تفسير سورة سورة البينة من كتاب إعراب القرآن وبيانه
المعروف بـإعراب القرآن و بيانه
.
لمؤلفه
محيي الدين الدرويش
.
المتوفي سنة 1403 هـ
ﰡ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ
ﰀ
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩ
ﰁ
ﮫﮬﮭ
ﰂ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﰃ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ
ﰄ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﰅ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ
ﰆ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ
ﰇ
(٩٨) سورة البيّنة مدنيّة وآياتها ثمان
[سورة البينة (٩٨) : الآيات ١ الى ٨]
وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)
[سورة البينة (٩٨) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣) وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤)وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)
540
اللغة:
(مُنْفَكِّينَ) انفكاك الشيء عن الشيء أن يزايله بعد التحامه به كالعظم إذا انفكّ من مفصله والمعنى أنهم متعلقون بدينهم لا يتركونه ولا يرومون عنه انفكاكا، قال الأزهري: «ليس هو من باب ما انفك وما برح وإنما هو من باب انفكاك الشيء عن الشيء أي انفصاله عنه».
(حُنَفاءَ) مائلين إلى الخير، قال أهل اللغة وأصل الحنف في اللغة الميل، وخصّه العرف بالميل إلى الخير وسمّوا الميل إلى الشرّ إلحادا وفي القاموس: «الحنف محرّكة: الاستقامة والاعوجاج في الرجل أو أن يقدّم إحدى إبهاميّ رجليه على الأخرى أو أن يمشي على ظهر قدميه من شق الخنصر أو ميل في صدر القدم وقد حنف كفرح وكرم فهو أحنف ورجل حنفاء وكضرب مال وصخر أبو بحر الأحنف بن قيس تابعي كبير والسيوف الحنيفية تنسب له لأنه أول من أمر باتخاذها والقياس أحنفيّ والحنفاء القوس والموسى وفرس حذيفة بن بدر وماء لبني معاوية وشجرة والأمة المتلوّنة تكسل مرة وتنشط أخرى والحرباء والسلحفاة والأطوم لسمكة بحرية والحنيف كأمير الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت عليه وكل من حجّ أو كان على دين إبراهيم صلّى الله عليه وسلم والفقير والحذاء» إلى أن يقول: «وأبو حنيفة كنية عشرين من الفقهاء أشهرهم إمام الفقهاء النعمان» وعبارة ابن خالويه جيدة وهي «حنفاء نصب على الحال مثل ظريف وظرفاء والحنيف في اللغة المستقيم فإن قيل لك: لم سمّي المعوج الرجل أحنف؟ فقل تطيّروا من الاعوجاج إلى الاستقامة كما يقال للديغ سليم وللأعمى أبو بصير
(مُنْفَكِّينَ) انفكاك الشيء عن الشيء أن يزايله بعد التحامه به كالعظم إذا انفكّ من مفصله والمعنى أنهم متعلقون بدينهم لا يتركونه ولا يرومون عنه انفكاكا، قال الأزهري: «ليس هو من باب ما انفك وما برح وإنما هو من باب انفكاك الشيء عن الشيء أي انفصاله عنه».
(حُنَفاءَ) مائلين إلى الخير، قال أهل اللغة وأصل الحنف في اللغة الميل، وخصّه العرف بالميل إلى الخير وسمّوا الميل إلى الشرّ إلحادا وفي القاموس: «الحنف محرّكة: الاستقامة والاعوجاج في الرجل أو أن يقدّم إحدى إبهاميّ رجليه على الأخرى أو أن يمشي على ظهر قدميه من شق الخنصر أو ميل في صدر القدم وقد حنف كفرح وكرم فهو أحنف ورجل حنفاء وكضرب مال وصخر أبو بحر الأحنف بن قيس تابعي كبير والسيوف الحنيفية تنسب له لأنه أول من أمر باتخاذها والقياس أحنفيّ والحنفاء القوس والموسى وفرس حذيفة بن بدر وماء لبني معاوية وشجرة والأمة المتلوّنة تكسل مرة وتنشط أخرى والحرباء والسلحفاة والأطوم لسمكة بحرية والحنيف كأمير الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت عليه وكل من حجّ أو كان على دين إبراهيم صلّى الله عليه وسلم والفقير والحذاء» إلى أن يقول: «وأبو حنيفة كنية عشرين من الفقهاء أشهرهم إمام الفقهاء النعمان» وعبارة ابن خالويه جيدة وهي «حنفاء نصب على الحال مثل ظريف وظرفاء والحنيف في اللغة المستقيم فإن قيل لك: لم سمّي المعوج الرجل أحنف؟ فقل تطيّروا من الاعوجاج إلى الاستقامة كما يقال للديغ سليم وللأعمى أبو بصير
541
وللأسود أبو البيضاء وللمهلكة مفازة، هذا قول أكثر النحويين فأما ابن الأعرابي فزعم أن المفازة ليست مقلوبة لأن العرب تقول: فوّز الرجل إذا مات ومثله جنّص قال الشاعر:
فمن للقوافي بعدها من يحوكها إذا ما ثوى كعب وفوّز جرول يريد كعب بن زهير وجرول والحطيئة والحنيف ستة أشياء:
المستقيم والمعوج والمسلم والمخلص والمختون والحاج إلى بيت الله ومن عمل بسنة إبراهيم صلوات الله عليه سمّي حنيفا».
الإعراب:
(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) لم حرف نفي وقلب وجزم ويكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلن والذين اسمها وجملة كفروا صلة ومن أهل الكتاب والمشركين متعلق بمحذوف حال والأرجح أن معنى من هنا التبعيض كما قرره الماتريدي ومنفكين خبر يكن وحتى حرف غاية وجر تأتيهم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والهاء مفعول به والبيّنة فاعل أي الحجة الواضحة (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) رسول بدل من البيّنة بدل كل من كل على سبيل المبالغة، جعل الرسول نفس البيّنة، ومن الله صفة لرسول وجملة يتلو صفة ثانية أو حال حسب القاعدة وصحفا مفعول به ومطهرة صفة لصحفا (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) الجملة صفة ثانية لصحفا وفيها خبر مقدّم وكتب مبتدأ مؤخر وقيمة نعت لكتب أي مستقيمة ناطقة بالحق والعدل (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) الواو استئنافية وما نافية وتفرق الذين فعل ماض وفاعل وجملة أوتوا لا محل لها لأنها صلة الذين والواو في أوتوا نائب فاعل
فمن للقوافي بعدها من يحوكها إذا ما ثوى كعب وفوّز جرول يريد كعب بن زهير وجرول والحطيئة والحنيف ستة أشياء:
المستقيم والمعوج والمسلم والمخلص والمختون والحاج إلى بيت الله ومن عمل بسنة إبراهيم صلوات الله عليه سمّي حنيفا».
الإعراب:
(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) لم حرف نفي وقلب وجزم ويكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلن والذين اسمها وجملة كفروا صلة ومن أهل الكتاب والمشركين متعلق بمحذوف حال والأرجح أن معنى من هنا التبعيض كما قرره الماتريدي ومنفكين خبر يكن وحتى حرف غاية وجر تأتيهم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والهاء مفعول به والبيّنة فاعل أي الحجة الواضحة (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) رسول بدل من البيّنة بدل كل من كل على سبيل المبالغة، جعل الرسول نفس البيّنة، ومن الله صفة لرسول وجملة يتلو صفة ثانية أو حال حسب القاعدة وصحفا مفعول به ومطهرة صفة لصحفا (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) الجملة صفة ثانية لصحفا وفيها خبر مقدّم وكتب مبتدأ مؤخر وقيمة نعت لكتب أي مستقيمة ناطقة بالحق والعدل (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) الواو استئنافية وما نافية وتفرق الذين فعل ماض وفاعل وجملة أوتوا لا محل لها لأنها صلة الذين والواو في أوتوا نائب فاعل
542
والكتاب مفعول به ثان وإلا أداة حصر ومن بعد متعلقان بتفرق وما مصدرية وجاءتهم البيّنة فعل ماض ومفعول به وفاعل مؤخر وما في حيّزها في محل جر بإضافة بعد إليها، ومن العجيب البالغ العجب أن يعرب ابن خالويه ما موصولة ولا مبرر لهذا الإعراب على الإطلاق وعبارته المضحكة «وما بمعنى الذي وهو جر ببعد» (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) الواو للحال والجملة حالية مسوقة لبيان قبح ما فعلوا واستسماجه وهو التفرق بعد مجيء البيّنة التي يجب أن يصدع بها كل من له مسكة من عقل، وما نافية وأمروا فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل ومتعلقه محذوف أي بما أمرناهم به من شرائع وأحكام وإلا أداة حصر وليعبدوا اللام لام التعليل ويعبدوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والواو فاعل والجار والمجرور متعلقان بأمروا على أنه في محل نصب مفعول لأجله وإنما امتنع نصبه لاختلاف الفاعل، ولعلّ هذا الوجه خير مما اختاره الجلال وعبارته «إلا ليعبدوا الله أي أن يعبدوه فحذفت أن وزيدت اللام» وزاد الكرخي في الطين بلّة فقال: «وقوله زيدت اللام الأولى أن تكون بمعنى الباء أي إلا بأن يعبدوا الله» وهذا تكلّف وتمحّل لا يليقان بأسلوب القرآن العظيم ولعلّ هذا التوهّم تسرب إليهما عن قراءة ابن مسعود «وما أمروا إلا أن يعبدوا» وعلى هذه القراءة يكون قولهما سائفا وواردا فتكون أن وما في حيّزها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض وهو الباء، والجار والمجرور متعلقان بأمروا أي بأن يعبدوا. ومخلصين حال من ضمير يعبدوا وله متعلقان بمخلصين والدين مفعول به لمخلصين لأنه اسم فاعل وحنفاء حال ثانية كما تقدم أو حال من الحال قبلها أو من الضمير المستكن فيها فهي حال متداخلة ويقيموا الصلاة عطف على ليعبدوا الله ويؤتوا الزكاة عطف أيضا والواو عاطفة أو حالية وذلك مبتدأ والإشارة إلى ما ذكر من عبادة الله وإقامة
543
الصلاة وإيتاء الزكاة ودين خبر والقيمة مضاف إليه، وقال الفرّاء:
«أضاف الدين إلى القيمة وهي نعته لاختلاف اللفظين أو هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه ودخلت الهاء للمدح والمبالغة وما في الإشارة من معنى البعد للإشعار بعلو رتبته وبعد منزلته» وعبارة ابن خالويه جيدة وهي: «فإن قيل لك: الدين هو القيمة فلم لم يقل وذلك الدين القيمة؟
فقل: العرب تضيف الشيء إلى نعته نحو قولهم صلاة الظهر وحبّ الحصيد قال الشاعر:
فأضاف العرفان إلى اليقين وهو أراد عرفانا يقينا وقال آخرون وذلك دين الملّة القيمة وذلك دين الحنيفية القيمة فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه كما قال الله عزّ وجلّ: واسأل القرية التي كنّا فيها أي اسأل أهلها» (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان مقر الأشقياء وجزاء السعداء، وإن واسمها وجملة كفروا صلة لا محل لها ومن أهل الكتاب والمشركين حال وفي نار جهنم خبر إن وخالدين حال مقدّرة من الضمير المستكن في الخبر وفيها متعلقان بخالدين وأولئك مبتدأ وهم مبتدأ ثان أو ضمير فصل وشرّ البرية خبر هم والجملة خبر إن أو خبر أولئك وقرىء البرئية في الموضعين فقيل الهمز هو الأصل من برأ الله الخلق أي ابتدعه واخترعه فبرئية فعيلة بمعنى مفعوله وقيل البرية بلا همز مشتقة من البرى وهو التراب لأنهم خلقوا منه، قال المعرّي:
«أضاف الدين إلى القيمة وهي نعته لاختلاف اللفظين أو هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه ودخلت الهاء للمدح والمبالغة وما في الإشارة من معنى البعد للإشعار بعلو رتبته وبعد منزلته» وعبارة ابن خالويه جيدة وهي: «فإن قيل لك: الدين هو القيمة فلم لم يقل وذلك الدين القيمة؟
فقل: العرب تضيف الشيء إلى نعته نحو قولهم صلاة الظهر وحبّ الحصيد قال الشاعر:
أتمدح فقعسا وتذمّ عبسا | ألا لله أمك من هجين |
ولو أقوت عليك ديار عبس | عرفت الذلّ عرفان اليقين |