تفسير سورة البينة

حومد
تفسير سورة سورة البينة من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد .
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

﴿الكتاب﴾
(١) - لَمْ يَكُنِ الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ، وَبِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْكَرُوا نُبُوَّتَهُ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى - أَهْلِ الكِتَابِ - وَمِنَ المُشْرِكِينَ، بِمُفَارِقِينَ كَفْرَهُمْ، وَمَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ، وَلاَ مُتَخَلِّينَ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الغَفْلَةِ عَنِ الحَقِّ، حَتَّى تَأْتِيَهُمْ بِيِّنَةٌ وَاضِحَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى.
مُنْفَكِّينَ - مُزَايِلينَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ.
البَيِّنَةُ - الحُجَّةُ الوَاضِحَةُ وَهِيَ الرَّسُولُ.
﴿يَتْلُواْ﴾
(٢) - وَهَذِهِ البَيِّنَةُ التِي يَنْتَظِرُونَ إِرْسَالَهَا إِلَيْهِمْ مِنَ اللهِ، هِيَ بَعْثُ رَسُولٍ إِلَيْهِمْ، يَأْتِيهِمْ بِقُرْآنٍ مُطَهَّرٍ مُنَزَّهٍ عَنِ التَّشْوِيهِ، وَالتَّحْرِيفِ، وَيَتَضَمَّنُ كُتُبَ الأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ التِي تَنْطِقُ بِالحَقِّ، كَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى.
(٣) - وَالبَيِّنَةُ التِي يَنْتَظِرُونَ إِرْسَالَهَا إِلَيْهِمْ هِيَ صُحُفٌ مُطَهَّرَةٌ فِيهَا أَحْكَامُ مُسْتَقِيمَةٌ نَاطِقَةٌ بِالحَقِّ وَالصَّوَابِ.
(وَقِيلَ إِنَّهُ قَدْ يَكُونُ المَقْصُودُ بِالكُتُبِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ سُوَرُ القُرْآنِ وَآيَاتُهُ، أَوِ الأَحْكَامُ وَالشَّرَائِعُ التِي تَضَمَّنَتْهَا).
فِيهَا كُتُبٌ - آيَاتٌ وَأَحْكَامٌ مَكْتُوبَةٌ.
قَيِّمَةٌ - مُسْتَقِيمَةٌ مُحْكَمَةٌ.
﴿الكتاب﴾
(٤) - وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الكِتَابِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَتَفَرَّقُوا طَرَائِقَ وَمَذَاهِبَ، حَتَّى صَارَ أَهْلُ كُلِّ مَذْهَبٍ يُبْطِلُونَ مَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ بَغْياً وَعُدْوَاناً، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ أَنْتَ بِبَيِّنَتِكَ، وَإِذَا كَانُوا قَدْ جَحَدُوا بَيِّنَتَكَ فَهُمْ قَدْ جَحَدُوا بَيِّنَةَ مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَأَنْكَرَوا آيَاتِ اللهِ بَعْدَ أَنِ اسْتِيقَنَتْهَا أَنْفُسَهُمْ. وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ حَالُ أَهْلِ الكِتَابِ فَمَا ظَنُّكَ بِالمْشِركِينَ الذِينَ هُمْ أَعْرَقُ فِي الكُفْرِ وَالجَهَالَةِ؟
وَمَا تَفَرَّقَ - وَمَا اخْتَلَفُوا فِي الرَّسُولِ بَيْنَ مُؤْمِنٍ وَجَاحِدٍ.
﴿الصلاة﴾ ﴿الزكاة﴾
(٥) - وَقَدْ تَفَرَّقَ هَؤُلاَءِ وَاخْتَلَفُوا بَغْياً وَعُدْوَاناً، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالتَّفَرُقِ وَالاخْتِلاَفِ، وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِمَا يُصْلِحُ دِينَهُمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَبِمَا يُحَقِّقُ لَهُمُ السَّعَادَةَ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ: مِنْ إِخْلاَصٍ للهِ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَتَطْهِيرِ أَعْمَالِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ بِهِ، وَاتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ الحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ المُنْحَرِفَةِ عَنِ الشَّرْكِ، وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَأَدَائِهَا حَقَّ الأَدَاءِ، وَدَفْعِ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ... وَهَذَا هُوَ الدِّينُ الحَقُّ الذِي جَاءَ فِي الكُتُبِ القَيِّمَةِ المُسْتَقِيمَةِ التِي لا عِوَجَ فِيهَا.
﴿الكتاب﴾ ﴿خَالِدِينَ﴾ ﴿أولئك﴾
(٦) - وَهَؤُلاَءِ الكُفَّارُ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ الذِينَ دَنَّسُوا أَنْفُسَهُمْ بِالشِّرْكِ، وَاجْتِرَاحِ السَّيِّئَاتِ وَالمَعَاصِي وَالآثَامِ، وَإِنْكَارِ الحَقِّ الوَاضِحِ بَعْدَمَا عَرَفُوهُ، سَيُجَازِيهِمْ رَبُّهُمْ بِالعَذَابِ الأَلِيمِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ، وَبِمَا أَعْرَضُوا عَنْ دَعْوَةِ الرَّسُولِ، وَهَؤُلاَءِ هُم شَرُّ المَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا لأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الحَقَّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ، وَقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ.
البَريَّةِ - الخَلْقِ - البَشَرِ.
﴿آمَنُواْ﴾ ﴿الصالحات﴾ ﴿أولئك﴾
(٧) - أَمَّا الذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ، وَاهْتَدَوا بِهُدَاهُ، وَصَدَّقُوا رُسُلَهُ، وَعَمِلُوا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةِ، فَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَفِي جِهَادِ أَعْدَائِهِ، وَبَذَلُوا أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الخَيْرِ والبِرِّ، وَأَحْسَنُوا مُعَامَلَةَ خَلْقِ اللهِ. فَأُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ النَّاسِ لأَنَّهُمْ أَدَّوا حَقَّ العَقْلِ الذِي شَرَّفَهُمُ اللهُ بِهِ، فَاتَّبَعُوا الهُدَى، وَحَفِظُوا الفَضِيلَةَ بِعَمَلِهم الصَّالِحِ.
﴿جَنَّاتُ﴾ ﴿الأنهار﴾ ﴿خَالِدِينَ﴾
(٨) - وَيُجَازِي اللهُ فِي الآخِرَةِ الذِينَ آمَنُو وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِإِدْخالِهِمْ جَنَّاتٍ تَجْري فِيهَا الأَنْهَارُ يُقِيمُونَ فِيهَا أَبَداً، وَذَلِكَ لأَنَّهُمْ حَازُوا رِضَا اللهِ بِالتِزَامِ حُدُودِ شَرِيعَتِهِ، وَنَالُوا مَا يُرْضِيهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، وَهَذَا الجَزَاءُ الحَسَنُ إِنَمَا يَكُونُ لِمَنْ مَلأَتْ قُلُوبَهُمْ خَشْيَةُ اللهِ وَالخَوْفُ مِنْهُ.
Icon