ﰡ
﴿ أولياء ﴾ أي نصراء. ﴿ تلقون إليهم بالمودة ﴾ أي تفضون إليهم المودة بالمكاتبة ؛ لأن المسلمين كانوا بالمدينة والكفار المذكورين كانوا بمكة. ﴿ يخرجون الرسول وإياكم ﴾ أي من مكة. ﴿ أن تؤمنوا ﴾ أي لأن تؤمنوا. ﴿ وابتغاء مرضاتي ﴾ أي طلبا لمرضاتي. ﴿ تسرون إليهم بالمودة ﴾ أي تخفون لهم المودة، من أسر الشيء أي أخفاه. ﴿ سواء السبيل ﴾ أي وسط السبيل.
تفسير المعاني :
يا أيها المؤمنون احذروا أن تتخذوا أعدائي وأعداءكم نصراء ومحبين تفضون إليهم بالمودة بالمكاتبات المتبادلة بينكم، وقد كفروا بما أوحاه الله إليكم من الحق، يخرجون الرسول وإياكم من مكة، من أجل أنكم تؤمنون بالله ربكم، فاحذروا ذلك إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وطلبا لرضائي، فأنتم تخفون المودة إليهم وأنا أعلم بما أخفيتم وما أظهرتم، ومن يفعل ما أنهاه عنه بعد اليوم فقد ضل الطريق الوسط.
﴿ إن يثقفوكم ﴾ أي إن يصادفوكم. يقال ثقفه يثقفه ثقفا أي صادفه وظفر به.
تفسير المعاني :
هؤلاء إن يصادفوكم ويظفروا بكم يكونوا لكم أعداء ويمدوا إليكم أيديهم بالبطش، ويبسطوا ألسنتهم بالطعن عليكم، ويحبوا لو تكفرون.
﴿ أرحامكم ﴾ أي قراباتكم. وأصل الرحم بيت الولد في بطن أمه استعير للقربة.
تفسير المعاني :
لن تنفعكم قراباتكم ولا أولادكم، ويوم القيامة يفصل الله بينكم والله بما تعملون بصير.
﴿ أسوة ﴾ اسم لما يؤتسى به أي قدوة. ﴿ كفرنا بكم ﴾ أي كفرنا بدينكم. ﴿ والبغضاء ﴾ أي البغض والكراهة. ﴿ إلا قول إبراهيم لأبيه ﴾ هذا استثناء من قوله : أسوة حسنة، فإن استغفاره لأبيه الكافر ليس مما ينبغي أن تأتسوا به فإنه كان قبل النهي، أو لوعد وعده إياه. ﴿ وإليك أنبنا ﴾ أي وإليك رجعنا. يقال أناب إلى الله ينيب إنابة أي رجع.
تفسير المعاني :
قد كانت لكم قدوة حسنة تقتدون بها في إبراهيم والذين آمنوا معه، إذ قالوا لقومهم : إننا بريئون منكم ومما تعبدونهم من دون الله، قد كفرنا بآلهتكم، وبدت بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبد الآبدين، حتى تؤمنوا بالله وحده، يستثنى من هذه القدوة الحسنة قول إبراهيم لأبيه : لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء، فإن هذا الوعد وعده إياه ووفاه إياه، ربنا عليك توكلنا وإليك رجعنا وإليك المآل.
ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا، أي لا تمتحن طاعتهم بنا فيهلكونا، واغفر لنا إنك أنت العزيز الحكيم.
﴿ ومن يتول ﴾ أي ومن يعرض. ﴿ الحميد ﴾ المحمود.
تفسير المعاني :
لقد كان لكم فيهم قدوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، ومن يعرض عن الحق فإن الله هو الغني المحمود.
﴿ عسى ﴾ فعل جامد معناه يتوقع ويُرجى.
تفسير المعاني :
لعل الله يجعل بينكم وبين الذين عاديتم من الكافرين مودة، والله قدير والله غفور رحيم.
نقول : بعد أن نهى الله عن موادة الكافرين عاد ففصل : أي صنف منهم تجب مقاطعته، أي صنف تباح معاملته ومعاشرته، بل والبر به والإحسان إليه. وقد راعى المسلمون هذه النصائح فلم يتدنس تاريخهم بمثل المذابح التي حدثت في أوربا باسم الدين.
﴿ أن تبروهم ﴾ أي أن تحسنوا إليهم. والبر هو المبالغة في الإحسان. يقال بره يبره برا، أي أحسن إليه وبالغ. ﴿ وتقسطوا ﴾ أي وتعدلوا، يقال أقسط يقسط، وقسط يقسط، ويقسط قسطا أي عدل.
تفسير المعاني :
لا ينهاكم الله عن الكافرين الذين لم يقاتلوكم بسبب الدين، ولم يحملوكم على الهجرة من وطنكم أن تحسنوا إليهم وتعدلوا معهم.
﴿ وظاهروا ﴾ أي وعاونوا، عاونوا أعداءكم. ﴿ أن تولوهم ﴾ أي أن تتولوهم، أي تتخذوهم أولياء.
تفسير المعاني :
إنما ينهاكم الله عن موادة الكافرين الذين قاتلوكم وأخرجوكم من وطنكم وأعانوا غيرهم على إخراجكم أن تتخذوهم أولياء.
﴿ فامتحنوهن ﴾ أي فاختبروهن هل هن مؤمنات أم لا. ﴿ حل ﴾ أي حلال. ﴿ وآتوهم ﴾ أي آتوا أزواجهن ما دفعوه إليهن من المهور. ﴿ أجورهن ﴾ أي مهورهن. ﴿ ولا تمسكوا بعصم الكوافر ﴾ أي ولا تتمسكوا بما تعتصم به الكافرات من عقد أو صلة وهي جمع عصمة. والمراد نهي المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات.
تفسير المعاني :
وإذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فاختبروهن، فإن تحققتم صدقهن فلا ترجعوهن للكفار ؛ إذ لا يحللن لهم، وادفعوا لأزواجهن المهور التي دفعوها لهن، ولا إثم عليكم أن تتزوجوهن إن مهرتموهن، ولا تتمسكوا بما يتمسك به النساء الكافرات من عقد أو صلة، بل تخلصوا منهن، واطلبوا إلى المشركين المهور التي دفعتموها للنساء اللاتي لحقن بهم هاربات منكم، وليطلبوا هم مهور نسائهم اللاتي لحقن بكم.
﴿ فعاقبتم ﴾ أي فجاءت عقبتكم أي توبتكم من أداء المهر. يقال عاقبه معاقبة أي جاء بعقبه، وعاقب فلانا في الراحلة ركب هو مرة وركب الآخر مرة.
تفسير المعاني :
وإن أفلت منكم شيء من زوجاتكم " عبر عنهن بشيء للتحقير "، فجاءت نوبتكم من أداء المهر، فأعطوا الذين فرت زوجاتكم إليكم قدر ما دفعوه لهن، وخافوا الله الذي أنتم به مؤمنون.
﴿ يبايعنك ﴾ أي يعاهدنك. ﴿ ببهتان ﴾ البهتان هو الكذب، والباطل الذي يتحير من بطلانه. فعله بهته يبهته بهتا أي رماه بالباطل وافترى عليه.
تفسير المعاني :
يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يعاهدنك على عدم الشرك بالله، وعلى ألا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن، أي ولا يأتين بولد ملوط ينسبنه إلى الزوج، وقد سماه الله بهتانا يفترينه بين أيديهن وأرجلهن، فوصفه بصفة الولد الحقيقي ؛ فإن الأم إذا وضعت سقط الولد بين يديها ورجليها... وألا يعصينك في معروف – فعاهدهن واستغفر الله لهن إنه غفور رحيم.
نقول : إن أعداء الإسلام يفترون عليه بأنه لم يحفل بالنساء، وبأنه عدهن من الأشياء لا الأحياء. وأنت ترى أن الكتاب الكريم ينوه بهن في كل فرصة ويجعل لمبايعتهن الرسول شأنا، فينص عليه في آيات خاصة شأن الحوادث ذات الخطر. وكفى بهذا تكذيبا للمتقولين على الإسلام.
﴿ لا تتولوا ﴾ أي لا تتخذوهم أولياء أي أحبابا ونصراء.
تفسير المعاني :
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا قوما غضب الله عليهم أولياء لكم قد يئسوا من الحياة الآخرة كما يئس الكفار من عود أصحاب القبور إلى الحياة الدنيا بعد أن ماتوا وتحللت أجسادهم.