَا الْقَوْم : هَذَا أَبُو بَرْزَة صَاحِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأْتِيَاهُ ; فَقَالَ لَهُمَا : أَتَرْضَيَانِ بِقَضَاءِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَا : نَعَمْ.
فَقَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ) وَإِنِّي لَا أَرَاكُمَا اِفْتَرَقْتُمَا.
فَهَذَانِ صَحَابِيَّانِ قَدْ عَلِمَا مَخْرَج الْحَدِيث وَعَمِلَا بِمُقْتَضَاهُ، بَلْ هَذَا كَانَ عَمَل الصَّحَابَة.
قَالَ سَالِم : قَالَ اِبْن عُمَر : كُنَّا إِذَا تَبَايَعْنَا كَانَ كُلّ وَاحِد مِنَّا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقْ الْمُتَبَايِعَانِ.
قَالَ : فَتَبَايَعْت أَنَا وَعُثْمَان فَبِعْته مَالِي بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَر ; قَالَ : فَلَمَّا بِعْته طَفِقْت أَنْكُصُ الْقَهْقَرَى، خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي عُثْمَان الْبَيْع قَبْل أَنْ أُفَارِقَهُ.
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ أَهْل اللُّغَة فَرَّقُوا بَيْنَ فَرَقْت مُخَفَّفًا وَفَرَّقْت مُثَقَّلًا ; فَجَعَلُوهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْكَلَام وَبِالتَّثْقِيلِ فِي الْأَبْدَان.
قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى ثَعْلَب : أَخْبَرَنِي اِبْن الْأَعْرَابِيّ عَنْ الْمُفَضَّل قَالَ : يُقَال فَرَقْت بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مُخَفَّفًا فَافْتَرَقَا وَفَرَّقْت بَيْنَ اِثْنَيْنِ مُشَدَّدًا فَتَفَرَّقَا ; فَجَعَلَ الِافْتِرَاق فِي الْقَوْل، وَالتَّفَرُّق فِي الْأَبْدَانِ.
اِحْتَجَّتْ الْمَالِكِيَّة بِمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي آيَة الدَّيْن، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى :" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " [ الْمَائِدَة : ١ ] وَهَذَانِ قَدْ تَعَاقَدَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث إِبْطَال الْوَفَاء بِالْعُقُودِ.
قَالُوا : وَقَدْ يَكُون التَّفَرُّق بِالْقَوْلِ كَعَقْدِ النِّكَاح وَوُقُوع الطَّلَاق الَّذِي قَدْ سَمَّاهُ اللَّه فِرَاقًا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّه كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ " [ النِّسَاء : ١٣٠ ] وَقَالَ تَعَالَى :" وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا " [ آل عِمْرَان : ١٠٥ ] وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( تَفْتَرِق أُمَّتِي ) وَلَمْ يَقُلْ بِأَبْدَانِهَا.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي الْوَضِيء قَالَ : كُنَّا فِي سَفَر فِي عَسْكَر فَأَتَى رَجُل مَعَهُ فَرَس فَقَالَ لَهُ رَجُل مِنَّا : أَتَبِيعُ هَذَا الْفَرَس بِهَذَا الْغُلَام ؟ قَالَ : نَعَمْ ; فَبَاعَهُ ثُمَّ بَاتَ مَعَنَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَامَ إِلَى فَرَسِهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُنَا : مَا لَك وَالْفَرَس ! أَلَيْسَ قَدْ بِعْتنِيهَا ؟ فَقَالَ : مَا لِي فِي هَذَا الْبَيْع مِنْ حَاجَة.
فَقَالَ : مَا لَك ذَلِكَ، لَقَدْ بِعْتنِي.
فَقَالَ لَهُمَا الْقَوْم : هَذَا أَبُو بَرْزَة صَاحِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأْتِيَاهُ ; فَقَالَ لَهُمَا : أَتَرْضَيَانِ بِقَضَاءِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَا : نَعَمْ.
فَقَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ) وَإِنِّي لَا أَرَاكُمَا اِفْتَرَقْتُمَا.
فَهَذَانِ صَحَابِيَّانِ قَدْ عَلِمَا مَخْرَج الْحَدِيث وَعَمِلَا بِمُقْتَضَاهُ، بَلْ هَذَا كَانَ عَمَل الصَّحَابَة.
قَالَ سَالِم : قَالَ اِبْن عُمَر : كُنَّا إِذَا تَبَايَعْنَا كَانَ كُلّ وَاحِد مِنَّا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقْ الْمُتَبَايِعَانِ.
قَالَ : فَتَبَايَعْت أَنَا وَعُثْمَان فَبِعْته مَالِي بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَر ; قَالَ : فَلَمَّا بِعْته طَفِقْت أَنْكُصُ الْقَهْقَرَى، خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي عُثْمَان الْبَيْع قَبْل أَنْ أُفَارِقَهُ.
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ ثُمَّ قَالَ : إِنَّ أَهْل اللُّغَة فَرَّقُوا بَيْنَ فَرَقْت مُخَفَّفًا وَفَرَّقْت مُثَقَّلًا ; فَجَعَلُوهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْكَلَام وَبِالتَّثْقِيلِ فِي الْأَبْدَان.
قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى ثَعْلَب : أَخْبَرَنِي اِبْن الْأَعْرَابِيّ عَنْ الْمُفَضَّل قَالَ : يُقَال فَرَقْت بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مُخَفَّفًا فَافْتَرَقَا وَفَرَّقْت بَيْنَ اِثْنَيْنِ مُشَدَّدًا فَتَفَرَّقَا ; فَجَعَلَ الِافْتِرَاق فِي الْقَوْل، وَالتَّفَرُّق فِي الْأَبْدَانِ.
اِحْتَجَّتْ الْمَالِكِيَّة بِمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي آيَة الدَّيْن، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى :" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " [ الْمَائِدَة : ١ ] وَهَذَانِ قَدْ تَعَاقَدَا.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث إِبْطَال الْوَفَاء بِالْعُقُودِ.
قَالُوا : وَقَدْ يَكُون التَّفَرُّق بِالْقَوْلِ كَعَقْدِ النِّكَاح وَوُقُوع الطَّلَاق الَّذِي قَدْ سَمَّاهُ اللَّه فِرَاقًا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّه كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ " [ النِّسَاء : ١٣٠ ] وَقَالَ تَعَالَى :" وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا " [ آل عِمْرَان : ١٠٥ ] وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( تَفْتَرِق أُمَّتِي ) وَلَمْ يَقُلْ بِأَبْدَانِهَا.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْره عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب قَالَ : سَمِعْت شُعَيْبًا يَقُول : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يَقُول : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( أَيّمَا رَجُل اِبْتَاعَ مِنْ رَجُل بَيْعَة فَإِنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا إِلَّا أَنْ تَكُون صَفْقَةَ خِيَار فَلَا يَحِلّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ مَخَافَةَ أَنْ يُقِيلَهُ ).
قَالُوا : فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَمَّ الْبَيْع بَيْنهمَا قَبْل الِافْتِرَاق ; لِأَنَّ الْإِقَالَة لَا تَصِحّ إِلَّا فِيمَا قَدْ تَمَّ مِنْ الْبُيُوع.
قَالُوا : وَمَعْنَى قَوْله ( الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ) أَيْ الْمُتَسَاوِمَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَعْقِدَا فَإِذَا عَقَدَا بَطَلَ الْخِيَار فِيهِ.
وَالْجَوَاب : أَمَّا مَا اِعْتَلُّوا بِهِ مِنْ الِافْتِرَاق بِالْكَلَامِ فَإِنَّمَا الْمُرَاد بِذَلِكَ الْأَدْيَان كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي " آل عِمْرَان "، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي بَعْض الْمَوَاضِع فَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع غَيْر صَحِيح.
وَبَيَانه أَنْ يُقَال : خَبِّرُونَا عَنْ الْكَلَام الَّذِي وَقَعَ بِهِ الِاجْتِمَاع وَتَمَّ بِهِ الْبَيْع، أَهُوَ الْكَلَام الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الِافْتِرَاق أَمْ غَيْره ؟ فَإِنْ قَالُوا : هُوَ غَيْره فَقَدْ أَحَالُوا وَجَاءُوا بِمَا لَا يُعْقَل ; لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ كَلَام غَيْر ذَلِكَ.
وَإِنْ قَالُوا : هُوَ ذَلِكَ الْكَلَام بِعَيْنِهِ قِيلَ لَهُمْ : كَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون الْكَلَام الَّذِي بِهِ اِجْتَمَعَا وَتَمَّ بِهِ بَيْعُهُمَا، بِهِ اِفْتَرَقَا، هَذَا عَيْن الْمُحَال وَالْفَاسِد مِنْ الْقَوْل.
وَأَمَّا قَوْله :( وَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يُفَارِق صَاحِبه مَخَافَة أَنْ يُقِيلَهُ ) فَمَعْنَاهُ - إِنْ صَحَّ - عَلَى النَّدْب ; بِدَلِيلِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام.
( مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّه عَثْرَتَهُ ) وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَحِلّ لِفَاعِلِهِ عَلَى خِلَاف ظَاهِر الْحَدِيث، وَلِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّهُ جَائِز لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ لِيَنْفُذَ بَيْعُهُ وَلَا يُقِيلهُ إِلَّا أَنْ يَشَاء.
وَفِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ رَدٌّ لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى ( لَا يَحِلّ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجْه هَذَا الْخَبَر النَّدْب، وَإِلَّا فَهُوَ بَاطِل بِالْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا تَأْوِيل " الْمُتَبَايِعَانِ " بِالْمُتَسَاوِمَيْنِ فَعُدُول عَنْ ظَاهِر اللَّفْظ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْد عَقْدِهِمَا مُخَيَّرَانِ مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا، إِلَّا بَيْعًا يَقُول أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ فِيهِ : اِخْتَرْ فَيَخْتَار ; فَإِنَّ الْخِيَار يَنْقَطِع بَيْنهمَا وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا ; فَإِنْ فُرِضَ خِيَار فَالْمَعْنَى : إِلَّا بَيْع الْخِيَار فَإِنَّهُ يَبْقَى الْخِيَار بَعْد التَّفَرُّد بِالْأَبْدَانِ.
وَتَتْمِيم هَذَا الْبَاب فِي كُتُب الْخِلَاف.
وَفِي قَوْل عَمْرو بْن شُعَيْب " سَمِعْت أَبِي يَقُول " دَلِيل عَلَى صِحَّة حَدِيثه ; فَإِنَّ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر النَّيْسَابُورِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْوَرَّاق قَالَ : قُلْت لِأَحْمَد بْن حَنْبَل : شُعَيْب سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا ؟ قَالَ : يَقُول حَدَّثَنِي أَبِي.
قَالُوا : فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَمَّ الْبَيْع بَيْنهمَا قَبْل الِافْتِرَاق ; لِأَنَّ الْإِقَالَة لَا تَصِحّ إِلَّا فِيمَا قَدْ تَمَّ مِنْ الْبُيُوع.
قَالُوا : وَمَعْنَى قَوْله ( الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ ) أَيْ الْمُتَسَاوِمَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَعْقِدَا فَإِذَا عَقَدَا بَطَلَ الْخِيَار فِيهِ.
وَالْجَوَاب : أَمَّا مَا اِعْتَلُّوا بِهِ مِنْ الِافْتِرَاق بِالْكَلَامِ فَإِنَّمَا الْمُرَاد بِذَلِكَ الْأَدْيَان كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي " آل عِمْرَان "، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي بَعْض الْمَوَاضِع فَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع غَيْر صَحِيح.
وَبَيَانه أَنْ يُقَال : خَبِّرُونَا عَنْ الْكَلَام الَّذِي وَقَعَ بِهِ الِاجْتِمَاع وَتَمَّ بِهِ الْبَيْع، أَهُوَ الْكَلَام الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الِافْتِرَاق أَمْ غَيْره ؟ فَإِنْ قَالُوا : هُوَ غَيْره فَقَدْ أَحَالُوا وَجَاءُوا بِمَا لَا يُعْقَل ; لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ كَلَام غَيْر ذَلِكَ.
وَإِنْ قَالُوا : هُوَ ذَلِكَ الْكَلَام بِعَيْنِهِ قِيلَ لَهُمْ : كَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون الْكَلَام الَّذِي بِهِ اِجْتَمَعَا وَتَمَّ بِهِ بَيْعُهُمَا، بِهِ اِفْتَرَقَا، هَذَا عَيْن الْمُحَال وَالْفَاسِد مِنْ الْقَوْل.
وَأَمَّا قَوْله :( وَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يُفَارِق صَاحِبه مَخَافَة أَنْ يُقِيلَهُ ) فَمَعْنَاهُ - إِنْ صَحَّ - عَلَى النَّدْب ; بِدَلِيلِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام.
( مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّه عَثْرَتَهُ ) وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَحِلّ لِفَاعِلِهِ عَلَى خِلَاف ظَاهِر الْحَدِيث، وَلِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّهُ جَائِز لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ لِيَنْفُذَ بَيْعُهُ وَلَا يُقِيلهُ إِلَّا أَنْ يَشَاء.
وَفِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ رَدٌّ لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى ( لَا يَحِلّ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجْه هَذَا الْخَبَر النَّدْب، وَإِلَّا فَهُوَ بَاطِل بِالْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا تَأْوِيل " الْمُتَبَايِعَانِ " بِالْمُتَسَاوِمَيْنِ فَعُدُول عَنْ ظَاهِر اللَّفْظ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْد عَقْدِهِمَا مُخَيَّرَانِ مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا، إِلَّا بَيْعًا يَقُول أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ فِيهِ : اِخْتَرْ فَيَخْتَار ; فَإِنَّ الْخِيَار يَنْقَطِع بَيْنهمَا وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا ; فَإِنْ فُرِضَ خِيَار فَالْمَعْنَى : إِلَّا بَيْع الْخِيَار فَإِنَّهُ يَبْقَى الْخِيَار بَعْد التَّفَرُّد بِالْأَبْدَانِ.
وَتَتْمِيم هَذَا الْبَاب فِي كُتُب الْخِلَاف.
وَفِي قَوْل عَمْرو بْن شُعَيْب " سَمِعْت أَبِي يَقُول " دَلِيل عَلَى صِحَّة حَدِيثه ; فَإِنَّ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر النَّيْسَابُورِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْوَرَّاق قَالَ : قُلْت لِأَحْمَد بْن حَنْبَل : شُعَيْب سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا ؟ قَالَ : يَقُول حَدَّثَنِي أَبِي.
قَالَ : فَقُلْت : فَأَبُوهُ سَمِعَ مِنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ؟ قَالَ : نَعَمْ، أُرَاهُ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ سَمِعْت أَبَا بَكْر النَّيْسَابُورِيّ يَقُول : هُوَ عَمْرو بْن شُعَيْب بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص، وَقَدْ صَحَّ سَمَاع عَمْرو بْن شُعَيْب مِنْ أَبِيهِ شُعَيْب وَسَمَاع شُعَيْب مِنْ جَدّه عَبْد اللَّه بْن عَمْرو.
رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( التَّاجِر الصَّدُوق الْأَمِين الْمُسْلِم مَعَ النَّبِيّ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة ).
وَيُكْرَه لِلتَّاجِرِ أَنْ يَحْلِف لِأَجْلِ تَرْوِيج السِّلْعَة وَتَزْيِينهَا، أَوْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَرْض سِلْعَته ; وَهُوَ أَنْ يَقُول : صَلَّى اللَّه عَلَى مُحَمَّد ! مَا أَجْوَدَ هَذَا.
وَيُسْتَحَبّ لِلتَّاجِرِ أَلَّا تَشْغَلَهُ تِجَارَتُهُ عَنْ أَدَاء الْفَرَائِض ; فَإِذَا جَاءَ وَقْت الصَّلَاة يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُك تِجَارَته حَتَّى يَكُون مِنْ أَهْل هَذِهِ الْآيَة :" رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه " [ النُّور : ٣٧ ] وَسَيَأْتِي.
وَفِي هَذِهِ الْآيَة مَعَ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَا يَرُدُّ قَوْل مَنْ يُنْكِر طَلَب الْأَقْوَات بِالتِّجَارَاتِ وَالصِّنَاعَات مِنْ الْمُتَصَوِّفَة الْجَهَلَة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى حَرَّمَ أَكْلَهَا بِالْبَاطِلِ وَأَحَلَّهَا بِالتِّجَارَةِ، وَهَذَا بَيِّنٌ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ سَمِعْت أَبَا بَكْر النَّيْسَابُورِيّ يَقُول : هُوَ عَمْرو بْن شُعَيْب بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص، وَقَدْ صَحَّ سَمَاع عَمْرو بْن شُعَيْب مِنْ أَبِيهِ شُعَيْب وَسَمَاع شُعَيْب مِنْ جَدّه عَبْد اللَّه بْن عَمْرو.
رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( التَّاجِر الصَّدُوق الْأَمِين الْمُسْلِم مَعَ النَّبِيّ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة ).
وَيُكْرَه لِلتَّاجِرِ أَنْ يَحْلِف لِأَجْلِ تَرْوِيج السِّلْعَة وَتَزْيِينهَا، أَوْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَرْض سِلْعَته ; وَهُوَ أَنْ يَقُول : صَلَّى اللَّه عَلَى مُحَمَّد ! مَا أَجْوَدَ هَذَا.
وَيُسْتَحَبّ لِلتَّاجِرِ أَلَّا تَشْغَلَهُ تِجَارَتُهُ عَنْ أَدَاء الْفَرَائِض ; فَإِذَا جَاءَ وَقْت الصَّلَاة يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُك تِجَارَته حَتَّى يَكُون مِنْ أَهْل هَذِهِ الْآيَة :" رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه " [ النُّور : ٣٧ ] وَسَيَأْتِي.
وَفِي هَذِهِ الْآيَة مَعَ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَا يَرُدُّ قَوْل مَنْ يُنْكِر طَلَب الْأَقْوَات بِالتِّجَارَاتِ وَالصِّنَاعَات مِنْ الْمُتَصَوِّفَة الْجَهَلَة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى حَرَّمَ أَكْلَهَا بِالْبَاطِلِ وَأَحَلَّهَا بِالتِّجَارَةِ، وَهَذَا بَيِّنٌ.
مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ
فِيهِ مَسْأَلَة وَاحِدَة - قَرَأَ الْحَسَن " تُقَتِّلُوا " عَلَى التَّكْثِير.
وَأَجْمَعَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة النَّهْي أَنْ يَقْتُل بَعْض النَّاس بَعْضًا.
ثُمَّ لَفْظهَا يَتَنَاوَل أَنْ يَقْتُل الرَّجُل نَفْسَهُ بِقَصْدٍ مِنْهُ لِلْقَتْلِ فِي الْحِرْص عَلَى الدُّنْيَا وَطَلَب الْمَال بِأَنْ يَحْمِل نَفْسه عَلَى الْغَرَر الْمُؤَدِّي إِلَى التَّلَف.
وَيَحْتَمِل أَنْ يُقَال :" وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ " فِي حَال ضَجَرٍ أَوْ غَضَبٍ ; فَهَذَا كُلّه يَتَنَاوَلهُ النَّهْي.
وَقَدْ اِحْتَجَّ عَمْرو بْن الْعَاص بِهَذِهِ الْآيَة حِينَ اِمْتَنَعَ مِنْ الِاغْتِسَال بِالْمَاءِ الْبَارِد حِينَ أَجْنَبَ فِي غَزْوَة ذَات السَّلَاسِل خَوْفًا عَلَى نَفْسه مِنْهُ ; فَقَرَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِحْتِجَاجه وَضَحِكَ عِنْده وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا.
خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره، وَسَيَأْتِي.
فِيهِ مَسْأَلَة وَاحِدَة - قَرَأَ الْحَسَن " تُقَتِّلُوا " عَلَى التَّكْثِير.
وَأَجْمَعَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة النَّهْي أَنْ يَقْتُل بَعْض النَّاس بَعْضًا.
ثُمَّ لَفْظهَا يَتَنَاوَل أَنْ يَقْتُل الرَّجُل نَفْسَهُ بِقَصْدٍ مِنْهُ لِلْقَتْلِ فِي الْحِرْص عَلَى الدُّنْيَا وَطَلَب الْمَال بِأَنْ يَحْمِل نَفْسه عَلَى الْغَرَر الْمُؤَدِّي إِلَى التَّلَف.
وَيَحْتَمِل أَنْ يُقَال :" وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ " فِي حَال ضَجَرٍ أَوْ غَضَبٍ ; فَهَذَا كُلّه يَتَنَاوَلهُ النَّهْي.
وَقَدْ اِحْتَجَّ عَمْرو بْن الْعَاص بِهَذِهِ الْآيَة حِينَ اِمْتَنَعَ مِنْ الِاغْتِسَال بِالْمَاءِ الْبَارِد حِينَ أَجْنَبَ فِي غَزْوَة ذَات السَّلَاسِل خَوْفًا عَلَى نَفْسه مِنْهُ ; فَقَرَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِحْتِجَاجه وَضَحِكَ عِنْده وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا.
خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره، وَسَيَأْتِي.
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا
" ذَلِكَ " إِشَارَة إِلَى الْقَتْل ; لِأَنَّهُ أَقْرَب مَذْكُور ; قَالَهُ عَطَاء.
وَقِيلَ : هُوَ عَائِد إِلَى أَكْل الْمَال بِالْبَاطِلِ وَقَتْل النَّفْس ; لِأَنَّ النَّهْي عَنْهُمَا جَاءَ مُتَّسِقًا مَسْرُودًا، ثُمَّ وَرَدَ الْوَعِيد حَسَبَ النَّهْي.
وَقِيلَ : هُوَ عَامّ عَلَى كُلّ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْقَضَايَا، مِنْ أَوَّل السُّورَة إِلَى قَوْله تَعَالَى :" وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ".
وَقَالَ الطَّبَرِيّ :" ذَلِكَ " عَائِد عَلَى مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ آخِر وَعِيد، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاء كَرْهًا " [ النِّسَاء : ١٩ ] لِأَنَّ كُلّ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ أَوَّل السُّورَة قُرِنَ بِهِ وَعِيد، إِلَّا مِنْ قَوْل :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلّ لَكُمْ " فَإِنَّهُ لَا وَعِيد بَعْده إِلَّا قَوْله :" وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا " [ النِّسَاء ١٠ ].
وَالْعُدْوَان تَجَاوُز الْحَدّ.
وَالظُّلْم وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقُيِّدَ الْوَعِيد بِذِكْرِ الْعُدْوَان وَالظُّلْم لِيَخْرُجَ مِنْهُ فِعْل السَّهْو وَالْغَلَط، وَذُكِرَ الْعُدْوَان وَالظُّلْم مَعَ تَقَارُب مَعَانِيهمَا لِاخْتِلَافِ أَلْفَاظهمَا، وَحَسُنَ ذَلِكَ فِي الْكَلَام كَمَا قَالَ :
وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنًا
وَحَسُنَ الْعَطْف لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ ; يُقَال : بُعْدًا وَسُحْقًا ; وَمِنْهُ قَوْل يَعْقُوب :" إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّه " [ يُوسُف : ٨٦ ].
فَحَسُنَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظ.
و " نُصْلِيهِ " مَعْنَاهُ نُمِسُّهُ حَرَّهَا.
وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْجَمْع بَيْنَ هَذِهِ الْآي وَحَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ فِي الْعُصَاة وَأَهْل الْكَبَائِر لِمَنْ أُنْفِذَ عَلَيْهِ الْوَعِيد ; فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ.
وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَالنَّخَعِيّ " نَصْلِيهِ " بِفَتْحِ النُّون، عَلَى أَنَّهُ مَنْقُول مِنْ صَلَى نَارًا، أَيْ أَصْلَيْته ; وَفِي الْخَبَر " شَاةٌ مَصْلِيَّة ".
وَمَنْ ضَمَّ النُّون مَنْقُول بِالْهَمْزَةِ، مِثْل طَعَمْت وَأَطْعَمْت.
" ذَلِكَ " إِشَارَة إِلَى الْقَتْل ; لِأَنَّهُ أَقْرَب مَذْكُور ; قَالَهُ عَطَاء.
وَقِيلَ : هُوَ عَائِد إِلَى أَكْل الْمَال بِالْبَاطِلِ وَقَتْل النَّفْس ; لِأَنَّ النَّهْي عَنْهُمَا جَاءَ مُتَّسِقًا مَسْرُودًا، ثُمَّ وَرَدَ الْوَعِيد حَسَبَ النَّهْي.
وَقِيلَ : هُوَ عَامّ عَلَى كُلّ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْقَضَايَا، مِنْ أَوَّل السُّورَة إِلَى قَوْله تَعَالَى :" وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ".
وَقَالَ الطَّبَرِيّ :" ذَلِكَ " عَائِد عَلَى مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ آخِر وَعِيد، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاء كَرْهًا " [ النِّسَاء : ١٩ ] لِأَنَّ كُلّ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ أَوَّل السُّورَة قُرِنَ بِهِ وَعِيد، إِلَّا مِنْ قَوْل :" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلّ لَكُمْ " فَإِنَّهُ لَا وَعِيد بَعْده إِلَّا قَوْله :" وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا " [ النِّسَاء ١٠ ].
وَالْعُدْوَان تَجَاوُز الْحَدّ.
وَالظُّلْم وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقُيِّدَ الْوَعِيد بِذِكْرِ الْعُدْوَان وَالظُّلْم لِيَخْرُجَ مِنْهُ فِعْل السَّهْو وَالْغَلَط، وَذُكِرَ الْعُدْوَان وَالظُّلْم مَعَ تَقَارُب مَعَانِيهمَا لِاخْتِلَافِ أَلْفَاظهمَا، وَحَسُنَ ذَلِكَ فِي الْكَلَام كَمَا قَالَ :
وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنًا
وَحَسُنَ الْعَطْف لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ ; يُقَال : بُعْدًا وَسُحْقًا ; وَمِنْهُ قَوْل يَعْقُوب :" إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّه " [ يُوسُف : ٨٦ ].
فَحَسُنَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظ.
و " نُصْلِيهِ " مَعْنَاهُ نُمِسُّهُ حَرَّهَا.
وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْجَمْع بَيْنَ هَذِهِ الْآي وَحَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ فِي الْعُصَاة وَأَهْل الْكَبَائِر لِمَنْ أُنْفِذَ عَلَيْهِ الْوَعِيد ; فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ.
وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَالنَّخَعِيّ " نَصْلِيهِ " بِفَتْحِ النُّون، عَلَى أَنَّهُ مَنْقُول مِنْ صَلَى نَارًا، أَيْ أَصْلَيْته ; وَفِي الْخَبَر " شَاةٌ مَصْلِيَّة ".
وَمَنْ ضَمَّ النُّون مَنْقُول بِالْهَمْزَةِ، مِثْل طَعَمْت وَأَطْعَمْت.
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
لَمَّا نَهَى تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَة عَنْ آثَام هِيَ كَبَائِر، وَعَدَ عَلَى اِجْتِنَابهَا التَّخْفِيف مِنْ الصَّغَائِر، وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ فِي الذُّنُوب كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ.
وَعَلَى هَذَا جَمَاعَة أَهْل التَّأْوِيل وَجَمَاعَة الْفُقَهَاء، وَأَنَّ اللَّمْسَة وَالنَّظْرَة تُكَفَّر بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر قَطْعًا بِوَعْدِهِ الصِّدْق وَقَوْله الْحَقّ، لَا أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ ذَلِكَ.
وَنَظِير الْكَلَام فِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي قَبُول التَّوْبَة فِي قَوْله تَعَالَى :" إِنَّمَا التَّوْبَة عَلَى اللَّه " [ النِّسَاء : ١٧ ]، فَاَللَّه تَعَالَى يَغْفِر الصَّغَائِر بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر، لَكِنْ بِضَمِيمَةٍ أُخْرَى إِلَى الِاجْتِنَاب وَهِيَ إِقَامَة الْفَرَائِض.
رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم
لَمَّا نَهَى تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَة عَنْ آثَام هِيَ كَبَائِر، وَعَدَ عَلَى اِجْتِنَابهَا التَّخْفِيف مِنْ الصَّغَائِر، وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ فِي الذُّنُوب كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ.
وَعَلَى هَذَا جَمَاعَة أَهْل التَّأْوِيل وَجَمَاعَة الْفُقَهَاء، وَأَنَّ اللَّمْسَة وَالنَّظْرَة تُكَفَّر بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر قَطْعًا بِوَعْدِهِ الصِّدْق وَقَوْله الْحَقّ، لَا أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ ذَلِكَ.
وَنَظِير الْكَلَام فِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي قَبُول التَّوْبَة فِي قَوْله تَعَالَى :" إِنَّمَا التَّوْبَة عَلَى اللَّه " [ النِّسَاء : ١٧ ]، فَاَللَّه تَعَالَى يَغْفِر الصَّغَائِر بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِر، لَكِنْ بِضَمِيمَةٍ أُخْرَى إِلَى الِاجْتِنَاب وَهِيَ إِقَامَة الْفَرَائِض.
رَوَى مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم