تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
المعروف بـالتحرير والتنوير
.
لمؤلفه
ابن عاشور
.
المتوفي سنة 1393 هـ
عرفت هذه السورة في كتب التفسير وكتب السنة وفي المصاحف ب( سورة الممتحنة ). قال القرطبي : والمشهور على الألسنة النطق في كلمة ﴿ الممتحنة ﴾ بكسر الحاء وهو الذي جزم به السهيلي.
ووجه التسمية أنها جاءت فيها آية امتحان إيمان النساء اللاتي يأتين من مكة مهاجرات إلى المدينة وهي آية ﴿ يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ﴾ إلى قوله ﴿ بعصم الكوافر ﴾. فوصف الناس تلك الآية بالممتحنة لأنها شرعت الامتحان. وأضيفت السورة إلى تلك الآية.
وقال السهيلي : أسند الامتحان إلى السورة مجازا كما قيل لسورة براءة الفاضحة. يعني أن ذلك الوصف مجاز عقلي.
وروي بفتح الحاء على اسم المفعول قال ابن حجر : وهو المشهور أي المرأة الممتحنة على أن التعريف تعريف العهد والمعهود أول امرأة امتحنت في إيمانها، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط امرأة عبد الرحمان بن عوف. كما سميت سورة قد سمع الله ( سورة المجادلة ) بكسر الدال.
ولك أن تجعل التعريف تعريف الجنس، أي النساء الممتحنة.
قال في الإتقان : وتسمى ﴿ سورة الامتحان ﴾، ﴿ وسورة المودة ﴾، وعزا ذلك إلى كتاب جمال القراء لعلي السخاوي ولم يذكر سنده.
وهذه السورة مدنية بالاتفاق.
واتفق أهل العدد على عد آيها ثلاث عشرة آية. وآياتها طوال.
واتفقوا على أن الآية الأولى نزلت في شأن كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين من أهل مكة.
روى البخاري من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار يبلغ به إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قصة كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة ثم قال : قال عمرو بن دينار : نزلت فيه ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ﴾ قال سفيان : هذا في حديث الناس لا أدري في الحديث أو قول عمرو. حفظته من عمرو وما تركت منه حرفا اه.
وفي صحيح مسلم وليس في حديث أبي بكر وزهير من الخمسة الذين روى عنهم مسلم يروون عن سفيان بن عيينة ذكر الآية. وجعلها إسحاق أي بن إبراهيم أحد من روى عنهم مسلم هذا الحديث في روايته من تلاوة سفيان اه. ولم يتعرض مسلم لرواية عمرو الناقد وابن أبي عمر عن سفيان فلعلهما لم يذكرا شيئا في ذلك.
واختلفوا في آن كتابة إليهم أكان عند تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم للحديبية وهو قول قتادة ودرج عليه ابن عطية وهو مقتضى رواية الحارث عن علي بن أبي طالب عند الطبري، قال : لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي مكة أفشى في الناس أنه يريد خيبر وأسر إلى ناس من أصحابه منهم حاطب بن أبي بلتعة أنه يريد مكة. فكتب حاطب إلى أهل مكة... إلى آخره، فإن قوله : أفشى، أنه يريد خيبر يدل على أن إرادته مكة إنما هي إرادة عمر الحديبية لا غزو مكة لأن خيبر فتحت قبل فتح مكة. ويؤيد هذا ما رواه الطبري أن المرأة التي أرسل معها حاطب كتابه كان مجيئها المدينة بعد غزوة بدر بسنتين : وقال ابن عطية : نزلت هذه السورة سنة ست.
وقال جماعة : كان كتاب حاطب إلى أهل مكة عند تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، وهو ظاهر صنيع جمهور أهل السير وصنيع البخاري في كتاب المغازي من صحيحه في ترتيبه للغزوات، ودرج عليه معظم المفسرين.
ومعظم الروايات ليس فيها تعيين ما قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم من تجهزه إلى مكة أهو لأجل العمرة أم لأجل الفتح فإن كان الأصح الأول وهو الذي نختاره كانت السورة جميعها نازلة في مدة متقاربة فإن امتحان أم كلثوم بنت عقبة كان عقب صلح الحديبية. ويكون نزول السورة مرتبا على ترتيب آياتها وهو الأصل في السور.
وعلى القول الثاني يكون صدور السورة نازلا بعد آيات الامتحان وما بعدها حتى قال بعضهم : إن أول السورة نزل بمكة بعد الفتح، وهذا قول غريب لا ينبغي التعويل عليه.
وهذه السورة قد عدت الثانية والتسعين في تعداد نزول السور. عند جابر بن زيد نزلت بعد سورة العقود وقبل سورة النساء.
أغراض هذه السورة
اشتملت من الأغراض على تحذير المؤمنين من اتخاذ المشركين أولياء مع أنهم كفروا بالدين الحق وأخروجهم من بلادهم.
وإعلامهم بأن اتخاذهم أولياء ضلال وأنهم لو تمكنوا من المؤمنين لأساؤوا إليهم بالفعل والقول، وأن ما بينهم وبين المشركين من أواصر القرابة لا يعتد به تجاه العداوة في الدين، وضرب لهم مثلا في ذلك قطيعة إبراهيم لأبيه وقومه.
وأردف ذلك باستئناس المؤمنين برجاء أن تحصل مودة بينهم وبين الذين أمرهم الله بمعاداتهم أي هذه معاداة غير دائمة.
وأردف بالرخصة في حسن معاملة الكفرة الذين لم يقاتلوا المسلمين قتال عداوة في دين ولا أخرجوهم من ديارهم. وهذه الأحكام إلى نهاية الآية التاسعة.
وحكم المؤمنات اللاء يأتين مهاجرات واختبار صدق إيمانهن وأن يحفظن من الرجوع إلى دار الشرك ويعوض أزواجهن المشركون ما أعطوهن من المهور ويقع التراد كذلك مع المشركين.
ومبايعة المؤمنات المهاجرات ليعرف التزامهن لأحكام الشريعة الإسلامية. وهي الآية الثانية عشرة.
وتحريم تزوج المسلمين المشركات وهذا في الآيتين العاشرة والحادية عشرة.
والنهي عن موالاة اليهود وأنهم أشبهوا المشركين وهي الآية الثالثة عشرة.
ووجه التسمية أنها جاءت فيها آية امتحان إيمان النساء اللاتي يأتين من مكة مهاجرات إلى المدينة وهي آية ﴿ يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ﴾ إلى قوله ﴿ بعصم الكوافر ﴾. فوصف الناس تلك الآية بالممتحنة لأنها شرعت الامتحان. وأضيفت السورة إلى تلك الآية.
وقال السهيلي : أسند الامتحان إلى السورة مجازا كما قيل لسورة براءة الفاضحة. يعني أن ذلك الوصف مجاز عقلي.
وروي بفتح الحاء على اسم المفعول قال ابن حجر : وهو المشهور أي المرأة الممتحنة على أن التعريف تعريف العهد والمعهود أول امرأة امتحنت في إيمانها، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط امرأة عبد الرحمان بن عوف. كما سميت سورة قد سمع الله ( سورة المجادلة ) بكسر الدال.
ولك أن تجعل التعريف تعريف الجنس، أي النساء الممتحنة.
قال في الإتقان : وتسمى ﴿ سورة الامتحان ﴾، ﴿ وسورة المودة ﴾، وعزا ذلك إلى كتاب جمال القراء لعلي السخاوي ولم يذكر سنده.
وهذه السورة مدنية بالاتفاق.
واتفق أهل العدد على عد آيها ثلاث عشرة آية. وآياتها طوال.
واتفقوا على أن الآية الأولى نزلت في شأن كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين من أهل مكة.
روى البخاري من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار يبلغ به إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قصة كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة ثم قال : قال عمرو بن دينار : نزلت فيه ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ﴾ قال سفيان : هذا في حديث الناس لا أدري في الحديث أو قول عمرو. حفظته من عمرو وما تركت منه حرفا اه.
وفي صحيح مسلم وليس في حديث أبي بكر وزهير من الخمسة الذين روى عنهم مسلم يروون عن سفيان بن عيينة ذكر الآية. وجعلها إسحاق أي بن إبراهيم أحد من روى عنهم مسلم هذا الحديث في روايته من تلاوة سفيان اه. ولم يتعرض مسلم لرواية عمرو الناقد وابن أبي عمر عن سفيان فلعلهما لم يذكرا شيئا في ذلك.
واختلفوا في آن كتابة إليهم أكان عند تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم للحديبية وهو قول قتادة ودرج عليه ابن عطية وهو مقتضى رواية الحارث عن علي بن أبي طالب عند الطبري، قال : لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي مكة أفشى في الناس أنه يريد خيبر وأسر إلى ناس من أصحابه منهم حاطب بن أبي بلتعة أنه يريد مكة. فكتب حاطب إلى أهل مكة... إلى آخره، فإن قوله : أفشى، أنه يريد خيبر يدل على أن إرادته مكة إنما هي إرادة عمر الحديبية لا غزو مكة لأن خيبر فتحت قبل فتح مكة. ويؤيد هذا ما رواه الطبري أن المرأة التي أرسل معها حاطب كتابه كان مجيئها المدينة بعد غزوة بدر بسنتين : وقال ابن عطية : نزلت هذه السورة سنة ست.
وقال جماعة : كان كتاب حاطب إلى أهل مكة عند تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، وهو ظاهر صنيع جمهور أهل السير وصنيع البخاري في كتاب المغازي من صحيحه في ترتيبه للغزوات، ودرج عليه معظم المفسرين.
ومعظم الروايات ليس فيها تعيين ما قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم من تجهزه إلى مكة أهو لأجل العمرة أم لأجل الفتح فإن كان الأصح الأول وهو الذي نختاره كانت السورة جميعها نازلة في مدة متقاربة فإن امتحان أم كلثوم بنت عقبة كان عقب صلح الحديبية. ويكون نزول السورة مرتبا على ترتيب آياتها وهو الأصل في السور.
وعلى القول الثاني يكون صدور السورة نازلا بعد آيات الامتحان وما بعدها حتى قال بعضهم : إن أول السورة نزل بمكة بعد الفتح، وهذا قول غريب لا ينبغي التعويل عليه.
وهذه السورة قد عدت الثانية والتسعين في تعداد نزول السور. عند جابر بن زيد نزلت بعد سورة العقود وقبل سورة النساء.
أغراض هذه السورة
اشتملت من الأغراض على تحذير المؤمنين من اتخاذ المشركين أولياء مع أنهم كفروا بالدين الحق وأخروجهم من بلادهم.
وإعلامهم بأن اتخاذهم أولياء ضلال وأنهم لو تمكنوا من المؤمنين لأساؤوا إليهم بالفعل والقول، وأن ما بينهم وبين المشركين من أواصر القرابة لا يعتد به تجاه العداوة في الدين، وضرب لهم مثلا في ذلك قطيعة إبراهيم لأبيه وقومه.
وأردف ذلك باستئناس المؤمنين برجاء أن تحصل مودة بينهم وبين الذين أمرهم الله بمعاداتهم أي هذه معاداة غير دائمة.
وأردف بالرخصة في حسن معاملة الكفرة الذين لم يقاتلوا المسلمين قتال عداوة في دين ولا أخرجوهم من ديارهم. وهذه الأحكام إلى نهاية الآية التاسعة.
وحكم المؤمنات اللاء يأتين مهاجرات واختبار صدق إيمانهن وأن يحفظن من الرجوع إلى دار الشرك ويعوض أزواجهن المشركون ما أعطوهن من المهور ويقع التراد كذلك مع المشركين.
ومبايعة المؤمنات المهاجرات ليعرف التزامهن لأحكام الشريعة الإسلامية. وهي الآية الثانية عشرة.
وتحريم تزوج المسلمين المشركات وهذا في الآيتين العاشرة والحادية عشرة.
والنهي عن موالاة اليهود وأنهم أشبهوا المشركين وهي الآية الثالثة عشرة.
ﰡ
وَمُبَايَعَةِ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ لِيُعْرَفَ الْتِزَامُهُنَّ لِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ. وَهِيَ الْآيَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ.
وَتَحْرِيمِ تَزَوُّجِ الْمُسْلِمِينَ الْمُشْرِكَاتِ وَهَذَا فِي الْآيَتَيْنِ الْعَاشِرَةِ وَالْحَادِيَةَ عَشْرَةَ.
وَالنَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْيَهُودِ وَأَنَّهُمْ أَشْبَهُوا الْمُشْرِكِينَ وَهِيَ الْآيَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ.
[١]
[سُورَة الممتحنة (٦٠) : آيَة ١]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي.
اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ وَثَبَتَ فِي «صَحِيحِ الْأَحَادِيثِ» أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَضِيَّةِ الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَ بِهِ حَاطِبُ بِنُ أَبِي بَلْتَعَةَ حَلِيفُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مِنْ قُرَيْشٍ. وَكَانَ حَاطِبٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَصْحَابِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَهْلِ بَدْرٍ.
وَحَاصِلُ الْقِصَّةِ مَأْخُوذَةٌ مِمَّا
فِي «صَحِيحِ الْآثَارِ» وَمَشْهُورِ السِّيرَةِ: أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ تَجَهَّزَ قَاصِدًا مَكَّةَ. قِيلَ لِأَجْلِ الْعُمْرَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ لِأَجْلِ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ لَا يَسْتَقِيمُ، فَقَدِمَتْ أَيَّامَئِذٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ امْرَأَةٌ تُسَمَّى سَارَةٌ مَوْلَاةٌ لِأَبِي عَمْرِو بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَتْ عَلَى دِينِ الشِّرْكِ فَقَالَتْ لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كُنْتُمُ الْأَهْلَ وَالْمَوَالِيَ وَالْأَصْلَ وَالْعَشِيرَةَ وَقَدْ ذَهَبَ الْمُوَالِي (تَعْنِي مَنْ قُتِلَ مِنْ مَوَالِيهَا يَوْمَ بَدْرٍ). وَقَدِ اشْتَدَّتْ بِيَ الْحَاجَةُ فَقَدَمْتُ عَلَيْكُمْ لِتُعْطُونِي وَتَكْسُونِي فَحَثَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ عَلَى إِعْطَائِهَا، فَكَسَوْهَا وَأَعْطَوْهَا وَحَمَلُوهَا، وَجَاءَهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ فَأَعْطَاهَا كِتَابًا لِتُبَلِّغَهُ إِلَى مَنْ كَتَبَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِعَزْمِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ، وَآجَرَهَا عَلَى إِبْلَاغِهِ فَخَرَجَتْ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَبَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ، وَكَانُوا فُرْسَانًا. وَقَالَ: انْطَلَقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَخُذُوهُ مِنْهَا وَخَلُّوا سَبِيلَهَا. فَخَرَجُوا تَتَعَادَى بِهِمْ خَيْلُهُمْ حَتَّى بَلَغُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِذَا هُمْ
وَتَحْرِيمِ تَزَوُّجِ الْمُسْلِمِينَ الْمُشْرِكَاتِ وَهَذَا فِي الْآيَتَيْنِ الْعَاشِرَةِ وَالْحَادِيَةَ عَشْرَةَ.
وَالنَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْيَهُودِ وَأَنَّهُمْ أَشْبَهُوا الْمُشْرِكِينَ وَهِيَ الْآيَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ.
[١]
[سُورَة الممتحنة (٦٠) : آيَة ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي.
اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ وَثَبَتَ فِي «صَحِيحِ الْأَحَادِيثِ» أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَضِيَّةِ الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَ بِهِ حَاطِبُ بِنُ أَبِي بَلْتَعَةَ حَلِيفُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مِنْ قُرَيْشٍ. وَكَانَ حَاطِبٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَصْحَابِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ أَهْلِ بَدْرٍ.
وَحَاصِلُ الْقِصَّةِ مَأْخُوذَةٌ مِمَّا
فِي «صَحِيحِ الْآثَارِ» وَمَشْهُورِ السِّيرَةِ: أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ تَجَهَّزَ قَاصِدًا مَكَّةَ. قِيلَ لِأَجْلِ الْعُمْرَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ لِأَجْلِ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ لَا يَسْتَقِيمُ، فَقَدِمَتْ أَيَّامَئِذٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ امْرَأَةٌ تُسَمَّى سَارَةٌ مَوْلَاةٌ لِأَبِي عَمْرِو بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَتْ عَلَى دِينِ الشِّرْكِ فَقَالَتْ لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كُنْتُمُ الْأَهْلَ وَالْمَوَالِيَ وَالْأَصْلَ وَالْعَشِيرَةَ وَقَدْ ذَهَبَ الْمُوَالِي (تَعْنِي مَنْ قُتِلَ مِنْ مَوَالِيهَا يَوْمَ بَدْرٍ). وَقَدِ اشْتَدَّتْ بِيَ الْحَاجَةُ فَقَدَمْتُ عَلَيْكُمْ لِتُعْطُونِي وَتَكْسُونِي فَحَثَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ عَلَى إِعْطَائِهَا، فَكَسَوْهَا وَأَعْطَوْهَا وَحَمَلُوهَا، وَجَاءَهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ فَأَعْطَاهَا كِتَابًا لِتُبَلِّغَهُ إِلَى مَنْ كَتَبَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِعَزْمِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ، وَآجَرَهَا عَلَى إِبْلَاغِهِ فَخَرَجَتْ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَبَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ، وَكَانُوا فُرْسَانًا. وَقَالَ: انْطَلَقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَخُذُوهُ مِنْهَا وَخَلُّوا سَبِيلَهَا. فَخَرَجُوا تَتَعَادَى بِهِمْ خَيْلُهُمْ حَتَّى بَلَغُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِذَا هُمْ
132
بِالْمَرْأَةِ. فَقَالُوا:
أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقَالُوا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ (يَعْنُونَ أَنَّهُمْ يُجَرِّدُونَهَا) فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حُجْزَتِهَا.
فَأتوا بِهِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَإِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَكَانَ لِمَنْ كَانَ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي (يُرِيدُ أُمَّهُ وَإِخْوَتَهُ)، وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلَا رِضًى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ. فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». وَقَالَ: لَا تَقُولُوا لِحَاطِبٍ إِلَّا خَيْرًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ
الْآيَاتِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ جَاءَتْ مُتَجَسِّسَةً إِذْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَمِّنْ يَوْمَ الْفَتْحِ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَكِنْ هَذَا يُعَارِضُهُ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْقِصَّةِ مِنْ
قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا مِنْهَا الْكِتَابَ وَخَلُّوا سَبِيلَهَا»
. وَقَدْ وُجِّهَ الْخِطَابُ بِالنَّهِي إِلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ تَحْذِيرًا مِنْ إتْيَان مثل فِعْلِ حَاطِبٍ.
وَالْعَدُوُّ: ذُو الْعَدَاوَةِ، وَهُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ: عَدَا يَعْدُو، مِثْلِ عَفُوٍّ. وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ عَلَى وَزْنِ فَعُولٍ مِثْلِ قَبُولٍ وَنَحْوِهِ مِنْ مصَادر قَليلَة. ولكونه عَلَى زِنَةِ الْمَصَادِرِ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْمَصْدَرِ فَاسْتَوَى فِي الْوَصْفِ بِهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْوَاحِدُ وَالْمُثَنَّى وَالْجَمْعُ. قَالَ تَعَالَى: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي [الشُّعَرَاء: ٧٧]، وَتقدم عَنهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٩٢].
وَالْمَعْنَى: لَا تَتَّخِذُوا أَعْدَائِي وَأَعْدَاءَكُمْ أَوْلِيَاءَ. وَالْمُرَادُ الْعَدَاوَةُ فِي الدِّينِ فَإِنَّ الْمُؤمنِينَ لم يبدأوهم بِالْعَدَاوَةِ وَإِنَّمَا أَبْدَى الْمُشْرِكُونَ عَدَاوَةَ الْمُؤْمِنِينَ انْتِصَارًا لِشِرْكِهِمْ فَعَدُّوا مَنْ خَرَجُوا عَنِ الشِّرْكِ أَعْدَاءً لَهُمْ. وَقَدْ كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ مُتَفَاوِتِينَ فِي مُنَاوَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ خُزَاعَةَ كَانُوا مُشْرِكِينَ وَكَانُوا موالين النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقَالُوا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ (يَعْنُونَ أَنَّهُمْ يُجَرِّدُونَهَا) فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حُجْزَتِهَا.
فَأتوا بِهِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَإِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَكَانَ لِمَنْ كَانَ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي (يُرِيدُ أُمَّهُ وَإِخْوَتَهُ)، وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلَا رِضًى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ. فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». وَقَالَ: لَا تَقُولُوا لِحَاطِبٍ إِلَّا خَيْرًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ
الْآيَاتِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ جَاءَتْ مُتَجَسِّسَةً إِذْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَمِّنْ يَوْمَ الْفَتْحِ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَكِنْ هَذَا يُعَارِضُهُ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْقِصَّةِ مِنْ
قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا مِنْهَا الْكِتَابَ وَخَلُّوا سَبِيلَهَا»
. وَقَدْ وُجِّهَ الْخِطَابُ بِالنَّهِي إِلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ تَحْذِيرًا مِنْ إتْيَان مثل فِعْلِ حَاطِبٍ.
وَالْعَدُوُّ: ذُو الْعَدَاوَةِ، وَهُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ: عَدَا يَعْدُو، مِثْلِ عَفُوٍّ. وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ عَلَى وَزْنِ فَعُولٍ مِثْلِ قَبُولٍ وَنَحْوِهِ مِنْ مصَادر قَليلَة. ولكونه عَلَى زِنَةِ الْمَصَادِرِ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْمَصْدَرِ فَاسْتَوَى فِي الْوَصْفِ بِهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْوَاحِدُ وَالْمُثَنَّى وَالْجَمْعُ. قَالَ تَعَالَى: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي [الشُّعَرَاء: ٧٧]، وَتقدم عَنهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٩٢].
وَالْمَعْنَى: لَا تَتَّخِذُوا أَعْدَائِي وَأَعْدَاءَكُمْ أَوْلِيَاءَ. وَالْمُرَادُ الْعَدَاوَةُ فِي الدِّينِ فَإِنَّ الْمُؤمنِينَ لم يبدأوهم بِالْعَدَاوَةِ وَإِنَّمَا أَبْدَى الْمُشْرِكُونَ عَدَاوَةَ الْمُؤْمِنِينَ انْتِصَارًا لِشِرْكِهِمْ فَعَدُّوا مَنْ خَرَجُوا عَنِ الشِّرْكِ أَعْدَاءً لَهُمْ. وَقَدْ كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ مُتَفَاوِتِينَ فِي مُنَاوَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ خُزَاعَةَ كَانُوا مُشْرِكِينَ وَكَانُوا موالين النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
133
فَمَعْنَى إِضَافَةِ عَدُوٍّ إِلَى يَاء التَّكَلُّم عَلَى تَقْدِيرِ: عَدُوِّ دِينِي، أَوْ رَسُولِي.
وَالِاتِّخَاذُ: افْتِعَالٌ مِنَ الْأَخْذِ صِيغَ الِافْتِعَالُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْأَخْذِ الْمَجَازِيِّ فَأُطْلِقَ عَلَى التَّلَبُّسِ وَالْمُلَازَمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٧١]. وَلِذَلِكَ لَزِمَهُ ذِكْرُ حَالٍ بَعْدَ مَفْعُولِهِ لِتَدُلَّ عَلَى تَعْيِينِ جَانِبِ الْمُعَامَلَةِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. فَعُومِلَ هَذَا الْفِعْلُ مُعَامَلَةَ صَيَّرَ. وَاعْتُبِرَتِ الْحَالُ الَّتِي بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِلِزُومِ ذِكْرِهَا وَهَلِ الْمَفْعُولُ الثَّانِي مِنْ بَابِ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهِ إِلَّا حَالٌ فِي الْمَعْنَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٧٤].
وَجُمْلَةُ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ لَا تَتَّخِذُوا، أَوْ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِ أَوْلِياءَ أَوْ بَيَانٍ لِمَعْنَى اتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ لَا تَتَّخِذُوا لِأَنَّ جَعْلَهَا حَالًا يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إِلَى التَّعْجِيبِ مِنْ إِلْقَائِهِمْ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ.
وَالْإِلْقَاءُ حَقِيقَتُهُ رَمْيُ مَا فِي الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ. وَاسْتُعِيرَ لِإِيقَاعِ الشَّيْءِ بِدُونِ تَدَبُّرٍ فِي
مَوْقِعِهِ، أَيْ تَصْرِفُونَ إِلَيْهِمْ مَوَدَّتَكُمْ بِغَيْرِ تَأْمُّلٍ. قَالَ تَعَالَى: فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [٨٦].
وَالْبَاءُ فِي بِالْمَوَدَّةِ لِتَأْكِيدِ اتِّصَالِ الْفِعْلِ بِمَفْعُولِهِ. وَأَصْلُ الْكَلَامِ: تُلْقُونَ إِلَيْهِمُ الْمَوَدَّةَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [الْبَقَرَة: ١٩٥] وَقَوله: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] وَذَلِكَ تَصْوِيرٌ لِقَوَّةِ مَوَدَّتِهِمْ لَهُمْ.
وَزِيدَ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ الْحَالَةِ بِجُمْلَةِ الْحَالِ الَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ وَهِيَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ إِلَيْهِمْ أَوْ مِنْ عَدُوِّي.
«وَمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ» هُوَ الْقُرْآنُ وَالدِّينُ فَذُكِرَ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ لِيَشْمَلَ كُلَّ مَا أَتَاهُمْ بِهِ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَازِ مَعَ مَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْإِيذَانِ بِتَشْنِيعِ كُفْرِهِمْ بِأَنَّهُ كُفْرٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكْفُرَ بِهِ طُلَّابُ الْهُدَى فَإِنَّ الْحَقَّ مَحْبُوبٌ مَرْغُوبٌ.
وَالِاتِّخَاذُ: افْتِعَالٌ مِنَ الْأَخْذِ صِيغَ الِافْتِعَالُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْأَخْذِ الْمَجَازِيِّ فَأُطْلِقَ عَلَى التَّلَبُّسِ وَالْمُلَازَمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٧١]. وَلِذَلِكَ لَزِمَهُ ذِكْرُ حَالٍ بَعْدَ مَفْعُولِهِ لِتَدُلَّ عَلَى تَعْيِينِ جَانِبِ الْمُعَامَلَةِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. فَعُومِلَ هَذَا الْفِعْلُ مُعَامَلَةَ صَيَّرَ. وَاعْتُبِرَتِ الْحَالُ الَّتِي بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِلِزُومِ ذِكْرِهَا وَهَلِ الْمَفْعُولُ الثَّانِي مِنْ بَابِ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهِ إِلَّا حَالٌ فِي الْمَعْنَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٧٤].
وَجُمْلَةُ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ لَا تَتَّخِذُوا، أَوْ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِ أَوْلِياءَ أَوْ بَيَانٍ لِمَعْنَى اتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ لَا تَتَّخِذُوا لِأَنَّ جَعْلَهَا حَالًا يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إِلَى التَّعْجِيبِ مِنْ إِلْقَائِهِمْ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ.
وَالْإِلْقَاءُ حَقِيقَتُهُ رَمْيُ مَا فِي الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ. وَاسْتُعِيرَ لِإِيقَاعِ الشَّيْءِ بِدُونِ تَدَبُّرٍ فِي
مَوْقِعِهِ، أَيْ تَصْرِفُونَ إِلَيْهِمْ مَوَدَّتَكُمْ بِغَيْرِ تَأْمُّلٍ. قَالَ تَعَالَى: فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [٨٦].
وَالْبَاءُ فِي بِالْمَوَدَّةِ لِتَأْكِيدِ اتِّصَالِ الْفِعْلِ بِمَفْعُولِهِ. وَأَصْلُ الْكَلَامِ: تُلْقُونَ إِلَيْهِمُ الْمَوَدَّةَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [الْبَقَرَة: ١٩٥] وَقَوله: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] وَذَلِكَ تَصْوِيرٌ لِقَوَّةِ مَوَدَّتِهِمْ لَهُمْ.
وَزِيدَ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ الْحَالَةِ بِجُمْلَةِ الْحَالِ الَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ وَهِيَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ إِلَيْهِمْ أَوْ مِنْ عَدُوِّي.
«وَمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ» هُوَ الْقُرْآنُ وَالدِّينُ فَذُكِرَ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ لِيَشْمَلَ كُلَّ مَا أَتَاهُمْ بِهِ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَازِ مَعَ مَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْإِيذَانِ بِتَشْنِيعِ كُفْرِهِمْ بِأَنَّهُ كُفْرٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكْفُرَ بِهِ طُلَّابُ الْهُدَى فَإِنَّ الْحَقَّ مَحْبُوبٌ مَرْغُوبٌ.
134
وَتَعْدِيَةُ جَاءَ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا لِأَنَّهُمِ الَّذِينَ انْتَفَعُوا بِذِلِكَ الْحَقِّ وَتَقَبَّلُوهُ فَكَأَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِمْ لَا إِلَى غَيْرِهِمْ وَإِلَّا فَإِنَّهُ جَاءَ لِدَعْوَةِ الَّذِينَ آمَنُوا وَالْمُشْرِكِينَ فَقَبِلَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَنَبَذَهُ الْمُشْرِكُونَ.
وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ كُفْرَ الْكَافرين بِهِ ناشىء عَنْ حَسَدِهِمُ الَّذِينَ آمَنُوا قَبْلَهُمْ.
وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا إِلْهَابٌ لِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَحْذَرُوا مِنْ مُوَالَاةِ الْمُشْرِكِينَ.
وَجُمْلَةُ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ كَفَرُوا، أَيْ لَمْ يَكْتَفُوا بِكُفْرِهِمْ بِمَا جَاءَ مِنَ الْحَقِّ فَتَلَبَّسُوا مَعَهُ بِإِخْرَاج الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِخْرَاجِكُمْ مِنْ بَلَدِكُمْ لِأَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ، أَيْ هُوَ اعْتِدَاءٌ حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ أَنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ. وَأَنَّ ذَلِكَ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ إِيمَانَكُمْ لَا يَضِيرُهُمْ. وَلِذَلِكَ أُجْرِيَ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ وَصْفُ رَبِّكُمْ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الْكَافِرُونَ: ١- ٣] ثُمَّ قَالَ: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الْكَافِرُونَ: ٦].
وَحُكِيَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِتَصْوِيرِ الْحَالَةِ لَأَنَّ الْجُمْلَةَ لَمَّا وَقَعَتْ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ وَقَدْ كَفَرُوا كَانَ إِخْرَاج الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَمَلًا فَظِيعًا، فَأُرِيدَ اسْتِحْضَارُ صُورَةِ ذَلِكَ الْإِخْرَاجِ الْعَظِيمِ فَظَاعَةَ اعْتِلَالِهِمْ لَهُ.
وَالْإِخْرَاجُ أُرِيدَ بِهِ: الْحَمْلُ عَلَى الْخُرُوجِ بِإِتْيَانِ أَسْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ تَضْيِيقٍ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ وَأَذًى لَهُمْ.
وَأُسْنِدَ الْإِخْرَاجُ إِلَى ضَمِيرِ الْعَدُوِّ كُلِّهِمْ لَأَنَّ جَمِيعَهُمْ كَانُوا رَاضِينَ بِمَا يَصْدُرُ مِنْ بَعْضِهِمْ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ. وَرُبَّمَا أَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ، وَلِذَلِكَ فَالْإِخْرَاجُ مَجَازٌ فِي أَسْبَابِهِ، وَإِسْنَادُهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ إِسْنَادٌ حَقِيقِيٌّ.
وَهَذِهِ الصِّفَاتُ بِمَجْمُوعِهَا لَا تَنْطَبِقُ إِلَّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَجْمُوعُهَا هُوَ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْ مُوَادَّتِهِمْ.
وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ تُؤْمِنُوا، لِإِفَادَةِ اسْتِمْرَارِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى الثَّنَاءِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِثَبَاتِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَصُدُّهُمْ عَنْهُ مَا سَبَّبَ لَهُمُ الْخُرُوجَ مِنْ بِلَادِهِمْ.
وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ كُفْرَ الْكَافرين بِهِ ناشىء عَنْ حَسَدِهِمُ الَّذِينَ آمَنُوا قَبْلَهُمْ.
وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا إِلْهَابٌ لِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَحْذَرُوا مِنْ مُوَالَاةِ الْمُشْرِكِينَ.
وَجُمْلَةُ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ كَفَرُوا، أَيْ لَمْ يَكْتَفُوا بِكُفْرِهِمْ بِمَا جَاءَ مِنَ الْحَقِّ فَتَلَبَّسُوا مَعَهُ بِإِخْرَاج الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِخْرَاجِكُمْ مِنْ بَلَدِكُمْ لِأَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ، أَيْ هُوَ اعْتِدَاءٌ حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ أَنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ. وَأَنَّ ذَلِكَ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ إِيمَانَكُمْ لَا يَضِيرُهُمْ. وَلِذَلِكَ أُجْرِيَ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ وَصْفُ رَبِّكُمْ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الْكَافِرُونَ: ١- ٣] ثُمَّ قَالَ: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الْكَافِرُونَ: ٦].
وَحُكِيَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِتَصْوِيرِ الْحَالَةِ لَأَنَّ الْجُمْلَةَ لَمَّا وَقَعَتْ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ وَقَدْ كَفَرُوا كَانَ إِخْرَاج الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَمَلًا فَظِيعًا، فَأُرِيدَ اسْتِحْضَارُ صُورَةِ ذَلِكَ الْإِخْرَاجِ الْعَظِيمِ فَظَاعَةَ اعْتِلَالِهِمْ لَهُ.
وَالْإِخْرَاجُ أُرِيدَ بِهِ: الْحَمْلُ عَلَى الْخُرُوجِ بِإِتْيَانِ أَسْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ تَضْيِيقٍ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ وَأَذًى لَهُمْ.
وَأُسْنِدَ الْإِخْرَاجُ إِلَى ضَمِيرِ الْعَدُوِّ كُلِّهِمْ لَأَنَّ جَمِيعَهُمْ كَانُوا رَاضِينَ بِمَا يَصْدُرُ مِنْ بَعْضِهِمْ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ. وَرُبَّمَا أَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ، وَلِذَلِكَ فَالْإِخْرَاجُ مَجَازٌ فِي أَسْبَابِهِ، وَإِسْنَادُهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ إِسْنَادٌ حَقِيقِيٌّ.
وَهَذِهِ الصِّفَاتُ بِمَجْمُوعِهَا لَا تَنْطَبِقُ إِلَّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَجْمُوعُهَا هُوَ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْ مُوَادَّتِهِمْ.
وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ تُؤْمِنُوا، لِإِفَادَةِ اسْتِمْرَارِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى الثَّنَاءِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِثَبَاتِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَصُدُّهُمْ عَنْهُ مَا سَبَّبَ لَهُمُ الْخُرُوجَ مِنْ بِلَادِهِمْ.
135
وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي شَرْطٌ ذُيِّلَ بِهِ النَّهْيُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ. وَهَذَا مَقَامٌ يُسْتَعْمَلُ فِي مِثْلِهِ الشَّرْطُ بِمَنْزِلَةِ التَّتْمِيمِ لِمَا قَبْلَهُ دُونَ قَصْدِ تَعْلِيقِ مَا قَبْلَهُ بِمَضْمُونِ فِعْلِ الشَّرْطِ، أَيْ لَا يُقْصَدُ أَنَّهُ إِذَا انْتَفَى فِعْلُ الشَّرْطِ انْتَفَى مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الشُّرُوطِ بَلْ يَقْصِدُ تَأْكِيدَ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ بِمَضْمُونِ فِعْلِ الشَّرْطِ فَيَكُونُ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهِ فِي صُورَةِ الشَّرْطِ مَعَ ثِقَةِ الْمُتَكَلِّمِ بِحُصُولِ مَضْمُونِ فِعْلِ الشَّرْطِ بِحَيْثُ لَا يُتَوَقَّعُ مِنَ السَّامِعِ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ غَيْرُ مَضْمُونِ فِعْلِ الشَّرْطِ فَتَكُونُ صِيغَةُ الشَّرْطِ مُرَادًا بِهَا التَّحْذِيرُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ فِي الْمُرَكَّبِ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّرْطِ يَلْزَمُهُ التَّرَدُّدُ غَالِبًا. وَلِهَذَا يُؤْتَى بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ إِذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ وَاثِقًا بِحُصُولِ مَضْمُونِهِ مُتَحَقِّقًا صِحَّةَ مَا يَقُولُهُ قَبْلَ الشَّرْطِ. كَمَا ذُكِرَ فِي «الْكَشَّافِ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [٥١]، فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ بِكَسْرِ هَمْزَةِ (إِنَّ) وَهِيَ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ فَتَكُونُ (إِنْ) شَرْطِيَّةٌ مَعَ أَنَّهُمْ مُتَحَقِّقُونَ أَنَّهُمْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ فَطَمِعُوا فِي مَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ لِتَحَقُّقِهِمْ أَنَّهُمْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَكُونُ الشَّرْطُ فِي مِثْلِهِ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيلِ وَتَكُونُ أَدَاةُ الشَّرْطِ مِثْلَ (إِذْ) أَوْ لَامِ التَّعْلِيلِ.
وَقَدْ يَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ مَنْ يُظْهِرُ وُجُوبَ الْعَمَلِ عَلَى مُقْتَضَى مَا حَصَلَ مِنْ فِعْلِ الشَّرْطِ وَأَنْ لَا يُخَالِفَ مُقْتَضَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الْأَنْفَال: ٤١] إِلَى قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا [الْأَنْفَال: ٤١]، أَيْ فَإِيمَانُكُمْ وَيَقِينُكُمْ مِمَّا أَنْزَلْنَا يُوجِبَانِ أَنْ تَرْضَوْا بِصَرْفِ الْغَنِيمَةِ لِلْأَصْنَافِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ. وَمِنْهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ إِذَا تَتَبَّعْتَ مَوَاقِعَهُ.
وَيَغْلِبُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الشَّرْطِ فِي مِثْلِهِ فِعْلَ كَوْنٍ إِيذَانًا بِأَنَّ الشَّرْطَ مُحَقَّقُ الْحُصُولِ.
وَمَا وَقَعَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَالْمَقْصُودُ اسْتِقْرَارُ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ عَدُوِّ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَعَقَّبَ بِفَرْضٍ شَرْطُهُ مَوْثُوقٌ بِأَنَّ الَّذِينَ نُهُوا مُتَلَبِّسُونَ بِمَضْمُونِ فِعْلِ الشَّرْطِ بِلَا رَيْبٍ، فَكَانَ ذِكْرُ الشَّرْطِ مِمَّا يَزِيدُ تَأْكِيدَ الِانْكِفَافِ.
وَلِذَلِكَ يُجَاءُ بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إِذْ هُوَ يُشْبِهُ التَّتْمِيمَ وَالتَّذْيِيلَ، وَهَذَا مِنْ دَقَائِقِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ.
وَقَدْ يَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ مَنْ يُظْهِرُ وُجُوبَ الْعَمَلِ عَلَى مُقْتَضَى مَا حَصَلَ مِنْ فِعْلِ الشَّرْطِ وَأَنْ لَا يُخَالِفَ مُقْتَضَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الْأَنْفَال: ٤١] إِلَى قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا [الْأَنْفَال: ٤١]، أَيْ فَإِيمَانُكُمْ وَيَقِينُكُمْ مِمَّا أَنْزَلْنَا يُوجِبَانِ أَنْ تَرْضَوْا بِصَرْفِ الْغَنِيمَةِ لِلْأَصْنَافِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ. وَمِنْهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ إِذَا تَتَبَّعْتَ مَوَاقِعَهُ.
وَيَغْلِبُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الشَّرْطِ فِي مِثْلِهِ فِعْلَ كَوْنٍ إِيذَانًا بِأَنَّ الشَّرْطَ مُحَقَّقُ الْحُصُولِ.
وَمَا وَقَعَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَالْمَقْصُودُ اسْتِقْرَارُ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ عَدُوِّ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَعَقَّبَ بِفَرْضٍ شَرْطُهُ مَوْثُوقٌ بِأَنَّ الَّذِينَ نُهُوا مُتَلَبِّسُونَ بِمَضْمُونِ فِعْلِ الشَّرْطِ بِلَا رَيْبٍ، فَكَانَ ذِكْرُ الشَّرْطِ مِمَّا يَزِيدُ تَأْكِيدَ الِانْكِفَافِ.
وَلِذَلِكَ يُجَاءُ بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إِذْ هُوَ يُشْبِهُ التَّتْمِيمَ وَالتَّذْيِيلَ، وَهَذَا مِنْ دَقَائِقِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ.
136
قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها فِي سُورَة الْفرْقَان [٤٢] و (لَوْلَا) فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ جَارٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ الصَّنْعَةُ مَجْرَى التَّقْيِيدِ لِلْحُكْمِ الْمُطْلَقِ. وَقَالَ هُنَا إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مُتَعَلِّقٌ بِ لَا تَتَّخِذُوا وَقَوْلُ النَّحْوِيِّينَ فِي مِثْلِهِ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ لِدِلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ. اه. يَعْنِي أَنَّ فَرْقًا بَيْنَ كَلَامِ النَّحْوِيِّينَ وَبَيْنَ مَا اخْتَارَهُ هُوَ مِنْ جَعْلِهِ مُتَعَلِّقًا بِ لَا تَتَّخِذُوا فَإِنَّهُ جَعَلَ جَوَابَ الشَّرْطِ غَيْرَ مَنْوِيٍّ. قُلْتُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ كَلَامُهُ مِنْ فُرُوقِ اسْتِعْمَالِ الشُّرُوطِ مِثْلَ فُرُوقِ الْخَبَرِ وَفُرُوقِ الْحَالِ الْمُبَوَّبِ لِكِلَيْهِمَا فِي كِتَابِ «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ». وَكَلَامُ النُّحَاةِ جَرَى عَلَى غَالِبِ أَحْوَالِ الشُّرُوطِ الَّتِي تَتَأَخَّرُ عَنْ جَوَابِهَا نَحْوَ: اقْبَلْ شَفَاعَةَ فُلَانٍ إِنْ شَفِعَ عِنْدَكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَطَلَّبَ لِتَقْدِيمِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ إِذَا حُذِفَ نُكْتَةٌ فِي غَيْرِ مَا جَرَى عَلَى اسْتِعْمَالِ الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ وَالتَّتْمِيمِ.
وَأَدَاةُ الشَّرْطِ فِي مِثْلِهِ تُشْبِهُ أَنْ الْوَصْلِيَّةَ وَ (لَوْ) الْوَصْلِيَّةَ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» هُنَا: إِنَّ جُمْلَةَ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِ لَا تَتَّخِذُوا يَعْنِي تَعَلُّقَ الْحَالِ بِعَامِلِهَا، أَيْ وَالْحَالُ حَالُ خُرُوجِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْتِغَائِكُمْ مَرْضَاتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْطَ أَنْ. وَ (لَوْ) الْوَصْلِيَّتَيْنِ يُعْتَبَرُ حَالًا. وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَهُمَا يَقْتَرِنُ بِوَاوِ الْحَالِ لِأَنَّ ابْنَ جِنِّيٍّ وَالزَّمَخْشَرِيَّ سَوَّغَا خُلُوَّ الْحَالِ فِي مِثْلِهِ عَنِ الْوَاوِ وَالِاسْتِعْمَالُ يَشْهَدُ لَهُمَا.
وَالْمَعْنَى: لَا يَقَعُ مِنْكُمُ اتِّخَاذُ عَدُوِّي وَعَدُوِّكُمْ أَوْلِيَاءَ وَمَوَدَّتُهُمْ، مَعَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ، وَأَخْرَجُوكُمْ لِأَجْلِ إِيمَانِكُمْ. إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي، فَكَيْفَ تُوَالُونَ مَنْ أَخْرَجُوكُمْ وَكَانَ إِخْرَاجُهُمْ إِيَّاكُمْ لِأَجْلِي وَأَنَا رَبُّكُمْ.
وَالْمُرَادُ بِالْخُرُوجِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ الْخُرُوجُ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجَرَةً إِلَى الْمَدِينَةِ. فَالْخِطَابُ خَاصٌّ بِالْمُهَاجِرِينَ عَلَى طَرِيقَةِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ رُوعِيَ فِي هَذَا التَّخْصِيصِ قَرِينَةُ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ عَلَى حَادِثِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ.
وجِهاداً، وابْتِغاءَ مَرْضاتِي مَصْدَرَانِ مَنْصُوبَانِ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ.
وَأَدَاةُ الشَّرْطِ فِي مِثْلِهِ تُشْبِهُ أَنْ الْوَصْلِيَّةَ وَ (لَوْ) الْوَصْلِيَّةَ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» هُنَا: إِنَّ جُمْلَةَ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِ لَا تَتَّخِذُوا يَعْنِي تَعَلُّقَ الْحَالِ بِعَامِلِهَا، أَيْ وَالْحَالُ حَالُ خُرُوجِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْتِغَائِكُمْ مَرْضَاتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْطَ أَنْ. وَ (لَوْ) الْوَصْلِيَّتَيْنِ يُعْتَبَرُ حَالًا. وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَهُمَا يَقْتَرِنُ بِوَاوِ الْحَالِ لِأَنَّ ابْنَ جِنِّيٍّ وَالزَّمَخْشَرِيَّ سَوَّغَا خُلُوَّ الْحَالِ فِي مِثْلِهِ عَنِ الْوَاوِ وَالِاسْتِعْمَالُ يَشْهَدُ لَهُمَا.
وَالْمَعْنَى: لَا يَقَعُ مِنْكُمُ اتِّخَاذُ عَدُوِّي وَعَدُوِّكُمْ أَوْلِيَاءَ وَمَوَدَّتُهُمْ، مَعَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ، وَأَخْرَجُوكُمْ لِأَجْلِ إِيمَانِكُمْ. إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي، فَكَيْفَ تُوَالُونَ مَنْ أَخْرَجُوكُمْ وَكَانَ إِخْرَاجُهُمْ إِيَّاكُمْ لِأَجْلِي وَأَنَا رَبُّكُمْ.
وَالْمُرَادُ بِالْخُرُوجِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ الْخُرُوجُ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجَرَةً إِلَى الْمَدِينَةِ. فَالْخِطَابُ خَاصٌّ بِالْمُهَاجِرِينَ عَلَى طَرِيقَةِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ رُوعِيَ فِي هَذَا التَّخْصِيصِ قَرِينَةُ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ عَلَى حَادِثِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ.
وجِهاداً، وابْتِغاءَ مَرْضاتِي مَصْدَرَانِ مَنْصُوبَانِ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ.
137
تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ.
يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ بَيَانًا لِجُمْلَةِ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، أَوْ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْهَا فَإِنَّ الْإِسْرَارَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْإِلْقَاءُ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ. وَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّوْبِيخِ وَالتَّعْجِيبِ، فَالتَّوْبِيخُ مُسْتَفَادٌ مِنْ إِيقَاعِ الْخَبَرِ عَقِبَ النَّهْيِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالتَّعْجِيبُ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَعْقِيبِهِ بِجُمْلَةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ، أَيْ كَيْفَ تَظُنُّونَ أَنَّ إِسْرَارَكُمْ إِلَيْهِمْ يَخْفَى عَلَيْنَا وَلَا نُطْلِعُ عَلَيْهِ رَسُولَنَا.
وَالْإِسْرَارُ: التَّحَدُّثُ وَالْإِخْبَارُ سِرًّا.
وَمَفْعُولُ تُسِرُّونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْذُوفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، أَيْ تُخْبِرُونَهُمْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ سِرًّا.
وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِتَصْوِيرِ حَالَةِ الْإِسْرَارِ إِلَيْهِ تَفْظِيعًا لَهَا.
وَالْبَاءُ فِي بِالْمَوَدَّةِ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ تُخْبِرُونَهُمْ سِرًّا بِسَبَبِ الْمَوَدَّةِ أَيْ بِسَبَبِ طَلَبِ الْمَوَدَّةِ لَهُمْ كَمَا هُوَ فِي قَضِيَّةِ كِتَابِ حَاطِبٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَوَدَّةِ فِي مَحَلِّ الْمَفْعُولِ لِفِعْلِ تُسِرُّونَ وَالْبَاءُ زَائِدَةً لِتَأْكِيدِ الْمَفْعُولِيَّةِ كَالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: ٦].
وَجُمْلَةُ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ تُسِرُّونَ أَوْ مُعْتَرِضَةٌ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ.
وَهَذَا مَنَاطُ التَّعْجِيبِ مِنْ فِعْلِ الْمُعَرَّضِ بِهِ وَهُوَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ. وَتَقْدِيمُ الْإِخْفَاءِ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: وَأَنَا أَعْلَمُ. وَلِمُوَافَقَتِهِ لِلْقِصَّةِ.
وأَعْلَمُ اسْمُ تَفْضِيلٍ وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ فَالتَّقْدِيرُ:
أَعْلَمُ مِنْهُمْ وَمِنْكُمْ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ.
وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِاسْمِ التَّفْضِيلِ وَهِيَ بِمَعْنَى الْمُصَاحِبَةِ.
وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ.
يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ بَيَانًا لِجُمْلَةِ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، أَوْ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْهَا فَإِنَّ الْإِسْرَارَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْإِلْقَاءُ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ. وَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّوْبِيخِ وَالتَّعْجِيبِ، فَالتَّوْبِيخُ مُسْتَفَادٌ مِنْ إِيقَاعِ الْخَبَرِ عَقِبَ النَّهْيِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالتَّعْجِيبُ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَعْقِيبِهِ بِجُمْلَةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ، أَيْ كَيْفَ تَظُنُّونَ أَنَّ إِسْرَارَكُمْ إِلَيْهِمْ يَخْفَى عَلَيْنَا وَلَا نُطْلِعُ عَلَيْهِ رَسُولَنَا.
وَالْإِسْرَارُ: التَّحَدُّثُ وَالْإِخْبَارُ سِرًّا.
وَمَفْعُولُ تُسِرُّونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْذُوفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، أَيْ تُخْبِرُونَهُمْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ سِرًّا.
وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِتَصْوِيرِ حَالَةِ الْإِسْرَارِ إِلَيْهِ تَفْظِيعًا لَهَا.
وَالْبَاءُ فِي بِالْمَوَدَّةِ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ تُخْبِرُونَهُمْ سِرًّا بِسَبَبِ الْمَوَدَّةِ أَيْ بِسَبَبِ طَلَبِ الْمَوَدَّةِ لَهُمْ كَمَا هُوَ فِي قَضِيَّةِ كِتَابِ حَاطِبٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَوَدَّةِ فِي مَحَلِّ الْمَفْعُولِ لِفِعْلِ تُسِرُّونَ وَالْبَاءُ زَائِدَةً لِتَأْكِيدِ الْمَفْعُولِيَّةِ كَالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: ٦].
وَجُمْلَةُ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ تُسِرُّونَ أَوْ مُعْتَرِضَةٌ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ.
وَهَذَا مَنَاطُ التَّعْجِيبِ مِنْ فِعْلِ الْمُعَرَّضِ بِهِ وَهُوَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ. وَتَقْدِيمُ الْإِخْفَاءِ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: وَأَنَا أَعْلَمُ. وَلِمُوَافَقَتِهِ لِلْقِصَّةِ.
وأَعْلَمُ اسْمُ تَفْضِيلٍ وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ فَالتَّقْدِيرُ:
أَعْلَمُ مِنْهُمْ وَمِنْكُمْ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ.
وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِاسْمِ التَّفْضِيلِ وَهِيَ بِمَعْنَى الْمُصَاحِبَةِ.
وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ.
138
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ، عُطِفَ عَلَى النَّهْيِ التَّوَعُّدُ عَلَى عَدَمِ الِانْتِهَاءِ بِأَنَّ مِنْ لَمْ يَنْتَهِ عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ هُوَ ضَالٌّ عَنِ الْهُدَى.
وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي يَفْعَلْهُ عَائِدٌ إِلَى الِاتِّخَاذِ الْمَفْهُومِ مِنْ فِعْلِ لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي أَيْ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا النَّهْيِ وَالتَّحْذِيرِ فَهُوَ قَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ.
وسَواءَ السَّبِيلِ مُسْتَعَارٌ لِأَعْمَالِ الصَّلَاحِ وَالْهُدَى لِشَبَهِهَا بِالطَّرِيقِ الْمُسْتَوِي الَّذِي يَبْلُغُ مَنْ سَلَكَهُ إِلَى بُغْيَتِهِ وَيَقَع من انحرف عَنْهُ فِي هَلَكَةٍ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ضَلَّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَضَلَّ عَنِ الرُّشْدِ.
ومِنَ شُرْطِيَّةٌ الْفِعْلُ بَعْدَهَا مُسْتَقْبَلٌ وَهُوَ وَعِيدٌ لِلَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ مَا فَعَلَ حَاطِبٌ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُمُ النَّهْيُ وَالتَّحْذِيرُ وَالتَّوْبِيخُ والتفظيع لعمله.
[٢]
[سُورَة الممتحنة (٦٠) : آيَة ٢]
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢)
تُفِيدُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِمُفَادِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [الممتحنة:
١] بِاعْتِبَارِ بَعْضَ مَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ، وَهُوَ الضَّلَالُ عَنِ الرُّشْدِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَخْفَى وَيُظَنُّ أَنَّ فِي تَطَلُّبِ مَوَدَّةِ الْعَدُوِّ فَائِدَةٌ، كَمَا هُوَ حَالُ الْمُنَافِقِينَ الْمَحْكِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النِّسَاء: ١٤١]، فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ مُوَالَاتَهُمْ مِنَ الدَّهَاءِ وَالْحَزْمِ رَجَاءَ نَفْعِهِمْ إِنْ دَالَتْ لَهُمُ الدَّوْلَةُ، فَبَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ خَطَأَ هَذَا الظَّنِّ، وَأَنَّهُمْ إِنِ اسْتَفَادُوا مِنْ مَوَدَّتِهِمْ إِيَّاهُمْ إِطِّلَاعًا عَلَى قُوَّتِهِمْ فَتَأَهَّبُوا لَهُمْ وَظَفِرُوا بِهِمْ لَمْ يَكُونُوا لِيَرْقَبُوا فِيهِمْ إِلَّا وَلَا ذِمَّةٍ، وَأَنَّهُمْ لَوْ أَخَذُوهُمْ وَتَمَكَّنُوا مِنْهُمْ لَكَانُوا أَعْدَاءً لَهُمْ لِأَنَّ الَّذِي أَضْمَرَ الْعَدَاوَةَ زَمَنًا يَعْسُرُ أَنْ يَنْقَلِبَ وَدُودًا، وَذَلِكَ لِشِدَّةِ الْحَنَقِ عَلَى مَا لَقَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ إِبْطَالِ دِينِ الشِّرْكِ وَتَحْقِيرِ أَهْلِهِ وَأَصْنَامِهِمْ.
وَفِعْلُ يَكُونُوا مُشْعِرٌ بِأَنَّ عَدَاوَتَهُمْ قَدِيمَةٌ وَأَنَّهَا تَسْتَمِرُّ.
وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي يَفْعَلْهُ عَائِدٌ إِلَى الِاتِّخَاذِ الْمَفْهُومِ مِنْ فِعْلِ لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي أَيْ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا النَّهْيِ وَالتَّحْذِيرِ فَهُوَ قَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ.
وسَواءَ السَّبِيلِ مُسْتَعَارٌ لِأَعْمَالِ الصَّلَاحِ وَالْهُدَى لِشَبَهِهَا بِالطَّرِيقِ الْمُسْتَوِي الَّذِي يَبْلُغُ مَنْ سَلَكَهُ إِلَى بُغْيَتِهِ وَيَقَع من انحرف عَنْهُ فِي هَلَكَةٍ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ضَلَّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَضَلَّ عَنِ الرُّشْدِ.
ومِنَ شُرْطِيَّةٌ الْفِعْلُ بَعْدَهَا مُسْتَقْبَلٌ وَهُوَ وَعِيدٌ لِلَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ مَا فَعَلَ حَاطِبٌ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُمُ النَّهْيُ وَالتَّحْذِيرُ وَالتَّوْبِيخُ والتفظيع لعمله.
[٢]
[سُورَة الممتحنة (٦٠) : آيَة ٢]
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢)
تُفِيدُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِمُفَادِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [الممتحنة:
١] بِاعْتِبَارِ بَعْضَ مَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ، وَهُوَ الضَّلَالُ عَنِ الرُّشْدِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَخْفَى وَيُظَنُّ أَنَّ فِي تَطَلُّبِ مَوَدَّةِ الْعَدُوِّ فَائِدَةٌ، كَمَا هُوَ حَالُ الْمُنَافِقِينَ الْمَحْكِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النِّسَاء: ١٤١]، فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ مُوَالَاتَهُمْ مِنَ الدَّهَاءِ وَالْحَزْمِ رَجَاءَ نَفْعِهِمْ إِنْ دَالَتْ لَهُمُ الدَّوْلَةُ، فَبَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ خَطَأَ هَذَا الظَّنِّ، وَأَنَّهُمْ إِنِ اسْتَفَادُوا مِنْ مَوَدَّتِهِمْ إِيَّاهُمْ إِطِّلَاعًا عَلَى قُوَّتِهِمْ فَتَأَهَّبُوا لَهُمْ وَظَفِرُوا بِهِمْ لَمْ يَكُونُوا لِيَرْقَبُوا فِيهِمْ إِلَّا وَلَا ذِمَّةٍ، وَأَنَّهُمْ لَوْ أَخَذُوهُمْ وَتَمَكَّنُوا مِنْهُمْ لَكَانُوا أَعْدَاءً لَهُمْ لِأَنَّ الَّذِي أَضْمَرَ الْعَدَاوَةَ زَمَنًا يَعْسُرُ أَنْ يَنْقَلِبَ وَدُودًا، وَذَلِكَ لِشِدَّةِ الْحَنَقِ عَلَى مَا لَقَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ إِبْطَالِ دِينِ الشِّرْكِ وَتَحْقِيرِ أَهْلِهِ وَأَصْنَامِهِمْ.
وَفِعْلُ يَكُونُوا مُشْعِرٌ بِأَنَّ عَدَاوَتَهُمْ قَدِيمَةٌ وَأَنَّهَا تَسْتَمِرُّ.
وَالْبَسْطُ: مُسْتَعَارٌ لِلْإِكْثَارِ لِمَا شَاعَ مِنْ تَشْبِيهِ الْكَثِيرِ بِالْوَاسِعِ وَالطَّوِيلِ، وَتَشْبِيهِ ضِدِّهِ
وَهُوَ الْقَبْضُ بِضِدِّ ذَلِكَ، فَبَسْطُ الْيَدِ الْإِكْثَارُ مِنْ عَمَلِهَا.
وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: عَمَلُ الْيَدِ الَّذِي يَضُرُّ مِثْلُ الضَّرْبِ وَالتَّقْيِيدِ وَالطَّعْنِ، وَعَمَلِ اللِّسَانِ الَّذِي يُؤْذِي مِثْلِ الشَّتْمِ وَالتَّهَكُّمِ. وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: بِالسُّوءِ، فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِ يَبْسُطُوا الَّذِي مَفْعُولُهُ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ.
وَجُمْلَةُ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يَكُونُوا، وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، أَيْ وَهُمْ قَدْ وَدُّوا مِنَ الْآنِ أَنْ تَكْفُرُوا فَكَيْفَ لَوْ يَأْسِرُونَكُمْ أَلَيْسَ أَهَمُّ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ حِينَئِذٍ أَنْ يَرُدُّوكُمْ كُفَّارًا، فَجُمْلَةُ الْحَالِ دَلِيلٌ عَلَى مَعْطُوفٍ مُقَدَّرٍ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً إِلَى آخِرِهِ، وَيَرُدُّوكُمْ كُفَّارًا، وَلَيْسَتْ جُمْلَةُ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ الْجَوَابِ، لِأَنَّ مَحَبَّتَهُمْ أَنْ يَكْفُرَ الْمُسْلِمُونَ مَحَبَّةٌ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالشَّرْطِ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ فِعْلُ وَدُّوا مَاضِيًا وَلَمْ يَقَعْ مُضَارِعًا مِثْلَ الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ.
وَهَذَا الْوَجْهُ أَحْسَنُ مِمَّا فِي كِتَابِ «الْإِيضَاحِ» لِلْقَزْوِينِي فِي بَحْثِ تَقْيِيدِ الْمُسْنَدِ بِالشَّرْطِ، إِذِ اسْتَظْهَرَ أَنْ يَكُونَ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ.
وَنَظَّرَهُ بِجُمْلَةِ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ فِي آلِ عِمْرَانَ [١١١]. فَإِنَّ الْمَعْطُوفَ بِ (ثُمَّ) فِيهَا عَطْفٌ عَلَى مَجْمُوعِ الشَّرْطِ وَفِعْلِهِ وَجَوَابِهِ لَا عَلَى جُمْلَةِ فِعْلِ الشَّرْطِ.
ولَوْ هُنَا مَصْدَرِيَّةٌ فَفِعْلُ تَكْفُرُونَ مُؤَوَّلٌ بِمَصْدَرٍ، أَيْ ودّوا كفركم.
[٣]
[سُورَة الممتحنة (٦٠) : آيَة ٣]
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣)
تَخَلَّصَ مِنْ تَبْيِينِ سُوءِ عَاقِبَةِ مُوَالَاةِ أَعْدَاءِ الدِّينِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، إِلَى بَيَانِ سُوءِ
وَهُوَ الْقَبْضُ بِضِدِّ ذَلِكَ، فَبَسْطُ الْيَدِ الْإِكْثَارُ مِنْ عَمَلِهَا.
وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: عَمَلُ الْيَدِ الَّذِي يَضُرُّ مِثْلُ الضَّرْبِ وَالتَّقْيِيدِ وَالطَّعْنِ، وَعَمَلِ اللِّسَانِ الَّذِي يُؤْذِي مِثْلِ الشَّتْمِ وَالتَّهَكُّمِ. وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: بِالسُّوءِ، فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِ يَبْسُطُوا الَّذِي مَفْعُولُهُ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ.
وَجُمْلَةُ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يَكُونُوا، وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، أَيْ وَهُمْ قَدْ وَدُّوا مِنَ الْآنِ أَنْ تَكْفُرُوا فَكَيْفَ لَوْ يَأْسِرُونَكُمْ أَلَيْسَ أَهَمُّ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ حِينَئِذٍ أَنْ يَرُدُّوكُمْ كُفَّارًا، فَجُمْلَةُ الْحَالِ دَلِيلٌ عَلَى مَعْطُوفٍ مُقَدَّرٍ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً إِلَى آخِرِهِ، وَيَرُدُّوكُمْ كُفَّارًا، وَلَيْسَتْ جُمْلَةُ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ الْجَوَابِ، لِأَنَّ مَحَبَّتَهُمْ أَنْ يَكْفُرَ الْمُسْلِمُونَ مَحَبَّةٌ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالشَّرْطِ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ فِعْلُ وَدُّوا مَاضِيًا وَلَمْ يَقَعْ مُضَارِعًا مِثْلَ الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ.
وَهَذَا الْوَجْهُ أَحْسَنُ مِمَّا فِي كِتَابِ «الْإِيضَاحِ» لِلْقَزْوِينِي فِي بَحْثِ تَقْيِيدِ الْمُسْنَدِ بِالشَّرْطِ، إِذِ اسْتَظْهَرَ أَنْ يَكُونَ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ.
وَنَظَّرَهُ بِجُمْلَةِ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ فِي آلِ عِمْرَانَ [١١١]. فَإِنَّ الْمَعْطُوفَ بِ (ثُمَّ) فِيهَا عَطْفٌ عَلَى مَجْمُوعِ الشَّرْطِ وَفِعْلِهِ وَجَوَابِهِ لَا عَلَى جُمْلَةِ فِعْلِ الشَّرْطِ.
ولَوْ هُنَا مَصْدَرِيَّةٌ فَفِعْلُ تَكْفُرُونَ مُؤَوَّلٌ بِمَصْدَرٍ، أَيْ ودّوا كفركم.
[٣]
[سُورَة الممتحنة (٦٠) : آيَة ٣]
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣)
تَخَلَّصَ مِنْ تَبْيِينِ سُوءِ عَاقِبَةِ مُوَالَاةِ أَعْدَاءِ الدِّينِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، إِلَى بَيَانِ سُوءِ
140
عَاقِبَةِ تِلْكَ الْمُوَالَاةِ فِي الْآخِرَةِ، وَمُنَاسَبَةُ حُسْنِ التَّخَلُّصِ قَوْلُهُ: وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة: ٢] الدَّالُّ عَلَى مَعْنَى: أَنَّ وِدَادَتَهُمْ كُفْرَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَثْقَفُوكُمْ تَنْقَلِبُ إِلَى أَنْ يُكْرِهُوكُمْ عَلَى الْكفْر حِين يثقفونكم، فَلَا تنفعكم ذَوا أَرْحَامِكُمْ مِثْلُ الْأُمَّهَاتِ وَالْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ، وَلَلْأُمِّ، وَلَا أَوْلَادُكُمْ، وَلَا تَدْفَعُ عَنْكُمْ عَذَابَ الْآخِرَةِ إِنْ كَانُوا قَدْ نَفَعُوكُمْ فِي الدُّنْيَا بِصِلَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَنُصْرَةِ الْأَوْلَادِ.
فَجُمْلَةُ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ إِلَى آخِرِهَا مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ سُؤَالٍ مَفْرُوضٍ مِمَّنْ يَسْمَعُ جُمْلَةَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة: ٢]، أَيْ مِنْ حَقِّ ذَلِكَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ آثَارِهِ لِخَطَرِ أَمْرِهَا.
وَإِذَا كَانَ نَاشِئًا عَنْ كَلَامٍ جَرَى مَجْرَى التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [الممتحنة: ١]، فَهُوَ أَيْضًا مُفِيدٌ تَعْلِيلًا ثَانِيًا بِحَسَبِ الْمَعْنَى، وَلَوْلَا إِرَادَةُ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ لَجَاءَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً بِالْوَاوِ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَزَادَ ذَلِكَ حُسْنًا أَنَّ مَا صَدَرَ مِنْ حَاطِبِ ابْن أَبِي بَلْتَعَةَ مِمَّا عُدَّ عَلَيْهِ هُوَ مُوَالَاةٌ لِلْعَدُوِّ، وَأَنَّهُ اعْتَذَرَ بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتَهُ (أَي أمه وأخواته). وَلِذَلِكَ ابْتُدِئَ فِي نَفْيِ النَّفْعِ بِذِكْرِ الْأَرْحَامِ لِمُوَافَقَةِ قِصَّةِ حَاطِبٍ لِأَنَّ الْأُمَّ ذَاتُ رَحِمٍ وَالْإِخْوَةُ أَبْنَاؤُهَا هُمْ إِخْوَتُهُ مِنْ رَحِمَهِ.
وَأَمَّا عَطْفُ وَلا أَوْلادُكُمْ فَتَتْمِيمٌ لِشِمُولِ النَّهْيِ قَوْمًا لَهُمْ أَبْنَاءٌ فِي مَكَّةَ.
وَالْمُرَادُ بِالْأَرْحَامِ: ذَوُو الْأَرْحَامِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ لِظُهُورِ الْقَرِينَةِ.
ويَوْمَ الْقِيامَةِ ظَرْفٌ يَتَنَازَعُهُ كُلٌّ مِنْ فِعْلِ لَنْ تَنْفَعَكُمْ، وَفِعْلِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ.
إِذْ لَا يَلْزَمُ تَقَدُّمُ الْعَامِلَيْنِ عَلَى الْمَعْمُولِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إِذَا كَانَ ظَرْفًا لِأَنَّ الظُّرُوفَ تَتَقَدَّمُ عَلَى عَوَامِلِهَا وَأَنْ أَبَيْتَ هَذَا التَّنَازُعَ فَقُلْ هُوَ ظَرْفُ تَنْفَعَكُمْ وَاجْعَلْ لِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ظَرْفًا مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ.
وَالْفَصْلُ هُنَا: التَّفْرِيقُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَضَاءَ. وَالْمَعْنَى: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ذَوِي أَرْحَامِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: ٣٤- ٣٧].
فَجُمْلَةُ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ إِلَى آخِرِهَا مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ سُؤَالٍ مَفْرُوضٍ مِمَّنْ يَسْمَعُ جُمْلَةَ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة: ٢]، أَيْ مِنْ حَقِّ ذَلِكَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ آثَارِهِ لِخَطَرِ أَمْرِهَا.
وَإِذَا كَانَ نَاشِئًا عَنْ كَلَامٍ جَرَى مَجْرَى التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [الممتحنة: ١]، فَهُوَ أَيْضًا مُفِيدٌ تَعْلِيلًا ثَانِيًا بِحَسَبِ الْمَعْنَى، وَلَوْلَا إِرَادَةُ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ لَجَاءَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً بِالْوَاوِ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَزَادَ ذَلِكَ حُسْنًا أَنَّ مَا صَدَرَ مِنْ حَاطِبِ ابْن أَبِي بَلْتَعَةَ مِمَّا عُدَّ عَلَيْهِ هُوَ مُوَالَاةٌ لِلْعَدُوِّ، وَأَنَّهُ اعْتَذَرَ بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتَهُ (أَي أمه وأخواته). وَلِذَلِكَ ابْتُدِئَ فِي نَفْيِ النَّفْعِ بِذِكْرِ الْأَرْحَامِ لِمُوَافَقَةِ قِصَّةِ حَاطِبٍ لِأَنَّ الْأُمَّ ذَاتُ رَحِمٍ وَالْإِخْوَةُ أَبْنَاؤُهَا هُمْ إِخْوَتُهُ مِنْ رَحِمَهِ.
وَأَمَّا عَطْفُ وَلا أَوْلادُكُمْ فَتَتْمِيمٌ لِشِمُولِ النَّهْيِ قَوْمًا لَهُمْ أَبْنَاءٌ فِي مَكَّةَ.
وَالْمُرَادُ بِالْأَرْحَامِ: ذَوُو الْأَرْحَامِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ لِظُهُورِ الْقَرِينَةِ.
ويَوْمَ الْقِيامَةِ ظَرْفٌ يَتَنَازَعُهُ كُلٌّ مِنْ فِعْلِ لَنْ تَنْفَعَكُمْ، وَفِعْلِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ.
إِذْ لَا يَلْزَمُ تَقَدُّمُ الْعَامِلَيْنِ عَلَى الْمَعْمُولِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إِذَا كَانَ ظَرْفًا لِأَنَّ الظُّرُوفَ تَتَقَدَّمُ عَلَى عَوَامِلِهَا وَأَنْ أَبَيْتَ هَذَا التَّنَازُعَ فَقُلْ هُوَ ظَرْفُ تَنْفَعَكُمْ وَاجْعَلْ لِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ظَرْفًا مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ.
وَالْفَصْلُ هُنَا: التَّفْرِيقُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَضَاءَ. وَالْمَعْنَى: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ذَوِي أَرْحَامِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: ٣٤- ٣٧].
141
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَا يَنْفَعُونَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَا لَكُمْ تَرْفُضُونَ حَقَّ اللَّهِ مُرَاعَاةً لَهُمْ وَهُمْ يَفِرُّونَ مِنْكُمْ يَوْمَ اشْتِدَادِ الْهَوْلِ، خَطَّأَ رَأْيَهُمْ فِي مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ أَوَّلًا بِمَا يَرْجِعُ إِلَى حَالِ مَنْ وَالَوْهُ. ثُمَّ خَطَّأَهُ ثَانِيًا بِمَا يَرْجِعُ إِلَى حَالِ مَنِ اسْتَعْمَلُوا الْمُوَالَاةَ لِأَجْلِهِمْ، وَهُوَ تَقْسِيمٌ حَاصِرٌ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ مَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ حَاطِبٌ مِنْ أَيِّ جِهَةِ نَظَرٍ إِلَيْهِ يَكُونُ خَطَأً وَبَاطِلًا.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ بِبِنَاءِ يَفْصِلُ لِلْمَجْهُولِ مُخَفَّفًا. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ يَفْصِلُ بِالْبِنَاءِ الْفَاعِل، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ لِعِلْمِهِ مِنَ الْمَقَامِ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ يَفْصِلُ مُشَدَّدَ الصَّادِ مَكْسُورَةً مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ مُبَالَغَةً فِي الْفَصْلِ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ الْمَعْلُومِ مِنَ الْمَقَامِ.
وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ يَفْصِلُ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ مَفْتُوحَةً مَبْنِيًّا لِلنَّائِبِ مِنْ فَصَّلَ الْمُشَدِّدِ.
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَعِيدٌ وَوَعْدٌ.
[٤]
[سُورَة الممتحنة (٦٠) : آيَة ٤]
قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤)
قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ.
صَدْرُ هَذِهِ الْآيَةُ يُفِيدُ تَأْكِيدًا لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ [الممتحنة: ٢] وَجُمْلَةِ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ [الممتحنة: ٣]، لِأَنَّهَا بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ أَنَّ الْمُوَجَّهِ إِلَيْهِمُ التَّوْبِيخُ خَالَفُوا الْأُسْوَةَ الْحَسَنَةَ تُقَوِّي إِثْبَاتَ الْخَطَأِ الْمُسْتَوْجِبِ لِلتَّوْبِيخِ.
ذَلِكَ أَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ بَيَانِ خَطَأِ مَنْ يُوَالِي عَدُوَّ اللَّهِ بِمَا يَجُرُّ إِلَى أَصْحَابِهِ مِنْ مَضَارٍّ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ تَحْذِيرًا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، انْتَقَلَ إِلَى تَمْثِيلِ الْحَالَةِ الصَّالِحَةِ بِمِثَالٍ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ الصَّادِقِ وَالِاسْتِقَامَةِ الْقَوِيمَةِ وَنَاهِيكَ بِهَا أُسْوَةٌ.
وَافْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِكَلِمَتَيْ قَدْ كانَتْ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ، فَإِنَّ قَدْ مَعَ فِعْلِ الْكَوْنِ يُرَادُ بِهِمَا التَّعْرِيضُ بِالْإِنْكَارِ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَلَوْمِهِ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الْعَمَلِ بِمَا
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ بِبِنَاءِ يَفْصِلُ لِلْمَجْهُولِ مُخَفَّفًا. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ يَفْصِلُ بِالْبِنَاءِ الْفَاعِل، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ لِعِلْمِهِ مِنَ الْمَقَامِ، وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ يَفْصِلُ مُشَدَّدَ الصَّادِ مَكْسُورَةً مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ مُبَالَغَةً فِي الْفَصْلِ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ الْمَعْلُومِ مِنَ الْمَقَامِ.
وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ يَفْصِلُ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ مَفْتُوحَةً مَبْنِيًّا لِلنَّائِبِ مِنْ فَصَّلَ الْمُشَدِّدِ.
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَعِيدٌ وَوَعْدٌ.
[٤]
[سُورَة الممتحنة (٦٠) : آيَة ٤]
قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤)
قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ.
صَدْرُ هَذِهِ الْآيَةُ يُفِيدُ تَأْكِيدًا لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ [الممتحنة: ٢] وَجُمْلَةِ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ [الممتحنة: ٣]، لِأَنَّهَا بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ أَنَّ الْمُوَجَّهِ إِلَيْهِمُ التَّوْبِيخُ خَالَفُوا الْأُسْوَةَ الْحَسَنَةَ تُقَوِّي إِثْبَاتَ الْخَطَأِ الْمُسْتَوْجِبِ لِلتَّوْبِيخِ.
ذَلِكَ أَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ بَيَانِ خَطَأِ مَنْ يُوَالِي عَدُوَّ اللَّهِ بِمَا يَجُرُّ إِلَى أَصْحَابِهِ مِنْ مَضَارٍّ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ تَحْذِيرًا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، انْتَقَلَ إِلَى تَمْثِيلِ الْحَالَةِ الصَّالِحَةِ بِمِثَالٍ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ الصَّادِقِ وَالِاسْتِقَامَةِ الْقَوِيمَةِ وَنَاهِيكَ بِهَا أُسْوَةٌ.
وَافْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِكَلِمَتَيْ قَدْ كانَتْ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ، فَإِنَّ قَدْ مَعَ فِعْلِ الْكَوْنِ يُرَادُ بِهِمَا التَّعْرِيضُ بِالْإِنْكَارِ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَلَوْمِهِ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الْعَمَلِ بِمَا
142
تَضَمَّنَهُ الْخَبَرُ كَقَوْلِ عُمَرَ لِابْنِ عَبَّاسٍ يَوْمَ طَعَنَهُ غُلَامُ الْمُغِيرَةِ: «قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ يَكْثُرَ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَاجُ بِالْمَدِينَةِ»، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ [ق: ٢٢] تَوْبِيخًا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ إِنْكَارٍ لِلْبَعْثِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ [الْقَلَم: ٤٣] وَقَوْلُهُ: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الْأَحْزَاب: ٢١].
وَيَتَعَلَّقُ لَكُمْ بِفِعْلِ «كَانَ»، أَوْ هُوَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ وَقَعَ مَوْقِعَ الْحَالِ مِنْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَثَلٌ فِي الْيَقِينِ بِاللَّه وَالْغَضَب بِهِ، عَرَفَ ذَلِكَ الْعَرَبُ وَالْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى مِنَ الْأُمَمِ، وَشَاعَ بَيْنَ الْأُمَمِ الْمُجَاوِرَةِ مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْأَرَامِيِّينَ، وَلَعَلَّهُ بَلَغَ إِلَى الْهِنْدِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ اسْمَ (برهما) معبود البراهة مِنَ الْهُنُودِ مُحَرَّفٌ عَنِ (اسْمِ إِبْرَاهِيمَ) وَهُوَ احْتِمَالٌ.
وَعُطِفَ وَالَّذِينَ مَعَهُ لِيَتِمَّ التَّمْثِيلُ لِحَالِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ رسولهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَالِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالَّذِينَ مَعَهُ، أَيْ أَنْ يَكُونُ الْمُسْلِمُونَ تَابِعِينَ لرضى رسولهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ الَّذِينَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ مَعَهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَاتَّبَعُوا هَدْيَهُ وَهُمْ زَوْجُهُ سَارَةُ وَابْنُ أَخِيهِ لُوطٌ وَلَمْ يَكُنْ لِإِبْرَاهِيمَ أَبْنَاءٌ، فَضَمِيرُ إِذْ قالُوا عَائِدٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ فَهُمْ ثَلَاثَةٌ.
وإِذْ ظَرْفُ زَمَانٍ بِمَعْنَى حِينَ، أَيِ الْأُسْوَةُ فِيهِ وَفِيهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ.
وَالْمُرَادُ بِالزَّمَنِ: الْأَحْوَالُ الْكَائِنَةُ فِيهِ، وَهُوَ مَا تُبَيِّنُهُ الْجُمْلَةُ الْمُضَافُ إِلَيْهَا الظَّرْفُ وَهِيَ جُمْلَةُ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ إِلَخْ.
وَالْأِسْوَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا: الْقُدْوَةُ الَّتِي يُقْتَدَى بِهَا فِي فِعْلٍ مَا. فَوُصِفَتْ فِي الْآيَةِ بِ حَسَنَةٌ وَصْفًا لِلْمَدْحِ لِأَنَّ كَوْنَهَا حَسَنَةً قَدْ عُلِمَ مِنْ سِيَاقِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ إِسْوَةٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ بِضَمِّهَا. وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ
وَيَتَعَلَّقُ لَكُمْ بِفِعْلِ «كَانَ»، أَوْ هُوَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ وَقَعَ مَوْقِعَ الْحَالِ مِنْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَثَلٌ فِي الْيَقِينِ بِاللَّه وَالْغَضَب بِهِ، عَرَفَ ذَلِكَ الْعَرَبُ وَالْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى مِنَ الْأُمَمِ، وَشَاعَ بَيْنَ الْأُمَمِ الْمُجَاوِرَةِ مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْأَرَامِيِّينَ، وَلَعَلَّهُ بَلَغَ إِلَى الْهِنْدِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ اسْمَ (برهما) معبود البراهة مِنَ الْهُنُودِ مُحَرَّفٌ عَنِ (اسْمِ إِبْرَاهِيمَ) وَهُوَ احْتِمَالٌ.
وَعُطِفَ وَالَّذِينَ مَعَهُ لِيَتِمَّ التَّمْثِيلُ لِحَالِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ رسولهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَالِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالَّذِينَ مَعَهُ، أَيْ أَنْ يَكُونُ الْمُسْلِمُونَ تَابِعِينَ لرضى رسولهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ الَّذِينَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ مَعَهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَاتَّبَعُوا هَدْيَهُ وَهُمْ زَوْجُهُ سَارَةُ وَابْنُ أَخِيهِ لُوطٌ وَلَمْ يَكُنْ لِإِبْرَاهِيمَ أَبْنَاءٌ، فَضَمِيرُ إِذْ قالُوا عَائِدٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ فَهُمْ ثَلَاثَةٌ.
وإِذْ ظَرْفُ زَمَانٍ بِمَعْنَى حِينَ، أَيِ الْأُسْوَةُ فِيهِ وَفِيهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ.
وَالْمُرَادُ بِالزَّمَنِ: الْأَحْوَالُ الْكَائِنَةُ فِيهِ، وَهُوَ مَا تُبَيِّنُهُ الْجُمْلَةُ الْمُضَافُ إِلَيْهَا الظَّرْفُ وَهِيَ جُمْلَةُ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ إِلَخْ.
وَالْأِسْوَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا: الْقُدْوَةُ الَّتِي يُقْتَدَى بِهَا فِي فِعْلٍ مَا. فَوُصِفَتْ فِي الْآيَةِ بِ حَسَنَةٌ وَصْفًا لِلْمَدْحِ لِأَنَّ كَوْنَهَا حَسَنَةً قَدْ عُلِمَ مِنْ سِيَاقِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ إِسْوَةٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ بِضَمِّهَا. وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ
143
وَحَرْفُ فِي مُسْتَعَارٌ لِقُوَّةِ الْمُلَابَسَةِ إِذْ جَعَلَ تَلَبُّسَ إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِكَوْنِهِمْ أُسْوَةً حَسَنَةً، بِمَنْزِلَةِ تَلَبُّسِ الظَّرْفِ بِالْمَظْرُوفِ فِي شِدَّةِ التَّمَكُّنِ مِنَ الْوَصْفِ. وَلِذَلِكَ كَانَ الْمَعْنَى:
قَدْ كَانَ لَكُمْ إِبْرَاهِيمُ وَالَّذِينَ مَعَهُ أُسْوَةً فِي حِينِ قَوْلِهِمْ لِقَوْمِهِمْ. فَلَيْسَ قَوْلُهُ: أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ مِنْ قَبِيلِ التَّجْرِيدِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي خَالِدِ العتابي.
وَفِي الرّحمان لِلضُّعَفَاءِ كَافِ (١) لِأَنَّ الْأُسْوَةَ هُنَا هِيَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ لَا أنفسهم.
وبُرَآؤُا بِهَمْزَتَيْنِ بِوَزْنِ فُعَلَاءَ جَمْعُ بَرِيءٍ مِثْلُ كَرِيمِ وَكُرَمَاءَ.
وَبَرِيءٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعل من برىء من شَيْء إِذَا خَلَا مِنْهُ سَوَاءً بَعْدَ مُلَابَسَتِهِ أَوْ بِدُونِ مُلَابَسَةٍ.
وَالْمُرَادُ هُنَا التبرؤ من مخالطتهم وَمُلَابَسَتِهِمْ.. وَعطف عَلَيْهِ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَي من الْأَصْنَامِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمُرَادُ بُرَآءُ مِنْ عِبَادَتِهَا.
وَجُمْلَةُ كَفَرْنا بِكُمْ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا بَيَانٌ لِمَعْنَى جملَة إِنَّا بُرَآؤُا.
وَضَمِيرُ بِكُمْ عَائِدٌ إِلَى مَجْمُوعِ الْمُخَاطَبِينَ مِنْ قَوْمِهِمْ مَعَ مَا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَيُفَسَّرُ الْكُفْرُ بِمَا يُنَاسِبُ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ والمعطوف، أَيْ كَفَرْنَا بِجَمِيعِكُمْ فَكُفْرُهُمْ بِالْقَوْمِ غَيْرُ كُفْرِهِمْ بِمَا يَعْبُدُهُ قَوْمُهُمْ.
وَعُطِفَ عَلَيْهِ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً وَبَدَا مَعْنَاهُ: ظَهَرَ وَنَشَأَ، أَيْ أَحْدَثْنَا مَعَكُمُ الْعَدَاوَةَ ظَاهِرَةً لَا مُوَارَبَةَ فِيهَا، أَيْ لَيْسَتْ عَدَاوَةٌ فِي الْقَلْبِ خَاصَّةً بَلْ هِيَ عَدَاوَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَانِيَةٌ بِالْقَوْلِ وَالْقَلْبِ. وَهُوَ أَقْصَى مَا
_________
(١) من شَوَاهِد «الْكَشَّاف» وَصدر الْبَيْت:
وَلَوْلَا هنّ قد سوّمت مهري.
وَقَبله:
قَدْ كَانَ لَكُمْ إِبْرَاهِيمُ وَالَّذِينَ مَعَهُ أُسْوَةً فِي حِينِ قَوْلِهِمْ لِقَوْمِهِمْ. فَلَيْسَ قَوْلُهُ: أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ مِنْ قَبِيلِ التَّجْرِيدِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي خَالِدِ العتابي.
وَفِي الرّحمان لِلضُّعَفَاءِ كَافِ (١) لِأَنَّ الْأُسْوَةَ هُنَا هِيَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ لَا أنفسهم.
وبُرَآؤُا بِهَمْزَتَيْنِ بِوَزْنِ فُعَلَاءَ جَمْعُ بَرِيءٍ مِثْلُ كَرِيمِ وَكُرَمَاءَ.
وَبَرِيءٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعل من برىء من شَيْء إِذَا خَلَا مِنْهُ سَوَاءً بَعْدَ مُلَابَسَتِهِ أَوْ بِدُونِ مُلَابَسَةٍ.
وَالْمُرَادُ هُنَا التبرؤ من مخالطتهم وَمُلَابَسَتِهِمْ.. وَعطف عَلَيْهِ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَي من الْأَصْنَامِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمُرَادُ بُرَآءُ مِنْ عِبَادَتِهَا.
وَجُمْلَةُ كَفَرْنا بِكُمْ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا بَيَانٌ لِمَعْنَى جملَة إِنَّا بُرَآؤُا.
وَضَمِيرُ بِكُمْ عَائِدٌ إِلَى مَجْمُوعِ الْمُخَاطَبِينَ مِنْ قَوْمِهِمْ مَعَ مَا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَيُفَسَّرُ الْكُفْرُ بِمَا يُنَاسِبُ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ والمعطوف، أَيْ كَفَرْنَا بِجَمِيعِكُمْ فَكُفْرُهُمْ بِالْقَوْمِ غَيْرُ كُفْرِهِمْ بِمَا يَعْبُدُهُ قَوْمُهُمْ.
وَعُطِفَ عَلَيْهِ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً وَبَدَا مَعْنَاهُ: ظَهَرَ وَنَشَأَ، أَيْ أَحْدَثْنَا مَعَكُمُ الْعَدَاوَةَ ظَاهِرَةً لَا مُوَارَبَةَ فِيهَا، أَيْ لَيْسَتْ عَدَاوَةٌ فِي الْقَلْبِ خَاصَّةً بَلْ هِيَ عَدَاوَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَانِيَةٌ بِالْقَوْلِ وَالْقَلْبِ. وَهُوَ أَقْصَى مَا
_________
(١) من شَوَاهِد «الْكَشَّاف» وَصدر الْبَيْت:
وَلَوْلَا هنّ قد سوّمت مهري.
وَقَبله: