تفسير سورة الحج

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة الحج من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ ﴾ الآية هذه السورة مكية إلا هذان خصمان إلى تمام ثلاث آيات قاله ابن عباس: * ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر حال الأشقياء والسعداء وذكر الفزع الأكبر وهو ما يهول يوم القيامة وكان مشركو مكة قد أنكروا المعاد وكذبوه بسبب تأخر العذاب عنهم فنزلت هذه السورة تحذيراً لهم وتخويفاً لما انطوت عليه من ذكر زلزلة الساعة وشدة هولها وذكر ما أعد لمنكريها وتنبيههم على البعث بتطويرهم في خلقهم وبهمود الأرض واهتزازها بعد بالنبات والظاهر أن قوله: يا أيها الناس عام ونبه تعالى على سبب اتقائه وهو ما يؤول إليه من أهوال الساعة وهو على حذف مضاف أي اتقوا عذاب ربكم والزلزلة الحركة المزعجة وهي عند النفخة الأولى وأضيفت إلى الساعة لأنها من أشراطها والمصدر مضاف إلى الفاعل والمحذوف المفعول وهو الأرض ويدل عليه قوله:﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾[الزلزلة: ١]، وشىء هنا يدل على إطلاقه على المعدوم لأن الزلزلة لم تقع بعد وذكر تعالى أهول الصفات في قوله يوم ترونها الآية، لينظروا إلى تلك الصفة ببصائرهم ويتصوروها بعقولهم ليكون ذلك حاملاً على تقواه تعالى إذ لا نجاة من تلك الشدائد إلا بالتقوى وروي أن هاتين الآيتين نزلتا ليلاً في غزوة بني المصطلق وقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير أكثر باكياً من تلك الليلة فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب ولم يضربوا الخيام وقت النزول ولم يطبخوا قدراً وكانوا بين حزين وباك ومفكر رضوان الله عليهم والناصب ليوم تذهل والظاهر أن الضمير المنصوب في ترونها عائد على الزلزلة لأنها المحدث عنها ويدل على ذلك وجود هول المرضعة ووضع الحمل هذا إذا أريد الحقيقة وهي الأصل ويكون ذلك في الدنيا وقيل الضمير يعود على الساعة فيكون الذهول والوضع عبارة عن شدة الهول في ذلك اليوم ولا ذهول ولا وضع هناك كقولهم: يوم يشيب فيه الوليد وبجاء بلفظ مرضعة دون مرضع لأنه أريد به الفعل لا النسب بمعنى ذات رضاع وقال الشاعر: كمرضعة أولاد أخرى وضيعت   بني بطنها هذا الضلال عن القصدوالظاهر أن ما في قوله عما أرضعت بمعنى الذي والعائد محذوف أي أرضعته ويقويه تعدى وتضع إلى المفعول به في قوله حملها لا إلى المصدر.﴿ وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ ﴾ قرىء: سكارى وهو جمع سكران كعجلان وعجالى وقرىء: سكرى والصحيح أنه جمع حكى سيبويه رجل سكر فيجمع على سكرى كزمن وزمنى أثبت أنهم سكارى على طريق التشبيه ثم نفى عنهم الحقيقة وهي السكر من الخمر وذلك لما هم فيه من الحيرة وتخليط العقل وجاء هذا الاستدراك بالاخبار عن عذاب الله أنه شديد لما تقدم ما هو بالنسبة إلى العذاب كالحالة الهينة اللينة وهو الذهول والوضع ورؤية الناس أشباه السكارى فكأنه قيل هذه أحوال هينة.﴿ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ ليس بهين ولا لين لأن لكن لا بد أن تقع بين متنافيين بوجه ما.﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ ﴾ الآية، أي في قدرته وصفاته قيل نزلت في أبي جهل وقيل في النضر وكان جدلاً بقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين ولا يقدر الله على إحياء من بلي وصار تراباً والآية عامة في كل من تعاطى الجدال فيما يجوز على الله تعالى وما لا يجوز من الصفات والأفعال ولا يرجع إلى علم ولا برهان ولا لصفة والظاهر أن قوله:﴿ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ ﴾ هو من الجن كقوله: وان يدعون إلا شيطاناً مريداً والظاهر أن الضمير في عليه عائد على من لأنه المحدث عنه وفي أنه وتولاه وفي فإِنه عائد عليه أيضاً والفاعل من تولى ضمير من وكذلك الهاء في يضله قال الزمخشري: في أنه من تولاه فإِنه يضله ويهديه من فتح ولأن الأول فاعل كتب يعني به مفعولاً لم يسم فاعله قال: والثاني عطف عليه " انتهى " هذا لا يجوز لأنك إذا جعلت فإِنه عطفاً على أنه بقيت أنه بلا استيفاء خبر لأن من تولاه من فيه مبتدأة وان قدرتها موصولة فلا خبر لها حتى تستقل خبراً لأنه وان جعلتها شرطية فلا جواب لها إذ جعلت فإِنه عطفاً على وأنه ومثل قول الزمخشري: قال ابن عطية: وانه في موضع رفع على المفعول الذي لم يسم فاعله وانه الثانية عطف على الأولى مؤكدة مثلها وهذا خطأ لما بيناه الظاهر أن ذلك من إسناد كتب إلى الجملة إسناداً لفظياً أي كتب عليه هذا الكلام كما تقول كتب ان الله يأمر بالعدل * قال الزمخشري: أو على تقدير قيل أو على أن كتب فيه معنى القول " انتهى " أما الأول وهو على تقدير قيل يعني فيكون عليه في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله لكتب والجملة من أنه من تولاه في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله لقيل مقدرة وهذا لا يجوز عند البصريين لأن الفاعل عندهم لا يكون جملة فلا يكون ذلك مفعولاً لم يسم فاعله وأما الثاني فلا يجوز أيضاً على مذهب البصريين لأنه لا تكسر أن بعدما هو بمعنى القول صريحة فاعرفه * ولما ذكر تعالى من يجادل في قدرة الله بغير علم وكان جدالهم في الحشر والمعاد ذكر دليلين واضحين على ذلك أحدهما في نفس الانسان وابتداء خلقه وتطوره في مراتب سبع وهي التراب والنطفة والعلقة والمضغة والاخراج طفلاً وبلوغ الأشد والتوفي ورذالة العمر والثاني في الأرض التي يشاهدون تنقلها من حال إلى حال فإِذا اعتبر العاقل بذلك ثبت عنده وعلم أنه واقع لا محالة * العلقة قطعة من الدم الجامد والمضغة اللحمة الصغيرة قدر ما يمضغ * والمخلقة المسواة الملساء لا نقص ولا عيب يقال خلق السواك والعود سواه وملسه من قولهم صخرة خلقاء أي ملساء.﴿ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾ بهذا التدريج قدرتنا وأن من قدر على البشر أولاً من تراب ثم من نطفة ثانياً ولا تناسب بين التراب والماء وقدر على أن يجعل النطفة علقة وبينهما تباين ظاهر ثم يجعل العلقة مضغة قدر على إعادة ما أبداه بل هذا أدخل في القدرة.﴿ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ وهو وقت الوضع وما لم يشأ إقراره مجته الأرحام وأسقطته ومعنى يخرجكم يخرج كل واحد منكم كقولك: الرجال يشبعهم رغيف أي يشبع كل واحد منهم رغيف واللام في:﴿ لِتَبْلُغُوۤاْ ﴾ يتعلق بمحذوف تقديره يستمر عمركم لتبلغوا والأشد تقدم الكلام عليه في يوسف.﴿ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ ﴾ أي يستوفي أجله أي بعد الأشد وقبل الهرم وهو أرذل العمر والخرف لكيلا يتعلق بيرد وكي ناصبة بنفسها أي ليصير نساء بحيث إذا اكتسب علماً في شىء لم ينشب أن ينساه ويزل عنه علمه حتى يسأل عنه من ساعته.﴿ وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً ﴾ هذا هو الدليل الثاني الذي تضمنته والدليل الأول الآية ولما كان الدليل الأول بعض مراتب الخلقة فيه غير مرئي قال: إن كنتم في ريب من البعث فإِنا خلقناكم فلم يحل في جميع رتبه على الرؤية ولما كان هذا الدليل الثاني مشاهداً للابصار أحال على الرؤية فقال: وترى الأرض أي أيها السامع أو المجادل هامدة أي يابسة لا نداوة فيها ولا رطوبة في شىء منها ولظهوره تكرر هذا الدليل في القرآن * والماء ماء المطر والأنهار والعيون والسواقي واهتزازها تخلخلها واضطراب بعض أجسامها لأجل خروج هذا النبات.﴿ وَرَبَتْ ﴾ أي زدات وانتفخت.﴿ مِن كُلِّ زَوْجٍ ﴾ أي صنف.﴿ بَهِيجٍ ﴾ أي رائق للعين حسن المنظر.﴿ ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ﴾ أي ذلك الذي ذكرنا من خلق بني آدم وتطورهم في تلك المراتب من احياء الأرض حاصل بهذا وهو حقيقته تعالى فهو الثابت الموجود القادر على إحياء الموتى وعلى كل مقدور وقد وعدنا بالبعث وهو قادر عليه فلا بد من كناية * وقوله ان الساعة إلى آخره توكيد لقوله تعالى: وأنه يحيي الموتى والظاهر أن قوله: وان الساعة آتية ليس داخلاً في سبب ما تقدم ذكره وليس معطوفاً على أنه التي تليه فيكون على تقدير والأمر أن الساعة وذلك مبتدأ وبأن الخبر.﴿ ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ الآية، الظاهر أن المجادل في هذه الآية غير المجادل في الآية التي قبلها فعن محمد بن كعب أنها نزلت في الأخنس بن شريق وعن ابن عباس أنها نزلت في أبي جهل * قال ابن عطية: وكرر هذه على جهة التوبيخ فكأنه يقول هذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان ومن الناس مع ذلك من يجادل فكان الواو واو الحال والآية المتقدمة الواو فيها واو عطف عطفت جملة الكلام على ما قبلها والآية على معنى الاخبار وهي هنا مكررة للتوبيخ " انتهى ". لا يتخيل أن الواو في ومن الناس من يجادل واو حال على تقدير الجملة التي قدرها قبله لو كان مصرحاً بها لم تتقدر بإِذ فلا تكون للحال وإنما هي للعطف * قسم المخذولين إلى مجادل في الله بغير علم متبع لكل شيطان مريد ومجادل أيضاً بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير وعابد ربه على حرف والمراد بالعلم العلم الضروري وبالهدى الاستدلال والنظر لأنه يهدي إلى المعرفة وبالكتاب المنير الوحي أي يجادل بغير واحد من هذه الثلاثة وانتصب ثاني عطفه على الحال من الضمير المستكن في يجادل قال ابن عباس: متكبراً وقال مجاهد: لاوياً عنقه وليضل متعلق بيجادل والخزي في الدنيا ما لحقه يوم بدر من الأسر والقتل والهزيمة وقد أسر النضل وقيل يوم بدر بالصفراء * والحريق قيل طبقة من طباق جهنم وقد يكون من إضافة الموصوف إلى صفته أي العذاب الحريق أي المحرق ذلك إشارة إلى الخزي والإِذاقة.﴿ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾ أي باجترامك وبعدل الله فيك.﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ﴾ نزلت في إعراب من أسلم وغطفان تباطؤا عن الإِسلام وقالوا أنخاف أن لا ينصر محمد فينقطع ما بيننا وبين حلفائنا من يهود فلا يقرونا ولا يؤوونا وقال ابن عطية: على حرف أي انحراف منه على العقيدة البيضاء.﴿ يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ نفي هنا الضرر والنفع وأثبتهما في قوله: لمن أضره أقرب من نفعه، وذلك لاختلاف المتعلق وذلك أن قوله ما لا ينفعه هو الأصنام والأوثان ولذلك أتى التعبير عنها بما التي لا تكون لآحاد من يعقل وفي الثاني بمن التي هي لمن يعقل وعلى هذا فتكون الجملتان من إخبار الله عمن يدعو إلهاً غير الله وذكروا في إعراب يدعو وجوهاً ذكرت في البحر والذي نختاره أن مفعول يدعو محذوف تقديره يدعو الأصنام ممن يعقل ثم أخبر عن هذا المدعو بقوله: لمن ضره فاللام لام الابتداء ومن موصولة مبتدأ وضره أقرب من نفعه مبتدأ وخبر صلة لمن ومن خبره والجملة الدالة على الذم وهي قوله:﴿ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ ﴾ تقديره هو فهو هذا وعائد على من الموصولة المبتدأ والمولى الناصر والعشير المخالط والظاهر أن الضمير في ينصره عائد على من لأنه المذكور وحق الضمير أن يعود على المذكور وثم محذوف تقديره إذا كان طالباً للنصر محتاجاً إليه.﴿ فَلْيَمْدُدْ ﴾ بحبل.﴿ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ﴾ المظلة.﴿ ثُمَّ لْيَقْطَعْ ﴾ أي ذلك الحبل وهذا كله كناية عن التحيل في طلب النصر وهو لا يقع إلا ان أراده الله.﴿ هَلْ يُذْهِبَنَّ ﴾ جملة استفهام في موضع نصب وفلينظر معلق عنها ومعنى قوله: كيده أي ما يتحيل وهو فاعل يذهبن وما في قوله: ما يغيظ مفعول والمعنى أن غيظه لا يزول بإِظهار كيده.﴿ وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ ﴾ أي مثل ذلك الإِنزال أنزلنا القرآن كله آيات بينات أي لا تفاوت في إنزال بعضه ولا إنزال كله والهاء في أنزلناه للقرآن أضمر للدلالة عليه والتقدير والأمر أن الله يهدي من يريد أي يخلق الهداية في قلب من يريد هدايته لا خالق للهداية إلا هو تعالى.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ ﴾ الآية لما ذكر قبل أن الله يهدي من يريد أعقب ببيان من يهديه ومن لا يهديه والمجوس هم عبدة النار ويقال: انهم كان لهم نبي اسمه زاردشت ويجوز أن يحذف منه أل فلا ينصرف كما إذا حذفت أل من اليهود لا ينصرف أيضاً وفي منع صرف مجوس قال الشاعر: أجار ترى بريقاً هب وقتا   كنار مجوس تستعير إستعاراًقال الشاعر في منع صرف يهود: أولئك أولى من يهود بمدحة   إذا ابن يوماً قبلها لم يؤنبومنع الصرف للعلمية وتأنيث القبيلة.﴿ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ ﴾ هم عبدة الأوثان والأصنام وخبر ان قوله ان الله يفصل بينهم وحسن ذلك طول الفصل بين إن وخبرها بالمعاطيف ويقل أن تقول ان زيداً ان عمراً ضاربه بلا فصل." ولله يسجد " الظاهر أن السجود هنا عبارة عن طواعية ما ذكر الله والانقياد لما يريده تعالى وهذا معنى يشمل من يعقل ومن لا ومن يسجد سجود التكليف ومن لا وعطف على من ما عبد من دون الله ففي السماوات الملائكة عبدتها والشمس عبدتها حمير وعبد القمر كنانة قاله ابن عباس والدبران: تميم والشعري لخم والثرياطي وعطارد أسد والمرزم ربيعة وفي الأرض من عبد من البشر والأصنام المنحوتة من الجبال والشجر والبقر وما عبد من الحيوان والأحسن على أن بين من يعقل وما يعقل قدراً مشتركاً وهو الإِنفعال والطواعية لما يريد الله تعالى منه ومن مفعول بيهن تقديره أي شخص والفاء في قوله: فما جواب الشرط ومن مكرم مبتدأ ومن زائدة خبره له.﴿ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ﴾ لما ذكر تعالى أهل السعادة وأهل الشقاوة ذكر ما دار بينهم من الخصومة في دينه فقال: هذا خصمان * قال قيس بن عباد وهلال بن يساف نزلت في المتبارزين يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث برز والعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة وقال ابن عباس: الإِشارة إلى المؤمنين وأهل الكتاب وقع بينهم تخاصم فقالت اليهود: فمن أقدم ديناً منكم: فنزلت وخصم مصدر أريد به هنا الفريق فلذلك جاء اختصموا مراعاة للمعنى إذ تحت كل خصم منهم أفراد ومعنى في ربهم والظاهر أن هذا الاختصام هو في الآخرة ولذلك جاء بعد قوله: اختصموا التقسيم بالفاء الدالة على التعقيب في قوله:﴿ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ ولهذا قال علي كرم الله وجهه أنا أول من يجثو يوم القيامة للخصومة بين يدي الله عزل وجل وأقسم أبو ذر على هذا.﴿ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ ﴾ كأنه تعالى يدر لهم نيراناً على مقادير جثتهم تشتمل عليهم.﴿ يُصْهَرُ بِهِ ﴾ الآية صهرت الشحم بالنار إذا أذابته والصهارة الألية المذابة وقيل نضج وما موصولة مفعولة بيصهر.﴿ وَٱلْجُلُودُ ﴾ معطوف على ما.﴿ وَلَهُمْ مَّقَامِعُ ﴾ المقمعة بكسر الميم المقرعة يقمع بها المضروب. و ﴿ مِنْ غَمٍّ ﴾ بدل من قوله: منها أعيد معه حرف الجر والظاهر تعليق الإِعادة على الإِرادة للخروج فلا بد من محذوف يصح به المعنى أي من أماكنهم المعدة لتعذيبهم.﴿ أُعِيدُواْ فِيهَا ﴾ أي في الأماكن وقيل أعيدوا فيها بضرب الزبانية إياهم بالمقامع.﴿ وَذُوقُواْ ﴾ أي يقال لهم ذوقوا والظاهر أن من في من أساور للتبعيض وفي من ذهب لابتداء الغاية أن أنشئت من ذهب.
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ
﴿ وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ ﴾ هذا اخبار عما يقع منهم في الآخرة وهو قولهم:﴿ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ﴾[الزمر: ٧٤] وما أشبه ذلك من محاورة أهل الجنة ويكون الصراط الطريق إلى الجنة * والظاهر أن الحميد وصف الله تعالى وناسب هذا الوصف لكثرة ما يحمده أهل الجنة.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ ﴾ الآية المضارع قد لا يلحظ فيه زمان معين من حال أو استقبال فيدل إذ ذاك على الاستمرار ومنه ويصدون عن سبيل الله كقوله تعالى: ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُو ﴾ وتطمئن وهذه الآية، نزلت عام الحديبية حين صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام والظاهر أنه نفس المسجد وقيل الحرم كله ومن صد عن الوصول إليه فقد صد عنه وقرىء سواء بالنصب مفعول ثان لجعلنا فارتفع به العاكف وسواء أصله مصدر بمعنى مستو فعلى هذا يكون العاكف مبتدأ وفيه متعلق بالعاكف وسواء الخبر والجملة في موضع المفعول الثاني لجعلنا وخبر أن محذوف يدل عليه جزاء الشرط تقديره يجزون على كفرهم وصدهم بالعذاب الأليم ومفعول يرد بالحاء والباء زائدة والأحسن أن يضمن معنى يرد يلتبس فيتعدى بالباء والإِلحاد هو الميل عن القصد والظلم هو الشرك ولذلك رتب عليه العذاب الأليم * ولما ذكر تعالى حال الكفار وصدهم عن المسجد الحرام وتوعد من أراد فيه بإِلحاد ذكرهم حال أبيهم إبراهيم ووبخهم على سلوكهم غير طريقه من كفرهم باتخاذ الأصنام وامتنانه عليهم بإِيفاد العلم إليهم.﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا ﴾ أي واذكر إذ بوأنا أي: جعلنا لإِبراهيم مكان البيت مباءة أي مرجعاً يرجع إليه للعمارة والعبادة.﴿ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً ﴾ خطاب لإِبراهيم صلى الله عليه وسلم وكذا ما بعده من الأمر وأن مصدرية وصلت بالنهي كما توصل بالأمر.﴿ وَٱلْقَآئِمِينَ ﴾ هم المصلون ذكر من أركانها أعظمها وهو القيام والركوع والسجود.﴿ وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ ﴾ أي ناد وروي أنه صعد أبا قبيس فقال: يا أيها الناس حجوا بيت ربكم.﴿ يَأْتُوكَ ﴾ جواب الأمر والكاف في يأتوك خطاب لإِبراهيم صلى الله عليه وسلم جعل إتيان البيت إتياناً له صلى الله عليه وسلم لأنه المعلم بإِتيان الناس. و ﴿ رِجَالاً ﴾ جمع راجل وهو الماشي على قدميه.﴿ وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ ﴾ أي وركباناً على كل ضامر وهي الإِبل التي ضمرت أحشاؤها من طول السير والضمير في:﴿ يَأْتِينَ ﴾ عائد على كل ضامر.﴿ عَميِقٍ ﴾ البعيد وأصله البعد سفلاً يقال: بئر عميق أي بعيدة الغور والفعل عمق وعمق قال الشاعر: إذا الخيل جاءت من فجاج عميقة   يمد بها في السير أشعث شاحب﴿ لِّيَشْهَدُواْ ﴾ متعلق بيأتوك ونكر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنياوية لا توجد في غيرها من العبادات.﴿ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ ﴾ كني عن النحر والذبح بذكر اسم الله لأن أهل الإِسلام لا ينفكون عن ذكر اسمه وإذا نحروا أو ذبحوا وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي فيما يتقرب إلى الله أن يذكر اسمه عليه * والأيام المعلومات أيام العشر قاله ابن عباس وجماعة * وبهيمة الانعام تقدم الكلام عليها في المائدة.﴿ فَكُلُواْ مِنْهَا ﴾ الظاهر وجوب الأكل والإِطعام وقيل باستحبابهما وقيل باستحباب الأكل ووجوب الإِطعام والبائس الذي أصابه بؤس أي شدّة.﴿ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ ﴾ والتفث ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر وحلقه وإزالة شعثه ونحوه من إقامة الخمس من الفطرة حسب الحديث والنذور هنا ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم.﴿ وَلْيَطَّوَّفُواْ ﴾ هذا طواف الإِفاضة وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج وبه تمام التحلل * والعتيق القديم كما قال تعالى:﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ﴾[آل عمران: ٩٦] وقال الشاعر: إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة   معتقة مما يجيء به التجريعني بمعتقة أي قديمة.﴿ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ ﴾ ذلك إشارة إلى الطواف وهو مبتدأ خبره محذوف تقديره تمام الحج والحرمات ما لا يحل هتكه وجميع التكليفات من مناسك الحج وغيرها حرمة وضمير فهو عائد على المصدر المفهوم من قوله: ومن يعظم أي فالتعظيم خير له عند ربه أي قربة منه وزيادة في طاعته يثيبه عليها والظاهر عمومه في جميع التكاليف والظاهر أن خيراً هنا ليس أفعل تفضيل.﴿ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ ﴾ دفعاً لما كانت العرب تعتاده من تحريم أشياء برأيها كالبحيرة والسائبة ويعني بقوله:﴿ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾ ما نص في كتابه على تحريمه والمعنى إلا ما يتلى عليكم آية تحريمه ولما حث على تعظيم حرمات الله وذكر أن تعظيمها خير لمعظمها عند الله أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور لأن توحيد الله ونفي الشركاء عنه وصدق القول أعظم الحرمات وجمعا في قرآن واحد لأن الشرك من أعظم الزور لأن المشرك يزعم أن الوثن يستحق العبادة فكأنه قال: فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور.﴿ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ ﴾ كله ومن في من الأوثان لبيان الجنس وتقدّر بالموصول عندهم أي الرجس الذي هو الأوثان.﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ ﴾ شبه المشرك بأن صور حاله بصورة حال من خرّ من السماء فاختطفته الطير فتفرق قطعاً في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة.﴿ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ ﴾ الآية ذلك مبتدأ خبره محذوف تقديره حال المشرك وتقدّم تفسير شعائر الله في أول المائدة وأما هنا فقال ابن عباس وجماعة هي البدن الهدايا وتعظيمها تسمينها والاهتبال بها والمغالاة فيها والضمير في فإِنها عائد على الشعائر على حذف مضاف أي فإِن تعظيمها * وأضاف التقوى إلى القلوب كما قال صلى الله عليه وسلم" التقوى هاهنا وأشار إلى صدره "قال الزمخشري: فإِن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها لأنه لا بد من راجع إلى الجزاء إلى من ليرتبط به وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى الذي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في سائر الأعضاء " انتهى " وما قدّره عار من راجع إلى الجزاء إلى من ألا ترى أن قوله: فإِن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب ليس في شىء منه ضمير يعود إلى من يربط جملة الجزاء بجملة الشرط الذي أداته من وإصلاح ما قاله أن يكون التقدير فإِن تعظيمها منه فيكون الضمير في منه عائداً إلى من فيرتبط الخبراء بالشرط فاعرفه * والضمير في فيها عائد على البدن والمنافع درها ونسلها وصوفها وركوب ظهرها.﴿ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ وهو أن يسمنها ويوجبها هدياً فليس له شىء من منافعها قاله ابن عباس:﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَآ ﴾ وثم للتراخي في الوقت فاستعيرت للتراخي في الأفعال ثم محلها.﴿ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ ﴾ أي وجوب نحرها أو وقت وجوب نحرها منتهية إلى البيت العتيق والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت.﴿ مَنسَكاً ﴾ قال الفراء عيداً.﴿ لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ ﴾ معناه أمرناهم عند ذبائحهم بذكر الله وأن يكون الذبح له لأنه رازق ذلك ثم خرج إلى الحاضرين فقال:﴿ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ ﴾ أي انقادوا وكما أن الإِله واحد يجب أن يخلص له في الذبيحة ولا يشرك فيها بغيره وتقدّم شرح الاخبات وناس تبشير من اتصف بالاجبات وناسب تبشير من اتصف بالاخبات هنا لأن أفعال الحج من نزع الثياب والتجرد من المخيط وكشف الرأس والتردّد في تلك المواضع المغبرة المحجرة والتلبس بأفعال شاقة لا يعلم معناها إلا الله مؤذن بالاستسلام المحض والتواضع المفرط حيث يخرج الإِنسان عن مألوفه إلى أفعال غريبة ولذلك وصفهم بالاخبات والوجل إذا ذكر الله والصبر على ما أصابهم من المشاق وإقامة الصلوات في مواضع لا يقيمها إلا المؤمنون المصطفون والانفاق مما رزقهم الله ومنها الهدايا التي يغالون فيها * وانتصب البدن على الاشتغال أي وجعلنا البدن وقرىء: بالرفع على الابتداء. و ﴿ لَكُمْ ﴾ أي لأجلكم من شعائر في موضع المفعول الثاني ومعنى من شعائر الله من أعلام الشريعة التي شرعها الله وأضافها إلى اسمه تعظيماً لها.﴿ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾ قاله ابن عباس: نفع في الدنيا وأجر في الآخرة وذكر اسم الله أن يقول عند النحر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك.﴿ عَلَيْهَا صَوَآفَّ ﴾ أي على نحرها معقولة.﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ﴾ عبارة عن سقوطها إلى الأرض بعد نحرها قال ابن عباس: القانع المستغني بما أعطيته والمقر المعترض من غير سؤال.﴿ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ ﴾ أي مثل ذلك التسخير سخرناها لكم تأخذونها منقادة منّ الله عليهم بذلك ولولا التسخير من الله لم نطق ذلك وكفى بالإِبل شاهداً وعبرة.﴿ لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا ﴾ قال مجاهد: أراد المسلمون أن يفعلوا فعل المشركين من الذبح وتشريح اللحم حول الكعبة منصوباً ونضح حوالي الكعبة بالدم تقرباً إلى الله فنزلت هذه الآية وكرر تذكير النعم بالتسخير أي: لتشكروا الله على هدايته إياكم لإِعلام دينه ومناسك حجه بأن تهللوا وتكبروا، فاختصر الكلام بأن ضمن التكبير معنى الشكر وعدي تعديته.﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ ظاهر في العموم.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾ روي أن المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة أراد بعض مؤمني مكة أن يقتل من أمكنه من الكفار ويحتال ويغدر فنزلت إلى قوله: كفور وعرفها بالمدافعة ونهي عن الخيانة وخص المؤمنين بالدفع عنهم والنصرة لهم * ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر جملة مما يفعل في الحج وكان المشركون قد صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية وآذوا من كان بمكة من المؤمنين أنزل الله تعالى هذه الآيات مبشرة للمؤمنين بدفعه تعالى عنهم ومشيرة إلى نصرهم وآذنة لهم في القتال وتمكنهم في الأرض بردهم إلى ديارهم وفتح مكة وأن عاقبة الأمور راجعة إلى الله تعالى.﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ ﴾ لما هاجر المؤمنون إلى المدينة أذن الله في القتال، وقرىء: أذن وأذن ويقاتلون بكسر التاء وفتحها.﴿ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ ﴾ في موضع جر نعت للذين أو بدل أو في موضع نصب بأعني أو في موضع رفع إضمارهم. و ﴿ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ ﴾ استثناء منقطع، فإِن يقولوا في موضع نصب لأنه منقطع لا يمكن توجه العامل إليه فهو مقدر بلكن من حيث المعنى، لأنك لو قلت: الذين أخرجوا من ديارهم إلا أن يقولوا ربنا الله لم يصح، وقال الزمخشري: أن يقولوا في محل الجر على الإِبدال من حق أي: بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإِقرار والتمكين لا موجب الإِخراج والتسيير ومثله وهل تنقمون منا الآية " انتهى " اتبع الزمخشري في هذا الزجاج وما أجازاه من البدل لا يكون إلا إذا سبقه نفي أو نهى أو استفهام في معنى النفي نحو ما قام أحد إلا زيد ولا يضرب أحد إلا زيد وهل يضرب أحد إلا زيد وأما إذا كان الكلام موجباً أو أمراً فلا يجوز البدل لا يقال قام القوم إلا زيد على البدل ولا ليضرب القوم إلا زيد على البدل لأن البدل لا يكون إلا حيث يكون العامل يتسلط عليه ولو قلت قام إلا زيد وليضرب إلا عمر ولم يجز ولو قلت في غير القرآن أخرج الناس من ديارهم إلا بأن يقولوا: لا إله إلا الله لم يكن كلاماً هذا إذا تخيل أن يكون إلا أن يقولوا في موضع جر بدلاً من غير المضاف إلى حق وأما أن يكون بدلاً من حق كما نص عليه الزمخشري فهو في غاية الفساد لأنه يلزم منه أن يكون البدل يلي ضميراً فيصير التركيب بغير إلا أن يقولوا وهذا لا يصح ولو قدر إلا بغير كما يقدر في النفي في ما مررت بأحد إلا زيد فيجعله بدلاً لم يصح لأنه يصير التركيب بغير ضمير كقولهم: ربنا الله فتكون قد أضيفت غير إلى غير وهي هي فصار بغير غير ويصح في ما مررت بأحد إلا زيد أن تقول ما مررت بغير زيد ثم ان الزمخشري حين مثل البدل قدره بغير موجب سوى التوحيد وهذا التمثيل للصفة جعل إلا بمعنى سوى ويصح على الصفة فالتبس عليه باب الصفة بباب البدل ويجوز أن تقول: مررت بالقوم إلا زيد على الصفة لا على البدل.﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ﴾ تقدّم الكلام عليه في البقرة * الهدم معروف * الصومعة موضع العبادة ووزنها فوعلة وهي بناء مرتفع منفرد حديد الأعلى والأصمع من الرجال الحديد القول فكانت قبل الإِسلام مختصة برهبان النصارى وبعباد الصائبين ثم استعمل في مئذنة المسلمين والأظهر في تعداد هذه المواضع أن ذلك بحسب متعبدات الأمم فالصوامع للرهبان وقيل للصابئين والبيع للنصارى والصلوات لليهود وهو على حذف مضاف أي ومواضع صلوات والمساجد للمسلمين وأخبر تعالى أنه قوي على نصرهم عزيز لا يغالب والظاهر عود الضمير في قوله: يذكر منها على المواضع جميعاً فيكون يذكر في موضع الصفة لها ويجوز أنيعود على قوله: ومساجد فيكون يذكر صفة للمساجد.﴿ ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ ﴾ يجوز في إعرابه ما يجوز في إعراب الذين أخرجوا.﴿ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ ﴾ توعد للمخالف ما ترتب على التمكين.﴿ وَإِن يُكَذِّبُوكَ ﴾ فيها تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتكذيب من سبق من الأمم السالفة لأنبيائهم ووعيد لقريش إذ مثلهم بالأمم المكذبة المعذبة وأسند الفعل بعلامة التأنيث من حيث أراد الأمة والقبيلة وبني الفعل للمفعول في وكذب موسى لأن قومه لم يكذبوه إنما كذبه القبط.﴿ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ﴾ أي أمهلت لهم وأخرت عنهم العذاب مع علمي بفعلهم وفي قوله: فأمليت للكافرين، ترتيب الإِملاء على وصف الكفر فكذلك قريش أملى لهم الله تعالى ثم أخذهم في غزوة بدر وفتح مكة وغيرهما، والأخذ كناية عن العذاب والإِهلاك والنكير مصدر كالنذير المراد به المصدر والمعنى فكيف إنكاري عليهم وتبديل حالهم الحسنة بالسيئة وحياتهم بالإِهلاك ومعمورهم بالخراب وهذا استفهام يصحبه معنى التعجب كأنه قيل ما أشد ما كان إنكاري عليهم وفي الجملة إرهاب لقريش.﴿ وَكَأَيِّن ﴾ للتكثير وتقدم الكلام عليها واحتمل أن يكون في موضع رفع الابتداء وفي موضع نصب على الاشتغال.﴿ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ جملة حالية.﴿ فَهِيَ خَاوِيَةٌ ﴾ تقدم تفسيرها في البقرة * وقال الزمخشري: * فإِن قلث ما محل الجملتين من الإِعراب أعني وهي ظالمة فهو خاوية * قلت الأولى في محل نصب على الحال والثانية لا محل لها لأنها معطوفة على أهلكناها وهذا الفعل ليس له محل " انتهى ". وهذا الذي قاله ليس بجيد لأن وكأين الأجود في إعرابها أن تكون مبتدأة والخبر الجملة من قوله أهلكناها فهي في موضع رفع والمعطوف على الخبر خبر فيكون قوله: فهي خاوية في موضع رفع لكن يتجه قول الزمخشري على الوجه القليل وهو إعراب فكأين منصوباً بإِضمار فعل على الاشتغال فتكون الجملة من قوله: أهلكناها مفسرة لذلك الفعل وعلى هذا لا محل لهذه الجملة المفسرة فالمعطوف عليها لا محل له * وقرىء: وبئر بهمز وبغير همز * يقال عطلت البئر وأعطلتها فعطلت بفتح الطاء وعطلت المرأة من الحلى بكسر الطاء ووصف القصر بمشيد ولم يوصف بمشيد كما في بروج مشيدة لأن ذلك جمع ناسب التكثير فيه وهذا مفرد وأيضاً مشيد فاصلة آية وقال الشاعر: وتيماء لم نترك بها جذع نخلة   ولا اطما إلا مشيداً بجندلوعطف وبئر وقصر على قوله: من قرية يدل على التكثير وثم بليدة عند البئر اسمها حاضورا بناها قوم صالح وأمروا عليهم جلهس بن جلاس وأقاموا بها زماناً وعبدوا صنماً فأرسل الله إليهم حنظلة بن صفوان وقيل اسمه شريح بن صفوان نبياً فقتلوه في السوق فأهلكهم الله عن آخرهم وسلط عليهم بخت نصر الذي تقدم ذكره في الأنبياء وعطف وبئر وقصر على قوله من قرية فدل على التكثير وقد عينت هذه البئر فعن ابن عباس أنها كانت لأهل عدن من اليمن وهي الرس وعن كعب الاحبار ان القصر بناه عاد الثاني وهو منذر بن عاد بن زم بن عاد وعن الضحاك وغيره ان البئر بحضرموت من أرض الشحر والقصر مشرف على قلة جبل لا يرتقى.﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ الآية تقدم الكلام عليه وإسناد العقل إلى القلب يدل على أنه محله ولا ننكر أن للدماغ بالقلب اتصالاً يقتضي فساد العقل إذا فسد الدماغ ومتعلق يعقلون بها محذوف أي ما حل بالأمم السالفة حين كذبوا أنبياءهم وكذلك مفعول يسمعون أي يسمعون أخبار تلك الأمم الماضية والضمير في فإِنها ضمير القصة.﴿ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ﴾ وصفت القلوب بالتي في الصدور مبالغة كقوله: يقولون بأفواههم والضمير في ويستعجلونك لقريش وكان صلى الله عليه وسلم يحذرهم نقمات الله تعالى ويتوعدهم ذلك دنيا وآخره وهم لا يصدقون بذلك ويستبعدون وقوعه فكان استعجالهم على سبيل الاستهزاء وأن ما وعدتنا به لا يقع وأن لا بعث وفي قوله: ولن يخلف الله وعده أي أن ذلك واقع لا محالة لكن لوقوعه أجل لا يتعداه وأضاف الوعد إليه تعالى لأن رسوله صلى الله عليه وسلم هو المخبر به عن الله تعالى وقيل التشبيه وقع في الطول للعذاب فيه والشدة أي وان يوماً من أيام عذاب الله لشدة العذاب فيه وطوله كألف سنة من عددكم إذ أيام الترحة مستطالة وأيام الفرحة مستقصرة وقرىء: تعدون بالتاء للخطاب والياء للغيبة وتكرر التكثير بكأين في القرى لإِفادة معنى ضمير ما جاءت له الأولى لأنه ذكر فيها القرى التي أهلكنا دون إملاء وتأخير بل أعقب الإِهلاك التذكير وهذه الآية لما كان تعالى قد أمهل قريشاً حتى استعجلت بالعذاب جاءت بالإِهلاك بعد الإِملاء تنبيهاً على أن قريشاً وان أملى تعالى لهم وأمهلهم فإِنه لا بد من عذابهم فلا يفرحوا بتأخير العذاب عنهم ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لأهل مكة يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين من عذاب الله موضح لكم ما تحذرون أو موضح النذارة لا تلجلج فيها وذكر النذارة دون البشارة وان كان التقسيم بعد ذلك يقتضيها لأن الحديث مسوق للمشركين ويا أيها الناس نداء لهم وهم المقول فيهم والسعي الطلب والاجتهاد في ذلك فيكون بإِصلاح وبإِفساد وقرىء: معاجزين ومعجزين فاما معاجزين فمعناه معاندين ومعجزين معناه مثبطين.﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ ﴾ الآية، ذكر له تعالى مسلاة ثانية باعتبار من مضى من الرسل والأنبياء وهو أنهم كانوا حريصين على إيمان قومهم وأنه ما منهم أحد إلا وكان الشيطان يراغمه بتزيين الكفر لقومه وبث ذلك إليهم وإلقائه في نفوسهم كما أنه صلى الله عليه وسلم كان من أحرص الناس على هداية قومه وكان فيهم شياطين كالنضر بن الحارث يلقون لقومهم وللوافدين عليهم شبهاً يثبطون بها عن الاسلام ولذلك جاء قبل هذه الآية والذين سعوا في آياتنا معاجزين وسعيهم إلقاء الشبه في قلوب من استمالوه ونسب ذلك إلى الشيطان لأنه هو المغوي والمحرك شياطين الإِنس للإِغواء كما قال لأغوينهم وقيل ان الشياطين هنا هو جنس يراد به شياطين الإِنس والضمير في أمنيته عائد على الشياطين أي في أمنيته نفسه أي بسبب أمنية نفسه ومفعول ألقى محذوف لفهم المعنى وهو الشر والكفر ومخالفة ذلك الرسول أو النبي لأن الشيطان ليس يلقي الخير ومعنى:﴿ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ ﴾ أي يزيل تلك الشبهة شيئاً فشيئاً حتى يسلم الناس كما قال تعالى:﴿ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً ﴾[النصر: ٢].
﴿ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ ﴾ أي معجزاته يظهرها محكمة لا لبس فيها.﴿ لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ﴾ من تلك الشبه وزخارف القول فتنة لمريض القلب ولقاسيه وليعلم من أوتي العلم أن ما تمنى الرسول والنبي من هداية قومه وإيمانهم هو الحق وهذه الآية ليس فيها إسناد شىء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تضمنت حالة من كان قبله من الرسل والأنبياء إذا تمنوا * وذكر المفسرون أشياء ذكرت فيه البحر.﴿ مِن قَبْلِكَ ﴾ من لابتداء الغاية وفي.﴿ مِن رَّسُولٍ ﴾ زائدة تفيد استغراق الجنس وهو مفعول تقديره رسولاً وعطف ولا نبي على من رسول دليل على المغايرة وتقدم الكلام عليها وحمل بعض المفسرين قوله: إذا تمنى على تلا وفي أمنيته أي في تمنيه ضلاله تابع الرسول أو النبي لتعارض الحق بالباطل * والمرية الشك * والظاهر أن الساعة يوم القيامة * واليوم العقيم يوم بدر وإنما وصف يوم الحرب بالعقم لأن أولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كأنهن عقم لم يلدن * والتنوين في يومئذٍ تنوين العوض والجملة المعوض منها هذا التنوين هو الذي حذف بعد إلغائه أي الملك إذ تأتيهم الساعة.﴿ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ ﴾ هذا ابتداء معنى آخر وذلك أنه لما مات عثمان بن مظعون وأبو سلمة بن عبد الأسد، قال بعض الناس: من قتل من المهاجرين أفضل ممن مات حتف أنفه فنزلت مسوية بينهم في أن الله يرزقهم زرقاً حسناً وظاهر والذين هاجروا العموم.﴿ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً ﴾ لما ذكر الرزق ذكر المسكن وهو الجنة.﴿ يَرْضَوْنَهُ ﴾ إذ فيه رضاهم كما قال تعالى:﴿ لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ﴾[الكهف: ١٠٨].
﴿ ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ ﴾ قيل نزلت في قوم من المؤمنين لقيهم الكفار في الشهر الحرام فأبى المؤمنون من قتالهم وأبو المشركون إلا القتال فلما اقتتلوا جد المؤمنون ونصرهم الله ومناسبتها لما قبلها واضحة وهو أنه تعالى لما ذكر ثواب من هاجر وقتل أو مات في سبيل الله أخبر أنه لا يدع نصرتهم في الدنيا على من بغى عليهم.﴿ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ ﴾ الآية تقدم الكلام عليه في أوائل آل عمران.﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً ﴾ لما ذكر تعالى ما دل على قدرته الباهرة من إيلاج الليل في النهار وهما مرئيان مشاهدان مجيء الظلمة والنور ذكر أيضاً ما هو مشاهد من العالم العلوي والعالم السفلي وهو نزول المطر وإنبات الأرض ونسبة الإِنزال الأرض ونسبة الإِنزال إلى الله مدرك بالعقل وقوله:﴿ فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً ﴾ قال سيبويه فيه: وسألته يعني الخليل عن ألم تر ان الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة فقال: هذا واجب وهو تنبيه كأنك قلت: أتسمع إنزال الله من السماء ماء فكان كذا ولابن عطية والزمخشري فيه كلام في البحر.
﴿ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يشمل الحيوان والمعادن والمرافق الفلك * تقدّم الكلام عليه والظاهر أن أن تقع في موضع نصب بدل اشتمال أي ويمنع وقوع السماء على الأرض إلا بإِذنه متعلق بتقع أي إلا بإِذنه فتقع.﴿ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ لَكَفُورٌ ﴾ لجحود بنعم الله يعبد الله يعبد غير من أنعم عليه بهذه النعم المذكورة وبغيرها.﴿ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً ﴾ روي أنها نزلت بسبب جدل الكفار بديل من ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعيين وغيرهما في الذبائح وقولهم للمؤمنين تأكلون ما ذبحتم وهو من قتلكم ولا تأكلون ما قتل الله تعالى فنزلت بسبب هذه المنازعة.﴿ وَإِن جَادَلُوكَ ﴾ آية موادعة نسختها آية السيف أي وان أبوا للجاجهم إلا المجادلة بعد اجتهادك أن لا يكون بينك وبينهم تنازع فادفعهم بأن الله أعلم بأعمالكم وبقبحها وبما تستحقون عليها من الجزاء وهذا وعيد وإنذار لكن برفق ولين.﴿ ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ﴾ خطاب من الله للمؤمنين والكافرين أي يفصل بينكم بالثواب والعقاب ومسلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان يلقى منهم.﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ ﴾ الآية لما تقدّم ذكر الفصل بين الكفار والمؤمنين يوم القيامة أخبر تعالى أنه عالم بجميع ما في السماء والأرض فلا يخفى عليه أعمالكم وأن ذلك في كتاب وهو أم الكتاب الذي كتبه قبل خلق السماوات والأرض كتب فيه ما هو كائن إلى يوم القيامة والإِشارة بقوله: إن ذلك على الله يسير قيل إلى الحكم السابق والظاهر أنه إشارة إلى حصر المخلوقات تحت علمه وإحاطته.﴿ يَسْطُونَ ﴾ قال ابن عباس يبسطون إليهم أيديهم.﴿ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم ﴾ وعيد وتقريع والإِشارة بذلكم إلى غيظهم على التالين وسطوهم عليهم وروي أنهم قالوا محمد وأصحابه شر خلق، قال الله تعالى: قل لهم يا محمد ﴿ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ﴾ على زعمكم أهل النار فهم أنتم شر خلق الله * والنار خبر مبتدأ محذوف تقديره هو النار والذين كفروا المفعول الأول والضمير في وعدها المفعول الثاني وبئس المصير مخصوص بالذم محذوف تقديره الناس.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ ﴾ الآية الخطاب عام يشمل من نظر في عبادة غير الله تعالى فإِنه يظهر له قبح ذلك * وضرب مبني للمفعول والظاهر أن ضارب المثل هو الله ضرب مثلاً لما يعبد من دونه أي بين شبهاً لكم ولمعبودكم * وتدعون بتاء الخطاب لكفار مكة والضمير العائد على الذين محذوف تقديره تدعوهم آلهة.﴿ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ ﴾ أي لهذا المثل وبدأ تعالى بنفي اختراعهم وخلقهم أقل المخلوقات من حيث أن الاختراع صفة ثابتة له تعالى مختصة به لا يشركه فيها أحد وثني بالأمر الذي بلغ بهم غاية التعجيز وهو سلب الذباب وعدم استنقاذ شىء مما سلبهم وكان الذباب كثيراً عند العرب وكانوا يضمخون أوثانهم بأنواع الطيب وكان الذباب يذهب بذلك وعن ابن عباس: كانوا يطلونها بالزغفران ورؤوسها بالعسل ويغلقون عليها الأبواب فيدخل الذباب من الكوى فيأكله.﴿ وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ ﴾ الواو للعطف على حال مقدرة تقديره على كل حال ولو في هذه الحالة التي كانت تقتضي أن يخلقوا لأجل اجتماعهم ولكنه ليس في مقدورهم ذلك والضمير في له عائد على الخالق المفهوم من يخلقوا.﴿ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ ﴾ قال ابن عباس: الصنم والذباب.﴿ مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ أي ما عرفوه حق معرفته حيث عبدوا من هو منسلخ عن صفاته وسموه باسمه ثم ختم بصفتين منافيتين لصفات آلهتهم من القوة والغلبة.﴿ ٱللَّهُ يَصْطَفِي ﴾ نزلت بسبب قول الوليد بن المغيرة أنزل الذكر عليه من بيننا وأنكروا أن يكون الرسول من البشر فرد الله تعالى عليهم بأن رسله تعالى ملائكة وبشر ثم ذكر أنه عالم بأحوال المكلفين لا يخفى عليه منهم شىء.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ ﴾ أمروا أولاً بالصلاة وهي نوع من العبادة وثانياً بالعبادة وثانياً بالعبادة وهي نوع من فعل الخير وثالثاً بفعل الخير وهو أعم من العبادة فبدأ بخاص ثم بعام ثم بأعم.﴿ وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ ﴾ أمر بالجهاد في دين الله وإعزاز كلمة يشمل جهاد الكفار والمبتدعة.﴿ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ أي استفرغوا جهدكم وطاقتكم في ذلك وأضاف الجهاد إليه تعالى لما كان مختصاً بالله تعالى من حيث هو مفعول لوجه الله.﴿ مِنْ حَرَجٍ ﴾ من ضيق بل هي حنيفية سمحة ليس فيها تشديد بني إسرائيل شرع فيها التوبة والكفارات والرخص وانتصب.﴿ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ ﴾ بفعل محذوف تقديره اتبعوا ملة أبيكم وفي ذلك تذكير لهم بترك إبراهيم عبادة الأصنام ونهيه إياه عن ذلك وقال أبيكم بالإِضافة إلى أمة الرسول لأنه أب للرسول وأمة الرسول في حكم أولاده فصار أباً لأمته بهذه الوساطة * والظاهر أن الضمير في هو سماكم عائد على إبراهيم عليه السلام وهو أقرب مذكور ولكل نبي دعوة مستجابة ودعا إبراهيم فقال: ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك فاستجاب الله تعالى له فجعلها أمة محمد صلى الله عليه وسلم * والمسلمين مفعول بإِسقاط حرف الجر تقديره بالمسلمين.﴿ مِن قَبْلُ ﴾ أي من قبل ظهور ملة الرسول صلى الله عليه وسلم.﴿ وَفِي هَـٰذَا ﴾ أي التسمية وهو إشارة إلى التسمية وثم مبتدأ محذوف تقديره وفي هذا شرف لكم وفخر واستبشار وخبر هذا المبتدأ قوله: وفي هذا ولتكونوا متعلق بما تعلق به المجرور الذي هو في هذا.﴿ لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ ﴾ أنه قد بلغكم.﴿ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ ﴾ بأن الرسل قد بلغتهم وإذ قد خصكم بهذه الكرامة والأثرة فاعبدوه وثقوا به ولا تطلبوا النصرة والولاية إلا منه فهو خير مولى وناصر سبحانه وتعالى.
Icon