تفسير سورة القلم

إعراب القرآن و بيانه
تفسير سورة سورة القلم من كتاب إعراب القرآن وبيانه المعروف بـإعراب القرآن و بيانه .
لمؤلفه محيي الدين الدرويش . المتوفي سنة 1403 هـ

(٦٨) سورة القلم مكيّة وآياتها ثنتان وخمسون
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ١ الى ٧]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧)
الإعراب:
(ن، وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) ن تقدم القول في إعراب فواتح السور، ونضيف ما قاله الزمخشري في الرد على المتعسفين، قال: هذا الحرف من حروف المعجم وأما قولهم هو الدواة فما أدري أهو وضع لغوي أم شرعي ولا يخلو إذا كان اسما للدواة من أن يكون جنسا أو علما فإن كان جنسا فأين الإعراب والتنوين وإن كان علما فأين الإعراب وأيّهما كان فلا بدّ له من موقع في تأليف الكلام فإن قلت هو مقسم به
163
وجب إن كان جنسا أن تجرّه وتنوّنه ويكون القسم بدواة منكرة مجهولة كأنه قيل ودواة والقلم، وإن كان علما أن تصرفه وتجرّه أو لا تصرفه وتفتحه للعملية والتأنيث وكذلك التفسير بالحوت إما أن يراد نون من النينان أو يجعل علما للبهموت الذي يزعمون والتفسير باللوح من نور أو ذهب والنهر في الجنة. وأكد أبو حيان أنه لا يصحّ شيء من ذلك.
والواو حرف قسم وجر والقلم مقسم به والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره أقسم وأقسم تعالى بالقلم تعظيما لأمره وتنويها بشأنه ولما فيه من الفوائد والمنافع التي لا يحيط بها الوصف أي فالمراد به جنس القلم الشامل للأقلام التي يكتب بها، قال تعالى «وربك الأكرم الذي علّم بالقلم» وبأنه ينتفع به كما ينتفع بالمنطق ولهذا قيل: القلم أحد اللسانين. والواو حرف عطف وما موصولة أو مصدرية وعلى كل حال هي معطوفة على القلم فأقسم أولا بالقلم ثم بسطر الملائكة أو بمسطورهم فالمقسم به شيئان على ثلاثة أشياء نفي الجنون عنه وثبوت الأجر له وكونه على الملّة الحنيفية السمحاء (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) جملة لا محل لها من الإعراب لأنها جواب القسم وما نافية حجازية وبنعمة ربك متعلقان بمعنى النفي المدلول عليه بما والباء للسبب والباء حرف جر زائد ومجنون مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما والمعنى انتفى عنك الجنون بسبب إنعام ربك عليك بالنبوّة وغيرها، وسيأتي مزيد بيان لتعلق الجار والمجرور والظرف بمعنى النفي في باب الفوائد (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) الواو حرف عطف والجملة وما بعدها عطف على جملة جواب القسم فهما من جملة المقسم عليه كما تقدم آنفا وإن حرف مشبه بالفعل ولك خبرها المقدم واللام المزحلقة وأجرا اسمها وغير ممنون نعت أي غير مقطوع (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) إن واسمها واللام المزحلقة وعلى خلق خبر وعظيم نعت (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) الفاء استئنافية والسين حرف استقبال وتبصر فعل
164
مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره أنت ويبصرون عطف على ستبصر (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) اختلف المعربون فيها اختلافا شديدا ونورد أرجح الأقوال وهي أربعة: ١- أن الباء مزيدة في المبتدأ والتقدير أيّكم المفتون فزيدت الباء كزيادتها في نحو بحسبك زيد ٢- أن الباء بمعنى في فهي ظرفية كقولك زيد بالبصرة أي فيها والمعنى في أيّ فرقة وطائفة منكم المفتون ٣- أنه على حذف مضاف أي بأيّكم فتن المفتون فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وتكون الباء سببية ٤- أن المفتون مصدر جاء على مفعول كالمعقول والميسور والتقدير بأيّكم الفتون والجملة على كل حال في محل نصب معمولة لما قبلها لأنه معلق بأداة الاستفهام وسيأتي مزيد بحث في هذا الصدد في باب الفوائد (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) الجملة لا محل لها لأنها تعليل لما تقدم لأن ما قبلها أنبأ بظهور جنونهم بحيث لا يخفى على أحد، وإن واسمها وهو مبتدأ وأعلم خبر والجملة خبر إن، ولك أن تعرب هو ضمير فصل وأعلم خبر وبمن متعلقان بأعلم وجملة ضلّ صلة وعن سبيله متعلقان بضل وهو مبتدأ وأعلم خبر وبالمهتدين متعلقان بأعلم.
البلاغة:
في قوله «ن والقلم وما يسطرون» إلى قوله «غير ممنون» فن المناسبة اللفظية، وهي عبارة عن الإتيان بلفظات متّزنات مقفّات.
الفوائد:
١- منع جمهور النحاة تعليق الجار والمجرور والظرف بأحرف المعاني، وأجازه بعضهم وفصّل بعضهم، فقال إن كان نائبا عن فعل
165
حذف جاز ذلك على سبيل النيابة لا الأصالة وإلا فلا، قال ابن هشام في المغني: ومن ذلك قوله تعالى: ما أنت بنعمة ربك بمجنون، الباء متعلقة بالنفي إذ لو علقت بمجنون لأفاد نفي جنون خاص وهو الذي يكون من نعمة الله وليس في الوجود جنون هو نعمة. هذا ما ذكره ابن الحاجب وغيره وهو كلام بديع إلا أن جمهور النحويين لا يوافقون على صحة التعلّق بالحرف فينبغي أن يقدّر على قولهم أن التعلق بفعل دلّ عليه النافي أي انتفى ذلك بنعمة ربك وقد ذكرت في شرحي لقصيدة كعب بن زهير عند الكلام على قوله:
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
إن المختار تعلق الظرف بمعنى التشبيه الذي تضمنه البيت وذلك على أن الأصل وما كسعاد إلا ظبي أغن على التشبيه المعكوس للمبالغة لئلا يكون الظرف متقدما في التقدير على اللفظ الحامل لمعنى التشبيه وإذا جاز لحرف التشبيه أن يعمل في الحال في نحو قوله:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
مع أن الحال شبيهة بالمفعول به فعمله في الظرف أجدر.
أما الزمخشري فقد سلك مسلكا غريبا في تعليق بنعمة قال: «فإن قلت: بم تتعلق الباء في بنعمة ربك وما محله؟ قلت يتعلق بمجنون منفيا كما يتعلق بعاقل مثبتا في قولك: أنت بنعمة الله عاقل مستويا في ذلك الإثبات والنفي استواءهما في قولك ضرب زيد عمرا وما ضرب زيد عمرا تعمل الفعل مثبتا ومنفيا إعمالا واحدا كأنه قال: ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله لأنها زائدة لتأكيد النفي» وقد تبع الزمخشري معظم المفسرين، قال
166
النسفي: «الباء تتعلق بمحذوف ومحله النصب على الحال والعامل فيها بمجنون».
وتعقب أبو حيان الزمخشري فيما ذهب إليه فقال: «وما ذهب إليه الزمخشري من أن بنعمة ربك متعلق بمجنون وأنه في موضع الحال يحتاج إلى تأمل وذلك أنه إذا تسلط النفي على محكوم به وذلك له معمول ففي ذلك طريقان أحدهما أن النفي يتسلط على ذلك المعمول فقط والآخر أن يتسلط النفي على المحكوم به فينتفي معموله لانتفائه بيان ذلك تقول ما زيد قائم مسرعا فيتبادر إلى الذهن أنه منتف إسراعه دون قيامه فيكون قد قام غير مسرع والوجه الآخر أنه انتفى قيامه فانتفى إسراعه أي لا قيام فلا إسراع وهذا الذي قررناه لا يتأتّى معه قول الزمخشري بوجه بل يؤدي إلى ما لا يجوز أن ينطق به في حق المعصوم صلّى الله عليه وسلم.
٢- ذكر صاحب المغني أن الباء في «بأيّكم المفتون»
زائدة، قال في مواضع الباء الزائدة: «الثالث المبتدأ وذلك في قولهم بحسبك درهم وخرجت فإذا بزيد وكيف بك إذا كان كذا وكذا ومنه عند سيبويه: بأيّكم المفتون وقال أبو الحسن بأيّكم متعلق باستقرار محذوف يخبر به عن المفتون ثم اختلف فقيل المفتون مصدر بمعنى الفتنة وقيل الباء ظرفية أي في أي طائفة منكم المفتون».
هذا وقد قال أبو حيان: «لا ينبغي حمله عليه لقلته» فالمعروف أن الباء لا تزاد في المبتدأ إلا إذا كان لفظ «حسب» قياسا، وقال ابن يعيش: «أما زيادتها في المبتدأ ففي موضع واحد وهو بحسبك» وذكر الكافيجي: «إن زيادتها في بحسبك زيادة في الخبر وجعل درهم مبتدأ مؤخرا وبحسبك هو الخبر لأنه هو محطّ الفائدة والمعنى درهم واحد
167
كافيك» قال تلميذه السيوطي: «وهو من الحسن بمكان ولا أعلم في اختياراته في العربية أحسن منه» والمسوغ حينئذ هو تقدم الخبر وهو جار ومجرور.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٨ الى ١٦]
فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢)
عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)
اللغة:
(تُدْهِنُ) أصل الإدهان اللين والمصانعة والمقاربة في الكلام وجعله الزمخشري في أساس البلاغة من المجاز قال: «ومن المجاز أدهن في الأمر وداهن صانع ولاين».
(هَمَّازٍ) عياب أي مغتاب وقيل الهمّاز الذي يهمز الناس بيده ويضربهم واللمّاز باللسان وفي المختار: «اللمز العيب وأصله الإشارة بالعين ونحوها وبابه ضرب ونصر وقرىء بهما في قوله تعالى: ومنهم من يلمزك في الصدقات ورجل لمّاز ولمزة بوزن همزة أي عياب» وفيه أيضا: «الهمز كاللمز وزنا ومعنى وبابه ضرب والهامز والهمّاز العيّاب والهمزة مثله يقال رجل همزة وامرأة همزة أيضا وهمزات الشيطان خطراته التي يخطرها بقلب الإنسان والمهماز حديدة تكون في مؤخر خفّ الرائض».
168
(مَشَّاءٍ) صيغة مبالغة أي ساع بالكلام بين الناس على وجه الإفساد بينهم.
(بِنَمِيمٍ) النميم قيل هو مصدر كالنميمة وقيل هو اسم جنس لها كتمرة وتمر وهو نقل الكلام الذي يسوء سامعه ويحرش بين الناس لتأريث نار البغضاء في الصدور وفي المصباح: «نم الرجل الحديث نما من بابي قتل وضرب سعى به ليوقع فتنة أو وحشة فالرجل نم تسميته بالمصدر ونمّام مبالغة والاسم النميمة والنميم أيضا» وقال الزمخشري:
والنميم والنميمة السعاية، وأنشدني بعض العرب:
تشبّبي تشبّب النميمة تمشي بها زهر إلى تميمه
والبيت الذي استشهد به الزمخشري لأعرابي يخاطب النار والتشبّب التوقد والنميمة تزوير الكلام وتزويقه للإفساد بين الناس وثوب منمنم ومنمّم أي منقّش محسّن وزهر اسم امرأة اشتهرت بالنميمة وتميمة قبيلة معروفة، نزّل النار منزلة العاقل فأمرها وقال: اشتعلي كاشتعال التميمة حال كونها تمشي بها هذه المرأة إلى بني تميم وكانت كثيرة الإفساد بين العرب حتى ضرب بها المثل، وبين نميمة وتميمة الجناس اللاحق.
(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) أي بخيل بالمال والخير هنا يراد به عموم ما يطلق عليه.
(عُتُلٍّ) غليظ جاف قيل في الطبع وقيل في الجسم وقال أبو عبيدة: هو الفاحش اللئيم وقيل الغليظ الجافي ويقال عتلته وعتنته.
(زَنِيمٍ) دعي، قال حسّان بن ثابت:
وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
يخاطب حسان بهذا البيت الوليد بن المغيرة فيقول إنه زنيم أي معلّق في آل هاشم كالزنمة في الإهاب وهي قطعة جلد صغيرة تترك
169
معلقة بطرفه فشبهه بها وشبّهه بالقدح المنفرد الفارغ المعلق خلف الراكب وكان الوليد دعيا في قريش ليس من سنخهم، ادّعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده وقيل بغت أمه ولم يعرف حتى نزلت هذه الآية، جعل جفاءه ودعوته أشدّ معايبه لأنه إذا جفا وغلظ قسا قلبه واجترأ على كل معصية ولأن الغالب أن النطفة إذا خبثت خبث الناشئ منها ومن ثم جاء في الحديث: «لا يدخل الجنة ولد الزنا ولا ولده ولا ولد ولده» ويروى أنه لما نزلت قال الوليد لأمه: إن محمدا وصفني بتسع صفات أعرفها غير التاسع منها فإن لم تصدقيني الخبر ضربت عنقك فقالت له:
إن أباك عنين فخفت على المال فمكنت الراعي من نفسي فأنت منه، هذا ما قاله المفسرون والذي نراه ورجحه أبو حيان أن هذه الأوصاف ليست لمعين ألا ترى إلى قوله كل حلّاف فإنما وقع النهي عن طواعية من هو بهذه الصفات التي جاءت للمبالغة وسيأتي مزيد بحث عنها في باب البلاغة.
(سَنَسِمُهُ) نضع العلامة على الوجه.
(الْخُرْطُومِ) أنف السباع وغالب ما يستعمل في أنف الفيل والخنزير، وفي القاموس: «الخرطوم كزنبور الأنف أو مقدمه أو ما ضممت عليه الحنكين كالخرطم القنفذ».
الإعراب:
(فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) الفاء الفصيحة لأنها عطفت على محذوف دلّ عليه السياق وينبىء عنه ما قبله والنهي بمنابه التهييج وإلهاب التصميم على معاصاتهم، ولا ناهية وتطع فعل مضارع مجزوم بلا والفاعل مستتر تقديره أنت والمكذبين مفعول به (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) ودّوا فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة ولو حرف مصدري للتمنّي على رأي البصريين لوقوعه بعد فعل الودادة وقد تقدم
170
القول فيه مفصّلا في قوله تعالى «يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنة» وهي وما في حيّزها في تأويل مصدر مفعول ودّوا وقيل إن مفعول ودّوا محذوف أي ودّوا إدهانكم وحذف لدلالة ما بعده عليه ولو باقية على بابها من كونها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره وجوابها عندئذ محذوف تقديره لسرّوا بذلك والفاء حرف عطف ويدهنون فعل مضارع معطوف على تدهن فهو في حيّز لو فهو من المتمنى، والمتمنى شيئان ثانيهما متسبّب عن الأول أو هو خبر لمبتدأ مضمر أي فهم يدهنون، وفي الكشاف: «فإن قلت لم رفع فيدهنون ولم ينصب بإضمار أن وهو جواب التمنّي قلت قد عدل به إلى طريق آخر وهو أنه جعل خبر مبتدأ محذوف أي فهم يدهنون» (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) الواو عاطفة ولا ناهية وتطع فعل مضارع مجزوم بلا وكل حلّاف مفعول به ومهين نعت لحلّاف (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) صفات مسرودة سيأتي الحديث عنها في باب البلاغة وبنميم متعلق بمشاء وللخير متعلقان بمنّاع (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) الظرف متعلق بزنيم وهذه البعدية في الرتبة أي هذا الوصف وهو زنيم متأخر في الرتبة والشناعة عن الصفات السابقة فبعد هنا كثم التي للترتيب والتراخي في الرتبة (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) أن مصدرية وهي وما في حيّزها في موضع نصب بنزع الخافض أي لأن كان وهو متعلق بما دلّ عليه إذا تتلى أي كذب بها ولا يصحّ أن يكون معمولا لفعل الشرط لأن إذا تضاف إلى الجملة بعدها والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف ولا يصحّ أن يكون معمولا لقال الذي هو جواب الشرط لأن ما بعد أداة الشرط لا يعمل فيما قبلها وقال الزمخشري «متعلق بقوله ولا تطع يعني ولا تطعه مع هذه المثالب لأنه كان ذا مال أي ليساره وحظه من الدنيا» وقال أبو حيان: «ويجوز أن يتعلق بما بعده على معنى لكونه متموّلا مستظهرا بالبنين كذب آياتنا» وكان فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هو وذا مال خبرها وبنين
171
عطف على مال (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) إذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وهو متعلق بجوابه وجملة تتلى عليه في محل جر بإضافة الظرف إليها وجملة قال لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وأساطير الأولين خبر لمبتدأ مضمر أي هي أساطير الأولين (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) جملة مستأنفة كأنه لما ذكر قبائح أفعاله وأقواله ذكر ما يفعل به على سبيل التوعد، والسين حرف استقبال ونسمه فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وعلى الخرطوم متعلقان بنسمه.
البلاغة:
١- في مجيء هذه الصفات مسرودة على نمط عجيب خلّاب فن المناسبة، فجاء حلّاف وبعده مهين لأن النون فيها مع الميم تراخ ثم جاء همّاز مشّاء بنميم بصفتي المبالغة ثم جاء منّاع للخير معتد أثيم وبعد ما عدّله من المثالب والنقائص أتى بصفتين من أشدّ معايبه وقد دلّت البعدية لتدل على ذلك.
٢- وفي قوله «سنسمه على الخرطوم» كناية عن المهانة وأحطّ دركات الذل إذ لما كان الوجه أشرف ما في الإنسان والأنف أكرم ما في الوجه جعلوه مكان العزّة والحمية واشتقوا منه الأنفة ومن أقوالهم:
حمي الأنف شامخ العرنين وقالوا في الذليل جدع أنفه ورغم أنفه وكان أيضا مما تظهر السمات فيه لعلوه، قال سنسمه على الخرطوم وهو غاية الإذلال والإهانة والاستبلاد إذ صار كالبهيمة لا يملك الدفع عن وسمه في الأنف وإذا كان الوسم في الوجه شينا فكيف به في أكرم عضو فيه وقد قيل: الجمال في الأنف قال بعضهم:
172
وجعلها الرازي استعارة، استعار الخرطوم للأنف ولا أرى له مناسبة. وتعسف النضر بن شميل فقال إن الخرطوم الخمر وإنه سيحد على شربها وهذا منتهى التعسف في التأويل وإن كان الخرطوم من أسماء الخمر وقيل للخمر الخرطوم لأنها تطير في الخياشيم.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ١٧ الى ٣٣]
إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١)
أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١)
عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣)
173
اللغة:
(بَلَوْناهُمْ) امتحناهم واختبرناهم.
(لَيَصْرِمُنَّها) الصرم القطع والمراد يقطعون ثمرتها يقال صرم العذق عن النخلة وأصرم النخل أي حان صرامه مثل اركب المهر وأحصد الزرع أي حان ركوبه وحصاده، وفي المختار: «صرم النخل جذه وبابه ضرب وأصرم النخل حان له أن يصرم، والانصرام الانقطاع والتصارم التقاطع والتصرّم التقطع».
(طائِفٌ) قال الفرّاء هو الأمر الذي يأتي ليلا وردّ عليه بقوله تعالى «إذا مسّهم طائف من الشيطان» وذلك لا يختصّ بليل ولا نهار ولكنه غلب في الشر.
(الصريم) قيل، هو الليل الشديد الظلمة وسمى الليل صريما لانصرامه وانفصاله عن النهار وانقطاعه عنه كما يسمى النهار صريما أيضا لانصرامه عن الليل وله معان عديدة أيضا منها البستان الذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه شيء فهو فعيل بمعنى مفعول وقطعة ضخمة من الرمل منصرمة عن سائر الرمال.
(يَتَخافَتُونَ) يتسارّون فيما بينهم وخفي وخفت وخفد ثلاثتها في معنى الكتم.
(حَرْدٍ) منع أو قصد والحرد بالتحريك الغضب وفي المختار:
«حرد قصد وبابه خرب وقوله تعالى: «وغدوا على حرد قادرين» أي على قصد وقيل على منع والحرد بالتحريك الغضب وقال أبو نصر صاحب الأصمعي هو مخفّف فعلى هذا بابه فهم وقال ابن السكّيت وقد يحرّك فعلى هذا بابه طرب فهو حارد وحردان» وفي السمين: والحرد فيه أقوال كثيرة قيل الغضب والحنق وقيل المنع من حاردت الإبل قلّ لبنها والسنة
174
قلّ ماؤها قاله أبو عبيد ويقال حرد بالكسر يحرد حردا وقد يفتح فيقال حرد فهو حردان وحارد ويقال أسد حارد وليوث حوارد وقيل الحرد والحرد الانفراد يقال حرد بالفتح يحرد بالضم حرودا وحردا وحرد انعزل ومنه كوكب حارد أو منفرد وقيل الحرد القصد يقال حرد حردك أي قصد قصدك.
الإعراب:
(إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) إن واسمها وجملة بلوناهم خبرها وهو فعل وفاعل ومفعول به والهاء تعود على أهل مكة، وكما الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف أي بلوناهم بلاء وما مصدرية وقيل بمعنى الذي وإذ ظرف ماض متعلق ببلونا وجملة أقسموا في محل جر بإضافة الظرف إليها واللام واقعة في جواب القسم ويصرمنّها فعل مضارع مرفوع بثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل أي ليصرموننها ومصبحين حال من فاعل ليصرمنّها وهو اسم فاعل من أصبح التامة (وَلا يَسْتَثْنُونَ) الواو استئنافية أو حالية ولا نافية ويستثنون فعل مضارع مرفوع أي لا يستثنون في إيمانهم ويضعف كون الواو حالية من حيث أن المضارع المنفي بلا كالمثبت في عدم دخول الواو عليه وإلا فبإضمار مبتدأ قبله ومعنى لا يستثنون لا يثنون عزمهم عن الحرمان وقيل لا يقولون إن شاء الله تعالى وسمي استثناء وهو شرط لأن معنى لأخرجنّ إن شاء الله ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ) الفاء عاطفة وطاف فعل ماض وعليها متعلقان به وطائف فاعل ومن ربك نعت لطائف والواو حالية وهم مبتدأ ونائمون خبر (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) الفاء عاطفة وأصبحت فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هي وكالصريم خبر (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) الفاء عاطفة
175
وتنادوا فعل ماض وفاعل ومصبحين حال والجملة عطف على أقسموا (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) أن مفسّرة لأنها مسبوقة بما فيه معنى القول دون حروفه ولك أن تجعلها مصدرية فتكون هي وما بعدها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض أي بأن أغدو، واغدوا فعل أمر ناقص والواو اسمها وعلى حرثكم خبر وعدّي بعلى لأنه متضمن معنى أقبلوا، قال الزمخشري: «فإن قلت هلّا قيل اغدوا إلى حرثكم وما معنى على؟ قلت لما كان الغدو إليه ليصرموه ويقطعوه كان غدوا عليه كما تقول غدا عليهم العدو ويجوز أن يضمن الغدو معنى الإقبال كقولهم يغدى عليهم بالجفنة ويراح أي فأقبلوا على حرثكم باكرين» وردّ أبو حيان قول الزمخشري الأول بقوله «واستسلف الزمخشري أن غدا يتعدى بإلى ويحتاج ذلك إلى نقل بحيث يكثر ذلك فيصير أصلا فيه ويتأول ما خالفه، والذي في حفظي أنه يتعدى بعلى كقول الشاعر:
وحسن الفتى في الأنف والأنف عاطل فكيف إذا ما الخال كان له حليا
بكرت عليه غدوة فرأيته قعودا عليه بالصريم عواذله
وإن شرطية وجوابها محذوف أي إن كنتم صادقين فاغدوا (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) الفاء عاطفة وانطلقوا فعل ماض وفاعل والواو حالية وهم مبتدأ وجملة يتخافتون خبر والجملة نصب على الحال (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) أن مفسرة أو مصدرية وقد تقدمت نظيرتها ولا نافية ويدخلنها فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والهاء مفعول به على السعة واليوم ظرف متعلق بيدخلنّها وعليكم متعلقان بيدخلنّها أيضا ومسكين فاعل (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) الواو عاطفة وغدوا فعل ماض ناقص والواو اسمها وعلى حرد متعلقان بقادرين وقادرين خبر غدوا ويجوز أن تكون غدوا تامة وتكون قادرين حالا من فاعل غدوا وعلى حرد متعلقان به وأن يكون على حرد هو
176
الحال وقادرين حال ثانية أو حال من ضمير الحال الأولى فتكون حالا متداخلة (فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) الفاء عاطفة ولما حينية أو رابطة وجملة رأوها في محل جر بإضافة الظرف إليها ورأوها فعل وفاعل ومفعول به وجملة قالوا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وإن واسمها واللام المزحلقة وضالّون خبرها وإن واسمها وخبرها مقول القول (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) بل حرف إضراب وعطف ونحن مبتدأ ومحرومون خبر (قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ) قال فعل ماض وأوسطهم فاعل، ومعنى أوسطهم أمثلهم وأعقلهم، والهمزة للاستفهام الإنكاري ولم حرف نفي وقلب وجزم وأقل فعل مضارع مجزوم بلم ولولا حرف تحضيض أي هلّا وتسبحون فعل مضارع وفاعل ومفعوله محذوف أي الله وذلك بالتوبة له (قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) قالوا فعل ماض وفاعل وسبحان مفعول مطلق لفعل محذوف وربنا مضاف إليه وإن واسمها وجملة كنّا خبرها وظالمين خبر كنّا وجملة إنّا كنّا تعليل للتنزيه اعترفوا به بظلمهم في منع المعروف وترك الاستثناء (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) الفاء عاطفة وأقبل بعضهم فعل ماض وفاعل وعلى بعض متعلقان بأقبل وجملة يتلاومون حال (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) يا حرف نداء وويلنا منادى مضاف، نادوا على أنفسهم بالويل أي يا ويلنا هذا وقت حضورك إلينا فإنك الآن مثابتنا وعلالتنا وإن واسمها وجملة كنّا خبرها وطاغين خبر كنّا (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) عسى فعل ماض ناقص من أفعال الرجاء وربنا اسمها وأن وما في حيّزها خبرها وخيرا مفعول به ثان وإن واسمها وإلى ربنا متعلقان براغبون وراغبون خبر إنّا، رجوا أن يقبل الله توبتهم ويبدلهم خيرا من جنتهم (كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) كذلك خبر مقدّم والعذاب مبتدأ مؤخر والواو حالية أو استئنافية. واللام لام الابتداء وعذاب الآخرة مبتدأ وأكبر خبر ولو شرطية
177
وكان واسمها وجملة يعلمون خبرها وجواب لو محذوف دل عليه سياق الكلام تقديره لما فرط منهم ما سلف من ظلم وإحجام عن الاستثناء.
البلاغة:
في قوله «فطاف عليها طائف من ربك» تنكير طائف والفائدة منه الإبهام تعظيما لما أصاب جنتهم ومعنى كالصريم أي لهلاك ثمرها وقيل الصريم الليل لأنها احترقت واسودّت وقيل النهار لأنها صارت خالية فارغة ومنه البياض من الأرض أي الخالية من الشجر ومعنى صارمين حاصدين ومعنى يتخافتون يسرّون حديثهم خيفة من ظهور المساكين عليهم والحرد من حاردت السنة إذا منعت خيرها المعنى وغدوا على نكد ومنع وقيل الحرد السرعة أي غدوا مسارعين نشيطين لما عزموا عليه من الحرمان قال:
أقبل سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الجنة المغلة
يصف سيلا بالكثرة وحذفت الألف قبل الهاء من لفظ الجلالة لأنه جائز في الوقف ومعنى يحرد حرد الجنة المغلة: يسرع إسراع الجنة أي البستان المغلة أي كثيرة الغلّة والخير ومعنى إسراعها ظهور خيرها قبل غيرها في زمن يسير بسبب السيل الذي داهمها فأمرعها وأخصبها.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٣٤ الى ٤٣]
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨)
أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣)
178
الإعراب:
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) إن حرف مشبه بالفعل وللمتقين خبرها المقدّم وعند ربهم الظرف متعلق بمحذوف حال من جنات أو متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر وجنات النعيم اسم إن المؤخر والجملة مستأنفة مسوقة لبيان ما أعدّ الله للمتقين يوم القيامة وللرد على صناديد قريش الذين كانوا يقولون إن صحّ أنّا بنبعث لم تكن حالنا وحال المؤمنين إلا مثل ما هي في الدنيا (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء حرف عطف والجملة معطوفة على مقدّر يقتضيه السياق أي أنحيف في الحكم فجعل المسلمين كالكافرين، ونجعل فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر والمسلمين مفعول به أول وكالمجرمين في موضع المفعول الثاني وهذا أول توبيخ وتقريع للكافرين وستتلوه خمسة توبيخات أخرى (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) وهذا هو التقريع الثاني وما اسم استفهام مبتدأ ولكم خبر وكيف اسم استفهام في محل نصب حال وتحكمون فعل مضارع وفاعل والجملة حالية وهي التقريع الثالث (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) أم حرف عطف للإضراب الانتقالي والهمزة التي في ضمنها للاستفهام
179
الإنكاري التوبيخي وهو التقريع الرابع ولكم خبر مقدّم وكتاب مبتدأ مؤخر وفيه متعلقان بتدرسون وتدرسون فعل مضارع مرفوع وفاعل وجملة تدرسون حالية أو مستأنفة (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) الجملة مفعول به لتدرسون لأنها هي المدروسة وكان الظاهر فتح همزة ان لكن لما جيء باللام المختصة بالمكسورة كسرت وعلقت الفعل عن العمل في لفظ الجملة ودخله التعليق وإن الدرس من أفعال القلوب لتضمنه معنى الحكم، ولكم خبر إن المقدم وفيه حال واللام المزحلقة جيء بها للتأكيد وما اسم إن المؤخر وجملة تخيرون صلة، وأصل تخيرون تتخيرون بمعنى تختارون (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) هذا هو التقريع الخامس ولكم خبر مقدم وأيمان مبتدأ مؤخر وعلينا صفة لأيمان وبالغة صفة ثانية وإلى يوم القيامة متعلقان بالاستقرار الذي تعلق به الخبر وهو لكم أو ببالغة أي تبلغ إلى ذلك اليوم وتنتهي إليه وفي قوله أم لكم إلخ معنى القسم كأنه قيل أقسمنا لكم أيمانا موثقة (إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) الجملة جواب القسم الملحوظ فلا محل لها وإن حرف مشبه بالفعل ولكم خبرها المقدم واللام المزحلقة للتأكيد وما اسم إن المؤخر وجملة تحكمون صلة (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) الجملة مستأنفة وسل فعل أمر وفاعله المستتر ومفعوله الأول وأيّهم مبتدأ وبذلك متعلقان بزعيم وزعيم خبر أيّهم والجملة في محل نصب مفعول ثان لسل لأنها تنصب مفعولين وعلقت عن العمل بالاستفهام الذي هو التقريع السادس (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) هذا هو التقريع السابع ولهم خبر مقدم وشركاء مبتدأ مؤخر وهذه الجملة معطوفة في المعنى على جملة أيّهم بذلك زعيم، والفاء الفصيحة لأنها أفصحت عن شرط مقدّر والتقدير إن كان ذلك كذلك فليأتوا واللام لام الأمر ويأتوا فعل مضارع مجزوم باللام والواو فاعل وبشركائهم متعلقان بيأتوا وإن شرطية وكانوا فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والواو
180
اسمها وصادقين خبرها والجواب محذوف دلّ عليه ما تقدم أي فليأتوا بشركائهم (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) الظرف مفعول به لأذكر مقدرة أو هو متعلق بقوله فليأتوا وقال الزمخشري «وناصب الظرف فليأتوا أو إضمار اذكر أو يوم يكشف عن ساق كان كيت وكيت فحذف للتهويل البليغ» وجملة يكشف في محل جر بإضافة الظرف إليها ويكشف بالبناء للمجهول وعن ساق ناب مناب نائب الفاعل، ويدعون الواو عاطفة ويدعون فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو نائب فاعل وإلى السجود متعلقان بيدعون والفاء عاطفة ولا نافية ويستطيعون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) خاشعة حال من ضمير يدعون أي ذليلة وأبصارهم فاعل خاشعة وجملة ترهقهم حال ثانية وترهقهم فعل مضارع ومفعول به مقدّم وذلّة فاعل مؤخر (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) الواو حالية وقد حرف تحقيق وكانوا فعل ماض ناقص والواو اسمها وجملة يدعون خبر كانوا وإلى السجود متعلقان بيدعون والواو حالية وهم مبتدأ وسالمون خبر.
البلاغة:
١- الاستفهام الإنكاري التقريعي: تقدم في الإعراب أن الاستفهامات التي وردت في هذه الآيات سبعة وقد خرجت عن معناها الأصلي إلى الإنكار والتوبيخ والتقريع على ما أرجفوا به من زعمهم أن الله فضّلنا عليكم في الدنيا فلا بدّ من أن يفضّلنا عليكم في الآخرة أو على الأقل إن لم يحصل التفضيل فلا أقل من المساواة ففند الله مزاعمهم الفائلة مقرّعا وموبّخا وجاءت متعاقبة: أولها أفنجعل، والثاني ما لكم، والثالث كيف تحكمون، والرابع أم لكم كتاب، والخامس أم
181
لكم أيمان، والسادس أيّهم بذلك زعيم، والسابع أم لهم شركاء، وقد انتظمت في سلك من الفصاحة والبيان يعنو له كل بيان.
٢- وفي قوله «يوم يكشف عن ساق» استعارة تمثيلية، وأصل هذا الكلام يقال لمن شمّر عن ساقه عند العمل الشاق لأن من وقع في شيء يحتاج إلى الجدّ يشمّر عن ساقه فاستعير الساق والكشف عنها لشدّة الأمر، وعبارة الزمخشري: «الكشف عن الساق والإبداء عن الخدام مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب وأصله في الروع والهزيمة وتشمير المخدرات عن سوقهنّ في الهرب وإبداء خدامهنّ عند ذلك».
وقول الزمخشري: والإبداء عن الخدام جمع خدمة وهي الخلخال وذلك كرقاب جمع رقبة قال حاتم:
أخو الحرب إن غصّت به الحرب عضّها وإن شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا
وقال ابن الرقيات:
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي عن خدام العقيلة العذراء
والتشمير عن الساق كناية عن اشتداد الأمر وصعوبته وأصله أن يسند للإنسان لأن تشمير الثوب عن الساق لخوض لجة أو جري أو نحوه فأسند للحرب لتشبيهها بالإنسان على طريق الاستعارة، أما البيت الثاني فقبله:
كيف نومي على الفراش ولما تشمل الشام غارة شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي عن خدام العقيلة العذراء
والخدام الخلخال والعقيلة الكريمة وعقيلة كل شيء أكرمه ومن النساء المخدرة التي عقلت في خدرها.
182
٣- وفي تنكير الساق إبهام للمبالغة في الدلالة على أنه أمر مبهم في الشدّة منكر خارج عن المألوف المعتاد.
٤- وفي نسبة الخشوع إلى الأبصار مجاز عقلي لأن ما في القلب يعرف من العين.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٤٤ الى ٥٢]
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨)
لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢)
اللغة:
(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) نأخذهم قليلا قليلا، يقال: استدرجه إلى كذا:
قرّبه إليه ورقّاه من درجة إلى درجة وجعله يدرج على الأرض قال الخطيب: «سنستدرجهم أي سنأخذهم بعظمتنا على التدريج لا على غرّة في عذاب لا شك فيه».
183
(مَكْظُومٌ) مملوء غمّا أو كربا، قال الماوردي: «والفرق بينهما أن الغم في القلب والكرب في الأنفاس» وقيل مكظوم: محبوس والكظم الحبس وقال المبرد: «إنه المأخوذ بكظمه وهو مجرى النفس».
(لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) أي ينظرون إليك نظرا شديدا يكاد يصرعك ويسقطك من مكانك.
الإعراب:
(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) الفاء عاطفة لترتيب الأمر على ما قبلها من أحوالهم المحكية ولك أن تجعلها فصيحة لأنها جواب شرط مقدّر والتقدير إذا كانت أحوالهم كذلك فذرني، وذر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت يعود على الرسول صلّى الله عليه وسلم والياء في محل نصب مفعول به والواو حرف عطف ومن عطف على الياء أو الواو للمعية ومن في محل نصب مفعول معه والأول أرجح وجملة يكذب صلة للموصول لا محل لها وبهذا متعلقان بيكذب والحديث بدل من اسم الإشارة (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) كلام مستأنف مسوق لبيان كيفية التعذيب المستفاد من الأمر السابق إجمالا والضمير لمن، والجمع باعتبار معناها كما أن الإفراد في يكذب باعتبار لفظها، ونستدرجهم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به ومن حرف جر وحيث ظرف مبني على الضم في محل جر بمن والجار والمجرور متعلقان بنستدرجهم وجملة لا يعلمون في محل جر بإضافة الظرف إليها (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) الواو عاطفة وأملي فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره أنا لأنه معطوف على سنستدرجهم ولهم متعلقان بأملي والإملاء الإمهال ومرادفة النعم والآلاء ليغترّوا، وسيأتي إيضاح هذا المجاز في باب البلاغة، وإن واسمها وخبرها والجملة بمثابة التعليل للإملاء
184
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) عطف على ما تقدم من قوله أم لهم شركاء أي أم أتلتمس منهم ثوابا على ما تدعوهم إليه من الهداية والإيمان، وتسألهم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به أول وأجرا مفعول به ثان والفاء عاطفة وهم مبتدأ ومن مغرم متعلقان بمثقلون ومثقلون خبر أي مكلفون حملا ثقيلا ينوءون تحته (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) عطف أيضا وعندهم ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدّم والغيب مبتدأ مؤخر والفاء عاطفة وهم مبتدأ وجملة يكتبون خبر (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) الفاء الفصيحة واصبر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت ولحكم ربك متعلقان باصبر والواو حرف عطف ولا ناهية وتكن فعل مضارع مجزوم بلا واسمها مستتر تقديره أنت وكصاحب الحوت خبر يعني يونس عليه السلام وقد تقدم حديثه وإذ ظرف منصوب بمضاف محذوف أي ولا يكن حالك كحاله وقصتك كقصته في وقت ندائه والمعنى لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر والمغاضبة فتبتلى بلاءه وجملة نادى في محل جر بإضافة الظرف إليها والواو حالية وهو مبتدأ ومكظوم خبر والجملة حال من ضمير نادى (لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) لولا حرف امتناع لوجود متضمن معنى الشرط وأن حرف مصدري ونصب وتداركه فعل ماض والهاء مفعول به ونعمة فاعل وذكر الفعل لأن تأنيث النعمة غير حقيقي ومن ربه نعت لنعمة وأن وما في حيّزها في موضع رفع مبتدأ خبره محذوف وجوبا، واللام واقعة في جواب لولا ونبذ فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر تقديره هو وبالعراء متعلقان بنبذ أي بالأرض الفضاء الجرداء والواو حالية وهو مبتدأ ومذموم خبر والجملة حال من ضمير نبذ (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) الفاء عاطفة على مقدّر أي فأدركته نعمة من ربه فاجتباه، واجتباره فعل ماض ومفعول به وربه فاعله أي فجمعه إليه وقرّبه بالتوبة عليه، فجعله عطف على
185
فاجتباه والهاء مفعول به أول ومن الصالحين في موضع المفعول الثاني (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) الواو استئنافية وإن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن أو هي مهملة على الأرجح ويكاد فعل مضارع من أفعال المقاربة والذين اسمها وجملة كفروا صلة واللام الفارقة ويزلقونك فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والكاف مفعول به وبأبصارهم متعلقان بيزلقونك ولما رابطة أو حينية ظرفية وسمعوا فعل وفاعل والذكر مفعول به والمعنى أنهم من شدّة تحديقهم وإرسال النظر الشزر إليك يكادون يزلّون قدمك أو يهلكونك قال:
يتقارضون إذا التقوا في موطن نظرا يزل مواطىء الأقدام
وجواب لما محذوف للدلالة عليه أي لما سمعوا الذكر كادوا يزلقونك (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) الواو عاطفة ويقولون عطف على يزلقونك وإن واسمها واللام المزحلقة ومجنون خبرها والجملة مقول قولهم (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) الواو حالية وما نافية مهملة لانتقاض النفي بإلا وهو مبتدأ وإلا أداة حصر وذكر خبر هو وللعالمين نعت لذكر.
البلاغة:
١- في قوله «وأملي لهم إن كيدي متين» مجاز مرسل فقد سمى إمهاله إياهم ومرادفة النعم والآلاء عليهم كيدا لأنه سبب التورط والهلاك لأن حقيقة الكيد ضرب من الاحتيال، والاحتيال أن تفعل ما هو نفع وحسن في الظاهر وأنت تريد ضده وما حصل من سعة أرزاقهم وبلهنية عيشهم وطول أعمارهم هو في الظاهر إحسان عليهم والمقصود به الضرر والهلكة.
186
٢- وفي قوله «وهو مذموم» مجاز مرسل أيضا لأن اللوم في الحقيقة سبب للذم فالعلاقة السببية، وجميل قول الرازي: «وهو مذموم على كونه فاعلا للذنب قال والجواب من ثلاثة أوجه: الأول أن كلمة لولا دالّة على أن هذه المذمومية لم تحصل، الثاني لعل المراد من المذمومية ترك الأفضل فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين، الثالث لعل هذه الواقعة كانت قبل النبوّة» وحمل الآية على المجاز أولى من تكلف هذه الاحتمالات.
187
Icon