تفسير سورة الذاريات

تفسير التستري
تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري .
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

السورة التي يذكر فيها الذاريات
[سورة الذاريات (٥١) : آية ١٥]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥)
قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [١٥] قال: المتقي في الدنيا في جنات الرضى يتقلب، وفي عيون الأنس يسبح، هذا باطن الآية.
[سورة الذاريات (٥١) : آية ١٧]
كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧)
قوله تعالى: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [١٧] قال: لا يغفلون ولا ينامون عن الذكر بحال.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ١٩ الى ٢٢]
وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢)
قوله تعالى: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [١٩] قال: يعني الصدقة على من طلبها منهم ومن لم يطلبها. وقال الحسن البصري: أدركت أقواماً إن كان الرجل ليعزم على أهله أن لا يردوا سائلاً، ولقد أدركت أقواماً إن كان الرجل ليخلف أخاه في أهله أربعين عاماً، وإن أهل البيت يبتلون بالسائل، ما هو من الجن ولا من الإنس، وإن الذين كانوا من قبلكم كانوا يأخذون من الدنيا بلاغاً، ويبتاعون بالفضل أنفسهم. رحم الله امرأ جعل العيش عيشاً واحداً، فأكل كسرة وليس خلقاً، ولزق بالأرض، واجتهد في العبادة، وبكى على الخطيئة، وهرب من العقوبة، وابتغى الرحمة، حتى يأتي عليه أجله وهو كذلك «١». وحكي (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله مالي لا أحب الموت، جعلني الله فداك؟ فقال: هل لك مال؟ قال: نعم. قال: قدم مالك.
قال: لا أطيق ذلك يا رسول الله. قال: فإن قلب المرء مع ماله، إن قدمه أحب أن يلحقه، وإن أخره أحب أن يتخلف معه) «٢».
قوله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ [٢٠] قال: يعني للعارفين بالله يستدلون بها على معرفتهم.
قوله تعالى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [٢١] قال: أي في صورها وتقديرها بأحسن التقادير، وعروقها السائرة فيها كالأنهار الجارية، وشقوقها من غير ألم وصل إليكم بعد ما كنتم نطفاً، ثم ركبكم من طبق إلى طبق، أفلا تبصرون هذه القدرة البليغة فتؤمنوا بوحدانيته وقدرته، وأن الله تعالى خلق في نفس ابن آدم ألفاً وثمانين عبرة، فثلاثمائة وستون منها ظاهرة، وثلاثمائة
(١) الحلية ٢/ ١٤٩ وكتاب الزهد الكبير ٢/ ٦٥. [.....]
(٢) الفردوس بمأثور الخطاب ٣/ ٢٠٥ (رقم ٤٥٨٠).
وستون منها باطنة، لو كشف عنها لأبصرتم، وثلاثمائة وستون منها غامضة لا يعرفها إلا نبي أو صديق، لو بدت منها عبرة لأهل العقول لوصلوا إلى الإخلاص، فإن الله تعالى حجب قلوب الغافلين عن ذكره باتباعهم الشهوات عن هذه العبر، فكشف قلوب العارفين به عنها فأوصلهم إليه.
قوله تعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ [٢٢] أي تفرغوا لعبادتي ولا يشغلكم طلب الرزق عنا، فإنا نرزقكم، ثم قال: إن الله رضي عنكم بعبادة يوم فارضوا عنه برزق يوم بيوم. قال: وفيها وجه آخر: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ [٢٢] أي من الذكر وثوابه.
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٢٤]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤)
قوله تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ [٢٤] قال: سماهم مكرمين لأنه خدمهم بنفسه، وكان منذ سبعة أيام لم يطعم شيئاً، ينتظر ضيفاً، فلما أرسل الله تعالى ملائكته إليه استبشر بهم وخدمهم بنفسه ولم يطعم معهم، وهي علامة الخلة المؤكدة أن يطعم ولا يطعم، ويشفي الغير من ألم ويسقم.
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٥٠]
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠)
قوله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [٥٠] قال: يعني ففروا مما سوى الله إلى الله، وفروا من المعصية إلى الطاعة، ومن الجهل إلى العلم، ومن عذابه إلى رحمته، ومن سخطه إلى رضوانه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «أعوذ بك منك» «١»، فهذا أيضاً باب منه عظيم.
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٥٤]
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤)
قوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ [٥٤] قال: أعرض عنهم فقد جهدت في الإِبلاغ جهدك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) المستدرك على الصحيحين ٣/ ٩٣ (رقم ٤٥٠٢) وسنن الترمذي ٥/ ٥٢٤ (رقم ٣٤٩٣)، ٥/ ٥٦١ (رقم ٣٥٦٥).
Icon