تفسير سورة القلم

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة القلم من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سُورَةُ ن القَلمْ مكية أو من أولها إلى ﴿ سَنَسِمُهُ على الخُرطوم ﴾ [ ١٦ ] مكي ومن بعدها إلى قوله ﴿ لو كانوا يعلمون ﴾ [ ٣٣ ] مدني ومن بعده إلى ﴿ يكتبون ﴾ [ ٤٧ ] مكي ومن بعده إلى ﴿ من الصالحين ﴾ [ ٥٠ ] مدني وباقيها مكي.

١ - ﴿ن﴾ الحوت التي عليها الأرض " ع " أو الدواة مأثور أو حرف من حروف الرحمن " ع " أو لوح من نور أو اسم للسورة مأثور أو قسم أقسم الله به وله أن يقسم بما شاء أو حرف من حروف المعجم ﴿وَالْقَلَمِ﴾ الذي يكتب به
345
الذكر على اللوح المحفوظ وهو نور طوله ما بين السماء والأرض أو القلم الذي يكتبوه [به] لأنه نعمة عليهم ومنفعة لهم. ﴿يَسْطُرُونَ﴾ يعملون " ع " أو يكتبون من الذكر أو الملائكة تكتب أعمال العباد.
346
٢ - ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ برحمته ويحتمل أن يكون فيما نفى عنه ما نسبوه إليه من الجنون وقال الكلبي: ما أنت بنعمة ربك بمخفق.
٣ - ﴿مَمْنُونٍ﴾ محسوب أو أجراً بغير عمل أو غير ممنون عليك من أذى أو غير منقطع.
٤ - ﴿خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ دين الإسلام " ع " أو آداب القرآن أو طبع كريم وكل ما أخذ المرء به نفسه من الآداب فهو خلق لأنه يصير كالخلقة فيه وما طبع عليه من الأدب فهو الخيم.
٥ - ﴿فَسَتُبْصِرُ﴾ فسترى ويرون يوم القيامة إذا تبين الحق من الباطل أو ستعلم ويعلمون يوم القيامة " ع ".
٦ - ﴿الْمَفْتُونُ﴾ المجنون أو الضال أو الشيطان أو المعذب فتنت الذهب بالنار أحميته.
﴿فلا تطعِ المكذبينَ (٨) ودواْ لوْ تدهنُ فيدهنونَ (٩) ولا تطعْ كلَّ حلافٍ مهينٍ (١٠) همَّازٍ مشاءٍ بنميمٍ (١١) منَّاعٍ للخيرِ معتدٍ أثيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بعدَ ذلكَ زنيمٍ (١٣) أن كان ذا مالٍ وبنينَ (١٤) إذا تتلى عليهِ ءايتنا قالَ أساطيرُ الأولينَ (١٥) سنسمُهُ على الخرطومِ (١٦) ﴾
٩ - ﴿تُدْهِنُ﴾ تكفر فيكفرون أو تضعف فيضعفون أو تلين فيلينون أو تكذب فيكذبون أو ترخص لهم فيرخصون " ع " أو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك والمداهنة: مجاملة العدو وممايلته أو النفاق وترك المناصحة، المبرد: أدهن الرجل في دينه وداهن في أمره.
١٠ - ﴿حَلافٍ مَّهِينٍ﴾ كذاب " ع " أو ضعيف القلب أو مكثار من الشر أو الذليل بالباطل الأخنس بن شريق [٢٠٤ / أ] / أو الأسود بن عبد يغوث أو الوليد بن المغيرة عرض على الرسول [صلى الله عليه وسلم] مالاً وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه.
١١ - ﴿هَمَّازٍ﴾ مغتاب " ع " أو الذي يلوي شدقيه وراء الناس أو يهمزهم بيده دون لسانه ويضربهم. ﴿مَّشَّآءٍ﴾ ينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض أو يسعى بالكذب ﴿بِنَمِيمٍ﴾ جمع نميمة أو النميم والنميمة واحد.
١٢ - ﴿لِّلْخَيْرِ﴾ لحقوق ماله أو يمنع الناس من الإسلام.
١٣ - ﴿عُتُلٍّ﴾ فاحش مأثور أو قوي في كفره أو الوفير الجسم أو الجافي الشديد الخصومة بالباطل أو الشديد الأشر أو الدعي " ع " أو يعتل الناس فيجرهم إلى حبس أو عذاب من العتل وهو الجر أو الفاحش اللئيم أو قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] في العتل الزنيم " إنه الشديد الخلق الرحيب الجوف المصح الأكول الشروب الواجد للطعام الظلوم للناس ". ﴿زَنِيمٍ﴾ لئيم " ع " مأثور أو ظلوم " ع " أو فاجر
347
أو ولد الزنا أو الدعي أو كان للوليد بن المغيرة زنمة كزنمة الشاة أسفل من أذنه وفيه نزلت أو في الأخنس بن شريق فسمي زنيماً لأنه حليف مُلْحَق أو الذي يعرف بالأُبْنَة " ع " أو علامة الكفر كقوله ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾.
348
١٤ - ﴿ذَا مَالٍ﴾ كان للوليد بن المغيرة حديقة بالطائف واثنا عشر ولداً.
١٦ - ﴿سَنَسِمُهُ﴾ سمة سوداء على أنفه يوم القيامة يتميز بها أو يضرب في النار على أنفه أو وسمه بإشهار ذكره بالقبح أو ما يبتلى به في الدنيا في نفسه وولده وماله من سوء وذل وصغار. المبرد: الخرطوم من الناس الأنف ومن البهائم الشفة.
{إنَّا بلوناهم كما بلونا أصحابَ الجنةِ إذْ أقسمواْ ليصرِمُنَّهَا مصبحينَ (١٧) ولا يستثنون (١٨) فطافَ عليها طائفٌ من ربِّكَ وهمْ نائمونَ (١٩) فأصبحت كالصريمِ (٢٠) فتنادواْ مصبحينَ (٢١) أن اغدواْ على حرثكمْ إن كنتمْ صارمينَ (٢٢) فانطلقوا وهمْ يتخافتونَ (٢٣) أن لا يدخلنها اليومَ عليكمْ مسكينٌ (٢٤) وغدواْ على حردٍ قادرينَ (٢٥) فلما رأوها قالواْ إنَّا لضالونَ (٢٦) بل نحنْ محرومونَ (٢٧) قالَ أوسطهمْ ألمْ أقلْ لكمْ لولاَ
348
تسبحونَ (٢٨) قالواْ سبحانَ ربنا إنا كنَّا ظالمينَ (٢٩) فأقبلَ بعضهُمْ على بعضٍ يتلاومُونَ (٣٠) قالواْ يويلنا إنا كنا طاغينَ (٣١) عسى ربُّنا أن يبدلنا خيراً منها إنَّا إلى ربنا راغبونَ (٣٢) كذلكَ العذابُ ولعذابُ الأخرةِ أكبرُ لوْ كانواْ يعلمونَ (٣٣) }
349
١٧ - ﴿بَلَوْنَاهُمْ﴾ أهل مكة بالجوع كرتين كما بلونا أصحاب الجنة حتى عادت رماداً أو قريش يوم بدر. قال أبو جهل خذوهم أخذاً واربطوهم في الحبال ولا تقتلوا منهم أحداً فضرب بهم عند القدرة عليهم مثلاً بأصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها. ﴿الْجَنَّةِ﴾ حديقة باليمن بينها وبين صنعاء أثنا عشر ميلاً لقوم من الحبشة أو لشيخ من بني إسرائيل يمسك منها كفايته وكفاية أهله ويتصدق بالباقي فلامه بنوه فلم يطعهم فلما ورثوها عنه قالوا: نحن أحق بها من الفقراء لكثرة عيالنا فأقسموا: أي حلفوا ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا﴾ ليقطعن ثمرها صباحاً.
١٨ - ﴿وَلا يَسْتَثْنُونَ﴾ حق المساكين أو قول سبحان الله أو إن شاء الله.
١٩ - ﴿طائفٌ﴾ أمر من ربك " ع " أو عذاب منه أو عنق من نار جهنم خرج من وادي جنتهم ﴿وَهُمْ نَآئِمُونَ﴾ ليلاً.
٢٠ - ﴿كَالصَّرِيمِ﴾ الرماد الأسود " ع " أو الليل المظلم أو كالمصروم الذي لم يبق فيه ثمر.
٢١ - ﴿فَتَنَادَوْاْ﴾ صاح بعضهم ببعض عند الصباح وكان حرثهم كرما.
٢٣ - ﴿يتخافتون﴾ [٢٠٤ / ب] / يتكلمون أو يسرون كلامهم حتى لا يعلم بهم أحد أو يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يرونهم أو يتشاورون بينهم.
٢٥ - ﴿حَرْدٍ﴾ غيظ أو جد أو منع أو قصد أو فقر أو حرص أو قدرة " ع " أو غضب أو القرية تسمى حرداً. ﴿قَادِرِينَ﴾ على المساكين أو على جنتهم عند أنفسهم أو موافاتهم إلى الجنة في الوقت الذي قدروه.
٢٦ - ﴿لَضَآلُّونَ﴾ لما رأوا ما أصابها قالوا قد ضللنا الطريق أو أخطأنا مكان جنتنا.
٢٧ - ﴿مَحْرُومُونَ﴾ خير جنتنا.
٢٨ - ﴿أَوْسَطُهُمْ﴾ أعدلهم " ع " أو خيرهم أو أعقلهم ﴿تُسَبِّحُونَ﴾ تستثنون لما قلتم لنصرمنَّها مصبحين سماه تسبيحاً لاشتماله على ذكر الله تعالى أو تذكروا نعمة الله عليكم فتؤدوا حقه من أموالكم.
﴿إنَّ للمتقينَ عندَ ربهمْ جناتِ النعيمِ (٣٤) أفنجعلُ المسلمينَ كالمجرمينَ (٣٥) ما لكمْ كيفَ تحكمونَ (٣٦) أمْ لكمْ كتابٌ فيهِ تدرسُونَ (٣٧) إنَّ لكمْ فيهِ لمَا تخيرونَ (٣٨) أمْ لكمْ أيمانٌ علينا بالغةٌ إلى يومِ القيامةِ إنَّ لكمْ لمَا تحكمونَ (٣٩) سلهمْ أيهم بذلكَ زعيمٌ (٤٠) أمْ لهمْ شركاءُ فليأتواْ بشركائهْم إن كانواْ صادقينَ (٤١) ﴾
٣٩ - ﴿بالغةٌ﴾ أي مؤكدة بالله ﴿لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ " أن يديم النعمة عليكم إلى يوم القيامة " أو ألاَّ يعذبكم إلى يوم القيامة.
٤٠ - ﴿زعيم﴾ كفيل " ع " أو رسول " ح ".
{يومَ يكشفُ عن ساقٍ ويدعونَ إلى السجودِ فلاَ يستطيعونَ (٤٢) خاشعةً أبصارهمْ ترهقهمْ ذلةٌ وقدْ كانواْ يدعونَ إلى السجودِ وهمْ سالمونَ (٤٣) فذرني ومن يكذبُ بهذا الحديث سنستدرجهم منْ حيثُ لا يعلمونَ (٤٤) وأملِى لهمْ إنَّ كيدِي متينٌ (٤٥) أمْ تسئلُهُمْ أجراً فهم من مغرمٍ مثقلونَ (٤٦) أمْ عندهُمُ
350
الغيبُ فهمْ يكتُبُونَ (٤٧) }
351
٤٢ - ﴿عَن ساقٍ﴾ الآخرة أو غطاء أو كرب وشدة " ع ".
(كشفت لهم عن ساقها... وبدا من الشر الصراح)
أو إقبال الآخرة وإدبار الدنيا لأنه أول الشدائد وروي أن الله تعالى يكشف عن ساقه أي عظم أمره أو نوره وهذا اليوم يوم الموت والمعاينة أو يوم الكبر والهرم والعجز عن العمل أو يوم القيامة. ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾ توبيخاً لا تكليفاً عند من رآه يوم القيامة ومن رآه من أيام الدنيا فالأمر بالسجود تكليف أو تنديم وتوبيخ للعجز عنه.
٤٤ - ﴿بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ القرآن ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم﴾ نأخذهم في غفلة أو نتبع السيئة السيئة وننسيهم التوبة " ح " أو أخذهم حيث درجوا ودبوا أو تدريجهم بإدنائهم من العذاب قليلاً بعد قليل حتى يلاقيهم من حيث لا يعلمون لأنهم لو علموا وقت العذاب لارتكبوا المعاصي واثقين بإمهالهم أو يستدرجون بالإحسان والاستدراج النقل من حال إلى حال ومنه الدرجة لأنها منزلة بعد منزلة.
﴿فاصبرْ لحكمِ ربكَ ولاَ تكن كصاحبِ الحوتِ إذْ نادى وهوَ مكظومٌ (٤٨) لولا أن تداركهُ نعمةٌ من ربهِ لنبذَ بالعراءِ وهوَ مذمومٌ (٤٩) فاجتباهُ ربُّهُ فجعلهُ منَ الصالحينَ (٥٠) وإن يكادُ الذينَ كفرواْ ليزلقونَكَ بأبصارهمْ لمَّا سمعواْ الذكرَ ويقولونَ إنهُ لمجنونٌ (٥١) ومَا هوَ إلاَّ ذكرٌ للعالمينَ (٥٢) ﴾
٤٨ - ﴿لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ لقضائه أو نصره. ﴿كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ في عجلته نادى ب ﴿لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ﴾ الآية [الأنبياء: ٨٧] ﴿مَكْظُومٌ﴾ مغموم " ع " أو مكروب، الغم في القلب والكرب في الأنفاس أو محبوس، كظم غيظه حبسه أو مأخوذ بكظمه وهو مجرى النفَس.
٤٩ - ﴿نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ﴾ نبوته أو عبادته السالفة أو نداؤه ب ﴿لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ﴾ الآية [الأنبياء: ٨٧] أو إخراجه من بطن الحوت ﴿بِالْعَرَآءِ﴾ الأرض الفضاء وهي أرض باليمن أو عراء يوم القيامة وأرض المحشر ﴿مَذْمُومٌ﴾ مليم " ع " أو مذنب معناه أنه نبذ غير مذموم.
٥١ - ﴿لَيُزْلِقُونَكَ﴾ يصرعونك أو يرمقونك أو يرهقونك أو ينفذونك أو يمسونك بأبصارهم من شدة نظرهم إليك أو يصيبونك بالعين قالوا ما رأينا مثل حججه ونظروا إليه ليعينوه كان أحدهم إذا أراد العين يجوع ثلاثاً ثم يقول:
352
تالله ما رأيت أقوى [٢٠٥ / أ] / ولا أشجع ولا أكثر منه مالاً فيصيبه بعينه فيهلك. ﴿الذِّكْرَ﴾ القرآن أو ذكر محمد [صلى الله عليه وسلم].
353
٥٢ - ﴿ذِكْرٌ﴾ شرف أو يذكرهم وعد الجنة والنار. ﴿لِّلْعَالَمِينَ﴾ الجن والإنس أو كل أمة من أمم الخلق ممن يعرف أو لا يعرف.
353
سُورَةُ الحَاقّةِ
مكية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وما أدراكَ ما الْحَاقَّةُ (٣) كذبتْ ثمودُ وعادُ بالقارعةِ (٤) فأمَّا ثمودُ فأهلكواْ بالطاغيةِ (٥) وأما عادٌ فأهلكواْ بريحٍ صرصرٍ عاتيةٍ (٦) سخرها عليهمْ سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيامٍ حسوماً فترى القومَ فيها صرعَى كأنهمْ أعجازُ نخلٍ خاويةٍ (٧) فهلْ ترى لهم من باقيةٍ (٨) وجاء فرعونُ ومن قبلهُ والمؤتفكاتُ بالخاطئةِ (٩) فعصواْ رسولَ ربهمْ فأخذهمْ أخذةً رابيةً (١٠) إنَّا لما طغا الماءُ حملناكمْ في الجاريةِ (١١) لنجعلها لكمْ تذكرةً وتعيها أذنٌ واعيةٌ (١٢) ﴾
354
Icon