تفسير سورة سورة القلم من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
المعروف بـالوجيز للواحدي
.
لمؤلفه
الواحدي
.
المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي خمسون وآيتان بلا خلاف.
ﰡ
﴿ن﴾ أقسم الله بالحوت الذي على ظهره الأرضُ ﴿والقلم﴾ يعني: القلم الذي خلقه الله تعالى فجرى بالكائنات إلى يوم القيامة ﴿وما يسطرون﴾ أَيْ: وما تكتب الملائكة
﴿ما أنت بنعمة ربك﴾ بإنعامه عليك بالنُّبوِّة ﴿بمجنون﴾ أَيْ: إِنَّك لا تكون مجنوناً وقد أنعم الله عليك بالنُّبوَّة وهذا جوابٌ لقولهم: ﴿وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنَّك لمجنونٌ﴾
﴿وإنَّ لك لأجراً غير ممنون﴾ غير مقطوعٍ ولا منقوصٍ
﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ أَيْ: أنت على الخُلُقِ الذي أمرك الله به في القرآن
﴿فستبصر﴾ يا محمد ﴿ويبصرون﴾ أي: المشركون الذين رموه بالجنون
﴿بأيكم المفتون﴾ الفتنة أَبِكَ أم بهم
﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أعلم بالمهتدين﴾
﴿فلا تطع المكذبين﴾ فيما دعوك إليه من دينهم
﴿وَدُّوا لو تدهن فيدهنون﴾ تلين فلينون لك
﴿ولا تطع كلَّ حلاَّفٍ﴾ كثير الحلف بالباطل أَيْ: الوليد بن المغيرة ﴿مهين﴾ حقير
﴿همَّاز﴾ عيَّابٍ ﴿مشَّاء بنميم﴾ سَاعٍ بين النَّاسِ بالنَّميمة
﴿مناع للخير﴾ بخيلٍ بالمال عن الحقوق ﴿معتد﴾ مجاوزٍ في الظُّلم ﴿أثيم﴾ آثمٍ
﴿عتل﴾ جافٍ غليظٍ ﴿بعد ذلك﴾ مع ذكرنا من أوصافه ﴿زنيم﴾ مُلحَقٍ بقومه وليس منهم
﴿إن كان﴾ لأن كان ﴿ذا مال وبنين﴾ يُكذِّب بالقرآن وهو قوله:
﴿إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين﴾ والمعنى: أَيجعل مُجازاة نعمة الله عليه بالمال والبنين الكفر بآياتنا؟
﴿سنسمه على الخرطوم﴾ سنجعل على أنفه علامةً باقيةً ما عاش نخطم أنفه بالسَّيف يوم بدرٍ
﴿إنا بلوناهم﴾ امتحنا أهل مكَّة بالقحط والجوع ﴿كما بلونا أصحاب الجنة﴾ كما امتحنَّا أصحاب البستان بإحراقها وذهاب قوتهم منها وكانوا قوماً بناحية اليمن وكان لهم أبٌ وله جنَّةٌ كان يتصدَّق فيها على المساكين فلمَّا مات قال بنوه: نحن جماعةٌ وإنْ فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر فخلقوا ليقطعنَّ ثمرها بسدفةٍ من اللَّيل كيلا يشعر المساكين فيأتوهم وهو قوله: ﴿إذْ أقسموا ليصرمنها مصبحين﴾
﴿ولا يستثنون﴾ ولا يقولون إن شاء الله
﴿فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون﴾ أَيْ: أنزل الله عليها ناراً أحرقتها
﴿فأصبحت كالصريم﴾ كاللَّيل المُظلم سوداء
﴿فتنادوا مصبحين﴾ نادى بعضهم بعضاً لمَّا أصبحوا ليخرجوا إلى الصِّرام وهو قوله:
﴿أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين﴾ قاطعين الثَّمر
﴿فانطلقوا﴾ ذهبوا إليها ﴿وهم يتخافتون﴾ يسارون الكلام بينهم
بـ ﴿أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين﴾
﴿وغدوا على حرد﴾ قصدٍ وجدٍّ ﴿قادرين﴾ عند أنفسهم على ثمر الجنَّة
﴿فلما رأوها﴾ سواد محترقةً ﴿قالوا إنَّا لضالون﴾ مُخطئون طريقنا وليست هذه جنتنا ثم عملوا أنَّها عقوبةٌ من الله تعالى فقالوا:
﴿بل نحن محرومون﴾ حُرمنا ثمر جنَّتنا بمنعنا المساكين
﴿قال أوسطهم﴾ أعدلهم وأفضلهم: ﴿ألم أقل لكم لولا تسبحون﴾ هلاَّ تستثنون ومعنى التَّسبيح ها هنا الاستثناء بإن الله لأنَّه تعظيمٌ لله وكلُّ تعظيمٍ لله فهو تسبيحٌ له
﴿قالوا سبحان ربنا﴾ نزَّهوه عن أن يكون ظالماً وأقرُّوا على أنفسهم بالظُّلم فقالوا: ﴿إنا كنا ظالمين﴾
﴿فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون﴾ يلوم بعضهم بعضاً بما فعلوا من الهرب من المساكين ومنع حقهم
﴿قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين﴾ بمنع حقِّ الفقراء وترك الاستثناء
﴿عسى ربنا أن يُبْدِلَنا خيراً منها﴾ من هذه الجنَّة ﴿إنا إلى ربنا راغبون﴾
﴿كذلك العذاب﴾ كما فعلنا بهم نفعل بمَنْ خالف أمرنا ثمَّ بيَّن ما عند الله للمؤمنين فقال تعالى:
﴿إنَّ للمتقين عند ربهم جنات النعيم﴾ فلمَّا نزلت قال بعض قريش: إنْ كان ما تذكرون حقَّاً فإنَّ لنا في الآخرة أكثرَ ممَّا لكم فنزل:
﴿أفنجعل المسلمين كالمجرمين﴾ ﴿ما لكم كيف تحكمون﴾
﴿أم لكم كتاب﴾ نزل من عند الله ﴿فيه﴾ ما تقولون ﴿تدرسون﴾ تُقرُّون ما فيه
﴿إنَّ لكم فيه﴾ في ذلك الكتاب ﴿لما تخيرون﴾ تختارون
﴿أم لكم أيمان﴾ عهودٌ ومواثيق ﴿علينا بالغة﴾ محكمةٌ لا ينقطع عهدها ﴿إلى يوم القيامة إنَّ لكم لما تحكمون﴾ تقضون وكسرت إنَّ في الآيتين لمكان اللازم في جوابها وحقُّها الفتح لو لم تكن اللام
فـ ﴿سلهم﴾ يا محمد ﴿أيهم بذلك﴾ الذين يقولون من أنَّ لهم في الآخرة حظّاَ ﴿زعيم﴾ كفيلٌ لهم
﴿أم لهم شركاء﴾ آلهةٌ تكفل لهم بما يقولون ﴿فليأتوا بشركائهم﴾ لتكفل لهم ﴿إن كانوا صادقين﴾ فيما يقولون
﴿يوم يكشف عن ساق﴾ عن شدَّةٍ من الأمر وهو يوم القيامة قال ابن عباس رضي الله عنه: أشدُّ ساعةٍ في القيامة فصار كشف السَّاق عبارةً عن شدَّة الأمر ﴿ويدعون إلى السجود﴾ أَيْ: الكافرون والمنافقون ﴿فلا يستطيعون﴾ يصير ظهرهم طبقاً واحداً كلَّما أراد أن يسجد واحدٌ منهم خرَّ على قفاه
﴿خاشعة أبصارهم﴾ ذليلةً لا يرفعونها ﴿ترهقهم﴾ تغشاهم ﴿ذلَّة وقد كانوا يدعون إلى السجود﴾ في الدُّنيا ﴿وهم سالمون﴾ فيأبون ولا يسجدون لله
﴿فذرني ومن يكذب بهذا الحديث﴾ دعني والمُكذِّبين بهذا القرآن أَيْ: كِلْهُمْ إليَّ ولا تشغل قلبك بهم فإنِّي أكفيك أمرهم ﴿سنستدرجهم من حيث لا يعلمون﴾ أَيْ: نأخذهم قليلاً قليلاً ولا نباغتهم
﴿وأملي لهم﴾ أُمهلهم كي يزدادوا تمادياً في الشِّرك ﴿إنَّ كيدي متين﴾ شديدٌ لا يطاق
﴿أم تسألهم﴾ بل أتسألهم على ما آتيتهم به من الرِّسالة ﴿أجراً فهم من مغرم﴾ ممَّا يعطونك ﴿مُثقلون﴾
﴿أم عندهم الغيب﴾ علم ما في غدٍ ﴿فهم يكتبون﴾ يحكمون وقوله:
﴿ولا تكن كصاحب الحوت﴾ كيونس في الضَّجر والعجلة ﴿إذ نادى﴾ دعا ربَّه ﴿وهو مكظوم﴾ مملوءٌ غمَّاً
﴿لولا أن تداركه﴾ أدركه ﴿نعمة﴾ رحمةٌ ﴿من ربه لنبذ﴾ لطرح حين ألقاه الحوت ﴿بالعراء﴾ بالأرض الفضاء الواسعة لأنَّها خاليةٌ من البناء والإِنسان والأشجار ﴿وهو مذموم﴾ مجرم
﴿فاجتباه ربه﴾ فاختاره ﴿فجعله من الصالحين﴾ بأن رحمه وتاب عليه
﴿وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر﴾ أَيْ: إنَّهم لشدَّة إبغاضهم وعداوتهم لك إذا قرأت القرآن ينظرون إليك نظراً شديداً يكاد يصرعك ويسقطك عن مكانك ﴿ويقولون إنه لمجنون﴾
﴿وما هو﴾ أَيْ: القرآن ﴿إلا ذكر﴾ عظمة ﴿للعالمين﴾