تفسير سورة الحج

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة الحج من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
وهي مدنية كلها إلا أربع آيات مكيات :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي. . . ﴾ ﴿ إلى قوله عذاب يوم عقيم ﴾١.
١ الآيات من: (٥٢) إلى (٥٥)..

قَوْله: ﴿يَا أَيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَة شَيْء عَظِيم﴾ يَعْنِي: النفخة الْآخِرَة
﴿يَوْم ترونها تذهل﴾ أَيْ: تُعْرِضُ ﴿كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أرضعت﴾ الْآيَة.
يَحْيَى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي مَسِيرٍ لَهُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ السَّيْرُ؛ إِذْ رفع صَوته فَقَالَ: ﴿يَا أَيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد﴾ فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَ نَبِيِّهِمُ اعْصَوْصَبُوا بِهِ. فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ ذَاكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذَاكُمْ يَوْمٌ يَقُولُ اللَّهُ لِآدَمَ: يَا آدَمُ، قُمِ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِنْسَانًا إِلَى النَّارِ وَوَاحِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ. فَلَمَّا سَمِعُوا مَا قَالَ نَبِيُّهُمْ أُبْلِسُوا حَتَّى مَا يُجْلِي رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ وَاضِحَةٍ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ فِي
166
وُجُوهِهِمْ، قَالَ: اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ، أَوْ كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ، وَإِنَّكُمْ مَعَ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا كَثُرَتَاهُ: يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَمَنْ هَلَكَ يَعْنِي: وَمَنْ كَفَرَ مِنْ بَنِي إِبْلِيسَ، وَتُكْمَلُ الْعِدَّةُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ".
167
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَتَرَى النَّاس سكارى﴾ أَيْ: تَرَى أَنْتَ أَيُّهَا
168
الْإِنْسَانُ النَّاسَ سُكَارَى مِنَ الْعَذَابِ وَالْخَوْف ﴿وَمَا هم بسكارى﴾ من الشَّرَاب.
سُورَة الْحَج من (آيَة ٣ آيَة ٤).
169
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْر علم﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكَ يُلْحِدُ فِي اللَّهِ، فَيَجْعَلُ مَعَهُ إِلَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ ﴿وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَان مُرِيد﴾ أَيْ: جَرِيءٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَالشَّيَاطِينُ هِيَ الَّتِي أَمرتهم.
﴿كتب عَلَيْهِ﴾ أَيْ: قُضِيَ عَلَى الشَّيْطَانِ ﴿أَنَّهُ من تولاه﴾ اتبعهُ ﴿فَأَنَّهُ يضله﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: (أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ) (أَنَّهُ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، (فَأَنَّهُ يضله) عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَمَوْضِعُهُ رَفْعٌ أَيْضًا، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهَا مِكَرَّرَةٌ عَلَى جِهَةِ الْتَوْكِيدِ؛ الْمَعْنَى: كُتُبِ عَلَيْهِ أَنَّهُ من تولاه أضلّهُ.
سُورَة الْحَج (آيَة ٥).
﴿يَا أَيهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ أَيْ: فِي شَكٍّ (مِنَ الْبَعْثِ فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ
169
من تُرَاب} وَهَذَا خَلْقُ آدَمَ ﴿ثُمَّ مِنْ نُطْفَة﴾ يَعْنِي: نَسْلَ آدَمَ ﴿ثُمَّ مِنْ علقَة ثمَّ من مضعة مخلقة وَغير مخلقة﴾ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: هُمَا جَمِيعًا: السَّقْطُ مُخَلَّقٌ وَغَيْرُ مُخَلَّقٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمعنى ﴿مخلقة وَغير مخلقة﴾ أَيْ: مِنَ الْخَلْقِ مَنْ تَتِمُّ مُضْغَتُهُ بِخَلْقِ الْأَعْضَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُتِمُّ اللَّهُ خَلْقَهُ. ﴿لِنُبَيِّنَ لكم﴾ أَيْ: خَلْقَكُمْ ﴿وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ﴾ أَرْحَامَ النِّسَاءِ ﴿مَا نَشَاءُ إِلَى أجل مُسَمّى﴾ ﴿ل ٢٢٠﴾ يَعْنِي: مُنْتَهَى الْوِلَادَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: تُقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى الْقَطْعِ [مِمَّا قَبْلَهُ].
يَحْيَى: عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ [أَبِي وَائِلٍ] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يُؤْمَرُ الْمَلَكُ أَوْ قَالَ: يَأْتِي الْمَلَكُ فَيُؤْمَرُ أَنْ يَكْتُبَ أَرْبَعًا: رِزْقَهُ وَعَمَلَهُ وَأَثَرَهُ وَشَقِيًا أَوْ سَعِيدًا ".
170
﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشدّكُم﴾ يَعْنِي: الِاحْتِلَامِ. ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى﴾ وَفِيهَا إِضْمَارٌ؛ أَيْ: يُتَوفَّى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْلُغَ أَرَذْلَ الْعُمُرِ ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمر﴾ يَعْنِي: الْهَرم ﴿لكَي لَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ أَيْ: يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُ شَيْئًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: (طفْلا) فِي مَعْنَى: أَطْفَالَ؛ كَأَنَّ الْمَعْنَى: يَخْرُجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ طِفْلًا.
وَقَوله: (لكَي لَا) هُوَ بِمَعْنَى حَتَّى لَا. ﴿وَتَرَى الأَرْض هامدة﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: (غَبْرَاءَ) مُتَهَشِّمَةً.
قَالَ مُحَمَّدٌ: هَامِدَةٌ حَقِيقَتُهَا جَافَّةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ: هُمُودُ النَّارِ إِذَا طُفِئَتْ فَذَهَبَتْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ قَتَادَةَ. ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهتزت وربت﴾ وِفِيهَا تَقْدِيمٌ، وَرَبَتْ لِلنَّبَاتِ؛ أَيْ: انْتَفَخَتْ، وَاهْتَزَّتْ بِالنَّبَاتِ؛ إِذَا أَنْبَتَتْ ﴿وأنبتت من كل زوجٍ﴾ أَي: من كل لون ﴿بهيج﴾ أَيْ: حَسَنٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: (بَهِيجٍ) فِي مَعْنَى بَاهِجٌ؛ تَقُولُ الْعَرَبُ: امْرَأَة ذَات خلق باهج.
سُورَة الْحَج من (آيَة ٦ آيَة ١٠).
171
﴿ ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى. . . ﴾ الآية، يقول : إن الذي أخرج من هذه الأرض الهامدة ما أخرج من النبات قادر على أن يحيي الموتى.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنه يحيي الْمَوْتَى﴾ الْآيَةُ، يَقُولُ: إِنَّ الَّذِي أَخْرَجَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ الْهَامِدَةِ مَا أَخْرَجَ مِنَ النَّبَاتِ قَادِرٌ عَلَى أَن يحيي الْمَوْتَى.
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى﴾ أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ ﴿وَلا كِتَابٍ مُنِير﴾ مضيء لعبادة الْأَوْثَان
﴿ثَانِي عطفه﴾ أَيْ: عُنُقُهُ. تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَقُولُ: هُوَ مُعْرِضٌ عَنِ اللَّهِ.
قَالَ مُحَمَّد: (ثَانِي) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ؛ الْمَعْنَى: لَاوِيًا عُنُقَهُ؛ وَهَذَا مِمَّا يُوصَفُ بِهِ الْمُتَكَبِّرُ. ﴿لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ يَعْنِي: الْقَتْلُ، قَالَ الْكَلْبِيُ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ؛ فَقُتِلَ يَوْم بدر.
سُورَة الْحَج من (آيَة ١١ آيَة ١٥).
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ على حرف﴾ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: عَلَى شَكٍّ. ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ﴾ أَيْ: رَضِيَ ﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلب على وَجهه﴾ أَيْ: تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ، هُوَ الْمُنَافِقُ؛ إِنْ رَأَى فِي الْإِسْلَامِ رَخَاءً وَطُمَأْنِينَةً طَابَتْ نَفْسُهُ بِمَا يُصِيبُ مِنْ ذَلِكَ الرَّخَاءِ، وَقَالَ: أَنَا مِنْكُمْ وَأَنَا مَعَكُمُ، وَإِذَا رَأَى فِي الْإِسْلَامِ شِدَّةً أَوْ بَلِيَّةً لَمْ يَصْبِرْ عَلَى مُصِيبَتِهَا، وَانْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ كَافِرًا، وَترك مَا كَانَ عَلَيْهِ.
﴿يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يضرّهُ وَلَا يَنْفَعهُ﴾ يَعْنِي: الْوَثَنَ ﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ﴾.
﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفعه﴾ يَعْنِي: الْوَثَنَ أَيْضًا؛ يَعْنِي: أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَلٌّ عَلَيْهِ ﴿لبئس الْمولى﴾ يَعْنِي: الْوَثَنَ ﴿وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ﴾.
﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ يَعْنِي: الْمُنَافِقَ؛ أَيْ: أَنَّهُ أَيِسَ مِنْ أَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا، لَا يُصَدِّقُ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ رَسُولَهُ مِنْ نَصْرِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَنَصْرُهُ فِي الْآخِرَةِ: الْجَنَّةُ ﴿فليمدد بِسَبَب﴾ أَي: بِحَبل ﴿إِلَى السَّمَاء﴾ يَقُولُ: فَلْيُعَلِّقْ حَبْلًا مِنَ السَّمَاءِ؛ يَعْنِي: سَقْفَ الْبَيْتِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ لِيَخْتَنِقَ حَتَّى يَمُوتَ ﴿فَلْيَنْظُرْ هَلْ يذْهبن كَيده﴾ أَي: فعله ﴿مَا يغِيظ﴾ أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يُذْهِبُ غيظه.
سُورَة الْحَج من (آيَة ١٦ آيَة ١٨)
﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿آيَات بَيِّنَات﴾ أَي: بَين فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا﴾ تهودوا ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ وَهُمْ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَيَقْرَءُونَ الزبُور ﴿وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس﴾ وَهُمْ عَبَدَةُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنِّيرَانِ ﴿وَالَّذين أشركوا﴾ وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ فِي الدُّنْيَا فَيُدْخِلُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ [جَمِيعَ هُؤَلاءِ النَّارَ عَلَى مَا أَعَدَّ لِكُلِّ قوم.
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْض﴾ يَعْنِي: جَمِيعَ أَهْلِ السَّمَاءِ يَسْجُدُونَ وَبَعْضُ أَهْلِ الْأَرْضِ. كَانَ الْحَسَنُ لَا يُعَوِّدُ السُّجُودَ إِلَّا مِنَ الْمُسلمين] ﴿وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم﴾ كلهَا ﴿وَالْجِبَال﴾ [كلهَا] ﴿وَالشَّجر﴾ [كُله] ﴿وَالدَّوَاب﴾ كُلُّهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صِفَةِ الْإِنْسَانِ، فَاسْتَثْنَى فِيهِ، فَقَالَ ﴿وَكَثِيرٌ من النَّاس﴾ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ ﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب﴾ من لم يُؤمن.
سُورَة الْحَج من (آيَة ١٩ - آيَة ٢٥).
﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: اخْتَصَمَ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ؛ فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كِتَابُنَا يَقْضِي عَلَى الْكُتُبِ كُلِّهَا، وَنَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ، فَأْفَلَجَ اللَّهُ أَهْلَ الْإِسْلَامِ؛ فَقَالَ: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُم ثِيَاب من نَار﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار﴾ الْآيَة، وَقَالَ: ﴿خصمان﴾: أَهْلُ الْكِتَابِ خَصْمٌ، وَالْمُؤْمِنُونَ خَصْمٌ، ثمَّ قَالَ: (اخْتَصَمُوا) يَعْنِي: الْجَمِيع. ﴿وَيصب من فَوق رُءُوسهم الْحَمِيم﴾ وَهُوَ الْحَار الشَّديد الْحر.
﴿يصهر بِهِ﴾ أَيْ: يُذَابُ بِهِ ﴿مَا فِي بطونهم والجلود﴾ أَي: وَتحرق بِهِ الْجُلُود
﴿وَلَهُم مَقَامِع من حَدِيد﴾ من نَار
﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا من غم أعيدوا فِيهَا﴾ قَالَ الْحَسَنُ: تَرْفَعُهُمْ بِلَهَبِهَا؛ فَإِذَا كَانُوا فِي أَعْلَاهَا قَمَعَتْهُمُ
175
الْمَلَائِكَةُ بِمَقَامِعَ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ نَارٍ فَيَهْوُونَ فِيهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا.
176
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذهب ولؤلؤا﴾.
قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ: ﴿لؤلؤا﴾ بِالنّصب فَالْمَعْنى: وَيحلونَ لؤلؤا.
﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ هُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴿وهدوا﴾ أَيْ: فِي الدُّنْيَا ﴿إِلَى صِرَاطِ الحميد﴾ وَهُوَ الله.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل الله وَالْمَسْجِد الْحَرَام﴾ أَيْ: وَيَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ للنَّاس﴾ (قبْلَة) ﴿سَوَاء العاكف فِيهِ﴾ يَعْنِي: أهل مَكَّة ﴿والبادي﴾ يَعْنِي: مَنْ يَنْتَابَهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ يَقُولُ: هُمْ سَوَاءٌ فِي حَرَمِهِ وَمَسَاكِنِهِ وَحُقُوقِهِ.
قَالَ مُحَمَّد: (سَوَاء) الْقِرَاءَةُ فِيهِ بِالرَّفْعِ؛ عَلَى الِابْتِدَاءِ. ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ أَيْ: بِشِرْكٍ، وَالْإِلْحَادُ: الْمَيْلُ، الْمَعْنَى: وَمِنْ يُرِدْ أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ فِيهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: ﴿بِإِلْحَادٍ﴾ الْبَاء فِيهِ زَائِدَة.
176
سُورَة الْحَج من (آيَة ٢٦ آيَة ٢٧).
177
﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ أَي: أعلمناه. ﴿وطهر بَيْتِي﴾ أَي: من عبَادَة الْأَوْثَان وَقَول الزُّورِ وَالْمَعَاصِي ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والقائمين﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي بِالْقَائِمِينَ: أَهْلَ مَكَّة ﴿والركع السُّجُود﴾ هم الَّذين يصلونَ إِلَيْهِ.
﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رجَالًا﴾ أَيْ: مُشَاةً ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ أَيْ: وَرُكْبَانًا عَلَى ضُمُرٍ مِنْ طُولِ السَّفَرِ ﴿يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فج عميق﴾ بعيد.
قَالَ مُحَمَّد: (رجَالًا) جَمْعُ رَاجِلٍ، مِثْلُ صَاحِبٍ وَصِحَابٍ، وَقَالَ (يَأْتِين) عَلَى مَعْنَى جَمَاعَةِ الإِبِلِ.
يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " قَامَ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْدَ الْبَيْتِ؛ فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فَسَمِعَ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ ".
وَفِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ نَادَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِن لله بَيْتا فحجوه.
سُورَة الْحَج من (آيَة ٢٨ آيَة ٣٣).
177
سُورَة الْحَج من (آيَة ٢٨ - آيَة ٣٣).
178
﴿ليشهدوا مَنَافِع لَهُم﴾ يَعْنِي: الْأَجْرَ فِي الْآخِرَةِ، وَالتِّجَارَةَ فِي الْمَوْسِمِ ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّام مَعْلُومَات﴾ وَهِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، آخِرُهَا يَوْمُ النَّحْرِ. [﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ من بَهِيمَة الْأَنْعَام﴾ يَعْنِي: إِذَا نَحَرَ وَذَبَحَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقِيلَ: إِنَّ الأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ: يَوْمُ النَّحْرِ]، وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ. ﴿وَأَطْعِمُوا البائس الْفَقِير﴾ قَالَ الْحَسَنُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا وَتَصَدَّقَ بِهَا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْبَائِسُ الَّذِي نَالَهُ بُؤْسٌ، وَهُوَ [شَدِيدُ] الْفَقْرِ يُقَالُ: قَدْ بَؤُسَ الرَّجُلُ وَبَئِسَ إِذَا صَارَ ذَا بُؤْسٍ؛ أَي: شدَّة.
﴿ثمَّ ليقضوا تفثهم﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: الْتَفَثُ: تَقَشُّفُ الْإِحْرَامِ، وَبِرَمْيِهِمُ
178
الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ يَحِلُّ لَهُمْ [كُلُّ شَيْءٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى تَقَشُّفُ الْإِحْرَامِ: كُلُّ مَا لَا يجوز للْمحرمِ فعله مثل] (ل ٢٢٢) قَصِّ الْشَارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ [وَنَتْفِ الْإِبِطَيْنِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ الْمُحْرِمُ مِنَ الطّيب وَغَيره. ﴿وليوفوا نذورهم﴾ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: مَا نَذَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْحَجِّ ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ؛ كَمْ مِنْ جَبَّارٍ صَارَ إِلَيْهِ يُرِيدُ أَنْ يَهْدِمَهُ؛ فَحَالَ الله بَينه وَبَينه
179
﴿وَمن يعظم حرمات الله﴾ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: الْحُرُمَاتُ: مَكَّةُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيهِ كُلِّهَا ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَقَدْ مَضَى تَفْسِيره. ﴿فَاجْتَنبُوهُ الرجس من الْأَوْثَان﴾ يَقُولُ: اجْتَنِبُوا الْأَوْثَانَ؛ فَإِنَّهَا رِجْسٌ ﴿وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور﴾ يَعْنِي: الشّرك ﴿حنفَاء لله﴾ أَي: مُخلصين.
﴿وَمن يُشْرك بِاللَّه﴾ الْآيَةُ، قَالَ الْحَسَنُ: شَبَّهَ اللَّهُ أَعْمَالَ الْمُشْرِكِينَ بِالَّذِي يَخِرُّ مِنَ السَّمَاءِ؛ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ، فَلَا يَصِلُ إِلَى الْأَرْضِ ﴿أَوْ تَهْوِي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق﴾ بَعِيدٍ، فَيَذْهَبُ فَلَا يُوْجَدُ لَهُ أَصْلٌ، وَلَا يُرَى لَهُ أَثَرٌ. يَقُولُ: لَيْسَتْ لِأَعْمَالِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ اللَّهِ قَرَارٌ لَهُمْ بِهِ عِنْدَهُ خير فِي الْآخِرَة.
﴿وَذَلِكَ وَمن يعظم شَعَائِر الله﴾ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي: اسْتِعْظَامُ الْبُدْنِ، واستسمانها.
﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى﴾ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَجَلُ الْمُسَمَّى: إِلَى أَنْ تُقَلَّدَ وَتُشْعِرَ ﴿ثمَّ محلهَا﴾ إِذَا قَلَّدَتْ وَأُشْعِرَتْ ﴿إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيق﴾.
سُورَة الْحَج من (آيَة ٣٤ آيَة ٣٧).
﴿وَلكُل أمة﴾ (وَلكُل قوم) ﴿جعلنَا منسكا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: حَجًا وَذَبْحًا. ﴿وَبشر المخبتين﴾ يَعْنِي: الْخَاشِعِينَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاشْتِقَاقُ الْكَلِمَةِ مِنْ: الْخَبْتِ؛ وَهُوَ الْمَكَانُ المنخفض من الأَرْض.
﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبهم﴾ أَي: خَافت ﴿والمقيمي الصَّلَاة﴾ يَعْنِي: الْمَفْرُوضَةَ ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ يَعْنِي: الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة.
﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ الله لكم فِيهَا خير﴾ أَيْ: أَجْرٌ فِي نَحْرِهَا، وَالصَّدَقَةُ مِنْهَا يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللَّهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (الْبُدْنَ) بِالنَّصْبِ فَعَلَى فَعْلٍ مُضْمَرٍ؛ الْمَعْنَى: وَجَعَلْنَا الْبُدْنَ. ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صواف﴾ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ يَعْنِي: مُعْقَلَةً قِيَامًا. وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (صَوَافِنَ).
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (صواف) مُشَدَّدَةً؛ فَالْمَعْنَى: صُفَّتْ قَوَائِمُهَا، وَالنَّصْبُ فِيهَا عَلَى الْحَالِ، وَلَا تُنَوَّنُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْصَرِفُ وَمَنْ قَرَأَ (صَوَافِنَ) فَالْصَافِنُ: الَّذِي يَقُومُ عَلَى ثَلَاثٍ؛ يُقَالُ: صَفَنَ الْفَرَسُ؛ إِذَا رَفَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ؛ فَقَامَ عَلَى طَرَفِ الْحَافِرِ، وَالْبَعِيرُ إِذَا أَرَادُوا نَحْرَهُ تُعْقَلُ إِحْدَى يَدَيْهِ فَهُوَ الْصَافِنُ وَالْجَمِيعُ: صَوَافِنُ. وَقُرِئَتْ (صَوَافِيَ) بِالْيَاءِ وَالْفَتْحِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، وَتَفْسِيرُهُ: خَوَالِصَ؛ أَيْ: خَالِصَةً لِلَّهِ لَا يُشْرِكْ بِاللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فِي
181
التَّسْمِيَةِ عَلَى نَحْرِهَا أَحَدٌ. وَقَدْ ذَكَرَ يَحْيَى هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ وَلَمْ يُلَخِّصْهَا هَذَا التَّلْخِيصَ.
قَالَ: ﴿فَإِذَا وَجَبت جنوبها﴾ أَي: أسقطت لِلْمَوْتِ ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ والمعتر﴾ قَالَ الْحَسَنُ: الْقَانِعُ: السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ وَيُقْبِلُ إِنْ أُعْطِي شَيْئًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: قَنَعَ يَقْنَعُ مِنَ السُّؤَالِ، وَقَنِعَ يَقْنَعُ مِنَ الرِّضَا وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ؛ أَيْ: يُلِمُّ لِتُعْطِيَهُ وَلَا يَسْأَلُ.
182
﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دماؤها﴾ يَقُولُ: لَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا، وَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَذْبَحُونَ لِآلِهَتِهِمْ، ثُمَّ يَنْضَحُونَ دماءها حول الْبَيْت. ﴿لَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم﴾ يَصْعَدُ إِلَيْهِ؛ يَعْنِي: مِمَّنْ آمَنَ. ﴿لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ السُّنَّةُ إِذَا ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ أَنَّ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أكبر.
سُورَة الْحَج من (آيَة ٣٨ ٤١).
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمنُوا﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يُدَافِعُ عَنْهُمْ، فَيَعْصِمُهُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ [فِي دِينِهِمْ] ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾.
﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ قَالَ قَتَادَة: هُم (أَصْحَاب نَبِي الله، أذن لَهُم بِالْقِتَالِ؛ بعد مَا أَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَشَدَّدُوا عَلَيْهِمْ، حَتَّى لحق طوائف مِنْهُم بالجبشة.
قَالَ مُحَمَّد: أذن) (ل ٢٢٣) لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ أَنْ يُقَاتِلُوا. وَقِيلَ: إِنَّهَا أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي (الْجِهَاد).
﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا الله﴾ أَيْ: أَنَّهُمْ أُخْرِجُوا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: رَبُّنَا اللَّهُ ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبيع وصلوات ومساجد﴾ قَالَ قَتَادَةُ: الْصَوَامِعُ (لِلصَّابِئِينَ)، وَالْبِيَعُ لِلنَّصَارَى؛ يَعْنِي: الْكَنَائِسَ، وَالصَّلَوَاتُ لِلْيَهُودُ وَمَسَاجِدَ؛ يَعْنِي: مَسَاجِدَ الْمُسْلِمِينَ ﴿يُذْكَرُ فِيهَا اسْم الله كثيرا﴾ يَعْنِي: الْمَسَاجِدَ ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ ينصره﴾ أَيْ: مَنْ يَنْصُرُ دِينَهُ. مَعْنَى (وصلوات) أَي: بيُوت صلوَات
﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ﴾ يَعْنِي: أَصْحَاب النَّبِي (أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
183
وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ} بِعِبَادَةِ اللَّهِ ﴿وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ عَن عبَادَة الْأَوْثَان.
سُورَة الْحَج من (آيَة ٤٢ آيَة ٤٦).
184
﴿فأمليت للْكَافِرِينَ﴾ أَيْ: لَمْ أُهْلِكْهُمْ عِنْدَ تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ حَتَّى جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي أَرَدْتُ أَنْ أُهْلِكَهُمْ فِيهِ ﴿ثُمَّ أخذتهم﴾ بِالْعَذَابِ حِينَ جَاءَ الْوَقْتُ ﴿فَكَيْفَ كَانَ نكيري﴾ أَيْ: عِقَابِي، أَيْ: كَانَ شَدِيدًا يحذر بذلك الْمُشْركين.
﴿فكأين من قَرْيَة﴾ أَيْ: فَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ ﴿أَهْلَكْنَاهَا وَهِي ظالمة﴾ يَعْنِي: أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا ﴿فَهِيَ خَاوِيَةٌ على عروشها﴾ سَقْفِهَا، فَصَارَ أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا ﴿وَبِئْرٍ معطلة﴾ [أَيْ: قَدْ بَادَ أَهْلُهَا] ﴿وَقَصْرٍ مشيد﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيْ: حَصِينٌ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: هُوَ مَا بُنِيُ بِالشِّيدِ، وَهُوَ الْجَصُّ. وَقِيلَ: مَعْنَى (مشيد) مطول
﴿أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ (فَتَكُونَ لَهُمْ
184
قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يسمعُونَ بهَا} أَيْ: لَوْ صَارُوا فَتَفَكَّرُوا فَحَذِرُوا مَا نَزَلَ بِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، فَيَتُوبُونَ لَوْ كَانَتْ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور﴾ أَيْ: إِنَّمَا أُوتُوا مِنْ قِبَلِ قُلُوبهم.
سُورَة الْحَج من (آيَة ٤٧ آيَة ٥١).
185
﴿ويستعجلونك بِالْعَذَابِ﴾ وَذَلِكَ مِنْهُمْ تَكْذِيبٌ وَاسْتِهْزَاءٌ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ﴿وَلَنْ يُخْلِفَ الله وعده﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَعْنِي: هَلَاكَهُمْ بِالسَّاعَةِ قَبْلَ عَذَابِ الْآخِرَةِ. ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعدونَ﴾ يَوْمُ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ كَأَلْفِ سنة من أَيَّام الدُّنْيَا
﴿ والذين سعوا في آياتنا ﴾ أي : كذبوا ﴿ معاجزين ﴾ أي : يظنون أنهم يعجزوننا فيسبقوننا حتى لا نقدر عليهم فنعذبهم، هذا تفسير الحسن. وتفسير مجاهد : معاجزين : مثبطين للناس عن الإيمان١.
قال محمد لم يبين يحيى قراءة مجاهد، والقراءة على تفسيره ( معجِّزين ) مثقلة.
١ روى هذه القراءة المشددة الطبري في تفسيره (٩/١٧٤)، (٢٥٣٢٥)، (٢٥٣٢٦). وانظر السبعة لابن مجاهد (٤٣٩)..
﴿وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا﴾ أَي: كذبُوا ﴿معاجزين﴾ أَيْ: يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَنَا فَيَسْبِقُونَنَا حَتَّى لَا نَقْدِرَ عَلَيْهِمْ فَنُعَذِّبَهُمْ؛ هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ. وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: (معاجزين): مُثَبِّطِينَ لِلنَّاسِ عَنِ الْإِيمَانِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: لَمْ يُبَيِّنْ يَحْيَى قِرَاءَةَ مُجَاهِدٍ وَالْقِرَاءَةُ عَلَى تَفْسِيرِهِ: (مُعَجِّزِينَ) مثقلة.
سُورَة الْحَج من (آيَة ٥٢ آيَة ٥٦).
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تمنى﴾ أَيْ: تَلَا؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ. قَالَ قَتَادَةُ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ إِذْ نَعِسَ، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ كَلِمَةً؛ فَتَكَلَّمَ بِهَا فَتَعَلَّقَهَا الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ قَرَأَ ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى﴾ فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ وَنَعِسَ: (فَإِنَّ شَفَاعَتَهَا هِيَ الْمُرْتَجَى وَإِنَّهَا لِمَنَ الْغَرَانِيقِ الْعُلَى) فَحَفِظَهَا الْمُشْرِكُونَ، وَأَخْبَرَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ قَرَأَهَا فَزَلَّتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِهَا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تمنى﴾ الْآيَة.
قَالَ مُحَمَّد: قِيلَ: إِن (تَمَنَّى) بِمَعْنَى تَلَا وَأَنْشَدَ [بَعْضُهُمْ]:
186
187
قَوْلُهُ: ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والقاسية قُلُوبهم﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين ﴿وَإِن الظَّالِمين﴾ الْمُشْركين ﴿لفي شقَاق﴾ أَي: فِرَاق ﴿بعيد﴾ عَن الْحق
﴿وليعلم الَّذِي أُوتُوا الْعلم﴾ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ. ﴿أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبك فيؤمنوا بِهِ﴾ أَيْ: يُصَدِّقُوا بِهِ قَوْلُهُ: ﴿فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبهم﴾ أَي: تخشع
﴿وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مرية مِنْهُ﴾ [أَيْ: شَكٍّ؛ يَعْنِي: مِنَ الْقُرْآنِ] ﴿حَتَّى تأتيهم السَّاعَة بَغْتَة﴾ [يَعْنِي الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ السَّاعَةُ، الدائنين] (ل ٢٢٤) بدين أبي جهل و [أَصْحَابه] ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ أَيْ: عَذَابُ يَوْمِ بَدْرٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: [أَصْلُ الْعُقْمِ] فِي الْوِلَادَةِ؛ يُقَالُ: امْرَأَةٌ عَقِيمٌ، وَرَجُلٌ عَقِيمٌ إِذَا كَانَ لَا يُولَدُ لَهُ، وَرِيحٌ عَقِيمٌ الَّتِي لَا تَأْتِي [بسحاب فتمطر].
سُورَة الْحَج من (آيَة ٥٧ آيَة ٥٩).
﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثمَّ قتلوا﴾ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ [(أَو
187
مَاتُوا} عَلَى قُرُوحِهِمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ] ﴿لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله رزقا حسنا﴾ يَعْنِي: الْجنَّة.
سُورَة الْحَج من (آيَة ٦٠ آيَة ٦٨).
188
﴿وَذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثمَّ بغي عَلَيْهِ﴾ يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ أَنَّهُمْ عُوقِبُوا؛ فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ بِجُحُودِهِمُ النَّبِيَّ وَظُلْمِهِمْ إِيَّاه وَأَصْحَابه وبغيهم عَلَيْهِم ﴿لينصرنه الله﴾ النَّصْرُ فِي الدُّنْيَا: الظُّهُورُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْل﴾ وَهُوَ أَخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مخضرة﴾ أَيْ: بِالنَّبَاتِ إِذَا أَنْبَتَتْ، وَلَيْسَ يَعْنِي من لَيْلَتهَا
﴿وَإِن الله لَهو الْغَنِيّ﴾ عَن خلقه ﴿الحميد﴾ اسْتَوْجَبَ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يَحْمَدُوهُ
﴿ويمسك السَّمَاء أَن تقع﴾ يَعْنِي: لِئَلَّا تقع
﴿وَهُوَ الَّذِي أحياكم﴾ مِنَ النُّطَفِ ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ يَعْنِي: الْبَعْث
﴿لكل أمة جعلنَا منسكا﴾ أَيْ: حَجًّا وَذَبْحًا ﴿هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا ينازعنك فِي الْأَمر﴾ أَيْ: لَا يُحَوِّلَنَّكَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ هَذَا الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ يَقُولُهُ للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام.
سُورَة الْحَج من (آيَة ٦٩ آيَة ٧٢).
﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون﴾ يَعْنِي: مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكَافِرُونَ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ أَنْ يُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلَ الْكَافِرِينَ النَّارَ.
﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ أَي: هَين حِين كتبه
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا﴾ يَعْنِي: حُجَّةً لِعِبَادَتِهِمْ ﴿وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ علم﴾ أَنَّ الْأَوْثَانَ خَلَقَتْ مَعَ اللَّهِ شَيْئا، وَلَا رزقت شَيْئا
(يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ
189
آيَاتنَا} أَيْ: يَكَادُونَ يَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَهُمْ ﴿قُلْ أفأنبئكم بشر من ذَلِكُم﴾ بِشَرٍّ مِنْ قَتْلِ أَنْبِيَائِهِمْ ﴿النَّارُ﴾ هِيَ شَرٌّ مِمَّا صَنَعُوا (بِأَنْبِيَائِهِمْ؛ يَعْنِي: مِنْ قَتْلِهِمْ إِيَّاهُمْ.
قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ (النَّار) بِالرَّفْعِ، فَعَلَى مَعْنَى: هِيَ النَّارُ.
سُورَة الْحَج من (آيَة ٧٣ آيَة ٧٦).
190
﴿يَا أَيهَا النَّاس ضرب مثل﴾ أَي: وصف ﴿فَاسْتَمعُوا لَهُ﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ من دون الله﴾ يَعْنِي: الْأَوْثَانَ ﴿لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾.
إِنَّ الذُّبَابَ يَقَعُ عَلَى تِلْكَ الْأَوْثَانِ فَيَنْقُرُ أَعْيُنَهَا وَوُجُوهَهَا فَيَسْلُبُهَا مَا أَخَذَ مِنْ وُجُوهِهَا وَأَعْيُنِهَا.
وَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَطْلُونَهَا بِخَلُوقٍ. قَالَ اللَّهُ ﴿ضَعُفَ الطَّالِب﴾ يَعْنِي: الوثن ﴿وَالْمَطْلُوب﴾ يَعْنِي: الذُّبَاب
﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ أَيْ: مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ عَظَمَتِهِ؛ بِأَنْ عَبَدُوا الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ الَّتِي إِنْ سَلَبَهَا
190
الذُّبَابُ الضَّعِيفُ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تمْتَنع مِنْهُ
191
﴿يعلم مَا بَين أَيْديهم﴾ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِذَا كَانُوا فِي الْآخِرَة.
سُورَة الْحَج من (آيَة ٧٧ آيَة ٧٨).
﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حق تُقَاته﴾ وَهُمَا مَنْسُوخَتَانِ؛ نَسَخَتْهُمَا الْآيَةُ الَّتِي فِي الْتَغَابُنِ ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم﴾. ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ من حرج﴾ أَيْ: مِنْ ضِيقٍ. ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين﴾ يَقُولُ اللَّهُ: سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ؛ أَيْ: مِنْ قَبْلِ هَذَا الْقُرْآنِ فِي الْكُتُبِ كُلِّهَا وَفِي الذّكر، ﴿وَفِي هَذَا﴾ الْقُرْآنِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ) الْمَعْنَى: اتَّبِعُوا مِلَّةَ أَبِيكُمْ. ﴿لِيَكُونَ الرَّسُول شَهِيدا عَلَيْكُم﴾ بَأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ ﴿وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النَّاس﴾
191
بِأَن الرُّسُل قد بلغت قَومهَا. ﴿واعتصموا بِاللَّه﴾ أَيْ: بِدِينِ اللَّهِ ﴿هُوَ مَوْلاكُمْ﴾ وَلِيكُم ﴿فَنعم الْمولى﴾ الْوَلِيّ ﴿وَنعم النصير﴾ وَعَدَهُمُ النَّصْرَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْمُشْركين.
192
تَفْسِير سُورَة الْمُؤمنِينَ وَهِي مَكِّيَّة كلهَا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم

سُورَة الْمُؤْمِنُونَ من (آيَة ١ آيَة ١١). (ل ٢٢٥)
193
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
(تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ آخِرَ لَيْلَةٍ تَمَنِّيَ دَاوُدُ الزَّبُورَ عَلَى رِسْلِ)