تفسير سورة الرعد

حومد
تفسير سورة سورة الرعد من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد .
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

﴿آيَاتُ﴾ ﴿الكتاب﴾
(١) - أَلِفْ. لاَمْ. مِيمْ رَا - اللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
هَذِهِ الآيَاتُ هِيَ آيَاتُ القُرْآنِ. وَمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ رَبِّكَ مِنَ القُرْآنِ هُوَ الحَقُّ الذِي لاَ شَكَّ فِيهِ وَلاَ مِرْيَةَ، إِلاَّ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ، وَلاَ يُصَدِّقُونَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ، مَعَ مَا فِي القُرآنِ مِنَ البَيَانِ وَالوُضُوحِ وَالجَلاَءِ.
﴿السماوات﴾ ﴿الآيات﴾
(٢) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَعَظِيمِ شَأْنِهِ، فَقَدْ رَفَعَ السَّمَاوَاتِ فَوْقَ الأَرْضِ بِدُونِ أَعْمِدَةٍ تَحْمِلُهَا كَمَا يَرَاهَا النَّاسُ وَاضِحَةً لِلعَيَانِ. ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ اسْتِوَاءً يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَذَلَّلَهُمَا وَجَعَلَهُمَا طَائِعَيْنِ، وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسِيرُ فِي مَدَارِهِ وَمَسَارِهِ مَا شَاءَ اللهُ لَهُ ذَلِكَ، إِلَى أَنْ يَحِينَ الأَجَلُ الذِي حَدَّدَهُ اللهُ لَهُمَا. وَهُوَ تَعَالَى يُدَبِّرُ أَمْرَالخَلْقِ وَالكَوْنِ، وَيُسَيِّرُ المَوْجُودَاتِ وِفْقَ نِظَامِ الآيَاتِ)... فَإِذَا عَلِمْتُمْ ذَلِكَ وَأَدْرَكْتُمُوهُ، فَلَعَلَّكُمْ تُؤْمِنُونَ بِرَبِّكُمْ، وَتُوقِنُونَ بِلِقَائِهِ يَوْمَ المَعَادِ، وَتُدْرِكُونَ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى كُلِّ ذلِكَ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى البَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَإِحْيَاءِ المَوْتَى مِنَ القُبُورِ.
بِغَيْرِ عَمَدٍ - بِغَيْرِ دَعَائِمَ وَأَسَاطِينَ تُقِيمُها.
يُدَبِّرُ الأَمْرَ - يُصَرِّفُ العَوَالِمَ كُلَّهَا بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ.
﴿رَوَاسِيَ﴾ ﴿وَأَنْهَاراً﴾ ﴿الثمرات﴾ ﴿الليل﴾ ﴿لآيَاتٍ﴾
(٣) - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى العَالَمَ العُلْوِيَّ، شَرَعَ فِي ذِكْرِ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَأَحْكَامِهِ فِي العَالَمِ السُّفْلِيِّ، فَهُوَ الذِي مَدَّ الأَرْضَ وَبَسَطَها، وَجَعَلَهَا مُمْتَدَّةً طُولاً وَعَرْضاً، وَأَرْسَاهَا بِجِبَالٍ رَاسِيَاتٍ لِكَي يَحْفَظَ تَوَازُنَهَا، وَيَجْعَلَ اسْتِقْرَارَ الخَلْقِ عَلَيْها أَمْراً هَيِّناً مَيْسُوراً فَلاَ تَمِيدَ بِهِمْ، وَأَجْرَى فِيهَا الأَنْهَارَ وَالعُيُونَ لِيَسْقِيَ مَا فِيهَا مِنْ نَبَاتٍ وَشَجَرٍ، يُخْرِجُ مِنْ كُلِّ الثَمَرَاتِ. وَجَعَلَ مِنْ كُلِّ ثَمَرَةٍ زَوْجِينِ اثْنَيْنِ ذَكَراً وَأُنْثَى حِينَ تَكَوُّنِهَا.
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ اللَّيْلَ يَتْبَعُ النَّهَارَ حَثِيثاً (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ)، بِدُونِ انْفِصَالِ. وَفِي كُلِّ مَا ذُكِرَ مِنْ عَجَائِبِ خَلْقِ اللهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ لَدَلائِلُ وَحُجَجٌ لِمَنْ يَتَفَكَّرُ وَيَعْتَبِرُ.
رَوَاسِيَ - جِبَالاً ثَوَابِتَ لِكَيْلاَ تَمِيدَ.
زَوْجَينِ - نَوْعَيْنَ وَضَرْبَيْنِ.
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ - يُلْبِسُ النَّهَارَ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ.
﴿مُّتَجَاوِرَاتٌ﴾ ﴿وَجَنَّاتٌ﴾ ﴿أَعْنَابٍ﴾ ﴿وَاحِدٍ﴾ ﴿لآيَاتٍ﴾
(٤) - وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مِنَ الأَرْضِ يُجَاوِزُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَلَكِنَّها تَخْتَلِفُ، وَتَتَفَاضَلُ فِيمَا بَيْنَهَا مَعَ تَجَاوُرِها، فَهَذِهِ قِطْعَةُ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ، تَنْبِتُ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ، وَتِلَكَ سَبْخَةٌ مِلْحٌ، لاَ تُنْبِتُ شَيْئاً، وَهَذِهِ مُحْجِرَةٌ وَتِلَكَ سَهْلَةٌ.. إِلَخ وَكُلُّها مُتَجَاوِرَاتٌ، وَهَذا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى الخَالِقِ المُبْدِعِ. وَفِي الأَرْضِ مَزَارِعُ وَبَسَاتِينُ (جَنَاتٌ) مِنْ أَشْجَارِ النَّخِيلِ، وَالعِنَبِ، وَالزُّرُوعِ، مِنْهَا مَا تَجْتَمِعُ أُصُولُهُ فِي مَنْبَتٍ وَاحِدٍ وَتَتَشَعَّبُ فُرُوعُهُ، كَالتِّينِ وَالرُّمَّانِ (صِنْوانٌ) وَمِنْهَا مَا كَانَ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ كَسَائِرِ الأَشْجَارِ (غَيْرُ صِنْوَانٍ)، وَتُسْقَى هَذِهِ الأَشْجَارُ وَالزُّرُوعُ فِي مَنَابِتِهَا بِمَاءْ وَاحِدٍ، وَتَقُومُ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ، وَمَعَ ذَلكَ يُفَضِّلُ اللهُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الشَّكْلِ، وَفِي الطَّعْمِ، وَالمَذَاقِ، وَالرَّائِحَةِ.. وَهَذا دَلِيلٌ عَلَى عَظَمَةِ اللهِ الخَالِقِ وَوُجُودِهِ، وَوَحْدَانِيَّتِهِ، لِمَنْ يَتَفَكَّرُونَ وَيَعْقِلُونَ.
قِطَعٌ - بِقَاعٌ مُخْتَلِفَةُ الطِّبَاعِ وَالصِّفَاتِ.
نَخِيلٌ صِنْوانٌ - نَخْلاَتٌ يَجْمَعُهَا أَصْلٌ وَاحِدٌ.
الأُكُلِ - مَا يُؤْكَلُ وَهُوَ الثَّمَرَاتُ وَالحُبُوبُ.
﴿أَإِذَا﴾ ﴿تُرَاباً﴾ ﴿أَإِنَّا﴾ ﴿أولئك﴾ ﴿الأغلال﴾ ﴿أَصْحَابُ﴾ ﴿خَالِدونَ﴾
(٥) - وَإِنْ تَعْجَبْ مِنْ عِبَادَةِ هَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ مَا لاَ يَضُرُّ وَلاَ يَنْفَعُ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ، بَعْدَ أَنْ قَامَتِ الحُجَّةُ وَالأَدِلَّةُ عَلَى وُجُودِ الخَالِقِ، وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَعَظَمَتِهِ، فَأَعْجَبُ مِنْهُ تَكْذِيبُهُمْ بِالبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَاسْتِبْعَادُهُمْ وُقُوعَهُ، وَقَوْلُهُمْ: أَبَعْدَ أَنْ نَمُوتَ، وَتُصْبِحَ عِظَامُنَا رُفَاتاً وَتُرَاباً، هَلْ سُيُعِيدُنَا اللهُ إِلَى الحَيَاةِ مَرَّةً أُخْرَى، وَيَخْلُقُنَا خَلْقاً جَدِيداً؟ مَعَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ إِعَادَةَ الشَّيءِ أَسْهَلُ مِنِ ابْتِدَائِهِ، وَأَنَّ خَلْقَ الكَوْنِ العَظِيمِ أَصْعَبُ مِنْ خَلْقِ الإِنْسَانِ. فَهَؤُلاَءِ الذِينَ يَقُولُونَ هَذا القَوْلَ إِنْكَاراً لِلْبَعْثِ وَالمَعَادِ، هُمُ الذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، وَأُولَئِكَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ يُسْحَبُونَ فِيهَا عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَالسَّلاَسِلُ وَالأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ، وَيَبْقَوْنَ فِي النَّارِ خَالِدِينَ أَبَداً.
الأَغْلاَلُ - الأَطْوَاقُ مِنَ الحَدِيدِ.
﴿المثلات﴾
(٦) - وَهؤلاءِ الذِينَ يُكَذِّبُونَ بِالحَشْرِ وَالمَعَادِ، يَسْتَعْجِلُونَكَ بِأَنْ تُنْزِلَ عَلَيْهِمْ العَذَابَ الذِي هُدِّدوا بِهِ إِذا مَا أَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ، وَهُمْ يُبَادِرُونَ إِلَى هَذَا التَّكْذِيبِ وَالاسْتِهْزَاءِ بِالعُقُوبَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلُوا الثَّوَابَ وَالحَسَنَةَ وَالسَّلاَمَةَ مِنَ العُقُوبَةِ، مَعْ أَنَّ كَثِيراً مِنَ الأَمْثِلَةِ سَبَقَتْ عَلَى إِنْزَالِ اللهِ تَعَالَى العَذَابَ وَالعِقَابَ بِالأُمَمِ الخَالِيَةِ، التِي كَذَّبَتْ رُسُلَهَا، وَاسْتَهْزَأَتْ بِهِمْ، وَجَعَلَهُ إِيَّاهُمْ عِظَةً لِمَنِ اتَّعَظَ بِهِمْ. وَلَوْلاَ حِلْمُ اللهِ تَعَالَى وَعَفْوُهُ لَعَاجَلَهُمْ بِالعُقُوةَ ِحَالَ اجْتِرَاحِهِمْ الذُّنُوبَ، وَاكْتِسَابِهِم المَعَاصِيَ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ لِلنَّاسِ ذُنُوبَهُمْ وَتَجَاوُزَهُم إِذَا تَابُوا إِلَيْهِ وَأَصْلَحُوا، وَهُوَ شَدِيدُ العِقَابِ لِمَنْ أَصَرَّ عَلَى كُفْرِهِ وَعِنَادِهِ وَتَمَادَى فِي غَيِّهِ.
(وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَعِدُهُمْ بِأَنَّهُمْ إِذَا آمَنُوا، وَأَقْلَعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَعِصْيَانِهِمْ وَسُخْرِيَتِهِمْ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ، فَإِنَّ اللهَ سَيُكَفِّرُ سَيِّئَاتِهِمْ، وَسَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ).
المَثُلاَتُ - العُقُوبَاتُ الفَاضِحَاتُ لأَمْثَالِهِمْ.
مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ - سِتْرٍ وَإِمْهَالٍ.
﴿آيَةٌ﴾
(٧) - وََيَقُولُ المُشْرِكُونَ كُفْراً وَعِنَاداً: لَوْ أَنَّ مُحَمَّداً يَأْتِينَا بِمُعْجِزَةٍ مِنْ رَبِّهِ (آيَةٌ)، مِثْلِ الآيَاتِ التِي جَاءَ بِهَا الأَنْبِيَاءُ السَّابِقُونَ (وَقَدْ طَلَبُوا مِنْ مُحَمَّدٍ أَنْ يَجْعَلَ لَهُم الصَّفَا ذَهَباً. وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُزِيحَ عَنْهُمْ جِبَالَ مَكَّةَ وَيَجْعَلَ مَكَانَهَا مُرُوجاً وَأَنْهَاراً...).
وَقَدْ رَدَّ اللهُ تَعَالَىعَلَيْهِمْ قَائِلاً: إِنَّ مَهَمَّةَ النَّبِيِّ هِيَ تَبْلِيغِ رِسَالَةِ اللهِ إِلَى النَّاسِ، وَالإِنْذَارِ بِالعُقُوبَةِ وَالعَذَابِ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الهُدَى وَالإِيمَانِ بِاللهِ، وَقَدْ فَطَرَهُ اللهُ تَعَالَىعَلَى طَرِيقِ الهُدَى. وَهَذا الهَادِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيّاً أَوْ حَكِيماً أَوْ مُجْتَهِداً يَسِيرُ عَلَى سُنَنِ النَّبِيِّ وَيَقْتَفِي خُطَاهُ.
(٨) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ تَمَامِ عِلْمِهِ الذِي لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيءٌ، فَإِنَّهُ مُحِيطٌ بِمَا تَحْمِلُهُ الحَوَامِلُ مِنْ إِنَاثِ جَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ. وَيَعْلَمُ مَا تُنْقِصُهُ الأًَرْحَامُ (تَغِيضُهُ) وَمَا تَزْدَادُهُ مِنْ عَدَدٍ فِي الوَلَدِ (فَقَدْ يَكُونُ وَاحِداً أَوْ أَكْثَرَ) وَقَدْ يَكُونُ تَامّاً فِي الخَلْقِ، أَوْ نَاقِصاً فِيهِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَكَراً أَوْ أُنْثَى، وَشَقِيّاً أَوْ سَعِيداً، وَحَسَناً أَوْ قَبِيحاً... وَمَا سَيَكُونُ عَلَيْهِ حَالُ الجَنِينِ فِي حَيَاتِهِ، وَكُلُّ شَيءٍ عِنْدَ اللهِ بِأَجَلٍ وَتَقْدِيرٍ. لَقَدْ حَفِظَ اللهُ آجَالَ جَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ، وَقَدَّرَ أَرْزَاقَهُمْ، وَجَعَلَ لُكِلِّ ذَلِكَ أَجَلاً مَعْلُوماً، وَمِقْدَاراً مَقْسُوماً.
مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ - مَا تُسْقِطُهُ أَوْ تُنْقِصُهُ.
بِمِقْدَارٍ - بِقَدَرٍ وَاحِدٍ لاَ يَتَعَدَّاهُ.
﴿عَالِمُ﴾ ﴿الشهادة﴾
(٩) - يَعْلَمُ اللهُ تَعَالَى كُلَّ شَيءٍ مِمَّا يُشَاهِدُهُ العِبَادُ، وَمِمَّا يَغِيبُ عَنْهُمْ مِنْ عَوَالِمٍ لاَ نِهَايَةَ لَهَا، وَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيءٌ مِنْهُ، وَهُوَ الكَبِيرُ المُتَعَالِي عَلَى كُلِّ شَيءٍ، وَقَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْماً.
الكَبِيرُ - العَظِيمُ الذِي كُلُّ شَيءٍ دُونَهُ.
المُتَعَالِ - المُسْتَعْلِي عَلَى كُلِّ شَيءٍ بِقُدْرَتِهِ.
﴿بالليل﴾
(١٠) - وَسَواءٌ عِنْدَ اللهِ مَنْ أَسَرَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ، أَوْ جَهَرَ بِهِ وَأَعْلَنَهُ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْلَمُهُ جَمِيعاً وَيَسْمَعُهُ، لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيءٌ؛ وَسَواءٌ عِنْدَهُ مَنِ اسْتَخْفَى فِي بَيْتِهِ فِي ظَلاَمِ اللَّيْلِ، وَمَنْ ظَهَرَ وَسَارَ فِي النَّهَارِ (سَارِبٌ بِالنَّهَارِ)، فَإِنَّهُمَا فِي عِلْمِ اللهِ عَلَى السَّوَاءِ.
سَارِبٌ - ذَاهِبٌ فِي سِرْبِهِ وَطَرِيقِهِ، ظَاهِراً.
﴿مُعَقِّبَاتٌ﴾
(١١) - لِلْعَبْدِ مَلاَئِكَةٌ يَتَعَاقَبُونَ عَلَى مُرَاقَبَتِهِ وَحِرَاسَتِهِ، وَيَحْفَظُونَهُ مِنَ المَضَارِّ فِي نَوْمِهِ، وَفِي حَالِ يَقَظَتِهِ، بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَإِذْنِهِ، فَلاَ يَصِلُ إِلَيْهِ شَيءٌ إِلاَّ إِذَا كَانَ قَدْ قَدَّرَهُ اللهُ لَهُ، وَإِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ، مِنْ خَيْرٍ إِلَى سُوءٍ، إِلاَّ إِذَا غَيَّرُوا مَا هُمْ عَلَيهِ، وَلا يُغَيِّرُ اللهُ مَا بِقَوْمٍ مِنْ سُوءٍ إِلَى خَيْرٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بَأَنْفُسِهِمْ.
(وَرُوِيَ: أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ قُلْ لِقَوْمِكَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ، وَلاَ أَهْلِ بَيْتٍ يَكُونُونَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، فَيَتَحَوَّلُونَ مِنْهَا إِلى مَعْصِيَتِهِ، إِلاَّ حَوَّلَ اللهُ عَنْهُمْ مَا يُحِبُّونَ إِلَى مَا يَكْرَهُونَ).
وَإِذَا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُصِيبَ قَوْماً بِشَرٍّ عِقَاباً لَهُمْ، فَلاَ رَادَّ لإِرَادَتِهِ وَقَضَائِهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ وَلِيٌّ يَنْصُرُهُمْ مِنْ دُوْنِ اللهِ، أَوْ يَرُدُّ قَضَاءَ اللهِ عَنْهُمْ.
لَهُ مُعَقِباتٌ - لَهُ مَلاَئِكَةٌ تَعْتَقِبُ فِي حِفْظِهِ.
مِنْ أَمْرِ اللهِ - بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَبِحِفْظِهِ.
مِنْ وَالٍ - مِنْ نَاصِرٍ أَوْ وَالٍ يَلِي أُمُورَهُمْ.
(١٢) - وَقُدْرَةُ اللهِ تَعَالَى فِي الكَوْنِ ظَاهِرَةٌ بَارِزَةٌ لِلْعَيَانِ، فَهُوَ الذِي يُسَخِّرُ البَرْقَ الذِي يَخَافُ ضَرَرَهُ المُسَافِرُ، وَمَنْ يَتَضَرَّرُونَ مِنَ المَطَرِ وَالصَّوَاعِقِ، وَيَطْمَعُ فِيهِ بَعْضُ خَلْقِ اللهِ، كَالمُقِيمِ وَصَاحِبِ الزُّرُوعِ وَالمَاشِيَةِ، رَجَاءَ أَنْ يَهْطِلَ المَطَرُ فَيَسْقُوا حَرْثَهُمْ وَضَرْعَهُمْ. وَهُوَ تَعَالَى الذِي يَخْلُقُ خَلْقاً مُبْتدأً (يُنْشِيءُ) السَّحَابَ المُثْقَلَ بِالمَاءِ لِيُنْزِلَهُ مَطَراً حَيْثُ يَشَاءُ.
السَّحَابَ الثِّقَالَ - المُوقَرَةَ بِالمَاءِ المُثْقَلَةَ بِهِ.
﴿والملائكة﴾ ﴿الصواعق﴾ ﴿يُجَادِلُونَ﴾
(١٣) - يَقُولُ تَعَالَى: كُلُّ شَيءٍ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ تَعَالَى، وَصَوْتُ الرَّعْدِ دَلاَلَةٌ عَلَى خُضُوعِهِ للهِ، وَتَنْزِيهِهِ إِيَّاهُ عَنِ الشَّرِيكِ وَعَنِ العَجْزِ، كَمَا يَدُلُّ صَوْتُ المُسَبِّحِ عَلَى انْقِيَادِهِ لِقُدْرَةِ اللهِ.
(وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ لا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ "). (أَخْرَجَهُ البُخَارِي). وَتُسَبِّحُ المَلاَئِكَةُ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، وَيُرْسِلُ اللهُ الصَّوَاعِقَ نَقْمَةً، يَنْتَقِمُ بِهَا مِمَّنْ يَشَاءُ. وَيَشُكُّ هَؤُلاَءِ الكُفَّارُ فِي عَظَمَةِ اللهِ، وَفِي أَنَّهُ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ (يُجَادِلُونَ فِي اللهِ)، وَهُوَ تَعَالَى شَدِيدُ الأَخْذِ، شَدِيدُ القُوَّةِ، لاَ يُغَالَبُ وَلاَ يُعَانَدُ.
شَدِيدُ المِحَالِ - المُكَايَدَةِ أَوِ القُوَّةِ أَوِ العُقُوبَةِ.
﴿كَبَاسِطِ﴾ ﴿بِبَالِغِهِ﴾ ﴿الكافرين﴾ ﴿ضَلاَلٍ﴾
(١٤) - وَللهِ تَعَالَى دَعْوَةُ التَّوْحِيدِ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ يُوَجَّهُ الدُّعَاءُ وَالتَّضَرُّعُ (دَعْوَةُ الحَقِّ)، وَالأَصْنَامِ التِي يَدْعُوهَا هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ، وَيَعْبُدُونَهَا، وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهَا، لا تُجِيبُهُمْ بِشَيءٍ مِمَّا يُرِيدُونَ، مِنْ نَفْعٍ أَوْ ضَرٍّ، إِلاَّ كَمَا يُجِيبُ المَاءُ مَنْ يَبْسُطُ إِلَيْهِ كَفَّيْهِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَبْلُغَ فَاهُ فَالمَاءُ جَمَادٌ لاَ يُدْرِكُ بَسْطَ الكَفَّيْنِ، وَلاَ قَبْضَهُمَا، فَكَيْفَ يُجِيبُ دُعَاءَهُ؟ وَكَذَلِكَ أَصْنَامَهُمْ فَإِنَّهَا حِجَارَةٌ لاَ تُدْرِكُ دُعَاءَ مَنْ عَبَدُوهَا، وَلاَ تَفْهَمُهُ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ عَبَدُوهَا لاَ يَنْتَفِعُونَ مِنْهَا بِشَيءٍ فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الآخِرَةِ. وَمَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ.
لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ - للهِ الدَّعْوَةُ الحَقِّ وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ.
﴿السماوات﴾ ﴿ظِلالُهُم﴾
(١٥) - يُخْبِرُ اللهُ عَنْ عَظَمَةِ سُلْطَانِهِ الذِي خَضَعَ لَهُ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، فَيَسْجُدُ لَهُ المُؤْمِنُونَ طَوْعاً فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَيَسْجُدُ لَهُ الكُفَّارُ كَرْهاً فِي حَالِ الشِّدَّةِ، وَتَسْجُدُ لَهُ ظِلاَلُ كُلِّ شَيءٍ لَهُ ظِلٌّ مِنَ المَخْلُوقَاتِ فِي أَوَائِلِ النَّهَارِ (الغُدُوِّ) وَفِي أَوَاخِرِهِ (الآصَالِ).
للهِ يَسْجُدُ - لأَمْرِهِ تَعَالَى يَنْقَادُ وَيَخْضَعُ.
ظِلاَلُهُمْ - تَنْقَادُ لأَمْرِهِ تَعَالَى وَتَخْضَعُ.
الغَدَاةُ - أَوَّلُ النَّهَارِ (وَجَمْعُ الغَدَاةِ الغُدُوِّ).
الآصَالِ - جَمْعُ أَصِيلٍ - آخِرِ النَّهَارِ.
﴿السماوات﴾ ﴿الظلمات﴾ ﴿فَتَشَابَهَ﴾ ﴿خَالِقُ﴾ ﴿الواحد﴾ ﴿القهار﴾
(١٦) - يُقَرِّرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ الآلَهُ الوَاحِدُ، وَأَنَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَكَانَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ هُوَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَهُوَ رَبُّهَا وَمُدَبِّرُهَا، وَيَقُولُ تَعَالَى: إِنَّ هَؤُلاَءِ، مَعَ اعْتِرَافِهِمْ هَذا، اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَولِيَاءَ يَعْبُدُونَهُمْ، وَهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ وَلاَ لِعَابِدِيهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً. فَهَلْ يَسْتَوِي مَنْ عَبَدَ اللهُ وَحْدَهُ، وَمَنْ عَبَدَ هَذِهِ الآلِهَةِ مَعَ اللهِ، وَأَشْرَكَهَا فِي العِبَادَةِ مَعَهُ؟ وَكَمَا لاَ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ، وَكَمَا لاَ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ، كَذَلِكَ لاَ يَسْتَوِي مَنْ عَبَدَ اللهُ وَهُو خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ، وَمَنْ أَشْرَكَ مَعَهُ فِي العِبَادَةِ آلِهَةً لاَ تَمْلِكُ لِنَفْسِهَا ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً.
﴿مَتَاعٍ﴾ ﴿الباطل﴾
(١٧) - ضَرَبَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ مَثَلَيْنِ لِلحَقِّ فَي ثَبَاتِهِ وَبَقَائِهِ، وَلِلْبَاطِلِ فِي زَوَالِهِ وَفَنَائِهِ.
فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَطَراً فَسَالَتْ بِهِ الأَوْدِيَةُ، فَأَخَذَ كُلُّ وَادٍ مِنَ المَاءِ بِحَسَبِ سِعَتِهِ (بِقَدَرِهَا)، فَهَذا كَبِيرٌ اتَّسَعَ لِمَاءٍ كَثِيرٍ، وَهَذا صَغِيرٌ وَسِعَ مِنَ المَاءِ بِقَدَرِهِ، فَحَملَ السَّيْلُ أَثْنَاءَ سَيْرِهِ فِي هَذِهِ الأَوْدِيَةِ زَبَداً عَالِياً (رَابِياً)، يَطْفُو عَلَيْهِ (وَهَذا إِشَارَةً إِلَى القُلُوبِ وَتَفَاوُتِهَا فَمِنْهَا مَا يَسعُ عِلْماً كَثِيراً، وَمِنْهَا مَا لاَ يَتَّسِعُ لِكَثِيرٍ مِنَ العِلْمِ).
وَالمَثَلُ الثَّانِي الذِي ضَرَبَهُ اللهُ تَعَالَى هُوَ مَا يُصْهَرُ مِنَ المَعَادِنِ، مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، لِيَجْعَلَ مِنْهُ حِلْيّةٌ، وَمَا يُصْهَرُ مِنَ المَعَادِنِ الأُخْرَى، مِنْ نُحَاسٍ وَحَدِيدٍ وَغَيْرِهِما، لِيُجْعَلَ مِنْهُ مَتَاعٌ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ النَّاسُ فِي حَيَاتِهِمْ، وَمَعَاشِهِمْ، فَجَمِيعُ هَذِهِ المَعَادِنِ يَعْلُوهَا، حِينَ صَهْرِهَا، َزَبَدٌ مِنْهَا (خَبَثٌ)، كَمَا يَعْلُو المَاءَ زَبَدٌ مِنْهُ؛ وَكَمَا أَنَّ الزَّبَدَ يَتَلاشَى وَيَتَفَرَّقُ (يَذْهَبُ جُفَاءً)، وَيَبْقَى مَا يَنْفَعُ النَّاَس وَالأَرْضَ مِنْ مَاءٍ وَمَعْدَنٍ خَالِصٍ، كَذلِكَ يَتَلاَشَى البَاطِلُ إِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الحَقِّ، وَيَبْقَى الحَقُّ وَيَثْبُتُ.
بِقَدَرِهَا - بِمِقْدَارِهَا الذِي اقْتَضَتْهُ الحِكْمَةُ.
الزَّبَدُ - الغُثَاءُ (أَوْ الرَّغْوَةُ) الطَّافِي عَلَى وَجْهِ المَاءِ.
رَابِياً - مُرْتَفِعاً مُنْتَفِخاً.
زَبَدُ المَعَادِنِ - خَبَثُهَا وَهُوَ مَا يَطْفُو عَلَى سَطْحِهَا حِينَ صَهْرِهَا.
جُفَاءً - مَرْمِيّاً بِهِ مَطْرُوحاً أَوْ مُتَفَرِّقاً.
﴿أولئك﴾ ﴿وَمَأْوَاهُمْ﴾
(١٨) - النَّاسُ فِي تَلَقِّيهِمْ دَعْوَةَ اللهِ صِنْفَانِ: فَالذِينَ أَطَاعُوا رَبَّهُمْ، وَانْقَادُوا لأَوَامِرِهِ، وَاسْتَجَابُوا لِدَعْوَةِ رَسُولِه ﷺ لَهُمْ، يَوْمَ القِيَامَةِ، المَثُوبَةُ الحُسْنَى الخَالِصَةُ. وَالذِينَ عَصَوْا رَبَّهُمْ، وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ، سَيُلاَقُونَ حِسَاباً عَسِيراً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُحَاسَبُونَ عَلَى الجَلِيلِ وَالحَقِيرِ مِنَ الأَعْمَالِ، لأنَّ كُفْرَهُمْ أَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ، وَلَنْ يُنْقِذَهُمْ مِنْ سُوءِ المَصِيرِ أَحَدٌ، وَلَنْ يُغْنِيَ عَنْهُمْ جَمْعُهُمْ وَلاَ مَالُهُمْ. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَتَوْا بِمِثْلِ الأَرْضِ ذَهَباً، وَمثْلَهُ مَعَهُ، لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ، فَلاَ يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ، وَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ، وَسَتَكُونُ جَهَنَّمُ مَأْوَاهُمْ وَمُسْتَقَرَّهُمْ، يَوْمَ القِيَامَةِ، وَسَاءَتْ مَصِيراً.
بِئْسَ المِهَادُ - بِئْسَ الفِرَاشُ وَالمُسْتَقَرُّ جَهَنَّمُ.
﴿أُوْلُواْ﴾ ﴿الألباب﴾
(١٩) - لا يَسْتَوِي المُهْتَدِي مِنَ النَّاسِ، الذِي يَعْلَمُ أَنَّ الذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الحَقُّ، الذِي لاَ شَكَّ فِيهِ، مَعَ الضَّالِّ، الذِي لاَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، لأنَّهُ يَكُونُ كَالأَعْمَى لاَ يَهْتَدِي إِلَى خَيْرٍ، وَلاَ يَفْهَمُهُ، وَلَوْ فَهِمَهُ مَا انْقَادَ إِلَيْهِ، وَلاَ صَدَّقَ بِهِ وَلاَ انْتَفَعَ. ؟ فَالذِينَ يَتَّعِظُونَ وَيَعْتَبِرُونَ هُمْ أَصْحَابُ العُقُولِ السَّلِيمَةِ، وَالبَصَائِرِ المُدْرِكَةِ (أُولُو الأَلْبَابِ).
﴿الميثاق﴾
(٢٠) - وَالمُهْتَدُونَ الذِينَ سَتَكُونُ لَهُمُ العَاقِبَةُ وَالنُّصْرَةُ، فِي الدُّنْيا وَالآخِرَى، هُمُ الذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدُوا، وَلاَ يُنْقِضُونَ عَهْدَهُمْ مَعَ عِبَادِهِ، وَلاَ يَغْدُرُونَ بِذِمَّةٍ، وَلا يَفْجُرُونَ وَلاَ يَخُونُونَ.
(٢١) - وَهَؤُلاَءِ المُؤْمِنُونَ المُهْتَدُونَ يَصِلُونَ الأَرْحَامَ التِي أَمَرَ اللهُ بِوَصْلِهَا، وَيُحْسِنُونَ إِلَى الأَقْرِبَاءِ وَالفُقَرَاءِ، وَيُعَامِلُونَهُمْ بِالمَودَّةِ وَالحُسْنَى، وَيَبْذُلُونَ المَعْرُوفَ، وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ فِيمَا يَأْتُونَ، وَيُرَاقِبُونَهُ فِي ذَلِكَ، وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ، وَعَدَمِ الصَّفْحِ عَنْ ذُنُوبِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ.
﴿الصلاة﴾ ﴿رَزَقْنَاهُمْ﴾ ﴿أولئك﴾ ﴿يَدْرَءُونَ﴾
(٢٢) - وَهَؤُلاَءِ المُؤْمِنُونَ المُهْتَدُونَ يَصْبِرُونَ عَنِ ارْتِكَابِ المَحَارِمِ وَالمَآثِمِ، وَيَمْتَنِعُونَ عَنْ مُقَارَفَتِهَا طَاعةً للهِ، وَتَقَرُّباً إِلَيْهِ، وَطَمَعاً بِمَرْضَاتِهِ وَجَزيلِ ثَوَابِهِ، وَيُؤَدُّونَ الصَّلاةَ حَقَّ أَدَائِهَا، وَيُنْفِقُونَ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ عَلَى مَنْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ نَفَقَتُهُمْ، مِنْ أَقْرِبَاءَ وَمُحْتَاجِينَ وَسَائِلِينَ.. فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ، لاَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ حَالٌ مِنَ الأَحْوَالِ، فَإِذَا آذَاهُمْ أَحَدٌ قَابَلُوهُ بِالجَمِيلِ صَبْراً، وَاحْتِمَالاً وَحِلْماً وَعَفْواً، فَهَؤُلاَءِ لَهُمْ حُسْنُ العَاقِبَةِ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ.
يَدْرَؤُونَ - يَدْفَعُونَ وَيُجَازُونَ.
عُقْبَى الدًّارِ - عَاقِبَتُهَا المَحْمُودَةُ وَهِيَ الجَنَّاتُ.
﴿جَنَّاتُ﴾ ﴿آبَائِهِمْ﴾ ﴿وَأَزْوَاجِهِمْ﴾ ﴿وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ ﴿وَالمَلاَئِكَةُ﴾
(٢٣) - وَتِلْكَ العَاقِبَةُ الحَسَنَةُ هِيَ دُخُولُ جَنَاتِ عَدْنٍ، وَالإِقَامَةُ فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً، لاَ يَخْرُجُونَ مِنْهَا. وَيَجْمَعُ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَحْبَابِهِمْ مِنَ الآبَاءِ وَالأَزْوَاجِ وَالأَبْنَاءِ الصَّالِحِينَ لِدُخُولِ الجَنَّةِ، لِتَقَرَّ بِهِمْ أَعْيُنُهُمْ؛ وَتَدْخُلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ مِنْ كُلِّ بَابٍ مُسْلِمِينَ مُهَنِّئِينَ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، وَبِرِضْوَانِ اللهِ عَلَيْهِمْ.
﴿سَلاَمٌ﴾
(٢٤) - وَتَقُولُ لَهُمُ المَلاَئِكَةُ: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ، وَأَمْنٌ دَائِمٌ لَكُمْ، لَقَدْ صَبَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَاحْتَمَلْتُمُ المَشَاقَّ وَالآلاَمَ، فَفُزْتُمْ بِرِضْوَانِ اللهِ، فَنَعِمَتْ عَاقِبَتُكُمْ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ.
﴿مِيثَاقِهِ﴾ ﴿أولئك﴾
(٢٥) - أَمَّا الذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ الذِي أَلْزَمَ بِهِ عِبَادَهُ، وَأَقاَمَ الأَدِلَّةَ العَقْلِيَّةَ عَلَى صِحَّتِهِ (كَالتَّوْحِيدِ وَالإِيمَانِ وَالقَدَرِ) إِمَّا بِإِهْمَالِهِم النَّظَرَ فِيهِ، وَإِمَّا بِأَنْ يَنْظُرُوا فِيهِ وَيَعْلَمُوا صِحَتَّهُ، وَلَكِنَّهُمْ يُعَانِدُونَ فِيهِ، وَالذِينَ يَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (مِنْ صِلَةِ الأَرْحَامِ، وَالتَّحَابِّ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ...)، وَالذِينَ يَخُونُونَ أَمَانَاتِهِمْ، وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ، وَيَرْتَكِبُونَ المُوبِقَاتِ وَالمُحَرَّمَاتِ... فَأُولَئِكَ هُمُ المُشْرِكُونَ الذِينَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ، وَيُبْعِدُهُمْ عَنْ رَحْمَتِهِ، وَيُعِدُّ لَهُمْ سُوءَ العَاقِبَةِ وَالمَآلِ.
سُوءُ الدَّارِ - عَاقِبَتُهَا السَّيِّئَةُ وَهِيَ النَّارُ.
﴿بالحياة﴾ ﴿الحياة﴾ ﴿الآخرة﴾ ﴿مَتَاعٌ﴾
(٢٦) - وَإِذَا كَانَ هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ يَسْتَعْلُونَ، بِأَمْوَالِهِمْ، عَلَى المُسْلِمِينَ الفُقَرَاءِ فَلْيَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ الذِي يَبْسُطُ الرِّزْقَ وَيُوسِعُهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَيُقَتِّرُ الرِّزْقَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ (وَيَقْدِرُ)، لِمَا لَهُ مِنَ الحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ، وَهَؤُلاَءِ الكُفَّارُ الذِينَ نَقَضُوا العَهْدَ وَالمِيثَاقَ يَفْرَحُونَ بِمَا بَسَطَ اللهُ لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ، وَبِمَا آتَاهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا اسْتِدْرَاجاً وَإِمْهَالاً، مَعَ أَنَّ اللهَ يُعْطِي الدُّنِيا المُؤْمِنَ وَغَيْرَ المُؤْمِنِ، فَلاَ يَظُنَّنَّ أَهْلُ المَالِ أَنَّ كَثْرَةَ المَالِ فِي أَيْدِيهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ.
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى لِهَؤُلاَءِ مُصَغِّراً شَأْنَ الدُّنْيا: إِنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ شَيْئاً يُذْكَرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الآخِرَةِ، وَإِنْ هِيَ إِلاَّ مَتَاعٌ سَرِيعُ الزَّوَالِ.
(وَيُرْوَي أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَرَّ بِجَدْيٍ صَغِيرِ الأُذُنَيْنِ مَيتٍ وَمُلْقَى فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: " وَاللهُ لَلدُّنْيا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَى أَهْلِهِ حِينَ أَلْقُوهُ "). (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
يَقْدِرُ - يُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ لِحِكْمَتِهِ.
مَتَاعٌ - شَيْءٌ قَلِيلٌ ذَاهِبٌ زَائِلٌ.
﴿آيَةٌ﴾
(٢٧) - وَيَقُولُ المُشْرِكُونَ الذِينَ بَطِرُوا وَاغْتَرَّوا بِالدُّنيا: هَلاّ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ مُعْجِزَاتٍ مِنْ رَبِّهِ (آيَةٌ) :(كَسُقُوطِ السَّمَاءِ عَلَيْهِمْ كِسَفاً، أَوْ الرُّقِيِّ فِي السَّمَاءِ..) فَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ اللهَ هُوَ المُضِلُّ وَهُوَ الهَادِي، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِجَابَتِهِمْ إِلَى مَا سَأَلُوا، وَلَكِنَّ هِدَايَتَهُمْ وَضَلاَلَهُمْ لَيْسَا مُتَعَلِّقَيْنِ بِإِجَابَةِ طَلَبِهِمْ بِإِنْزَالِ الآيَةِ أَوْ عَدَمِ إِجَابَتِهِ، وَإِنَّ الأَمْرَ مُتَعَلِّقٌ بِإِرَادَةِ اللهِ، وَهُوَ الذِي يَهْدِي مَنْ أَخْلَصَ وَأَنَابَ إِلَيْهِ، وَرَجَعَ عَنْ غَيِّهِ، وَاسْتَعَانَ بِرَبِّهِ.
أَنَابَ - رَجَعَ بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ.
﴿آمَنُواْ﴾ ﴿وَتَطْمَئِنُّ﴾
(٢٨) - وَهؤلاَءِ الذِينَ يَهْدِيهِمُ اللهُ هُمُ المُؤْمِنُونَ، الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ، وَتَطيبُ قُلُوبُهُمْ، وَتَهْدَأُ إِلَى جَانِبِ اللهِ، وَتَسْكُنُ عِنْدَ ذِكْرِهِ، وَتَرْضَى بِهِ مَوْلًى وَنَاصِراً. وَفِي الحَقِيقَةِ إِنَّ القُلُوبَ المُؤْمِنَةَ تَطْمَئِنُّ وَتَسْكُنُ وَتَهْدَأُ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى.
﴿آمَنُواْ﴾ ﴿الصالحات﴾ ﴿مَآبٍ﴾
(٢٩) - وَلِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ عِنْدَ رَبِّهِمْ فَرْحَةٌ، وَسَعَادَةٌ، وَقُرَّةُ عَيْنٍ (طُوبَى)، وَلَهُمْ عِنْدَهُ حُسْنُ المَرْجِعِ وَالمَآبِ.
طُوبَى لَهُمْ - عَيْشٌ طَيِّبٌ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ.
﴿أَرْسَلْنَاكَ﴾ ﴿لِّتَتْلُوَاْ﴾
(٣٠) - وَكَمَا أَرْسَلْنَاكَ، يَا مُحَمَّدُ، فِي هَذِهِ الأُمَّةِ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمْ مَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ، وَلِتُبَلِّغَهُمْ رِسَالَةَ رَبِّهِمْ إِلَيْهِمْ، كَذَلِكَ أَرْسَلْنَا رُسُلاً فِي الأُمَمِ المَاضِيَةِ الكَافِرَةِ بِاللهِ، وَقَدْ كُذِّبَ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِكَ، فَلَكَ أُسْوَةٌ بِهِمْ. وَكَمَا أَنْزَلْنَا بَأْسَنَا وَنَقْمَتَنَا بِأُولئِكَ فَلْيَحْذَرْ هؤُلاَءِ مِنْ حُلُولِ النِّقَمِ بِهِمْ. وَقُلْ لِقَوْمِكَ الذِينَ يُكَذِّبُونَ بِالرَّحْمَنِ، وَلاَ يُقِرُّونَ بِهِ: إِنَّ الذِي تَكْفُرُونَ بِهِ هُوَ اللهُ رَبِّي، وَأَنَا مُؤْمِنٌ بِهِ، مُعْتَرِفٌ بِرُبُوبِيَّتِهِ. عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فِي جَمِيعِ أُمُورِي، وَإِلَيْهِ أَرْجِعُ وَأَتُوبُ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهُ. (لَمَّا صَالَحَ الرَّسُولُ ﷺ قُرَيْشاً، يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ، كَتَبَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ أَمَّا الرَّحْمَنُ فَلاَ نَعْرِفُهُ، وَكَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَكْتُبُونَ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ).
﴿قُرْآناً﴾ ﴿يَيْأَسِ﴾ ﴿آمنوا﴾
(٣١) - لَوْ ثَبَتَ أَنَّ كِتَاباً سُيِّرَتْ بِتِلاَوَتِهِ الجِبَالُ، وَزُعْزِعَتْ مِنْ أَمَاكِنِهَا، أَوْ شُقِّقَتْ بِهِ الأَرْضُ فَتَفَجَّرَتْ عُيُوناً وَأَنْهَاراً (كَمَا حَدَثَ لِلْحَجَرِ حِينَ ضَرَبَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، أَوْ كَلَّمَ بِهِ أَحَدٌ المَوْتَى، وَهُمْ فِي قُبُورِهِمْ، فَأَحْيَاهُمْ بِقِرَاءَتِهِ، وَتَكَلَّمُوا مَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ (كَمَا حَدَثَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ).. لَوْ ثَبَتَ هَذا لِشيءٍ مِنَ الكُتُبِ لَثَبَتَ لِهَذا القُرْآنِ، الذِي لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ، لِمَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنَ الآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ وَبَدِيعِ صُنْعِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الإِعْجَازِ وَالحِكَمِ. وَإِذَا كَانَ هَؤُلاَءِ لَمْ يَتَأَثَّرُوا بِهَذا القُرْآنِ عَلَى عَظَمَتِهِ وَوُضُوحِهِ وَحُجَجِهِ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ، فَإِنَّهُمْ لَنْ تُؤَثِّرَ فِيهِمُ المُعْجِزَاتُ الأُخْرَى التِي اقْتَرَحُوهَا، وَلَنْ تَكُونَ سَبَباًً لإيمَانِهِمْ.
وَالأُمُورُ كُلُّهَا بِيَدِ اللهِ تَعَالَى، وَإِلَيهِ مَرْجِعُهَا، فَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً، فَهُوَ القَادِرُ عَلَى ذَلِكَ، أَفَلَمْ يَيْأسِ المُؤْمِنُونَ مِنْ إِيمَانِ جَمِيعِ خَلْقِ اللهِ؟
وَلاَ تَزَالُ الكَوَارِثَ وَالقَوَارِعَ تَنْزِلُ بِالذِينَ كَفَرُوا فِي الدُّنْيَا، أَوْ تُصِيبُ مَنْ حَوْلَهُمْ لِيَتَّعِظُوا وَيَعْتَبِرُوا، وَلَكِنَّهُمْ يُصِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَسَيَظَلُّونَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَأْتِي يَوْمُ القِيَامَةِ الذِي وَعَدَهُمُ اللهُ بِهِ، وَهُوَ آتٍ بِلا رَيْبٍ، وَاللهُ تَعَالَى لاَ يُخْلِفُ المِيعَادَ أَبَداً.
أَفَلَمْ يَيْأَسْ - أَفَلَمْ يَعْلَمْ وَيَتَبَيَّنْ.
قَارِعَةٌ - دَاهِيَةُ تُقْرَعُهُمْ بِصُنُوفِ البَلاَيَا.
(٣٢) - يُسَلِّي اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ عَمَّا يُلاَقِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: لَقَدْ سَخِرَتْ الأَقْوَامُ البَائِدَةُ بِالرُّسُلِ الذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ، فَأَنْظَرَ اللهُ الذِينَ كَفَرُوا، وَأَمْهَلَهُمْ مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ)، ثُمَّ أَخَذَهُمْ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ عِقَابَهُ فَلَمْ يُفْلِتْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ عِقَابِهِ. فَكَيْفَ كَانَ عِقَابُ اللهِ؟
فَأَمْلَيْتُ لَهُمْ - أَمْلَهْتُ وَأَطَلْتُ فِي أَمْنٍ وَدَعَةٍ.
﴿قَآئِمٌ﴾ ﴿بِظَاهِرٍ﴾
(٣٣) - بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ اللهُ تَعَالَى فِي الآيَاتِ السَّابِقَةِ عَدَداً مِنَ الحَقَائِقِ الثَّابِتَةِ، التِي أَقَامَ الأَدِلَّةَ عَلَيْهَا، وَضَرَبَ لَهَا الأَمْثَالَ، وَمِنْهَا: وَحْدَانِيَّةُ اللهِ تَعَالَى فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ، وَتَفَرُّدُهُ تَعَالَى بِخَلْقِ كُلِّ شَيءٍ، وَسَيْطَرَتِهِ المُطْلَقَةُ عَلَى الكَوْنِ سَيْطَرَةً تَامَّةً، وَعِلْمُهُ التَّامُّ بِكُلِّ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ فِيهِ، وَعِلْمُهُ بِمَا تُسِرُّ المَخْلُوقَاتُ وَمَا تُعْلِنُ... بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ كُلَّ ذَلِكَ سَأَلَ الذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى الكُفْرِ، وَعَلى إِشْرَاكِهِمْ مَعَهُ غَيْرَهُ فِي العِبَادَةِ، وَادِّعَائِهِمْ أَنَّ لَهُ شُرَكَاءَ فَقَالَ لَهُمْ مُسْتَنْكِراً: هَلْ يَتَسَاوَى اللهُ القَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ، وَالحَفِيظُ الرَّقِيبُ عَلَيْهَا، الذِي يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.. مَعَ الأَصْنَامِ التِي يَعْبُدُونَهَا، وَهِيَ حِجَارَةً لاَ تَسْمَعُ وَلا تُبْصِرُ وَلا تَعْقِلُ، وَلاَ تَكْشِفُ ضُرّاً، وَلاَ تَجْلِبُ نَفْعاً لِمَنْ يَعْبُدُونَهَا (وَقَدْ حُذِفَ هَذا الجَوَابُ لِدَلاَلَةِ المَعْنَى عَلَيْهِ) ؟ فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاَءِ الذِينَ يَعْبُدُونَ مَعَ اللهِ أَصْنَاماً جَعَلُوهَا شُرَكَاءَ لَهُ: سَمُّوا لَنَا هذِهِ الآلِهَةِ فَإِنَّهُمْ نَكِرَاتٌ مَجْهُولَةٌ، لاَ حَقِيقَةَ لَهُمْ، وَلاَ وُجُودَ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ إِذْ لَوْ كَانَ لَهُمْ وُجُودٌ لَكَانَ ذَلِكَ فِي عِلْمِ اللهِ. أَمْ إِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ شَيْئاً لاَ يَعْلَمُهُ اللهُ؟ فَتَعْلَمُونَ أَنَّ هُنَاكَ آلِهَةً فِي الأَرْضِ وَغَابَ ذَلِكَ عَنْ عِلْمِ اللهِ؟ أَمْ تَدَّعُونَ وُجُودَهَا بِكَلاَمٍ سَطْحِيٍّ لَيْسَ وَرَاءَهُ مَدْلُولٌ (أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ القَوْلِ). وَقَضِيَّةُ الأُلُوهِيَّةِ لَيْسَتْ مِنَ التَّفَاهَةِ وَالهَزَلِ بِحَيْثُ يَتَنَاوَلُهَا النَّاسُ بِظَاهِرٍ مِنَ القَوْلِ؟
لَقَدْ تَصَوَّرَ هؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ أَنَّهُمْ عَلَى صَوَابٍ، وَأَنَّ مَكْرَهُمْ وَتَدْبِيرَهُمْ ضِدَّ الدَّعْوَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ حَسَنٌ جَمِيلٌ، فَصَدَّهُمْ هَذا التَّصَوُّرُ عَنِ الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ، وَمَنَعَهُمْ مِنَ الاهْتِدَاءِ إِلَى الحَقِّ، وَمَنْ أَضَلَّهُ اللهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
﴿الحياة﴾ ﴿الآخرة﴾
(٣٤) - وَلِلْمُشْرِكِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا بِالقَتْلِ وَالأَسْرِ وَالآَفَاتِ وَالقَوَارِعِ، وَالعَذَابِ المُدَّخَرِ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ أَشَقُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا بِكَثِيرٍ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ مَنْ يَحْمِيهِمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَلاَ مَنْ يَقِيهِمْ عَذَابَهُ الأَلِيمَ، فَهُوَ تَعَالَى القَاهِرُ فُوقَ كُلِّ شَيءٍ؟
وَاقٍ - حَافِظٌ وَعَاصِمٌ.
﴿الأنهار﴾ ﴿دَآئِمٌ﴾ ﴿الكافرين﴾
(٣٥) - صِفَةُ الجَنَّةِ التِي وَعَدَ اللهُ بِهَا المُتَّقِينَ، وَنَعَتَهَا، أَنَّهَا تَجْرِي الأَنْهَارُ فِي أَرْجَائِهَا وَجَوَانِبِهَا، وَحَيْثُ شَاءَ أَهْلُهَا يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِّيراً، فِيهَا الفَوَاكِهُ وَالمَطَاعِمُ وَالمَشَارِبُ، لاَ انْقِطَاعَ لَهَا وَلاَ فَنَاءَ (أُكُلُها دَائِمٌ)، وَظِلُّهَا دَائِمٌ لاَ يَنْكَمِشُ وَلاَ يَزُولُ. وَهَذِهِ الجَنَّةُ التَي تَقَدَّمَتْ صِفَتُهَا، هِيَ جَزَاءُ المُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ (عُقْبَى الذِينَ اتَّقَوا)، أَمَّا الكَافِرُونَ فَعُقْبَاهُمْ وَمَصِيرُهُمُ النَّارُ. وَلاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ الجَنَّةِ وَأَصْحَابُ النَّارِ.
أُكُلُها دَائِمٌ - ثَمَرُهَا الذِي يُؤْكَلُ لاَ يَنْقَطِعُ.
﴿آتَيْنَاهُمُ﴾ ﴿الكتاب﴾ ﴿أَدْعُو﴾ ﴿مَآبِ﴾
(٣٦) - وَالفَرِيقُ الصَّادِقُ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ فِي الاسْتِمْسَاكِ بِدِينِهِ، يَجِدُ فِي هَذَا القُرْآنِ مِصْدَاقَ القَوَاعِدَ الأَسَاسِيَّةِ فِي عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ، كَمَا يَجِدُ فِيهِ الاعْتِرَافُ بِالدِّيَانَاتِ التِي سَبَقَتْهُ بِالإِكْبَارِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَفْرَحُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ مِنَ القُرْآنِ، وَيُؤْمِنُ بِهِ لِمَا فِي كُتُبِهِ مِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى تَصْدِيقِهِ، وَالتَّبْشِيرِ بِهِ، أَمَّا الفَرِيقُ، الذِي يَتَّخِذُ الدِّينَ تَحَزُّباً، فَإِنَّهُ يُنْكِرُ بَعْضَ مَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ عَدَاوَةً وَعَصَبِيَّةً. فَقًُلْ لَهُمْ: إِنَّمَا بُعِثْتُ لأَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَلأَدْعُو النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَإِلَيْهِ تَعَالَى مَرْجِعِي، وَمَصِيرِي، وَمَآبِي، وَبِذَلِكَ أُرْسِلَ الأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِي.
إِلَيْهِ مَآبِ - إِلَى اللهِ وَحْدَهُ مَرْجِعِي لِلْجَزَاءِ.
﴿أَنزَلْنَاهُ﴾ ﴿وَلَئِنِ﴾
(٣٧) - وَكَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المُرْسَلِينَ، وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِم الكُتُبَ مِنَ السَّمَاءِ، كَذَلِكَ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ، بِلِسَانِ قَوْمِكَ العَرَبِ، لِيَسْهُلَ عَلَيْهِمْ تَفَهُّمُ مَعَانِيهِ، وَحِفْظُهُ، فَاصِلاً لِلأُمُورِ عَلَى وَجْهِ الحَقِّ، مُبَيِّناً لأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ (حُكْماً)، لِيَعْرِفَ المُكَلَّفُونَ مَا هُوَ مَفْرُوضٌ عَلَيْهِمْ. وَإِذَا اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَ هَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ وَالمُتَحَزِّبِينَ وَآرَاءَهُمْ، بَعْدَ أَنْ جَاءَكَ العِلْمُ مِنْ رَبِّكَ وَالهُدَى، فَلاَ وَاقِيَ لَكَ مِنَ اللهِ، وَلاَ نَاصِرَ يَنْصُرُكَ مِنْ دُونِهِ.
(وَهَذا تَهْدِيدٌ لأَهْلِ العِلْمِ لِكَيْلاَ يَتَّبِعُوا سُبُلَ أَهْلِ الضَّلاَلَةِ، بَعْدَ مَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنِ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ لأنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَعْصُومٌ مِنْ ذَلِكَ).
﴿أَزْوَاجاً﴾ ﴿بِآيَةٍ﴾
(٣٨) - وَكَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَأَنْتَ مِنَ البَشَرِ، كَذِلَكِ أَرْسَلَنْا المُرْسَلِينَ مِنْ قَبْلِكَ بَشَراً، يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ، وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُنْجِبُونَ الأَوْلاَدَ. وَلَمْ يَكُنْ لِنَبِيٍّ أَنْ يَأْتِي قَوْمَهُ بِمُعْجِزَةٍ إِلاَّ إِذَا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِذَلِكَ، فَالأَمْرُ كُلُّهُ للهِ، وَهُوَ يَفْعَلُ مَايَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. وَلِكُلِّ أَمْرٍ كَتَبَهُ اللهُ، وَقَدَّرَهُ أَجَلٌ مُعَيْنٌ، وَوَقْتٌ مَعْلُومٌ، فَلاَ تَنْزِلُ آيَةٌ قَبْلَ أَوَانِهَا، وَلَا عَذَابٌ مِمَّا خُوِّفُوا بِهِ حَاصِلٌ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ الذِي حَدَّدَهُ اللهُ لَهُ، وَكَذَلِكَ البَشَرُ يَتَعَاقَبُونَ فِي الأَرْضِ وَفْقَ مَا قَضَاهُ اللهُ.
(وَيُرْوَى أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ رَدّاً عَلَى اليَهُودِ حِينَمَا عَابُوا عَلَى الرَّسُولِ صلىالله عليه وسلم كَثْرَةَ مَنْ تَزَوَّجَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالُوا لَوْ كَانَ نَبِيّاً حَقّاً كَمَا يَزْعُمُ لَشَغَلَهُ أَمْرُ النُّبُوَّةِ عَنِ النِّسَاءِ).
لِكُلٍّ أَجَلٍ كِتَابٌ - لِكُلِّ وَقْتٍ حُكْمٌ معَيَّنٌ بِالحِكْمَةِ.
﴿يَمْحُواْ﴾ ﴿أُمُّ الكتاب﴾
(٣٩) - يَنْسَخُ اللهُ تَعَالَى مَا يَشَاءُ مِنَ الأَقْدَارِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِنْهَا فِي أُمِّ الكِتَابِ المَحْفُوظِ.
وَقَدْ أُثِر عَنِ الفُقَهَاءِ المُسْلِمِينَ أَقْوَالٌ عِدَّةٌ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ مِنْهَا:
- يَمْحُو اللهُ مَنْ جَاءَ أَجَلُهُ، وَيُثَبِتُ مَنْ بَقِيَ أَجَلُهُ.
- يَمْحُو اللهُ القَمَرَ وَيُثْبِتُ الشَّمْسَ.
- يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الشَّرَائِعِ بِالنَّسْخِ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ.
أُمُّ الكِتَابِ - اللَّوْحُ المَحْفُوظُ.
﴿وَإِن مَّا﴾ ﴿البلاغ﴾
(٤٠) - وَإِنْ أَرَيْنَاكَ، يَا مُحَمَّدُ، بَعْضَ الذِي أَوْعَدْنَا بِهِ أَعْدَاءَكَ مِنَ الخِزْيَ وَالنّكَالِ فِي الدُّنيا، أَوْ تَوَفَيْنَاكَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا أَرْسَلْنَاكَ لِتُبَلِّغَهُمْ رِسَالَةَ اللهِ، وَقَدْ فَعَلْتَ مَا أُمِرْتَ بِهِ، وَجَزَاؤُهُمْ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ، وَسَيَجْزِي اللهُ المُؤْمِنِينَ بِالجَنَّةِ، وَيَجْزِي الكَافِرِينَ بِالخِزِيِّ، فِي الدُّنْيا، وَبِالعَذَابِ الدَّائِمِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فِي الآخِرَةِ.
(٤١) - أَيَشُكُّ المُشْرِكُونَ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، بِصِدْقِكَ فِيمَا أَنْذَرْتَهُمْ بِهِ؟ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّنَا نَفْتَحُ لَكَ الأَرْضَ بَعْدَ الأَرْضِ، وَنُظْهِرُ الإِسْلاَمَ عَلَى الشِّرْكِ، فَتَضِيقُ الدُّنْيا عَلَى المُشْرِكِينَ، وَيَتَحَقَّقُ مَا وَعَدْكَ اللهُ بِهِ مِنَ النَّصْرِ وَالغَلَبَةِ، وَاللهُ يَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ، وَلاَ مُعَقِّبَ عَلَى أَحْكَامِهِ، وَلاَ مُبَدِّلَ لَهَا، وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ.
لاَ مُعَقِبَ لِحُكْمِهِ - لاَ رَادَّ وَلاَ مُبْطِلَ لِحُكْمِهِ.
﴿الكفار﴾
(٤٢) - وَقَدْ مَكَرَ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلِهِمْ بِرُسُلِهِمْ، وَأَرَادُوا إِخْرَاجَهُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ، فَمَكَرَ اللهُ بِهِمْ وَأَبْطَلَ مَكْرَهُمْ، وَجَعَلَهُمُ الأَسْفَلِينَ، وَجَعَلَ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ، وَاللهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِجَمِيعِ السَّرَائِرِ وَالضَّمَائِرِ، وَسَيَجْزِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ؛ وَسَيَعْلَمُ الكُفَّارُ، يَوْمَ القِيَامَةِ، لِمَنْ تَكُونُ العَاقِبَةُ: إِنَّهَا سَتَكُونُ لأَتْبَاعِ الرُّسُلِ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ.
﴿الكتاب﴾
(٤٣) - يُكَذِّبُكَ الكُفَّارُ وَيَقُولُونَ: إِنَّكَ لَسْتَ مُرْسَلاً، يَا مُحَمَّدُ، مِنْ عِنْدِ اللهِ. فَقُلْ لَهُمْ: كَفَى بِاللهِ شَاهِداً عَلَى رِسَالَتِي، وَحَسْبِيَ اللهُ شَاهِداً عَلَى مَا بَلَغْتُ مِنَ الرِّسَالَةِ، وَعَلَى مَا كَذَبْتُمْ وَافْتَرَيْتُمْ مِنَ البُهْتَانِ، وَكَذَلِكَ يَكْفِينِي شَاهِداً عَلَى صِدْقِي، وَصِدْقِ رِسَالَتِي، مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ بِنُبُوَّتِي وَرِسَالَتِي.
Icon