تفسير سورة محمد

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة محمد من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة محمد

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قال مقاتل: بتوحيد الله (١) ﴿وَصَدُّوا﴾ الناس ﴿عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾، قال ابن عباس في رواية عطاء ومجاهد: يريد مشركي قريش أهل مكة، وما فعلوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه (٢)، وقال في رواية الكلبي: يعني المطعمين ببدر وهم اثنا عشر رجلاً (٣).
وذكر مقاتل أسماءهم، أبو جهل والحارث بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبي وأمية ابنا خلف ومنبه (٤) ونبيه (٥) ابنا الحجاج، وأبو البختري بن
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٨.
(٢) أخرج ذلك الطبري ١٣/ ٣٩ عن مجاهد، وانظر: "الجامع" للقرطبي ١٦/ ٢٢٣.
(٣) انظر: "تفسير السمرقندي" ٣/ ٢٣٩، "تنوير المقباس" ص ٥٠٦.
(٤) هو: منبه بن الحجاج السهمي نديم جاهلي من أشراف قريش في الجاهلية وزنادقتها، قتله أبو قيس الأنصاري في وقعة بدر. "المحبر" ص ١٦١، "طبقات ابن سعد" ٢/ ١٨، "الأعلام" ٧/ ٢٨٩.
(٥) نبيه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة السعدي السهمي القرشي أبو الرزام شاعر من ذوي الوجاهة في قريش قبل الإسلام، قتل في وقعة بدر. "خزانة البغدادي" ٣/ ١٠١، "المحبر" ١٦٠، "الأعلام" ٨/ ٨.
هشام (١) وزمعة بن الأسود (٢) وحكيم بن حزام والحارث (٣) بن عامر بن نوفل.
قوله تعالى: ﴿أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ قال الكلبي (٤) ومقاتل (٥): أبطلها لأنها كانت في غير إيمان، يعني إطعامهم الطعام وصلتهم الأرحام.
قال أبو إسحاق: أحبطها فلا يرون في الآخرة لها ثواباً (٦) والمعنى: أنها تفسير كأن لم تكن، من قول العرب: ضل اللبن في الماء. وقال عطاء: يريد أضل كيدهم الذي كادوا به النبي -صلى الله عليه وسلم- (٧).
٢ - قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ قال مجاهد عن ابن عباس: يعني: الأنصار (٨).
وقال الكلبي: هم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- (٩).
(١) هو: العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى قتل يوم بدر، قيل قتله عمر وقيل غيره، وهو من المستهزئين وممن عمل على شق الصحيفة. انظر: "سيرة ابن هشام" ١/ ٣٧٥، "تاريخ الطبري" ٢/ ٣٣٦، "طبقات ابن سعد" ٢/ ١٨.
(٢) هو: زمعة بن الأسود بن عبد يغوث بن عبد الملك بن أسد أحد زعماء قريش في الجاهلية. انظر: "الكامل" لابن الأثير ٢/ ٦١، "سيرة ابن هشام" ١/ ٣١٥، "طبقات ابن سعد" ٢/ ١٨.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٢٣.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ص ٥٠٧.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٣.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٥.
(٧) أورد الثعلبي هذا القول ونسبه للضحاك. انظرت "تفسيره" ١٠/ ١٢٣ أ، وكذلك البغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٧٧، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٢٣.
(٨) أخرج ذلك الطبري ١٣/ ٢/ ٣٩، وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٢٤.
(٩) انظر: "تنوير المقباس" ص ٥٠٧.
212
وقال مقاتل: نزلت في بني هاشم وبني المطلب (١).
قوله تعالى: ﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ قال المبرد: البال الحال في هذا الموضع، وقد يكون في غير هذا القلب، يقول القائل: ما يخطر هذا على بالي، أي: على قلبي (٢)، قال مجاهد عن ابن عباس: أي: حالهم في الدنيا (٣)، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد: شأنهم (٤)، وذكرهما الكلبي فقال: حالهم وشأنهم (٥)، وقال مقاتل: زين أمرهم في الإسلام (٦).
وقال عطاء عن ابن عباس: يريد عصمهم أيام حياتهم (٧)، وهذا تفسير حسن مبينٌ لما أجمله المفسرون من إصلاح الأمر والشأن والحال، وقد علم أن الله لم يرد بذلك إعطاء المال والثروة؛ لأن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكونوا مياسير ذوي [ذروه (٨)] وإنما المراد بهذا الإصلاح، إصلاح الأعمال
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٣.
(٢) ذكر قول المبرد هذا النحاس في "إعراب القرآن" ٤/ ١٧٨، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٢٤، المؤلف في "الوسيط" ٤/ ١١٨.
(٣) أخرج الطبري عن قتادة وابن زيد قال: حالهم في الدنيا، انظر: ١٣/ ٢/ ٣٩.
(٤) أخرج ذلك الطبري عن ابن عباس ومجاهد ١٣/ ٢/ ٣٩، ونسبه الماوردي في "تفسيره" لمجاهد ٥/ ٢٩١، ونسبه القرطبي ١٦/ ٢٢٤ لمجاهد وغيره.
(٥) انظر: "تنوير المقباس" ص ٥٠٧.
(٦) الذي عند مقاتل: أصلح بالتوحيد حالهم في سعة الرزق ٤/ ٤٣.
(٧) ذكر ذلك البغوي في "تفسيره" عن ابن عباس قال: عصمهم أيام حياتهم يعني أن هذا الإصلاح يعود إلى إصلاح أعمالهم حتى لا يعصوا. انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٧٧. كما أورده بهذا النص أيضًا عن ابن عباس المؤلف في "الوسيط" ٤/ ١١٨.
(٨) كذا رسمها في الأصل، وهي إما أن تكون تصحيف: ثروة، أو يكون معناه: مأخوذ من ذروة الشيء، وهو آعلاه: أي لم يكونوا من ذوي الذروة وهي المنزلة العالية في الغنى والسعة في المال.
213
حتى لم يعصوا.
٣ - ثم ذكر السبب في ذلك قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ﴾ أي: ذلك الإضلال والإصلاح لاتباع الذين كفروا الباطل، قال ابن عباس: يعني الشرك (١)، وقال مقاتل: يعني عبادة الشيطان (٢).
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ قال ابن عباس: يعني التوحيد وتصديق النبي -صلى الله عليه وسلم- (٣)، وقال مقاتل: يعني القرآن (٤).
﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ﴾ قال عطاء: يريد: فمصير الذين كفروا إلى النار، ومصير الذين آمنوا إلى الجنة (٥).
وقال مقاتل: يعني حين ذكر إضلال أعمال الكفار وتكفير سيئات المؤمنين (٦).
قال أبو إسحاق: أي كذلك يبين الله للناس أمثال حسنات المؤمنين وسيئات الكافرين، أي كالبيان الذي ذكر، انتهى كلامه (٧)، والضمير في (أمثالهم) يعود إلى الذين كفروا والذين آمنوا (٨).
ومعنى (أمثالهم): ما ذكر من إضلال أعمال أولئك الكفرة، فصار
(١) انظر: "تفسير أبي الليث" السمرقندي ٣/ ٢٤٠، و"الجامع" للقرطبي ١٦/ ٢٢٥.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٤.
(٣) قال القرطبي: الحق: التوحيد والإيمان ولم ينسبه انظر: "الجامع" ١٦/ ٢٢٥.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٤.
(٥) لم أقف عليه.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٤.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦.
(٨) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٢٥، "الدر المصون" ٦/ ١٤٦.
ذلك مثلاً لمن كان على مثل شأنهم وما ذكر من تكفير سيئات أولئك المؤمنين، فصار ذلك مثلاً لمن كان على مثل شأنهم، فمن كان كافراً أضل الله عمله، ومن كان مؤمناً كفَّر (سيئه)، هذا معنى قوله: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ﴾، وجائز أن يعود الضمير إلى الناس وهم الكفار والمؤمنون (١).
ولما ذكر ما يعمل بالكفار علم المؤمنين كيف يصنعون بهم إذا لقوهم فقال:
٤ - قوله تعالى (٢): ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ قال أبو عبيدة: هذا كقول العرب: يانفس صبراً (٣)، وقال الفراء: نصب على الأمر، والذي نصب به مضمر (٤).
قال أبو إسحاق: معناه: فاضربوا الرقاب ضرباً، منصوب على الأمر وتأويله: فاقتلوهم، ولكن أكثر مواضع القتل ضرب العنق، فأعلمهم الله كيف القصد، وليس يتوهم بهذا أن الضرب محصور على الرقبة فقط (٥).
قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ﴾ قال ابن عباس: أكثرتم القتل ومضى تفسير الإثخان (٦) عند قوله: ﴿حَتَّى يُثْخِنَ في الْأَرْضِ﴾ [الأنعام: ٦٧]
(١) انظر: "الدر المصون" ٦/ ١٤٦.
(٢) كذا نصها في الأصل.
(٣) انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢١٤.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٥٧.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦.
(٦) قال الأزهري: ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾، قال أبو العباس: معناه: حتى إذا عليتموهم وقهرتموهم وكثر فيهم الجراح فأعطو بأيديهم. قال: وقال ابن الأعرابي: أثخن: إذا غلب وقهر وقال أبو زيد: يقال: أثخنت فلانًا معرفة: أي: قتلته معرفة، ورصنته معرفة: نحو الإثخان. انظر: "تهذيب اللغة" (ثخن) ٧/ ٣٣٤.
215
وقوله: ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ قال ابن عباس والمفسرون: يريد الأسر يعني إذا بالغتم في قتلهم فأسروهم، فالأمر بعد المبالغة في القتل (١) كما قال: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ في الْأَرْضِ﴾ [الأنفال: ٦٧] وأما الوثاق: فهو اسم من الإيثاق، وقد يوضع موضع المصدر يقال: أوثقه إيثاقًا ووثاقاً، ومنه قوله: ﴿وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ [الفجر: ٢٦] والوِثاق بالكسر اسم الشيء الذي يوثق به كالرباط (٢).
قال المفسرون: أمر الله تعالى بشد وثاق الأسارى كيلا يقتلوا ويهربوا (٣)، فأمر أولاً بالقتل ثم بالأسر، ثم ذكر الحكم في الأسر بقوله: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ قال أبو إسحاق: أي بعد أن تأسروهم إما مننتم عليهم منًّا، فأطلقوهم بغير عوض، وإما أن تفدوا فداء (٤)، واختلف المفسرون في هذه الآية، فذهب كثير منهم إلى هذا الحكم، وهو المن والفداء منسوخ بالقتل، وهو قوله ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] وهو قول مجاهد وقتادة والحسن ومقاتل والضحاك والسدي وابن جريج ورواية عطاء عن ابن عباس قالوا: إما السيف وإما الإسلام (٥).
(١) قال الزجاج: ﴿أَثْخَنْتُمُوهُمْ﴾ أكثرتم فيهم القتل. فالأسر بعد المبالغة في القتل. انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦، وذكر هذا المعنى البغوي في "تفسيره" ولم ينسبه ٧/ ٢٧٨، وابن الجوزي في "زاد المسير" ولم ينسبه ٧/ ٣٩٧، وقال السمرقندي: يعني: حتى إذا قهرتموهم وأسرتموهم فشدوا الوثاق يعني: فاستوثقوا أيديهم من خلفهم. انظر: "تفسير أبي الليث" ٣/ ٢٤٠.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (وثق) ٩/ ٢٦٦، "اللسان" (وثق) ١٠/ ٣٧١.
(٣) ذكر ذلك الطبري في "تفسيره" ١٣/ ٢/ ٤٠.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦.
(٥) أخرج الطبري قول ابن جريج والسدي وقتادة وابن عباس والضحاك. انظر: =
216
وقال سعيد بن جبير: إذا أثخن بالقتل فادى ومنّ (١) وقال الشعبي: الأسير يمن عليه، أو يفادى، وهذا مذهب ابن عمر وعطاء ورواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (٢) قال في قوله: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى﴾ [الأنفال: ٦٧] الآية قال: ذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله في الأسارى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ فجعل الله النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين بالخيار في الأسارى إن شاؤوا قتلوهم، وإن شاؤوا استعبدوهم، وإن شاؤوا فادوهم (٣) ونحو هذا روى المبارك بن فضالة عن الحسن.
قال أبو عبيد (٤): والقول عندنا هذا، ولم يزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان (٥) عاملاً بهذه الأحكام التي أباحها له في الأسارى حتى توفاه الله على ذلك، ولا نعلمه نسخ شيء منها، بل كان يعمل بها على ما أراه الله من الأحكام التي أباحها له في الأسارى، وجعل الخيار والنظر فيها إليه حتى قبضه الله
= "تفسيره" ١٣/ ٢/ ٤١، وذكر القرطبي قول قتادة ومجاهد. انظر: "الجامع" ١٦/ ٢٢٧، "تفسير البغوي" ٧/ ٢٧٨، وانظر: "النا سخ والمنسوخ" للنحاس ٣/ ٥، "نواسخ القرآن" لابن الجوزي ص ٤٦٦.
(١) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٢٨.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٢/ ٤١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٢٨، "تفسير البغوي" ٧/ ٢٧٨.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٤١، "تفسير البغوي" ٧/ ٢٨٧.
(٤) انظر: "الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز" لأبي عبيد ص ٢١١.
(٥) كذا رسمها في الأصل ووردت كذلك في إحدى نسخ كتاب "الوسيط" للمؤلف وعند أبي عبيد بلفظ: (وذلك أنه كان عاملًا بالآبات كلها من القتل والفداء والمن حتى توفاه الله). ص ٢١١.
217
على ذلك، لم ينسخ من أحكامهم شيء، والإمام مخير في الذكور والمذكورين منهم بين أربع خلال وهي: القتل والاسترقاق والفداء والمن، إذا لم يدخل ذلك ميل بهوى في العفو ولا طلب الذّحل (١) في العقوبة، ولكن على النظر للإسلام وأهله، هذا كلامه (٢).
ومذهب الشافعي رحمه الله مثل ما ذكر (٣) في أحكام الأسارى من تخير الإمام في هذه الأربع الخلال في الأسارى الوثنية وفي أهل الكتاب (٤)، يزيد حكم خامس؛ وهو: أخذ الجزية عنهم إذا قبلوها وإن كان بعد الأسر.
قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ تفسير الأوزار ومأخذها من اللغة قد تقدم (٥).
(١) طلب الذحل: أي طلب الثأر. وقيل: وطلب مكافأة بجناية جنيت عليك أو عداوة أتيت إليك. انظر: "تهذيب اللغة" (ذحل) ٤/ ٤٦٥، "اللسان" (ذلل) ١١/ ٢٥٦.
(٢) الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص ٢١١ - ٢١٦.
(٣) انظر: "أحكام القرآن" للشافعي ١/ ١٥٨.
(٤) قال ابن قدامة: من أسر من أهل الحرب على ثلاثة أضرب: أحدها النساء والصبيان. فلا يجوز قتلهم ويصيرون رقيقًا للمسلمين؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قتل النساء والولدان، وكان عليه الصلاة والسلام يسترقهم إذا سباهم. الثاني: الرجال من أهل الكتاب والمجوس الذين يقرون بالجزية فيتخير الإمام فيهم بين أربعة أشياء: القتل، والمن بغير عوض، والمفاداة بهم، واسترقاقهم. الثالث: الرجال من عبدة الأوثان وغيرهم ممن لا يقر بالجزية فيتخير الإمام فيهم بين ثلاثة أشياء: القتل أو المن والمفاداة ولا يجوز استرقاقهم، وعن أحمد جواز استرقاقهم وهو مذهب الشافعي. وبما ذكرنا في أهل الكتاب قال الأوزاعي والشافعي وأبو ثور. انظر: "المغني" لابن قدامة ١٣/ ٤٤.
(٥) قال الفراء في قول الله جل وعز: ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ قال: يريد آثامها وشركها حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم. انظر: "تهذيب اللغة" (وزر) ١٣/ ٢٤٣، =
218
قال أبو إسحاق: (حتى) موصولة بالقتل والأسر، المعنى: فاقتلوهم وأسروهم حتى تفسع العرب أوزارها (١). قال ابن عباس في رواية عطاء: حتى لا يبقى أحد من المشركين (٢)، يريد عبدة الأوثان.
وقال مجاهد: حتى لا يكون دين إلا الإسلام (٣).
وقال الحسن: حتى يعبد الله ولا يشرك به (٤).
وقال سعيد بن جبير: يعني خروج عيسى بن مريم (٥)، ونحو هذا قال مقاتل: وقال: أراد بالأوزار الشوك (٦)، وقال قتادة: حتى لا يكون شرك (٧).
وقال ابن حيان (٨): حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وهذه الأقوال معناها واحد وهو ما ذكره الفراء فقال: (أوزارها) آثامها وشركها، والمعنى: حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، قال: والهاء التي في (أوزارها) للحرب، وإنما يراد أوزار أهلها، وهم أهل الشرك خاصة كقولك: حتى تنفي الحرب
= "اللسان" (وزر) ٤/ ٢٨٢. وقال ابن قتيبة: أجل الوزر: ما حملته فسمي السلاح. أوزارًا لأنه يحمل. انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤٠٩.
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦.
(٢) أورد هذا القول ابن الجوزي في "زاد المسير" ولم ينسبه ٧/ ٣٩٧، ونسبه في "الوسيط" لابن عباس انظر: ٤/ ١٢٠.
(٣) ذكر ذلك ابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٣٩٧، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٢٨، و"تفسير الوسيط" ٤/ ١٢٠.
(٤) انظر: "تفسير الحسن البصري" ص ٢٨٨، "الدر المنثور" ٧/ ٤٥٩.
(٥) ذكر ذلك ابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٣٩٧، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٢٨، والمؤلف في "الوسيط" ٤/ ١٢٠.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٤.
(٧) أخرج ذلك الطبري عن قتادة انظر: "تفسيره" ١٣/ ٤٢.
(٨) أي مقاتل بن حيان، ولم أقف عليه.
219
أوزارها، يريد أوزار المشركين (١) هذا كلامه. وتأويله: حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين بأن يسلموا فلا يبقى دين غير الإسلام ولا يعبد وثن. والأوزار في هذا التفسير بمعنى الإجرام والآثام، وهذا المعنى موافق لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال" (٢).
قال أبو إسحاق: أي: اقتلوهم وأسروهم حتى يؤمنوا، فما دام الكفر فالجهاد والحرب قائمة أبداً (٣).
وذُكر في هذا المعنى وجهان آخران. أحدهما: أن معنى الأوزار هاهنا الأسلحة وآلات الحرب، وهو اختيار أبي عبيد (٤) وابن قتيبة (٥) واحتجَّا بقول الأعشى:
وَأَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ أَوْزَارَهَا رِمَاحاً طِوالاً وَخَيْلاً ذُكُورا (٦)
ففسر الأوزار بالرماح، قال ابن قتيبة: وأصل الوزر ما حملته، فسمي السلاح أوزاراً؛ لأنه يحمل، قال: والمعنى: حتى تضع أهل الحرب
(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٥٧.
(٢) قطعة من حديث أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب ٣٥، في الغزو مع أئمة الجور ٣/ ٤٠، كما أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" برقم ٢٣٦٧، عن أنس -رضي الله عنه- ٢/ ١٤٣، وأورده الزيلعي في "نصب الراية" وقال: قال المنذري في مختصره: يزيد بن أبي نُشْبَة في معنى المجهول، وقال عبد الحق: يزيد بن أبي نُشْبَة هو رجل من بني سليم، لم يرو عنه إلا جعفر بن برقان. انظر: "نصب الراية" ٣/ ٣٧٧.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦.
(٤) انظر: قول أبي عبيد في "تهذيب اللغة" (وزر) ١٣/ ٢٤٤.
(٥) انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤٠٩.
(٦) انظر: "ديوان الأعشى" ص ٧١، "تهذيب اللغة" ١٣/ ٢٤٤، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤٠٩، "الدر المصون" ٦/ ١٤٧، و"الجامع" ١٦/ ٢٢٩.
220
السلاح، ثم يعود هذا إلى ما ذكره الفراء: حتى يسلموا أو يسالموا (١).
الوجه الثاني: أن معنى الحرب هاهنا: القوم المحاربون، يقال: هؤلاء حرب لفلان، إذا كانوا يعادونه ويحاربونه. والتأويل: حتى يضع المحاربون لملة الإسلام السلاح والشرك والآثام بالسلم والإسلام (٢)، وللحرب تأويلان وللأوزار تأويلان على [ذكرنا (٣)].
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ﴾ قال أبو إسحاق: الأمر ذلك، قال: ويجوز أن يكون منصوباً على معنى: افعلوا ذلك (٤).
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد بغيركم (٥).
وقال مقاتل: لانتصر منهم بملك واحد (٦)، والمعنى: إن الله تعالى قادر على الانتصار منهم بغيركم من الملائكة، أو يهلكهم ويعذبهم بما يشاء، ﴿وَلَكِنْ﴾ يأمركم بالحرب ﴿لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾ قال ابن عباس: يريد مَنْ قُتِلَ من المؤمنين فمصيره إلى النعيم والثواب، ومن قُتِل من
(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٥٧.
(٢) انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٧٩، و"زاد المسير" لابن الجوزي ٧/ ٣٩٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٢٩.
(٣) كذا في الأصل ولعل الصواب (على ما ذكرنا).
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٧.
(٥) ذكر القرطبي قول ابن عباس لكن بلفظ: (لأهلكم بجند من الملائكة) ١٦/ ٢٣٠.
(٦) هذا القول غير موجود في "تفسير مقاتل" عند هذه الآية انظر ٤/ ٤٤، وقد أورده السيوطي بلفظ: (لأرسل عليهم ملكًا فدمر عليهم) وعزاه لابن المنذر وابن جريج. انظر: "الدر المنثور" ٧/ ٤٦١، ونسبه القرطبي لابن عباس بلفظ: "لأهلكهم بجند من الملائكة" انظر: "الجامع" ١٦/ ٢٣٠.
221
المشركين فمصيره إلى العذاب، [وهو (١)] الذي ذكر ابن عباس هو معنى الابتلاء، وذلك أن الله تعالى ابتلى الفريقين أحدهما بالآخر ليثبت المؤمن ويكرمه بالشهادة، ويخزي الكافر ويذله بالقتل.
وقال أبو إسحاق: أي ليمحص المؤمنين وليمحق الكافرين (٢).
قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي جاهدوا المشركين.
﴿فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ يعني: كما يضل أعمال الذين كفروا في قوله: ﴿أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾، وقرأ أبو عمرو: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ والوجه قراءة العامة؛ لأنها أعم من حيث إنها تشمل مَنْ قاتل ولم يقتل، ومن قاتل وقُتل وقد حصل للمقاتل الثواب كما حصل للمقتول، فكان أولى لعمومه. وعلى قراءة أبي عمرو يختص المقتول (٣) بقوله: ﴿فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ وحجة أبي عمرو (٤) ما قال قتادة (٥) ومقاتل (٦): أن المراد بقوله: (والذين قتلوا في سبيل الله) قتلى أحد من المؤمنين، غير أن قوله:
(١) كذا رسمها، ولعل الصواب (وهذا) وانظر هذا القول في "الوسيط" ٤/ ١٢٠.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٧.
(٣) هذا المحظور لا يرد على هذه القراءة. فالتعبير بـ (قتلوا) لبيان أن القتال مظنة القتل ولو لم يُقتل المقاتل فإنه كان معرضًا نفسه لذلك. وعليه فحتى على هذه القراءة لا يختص ما ورد فيها من مثوبة بمن قتل فحسب. وبذلك لا يعكر على "تفسيره" ما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما-.
(٤) انظر: "الحجة" لأبي علي الفارسي ٦/ ١٩٠، "الكشف عن وجوه القراءات" لمكي ٢/ ٢٧٦، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٦٦٦.
(٥) أخرج ذلك الطبري عن قتادة انظر: "تفسيره" ٢٣/ ٤٤، وذكره عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٢١، والبغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨٠.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" إلا أنه قال قتلى بدر ٤/ ٤٥، وقال أبو الليث السمرقندي قتلى يوم أحد وبدر. انظر: "تفسيره" ٣/ ٢٤١.
222
٥ - ﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾ ينقض هذا القول، فإن ابن عباس قال: سيهديهم إلى أرشد الأمور ويعصمهم أيام حياتهم في الدنيا (١)، وهذا لا يحسن وصف المقتولين، وحمل أبو إسحاق إصلاح البال في الموضعين من هذه السورة على إصلاح أمر المعاش وحال الدنيا، وقال: أراد أنه يجمع له خير الدنيا والآخرة، واحتج بقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [المائدة: ٦٦] إلى قوله: ﴿لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ وبقوله: ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [نوح: ١١] إلى قوله: ﴿أَنْهَارًا﴾ (٢) ويمكن أن يقال على قول قتادة ومقاتل [يعني (٣)] الآية: سيهديهم إلى طريق الجنة ويصلح بالهم، وحالهم في الآخرة بإرضاء خصومهم وقبول أعمالهم وما شاكل ذلك.
٦ - وقوله: ﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ قال ابن عباس في رواية أبي صالح: إذا دخلوا الجنة حياهم الله بما يحيون به، وأعطاهم ما أعطاهم، ثم يقال لهم تفرقوا إلى منازلكم فيتفرقون إليها، فلهُم أعرفُ بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم (٤).
وقال مجاهد: يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم لا يخطئون، كأنهم
(١) ذكر ذلك ابن الجوزي ونسبه لابن عباس ولم يذكر قوله: (ويعصمهم...). انظر: زاد المسير" ٧/ ٣٩٨، وذكره المؤلف في "الوسيط" عن ابن عباس. انظر: ٤/ ١٢١.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٧.
(٣) في الأصل كتبت (يعني) ولعل الصواب (معنى).
(٤) أخرج الطبري عن مجاهد وابن زيد نحو هذه الرواية. انظر: "تفسيره" ١٣/ ٢/ ٤٤، وكذلك ذكر نحوه البغوي ونسبه لأكثر المفسرين. انظر: "تفسيره" ٧/ ٢٨٠، وكذلك ذكره القرطبي في "الجامع" ١٦/ ٣٢١ ولم ينسبه، وذكره في "الوسيط " ولم ينسبه انظر: ٤/ ١٢١.
223
ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحداً (١).
هذا قول عامة المفسرين وأهل المعاني (٢) وتلخيصه ما قال أبو عبيدة: (عرفها لهم): بينها لهم حتى عرفوها من غير استدلال (٣)، على أن مقاتل بن حيان جعل هذا تعريفًا باستدلال، فإنه يقول: بلغنا أن الملك الذي وكل بحفظ عمل ابن آدم يمشي في الجنة ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له فيعرفه كل شيء أعطاه الله في الجنة، فإذا دخل إلى منزله وأزواجه انصرف الملك عنه، فهذا تعريف بوساطة الملك (٤)، والأول تعريف من قبل الله تعالى، وروي عن سلمة بن كهيل أنه قال: (عرفها لهم) طرقها (٥) وعلى هذا التعريف واقع على الطرق إلى الجنة، على معنى: إن الله يعرفهم طرقها حتى يهتدوا إليها، ويكون التقدير: عرف طرقها لهم، فحذف المضاف (٦).
وقال الحسن: وصف الله الجنة في الدنيا لهم فإذا دخلوها عرفوها بصفتها (٧). وعلى هذا القول هذا التعريف وقع في الدنيا. ويكون المعنى:
(١) أخرج ذلك الطبري عن مجاهد. انظر: "تفسيره" ١٣/ ٤٤، وأورده الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٥ أ، وأورده البغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨٠.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٥٨، "تفسير غريب القرآن" لابن قتية ص ٤٠٩، "معاني القرآن" للنحاس ٦/ ٤٦٥.
(٣) انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢١٤.
(٤) ذكر ذلك أبو حيان في البحر المحيط ونسبه لمقاتل. انظر: البحر ٨/ ٧٥. وذكره الشوكاني مختصرًا ونسبه لمقاتل انظر: "فتح القدير" ٥/ ٣١.
(٥) ذكر ذلك النحاس في "معاني القرآن" ونسبه لسلمة بن كهيل ٦/ ٤٦٦، وذكر معنى هذا القول الشوكاني في "فتح القدير" ولم ينسبه ٥/ ٣١.
(٦) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣١.
(٧) ذكر ذلك الماوردي في "تفسيره" ونسبه للحسن ٥/ ٢٩٤، وانظر: "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٢٨٨، ونسبه القرطبي للحسن. انظر: "الجامع" ١٦/ ٢٣١.
224
يدخلهم الجنة التي عرفها لهم، واللام في (لهم) لام الأجل، وهذه الأقوال كلها من التعريف الذي هو واقع المعرفة.
وروي عن ابن عباس قول آخر، قال عطاء: يريد طيبها لهم (١)، وهذا القول اختيار المؤرج (٢) وأصحاب اللغة (٣) وأصله من العَرْف وهو الرائحة الطيبة، وطعام مُعرّف، أي: مطيب، وأنشدوا قول الأسود بن يعفر:
فَتُدخِلُ أيدٍ في خناجرَ أُقْنِعت لِعَادتِها من الخَزِيرِ المُعَرَّفِ (٤)
وعلى هذا معنى الآية: طيبها لهم بما خلق فيها من الروائح الطيبة، وقال بعض أهل المعاني: طيبها لهم بضروب الملاذ التي تتقبلها النفس تقبل ما تعرفه ولا تنكره (٥)، وروى أبو العباس عن بعضهم في قوله: (عرفها لهم). قال: هو وضع الطعام بعضه على بعض من كثرته، وخزير معرَّف بعضه على بعض (٦)، وعلى هذا القول هو من العُرْف المتتابع كعُرْف الفرس.
(١) ذكر هذا القول الماوردي في "تفسيره"، ولم ينسبه ٥/ ٢٩٤، ونسبه في "الوسيط" لعطاء عن ابن عباس ٤/ ١٢١، وذكره البغوي ونسبه لعطاء ٧/ ٢٨٠.
(٢) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٥ أ.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (عرف) ٢/ ٣٤٥.
(٤) البيت استشهد به ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ولم ينسبه ص ٤١٠، وهو في "تهذيب اللغة" منسوب للأسود بن يعفر ٢/ ٣٤٥، ومعنى أقنعت: مدت ورفعت للفم والخزير: الحساء من الدسم.
وقد استشهد بالبيت الثعلبي في "تفسيره" ولم ينسبه ١٠/ ١٢٥ أ.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للنحاس ٦/ ٤٦٦، و"زاد المسير" ٧/ ٣٩٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣١.
(٦) أنظر: قول أبي العباس في "تهذيب اللغة" (عرف) ٢/ ٣٤٥، وفي "الجامع لأحكام القرآن" من غير نسبة ١٦/ ٢٣١.
225
٧ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ قال أهل المعاني: إن تنصروا دين الله (١) ورسوله بالجهاد، إلا أنه أضيف النصر إلى الله تفخيماً لشأنه وتعظيماً وتلطفاً في الاستدعاء إليه كالتلطف في ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] وقوله: ﴿يَنْصُرْكُمْ﴾ أي بالغلبة على عدوكم ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ قال الكلبي ومقاتل: يعني عند القتال (٢)، وقيل: علي الإسلام (٣)، وروي عن ابن عباس على الصراط (٤).
٨ - قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ قال الكلبي: يعني: كفار قريش (٥)، وقال قتادة: هي للكفار خاصة (٦)، وهذا أشبه لأن قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ﴾ يعم المؤمنين كلهم، كذلك ما بعده من حكم الكفار، ومعنى التَّعْس في اللغة: قال النضر: التعس: الهلاك. وتعس: هلك (٧).
وقال أبو الهيثم: تعس يتعس معناه: انكب وعثر فسقط على يديه، وأتعسه الله (٨).
(١) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٤/ ١٨٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٢.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ص ٥٠٧، "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٥.
(٣) ذكر هذا القول والذي قبله الثعلبي في "تفسيره" ولم ينسبهما ١٠/ ١٢٥ أ، وكذلك القرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٣٢.
(٤) ذكر هذا القول القرطبي في "الجامع" ولم ينسبه ١٦/ ٢٣٢، وكذلك ذكره الشوكاني مع القولين السابقين ولم ينسبها. انظر: "فتح القدير" ٥/ ٣١.
(٥) قال في "تنوير المقباس": (أبطل حسناتهم ونفقاتهم يوم بدر) ص ٥٠٧.
(٦) أخرج الطبري عن قتادة قال: هي عامة للكفار ١٣/ ٤٦.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" (تعس) ٢/ ٧٨.
(٨) انظر: "اللسان" (تعس) ٦/ ٣٢.
226
وقال أبو إسحاق: التعس في اللغة: الانحطاط والعثور (١).
وروى أبو عبيد عن أبي عبيدة: تعسه الله وأتعسه في باب فعَلت وأفعلت بمعنى واحد، قال شمر: لا أعرف: تعسه الله، ولكن يقال: تعس بنفسه وأتعسه الله، وذكر عن الفراء قال: يقال تَعَسْتَ، إذا خاطبت الرجل. فإذا صرت إلى أن تقول فَعَل قلت: تعِس بكسرالعين، قال شمر: وهكذا سمعته في حديث عائشة: تعس مسطح (٢)، وأنكر شميل، وأبو الهيثم: تعس بكسر العين. قال ابن شميل: تقول العرب: تَعِسَ فما انتعش وشيكَ فلا انْتَقَشْ إذا دعيت (٣) على إنسان، وأنشد (٤) أبو الهيثم بيت الأعشى:
فالتَّعْسُ أَدْنَى لهَا من أنْ أَقول لَعَا (٥)
قال: ولا يجوز تعس، ولو جاز لقال: فالتعس أدنى لها، هذا قول
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨.
(٢) أخرج ذلك البخاري عن عائشة رضي الله عنها. انظر: "صحيح البخاري"، كتاب التفسير باب ٢٥، ومن سورة النور ٥/ ٣٣٢.
(٣) نص الحديث عند البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش..). انظر: "صحيح البخاري" كتاب الجهاد والسير، باب ٧٠، الحراسة في الغزو في سبيل الله ٣/ ٢٢٢.
(٤) انظر: هذا النص من قوله: روى أبو عبيد عن أبي عبيدة في "تهذيب اللغة" (تعس) ٢/ ٧٨ وانظر: "اللسان" (تعس) ٦/ ٣٢.
(٥) انظر: "ديوان الأعشى" ص ١٠٥، و"تهذيب اللغة" (تعس) ٢/ ٧٩، "اللسان" (تعس) ٦/ ٣٢، والكشاف ٣/ ٤٥٤، وقال في مشاهد الإنصاف: يقال للعاثر لعا لك، دعاء له بالانتعاش وتعسًا لك دعاء عليه بالسقوط، يريد أنها لا تعثر ولو عثرت فالدعاء عليها أحق بها من الدعاء لها. انظر: "مثساهد الإنصاف على شواهد الكشاف" ص ٧٦.
227
أهل اللغة في تفسير التعس وتعريفه.
وأما المفسرون، فقال ابن عباس: يريد في الدنيا العثرة وفي الآخرة التردي في النار (١).
وقال مقاتل: فنكسًا لهم. قال: ويقال: فخيبة لهم (٢)، وهو قول الضحاك (٣)، وقال أبو العالية: سقوطًا لهم (٤)، وقال ابن زيد: شقاء (٥).
وقال ابن جرير: فخزياً وبلاء (٦). وقال المبرد: فمكروهًا لهم وسوءًا قال: وإنما يقال هذا لمن دُعي عليه بالشر والهلكة (٧).
وأما إعراب الآية ونظمها فقال أبو إسحاق: (الذين) في موضع رفع على الابتداء ويكون: (فتعسًا لهم) الخبر (٨)، قال صاحب النظم: موضع الفاء جزم على الجزاء؛ لأنه منسوق على قوله: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ وإنما جاء بالفاء في الجواب؛ لأن ذلك لم يوجبه عليهم إلا بشريطة الكفر،
(١) ذكر ذلك أبو حيان في البحر منسوبًا لابن عباس لكن بلفظ: (في الدنيا القتل..). انظر: البحر المحيط ٨/ ٧٦، وذكره البغوي في "تفسيره" ولم ينسبه. انظر: "تفسيره" ٧/ ٢٨١، ونسبه الزمخشري لابن عباس لكن بلفظ: (في الدنيا القتل وفي الآخرة التردد في النار). انظر: "الكشاف" ٣/ ٤٥٤.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٥.
(٣) ذكر ذلك البغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨١، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٣٢.
(٤) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٥ أ، والبغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨١.
(٥) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٥ أ، والبغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨١، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٣٢.
(٦) انظر: "جامع البيان" للطبري ١٣/ ٤٥.
(٧) لم أقف على هذا القول.
(٨) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨.
228
وهذا الذي قال صاحب النظم قد تقدم شرحُه في مواضع، منها قوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [البقرة: ٢٧٤] إلى قوله: ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ وقوله: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ﴾ [البقرة: ١٨٤] ﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٩٥] وانتصب (تعسًا) على الدعاء كما تقول: سقياً له ورعياً، على معنى: سقاه الله سقياً، ورعاه رعياً، كذلك هاهنا تعسهم الله تعساً على قول أبي عبيدة وعلى قول غيره: أتعسهم الله فتعسوا تعساً (١)، ولهذا التقدير عطف بقوله: ﴿وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ على ﴿فَتَعْسًا﴾ لأن التقدير: فأتعسهم الله وأضل أعمالهم، قاله الفراء (٢).
٩ - قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ﴾ أي: ذلك الإتعاس والإضلال ﴿بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ وقال الفراء والزجاج: كرهوا القرآن ونبوة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وسخطوا ما أنزل الله عليه (٣)، وهذا معنى قول المفسرين (٤).
وقال سفيان وعمرو بن ميمون: كرهوا الفرائض (٥) التي أنزل الله من الصلاة والزكاة.
﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ قال ابن عباس ومقاتل: يعني: ما عملوا من شيء يريدون به الله؛ لأنها لم تكن في إيمان، ولا يقبل الله إلا من المتقين (٦).
(١) انظر: "تهذيب اللغة" (تعس) ٢/ ٧٩، "الدر المصون" ٦/ ١٤٨.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٥٨.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٥٩، "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨.
(٤) انظر: "جامع البيان" للطبري ١٣/ ٤٦، "تفسير السمرقندي" ٣/ ٢٤٢.
(٥) أورد ذلك السيوطي في "الدر المنثور" عن عمرو بن ميمون وعزاه لابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن المنذر. انظر: "الدر المنثور" ٧/ ٤٦٢، ولم أقف على نسبته لسفيان.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٥، و"القرطبي" ١٦/ ٢٣٣ فقد ذكر معنى هذا القول ولم ينسبه.
ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية فقال:
١٠ - قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ قال مجاهد: أمثال ما دمربه القرون الأولى، وعيد من الله لهم (١)، وقال مقاتل: وللكافرين من هذه الأمة أمثالها من العذاب (٢).
وقال عطاء: يريد لمن كذَّب النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ما أصاب الأمم قبلهم، قال أبو إسحاق: أي: أمثال تلك العاقبة من الهلاك، فأهلك الله -عز وجل- بالسيف من أهلكه من كفار هذه الأمة (٣)، هذا هو الصحيح في تفسير هذه الآية، وهو أن هذا الوعيد قد لحقهم.
وقال مقاتل بن حيان في قوله: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾: يعني: عذاباً ينزل من السماء يصيب قرناً ولم يكن بعد، وإنما حمله على هذا القول أن عذاب الذين كانوا من قبلهم نزل من السماء كالصيحة والرجفة والغرق، ولم يكن بيد المؤمنين، ولما قال الله تعالى: (أمثالها) حملها على ما ينزل من السماء كشأن ما قبلها من عذاب الأمم (٤)، والصحيح هو الأول؛ لأن الله تعالى أراد أمثالها في الإهلاك والتدمير.
١١ - قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ﴾ قال مقاتل: ذلك النصر، يعني قوله: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ ثم ذكر سبب ذلك النصر فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ
(١) أخرج ذلك الطبري عن مجاهد. انظر: "جامع البيان" ١٣/ ٤٦، وأورد ذلك السيوطي في "الدر المنثور" ٧/ ٤٦٣ وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل": ٤/ ٤٥.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨.
(٤) لم أقف على هذا القول.
آمَنُوا} (١)، قال ابن عباس: ناصر الذين صدقوا (٢)، وقال مجاهد ومقاتل ابن حيان والكلبي: يعني: ولي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينصرهم على عدوهم (٣).
﴿وَأَنَّ الْكَافِرِينَ﴾ كفار قريش ﴿لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ لا ولي لهم ولا ناصر لهم.
قال أبو إسحاق: المعنى ذلك بأن الله يتولى الذين آمنوا في هدايتهم والنصر على عدوهم، وبأن الكافرين لا ولي لهم ينصرهم من الله في هداية ولا في علو على المؤمنين (٤).
وقال غيره من أهل المعاني (٥): المولى هو الجاعل نصرته على من أرادها له، وكل مؤمن فالله مولاه بنصره إياه، وكل كافر فلا مولى له ينصره من عقاب ربه فهو يُسَلَّمُ لهلاكه، ولهذا المعنى لا يقال: الله مولى الكافرين؛ لأنه لا يتولاهم.
وقد روينا عن علي -رضي الله عنه- بإسناد أذكره في مسند التفسير إن شاء الله، قال الأبهري لابن الكوا: مَنْ رَبُّ الناس؟ قال: الله، قال: فمن مولى الناس؟ قال: الله، قال: كذبت، الله مولى الذين آمنوا والكافرين لا مولى لهم (٦).
ثم ذكر حال الكفار ومآلهم فقال:
١٢ - قوله تعالى: ﴿وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ﴾ قال
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٥.
(٢) ذكر هذا القول القرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٣٤.
(٣) لم أقف على قول هؤلاء.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٨.
(٥) لم أقف على هذا القول.
(٦) ذكر ذلك المؤلف في "تفسيره الوسيط" ٤/ ١٢٢.
ابن عباس: يريد في الدنيا، ويأكلون كما تأكل الأنعام (١)، قال الكلبي: الأنعام تأكل وتشرب ولا تدري ما في غد، وهكذا الكفار (٢)، وقال مقاتل: يأكلون ولا يلتفتون إلى الآخرة، كما تأكل الأنعام ليس لها هَمّ إلا الأكل والشرب في الدنيا (٣) ﴿وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ منزل ومقام ومصير ومأوى، كل هذا من ألفاظ المفسرين (٤).
ثم خوفهم ليحذروا فقال:
١٣ - قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ﴾ يعني: مكة ﴿الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ خرج الكلام على القرية والمراد أهلها، وهكذا ذكر المفسرون، قال ابن عباس: وكأين من رجال هم أشد من أهل مكة (٥)، وقال أبو إسحاق: المعنى: وكم من أهل قرية هم أشد قوة من أهل قريتك التي أخرجك أهلها (٦)، يدل على هذا قوله: ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ قال مقاتل: أي بالعذاب حين كذبوا رسلهم (٧).
﴿فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ﴾ قال ابن عباس: فلم يكن لهم ناصر (٨).
(١) لم أقف عليه.
(٢) أورد هذا القول: الثعلبي في "تفسيره"، ولم ينسبه. انظر: ١٠/ ١٢٥ ب، وكذلك ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير"، ولم ينسبه. انظر: ٧/ ٤٠٠.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٥ - ٤٦.
(٤) انظر: "جامع البيان" للطبري ١٣/ ٤٧، "تفسير السمرقندي" ٣/ ٢٤٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٥.
(٥) ذكر ذلك البغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨٢.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٩.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٦.
(٨) ذكر ذلك المؤلف في "الوسيط" عن ابن عباس. انظر: "تفسير الوسيط" ٤/ ١٢٢.
قال الفراء: ويجوز إضمار (كان) وإن كنت قد نصبت الناصر بالتبرية، قال: ويكون: (أهلكناهم فلا ناصر لهم) الآن، هذان وجهان ذكرهما الفراء في نظم الآية. أحدهما: إضمار كان. والآخر: أن يكون المعنى: فلا ناصر لهم الآن (١)، وأصح مما ذكر أن يقال: هذا على طريق الحكايه للحال الماضية عند الإهلاك، أي: كأن يقال فيهم عند إهلاكهم: لا ناصر لهم، كما ذكرنا في قوله: ﴿هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص: ١٥] وفي آيات سواها، ويدل على صحة هذا الوجه قوله: ﴿هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً﴾. ولا يقال فيها وهي مهلكة: هي أشد قوة، ولا يصح في هذا شيء من الوجهين الذين ذكرهما، وإنما يصح فيه الحكاية؛ أي: التي كان يقال فيها هي أشد قوة من مكة، ثم ذكر بُعْد ما بين المؤمن والكافر.
١٤ - قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ قال أبو إسحاق: هذه ألِفُ توقيف وتقرير؛ لأن الجواب معلوم (٢).
قال ابن عباس (٣) ومقاتل (٤) والكلبي (٥): يريد على بيان من ربه ويقين من دينه وهو محمد -صلى الله عليه وسلم- على شهادة أن لا إله إلا الله ﴿كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ يعني: عبادة الأوثان، وهو أبو جهل والكفار ﴿وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ في عبادة الحجارة.
١٥ - ثم وصف الجنات التي وعدها المؤمنين بقوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي
(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٥٩.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٩.
(٣) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٥.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٦.
(٥) انظر: "تنوير المقباس" ص ٥٠٨.
233
وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} الآية، والكلام في معنى (مثل الجنة) وإعرابه قد مر في سورة الرعد [آية: ٣٥] بأبلغ استقصاء. قوله تعالى: ﴿الْمُتَّقُونَ﴾ قال الكلبي ومقاتل: هم أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- يتقون الشرك (١).
قوله تعالى: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ وتقرأ: أسن. بالقصر، روى أبو عبيد عن أبي زيد: أسَنَ الماءُ يأسِنُ أَسْنا وأُسُوناً، إذا تغير، وهو الذي لا يشربه أحدٌ من نتنه (٢)، وكذلك: أسن الرجل يأسن، إذا غشي عليه من ريح خبيثة، وربما مات منها (٣) وأنشد لزهير:
يُغادِرُ القِرْنَ مُصْفَرَّاً أنامِلُه يَمِيْدُ في الرُّمْحِ مَيْدَ المائِحِ الأسِنِ (٤)
وهو الرجل الذي دخل بئراً فاشتد عليه ريحها حتى يصيبه دوار فيسقط، وقال المبرد: يقال أسن يأسِن أسَناً فهو آسِن وأسِن، وهو المتغير الرائحة وقياسه: حذر يحذر حذرًا فهو حاذر وحَذِر (٥)، قال المفسرون في الآسن: هو المتغير المنتن (٦) ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾ قالوا: لا يحمض كما تتغير ألبان أهل الدنيا، وذلك أنها لم تخرج من ضروع الإبل ولا الغنم (٧) ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾ كقوله: ﴿بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٦، "تنوير المقباس" ص ٥٠٨.
(٢) انظر هذا القول بنصه في "تهذيب اللغة" (أسن) ١٣/ ٨٤، وانظر: "اللسان" (أسن) ١٣/ ١٦.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (أسن) ١٣/ ٨٥، "اللسان" (أسن) ١٣/ ١٧.
(٤) انظر: "ديوان زهير" ص ١٢١، و: تهذيب اللغة" (أسن) ١٣/ ٨٤، "اللسان" (أسن) ١٣/ ١٧، "الحجة" ٦/ ١٩١، "الدر المصون" ٦/ ١٥٠، "البحر المحيط" ٨/ ٧٠.
(٥) انظر: "الكامل" للمبرد ٣/ ٦٨.
(٦) انظر: "جامع البيان" ١٣/ ٤٩، "تفسير الثعلبي" ١٠/ ١٢٦ أ، "البغوي" ٧/ ٢٨٢.
(٧) قال ابن جرير: لأنه لم يحلب من حيوان فيتغير طعمه بالخروج من الضروع، ولكنه=
234
[الصافات: ٤٦] وقد مر. قال ابن عباس: يريد لم تعصره الرجال (١).
قوله: ﴿مِنْ عَسَلٍ﴾ العسل هو المستحلى من لعاب النحل، والعرب تسمي ما يستحلى عسلاً كصمغ العُرْفُط (٢). وصقر الرطب (٣).
وأقرأني العروضي رحمه الله قال: أقرأني الأزهري قال: أخبرني عبد الملك (٤) عن الربيع عن الشافعي، أنه قال: عسل النحل هو المنفرد بالاسم دون ما سواه، والعرب تؤنث العسل وتذكره، وتأنيثه في شعر الشماخ، والعاسل الذي يشتار العسل ومنه قول لبيد:
وأرْي دُبُورٍ شارَه النحلَ عاسلُ (٥)
= خلقه الله ابتداء في الأنهار فهو بهيئته لم يتغير عما خلقه عليه. انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٤٩.
(١) قال الثعلبي في "تفسيره": أي لم تدسها الأرجل ولم تدنسها الأيدي. انظر: "تفسيره" ١٠/ ١٢٦ أ، ولم أقف على قول ابن عباس.
(٢) قال شمر: العُرْفُط: شجرة قصيرة متدانية الأغصان ذات شوك كثير، طولها في السماء كطول البعير باركًا، ولها وريقة صغيرة، تنبت بالجبال تَعْلقُها الإبل أي تأكل بفيها أعراض غِصَنَتِها.
أبو عبيد عن الأصمعي: العُرْفُط: شجرة من العضاة.
انظر: "تهذيب اللغة" (باب العين والطاء) ٣/ ٣٤٦.
(٣) قال الليث: والصَّقر: ما تَحلَّبَ من العنبِ والتمر من غير عصر. انظر: "تهذيب اللغة" (قصر) ٨/ ٣٦٤.
(٤) هو: عبد الملك بن محمد بن عدي أبو نعيم الجرجاني الأستراباذي سمع من الربيع ابن سليمان وغيره، وقال الخطيب: كان أحد الأئمة ومن الحفاظ لشرائع الدين مع صدق وتيقظ وورع. توفي سنة ٣٢٣ هـ انظر: "تاريخ بغداد" ١٠/ ٤٢٨، "طبقات الشافعية الكبرى" ٢/ ٢٤٢، "تذكرة الحفاظ" ٣/ ٨١٦.
(٥) عجز البيت في "تهذيب اللغة". (عسل) ٢/ ٩٤، "اللسان" (عسل) ١١/ ٤٤٥.
235
ويقال: عسلت الطعام أعسله، إذا جعلت فيه عسلاً (١)، قال ابن عباس: يريد لم يخرج من بطون النحل (٢)، وذلك قوله: ﴿مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾ قال مقاتل: ليس فيها عكر ولا كدر كعسل أهل الدنيا (٣).
قوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ قال أبو علي الفارسي: (من) زائدة للتوكيد (٤) وأنشد قول ذي الرمة:
تبَسَّمْنَ عن نَوْر الأقاحِي في الثَّرَى وفَتَّرنَ من أَبْصار مَضرُوجَةٍ كحْلِ (٥)
أراد وفترن أبصار مضروجة.
قوله: ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ قال أبو إسحاق: يغفر ذنوبهم ولا يجازون بالسيئات ولا يوبخون في الجنة فَيُهَنَّونَ الفوز العظيم والعطاء الجزيل (٦).
قوله ﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ﴾ قال الفراء: لم يقل: أمن كان في هذا النعيم كمن هو خالد في النار، ولكن هذا المعنى في ضمن هذا الكلام فبني عليه (٧).
وقال أبو إسحاق: المعنى: أفمن كان على بينة من ربه، وأعطي هذه
(١) من بداية الحديث عن العسل. انظره بنصه في "تهذيب اللغة" (عسل) ٢/ ٩٣ - ٩٤.
(٢) ذكر ذلك أبو حيان في "البحر المحيط" ٨/ ٧٩.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٦.
(٤) انظر: "الدر المصون" ٦/ ١٥١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٧، ولم أقف عليه عند أبي علي.
(٥) انظر: "ديوانه" ص ٤٨٧.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٠.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٦٠.
236
الأشياء كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار (١)، وعلى ما قال أبو إسحاق ﴿كمَن﴾ في هذه الآية: بدل من قوله: ﴿كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ واختار صاحب النظم قول الفراء، وقال: الكاف في قوله: ﴿كَمَن﴾ تدل على مبتدأ قبله، ولم يجر له ذكر، وإنما جرى ذكر الجنة وصفتها، فكأنه -عز وجل- قال: أفمن هو في الجنة كمن هو خالد في النار، فدل الجواب على الابتداء (٢).
قوله تعالى ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ قال مقاتل: ماء شديد الحر تستعر عليهم جهنم، فهي تغلي منذ خلقت السموات والأرض، فقطع أمعاءهم في الجوف من شدة الحر (٣).
وروى أبو أمامة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره" (٤).
قال ابن عباس: وهذه الآية كقوله (٥): ﴿يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ﴾ [الحج: ١٩] ونحو هذه الآية قوله: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ﴾ [إبراهيم: ١٧] الآية، وقوله: ﴿يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ [الكهف: ٢٩] الآية، وواحد الأمعاء: مِعَى،
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٠.
(٢) انظر: "تفسير ابن عطية" ١٥/ ٦٠، "الدر المصون" ٦/ ١٥١.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٧.
(٤) أخرج ذلك الطبري عن أبي أمامة. انظر: "تفسيره" ١٣/ ٥٠، "تفسير الوسيط" ٤/ ١٢٣، وأخرجه الحاكم عن أبي أمامة. انظر: "المستدرك"، كتاب التفسير، تفسير سورة محمد -صلى الله عليه وسلم- ٢/ ٤٥٧، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(٥) لم أقف عليه.
237
مثل ضِلَع. وتثنيته: معيان، وهو جميع ما في البطن من الحوايا (١).
١٦ - قوله: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ﴾ قال ابن عباس والمفسرون: يعني المنافقين يستمعون خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، وكان يعرض بالمنافقين ويعيبهم، فإذا خرجوا من المسجد قالوا لأولي العلم من الصحابة: ماذا قال آنفاً، وذلك قوله: ﴿حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ (٢).
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنت فيمن سئل، يعني أنه من الذين ذكرهم الله في قوله: (قالوا للذين أوتوا العلم) (٣). وروى عطاء عن ابن عباس: يريد عبد الله بن مسعود، وهو قول ابن بريدة (٤) ومقاتل (٥).
قوله: ﴿مَاذَا قَالَ آنِفًا﴾ أي: ماذا قال الساعة، ويعني الآنف من الائتناف، وهو الابتداء يقال: ائتنفت الكلام ائتنافاً، أي: ابتدأته. قال: ذلك أبو زيد، والاستئناف أيضًا بهذا المعنى، وهما من الأنف وهو أول كل شيء يقال هذا ثم أنف العدو، وأنف البرد، وأنف المطر، أي: أوله (٦)، قال امرؤ القيس:
(١) انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٨٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٧.
(٢) انظر: "تفسير السمرقندي" ٣/ ٢٤٣، "تنوير المقباس" ص ٥٠٨.
(٣) خرج ذلك الطبري. انظر: "تفسيره" ١٣/ ٥١، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٤٥٧ وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. انظر: "المستدرك" كتاب التفسير تفسير سورة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
(٤) انظر: "تفسير الماوردي" ٥/ ٢٩٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٣٨.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٧.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (أنف) ١٥/ ٤٨٢، "اللسان" (أنف) ٩/ ١٤.
238
قد غَدَا يَحْمِلُنِي أَنْفِهِ لاحِقُ الأيْطَلِ مَحْبُوكٌ مُمَرْ (١)
أي: في أول جريه، ومن هذا أنف الجبل، وأنف الإنسان، وأنف خف البعير، وقال أبو علي الفارسي: و (آنفا) من أنف، أي ابتدأ وهو غير مستعمل، وإن كان القياس يوجبه، وقد يجيء اسم الفاعل على ما لم يستعمل من الفعل نحو: فقير، جاء على فَقره، والمستعمل افتقر، وكذلك شديد، والمستعمل اشتد، فكذلك قوله: آنفاً، والمستعمل ائتنف (٢).
وروى أحمد بن موسى بإسناده عن ابن كثير من طريق البزي: (أنِفاً) بالقمر (٣)، وهذا يحمل على أنه توهمه، مثل: خادر وخدر، وفاكه وفكه، والوجه قراءة العامة، ويدل عليه قول الشاعر:
ويحرُمُ سِرُّ جَارَتِهم عليهم ويَأْكُلُ جَارُهُم أُنُفَ القِصَاعِ (٤)
يريد: أنهم يؤثرونه بأفضل الطعام وأوله لا البقايا، وأُنُف جمع أَنْف بالمد، مثل: قَاتِل وقُتُلٍ، وبازلٍ وبُزُلٍ (٥).
وذكر المفسرون في وجه سؤال المنافقين قولين: أحدهما: أنهم سألوا استهزاء منهم وإعلاماً أنهم لم يستمعوا إلى كلامه ولم يلتفتوا إلى ما قال، وهذا اختيار الزجاج (٦)، القول الثاني: أنهم سمعوا كلامه ولم
(١) انظر: "تهذيب اللغة" (أنف) ١٥/ ٤٨٢، "اللسان" ٩/ ١٤.
(٢) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ١٩٣.
(٣) انظر: "الحجة" ٦/ ١٩٢، "التذكرة في القراءات" لابن غلبون ٢/ ٦٨٣.
(٤) البيت للحطيئة. انظر: "ديوانه" ص ٦٢، "لسان العرب" (أنف) ٩/ ١٣، و"الزاهر" ٢/ ٣١٢.
(٥) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ١٩٤.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٠، "تفسير الماوردي" ٥/ ٢٩٨، و"زاد المسير" ٧/ ٤٠٢.
239
يفقهوه، فلذلك سألوا (١).
قال مقاتل: وقد سمعوا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يفقهوه (٢)، وعلى هذا دل كلام ابن عباس في رواية عكرمة قال: كان المنافقون إذا جلسوا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرجون فيقولون: ماذا قال آنفاً (٣) ليس معهم قلوب، وعلى هذا دل سياق الآية، وهو قوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ قال مقاتل: ختم على قلوبهم بالكفر فلا يعقلون الإيمان ﴿وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ في الكفر (٤) والنفاق.
١٧ - ثم ذكر المؤمنين فقال: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا﴾ قال الكلبي: يعني أهل الإسلام (٥).
﴿زَادَهُمْ﴾ أي: زادهم الله هدى. قاله عطاء عن ابن عباس (٦)، وقال أبو صالح عنه: والذين اهتدوا بالمنسوخ زادهم الله هدى بالناسخ (٧)، ويجوز أن يكون المعنى: زادهم الناسخ هدى.
وقال مقاتل بن سليمان: والذين اهتدوا من الضلالة زادهم الله هدى
(١) "تفسير الماوردي" ٥/ ٢٩٨، و"زاد المسير" ٧/ ٤٠٢.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٧.
(٣) ذكر أبو حيان في البحر المحيط قريبًا من ذلك ولم ينسبه. انظر: "البحر المحيط" ٨/ ٧٩، وكذلك ذكر نحوه ابن كثير في "تفسيره" ٦/ ٣١٦.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٧.
(٥) قال الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٧ أ: يعني المؤمنين. وقال في "تنوير المقباس" ص ٥٠٨: والذين اهتدوا بالإيمان.
(٦) ذكر ذلك ابن الجوزي في "زاد المسير" من غير نسبة. انظر ٧/ ٤٠٣، وكذلك ذكره من غير نسبة القرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٣٩.
(٧) ذكر نحوه القرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٣٩.
240
بالحكم الذي نسخ الأمر الأول (١).
وقال مقاتل بن حيان: والذين اهتدوا هم المؤمنون الذين كانوا يؤمرون بالأمر من طاعة ربهم فيعملون به، ثم ينسخه الله فيحولهم إلى غيره فيتحولون إلى ما يؤمرون به، فيأجرهم الله لما مضى ويزيدهم بتحويلهم عما كانوا أمروا به إلى الذي تحولوا إليه هُدًى مع هديهم (٢).
وذكر الفراء وأبو إسحاق في (زادهم هدى) وجهين آخرين؛ أحدهما: زادهم إعراضُ المنافقين واستهزاؤهم هدى. والثاني: زادهم ما قال الرسول آنفاً هدى (٣).
وقال الضحاك: كلما أتاهم من الله تنزيل فرحوا به، فزادهم الله به هدى (٤).
قوله تعالى: ﴿وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ قال الكلبي: وألهمهم تقواهم (٥).
وقال سعيد بن جبير: وألهمهم ثواب تقواهم (٦)، وذكر ابن حيان معنى القولين، فقال في معنى القول الأول: وفقهم للعمل بما أمروا به مما فرض عليهم، قال: ومنهم من يقول: آتاهم ثواب أعمالهم في الآخرة (٧).
ثم خوف كفار مكة بقرب الساعة، وأنها إذا أتت لم يقبل منهم شيء فقال:
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٧.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٦١، "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١١.
(٤) ذكر ذلك المؤلف في "تفسيره الوسيط" عن الضحاك. انظر ٤/ ١٢٤.
(٥) انظر: "تنوير المقباس" ص ٥٠٨، وأورده القرطبي ١٦/ ٢٣٩ من غير نسبة.
(٦) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٧ أ، والبغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨٣.
(٧) لم أقف عليه.
241
١٨ - قوله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ وتفسير هذا قد تقدَّم في آي كثيرة [الحج: ٥٥، الزخرف: ٦٦]، قال أبو إسحاق: موضع أن نصب على البدل من الساعة، المعنى: فهل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة، وهذا من البدل المشتمل على الأول في المعنى (١). ونحو هذا ذكر الفراء (٢) والكسائي (٣) وزاد المبرد بياناً فقال: (أن تأتيهم) بدل من الساعة والتقدير: فهل ينظرون إلا الساعة إتيانها بغتة، فإذا نحيت الساعة صار المعنى: فهل ينظرون إلا إتيان الساعة بغتة، وهذا كقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٧] أي عن قتال في الشهر الحرام ومثله: ﴿وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ﴾ [الفتح: ٢٥] إنما هو لولا أن تطؤوهم.
قوله تعالى: ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ قال أبو عبيد: قال الأصمعي: هي علاماتها، قال: ومنه الاشتراط الذي يشترط الناس بعضهم على بعض، إنما هي علامات يجعلونها بينهم قال: ولهذا سميت الشُّرط لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها.
قال أبو عبيد: وقال غيره في بيت (٤) أوس بن حجر:
فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسَهُ وَهْوَ مُعْصِمٌ وأَلْقَى بِأَسْبَابٍ لَهُ وتَوكَّلا (٥)
هو من هذا أيضًا، يريد أنه جعل نفسه علماً لهذا الأمر.
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١١.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٦١.
(٣) لم أقف على قولي الكسائي والمبرد.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (شرط) ١١/ ٣٠٩، "اللسان" (يشترط) ٧/ ٣٣٠.
(٥) انظر: المرجعين السابقين، "الدر المصون" ٦/ ١٥٢.
242
وقال أبو سعيد: أشراط الساعة أسبابها التي هي دون معظمها وقيامها، قال: وأشراط كل شيء ابتداء أوله، ومنه يقال للدون من الناس: الشَّرَط لأنهم دون الذين هم أعظمهم وأنشد للكميت:
وجدتُ الناسَ غيرَ ابْنَي نِزارٍ ولم أَذْمُمْهُم شَرَطاً وَدُونَا (١)
قال الليث: والشرطان كوكبان، يقال إنهما قرنا الحمل، وهو أول نجم من نجوم الربيع، ومن ذلك صار أوائل كل أمر يقع أشراطُه (٢)، وأكثر أهل اللغة على القول الأول: أبو عبيدة (٣) والمبرد والزجاج (٤) كلهم قالوا في الأشراط أنها الأعلام، ونحو ذلك قال المفسرون (٥).
وأنشد أبو عبيدة لابن المفرغ (٦):
وَشَريتُ بُرْداً لَيْتَنِي من بعد بُرْدٍ كنتُ هَامَهْ
وتَبِعْثُ عبد بَنِي عِلاَجٍ تِلكَ أَشْرَاطُ القِيامَهْ (٧)
(١) انظر: ديوانه ٢/ ١١١، "تهذيب اللغة" (شرط) ١١/ ٣٠٩، "المحتسب" لابن جني ١/ ٨٩، "اللسان" (شرط) ١١/ ٣٣١.
(٢) من قوله: قال أبو عبيد: قال الأصمعي.. إلخ. انظره بنصه في "تهذيب اللغة" (شرط) ١١/ ٢٠٩ - ٢١٠.
(٣) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢١٥، وقول المبرد في "إعراب القرآن" للنحاس ٤/ ١٨٥.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١١.
(٥) انظر: "جامع البيان" للطبري ١٣/ ٥٢، "تفسير الثعلبي" ١٠/ ١٢٧ أ "تفسير البغوي" ٧/ ٢٨٤.
(٦) هو: يزيد بن زياد بن ربيعة الملقب بمفرغ الحميري أبو عثمان شاعر غزل هو الذي وضع سيرة تبع وأشعاره وكان هجاء مقذعا وله مديح ونظمه سائر كانت وفاته حوالي ٦٩ هـ. انظر: "خزانة البغدادي" ٢/ ١١٢، "الوفيات" ٢/ ٢٨٩، "الأعلام" ٨/ ١٨٣.
(٧) انظر: "مجاز القرآن" الأبي عبيدة ١/ ٤٨، ٣٠٤، وقد أورد البيت الأول فقط، =
243
وواحد الأشراط: شَرط بفتح العين، قال ابن عباس: أشراطها: معالمها (١)، يريد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أشراطها، وقد قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين" (٢) "كفرسي رهان" (٣).
وقال الحسن: محمد من أشراطها (٤)، وقال مقاتل: يعني أعلامها من انشقاق القمر والدخان، وخروج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد عاينوا هذا كله (٥).
قوله تعالى ﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ قال أبو إسحاق: المعنى: فمن أين لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة، (ذكراهم) في موضع رفع بقوله: (فأنى) (٦) قال ابن عباس: من أين لهم بالتوبة إذا جاءتهم الساعة (٧).
وقال مقاتل: في الآية تقديم، تقول: من أين لهم التذكرة والتوبة عند
= وأورده أيضًا صاحب "اللسان" في مادة (شرى) ١٤/ ٤٢٨.
(١) ذكر ذلك الماوردي في تفسيره لكن بلفظ: (أوائلها) وعلق عليها المحقق، فقال: هكذا في الأصول ولعلها: أدلتها أي: أماراتها ٥/ ٢٩٩.
(٢) أخرج ذلك البخاري عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-. انظر: "صحيح البخاري" كتاب التفسير ٦/ ٧٩ تفسير سورة النازعات، وأخرجه مسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- انظر: "صحيح مسلم"، كتاب الفتن، وأشراط الساعة، باب ٢٧ قرب الساعة ٣/ ٢٢٦٨ رقم ٢٩٥١. وأخرجه البغوي في شرح السنة ١٥/ ٩٨، ورقم ٤٢٩٤.
(٣) أخرج ذلك الإمام أحمد في "المسند" عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-، انظر: "المسند" ٥/ ٣٣١.
(٤) انظر: "تفسير الحسن" ٢/ ٢٨٩، و"تفسير ابن كثير" ٦/ ٣١٧، و"الدر المنثور" ٧/ ٤٦٧.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٨.
(٦) انظر: "معاني القرآن للزجاج" ٥/ ١١.
(٧) ذكر نحوه الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٧ أمن غير نسبة، وكذلك ابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٤٠٤، ونسبه لقتادة، ونسبه في "الوسيط" ٤/ ١٢٤ لعطاء.
244
الساعة إذا جاءتهم وقد فرطوا فيها (١).
وقال قتادة: يقول: أنى لهم أن يتذكروا ويتوبوا إذا جاءتهم الساعة (٢).
وقال الحسن: إذا جاءت الساعة لا تقبل منهم (٣).
قال الفراء: ومثله قوله (٤): ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾ [الفجر: ٢٣].
١٩ - قوله: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ لم أر في هذا شيئاً أمثل مما قال أبو إسحاق، وهو أنه قال: المعنى: قد بينا ما يدل على أن الله -عز وجل- واحد فاعلم أنه لا إله إلا الله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد علم ذلك ولكنه خطاب يدخل الناس مع النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ﴾ [الطلاق: ١] والمعنى: من علم فليقم على ذلك العلم، كما قال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٥] أي ثبتنا على الهداية (٥)، هذا كلامه على أنه قد ذكر عن عبد العزيز بن يحيي أنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم-: يضجر ويضيق صدره من طعن الكافرين والمنافقين فيه، فأنزل الله هذه الآية يعني: فاعلم أنه لا كاشف يكشف ما بك إلا الله، فلا تعلق قلبك على أحد سواه (٦).
ويجوز أن يكون قوله: (فاعلم) جواباً لقوله (إذا جاءتهم) له جوابان
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٨.
(٢) انظر: "تفسير الماوردي" ٥/ ٢٩٩، "زاد المسير" ٧/ ٤٠٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٤١.
(٣) ذكر ذلك الهواري في "تفسيره" من غير نسبة. انظر ٤/ ١٦٥، وكذلك ذكره الفخر الرازي ٢٨/ ٦٠.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٦١.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٢.
(٦) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٧ أ.
245
أحدهما: سابق؛ وهو قوله: ﴿فَأَنَّى لَهُمْ﴾، والآخر: (فاعلم)، ويكون المعنى على هذا: إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا إله إلا الله، أي: في ذلك الوقت تبطل الممالك والدعاوى، فلا ملك ولا حكم لأحد إلا الله ولا ملجأ إلى أحد إلا الله كقوله: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤] وهذا المعنى يروى عن سفيان بن عيينة وأبي العالية (١).
قوله: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ الكلام في ذنبه -صلى الله عليه وسلم- يأتي في أول سورة الفتح إن شاء الله، قال أهل المعاني: وإنما أمر بالاستغفار مع أنه مغفور له لتستن ول أمته في الاستغفار (٢)، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأستغفر في اليوم سبعين مرة" (٣).
قوله تعالى: ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ أي: ولذنوبهم، وهذا إكرام من الله تعالى للمؤمنين والمؤمنات من هذه الأمة حين أمر نبيهم -صلى الله عليه وسلم- أن يستغفر لهم، وهو الشفيع المجاب، ثم أخبر عن علمه بأحوال الخلق ومآلهم بقوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ قال ابن عباس: متصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدنيا ومصيركم في الآخرة إلى الجنة أو النار (٤).
(١) انظر: "تفسير سفيان بن عيينة" ص ٣٢٠، "تفسير الثعلبي" ١٠/ ١٢٧ ب، "تفسير البغوي" ٧/ ٢٨٥.
(٢) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٧/ ب، والبغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨٥، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٤٢.
(٣) أخرج ذلك الترمذي عن أبي هريرة، وقال: هذا حديث حسن صحيح. انظر: "سنن الترمذي" كتاب: التفسير باب ٤٨، ومن سورة محمد -صلى الله عليه وسلم- ٥/ ٣٨٣، رقم ٣٢٥٩. وانظر: "الدر المنثور" ٧/ ٤٩٥ وقد، عزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في "شعب الإيمان"، وانظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٢٣.
(٤) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٨ أوالبغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨٥، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٤٠٥، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٤٣.
246
وقال مقاتل: منتشركم بالنهار ومأواكم بالليل (١).
وقال عكرمة: متقلبكم من الأصلاب إلى الأرحام ومقامكم في الأرض (٢). وقال ابن كيسان: متقلبكم حيث تتقلبون فيه من ظهر إلى بطن ومقامكم في القبور (٣)، والمعنى: أنه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها.
٢٠ - قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد أن المؤمنين يسألون ربهم أن ينزل سورة فيها ثواب القتال في سبيل الله يحرض فيها المؤمنين (٤)، وقال في رواية الكلبي: كان المؤمنين إذا أبطأ عليهم الوحي اشتاقوا إلى نزوله فقالوا: هلا أنزلت سورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- (٥)، والقول هو الأول: أنهم أحبوا أن ينزل سورة فيها ذكر القتال، ألا ترى أن الله تعالى قال: ﴿فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ﴾ قال قتادة: كل سورة ذكر فيها القتال فهي محكمة (٦)، وهذا معنى ما روى عطاء عن ابن عباس في المحكمة أنها ما
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٨، "تفسير البغوي" ٧/ ٢٨٥، "زاد المسير" ٧/ ٤٠٥.
(٢) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٧ ب، ١٢٨ أ، وانظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٨٦، "زاد المسير" ٧/ ٤٠٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٤٣.
(٣) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ٢٨٠ أ، والبغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨٦، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٤٣.
(٤) ذكر معنى هذا القول من غير نسبة الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٨ أ، ونسبه في "الوسيط" لابن عباس، انظر: ٤/ ١٢٦.
(٥) ذكر معنى هذا القول من غير نسبة الماوردي في "تفسيره" ٥/ ٣٠٠، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٤٠٥، والقرطبي ١٦/ ٢٤٣، وانظر: "تنوير المقباس" ص ٥٠٩.
(٦) أخرج ذلك الطبري عن قتادة. انظر: "تفسيره" ١٣/ ٥٤، وأورده الماوردي في "تفسيره" ٥/ ٣٠١، والثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٨ أ، والبغوي ٧/ ٢٨٦.
247
أمر فيها بنصر نبي الله -صلى الله عليه وسلم-.
وروي عن ابن عباس في المحكمة أنها التي لا ينسخ ما نزل فيها (١)، وهو اختيار الزجاج، قال معنى محكمة: غير منسوخة (٢)، ونحو هذا قال الكلبي ومقاتل: إنها البينة بالحلال (٣)، والأمر والنهي لا ينسخ.
وقال عبد الله بن مسلم: سورة محكمة أي: محدثة، وسميت المحكمة محدثة؛ لأنها حين تنزل تكون كذلك حتى ينسخ منها شيء، يدل على صحة هذا أن في حرف عبد الله (فإذا أنزلت سورة محدثة وذكر فيها القتال) (٤) قال المفسرون أي: فرض فيها الجهاد (٥)، والمعنى: ذكر فيها فرض القتال، قاله الزجاج (٦).
قوله تعالى: ﴿يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ كقوله: ﴿تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ [الأحزاب: ١٩] وقد مر، قال ابن قتيبة: يريد أنهم يشخصون نحوك بأبصارهم وينظرون نظراً شديداً
(١) ذكر نحوه الماوردي ٥/ ٣٠١ من غير نسبة. وكذلك ذكر هذا المعنى في "الوسيط" ٤/ ١٢٦ ولم ينسبه.
(٢) انظر: "معاني القرآن للزجاج" ٥/ ١٢.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ص ٥٠٩، وتفسير مقاتل ٤/ ٤٨.
(٤) انظر: "تأويل مشكل القرآن" ٢/ ١٣٢، و"تفسير الطبري" ٢٦/ ٥٤. وذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٨ أ، والماوردي ٥/ ٣٠٠، وصرح أنه ابن مسعود، وذكره أيضًا ابن عطية في "تفسيره" ١٥/ ٦٧، والقرطبي ١٦/ ٢٤٣.
(٥) انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ٢/ ١٣٢، "زاد المسير" ٧/ ٤٠٥، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٤٣.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٢.
248
بتحديد وتحديق، كما ينظر الشاخص بصره عند الموت من شدَّة العداوة (١).
وقال أبو إسحاق: إنما ذكر ذلك لأنهم منافقون يكرهون القتال؛ لأنهم إذا قعدوا عنه ظهر نفاقهم فخافوا على أنفسهم القتل (٢).
قوله: ﴿فَأَوْلَى لَهُمْ﴾ فيه مذاهب ثلاثة:
قال قتادة: هذا وعيد لهم وانقطع الكلام (٣)، ونحو هذا قال مقاتل والكلبي (٤)، واختاره الزجاج وابن قتيبة (٥)، وهو قول أكثر أهل اللغة (٦)، واختلفوا لم صارت هذه الكلمة للتهديد؟ فقال الأصمعي: معنى قولهم في التهديد: أولى لك، وليك وقاربك ما تكره وأنشد:
فَعَادى بَينَ هَادِيَتَيْنِ مِنْهَا وأَوْلَى أَن يَزيدَ عَلَى الثَّلاثِ (٧)
أي: قاربك أن يزيد على الثلاث.
قال ثعلب: ولم يقل أحد في (أولى لك) أحسن مما قال الأصمعي (٨)، وأبو إسحاق يختار هذا القول، ويقول: المعنى: وليهم المكروه (٩).
قال أبو العباس: وقال غير الأصمعي: (أولى) يقولها الرجل لآخر
(١) انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ٢/ ١٣٢.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٢.
(٣) أخرج ذلك الطبري ١٣/ ٥٥ عن قتادف وذكره الماوردي في "تفسيره" ٥/ ٣٠١.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٨، "تنوير المقباس" ص ٥٠٩.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٢، و"تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤١١.
(٦) قال ذلك الطبري. انظر: "تفسيره" ١٣/ ٥٥، وانظر: "تهذيب اللغة" (ولى) ١٥/ ٤٤٨، "اللسان" (ولى) ١٥/ ٤١١، "مقاييس اللغة" (ولى) ٦/ ١٤١.
(٧) انظر: المراجع السابقة، "الدر المصون" ٦/ ١٥٣.
(٨) ذكر ذلك الأزهري في "تهذيب اللغة" (ولي) ١٥/ ٤٤٨، وانظر: المراجح السابقة.
(٩) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٢.
249
يحسِّره على ما فاته، ويقول له: يا محروم أي شيء فاتك (١).
وقال صاحب النظم: (أولى) مأخوذ من الويل (٢)، وللويل تصريف قد درج ولم يبق منه إلا الويل فقط وقد قال جرير:
يَعْلَمْن بالأكْبارِ ويلاً وائلاً (٣)
فقوله: أولى أفعل من الويل، إلا أن فيه قلباً، وهو أن عين الفعل وضع موضع اللام.
٢١ - قوله: ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾ يرتفع بمحذوف، ورافعه إما قبله وإما بعده، فمذهب سيبويه (٤) والخليل أن المعنى: طاعة وقول معروف أمثل، والمعنى على هذا: أن الله تعالى قال: لو أطاعوا وقالوا معروفاً كان أمثل وأحسن، وهذا اختيار الزجاج (٥).
وهو على حذف الخبر، ويجوز أن يقدر الحذف ابتداء على تقدير: أمر بالطاعة وقول معروف، وهذا قول المبرد (٦)، واختيار ابن قتيبة وقال: هذا مختصر يريد قولهم قبل نزول القرض: سمع لك وطاعة (٧).
(١) ذكر ذلك الأزهري في "تهذيب اللغة" (ولى) ١٥/ ٤٤٨، والقرطبي في "الجامع" من غير نسبة ١٦/ ٢٤٤.
(٢) ذكر ذلك القرطبي ١٦/ ٢٤٤، والسمين الحلبي في "الدر المصون" ٦/ ١٥٣.
(٣) الويل: قال الليث هو حلول الشر، والويلة: البلية والفضيحة، وأصل الويل في اللغة: الهلاك والعذاب، انظر: "تهذيب اللغة" (ويل) ١٥/ ٤٥٥، "اللسان" (ويل) ١١/ ٧٣٧. ولم أعثر على هذا الشطر من البيت.
(٤) انظر: "الكتاب" ٢/ ١٣٦.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٣، وقد نقل قولي سيبويه والخليل، كما ذكرهما أيضًا النحاس في "إعراب القرآن" ٤/ ١٨٦، ١٨٧.
(٦) انظر: "الكامل" للمبرد ٢/ ٥٧.
(٧) انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ٢/ ١٣٢.
250
المذهب الثاني: أن الكلام تم سط قوله: (فأولى)، وهو تهديد على ما ذكرنا، ثم ابتدأ فقال لهم: (طاعة وقول معروف) (١)، وهو القول الحسن الذي يعرف حسنه وصحته، ويجوز على هذا القول أن يكون المعنى: للمنافقين طاعة وقول معروف باللسان، فإذا جد الأمر تبين كذبهم فيما قالوا بقعودهم عن نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، يدل على صحة هذا سياق الآية فيما بعد.
المذهب الثالث: أن الآية الثانية التي هي قوله: طاعة متصلة بالآية الأولى في المعنى، والتقدير: فأولى لهم طاعة وقول معروف، وهذا معنى ما روي عن عطاء عن ابن عباس (٢): يريد كانت الطاعة أولى لهم، والمعنى على هذا: طاعة الله ورسوله وقول معروف بالإجابة أولى لهم، وهذا القول اختيار الكسائي (٣).
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْر﴾ قال ابن عباس ومجاهد (٤) ومقاتل: جد القتال عن حقائق الأمور (٥).
وقال أبو إسحاق: جد الأمر ولزم فرض القتال (٦).
(١) انظر: "مشكل إعراب القرآن" لمكي ٢/ ٣٠٨، "الدر المصون" ٦/ ١٥٤.
(٢) انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٨٦، وقد نسبه لابن عباس في رواية عطاء، وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٤٤.
(٣) ذكر ذلك في "الوسيط" ٤/ ١٢٦.
(٤) أخرج ذلك الطبري في "تفسيره" عن مجاهد ١٣/ ٥٥، وذكره الماوردي في "تفسيره" من غير نسبة ٥/ ٣٠١، والبغوي ولم ينسبه ٧/ ٢٨٦، وكذلك القرطبي في "الجامع" ولم ينسبه ١٦/ ٢٤٤.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" لكنه قال: عند دقائق الأمور ٤/ ٤٨.
(٦) انظر: "معانى القرآن للزجاج" ٥/ ١٣.
251
قال أبو الهيثم: (عزم الأمر) هو فاعل بمعنى مفعول، وإنما يُعْزَم الأمر ولا يَعْزِم والعزم لإنسان لا للأمر، قال: وهذا كقولهم: هلك الرجل، وإنما أهلك (١).
وقال غيره: معنى عزم الأمر: انعقد الأمر بالإرادة أنه يفعله، فإذا عقد الأمر على أنه يفعل قيل: عزم الأمر (٢) على طريق البلاغة.
قال الفراء: معنى الآية: فإذا عزم الأمر نكلوا ولم يفعلوا (٣)، ونحو هذا قال ابن قتيبة (فإذا عزم الأمر) أي: جاء الجد كرهوا ذلك، فحذف الجواب (٤).
وقال صاحب النظم قوله: (عزم الأمر) يقتضى جواباً ولم يذكر ذلك الجواب، فلما قال: (فلو صدقوا الله) كان هذا دليلاً على المضمر وهو أن يكون كذبوا (٥) ومثله قوله: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ﴾ وقد مر [الشعراء: ٦٣].
(١) ذكر ذلك الأزهري في "تهذيب اللغة" (عز) ٢/ ١٥٢، و"اللسان" (عزم) ١٢/ ٤٠٠.
(٢) ذكر نحوًا من هذا ابن فارس في "مقاييس اللغة" (عزم) ٤/ ٣٥٨.
(٣) هذا القول لم أجده في معاني الفراء عند هذه الآية ٣/ ٦٢.
قال السمرقندي في تفسيره: فإذا عزم الأمر يعني: وجب الأمر وجد الأمر، كرهوا ذلك.
انظر: ٣/ ٢٤٤، وقال الشوكاني: عزم الأمر: جد الأمر أي جد القتال ووجب وفرض.
قال المفسرون: معناه إذا جد الأمر ولزم وفرض القتال خالفوا وتخلفوا. انظر: "فتح القدير" ٥/ ٣٨.
(٤) انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ٢/ ١٣٣.
(٥) ذكر قريبًا من هذا المعنى البغوي ٧/ ٢٨٦، وابن الجوزي "زاد المسير" ٧/ ٤٠٦.
252
قوله: ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ﴾ أي: في إيمانهم وجهادهم سمحوا بالطاعة والإجابة ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ من المعصية والكراهية، قاله ابن عباس (١). والمعنى: لكان الصدق خيراً لهم، فأضمر لدلالة صدقوا عليه.
٢٢ - ثم قال: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ﴾ وقوله: ﴿إِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد عن الإسلام (٢)، وعلى هذا معنى الآية.
قال أبو إسحاق: لعلكم إن توليتم عما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تعودوا إلى أمر الجاهلية فتفسدوا ويقتل بعضكم بعضًا وتقطعوا أرحامكم أي: تئدوا البنات وتدفنوهن أحياء (٣).
وقال ابن قتيبة: أي إذا انصرفتم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تفسدوا يريد فهل تريدون إذا أنتم تركتم محمداً وما يأمركم به أن تعودوا إلى مثل ما كنتم عليه من الكفر والإفساد في الأرض وقطع الأرحام (٤)، وعلى هذا القول كأن الله تعالى يذكر منته عليهم بالإسلام ومحمد -صلى الله عليه وسلم- حين جمعهم به وأكرمهم بالإلفة بعد ما كانوا عليه في جاهليتهم من القتل والبغي وقطيعة الرحم، فيقول: لعلكم إذا كرهتم الإسلام والقرآن، تريدون أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه، والمراد بقطع الأرحام قتل بعضكم بعضاً، ويحتمل ما ذكره أبو إسحاق من الوأد.
وفي الآية قول آخر قال الكلبي: إن توليتم إمرة هذه الأمة (٥)، ويدل
(١) ذكر نحوه الشوكاني في "فتح القدير" ٥/ ٣٨.
(٢) ذكر البغوي ٧/ ٢٨٧، وابن الجوزي ٧/ ٤٠٧ قريبًا من هذا المعنى، ولم ينسباه.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٣.
(٤) انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ٢/ ١٢٣.
(٥) ذكر ذلك القرطبى ١٦/ ٢٤٥، وانظر: "تنوير المقباس" ص ٥٠٩.
253
على صحة هذا التأويل ما روي في قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن وُلِّيتُم (١)، ومن قال بهذا القول قال: المراد بهذا الخطاب بنو أمية (٢) يقول لهم: إن توليتم أمر الناس أفسدتم وقطعتم رحم بني هاشم (٣) بقتلهم، وعلى هذا القول: قتادة والمسيب (٤) بن شريك (٥)، وذكر الفراء والزجاج (٦) القولين جميعاً، وما
(١) انظر: "المحتسب" لابن جني ٢/ ١٧٢، و "البحر المحيط" ٨/ ٨٢، و"التذكرة في القراءات" لابن غلبون ص ٦٨٤، قال: وقرأ رويس: توليتم: بضم التاء والواو وكسر اللام. وانظر: "النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٧٤، وقال القرطبي: قرأ علي بن أبي طالب: تُوُلِّيتُم. بضم التاء والواو وكسر اللام. وهي قراءة ابن أبي إسحاق ورواها رويس عن يعقوب ١٦/ ٢٤٣.
(٢) هم: بطن من قريش من العدنانية وهم بو أمية الأكبر بن عبد شمس بن مناف. وبنو أمية هؤلاء هم المراد ببني أمية عند الإطلاق وكان له عشرة أولاد أربعة منهم يسمون أعياص، وهم: العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص، وستة يسمون العنابس، وهم: حرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان وعمرو وأبو عمرو. وسموا بذلك بابن من أبناء حرب أحد أسماء عنبسة غلب عليهم اسمه ومن عقبه عثمان بن عفان ومنهم أيضًا معاوية بن أبي سفيان.
انظر: "نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب" ص ٨٥.
(٣) هم: بنو هاشم من قريب من العدنانية. وهم بنو هاشم بن عبد مناف، كان له خمسة أولاد منهم: عبد المطلب، وحنظلة وأسد وصيفي وأبو صيفي واسم هاشم عمرو وسمي هاشمًا لهشمه الثريد لقومه في شدة المحل، وذلك أنه كان إليه الرفادة والسقاية بمكة، وانتهت إليه سيادة قريش.
انظر: "نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب" ص ٣٨٦.
(٤) هو: المسيب بن شريك أبو سعيد التميمي الشقري الكوفي روي عن الأعمش، قال يبيح: ليس بشيء، وقال أحمد: ترك الناس حديثه، وقال البخاري: سكتوا عنه. انظر: "ميزان الاعتدال" ٤/ ١١٤.
(٥) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٨ ب، وأبو حيان في "البحر" ٨/ ٨٢، وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٤٥.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٦٣، "معاني القرآن للزجاج" ٥/ ١٣.
254
قبل هذه الآية يدل (١) في المنافقين، فلعل منافقي بني أمية خوطبوا بهذا والله أعلم، ثم وصف هؤلاء المنافقين بقوله:
٢٣ - ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ الآية.
٢٤ - قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ أي: ليعرفوا ما أعد الله للذين لم يتولوا عن الإسلام ولم يقطعوا أرحام، قال ابن عباس: ومعنى تدبر القرآن ذكرناه في سورة النساء [آية: ٨٢]. (أَم على قلوب أقفالها).
قال الليث: القفل معروف، وفعله الإقفال، وقد أقفلته فاقتفل (٢)، وأصله من اليبس والصلابة، ويقال لما يبس من الشجر القفل، وأقفله الصوم، إذا أيبسه (٣).
قال ابن عباس: يريد على قلوب هؤلاء أقفال (٤).
وقال مقاتل: يعني الطبع على القلب (٥)، وفي هذا تنبيه على القدر والقضاء السابق بالختم على القلب، والأقفال استعارة لارتياح القلب، من الباب الذي ما لم يرفع الختم عن القلب لم يدخله الإيمان والقرآن، وفي تنكير القلوب وإضافة الأقفال إليها مع ما في ظاهر اللفظ، تأكيدٌ للمعنى الذي ذكرنا، ومعنى تنكير القلوب: إرادة لقلوب هؤلاء وقلوب من بهذه الصفة من غيرهم، ولو قال: أم على قلوبهم، لم يدخل قلب غيرهم في
(١) كذا رسمها في الأصل، ولم يتضح لي معناها.
(٢) انظر: "كتاب العين" (قفل) ٥/ ١٦١، و"تهذيب اللغة" ٩/ ١٦٠.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (قفل) ٩/ ١٦١.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٩.
هذه الجملة، وفي قوله: (أقفالها) دليل على ما ذكرنا من أن المراد بالأقفال الختم وانغلاق القلب، ولو قال: (أقفال) لذهب الوهم إلى ما نعرف بهذا الاسم، فلما أضافها إلى القلوب علم أن المراد بها ما هو للقلب بمنزلة القفل للباب.
ومعنى الاستفهام في قوله (أم على قلوب أقفالها) الإخبار أنها كذلك، ويصدق هذه الجملة التي ذكرناها ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ هذه السورة شاباً (١) من أهل اليمن فلما قرأ: أم على قلوب أقفالها. قال: بل عليها أقفالها حتى يفرجها الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صدقت" (٢).
ثم ذكر اليهود وسوء عاقبتهم حين ارتدوا بعد المعرفة:
٢٥ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ﴾ رجعوا كفاراً ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى﴾ يعني: اليهود، ظهر لهم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بنعته وصفته في كتابه، وكانوا يعرفونه لما دعاهم إلى دينه كفروا به. هذا قول الكلبي (٣) ومقاتل (٤) وقتادة (٥).
(١) كذا في الأصل ولعل الصواب (وعنده شاب).
(٢) أخرجه الطبري عن هشام بن عروة عن أبيه ولم يذكر لفظ صدقت انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٥٨، وأخرجه الثعلبي في "تفسيره" ١٠/ ١٢٩ أ، والبغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨٧، بمثل لفظ الطبري وعزاه السيوطي في "الدر" لإسحاق بن راهويه، وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه بلفظ صدقت. انظر: "الدر" ٧/ ٥٠١، وانظر: "الوسيط" ٤/ ١٢٦.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ص ٥٠٩.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٩.
(٥) أخرج ذلك الطبري عن قتادة. انظر: "تفسيره" ١٣/ ٥٨، وأورده الثعلبي في "تفسيره" ونسبه لقتادة ١٠/ ١٢٩/ ب، وكذلك البغوي نسبة لقتادة ٧/ ٢٨٧.
256
وقال السدي والضحاك: يعني المنافقين (١).
ثم قال: ﴿الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ﴾ قال ابن عباس: زين لهم القبيح (٢)، وتفسير التسويل قد سبق في سورة (٣) يوسف [آية: ١٨: ٨٣].
قوله: ﴿وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ يعني الإملاء في اللغة: الترفيه في العمر، والمد فيه (٤) وذكرنا الكلام فيه عند قوله: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] قال مقاتل: يعني: وأمهل الله لهم (٥). وهذا قول أكثر المفسرين (٦)، وقوله: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٨] وقوله: ﴿فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ﴾ [الحج: ٤٤]، وقوله: ﴿فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الرعد: ٣٢].
والمعنى: لم يعجل عليهم العقوبة وأمهلهم موسعاً عليهم ليتمادوا في طغيانهم، جزاء لهم على ما فعلوا، وقرأ أبو عمرو: (وأملِيَ لهم) بضم الهمزة وفتح الياء على ما لم يسم فاعله.
(١) أخرج ذلك الطبري ١٣/ ٥٨ عن الضحاك، ونسبة الثعلبي لابن عباس والضحاك والسدي. انظر: "تفسيره"١٠/ ١٢٩ ب، وكذلك نسبه إليهم البغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨٨، والقرطبي في الجامع ١٦/ ٢٤٩.
(٢) ذكر ذلك البغوي ولم ينسبه. انظر: "تفسيره" ٧/ ٢٨٨، وقال القرطبي في "الجامع": زين لهم خطاياهم، ونسبه للحسن. انظر: "الجامع" ١٦/ ٢٤٩.
(٣) قال الأزهري: قال الله جل وعز: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ أي زينت لكم أنفسكم أمرًا غير ما تصفون وكأن التسويل تفعيل من سول الإنسان، وهو أمنيته التي يتمناها فتزين لطالبها الباطل والغرور. انظر: "تهذيب اللغة" (سول) ١٣/ ٦٦.
(٤) انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٨٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٤٩.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٩.
(٦) انظر: "تفسير أبي الليث" ٣/ ٢٤٥، و"تنوير المقباس" ص ٥٠٩، و"الجامع الأحكام القرآن" ١٦/ ٢٤٩.
257
قال أبو الحسن الأخفش: هي خشنة في المعنى، يريد أن هذه القراءة فصل بين فعل الشيطان وفعل الله تعالى، حيث بني الفعل للمفعول ويعلم يقيناً أنه لا يؤخر أحد مدة أحد، ولا يوسع له فيها إلا الله سبحانه (١) ففصل من حيث الرفع اللفظ، وعلى القراءتين يحسن الوقف على قوله (سول لهم) (٢)، لا على قول الحسن، فإنه قال في قوله: (وأملى لهم) على قراءة العامة: مد لهم الشيطان في الأمل (٣).
٢٦ - قوله: (ذلك) أي: ذلك الإملاء ﴿بِأَنَّهُمْ قَالُوا﴾ يعني: اليهود ﴿لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ﴾ يعني المشركين ﴿سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ﴾ قال مقاتل: في تكذيب محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو بعض الأمر (٤).
وقال أبو إسحاق: جاء في التفسير أنهم قالوا: سنطيعكم في الظاهر على عداوة النبي -صلى الله عليه وسلم- (٥).
قال مقاتل: إنهم قالوا ذلك سرًّا فيما بينهم (٦).
فأخبر الله تعالى نبيه بذلك، وأعلم أنه يعلم ذلك فقال: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ قرئ بكسر الألف على المصدر، وبفتحها على جمع سر (٧).
(١) انظر: "الحجة" ٦/ ١٩٤، ١٩٦، "الكشف" لمكي ٢/ ٢٧٨، ولم أقف عليه عند الأخفش.
(٢) انظر: "القطع والائتناف" ص ٦٦٧، "المكتفى" ص ٥٢٥.
(٣) انظر قول الحسن في "القطع والائتناف" ص ٦٦٧، "تفسير الماوردي" ٥/ ٣٠٣.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٩.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٤.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٩.
(٧) قرأ بالكسر حمزة والكسائي وحفص، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بفتح الألف. انظر: "الحجة" ٦/ ١٩٦، و"الكشف عن وجوه القراءت" لمكي ٢/ ٢٧٨.
٢٧ - ثم خوفهم فقال: (فكيف) قال أبو إسحاق: المعنى: فكيف كون حالهم (١) ﴿إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ الآية، وقد مرَّ تفسيرها في سورة الأنفال عند قوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى﴾ الآية [آية: ٥٠].
٢٨ - ثم ذكر سبب ذلك الضرب فقال: (ذلك) يعني: ذلك الضرب ﴿بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ﴾ قال ابن عباس: يريد ما كتموا من التوراة (٢).
وقال مقاتل: يعني الكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم- (٣)، وقال الزجاج: اتبعوا من خالف النبي -صلى الله عليه وسلم- (٤).
قوله تعالى: ﴿وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ﴾ يعني: كرهوا ما فيه رضوان الله تعالى وما هو سبب الرضوان من طاعة الله وطاعة رسوله والإيمان به، وإذا كرهوا سبب الرضوان فقد كرهوا الرضوان، وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل وأهل التفسير (٥) ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ التي كانوا يعملونها من صلاة وصدقة وصلة رحم لأنها في غير إيمان.
ثم رجع إلى ذكر المنافقين فقال:
٢٩ - ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ﴾ قال الليث (٦): الضِّغن الحِقْدُ ويجمع الأضغان، ومثله الضَّغِينةُ، وجمعها
(١) انظر: "معاني القرآن للزجاج" ٥/ ١٤.
(٢) ذكر ذلك البغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨٨، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٥١.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٩.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٤.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٤٩، "تفسير أبي الليث" ٣/ ٢٤٦، "البغوي" ٧/ ٢٨٨.
(٦) انظر كتاب: العين (ضغن) ٤/ ٣٦٦. وانظر: "تهذيب اللغة" (ضغن) ٨/ ١١، "اللسان" (ضغن) ١٣/ ٢٥٥.
ضَغَائِن، وضَغِنَ فلان يَضْغُنُ ضِغْنَاً فهو ضَغِن، والمرأة ضَغِنَة، وأضْغَنَ عليَّ ضُغَناء، أي أضْمَرهُ وأصله من الضِّغْنِ، والضِّغْنُ هو الالتواء والاعوجاج في قوائم الدابة والقناة وكل شيء، ومنه قول بشر:
كذاتِ الضِّغْنِ تَمْشِي في الرِّفاقِ (١)
وأنشد الليث:
إنَّ قَناتِي مِن صلِيباتِ القَنَا مَا زَادَهَا التَّثْقِيفُ إلاَّ ضَغَنا (٢)
والحقد في القلب مشبه به؛ لأنه لا يستقيم الحقود عليه، قال ابن عباس في قوله: ﴿أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ﴾: أن لا يطلع الله على ما في قلوبهم (٣)، وقال مقاتل: أن لا يظهر الله الغشّ الذي في قلوبهم (٤).
وقال أبو إسحاق: لا يبدي الله عداوتهم لرسوله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين ويظهره على نفاقهم (٥).
٣٠ - قوله: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ﴾ قال مقاتل والمفسرون: لأعلمناكهم (٦). كقوله: ﴿بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ [النساء: ١٠٥] أي: بما علمك
(١) انظر: "تهذيب اللغة" (فرق) ٩/ ١١٣، "اللسان" (ضغن) ١٣/ ٢٥٥، "الدر المصون" ٦/ ١٥٧.
(٢) انظر كتاب: العين (ضغن) ٤/ ٣٦٦، "تهذيب اللغة" (ضغن) ٨/ ١١، "اللسان" (ضغن) ١٣/ ٢٥٦. والثقاف: حديدة تكون مع القوَّاس والرمَّاح يقوّم بها الشيء المعوج. أي كأن الشاعر يقول: ما زادها التقويم إلا اعوجاجًا، "اللسان" (ثقف) ٩/ ٢٠.
(٣) ذكر هذا المعنى في "الوسيط" ولم ينسبه. انظر ٤/ ١٢٨.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٥٠.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٥.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٥٠، "تفسير البغوي" ٧/ ٢٨٨، "زاد المسير" ٧/ ٤١١، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٥٢.
260
الله، وقد مر، وقال الفراء والزجاج: يريد لعرفناكهم، وأنت تقول للرجل أريتك كذا وكذا، تريد عَرَّفتكه وعَلَّمتكه (١).
قوله: ﴿فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ أي: فعرفتهم، ودخلت اللام لتأكيد المعرفة، والكلام في تفسير السيما قد سبق في سورة البقرة [آية: ٢٧٣].
قال أبو إسحاق: المعنى: لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة، وهي السيما فلعرفتهم بتلك العلامة (٢).
قوله: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ قال أبو عبيدة والفراء والزجاج: في نحو القول معنى القول (٣): في فحوى القول وقصد القول، وهو الذي يدل على ما عنده وفي قلبه من غير تصريح به، وقريب منه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في سعد (٤) بن معاذ وسعد بن عبادة (٥) حين وجههما لاستعلام خبر قريظة "فإن رأيتماهم على العهد فأعلنا ذلك وإلا فالحنا لي لحناً أعرفه ولا تفتان أعضاد المسلمين" (٦).
(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٦٣، "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٥.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٥.
(٣) انظر: "جاز القرآن لأبي عبيدة" ٢/ ٢١٥ بلفظ: (في فحوى القول)، و"معاني القرآن" للفراء ٣/ ٦٣، و"معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٥.
(٤) سعد بن معاذ بن النعمان الأوسى، سيد قومه، وهو الذي حكم على بني قريظة بأن تقتل وتسبى النساء والذرية، انظر: "الاستيعاب" ٢/ ٢٧، "أسد الغابة" ٢/ ٢٩٦.
(٥) هو: سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري سيد الخزرج، انظر: "الاستيعاب" ٢/ ٣٥، و"الإصابة" ٢/ ٣٠٠.
(٦) لم أقف على هذا الحديث إلا أن ابن الأثير في "النهاية" ذكر نحوه وهو (أنه بعث رجلين إلى بعض الثغور عينًا. فقال لهما: إذا انصرفتما فالحنا) أي: أشيرا إلىَّ ولا تفصحا، وعرضا بما رأيتما. أمرهما بذلك لأنهما ربما أخبرا عن العدو ببأس وقوة فأحب ألا يقف عليه المسلمون. انظر: "النهاية في غريب الحديث" (لحن) ٤/ ٢٤١.
261
وقال الليث: ما تلحن إليه بلسانك: تميل إليه (١).
وقال أبو زيد: لحنت له ألحن، إذا قلت له قولاً يفقه عنك ويخفي على غيره (٢).
وقال ابن دريد (٣) معنى اللحن: أن تريد الشيء فتوري عنه بقول آخر (٤).
وقيل لمعاوية: إن عبد الله يلحن، فقال: أوليس بظريف لابن أخي (٥) أن يتكلم بالفارسية، ظن معاوية أنهم عنوا بقولهم عبد الله يلحن أي يتكلم بالفارسية إذ كان المتكلم بها معدولا عن جهة العربية.
وقال الفزاري (٦):
(١) انظر: كتاب "العين" (لحن) ٣/ ٢٢٩.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (لحن) ٥/ ٦٠.
(٣) هو: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية بن حنتم بن حسن بن حمامي بن جرو بن واسع بن وهب بن سلمة، من أئمة اللغة والأدب، كانوا يقولون ابن دريد أشعر العلماء وأعلم الشعراء ولد في البصرة سنة ٢٢٣ هـ، ومن كتبه: "الاشتقاق"، و"المقصور والممدود"، و"الجمهرة"، و"المجتبى" وغيرها، مات سنة ٣٢١ هـ. انظر: مقدمة "جمهرة اللغة" ١/ ٣، ٤، و"فيات الأعيان" ١/ ٤٩٧، و"تاريخ بغداد" ٢/ ١٩٥.
(٤) انظر: "جمهرة اللغة" (لحن) ٢/ ١٩٢، بلفظ: (اللحن صرفك الكلام عن جهته، لحن يلحن لَحْنا ولَحَنا، وعرفت ذلك في لحن كلامه أي فيما دل عليه كلامه).
(٥) انظر: "اللسان" (لحن) ١٣/ ٣٨٠.
(٦) هو: مالك بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر القزاري أبو الحسن شاعر غزل ظريف من الولاة كان هو وأبوه من أشراف الكوفة وتزوج الحجاج أخته هند بنت أسماء، واختار له أبو تمام أبياتًا في الحماسة. انظر: "الشعر والشعراء" ص ٥٢٧، و"لسان الميزان" ٥/ ٢، و"الأعلام" ٥/ ٢٥٧.
262
مَنطِقٌ صائِبٌ وَتَلَحَنُ أَحْيَاناً وَخَيرُ الحَدِيْثِ مَا كَانَ لَحْنَا (١)
يريد أنها تتكلم بالشيء وهي تريد غيره، وتعرض في حديثها فتزيله عن جهته من ذكائها وفطنتها كما قال الله -عز وجل- ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ وكما قال القَتَّال الكلابي (٢):
وَلَقدْ وَحَيْتُ لَكُم لِكَيْمَا تَفْهَمُوا وَلَحنْتَ لَحناً لَيْسَ بِالمرْتَابِ (٣)
واللحن في العربية راجع إلى هذا، لأنه العدول عن الصواب، هذا كلامه فيما حكاه حمزة (٤) صاحب الأمثال، وهو سديد، وذكر أبو القاسم الزجاجي رحمه الله معنى اللحن في كلام العرب بأبلغ شرح فقال (٥): أصل (ل ح ن) على هذا الترتيب موضوع للميل عن الشيء والعدول عنه، يقال: لحن فلان في منطقه، إذا أخذ في شيء ترك الظاهر له وعدل عنه إلى غيره،
(١) انظر: "الشعر والشعراء" ص ٥٢٧، "تهذيب اللغة" (لحن) ٥/ ٦١، "اللسان" (لحن) ١٣/ ٣٨٠، "الدر المصون" ٦/ ١٥٧.
(٢) ورد خلاف في اسمه والمشهور: عبد الله بن مجيب بن مضرحى الكلابي أبو المسيب شاعر إسلامي غلب عليه لقب القتال لشجاعته. له ديوان مطبوع وهو من بني أبي بكر بن كلاب بن ربيعة. انظر: "الأغاني" ٢/ ١٥٩، "المحبر" ص ٢٨٨، "الخزانة" ٣/ ٦٨٨، "الشعر والشعراء" ص ٤٧١.
(٣) انظر: "ديوانه" ص ٣٦، "الزاهر" لابن الأنباري ١/ ٣٠٦، واستشهد القرطبي بهذا البيت بهذا اللفظ. انظر ١٦/ ٢٥٣، وهو في "اللسان" بلفظ (لحنت لكم (بدل) وحيت لكم). انظر: "اللسان" (لحن) ١٣/ ٣٨٠، وانظر: "الدر المصون" ٦/ ١٥٧.
(٤) لعله: حمزة بن الحسن الأصبهاني أبو عبد الله إمام لغوي له مؤلفات حسان توفي حوالي ٣٦٠ هـ له كتاب "الأمثال السائرة، والأمثال الصادرة في بيوت الشعر". انظر ترجمته في: "أخبار أصبهان" ١/ ٣٠٠، "الأعلام" للزركلي ٢/ ٣٠٩، "معجم المؤلفين" ٤/ ٧٨.
(٥) لم أقف عليه عند الزجاجي وانظر: "مقاييس اللغة" (لحن) ٥/ ٢٣٩.
263
يعميه على السامع وذلك كالتعريض في الكلام، ويقال لمثل ذلك القول: ملاحن القول، وهذا كقولهم: والله ما رأيت زيداً برائب، أصبت ريبة لا روبة البصر، ويقال: لاحنت فلاناً، أي راطنته، وذلك أن تضع بينك وبينه كلاماً يفهمه عنك وتفهمه عنه، ولا يفهم غيركما، لأنكما قد عدلتما عن المعتاد من الكلام ومنه قول الطرماح:
وأَدَّتْ إليَّ القَولَ عَنْهنَّ زَوْلةٌ تُلاحِنُ أوْ تَرْنُو لقَوْلِ المُلاحِنِ (١)
أي: تتكلم بمعنى كلام لا يفطن له غيري، ومن هذا قوله تعالى: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ أي في فحواه ومعناه، يعني: المنافقين، وذلك أنهم كانوا يخاطبون النبي -صلى الله عليه وسلم- بكلام تواضعوه بينهم والنبي -صلى الله عليه وسلم- يسمع ذلك ويأخذ بالظاهر المعتاد، فنبهه الله تعالى على ذلك، فكان بعد نزول هذه الآية يعرف المنافقين إذا سمع [كلام (٢)]، فلحن القول ميلهم عن الظاهر.
وحكى سلمة (٣) عن الفراء: يقال للرجل يعرض ولا يصرح: قد جعل كذا وكذا لحنا لحاجته، ويقال من هذا: لَحَنَ يلحن، فأما لَحِنَ يلحن فالمراد به (٤) فَطِن وفهم.
(١) انظر: "تهذيب اللغة" (لحن) ٥/ ٦٣، "اللسان" (لحن) ١٣/ ٣٧٩.
(٢) كذا في الأصل ولعل الصواب (كلامهم).
(٣) هو: سلمة بن عاصم أبو محمد البغدادي النحوي صاحب الفراء، روى القراءة عن أبي الحارث الليث بن خالد وروي القراءة عنه أحمد بن يحيى ثعلب، قال ابن الأنباري: كتاب سلمة في "معاني القرآن للفراء" أجود الكتب لأن سلمة كان عالمًا وكان يراجع الفراء فيما عليه ويرجع عنه، توفي بعد ٢٧٠ هـ.
انظر: "طبقات النحويين واللغويين" ١٣٧، و"إنباه الرواة" ٢/ ٥٦، و"غاية النهاية" ١/ ٣١١.
(٤) انظر: "كتاب العين" (لحن) ٣/ ٢٣٠، و"معاني القرآن للفراء" ٣/ ٦٣.
264
ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض" (١)، أي أفطن لها وأقدر على لحن القول وفحواه ومعناه.
قال أبو عبيد (٢): اللّحَن بفتح الحاء الفطنة، واللّحِن بالكسر الحاذق بالكلام الفطن، وإنما قالوا: لحِن، إذا فطن وفهم؛ لأنه سمع ما لُحِنَ له من القول فعلم فحوى ما قيل له، فقيل: لَحِنَ كما يقال: فطن، وأما قول الكلابية قال (٣):
وقومٌ لهم لَحْنٌ سِوى لَحْنِ قَوْمِنا وشَكْلٌ وبيتِ اللهِ لَسْنا نُشاكِلُهْ (٤)
أي: لغة ومذهب في الكلام يذهبون إليه سوى كلام الناس المعتاد، لأنهم عدلوا به إلى ما أرادوا وتركوا ما يتعارفه الناس، والألحان:
(١) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات باب ٣٧ من أقام البينة بعد اليمين ٣/ ١٦٢، وفي كتاب الحيل، باب ١٠، ٨/ ٦٢، وفي كتاب الأحكام، باب ٢٠ موعظة الإمام للخصوم ٨/ ١١٢، وأخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب ٣ الحكم بالظاهر واللحن وبالحجة ٢/ ١١٢، وأخرجه الترمذي في كتاب الأحكام، باب ١١ ما جاء في التشديد على من يقضى له بشيء ليس له أن يأخذه ٣/ ٢٣٣، وفي باب ٣٣ ما يقطع القضاء ٨/ ٢٤٧، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الأحكام، باب ٥ قضية الحاكم لا تحل حرامًا ولا تحرم حلالاً ٢/ ٧١٩، وأخرجه مالك في الموطأ كتاب الأقضية، باب ١، الترغيب في القضاء بالحق ٢/ ٧١٩، وأخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة ٢/ ٣٣٢، وأخرجه أيضًا عن أم سلمة ٦/ ٢٠٣، ٦/ ٢٩٠، ٦/ ٣٠٧، ٦/ ٣٠٨، ٦/ ٣٢٠.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (لحن) ٥/ ٦٢ بتصرف.
(٣) كذا في الأصل بمد اللام وفي "تهذيب اللغة" الكلبية. انظر: "تهذيب اللغة" (لحن) ٥/ ٦٢، "اللسان" (لحن) ١٣/ ٣٨٠، ولم أقف لها على ترجمة.
(٤) انظر هذا الشاهد وكلام أبي عبيد الذي قبله في "تهذيب اللغة" (لحن) ٥/ ٦٢، "اللسان" (لحن) ١٣/ ٣٨٠.
265
الضروب من الأصوات في الأغاني كقولهم: لحن معبد ولحن سريج، سمي بذلك لأن كل صوت له طريق ومذهب غير مذهب الصوت الآخر، فكأن المعنى عدل بالصوت إلى طريق آخر، والملحِّن الذي يسوي طريق الأغاني.
وقال النضر: سألت الخليل عن قولهم: لحن القارئ فيما قرأ، فقال: ترك إعراب الصواب وعدل عنه (١).
وأما المفسرون؛ فقال ابن عباس: في معنى القول (٢).
وقال الحسن: في فحواه (٣)، وقال القرظي: في مقصده ومغزاه (٤)، وقال أبو إسحاق: دل بهذا والله أعلم أن قول القائل قد يدل على نيته (٥) هذا كلامه، ومعنى الآية: ولتعرفنهم في معاريض كلامهم وما يلحنون به، من غير تصريح في تهجين أمرك وأمر المسلمين والاستهزاء بهم، قال الكلبي: كان بعد ذلك لا يتكلم منافق عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا عرفه بكلامه (٦).
وقال مقاتل: لم يَخْفَ منافقٌ بعد هذه الآية على النَّبي -صلى الله عليه وسلم- (٧).
ونحو هذا روي عن أنس أنه قال: خفي بعد نزول هذه الآية على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء من المنافقين (٨)، وهذا يحمل على أنه -صلى الله عليه وسلم- تأمل كلامهم
(١) لم أقف عليه.
(٢) ذكر ذلك البغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٨٩ ولم ينسبه، والقرطبي ولم ينسبه ١٦/ ٢٥٢.
(٣) ذكر ابن الجوزي هذا المعنى ٧/ ٤١١، والقرطبي ١٦/ ٢٥٢ ولم ينسباه.
(٤) ذكر ذلك في "الوسيط"، ولم ينسبه، انظر: ٤/ ١٢٩.
(٥) انظر: "معاني القرآن للزجاج" ٥/ ١٥.
(٦) ذكر هذا القول أبو الليث السمرقندي في "تفسيره" ٣/ ٢٤٦ ولم ينسبه، ونسبه القرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٥٣ للكلبي، وذكره في "الوسيط" ٤/ ١٢٩ ولم ينسبه.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٥٠.
(٨) ذكر ذلك القرطبي في "الجامع" ١٦٦/ ٢٥٣.
266
وتفكر في أنحاء مخاطباتهم لما نبهه الله على ذلك بقوله: (ولتعرفنهم في من القول). فاستدل بفحوى كلامهم على فساد دخيلتهم وسوء اعتقادهم.
قال مقاتل: ثم رجع إلى المؤمنين أهل التوحيد فقال: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ من الخير والشر (١)، فلا يخفى عليه منها شيء.
٣١ - قوله: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ أي: لنعاملنكم المختبر نأمركم بالقتال والجهاد حتى يتبين المجاهد والصابر على دينه من غيره، وهو قوله: ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾. قال ابن عباس: حتى نميز (٢).
وقال مقاتل: حتى نرى (٣) وذكرنا الكلام في مثل هذا في مواضع، والمعنى حتى نعلم علم شهادة ووجود، وهو العلم الذي يقع به الجزاء والذي علمه غيباً لا يقع به الجزاء والقراء قرؤوا: (ولنبلونكم) وما بعده بالنون لما تقدمه من قوله: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ﴾ جعلوا قوله: (والله يعلم أعمالكم) كالاعتراض، ويجوز أن يكون ذلك عوداً إلى لفظ الجمع بعد لفظ الإفراد فيكون كقوله: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [الإسراء: ٢] بعد قوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: ١] وروي عن عاصم الياء فيها حملاً على قوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٠].
وقوله: ﴿وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ عطف على قوله: (حتى نعلم) (٤)، قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد لنظهر ما تسرون.
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٥٠.
(٢) ذكر ذلك القرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٥٣.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٥٠.
(٤) انظر: "الحجة" لأبي علي ٦/ ١٩٧، "تفسير الطبري" ١٣/ ٦٢، "الكشف عن وجوه القراءات" لمكي ٢/ ٢٧٨، "المحرر الوجيز" لابن عطية ١٥/ ٧٦.
وقال في رواية الكلبي يقول: تظهر نفاقكم للمؤمنين (١).
ومعنى الآية: حتى نعلم المجاهدين وحتى نكشف أخباركم ونظهرها يعني يأبى من يأبى القتال ولا يصبر على الجهاد فيفضح ويظهر سر نفاقه، فمعنى (نبلوا) هاهنا ليس من الاختبار في شيء، لأنه لا يقال: ولنبلونكم حتى نبلوا أخباركم، ولأن بلو الأخبار بمعنى التجربة لا يصح، فمعناه ما ذكره ابن عباس من الكشف والإظهار، ويجوز أن يوضع البلو موضع الكشف؛ لأن القصد بالبلو الكشف والإظهار، فجاز أن يفسر بما يؤول إليه، ومن هذا قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ [الطارق: ٩] أي تظهر، ونذكر الكلام فيه إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى:
٣٢ - قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا﴾ الآية قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد قريظة والنضير (٢).
وقال مقاتل: يعني اليهود (٣).
وقال الكلبي: نزلت في المطعمين يوم بدر (٤)، والقول أنها نزلت في اليهود لقوله: (بعد ما تبين لهم الهدى). بعد ما بين لهم في التوراة، وهذا
(١) انظر: "تنوير المقباس" ص ٥١٠.
(٢) ذكر ذلك ابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٤١٢، وذكره في "الوسيط" ٤/ ١٢٩ ولم ينسبه.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٥٠.
(٤) ذكر ذلك البغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٩٠، والسمرقندي في "تفسيره" ٣/ ٢٤٦، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٤١٢، والقرطبي في "الجامع" ونسبه لابن عباس ١٦/ ٢٥٤، وانظر: "تنوير المقباس" ص ٥١٠.
لا يصح في وصف المشركين من أهل مكة.
٣٣ - ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: أي: بالشك والنفاق (١) وقال الكلبي عنه: بالرياء والسمعة (٢). والمعنى: أخلصوها لله، وقال مقاتل: أي بالمن (٣)، نزلت في قوم كانوا يمنون بإسلامهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال الحسن: أي بالمعاصي والكبائر (٤).
وروى الربيع بن أنس عن أبي العالية، قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرون أنه لا يضر مع الإخلاص لله ذنبٌ، كما لا ينفع مع الشرك عمل صالح (٥). فأنزل الله هذه الآية، فخافوا الكبائر بعد أن تحبط الأعمال.
وقال مقاتل بن حيان: يقول: إذا عصيتم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أبطلتم أعمالكم (٦).
(١) ذكر ذلك البغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٩٠، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٤١٢، ونسبه في "الوسيط" ٤/ ١٢٩ لعطاء.
(٢) ذكر ذلك الماوردي في "تفسيره" ٥/ ٣٠٦، والبغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٩٠، وابن الجوزي في "زاد المسير" ونسبه لابن السائب ٧/ ٤١٢، والقرطبي في "الجامع"، ونسبه لابن جريج ١٦/ ٢٥٤، ونسبه في "الوسيط" للكلبي. انظر ٤/ ١٢٩.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٥١.
(٤) ذكر ذلك الماوردي في "تفسيره" دون ذكر الكبائر ٥/ ٣٠٦، والبغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٩٠، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٥٤ دون ذكر الكبائر ونسبه في "الوسيط" للحسن بهذا اللفظ. انظر: ٤/ ١٢٩.
(٥) ذكر ذلك السمرقندي في "تفسيره" ٣/ ٢٤٧، والبغوي ٧/ ٢٩٠ والسيوطي في "الدر" ٨/ ٥٠٤ وعزاه لعبد بن حميد ومحمد بن نصر المروزي وابن أبي حاتم، ونسبه القرطبي في "الجامع" ١٦/ ٢٥٥ لأبي العالية، ونسبه في "الوسيط" ٤/ ١٢٩ لأبي العالية.
(٦) ذكر ذلك القرطبي "الجامع" ١٦/ ٢٥٥، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٧/ ٨٥.
٣٥ - ثم قال للمسلمين: ﴿فَلَا تَهِنُوا﴾ فلا تضعفوا، قاله الجميع (١)، وقوله: ﴿وَتَدْعُوا﴾ في محل الجزم بالعطف على ما قبله (٢).
قوله: ﴿إِلَى السَّلْمِ﴾ وقرئ بفتح السين (٣) وقد تقدَّم الكلامُ فيه في سورة البقرة [آية: ٢٠٨] قال قتادة: لا يكونوا أولى الطائفتين ترغب إلى صاحبها (٤).
قال ابن حيان: ولا تبدؤا فتدعوا إلى الصلح (٥).
قال أبو إسحاق: منع الله المسلمين أن يدعوا الكافرين إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا (٦).
وقال أبو علي: المعنى: لا توادعوهم ولا تتركوا قتالهم؛ لأنكم الأعلون فلا ضعف بكم فتدعوا إلى الموادعة (٧)، فقال ابن عباس في قوله: (وأنتم الأعلون): وأنتم الغالبون، وهو قول مجاهد والمقاتلَيْن وقتادة (٨): وأنتم أولى بالله منهم.
وقال الكلبي: آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات (٩).
(١) انظر: "تفسير السمرقندي" ٣/ ٢٤٧، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٩٠، و"زاد المسير" ٧/ ٤١٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٥٥.
(٢) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٤/ ١٩٢، و"الدر المصون" ٦/ ١٥٨.
(٣) انظر: "الحجة" لأبي علي ٦/ ١٩٨.
(٤) ذكر ذلك الثعلبي في تفسيره ١٠/ ١٣ أ، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ١٥٦.
(٥) ذكر معنى ذلك مقاتل في "تفسيره" ٤/ ٥٣.
(٦) انظر: "معاني القرآن للزجاج" ٥/ ١٦.
(٧) انظر: "الحجة" لأبي علي ٦/ ١٩٩.
(٨) أخرج ذلك الطبري عن مجاهد. انظر: "تفسيره" ١٣/ ٦٣، و"تفسير مجاهد" ص ٦٠٥، و"تفسير مقاتل" ٤/ ٥٣، و"تفسير البغوي" ولم ينسبه ٧/ ٢٩٠.
(٩) ذكر ذلك البغوي في "تفسيره" ٧/ ٢٩٠، وانظر: "تنوير المقباس" ص ٥١٠.
270
وقال الزجاج: وأنتم الأعلون في الحجة (١). ومضى الكلام في نظير هذه الآية في سورة آل عمران [آية: ١٣٩].
قوله: ﴿وَاللهُ مَعَكُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد على عدوكم، وقال مقاتل وغيره: والله معكم بالنصر (٢) ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ قال الكسائي: لن ينقصكم، يقال: وتره يتره وِتْرًا ووَتْرًا ووترة، ونحو هذا قال أبو عبيدة والمبرد والزجاج (٣) وجميع أهل اللغة، واحتجوا بما روي في الحديث: "من فاته العصر فكأنما وتر أهله وماله" (٤)، أي نقص أهله وماله فبقي فرداً.
قال الزجاج: أي لن ينقصكم شيئاً من ثوابكم (٥).
وقال الفراء: هو من وترت الرجل، إذا قتلت له قتيلاً، وأخذت ماله فقد وترته (٦)، وحمل الحديث على هذا المعنى وهو من الوتر، وهو أن يجني الرجل على الرجل جناية ويقتل له قتيلاً أو يذهب بماله وأهله فيقال: وتر فلان أهله وماله، قال أبو عبيد والمبرد: وأحد القولين قريب من
(١) انظر: "معاني القرآن للزجاج" ٥/ ١٦.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٥٣، و"البغوي" ٧/ ٢٩٠، و"زاد المسير" ٧/ ٥١٤.
(٣) انظر: "مجاز القرآن لأبي عبيدة" ٢/ ٢١٦، و"معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٦، و"معاني القرآن" للنحاس ٦/ ٤٨٦، و"تفسير الطبري" ١٣/ ٦٤، و"تفسير غريب القرآن لابن قتيبة" ص ٤١١.
(٤) أخرجه البخاري عن ابن عمر بلفظ: "الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله" كتاب المواقيت، باب أثم من فاتته العصر ١/ ١٣٨، وأخرجه مسلم في كتاب المساجد، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر ١/ ٤٣٥، وأخرجه مالك في "الموطأ"، كتاب وقوت الصلاة، باب ٥، ١/ ١١، ١٢
(٥) انظر: "معاني القرآن للزجاج" ٥/ ١٦.
(٦) انظر: "معاني القرآن للفراء" ٣/ ٦٤.
271
الآخر (١)؛ لأن الموتر إنما هو مطالبة بما نقص من عدده، والمفسرون قالوا: لن ينقصكم ولن يظلمكم (٢)، قال ابن حيان: لن يظلمكم أعمالكم الصالحة، أي: يؤتيكم أجورها في الآخرة (٣).
٣٦ - ثم حض على طلب الآخرة قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ قال ابن عباس: باطل وغرور (٤) ﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا﴾ تصدقوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- (وتتقوا) قال الكلبي ومقاتل: الفواحش والكبائر ومعاصي الله (٥). ﴿يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ﴾ يعني جزاء أعمالكم في الآخرة.
﴿وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ﴾ قال الكلبي: لا يسألكم أموالكم كلها في الصدقة (٦)، ويدل على هذا.
٣٧ - قوله: ﴿إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ﴾ أي: يجهدكم بمسألة جميع أموالكم، يقال أحفى فلان فلانًا إذا برح به في الإلحاح عليه وسأله فأكثر عليه الطلب وهو مثل الإلحاف سواء.
قال الكلبي: إن يسألكموها كلها في الصدقة فيجهدكم، تبخلوا بها
(١) ذكر ذلك الأزهري في "تهذيب اللغة" (وتر) ١٤/ ٣١٤، وانظر: "اللسان" (وتر) ٥/ ٢٤٧.
(٢) أخرج ذلك الطبري عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ١٣/ ٦٤، وذكره الماوردي في "تفسيره" ونسبه لمجاهد وقتادة ٥/ ٣٠٦، ونسبه البغوي لابن عباس وقتادة ومقاتل والضحاك ٧/ ٢٩٠.
(٣) ذكر ذلك البغوي ٧/ ٢٩٠، ولم ينسبه، ونسبه في "الوسيط" ٤/ ١٣٠ لابن حيان.
(٤) ذكر ذلك البغوي ولم ينسبه ٧/ ٢٩٠.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٥٣، و"تنوير المقابس" ص ٥١٠.
(٦) ذكر ذلك الماوردي ولم ينسبه ٥/ ٣٠٦، والبغوي ونسبه لابن عيينة ٧/ ٢٩١، وكذلك نسبه القرطبي لابن عيينة ١٦/ ٢٥٧.
فلا تعطوها (١) "وقال أبو إسحاق: أي إن يجهدكم بالمسألة (٢).
﴿تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ﴾ قال الكلبي: يظهر بغضكم وعداوتكم لله ورسوله، ولكنه فرض عليكم يسيراً ربع العشر، وهذا قول مقاتل والجميع (٣).
وقال السدي: إن سألكم جميع ما في أيديكم تبخلوا (٤)، ولكن يسألكم أن تنفقوا في سبيل الله وهو يسير فيما أعطاكم.
وقال قتادة: علم الله أن في مسألة المال خروج الأضغان (٥).
وقال الفراء، يخرج ذلك البخل عداوتكم (٦)، يعني أن قوله (تبخلوا) يدل على البخل.
قوله تعالى: ﴿يُخْرِجْ﴾ مسند إليه، أي ذلك البخل يظهر عداوتكم لله ورسوله لو سألكم أموالكم كلها، قال: ويجوز أن يكون يخرج الله أضغانكم.
٣٨ - قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ﴾ قال ابن عباس: يريد أن لا ينفق أحد في سبيل الله إلا أعطاه الله في الدنيا أضعافه، وفي الآخرة ما لا يقدر الواصفون يصفونه (٧).
وقال مقاتل بن سليمان: فإنما يبخل بالخير والفضل في الآخرة عن
(١) ذكر هذا المعنى البغوي ولم ينسبه ٧/ ٢٩١، وانظر: "تنوير المقباس" ص ٥١٠، و"تفسير الوسيط" ٤/ ١٣٠.
(٢) انظر: "معاني القرآن للزجاج" ٥/ ١٦.
(٣) انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٩١، و"تفسير مقاتل" ٤/ ٥٤، و"زاد المسير" ٤١٤.
(٤) ذكر ذلك المؤلف في تفسيره "الوسيط" عن السدي. انظر: ٤/ ١٣٠.
(٥) ذكر نحو هذا المعنى الطبري ١٣/ ٦٥، والبغوي ٧/ ٢٩١، وأورد الثعلبي قول قتادة في "تفسيره" ١٠/ ١٣١ أ، وى لك ذكر قول قتادة في "الوسيط" ٤/ ١٣٠.
(٦) انظر: "معاني القرآن للفراء" ٣/ ٦٤.
(٧) لم أقف عليه.
273
نفسه (١)، وقال ابن حيان: فإنما يبخل بالكرامة والفضل من الله على نفسه (٢).
﴿وَاللهُ الْغَنِيُّ﴾ عما عندكم من الأموال وقال عطاء: عن خلقه (٣) ﴿وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾ إليه وإلى ما عنده من الخير والرحمة.
﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا﴾ قال ابن عباس: عن الإسلام (٤)، وقال مقاتل: وإن تعرضوا عما افترضت عليكم من حقي ﴿يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ قال مقاتل: يعني قوماً أمثل وأطوع لله منكم (٥).
قوله: ﴿ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ قال: يكونوا خيراً منكم، وقال عطاء عن ابن عباس: لا يكونوا أمثالكم في النفاق والبخل (٦)، وعلى هذا يجب أن يكون الخطاب للمنافقين.
وقال الكلبي: لم يتولوا ولم يستبدل بهم (٧).
وروى أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الذين يستبدل بهم إن تولوا، فضرب على منكب سلمان، وقال: "هذا وقومه" (٨).
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٥٤.
(٢) ذكر ذلك في "الوسيط" عن مقاتل، انظر: ٤/ ١٣٠.
(٣) قال ابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٤١٥: (عنكم وعن أموالكم) ولم ينسبه.
(٤) أخرج الطبري عن قتادة قال: (عن كتابي وطاعتي) ١٣/ ٦٦، وذكره في "الوسيط" بهذا اللفظ، ولم ينسبه. انظر: ٤/ ١٣٠.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٥٤.
(٦) قال الطبري ١٣/ ٦٦: (لا يبخلوا بما أمروا به من النفقة في سبيل الله ولا يضيعون شيئًا من حدود دينهم ولكنهم يقومون بذلك كله على ما يؤمرون به).
(٧) ذكر المؤلف ذلك في تفسيره "الوسيط" ٤/ ١٣٠ عن الكلبي.
(٨) أخرجه الطبري عن أبي هريرة. انظر: "تفسيره" ١٣/ ٦٦، وأخرجه الترمذي عن أبي هريرة، انظر: كتاب التفسير، باب ٤٨، ومن سورة محمد -صلى الله عليه وسلم- ٥/ ٣٨٤، وأخرجه المؤلف في "الوسيط" عن أبي هريرة. انظر: ٤/ ١٣١.
274
وهذا كما قال الحسن: هم العجم (١)، ونحو هذا قال عكرمة: فارس (٢)
وأحسن مجاهد في قوله: من شاء (٣)، يعني يستبدل الله بهم من شاء من عباده، فيجعلهم خيراً من هؤلاء.
(١) انظر: "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٢٩١، "تفسير البغوي" فقد نسب القول للحسن ٧/ ٢٩١، وكذلك ابن الجوزي نسبه للحسن ٧/ ٤١٥، والقرطبي ١٦/ ٢٥٨.
(٢) ذكر ذلك البغوي ٧/ ٢٩١، وابن الجوزي ٧/ ٤١٥، والقرطبي ١٦/ ٢٥٨ عن عكرمة.
(٣) انظر: "تفسير مجاهد" ص ٦٠٦، "زاد المسير" ٧/ ٤١٦، "الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٥٨، "الدر المنثور" ٧/ ٥٠٦.
275
سورة الفتح
277
Icon