ﰡ
(١) - هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَكَانَ حَاطِبٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، هَاجَرَ مِنْ مَِكَّةَ، وَتَرَكَ فِيهَا مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَلَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ قُرَيِشٍ. فَلَمَا أَرَادَ الرَّسُولُ ﷺ فَتَحَ مَكَّةَ دَعَا رَبَّهُ اللهَ أَنْ يُعْمِيَ الأَخْبَارَ عَنْ قُرَيشٍ، حَتَّى يَأْخْذَهُمْ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ، فَكَتَبَ حَاطِبٌ كِتَاباً إِلَى قُرَيشٍ يُعَرِّفُهُمْ بِعَزْمِ الرَّسُولِ ﷺ عَلَى غَزْوِهِمْ، وَأَرْسَلَهُ مَعَ امْرَأَةٍ لِيَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَداً. وَأَعْلَمَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ بِالكِتَابِ، فَأَرْسَلَ الرَّسُولُ عَلِيّاً وَالزُّبَيْرَ، وَأَمَرَهُمَا بِالذَّهَابِ إِلَى رَوْضَةِ خَاخٍ لِيَأَتِيَاهُ بِالكِتَابِ مِنَ المَرْأَةِ، فَلَمَّا جَاءَاهَا طَلَبا مِنْهَا الكِتَابَ فأَنْكَرَتْهُ، فَهَدَّدَاهَا بِتَجْرِيدِهَا مِنْ ثِيَابِهَا لِتَفْتِيشِهَا، فَأَخْرَجَتِ الكِتَابَ مِنْ ضَفَائِرِ شَعْرِهَا.
وَسَأَلَ الرَّسُولُ حَاطِباً عَنِ الكِتَابِ فَاعْتَرَفَ وَقَالَ لِلرَّسُولُ إِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كُفْراً، وَلاَ ارْتِدَاداً عَنِ الإِسْلاَمِ، وإِنَّمَا لِيَتَّخِذَ بِهِ يَداً عِنْدَ قُرَيشٍ يَحْمِي بِهَا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَمَالَهُ. فَقَالَ الرَّسُولُ للصَّحَابَةِ إِنَّهُ صَدَقَكُمْ. وَقَالَ عُمْرُ بِنُ الخَطَّابِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنْقَ هَذَا المُنَافِقِ. فَقَالَ الرَّسُولُ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ.
وَيَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ بِأَنْ لاَ يَتَّخِذَوا الكُفَّارَ أَعْواناً وَأَنْصَاراً لَهُمْ يُبَلِّغُونَهُمْ أَخْبَارَ الرَّسُولِ التِي لاَ ينْبَغِي لأَعْدَائِهِ أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَيهَا، وَقَدْ كَفَرَ هَؤُلاَءِ الكُفَّارُ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِكِتَابِهِ، فَكَيْفَ بِكُمْ بَعْدَ هَذَا تَتَّخِذُونَهُمْ أَنْصَاراً تُسِرُّونَ إِليهِمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ، وَيُضُرُّ الرَّسُولَ والمُسْلِمِينَ، وَقَدْ أَخْرَجُوا الرَّسُولَ وَأَصْحَابَهُ مِنْ بَينِ أَظْهَرِهِمْ كُرْهاً بِالتَّوْحِيدِ، وَإِخْلاَصِ العِبَادَةِ للهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَنْبٌ يُؤَاخَذُونَ عَلَيهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
فَإِنْ كُنْتُمْ، يَا أَيَّهُا المُؤْمِنُونَ، قَدْ خَرَجْتُمْ مُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِي، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي، فَلاَ تُوَلُوا أَعْدَائِي، وَمَنْ يَفْعَلْ هَذِهِ المُوَالاَةَ، وَيُفْشِ سِرَّ الرَّسُول لأَعْدَائِهِ، فَقَدْ حَادَ عَنْ قَصْدِ الطَّرِيقِ المُوصِلَةِ إِلَى الجَنَّةِ.
أَوْلِيَاءَ - أَعْواناً تَوَادُّونَهُمْ وَتُنَاصِحُونَهُمْ.
أَنْ تُؤْمِنُوا - لإِيْمَانِكُمْ أَوْ كَرَاهَةً لإِيْمَانِكُمْ.
يَثْقَفُوكُمْ - يَظْفَرُوا بِكُمْ - أَوْ يُصَادِفُوكُمْ.
يَبْسُطُوا إِلَيكُمْ - يَمُدَّوا إِلَيكُمْ أَيْدِيهُمْ بِالضَّرْبِ وَأَلْسِنَتهُمْ بِالشَّتْمِ وَالإِيْذَاءِ.
(٣) - وََيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ الذِي اعْتَذَرَ بِرَغْبَتِهِ فِي المُحَافَظَةِ عَلَى أَوْلاَدِهِ وَأَمْوَالِهِ فِي مَكَّةَ، بِأَنَّ الأَقَارِبَ وَالأَوْلاَدَ، الذِينَ تُوَالُونَ الكُفَّارَ مِنْ أَجْلِهِمْ، لَنْ يَنْفَعُوكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَنْ يَدْفَعُوا عَنْكُمْ شَيئاً مِنْ عَذَابِ اللهِ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُ فِي الدُّنْيَا، لأَنَّهُ سَيَفْصِلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَقَارِبِهِمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ العَصِيبِ. وَيَذْهَلُ كُلُّ وَاحِدٍ عَمَّنْ سِوَاهُ، وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ شَأْنٌ يُغَنِيهِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُهُ العِبَادُ.
(٤) - أَفَلاَ تَأَسَّى هَؤُلاَءِ الذِينَ يُوَادُّونَ الكَافِرِينَ بِأَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ، وَأَصْحَابِهِ المُؤْمِنينَ، حِينَ قَالُوا لِقَوْمِهِم الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ: إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنَ الآلِهَةِ وَالأَنْدَادِ، وَجََحَدْنَا ما أَنْتُمْ عَلَيهِ مِنَ الكُفْرِ، وَأَنْكَرْنَا عِبَادَتَكُمْ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ حِجَارَةٍ وَأَوْثَانٍ وَأَصْنَامٍ، وَقَدْ أَعْلَنَّا الحَرْبَ عَلَيْكُمْ، فَلاَ هَوَادَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، وَسَنَبْقَى عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَتُوَحِّدُوهُ، وَتَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَلاَ صَاحِبَةَ وَلاَ وَلَدَ، وَتَتَخَلَّصُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ.
وَلَكُمْ فِي أَبْيكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمِهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تَتَأَسَّوْنَ بِهَا، وَتَعْتَبِرُونَ بِهَا فِي مَسْلَكِكُمْ وَعِبَادَتِكُمْ، وَلاَ تَسْتَثْنُوا مِنْ تَصَرُّفَاتِ إِبْرَاهِيمَ التِي تَقْتَدُونَ بِهَا إِلاَّ اسْتْغْفَارَهُ لأَبِيهِ الذِي بَقِيَ مُقِيماً عَلَى الكُفْرِ، فَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ: إِنَّهُ سَيَسْتَغْفِرُ لَهُ اللهَ، وَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْفَعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَالأَمْرُ مَرْدُودٌ إِلَى مَشِيئَةِ اللهِ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَ. وَلَكِنَّ هَذَا القَوْلَ صَدَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمِ حِينَمَا وَعَدَهُ أَبُوهُ بِأَنَّهُ سَيُؤْمِنُ بِاللهِ، وَيَتْبَعُهُ فِيمَا يَعْبُدُ. فَلَمَّا تَبَيَّنَ إِبْرَاهِيمُ أَنَّ عَدُوٌ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ.
وَحِينَمَا فَارَقَ إِبْرَاهِيمُ وَالمُؤْمِنُونُ مَعَهُ قَوْمَهُمْ لَجَؤُوا إِلَى اللهِ مُتَضَرِّعِينَ قَائِلِينَ: رَبَّنَا إِنَّنَا اعْتَمَدْنَا عَلَيْكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِنَا (تَوَكَّلْنَا)، وَرَجَعْنَا إِلَيكَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبِنَا، وَإِلَيكَ مَصِيرُنَا حِينَ تَبْعَثُنَا مِنْ قُبُورِنَا لِلْعََرْضِ وَالحِسَابِ. فَاقْتَدُوا بِهِمْ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ، وَقُولُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ.
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ - قُدْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي التَّبَرُّؤ مِنَ الضَّالِينَ.
براءُ مِنْكُمْ - أَبْرِيَاءُ مِنْكُمْ.
إِليكَ أَنَبْنا - إِليكَ رَجَعْنَا تَائِبِينَ.
لا تجْعَلْنَا فِتْنَةً - مَفْتُونِينَ بِهِمْ، مُعَذَّبِينَ بِأْيِدِيهِمْ.
(٦) - لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، قُدْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَأُسْوَةٌ تَتَأَسَّوْنَ بِهَا، لِمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فِي يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيَطْمَعُ فِي الأَجْرِ والثَّوَابِ مِنَ اللهِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ العَذَابِ وَالنِّكَالِ. وَمَنْ يُعْرِضْ عَمَّا دَعَاهُ اللهُ إِليهِ مِنَ الإِيْمَانِ بِهِ وَبِمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبْهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخَرِ، وَيَسْتَكْبِرْ وَيُوَالِ أَعْدَاءَ اللهِ فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ بِذَلِكَ إِلاَّ نَفْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْهُ وَعَنْ إِيمَانِهِ وَعَنْ طَاعَتِهِ، مَحْمُودٌ بأنْعُمِهِ وَأَفْضَالِهِ عَلَى خَلْقِهِ.
(٨) - إِنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَنْهَاكُمْ عَنِ الإِحْسَانِ إِلَى الكُفَّارِ الذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ، وَلَمْ يُعَاوِنُوا فِي إِخْرَاجِكُمْ مِنْهَا، وَلاَ يَمْنَعُكُمْ مِنْ إِكْرَامِهِمْ، وَمَنْحِهِمْ صِلَتَكُمْ، لأَنَّ اللهَ يُحِبُّ أَهْلَ البِرِّ والتَّوَاصُل.
(وَرَوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ: أَنّ قُتَيْلَةَ أُمَّ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ قَدِمَتْ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ عَلَى ابْنَتِهَا أسْمَاءَ بِهَدَايَا فَرَفَضَتْ أَسْمَاءُ أَنْ تَقْبَلَ الهَدَايَا مِنْهَا، وَأَنْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا، فَجَاءَتْ إِلَى أَخْتِهَا عَائِشَةَ أَمِّ المُؤْمِنينَ تَسْأَلُهَا فِي ذَلِكَ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ، فَأَمَرَهَا الرَّسُولُ بإِدْخَالِهَا بَيْتَهَا، وَبِأَنْ تَقْبَلَ مِنْهَا هَدِيتَها.
تَبَرُّوهُمْ - تُحْسِنُوا إِليهِمْ وَتُكْرِمُوهُمْ.
وَتُقْسِطُوا إِليهِمْ - تَقْضُوا إِليهِمْ بِالقِسْطِ وَالعَدْلِ.
(٩) - إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ مُوَالاَةِ الكُفَّارِ الذِينَ نَاصَبُوكُمُ العِدَاءَ فِي الدِّينِ فَقَاتَلُوكُمْ، وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ وَدِيَارِكُمْ، وَأَعَانُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ، فَهَؤُلاَءِ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنْ مُوَالاَتِهِمْ، وَعَنْ اتَّخَاذِهِمْ أَنْصَاراً، وَيَأْمُرُكُمْ بِمُعَادَاتِهِمْ.
وَيُؤَكِّدُ اللهُ تَعَالَى الوَعِيدَ عَلَى مُوَالاَتِهِمْ فِيُبَيِّنُ: أَنَّ الذِينَ يَتَوَلَّوْنَ هَؤُلاَءِ الكُفَّارَ المُؤْذِينَ هُمُ الظَّالِمُونَ لأَنَّهُمْ خَالُفوا أَمْرَ اللهِ فَوَالَوْا أَعْدَاءَهُ وَأَعْدَاءَهُمْ.
ظَاهَرُوا - عَاوَنُوا.
أَنْ تَوَلَّوْهُمْ - أَنْ تَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ.
(١٠) - كَانَ مِنْ شُرُوطِ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ الرَّسُولِ ﷺ وَقُرَيشٍ أَنَّ الرَّسُولَ لاَ يَأْتِيهِ أَحَدٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلاَّ رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِماً عَلَى دِينِ الإِسْلاَمِ. وَخِلاَلَ فَتْرَةِ الصُّلْحِ جَاءَتِ الرَّسُولَ فِي المَدْينَةِ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعيطٍ مُسْلِمَةً فَجَاءَ أَخَوَاهَا إِلَى الرَّسُولِ يَسْأَلاَنِهِ رَدَّهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ، يَنْقُضُ بِهَا عَهْدَ الحُدَيْبِيَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ خَاصَّةً، فَمَنَعَ اللهُ المُؤْمِنينَ مِنْ أَنْ يَرُدُّوا المُؤْمِنَاتِ المُهَاجِرَاتِ إِلَى المُشْرِكِينَ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى آيَةَ الامْتِحَانِ.
وَيُبَيِّنُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنينَ أَنَّهُ إِذَا جَاءَكُمْ، يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ، النِّسَاءُ مُؤْمِنَاتٍ مُهَاجِرَاتٍ مِنْ بَيْنِ الكُفَّارِ، فاخْتَبِرُوا حَالَهُنَّ، لِتَعْلَمُوا صِدْقَ إِيمَانِهِنَّ، لأنَّ الكُفَّارَ لاَ يَحِلُّونَ لِلْمُؤْمِنَاتِ، وَالمُؤْمِنَاتُ لاَ يَحْلِلْنَ لِلكُفَّارِ.
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ لِلْمُهَاجِرَاتِ:
" بِاللهِ الذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ مَا خَرَجْتُ مِنْ بُغْضِ زَوْجٍ، بِاللهِ مَا خَرَجْتُ رَغْبَةً بِأَرْضٍ عَنْ أَرْضٍ، بِاللهِ مَا خَرَجْتُ التِمَاساً لِدُنْيَا، بِاللهِ مَا خَرَجْتُ إِلاَّ حُبّاً بِاللهِ وَرَسُولِهِ ").
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِ المُهَاجِرَاتِ مِنْكُمْ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى الحُكْمَ فِي هَذِهِ الحَالَةِ:
فَقَالَ: أَعطُوا أَزْوَاجَ المُؤْمِنَاتِ المُهَاجِرَاتِ مِنَ الكُفَّارِ مِثْلَ مَا دَفَعُوا مِنَ المُهُورِ، وَلاَ إِثْمَ عَلَى الرِّجَالِ المُؤْمِنينَ فِي أَنْ يَنْكِحُوا هَؤُلاَءِ المُهَاجِرَاتِ، بِشَرْطِ أَنْ يَتَعَهَّدُوا بِأَنْ يُؤَدُّوا إِليهِنَّ مُهُورَهُنَّ، وَلاَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنينَ أَنْ يَتَزَوَّجُوا المُشْرِكَاتِ، وَلاَ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِعَقْدِ زَوْجِيَّةِ الكَافِرَاتِ البَاقِيَاتِ فِي دَارِ الشِّرْكِ، وَإِذَا لَحِقَتْ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ هِيَ زَوْجَةٌ لِمُسْلِمٍ بِالكُفَّارِ - بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ - فَلِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْأَلُوا الكُفَّارَ مَهْرَهَا الذِي دَفَعَةُ زَوْجُهَا المُسْلِمُ، وَلْيَسْأَلْكُمُ الكُفَّارُ دَفْعَ مُهُورِ نِسَائِهِمْ المُؤْمِنَاتِ المُهَاجِرَاتِ.
وَذَلِكَ الذِي ذُكِرَ هُوَ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فَاتَّبِعُوهُ، وَاللهُ عَلِيمٌ فَلاَ يَشْرَعُ إِلاَّ مَا فِيهِ الحِكْمَةُ.
فامْتَحِنُوهُنَّ - فَاخْتَبُروهُنَّ - وَكَانَ النَّبِيُّ يَخْتَبِرُهُنَّ بِالتَّحْلِيفِ.
أُجُورَهُنَّ - مُهُورَهُنَّ.
بِعِصَمِ الكَوَافِرِ - بِعُقُودِ نِكَاحِ المُشْرِكَاتِ.
(١١) - وَإِذَا ذَهَبَتْ زَوْجَاتُكُمْ الكَافِرَاتُ إِلَى المُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَدْفَعُوا إِليكُمْ المهُورَ التِي سَبَقَ أَنْ دَفَعْتُمُوهَا لَهُنَّ، ثُمَّ ظَفِرْتُمْ بِالمُشْرِكِينَ، وَانْتَصَرْتُمْ عَلَيهِمْ، فَأَعْطُوا الذِينَ ذَهَبَتْ زَوْجَاتُهُمْ المُشْرِكَاتُ مِنَ الغَنِيمَةِ مِثْلَ مَا دَفَعُوا إِليهِنَّ مِنْ صِدَاقٍ، وَخَافُوا اللهَ الذِي تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَأَدُّوا فَرَائِضَهُ، وَالتَزِمُوا بِأَوَامِرِهِ.
(وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: إِذَا فَرَّتْ مُشْرِكَةٌ هِيَ زَوْجَةٌ لِمُسْلِمٍ إِلَى الكُفَّارِ الذِينَ لَيْسَ لَهُمْ عَهْدٌ، وَلَمْ يَدْفَعُوا إِلَى زَوْجِهَا شَيئاً، فَإِذَا جَاءَتْ مِنْهُمُ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةً فَلاَ يُدْفَعُ إِلَى زَوْجِهَا شَيءٌ حَتَّى يَدْفَعُوا إِلَى المُسْلِمِ زَوْجِ الذَّاهِبَةِ إِليْهِمْ مِثْلَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُؤَدّى إِليْهِمْ مِنَ الغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ تُخَمَّسَ).
(١٢) - يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ النِّسَاءُ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيئاً، مِنْ صَنَمٍ أَوْ حَجَرٍ، وَلاَ يَسْرِقْنَ مِنْ مَالِ النَّاسِ شَيئاً، وَلاَ يَزْنِينَ، وَلاَ يَئِدْنَ بَنَاتِهِنَّ، كَمَا يَفْعَلْنَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَلاَ يُلْصِقْنَ أولاَدَ الأَجَانِب بأزواجهِنَّ (بِبُهْتَانِ يَفْتَرِينَه) وَيدَّعِين بأَنَّهُنَّ حَمَلْنَ بِهِمُ في بُطونِهِنّ (بين أيديهن) وولدَنهم من أرحَامهن (بين أرجُلِهِنَّ) وَلاَ يُخَالِفْنَكَ فِيَما أمَرْتَهُنَّ به، أو فِيمَا تَنْهَاهُنَّ عَنْهُ مِنْ مَعْرُوفٍ، كَالامْتِنَاعِ عَنِ النَّوْحِ وَشَقِّ الجُيُوبِ، وَعَلَى أَلاَّ تَخْلُو المَرأَةُ بِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ مُحْرَمٍ، فَبَايِعْهُنَّ عَلَى ذَلِكَ، وَالتَزِمْ لَهُنَّ بِالوَفَاءِ بِالثَّوَابِ إِنْ هُنَّ وَفَيْنَ فِيمَا بَايَعْنَكَ عَلَيهِ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ عَمَّا سَلَفَ مِنْ ذَنْبِهِنَّ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
بِبُهْتَانٍ - بِإِلْصَاقِ اللُقَطَاءِ بِالأَزْوَاجِ.
(١٣) - وَبَعْدَ أَنْ نَهَى اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ عَنْ مُوَادَّةِ المُشْرِكِينَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، عَادَ تَعَالَى فَكَرَّرَ هَذَا النَّهْيَ فِي آخِرِهَا فَقَالَ: يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لاَ تُوَالُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالمُشْرِكِينَ مِمَّنْ غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَاسْتَحَقُّوا الطَّرْدَ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَلاَ تَتَّخِذُوهُمْ أَصْدِقَاءَ لَكُمْ تُسِرُّونَ إِليْهِمْ بِمَا يَضُرُّ الإِسْلاَمَ وَالمُسْلِمِينَ، وَهَؤُلاَءِ الكُفَّارُ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الخَيْرِ والنَّجَاةِ فِي الآخِرَةِ لِعِنَادِهِمْ، وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى الكُفْرِ، وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَ اللهِ.. كَمَا يَئِسَ الكُفَّارُ مِنْ بَعْثِ مَوْتَاهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْتَقِدُونَ بِبَعْثِ وَلاَ حَشْرٍ وَلاَ حِسَابٍ.
لاَ تَتَوَلَّوْا - لاَ تَتَّخِذُوا أَوْلِيَاءَ.
قَوْماً - هُمُ الَيُهودُ أَوِ الكُفَّارُ عَامَّةً.