تفسير سورة محمد

الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه
تفسير سورة سورة محمد من كتاب الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾

قوله تعالى: ﴿فإذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَاب﴾، إلى قوله: ﴿أَوزَارَهَا﴾:
قال ابنُ حبيب: نَسَخَها: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُمُوهُم﴾ [التوبة: ٥]قال: وهي في أهل الأوثان من كُفَّارِ العرب، فلا يجوز أن يمُنّ عليهم، ولايفادَوا - قاله السُّدِّي (وغيرُه) -.
وقيل: هي عامةٌ في جميع الكفار، وهي منسوخة بالأمر بالقتالفي براءة، ولا (يجوز أن يُمَنَّ على مشركٍ ولا) يفادى به إلاَّ مَن لايجوزُ قتلُه كالصبيِّ والمرأة.
وقال الضَّحاكُ: هذه الآيةُ ناسخةٌ لقوله: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُوَجَدتُمُوهُم﴾، - وقاله عطاء - وقالا: لا يقتل المشركُ صبراً ولكن يُمَنُّ عليه أو يفادى به إذا أُسِر - وهو قول شاذ -.
وعن ابن عباسٍ (أنه قال): (خُيِّر) النبيُّ - عليه السلام - فيالأسرى بين الفداء (والقتل والمن) والاستعباد (يفعل ما يشاء). وعلى هذا القول (عامة العلماء) - وهو الصواب إن شاء الله - فالآيتانمحكمتان.

﴿ فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾

قولُه تعالى: ﴿فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلم وأَنتُم الأَعْلَوْنَ﴾.
أكثرُ الناس على أن هذا ناسخٌ لقوله: ﴿وإن جَنَحُوا لِلسَّلْم فاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: ٦١].
والصَّوابُ الذي عليه أَهلُ النَّظَرِ أنهما محكمتان في معنيينِ مُخْتَلِفَيْن:
آيةُ الأنفال في إباحةِ الصُّلْح إذا ابتدأَ بِطَلَبِه المشركون.
والآيةُ الأُخرى في النهي عن أن يبتدىء المسلمونَ بِطَلَبِ الصُّلْحمن المشركين - وقد تقدَّم ذكر هذا -.
ولا شيءَ في "الفتح" و "الحجرات" (وهما مدنيتان).

Icon