تفسير سورة الذاريات

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي ستون آية بلا خلاف

﴿والذاريات ذرواً﴾ أي: الرِّياح التي تذرو التُّراب
﴿فالحاملات وقراً﴾ وهي السَّحاب تحمل الماء
﴿فالجاريات يسراً﴾ السُّفن تجري في البحر بيسرٍ ﴿فالمقسمات أمراً﴾ الملائكة تأتي بأمرٍ مختلف من الخصب والخصب والجدب والمطر والحوادث
﴿فالمقسمات أمرا﴾
﴿إنما توعدون﴾ من الخير والشَّرِّ والثَّواب والعقاب ﴿لصادق﴾ أقسم الله بهذه الأشياء على صدق وعده
﴿وإنَّ الدين﴾ الجزاء على الأعمال ﴿لواقع﴾ لكائنٌ
﴿والسماء ذات الحبك﴾ الخَلْق الحسن
﴿إنكم﴾ يا أهل مكَّة ﴿لفي قول مختلف﴾ في أمر النبي صلى الله عليه وسلم
﴿يؤفك عنه﴾ يُصرف عن الإيمان به ﴿مَنْ أفك﴾ صُرف عن الخير
﴿قتل الخراصون﴾ لُعن الكذَّابون يعني: المُقتسمين
﴿الذين هم في غمرة﴾ غفلةٍ ﴿ساهون﴾ لاهون
﴿يسألون أيان يوم الدين﴾ متى يوم الجزاء؟ استهزاءً منهم قال الله تعالى:
﴿يوم هم على النار يفتنون﴾ أي: يقع الجزاء يوم هم على النار يُفتنون يُحرَّقون ويُعذَّبون وتقول لهم الخزنة:
﴿ذوقوا فتنتكم﴾ عذابكم ﴿هذا الذي كنتم به تستعجلون﴾ في الدُّنيا
﴿إنَّ المتقين في جنات وعيون﴾
﴿آخذين ما آتاهم ربهم﴾ من الثَّواب والكرامة ﴿إنهم كانوا قبل ذلك﴾ قبل دخولهم الجنَّة ﴿محسنين﴾
﴿كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون﴾ كانوا ينامون قليلا من الليل
﴿وبالأسحار هم يستغفرون﴾
﴿وفي أموالهم حق للسائل والمحروم﴾ وهو الذي لا يسأل الناس ولا يكسب
﴿وفي الأرض آيات﴾ دلالاتٌ على قدرة الله تعالى ووحدانية ﴿للموقنين﴾
﴿وفي أنفسكم﴾ أيضاً آياتٌ من تركيب الخلق وعجائب ما في الآدمي من خلقه ﴿أفلا تبصرون﴾ ذلك
﴿وفي السماء رزقكم﴾ أَي: الثَّلج والمطر الذي هو سبب الرِّزق والنَّبات من الأرض ﴿وما توعدون﴾ ما ابتداء وخبره محذوف على تقدير: وما توعدون من البعث والثَّواب والعقاب حقٌّ ودلَّ على هذا المحذوف قوله:
﴿فوربِّ السماء والأرض إنَّه لحقٌّ مثل ما أنكم تنطقون﴾ أَيْ: كما أنَّكم تتكلَّمون أي: إنَّه معلومٌ بالدَّليل كما إِنَّ كلامكم إذا تكلّمتم معلومٌ لكم ضرورة أنكم تتكلمون ومثل رفع لأنَّه صفةٌ لقوله: لحق ومَنْ نصب أراد: إنَّه لحقّ حقاً مثلَ ما أنّكم تنطقون
﴿هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين﴾ بأن خدمهم بنفسه
﴿إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً﴾ سلَّموا سلاماً ﴿قال سلامٌ﴾ عليكم ﴿قوم منكرون﴾ أي: أنتم قوم لا نعرفكم
﴿فراغ﴾ فعدل ومال ﴿إلى أهله﴾ وقوله:
﴿فقربه إليهم قال ألا تأكلون﴾
﴿فأوجس منهم خيفة﴾ أَيْ: وقع في نفسه الخوف منهم وقوله:
﴿فأقبلت امرأته في صرَّة﴾ أَيْ: أخذت تصيح بشدَّةٍ ﴿فَصَكَّتْ﴾ لطمت ﴿وجهها وقالت﴾ : أنا ﴿عجوز عقيم﴾ فكيف ألد؟
﴿قالوا كذلك﴾ كما اخبرناك ﴿قال ربك﴾ أي: نخبرك عن الله لا عن أنفسنا ﴿إنَّه هو الحكيم العليم﴾ يقدر أن يجعل العقيم ولوداً فلمَّا قالوا ذلك علم إبراهيم أنَّهم رسلٌ وأنَّهم ملائكة صلوات الله عليهم
الجزء السابع والعشرين:
﴿قال: فما خطبكم﴾ أي: ما شأنكم وفيمَ أُرسلتم؟
﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾ يعنون قوم لوط
﴿لنرسل عليهم حجارة من طين﴾ يعني: السِّجيل
﴿مسوَّمة عند ربك للمسرفين﴾ مًعلَّمة على كلِّ حجرٍ منها اسم مَنْ يهلك به
﴿فأخرجنا مَنْ كان فيها﴾ يعني: من قرى قوم لوط ﴿من المؤمنين﴾
﴿فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين﴾ يعني: بيت لوطٍ عليه السَّلام
﴿وتركنا فيها﴾ بأهلاكهم ﴿آية﴾ علامة للخائفين تدلُّ على أنَّ الله أهلكهم
﴿وفي موسى﴾ عطفٌ على قوله: وفي الأرض ﴿إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين﴾ بحجَّةٍ واضحةٍ
﴿فتولى﴾ فأعرض عن الإيمان ﴿بركنه﴾ مع جنوده وما كان يتقوَّى به وقوله:
﴿وهو مليم﴾ أَيْ: أتى ما يُلام عليه
﴿وفي عاد﴾ أيضاً آيةٌ ﴿إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم﴾ وهي التي لا بركة فيها ولا تأتي بخيرٍ
﴿ما تذر من شيء أتت عليه إلاَّ جعلته كالرميم﴾ كالنَّبت الذي قد تحطَّم
﴿وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين﴾ إلى فناء آجالكم
﴿فعتوا عن أمر ربهم﴾ عصوه ﴿فأخذتهم الصاعقة﴾ العذاب المهلك
﴿فما استطاعوا من قيام﴾ أي: أن يقوموا بعذاب الله ﴿وما كانوا منتصرين﴾ أي: لم ينصرهم أحدٌ علينا
﴿وقوم نوح﴾ وأهلكنا قوم نوحٍ قبل هؤلاء
﴿والسماء بنيناها بأيدٍ﴾ بقوَّةٍ ﴿وإنا لموسعون﴾ لقادرون وقيل: جاعلون بين السَّماء والأرض سعةً
﴿والأرض فرشناها﴾ مهَّدناها لكم ﴿فنعم الماهدون﴾ نحن
﴿ومن كل شيء خلقنا زوجين﴾ صنفين كالذَّكر والأنثى والحلو والحامض والنُّور والظُّلمة ﴿لعلكم تذكرون﴾ فتعلموا أنَّ خالق الأزواج فردٌ
﴿ففروا﴾ من عذاب الله إلى طاعته
﴿ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر إني لكم منه نذير مبين﴾
﴿كذلك﴾ كما أخبرناك ﴿ما أتى الذين من قبلهم﴾ من قبل أهل مكَّة ﴿من رسول إلاَّ قالوا ساحرٌ أو مجنون﴾
﴿أتواصوا به﴾ أوصى بعضهم بعضاً بالتَّكذيب والألف للتَّوبيخ ﴿بل هم قوم طاغون﴾ عاصون
﴿فتولًّ عنهم فما أنت بملوم﴾ لأنَّك بلغت الرِّسالة
﴿وذكر﴾ ذكِّرهم بأيَّام الله ﴿فإنَّ الذكرى تنفع المؤمنين﴾
﴿وما خلقت الجن والإِنس إلاَّ ليعبدون﴾ أي: إلاَّ لآمرهم بعبادتي وأدعوهم إليها وقيل: أراد المؤمنين منهم وكذا هو في قراءة ابن عباس: وما خلقت الجن والإِنس من المؤمنين إلاَّ ليعبدون ﴿ما أريد منهم من رزق﴾ أن يرزقوا أنفسهم أو أحداً من عبادي ﴿وما أريد أن يطعمون﴾ لأنِّي أنا الرَّزَّاق والمُطعم وقوله:
﴿ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون﴾
﴿المتين﴾ أي: المُبالغ في القُوَّة
﴿فإنَّ للذين ظلموا﴾ أَيْ: أهل مكَّة ﴿ذنوباً﴾ نصيباً من العذاب ﴿مثل ذنوب﴾ نصيب ﴿أصحابهم﴾ الذين هلكوا ﴿فلا يستعجلون﴾ إنْ أخَّرتهم إلى يوم القيامة
﴿فويلٌ للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون﴾ من يوم القيامة
Icon