تفسير سورة إبراهيم

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

﴿الر﴾ أنا الله أرى هذا ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النور﴾ من الشِّرك إلى الإِيمان ﴿بإذن ربهم﴾ بقضاء ربِّهم لأنَّه لا يهتدي مهتدٍ إلاَّ بإذن الله سبحانه ثمَّ بيَّن ما ذلك النُّور فقال: ﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾
﴿الله الذي له ما في السماوات وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شديد﴾
﴿الذين يستحبون﴾ يُؤثرون ويختارون ﴿الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله﴾ ويمنعون النَّاس عن دين الله ﴿ويبغونها عوجاً﴾ مضى تفسيره ﴿أولئك في ضلال﴾ في خطأ ﴿بعيد﴾ عن الحقِّ
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ بلغة قومه ليفهموا عنه وهو معنى قوله: ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ﴾ بعد التَّبيين بإيثاره الباطل ﴿ويهدي مَنْ يشاء﴾ باتباع الحقِّ
﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا﴾ بالبراهين التي دلَّت على صحَّة نبوَّته ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ من الشِّرك إلى الإِيمان ﴿وذكرهم﴾ وَعِظهم ﴿بأيام الله﴾ بنعمه أَي: بالتَّرغيب والتَّرهيب والوعد والوعيد ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ التَّذكير بأيَّام الله ﴿لآيات﴾ لدلالاتٍ ﴿لكلِّ صبَّار﴾ على طاعة الله ﴿شكور﴾ لأنعمه والآية الثانية مفسرة في سورة البقرة وقوله:
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾
﴿وإذ تأذَّن﴾ معطوفٌ على قوله: ﴿إذ أنجاكم﴾ والمعنى: وإذ أعلم ربُّكم ﴿لئن شكرتم﴾ وحَّدْتم وأطعتم ﴿لأزيدنَّكم﴾ ممَّا يجب الشُّكر عليه وهو النِّعمة ﴿ولئن كفرتم﴾ جحدتم حقِّي وحقَّ نعمتي ﴿إِنَّ عذابي لشديد﴾ تهديدٌ بالعذاب على كفران النِّعمة
﴿وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد﴾
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم﴾ يعني: من بعد هؤلاء الذين أهلكم الله ﴿لا يعلمهم إلاَّ الله﴾ لكثرتهم ولا يعلم عدد تلك الأمم وتعيينها إلاَّ الله ﴿جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم﴾ أيدي أنفسهم ﴿في أفواههم﴾ أَيْ: ثقل عليهم مكانهم فعضُّوا على أصابعهم من شدَّة الغيظ
﴿قالت رسلهم أفي الله شكٌّ﴾ أفي توحيد الله سبحانه شكٌّ؟ وهذا استفهامٌ معناه الإنكار أي: لا شكَّ في ذلك ثمَّ وصف نفسه بما يدلُّ على وحدانيته وهو قوله: ﴿فاطر السماوات والأرض يدعوكم﴾ إلى طاعته بالرُّسل والكتب ﴿لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مسمَّى﴾ لا يعاجلكم بالعقوبة والمعنى: إن لم تجيبوا عوجلتم وباقي الآية وما بعدها إلى قوله:
﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون﴾
﴿وما لنا أن لا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لنهلكن الظالمين﴾
﴿ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد﴾ ظاهر ومعنى: ﴿خاف مقامي﴾ معناه: خاف مقامه بين يدي ﴿وخاف وعيدِ﴾ : ما أوعدت من العذاب
﴿واستفتحوا﴾ واستنصروا الله سبحانه على قومهم ففازوا بالنَّصر ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ﴾ متكبِّرٍ عن طاعة الله سبحانه ﴿عنيدٍ﴾ مجانب للحقَّ
﴿من ورائه جهنم﴾ أَيْ: أمامه جهنَّم فهو يردها ﴿ويُسقى من ماء صديد﴾ وهو ما يسيل من الجرح مُختلطاً بالدَّم والقيح
﴿يتجرَّعه﴾ يتحسَّاه بالجرع لا بمرَّةٍ لمرارته ﴿ولا يكاد يسيغه﴾ لا يجيزه في الحلق إلاَّ بعد إبطاءٍ ﴿ويأتيه الموت﴾ أَيْ: أسباب الموت من البلايا التي تصيب الكافر في النَّار ﴿من كلِّ مكان﴾ من كلِّ شعرةٍ في جسده ﴿وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ موتاً تنقطع معه الحياة ﴿ومن ورائه﴾ ومن بعد ذلك العذاب ﴿عذاب غليظ﴾ متَّصل الآلام ثمَّ ضرب مثلاً لأعمال الكافر فقال:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ به الريح في يوم عاصف﴾ أَيْ: شديد هبوب الرِّيح ومعنى الآية: إنَّ كلَّ ما تقرَّب به الكافر إلى الله تعالى فَمُحْبَطٌ غيرُ منتفعٍ به لأنَّهم أشركوا فيها غير الله سبحانه وتعالى كالرَّماد الذي ذّرَّتْهُ الرِّيح وصار هباءً لا يُنتفع به فذلك قوله: ﴿لا يقدرون مما كسبوا على شيء﴾ أَيْ: لا يجدون ثواب ما عملوا ﴿ذَلِكَ هُوَ الضلال البعيد﴾ يعني: ضلال أعمالهم وذهابها والمعنى: ذلك الخسران الكبير
﴿ألم تر﴾ يا محمد ﴿أن الله خلق السماوات والأرض بالحق﴾ أَيْ: بقدرته وصنعه وعلمه وإرادته وكلُّ ذلك حقٌّ ﴿إن يشأ يذهبكم﴾ يُمتكم أيُّها الكفَّار ﴿ويأت بخلق جديد﴾ خيرٍ منكم وأطوع
﴿وما ذلك على الله بعزيز﴾ بممتنعٍ شديدٍ
﴿وبرزوا لله جميعاً﴾ خرجوا من قبورهم إلى المحشر ﴿فقال الضعفاء﴾ وهم الأتباع لأكابرهم الذين ﴿استكبروا﴾ عن عبادة الله: ﴿إنَّا كنَّا﴾ في الدُّنيا ﴿لكم تبعاً فهل أنتم مغنون﴾ دافعون ﴿عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لو هدانا الله لهديناكم﴾ أَيْ: إنَّما دعوناكم إلى الضَّلال لأنَّا كنَّا عليه ولو أرشدنا الله لأرشدناكم
﴿وقال الشيطان﴾ يعني: إبليس ﴿لما قضي الأمر﴾ فصار أهل الجنَّة في الجنَّة وأهل النَّار في النَّار وذلك أنَّ أهل النَّار حينئذٍ يجتمعون باللائمة على إبليس فيقوم خطيباً ويقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ يعني: كون هذا اليوم فصدقكم وعده ﴿ووعدتكم﴾ أنَّه غير كائنٍ ﴿فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ أَيْ: ما أظهرت لكم حجَّةً على ما وعدتكم ﴿إلاَّ أن دعوتكم﴾ لكن دعوتكم ﴿فاستجبتم لي﴾ فصدَّقتموني ﴿فلا تلوموني ولوموا أنفسكم﴾ حيث أجبتموني من غير برهانٍ ﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ﴾ بمغيثكم ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ من قبل﴾ بإشراككم إيَّاي مع الله سبحانه في الطَّاعة إنَّي جحدت أن أكون شريكاً لله فيما أشركتموني ﴿إنَّ الظالمين﴾ يريد: المشركين وقوله:
﴿تحيتهم فيها سلام﴾ يحييهم الله سبحانه بالسَّلام ويحيي بعضهم بعضاً بالسَّلام
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا﴾ بيَّن شبهاً ثمَّ فسَّره فقال: ﴿كلمة طيبة﴾ يريد: لا إله إلاَّ الله ﴿كشجرة طيبة﴾ يعني: النَّخلة ﴿أصلها﴾ أصل هذه الشَّجرة الطَّيِّبة ﴿ثابت﴾ في الأرض ﴿وفرعها﴾ أعلاها عالٍ ﴿في السماء﴾
﴿تؤتي﴾ هذه الشَّجرة ﴿أكلها﴾ ثمرها ﴿كلَّ حين﴾ كلَّ وقتٍ في جميع السَّنة ستة أشهرٍ طلعٌ رخص وستة أشهرٍ رطبٌ طيِّبٌ فالانتفاع بالنَّخلة دائمٌ في جميع السَّنة كذلك الإِيمان ثابتٌ في قلب المؤمن وعمله وقوله وتسبيحه عالٍ مرتفع إلى السَّماء ارتفاع فروع النَّخلة وما يكتسبه من بركة الإِيمان وثوابه كما ينال من ثمرة النَّخلة في أوقات السَّنة كُلِّها من الرُّطَب والبسر والتَّمر ﴿ويضرب الله الأمثال للناس﴾ يريد: أهل مكَّة ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ لكي يتَّعظوا
﴿ومثل كلمة خبيثة﴾ يعني: الشِّرك بالله سبحانه ﴿ك﴾ مثل ﴿شجرة خبيثة﴾ وهي الكشوت ﴿اجتثت﴾ انتزعت واستؤصلت والكشوت كذلك ﴿من فوق الأرض﴾ لم يرسخ فيها ولم يضرب فيها بعرق ﴿ما لها من قرار﴾ مستقرٌّ في الأرض يريد: إنَّ الشكر لا ينتفع به صاحبه وليس له حجَّةٌ ولا ثباتٌ كهذه الشَّجرة
﴿يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت﴾ وهو قول لا إله إلا الله ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ على الحقَّ ﴿وَفِي الآخِرَةِ﴾ يعني: في القبر يُلقِّنهم كلمة الحقِّ عند سؤال الملكين ﴿ويضل الله الظالمين﴾ لا يُلقِّن المشركين ذلك حتى إذا سُئلوا في قبورهم قالوا: لا ندري ﴿ويفعل الله ما يشاء﴾ من تلقين المؤمنين الصَّواب وإضلال الكافرين
﴿ألم تر إلى الذين بدَّلوا نعمة الله كفراً﴾ بدَّلوا ما أنعم الله سبحانه عليهم به من الإيمان ببعث الرسول ﷺ كفراً حيث كفروا به ﴿وأحلوا قومهم﴾ الذين اتَّبعوهم ﴿دار البوار﴾ الهلاك ثمَّ فسَّرها فقال:
﴿جهنم يصلونها وبئس القرار﴾ أَي: المقرُّ
﴿وجعلوا لله أنداداً﴾ يعني: الأصنام ﴿ليضلوا عن سبيله﴾ النَّاس عن دين الله ﴿قل تمتعوا﴾ بدنياكم ﴿فإنَّ مصيركم إلى النار﴾ وقوله:
﴿لا بيع فيه﴾ لا فداء فيه ﴿ولا خلال﴾ مخالة يعني: يوم القيامة وهو يوم لا بيعٌ فيه ولا شراءٌ ولا مُخالَّةٌ ولا قرابةٌ إنَّما هي أعمالٌ يُثاب بها قومٌ ويعاقب عليها آخرون
﴿الله الذي خلق السماوات وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ﴾
﴿وسخر لكم الشمس والقمر﴾ ذلَّلهما لما يُراد منهما ﴿دائبين﴾ مقيمين على طاعة الله سبحانه وتعالى في الجري ﴿وسخر لكم الليل﴾ لتسكنوا فيه ﴿والنهار﴾ لتبتغوا من فضله ومعنى لكم في هذه الآية لأجلكم ليس أنَّها مسخَّرة لنا هي مسخَّرةٌ لله سبحانه لأجلنا ويجوز أنَّها مسخَّرة لنا لانتفاعنا بها على الوجه الذي نريد وقوله:
﴿وإن تعدوا نعمة الله﴾ إنعام الله عليكم ﴿لا تحصوها﴾ لا تطيقوا عدَّها ﴿إن الإنسان﴾ يعني: الكافر ﴿لظلوم﴾ لنفسه ﴿كفَّار﴾ نعمة ربِّه وقوله:
﴿واجنبني﴾ أَيْ: بعِّدني واجعلني من على جانبٍ بعيدٍ
﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ أَيْ: ضلُّوا بسببها ﴿فمن تبعني﴾ على ديني ﴿فإنه مني﴾ من المتدينين بديني ﴿ومن عصاني﴾ فيما دون الشِّرك ﴿فإنك غفور رحيم﴾
﴿ربنا إني أسكنت من ذريتي﴾ يعني: إسماعيل عليه السَّلام ﴿بوادٍ غير ذي زرعٍ﴾ مكَّة حرسها الله ﴿عند بيتك المحرَّم﴾ الذي مضى في علمك أنَّه يحدث في هذا الوادي ﴿ربنا ليقيموا الصلاة﴾ ليعبدوك ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ تريدهم وتحنُّ إليهم لزيارة بيتك ﴿وارزقهم من الثمرات﴾ ذُكر تفسيره في سورة البقرة ﴿لعلَّهم يشكرون﴾ كي يوحدونك ويعظموك
﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ﴾
﴿الحمد لله الذي وهب لي﴾ أعطاني ﴿على الكبر إسماعيل﴾ لأنَّه وُلد له وهو ابن تسع وتسعين ﴿وإسحاق﴾ وُلد له وهو ابن مائة سنة واثنتي عشرة سنة وقوله:
﴿ومن ذريتي﴾ أَيْ: واجعل منهم مَنْ يقيم الصَّلاة وقوله:
﴿ولوالدي﴾ استغفر لهما بشرط الإِيمان
﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ يريد: المشركين من أهل مكَّة ﴿إنما يؤخرهم﴾ فلا يعاقبهم في الدُّنيا ﴿ليوم تشخص﴾ تذهب فيه أبصار الخلائق إلى الهواء حيرةً ودهشةً
﴿مهطعين﴾ مسرعين منطلقين إلى الداعي ﴿مقنعي﴾ رافعي ﴿رؤوسهم﴾ إلى السماء لا ينظر أحدٌ إلى أحدٍ ﴿لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾ لا ترجع إليهم أبصارهم من شدَّة النَّظر فهي شاخصةٌ ﴿وأفئدتهم هواء﴾ وقلوبهم خاليةٌ عن العقول بما ذهلوا من الفزع وقوله:
﴿فيقول الذين ظلموا﴾ أَيْ: أشركوا ﴿ربنا أخرنا إلى أجل قريب﴾ استمهلوا مدَّةً يسيرةً كي يجيبوا الدَّعوة فيقال لهم: ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لكم من زوال﴾ حلفتم في الدُّنيا أنَّكم لا تُبعثون ولا تنتقلون إلى الآخرة وهو قوله: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ الله من يموت﴾ الآية
﴿وسكنتم﴾ في الدُّنيا ﴿في مساكن الذين ظلموا أنفسهم﴾ يعني: الأمم الكافرة ﴿وتبيَّن لكم كيف فعلنا بهم﴾ فلم تنزجروا ﴿وضربنا لكم الأمثال﴾ في القرآن فلم تعتبروا
﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ﴾ يعني: مكرهم بالنبي ﷺ وما همُّوا به من قتله أو نفيه ﴿وعند الله مكرهم﴾ هو عالمٌ به لا يخفى عليه ما فعلوا فهو يجازيهم عليه ﴿وإن كان﴾ وما كان ﴿مكرهم لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ يعني: أمر النبيِّ ﷺ أَيْ: ما كان مكرهم ليبطل أمراً هو في ثبوته وقوَّته كالجبال
﴿فلا تحسبن الله﴾ يا محمد ﴿مخلف وعده رسله﴾ ما وعدهم من الفتح والنَّصر ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ منيع ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾ من الكفَّار يجازيهم بما كان من سيئاتهم
﴿يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات﴾ تُبدَّل الأرض بأرضٍ كالفضَّة بيضاء نقيَّة يُحشر النَّاس عليها والسَّماء من ذهبٍ ﴿وبرزوا﴾ وخرجوا من القبور كقوله تعالى: ﴿وبرزوا لله جميعاً﴾
﴿وترى المجرمين﴾ الذين زعموا أنَّ لله شريكاً وولداً يوم القيامة ﴿مقرنين﴾ موصولين بشياطينهم كلُّ كافرٍ مع شيطانٍ في غلٍّ والأصفاد: سلاسل الحديد والأغلال
﴿سرابيلهم﴾ قُمصهم ﴿من قطران﴾ وهو الهِناء الذي يُطلى به الإِبل وذلك أبلغ لا شتعال النَّار فيهم ﴿وتغشى وجوههم﴾ وتعلو وجوههم ﴿النار﴾
﴿ليجزي الله كلَّ نفس﴾ من الكفَّار ﴿ما كسبت﴾ أَيْ: ليقع لهم الجزاء من الله سبحانه بما كسبوا
﴿هذا﴾ القرآن ﴿بلاغ للناس﴾ أَيْ: أنزلناه إليك لتبلِّغهم ﴿ولينذروا به﴾ ولتنذرهم أنت يا محمد ﴿وليعلموا﴾ بما ذُكر فيه من الحجج ﴿أنما هو إله واحدٌ وليذكر﴾ وليتعظ ﴿أولو الألباب﴾ أهل اللُّبِّ والعقل والبصائر
Icon