تفسير سورة محمد

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة محمد من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مدنية وهي ثلاثون وثماني آيات

﴿الذين كفروا﴾ أهل مكَّة ﴿وصدوا عن سبيل الله﴾ ومنعوا النَّاس عن الإيمان بمحمد ﷺ ﴿أضلَّ أعمالهم﴾ أحبطها فلا يرون في ألآخرة لها جزاءً وقوله:
﴿كفَّر عنهم سيئاتهم﴾ أَيْ: سترها وغفرها لهم ﴿وأصلح بالهم﴾ أمرهم وحالهم
﴿ذلك﴾ الإِضلال والتَّكفير لاتِّباع الكافرين الباطل وهو الشَّيطان واتِّباع المؤمنين الحقَّ وهو القرآن ﴿كذلك يضرب الله للناس أمثالهم﴾ أَيْ: كالبيان الذي ذُكر يُبيِّن الله للنَّاس أمثال سيئات الكافرين وحسنات المؤمنين
﴿فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب﴾ فاضربوا رقابهم أَيْ: فاقتلوهم ﴿حتى إذا أثخنتموهم﴾ أكثرتم فيهم القتل ﴿فشدوا﴾ وثاق الأسارى حتى لا يفلتوا منكم ﴿فإمَّا منَّاً بعد﴾ أَيْ: بعد أن تأسروهم إما منتم عليهم فأطلقتموهم وإمَّا أن تُفادوهم بمالٍ ﴿حتى تَضَعَ الحرب أوزارها﴾ أَيْ: اقتلوهم وأسروهم حتى لا يبقى كافر يقاتلكم فتسكن الحر وتنقطع وهو معنى قوله: ﴿تضع الحرب أوزارها﴾ أي: يضع أهلها آلة الحر من السِّلاح وغيره ويدخلوا في الإِسلام أو الذِّمَّة ﴿ذلك﴾ أَيْ: افعلوا ذلك الذي ذكرت ﴿ولو يشاء الله لانتصر منهم﴾ أهلكهم بغير قتالٍ ﴿ولكن ليبلو بعضكم ببعض﴾ يمحِّص المؤمنين بالجهاد ويمحق الكافرين ﴿والذين قتلوا في سبيل الله﴾ وهم أهل الجهاد
﴿سيهديهم﴾ في الدُّنيا إلى الطَّاعات وفي الآخرة إلى الدَّرجات ﴿ويصلح بالهم﴾ أمر معاشهم
﴿ويدخلهم الجنة عرَّفها لهم﴾ بيَّن لهم مساكنهم فيها وعرَّفهم منازلهم
﴿يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله﴾ أَيْ: رسوله ودينه ﴿ينصركم ويثبت أقدامكم﴾ في مواطن القتال
﴿والذين كفروا فتعساً لهم﴾ أَيْ: سقوطاً وهلاكاً ﴿وأضلَّ أعمالهم﴾ أبطلها لأنَّها كانت للشَّيطان ثمَّ توعَّدهم فقال:
﴿ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم﴾
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين من قبلهم دمَّر الله عليهم وللكافرين أمثالها﴾ أَيْ: أمثال تلك العاقبة التي كانت لمَنْ قبلهم
﴿ذلك﴾ أَيْ: ذلك النَّصر للمؤمنين والهلاك للكافرين ﴿بأنَّ الله مولى الذين آمنوا﴾ وليُّهم وناصرهم ﴿وأن الكافرين لا مولى لهم﴾ لا ولي ينصرهم من الله
﴿والذين كفروا يتمتعون﴾ في الدُّنيا ﴿ويأكلون كما تأكل الأنعام﴾ ليس لهم همَّةٌ إلاَّ بطونهم وفروجهم ثمَّ يصيرون إلى النَّار
﴿وكأين من قرية هي أشدُّ قوة من قريتك التي أخرجتك﴾ يعني: مكَّة أخرجك أهلها ﴿أهلكناهم﴾ بتكذيبهم الرُّسل ﴿فلا ناصر لهم﴾
﴿أفمن كان على بينة من ربه﴾ وهم النبيُّ ﷺ والمؤمنون ﴿كمَنْ زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم﴾ وهم أبو جهل والكفَّار
﴿مثل﴾ صفة ﴿الجنَّة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماءٍ غير آسن﴾ غير متغيِّرِ الرَّائحة ﴿وأنهار من خمر لذة للشاربين﴾ لذيذة
﴿ومنهم مَنْ يستمع إليك﴾ يعني: المنافقين ﴿حتى إذا خرجوا من عندك﴾ كانوا يستمعون خطبة رسول الله ﷺ وإذاخرجوا سألوا أصحاب رسول الله ﷺ استهزاءً وإعلاماً أنَّهم لم يلتفتوا إلى ما قال يقولون: ﴿ماذا قال آنفاً﴾ أَيْ: الآن وقوله:
﴿وآتاهم تقواهم﴾ أَيْ: ثواب تقواهم ويجوز أن يكون المعنى: وألهمهم تقواهم ووفَّقهم لها
﴿فهل ينظرون﴾ ينتظرون ﴿إلاَّ الساعة﴾ القيامة ﴿أن تأتيهم بغتة﴾ أَيْ: هم في الحقيقة كذلك لأنَّه ليس الأمر إلاَّ أن تقوم عليهم السَّاعة بغتةً ﴿فقد جاء أشراطها﴾ علاماتها من بعث محمد ﷺ وغيره ﴿فأنى لهم إذا جاءتهم﴾ السَّاعة ﴿ذكراهم﴾ أَيْ: فمن أين لهم أن يتذكَّروا أو يتوبوا بعد مجيء السَّاعة
﴿فأعلم أنه لا إله إلاَّ الله﴾ أَيْ: فاثبت على ذلك من علمك ﴿والله يعلم متقلبكم﴾ مُتصرِّفكم في أعمالكم وأشغالكم وقيل: مُتقلَّبكم من الأصلاب إلى الأرحام ﴿ومثواكم﴾ مرجعكم في الدُّنيا والآخرة
﴿ويقول الذين آمنوا﴾ حرصاً منهم على الوحي إذا استبطؤوه: ﴿لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة﴾ غير منسوخةٍ ﴿وذكر فيها﴾ فُرِضَ ﴿القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض﴾ أَيْ: المنافقين ﴿ينظرون إليك﴾ شررا ﴿نظر المغشي عليه من الموت﴾ كنظر مَنْ وقع في سكرات الموت كراهة منهم للقتال ﴿فأولى لهم﴾
﴿طاعة وقول معروف﴾ أَيْ: لو أطاعوا وقالوا لك قولاً حسناً كان ذلك أولى ﴿فإذا عزم الأمر﴾ أَيْ: جدَّ الأمرُ ولزم فرض القتال ﴿فلو صدقوا الله﴾ في الإِيمان والطَّاعة ﴿لكان خيراً لهم﴾
﴿فهل عسيتم إن توليتم﴾ أَيْ: لعلَّكم إن أعرضتم عمَّا جاء به محمد عليه السَّلام أن تعودوا إلى أمر الجاهليَّة فيقتل بعضكم بعضاً وهو قوله: ﴿أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم﴾ أَيْ: بالبغي والظلم والقتل
﴿أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم﴾
﴿أفلا يتدبرون القرآن﴾ فيتَّعظوا بمواعظه ﴿أم على قلوبٍ أقفالها﴾ فليس تفهمها
﴿إنَّ الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى﴾ يعني: كفَّار أهل الكتاب كفروا بمحمد ﷺ وهم يعرفونه ﴿الشيطان سول لهم﴾ زيَّن لهم ﴿وأملى لهم﴾ أطال لهم الأمل
﴿ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزَّل الله﴾ يعني: المشركين ﴿سنطيعكم في بعض الأمر﴾ في التَّظاهر على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم
﴿فكيف﴾ أَيْ: فكيف يكون حالهم ﴿إذا توفتهم الملائكة﴾
﴿ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم﴾
﴿أم حسب الذين في قلوبهم مرض﴾ وهم المنافقون ﴿أن لن يخرج الله أضغانهم﴾ لن يظهر الله أحقادهم على النبي ﷺ والمؤمنين
﴿ولو نشاء لأريناكهم﴾ لعرفناكم ﴿فلعرفتهم بسيماهم﴾ بعلامتهم ﴿ولتعرفنهم في لحن القول﴾ في معنى كلامهم إذا تكلَّموا معك
﴿ولنبلونكم﴾ بالجهاد ﴿حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين﴾ العلم الذين يقع به الجزاء ﴿ونبلو أخباركم﴾ أَيْ: ونكشف ما تُسرُّون
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئاً وسيحبط أعمالهم﴾
﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾ أَيْ: بالمنِّ على رسول الله ﷺ بإسلامكم
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم﴾
﴿وتدعوا إلى السلم﴾ أَيْ: لا توادعوهم ولا تتركوا قتالهم حتى يُسلموا لأنَّكم الأعلون ولا ضعف بكم فتدعوا إلى الصُّلح ﴿والله معكم﴾ بالنُّصرة ﴿ولن يتركم أعمالكم﴾ لن ينقصكم شيئاً من ثواب أعمالكم وقوله:
﴿ولا يسألكم أموالكم﴾ أَيْ: لا يسألكم محمَّد عليه السَّلام أموالكم أجراً على تبليغ الرِّسالة
﴿إن يسألكموها فيحفكم﴾ يجهدكم بالمسألة ﴿تبخلوا ويخرج أضغانكم﴾ ويظهر عداوتكم لأنَّ في مسألة المال ظهور العداوة والحق
﴿ها أنتم هؤلاء﴾ يا هؤلاء ﴿تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم مَنْ يبخل﴾ بالصدفة ﴿ومَنْ يبخل فإنما يبخل عن نفسه﴾ لأنَّ له ثواب ما أعطي فإذا لم يعط لم يستحقَّ الثَّواب ﴿والله الغنيُّ﴾ عن صدقاتكم ﴿وأنتم الفقراء﴾ إليها في الآخرة ﴿وإن تتولوا﴾ عن الرَّسول ﴿يستبدل قوماً غيركم﴾ أطوع منكم وهم فارس ﴿ثم لا يكونوا﴾ في الطَّاعة ﴿أمثالكم﴾ بل يكونوا أطوع منكم وهذا الخطاب للعرب
Icon