تفسير سورة الرعد

الماوردي
تفسير سورة سورة الرعد من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى :﴿ المر تلك آيات الكتاب ﴾ وفي الكتاب ثلاثة أقاويل :
أحدها : الزبور، وهو قول مطر.
الثاني : التوراة والإنجيل، قاله مجاهد.
الثالث : القرآن، قال قتادة. فعلى هذا التأويل يكون معنى قوله ﴿ تلك آيات الكتاب ﴾ أي هذه آيات الكتاب.
﴿ والذي أنزل إليك من ربك الحق ﴾ يعني القرآن.
﴿ ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ﴾ يعني بالقرآن أنه منزل بالحق. وفي المراد ب ﴿ أكثر الناس ﴾ قولان :
أحدهما : أكثر اليهود والنصارى، لأن أكثرهم لم يسلم. الثاني : أكثر الناس في زمان رسول الله ﷺ.
قوله تعالى :﴿ الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني بِعُمد لا ترونها، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها مرفوعة بغير عمد، قاله قتادة وإياس بن معاوية.
وفي رفع السماء وجهان :
أحدهما : رفع قدرهاا وإجلال خطرها، لأن السماء أشرف من الأرض.
الثاني : سمكها حتى علت على الأرض.
قوله تعالى :﴿ وهو الذي مَدّ الأرض ﴾ أي بسطها للاستقرار عليها، رداً على من زعم أنها مستديرة كالكرة.
﴿ وجعل فيها رواسي ﴾ أي جبالاً، واحدها راسية، لأن الأرض ترسو بها، أي تثبت. قال جميل :
أُحبُّهُ والذي أرسى قواعده حُبًّا إذا ظهرت آياتُه بطنا
قال عطاء : أول جبل وضع على الأرض أبو قبيس.
﴿ وأنهاراً ﴾ وفيها من منافع الخلق شرب الحيوان ونبات الأرض ومغيض الأمطار ومسالك الفلك.
﴿ ومِنْ كُلِّ الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ﴾ أحد الزوجين ذكر وأنثى كفحول النخل وإناثها، كذلك كل النبات وإن خفي. والزوج الآخر حلو وحامض، أو عذب ومالح، أو أبيض وأسود، أو أحمر وأصفر، فإن كل جنس من الثمار ذو نوعين، فصار كل ثمر ذي نوعين زوجين، وهي أربعة أنواع.
﴿ يغشي الليل النهار ﴾ معناه يغشي ظلمةَ الليل ضوءَ النهار، ويغشي ضوء النهار ظلمة الليل.
قوله تعالى :﴿ وفي الأرض قطعٌ متجاورات ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن المتجاورات المدن وما كان عامراً، وغير المتجاورات الصحارى وما كان غير عامر.
الثاني : أي متجاورات في المدى، مختلفات في التفاضل. وفيه وجهان :
أحدهما : أن يتصل ما يكون نباته مراً.
الثاني : أن تتصل المعذبة التي تنبت بالسبخة التي لا تنبت، قاله ابن عباس.
﴿ وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن الصنوان المجتمع، وغير الصنوان المفترق، قاله ابن جرير. قال الشاعر :
العلم والحلم خُلّتا كرَمٍ للمرءِ زين إذا هما اجتمعا
صنوانٍ لا يستتم حسنها إلا بجمع ذا وذاك معا
الثاني : أن الصنوان النخلات يكون أصلها واحداً، وغير صنوان أن تكون أصولها شتى، قاله ابن عباس والبراء بن عازب.
الثالث : أن الصنوان الأشكال، وغير الصنوان المختلف، قاله بعض المتأخرين.
الرابع : أن الصنوان الفسيل يقطع من أمهاته، وهو معروف، وغير الصنوان ما ينبت من النوى، وهو غير معروف حتى يعرف، وأصل النخل الغريب من هذا، قاله علي بن عيسى.
﴿ يسقى بماءٍ واحدٍ ونُفَضّلُ بعْضَها على بعضٍ في الأكل ﴾ فبعضه حلو، وبعضه حامض، وبعضه أصفر، وبعضه أحمر، وبعضه قليل، وبعضه كثير.
﴿ إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يعقلون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن في اختلاف ذلك اعتبار يدل ذوي العقول على عظيم القدرة، وهو معنى قول الضحاك.
الثاني : أنه مثل ضربه الله تعالى لبني آدم، أصلهم واحد وهم مختلفون في الخير والشر والإيمان والكفر كاختلاف الثمار التي تسقى بماء واحد، قاله الحسن.
قوله تعالى :﴿ وإن تعجب فعجَبٌ قولهم ﴾ الآية. معناه وإن تعجب يا محمد من تكذيبهم لك فأعجبُ منه تكذيبهم بالبعث. والله تعالى لا يتعجب ولا يجوز عليه التعجب، لأنه تغير النفس بما تخفى أسبابه، وإنما ذكر ذلك ليتعجب منه نبيه والمؤمنون.
قوله تعالى :﴿ ويستعجلونَكَ بالسيئة قَبْل الحسنة ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني بالعقوبة قبل العافية، قاله قتادة.
الثاني : بالشر قبل الخير، وهو قول رواه سعيد بن بشير.
الثالث : بالكفر قبل الإجابة. رواه القاسم بن يحيى.
ويحتمل رابعاً : بالقتال قبل الاسترشاد.
﴿ وقد خلت من قبلهم المثلاتُ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : الأمثال التي ضربها الله تعالى لهم، قاله مجاهد.
الثاني : أنها العقوبات التي مثل الله تعالى بها الأمم الماضية، قاله ابن عباس.
الثالث : أنها العقوبات المستأصلة التي لا تبقى معها باقية كعقوبات عاد وثمود حكاه ابن الأنباري والمثلات : جمع مثُلة.
﴿ وإن ربك لذو مغفرةٍ للناس على ظُلمِهم ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يغفر لهم ظلمهم السالف بتوبتهم في الآنف، قاله القاسم بن يحيى.
الثاني : يغفر لهم بعفوه عن تعجيل العذاب مع ظلمهم بتعجيل المعصية.
الثالث : يغفر لهم بالإنظار توقعاً للتوبة.
﴿ وإنّ ربّك لشديد العقاب ﴾ فروى سعيد ابن المسيب أن النبي ﷺ قال عند نزول هذه الآية :« » لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحد العيش، ولولا وعيده وعقابه لا تكل كل أحد. «
قوله تعالى :﴿... إنما أنت منذر ﴾ يعني النبي ﷺ نذير لأمته
﴿ ولكل قومٍ هادٍ ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : أنه الله تعالى، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير.
الثاني : ولكل قومٍ هادٍ أي نبي يهديهم، قاله مجاهد وقتادة.
الثالث : ولكل قوم هاد معناه ولكل قوم قادة وهداة، قاله أبو صالح.
الرابع : ولكل قوم هاد، أي دعاة، قاله الحسن.
الخامس : معناه ولكل قوم عمل، قاله أبو العالية.
السادس : معناه ولكل قوم سابق بعلم يسبقهم إلى الهدى، حكاه ابن عيسى.
قوله تعالى :﴿ الله يعلم ما تحمل كل أنثى ﴾ قال ابن أبي نجيح يعلم أذكر هو أم أنثى.
ويحتمل وجهاً آخر : يعلم أصالح هو أَم طالح.
﴿ وما تغيض الأرحام وما تزداد ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها :﴿ وما تغيض الأرحام ﴾ بالسقط الناقص ﴿ وما تزداد ﴾ بالولد التام، قاله ابن عباس والحسن.
الثاني :﴿ وما تغيض الأرحام ﴾ بالوضع لأقل من تسعة أشهر، ﴿ وما تزداد ﴾ بالوضع لأكثر من تسعة أشهر، قاله سعيد بن جبير والضحاك. وقال الضحاك : وضعتني أمي وقد حملتني في بطنها سنتين وولدتني وق خرجت سني.
الثالث :﴿ وما تغيض الأرحام ﴾ بانقطاع الحيض في الحمل ﴿ ما تزداد ﴾ بدم النفاس بعد الوضع. قال مكحول : جعل الله تعالى دم الحيض غذاء للحمل.
الرابع :﴿ وما تغيض الأرحام ﴾ بظهور الحيض من أيام على الحمل، وفي ذلك نقص في الولد ﴿ وما تزداد ﴾ في مقابلة أيام الحيض من أيام الحمل، لأنها كلما حاضت على حملها يوماً ازدادت في طهرها يوماً حتى يستكمل حملها تسعة أشهر طهراً، قال عكرمة وقتادة.
الخامس :﴿ وما تغيض الأرحام ﴾ من ولدته قبل ﴿ وما تزداد ﴾ من تلده من بعد، حكاه السدي وقتادة.
﴿ وكُلُّ شيءٍ عنده بمقدار ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في الرزق والأجل، قاله قتادة.
الثاني : فيما تغيض الأرحام وما تزداد، قاله الضحاك.
ويحتمل ثالثاً : أن كل شيء عنده من ثواب وعقاب بمقدار الطاعة والمعصية.
قوله تعالى :﴿ سواءٌ منكم مَن أسَرَّ القول ومَن جَهَرَ به ﴾ إسرار القول : ما حدّث به نفسه، والجهر ما حَدّث به غيره. والمراد بذلك أنه تعالى يعلم ما أسره الإنسان من خير وشر.
﴿ ومَن هو مستخفٍ بالليل وساربٌ بالنهار ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعلم من استخفى بعمله في ظلمة الليل، ومن أظهره في ضوء النهار. الثاني : يرى ما أخفته ظلمة الليل كما يرى ما أظهره ضوء النهار، بخلاف المخلوقين الذين يخفي عليهم الليل أحوال أهلهم. قال الشاعر :
وليلٍ يقول الناسُ في ظلُماتِه سَواءٌ صحيحات العُيون وعورها
والسارب : هو المنصرف الذاهب، مأخوذ من السُّروب في المرعى، وهو بالعشي، والسروج بالغداة، قال قيس بن الخطيم :
أنَّى سَرَبْتِ وكُنْتِ غير سروب وتقرب الأحلام غير قريب
قوله تعالى :﴿ له معقبات مِن بين يديه ومن خَلْفِه ﴾ فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم حراس الأمراء يتعاقبون الحرس، قاله ابن عباس وعكرمة.
الثاني : أنه ما يتعاقب من أوامر الله وقضائه في عباده، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الثالث : أنهم الملائكة، إذا صعدت ملائكة النهار أعقبتها ملائكة الليل، وإذا صعدت ملائكة الليل أعقبتها ملائكة النهار، قاله مجاهد وقتادة. قال الحسن : وهم أربعة أملاك : اثنان بالنهار، واثنان بالليل، يجتمعون عند صلاة الفجر.
وفي قوله تعالى :﴿ من بين يديه ومن خلفه ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : من أمامه وورائه، وهذا قول من زعم أن المعقبات حراس الأمراء.
الثاني : الماضي والمستقبل، وهذا قول من زعم أن المعقبات ما يتعاقب من أمر الله تعالى وقضائه.
الثالث : من هُداه وضلالِه، وهذا قول من زعم أن المعقبات الملائكة. ﴿ يحفظونَه من أمر الله ﴾ تأويله يختلف بحسب اختلاف المعقبات، فإن قيل بالقول الأول أنهم حراس الأمراء ففي قوله ﴿ يحفظونه ﴾ أي عند نفسه من أمر الله ولا راد لأمره ولا دافع لقضائه، قاله ابن عباس وعكرمة.
الثاني : أن في الكلام حرف نفي محذوفاً وتقديره : لا يحفظونه من أمر الله.
وإن قيل بالقول الثاني، إن المعقبات ما يتعاقب من أمر الله وقضائه، ففي تأويل قوله تعالى ﴿ يحفظونه من أمر الله ﴾ وجهان :
أحدهما : يحفظونه من الموت ما لم يأت أجله، قاله الضحاك.
الثاني : يحفظونه من الجن والهوام المؤذية ما لم يأت قدر، قاله أبو مالك وكعب الأحبار.
وإن قيل بالقول الثالث : وهو الأشبه : أن المعقبات الملائكة ففيما أريد بحفظهم له وجهان :
أحدهما : يحفظون حسناته وسيئاته بأمر الله.
الثاني : يحفظون نفسه.
فعلى هذا في تأويل قوله تعالى ﴿ يحفظونه من أمر الله ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : يحفظونه بأمر الله، قاله مجاهد.
الثاني : يحفظونه من أمر الله حتى يأتي أمر الله، وهو محكي عن ابن عباس.
الثالث : أنه على التقديم والتأخير وتقديره : له معقبات من أمر الله تعالى يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، قاله إبراهيم.
وفي هذه الآية قولان :
302
أحدهما : أنها عامة في جميع الخلق، وهو قول الجمهور.
الثاني : أنها خاصة نزلت في رسول الله ﷺ حين أزمع عامر بن الطفيل وأريد بن ربيعة أخو لبيد على قتل رسول الله ﷺ فمنعه الله تعالى منهما وأنزل هذه الآية فيه، قاله ابن زيد.
﴿ إنَّ الله لا يغيرُ ما بقومٍ حتى يغيِّرُوا ما بأنفسِهم ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن الله لا يغير ما بقوم من نعمة حتى يغيروا ما بأنفسهم من معصية.
الثاني : لا يغير ما بهم من نعمة حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة.
﴿ وإذا أراد الله بقومٍ سوءًا فلا مرد له ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إذا أراد الله بهم عذاباً فلا مرد لعذابه.
الثاني : إذا أراد بهم بلاء من أمراض وأسقام فلا مرد لبلائه.
﴿ وما لهم مِن دونه من وال ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من ملجأ وهو معنى قول السدي.
الثاني : يعني من ناصر، ومنه قول الشاعر :
ما في السماء سوى الرحمن من والِ...
303
قوله تعالى :﴿ هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : خوفاً للمسافر من أذيته، وطمعاً للمقيم في بركته، قاله قتادة.
الثاني : خوفاً من صواعق البرق، وطمعاً في غيثه المزيل للقحط، قاله الحسن.
وقد كان النبي ﷺ إذا سمع صوت الرعد قال :« اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك
»
. الثالث : خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه.
﴿ وينشىء السحاب الثقال ﴾ قال مجاهد : ثقال بالماء.
قوله تعالى :﴿ ويسبِّح الرعد بحمده ﴾ وفي الرعد قولان :
أحدهما : أنه الصوت المسموع، وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال « الرعد وعيد من الله فإذا سمعتموه فأمسكوا عن الذنوب
»
. الثاني : أن الرعد ملك، والصوت المسموع تسبيحه، قاله عكرمة. ﴿ والملائكة مِن خيفته ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وتسبح الملائكة من خيفة الله تعالى، قاله ابن جرير.
الثاني : من خيفة الرعد، ولعله قول مجاهد.
﴿ ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ﴾ اختلف فيمن نزل ذلك فيه على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها نزلت في رجل أنكر القرآن وكذب النبي ﷺ فأخذته صاعقة، قاله قتادة.
الثاني : في أربد بن ربيعة وقد كان همّ بقتل النبي ﷺ مع عامر بن الطفيل فتيبست يده على سيفه، وعصمه الله تعالى منهما، ثم انصرف فأرسل الله تعالى عليه صاعقة أحرقته. قال ابن جرير : وفي ذلك يقول أخوه لبيد :
أخشى على أربد الحتوف ولا أرهب نوء السِّماك والأسد
فجّعني البرق والصواعق بالفا رسِ يوم الكريمة النَّجُدِ
الثالث : أنها نزلت في يهودي جاء إلى النبي ﷺ فقال : أخبرني عن ربك من أي شيء، من لؤلؤ أو ياقوت؟ فجاءت صاعقة فأخذته، قال علي وابن عباس ومجاهد.
روى أبان عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ « لا تأخذ الصاعقة ذاكراً لله تعالى
»
. ﴿ وهم يجادلون في الله ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني جدال اليهودي حين سأل عن الله : من أي شيء هو؟ قاله مجاهد.
الثاني : جدال أربد فيما همّ به من قتل النبي ﷺ، قاله ابن جريج.
﴿ وهو شديد المِحالِ ﴾ فيه تسعة تأويلات :
أحدها : يعني شديد العداوة، قاله ابن عباس.
الثاني : شديد الحقد، قاله الحسن.
الثالث : شديد القوة، قاله مجاهد.
الرابع : شديد الغضب، قاله وهب بن منبه.
الخامس : شديد الحيلة، قاله قتادة والسدي.
السادس : شديد الحول، قاله ابن عباس أيضاً.
السابع : شديد الإهلاك بالمحل وهو القحط، قاله الحسن أيضاً.
الثامن : شديد الأخذ، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. التاسع : شديد الانتقام والعقوبة، قاله أبو عبيدة وأنشد لأعشى بني ثعلبة.
قوله تعالى ﴿ له دعوة الحق ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن دعوة الحق لا إله إلا الله، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه الله تعالى هو الحق، فدعاؤه دعوة الحق.
الثالث : أن الإخلاص في الدعاء هي دعوة الحق، قاله بعض المتأخرين.
ويحتمل قولاً رابعاً : أن دعوة الحق دعاؤه عند الخوف لأنه لا يدعى فيه إلا إياه، كما قال تعالى ﴿ ضلّ من تدعون إلا إياه ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ] هو أشبه بسياق الآية لأنه قال :
﴿ والذين يدعون مِن دونه ﴾ يعني الأصنام والأوثان.
﴿ لا يستجيبون لهم بشيء ﴾ أي لا يجيبون لهم دعاءً ولا يسمعون لهم نداء.
﴿ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ﴾ ضرب الله تعالى الماء مثلاً لإياسهم من إجابة دعائهم لأن العرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلاً بالقابض الماء باليد، كما قال أبو الهذيل :
فرع نبع يهتز في غصن المج د كريم الندى عظيم المحال
فأصبحتُ مما كان بيني وبينها مِن الود مثل القابض الماء باليد
وفي معنى هذا المثل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الذي يدعو إلهاً من دون الله كالظمآن الذي يدعو الماء ليبلغ إلى فيه من بعيد يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه، ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبداً، لأن الماء لا يستجيب له وما الماء ببالغ إليه، قاله مجاهد.
الثاني : أنه كالظمآن الذي يرى خياله في الماء وقد بسط كفر فيه ليبلغ فاه، وما هو ببالغه لكذب ظنه وفساد توهمه، قاله ابن عباس.
الثالث : أنه كباسط كفه إلى الماء ليقبض عليه فلا يحصل في كفيه شيء منه.
وزعم الفراء أن المراد بالماء ها هنا البئر لأنها معدن للماء، وأن المثل كمن مد يده إلى البئر بغير رشاء، وشاهده قول الشاعر :
قوله تعالى :﴿ ولله يسجد من في السموات ومن في الأرض طوعاً وكرهاً ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : طوعاً سجود المؤمن، وكرهاً سجود الكافر، قاله قتادة.
الثاني :﴿ طوعاً ﴾ من دخل في الإسلام رغبة، ﴿ وكرهاً ﴾ من دخل فيه رهبة بالسيف، قاله ابن زيد
. الثالث :﴿ طوعاً ﴾ من طالت مدة إسلامه فألف السجود، ﴿ وكرهاً ﴾ من بدأ بالإسلام حتى يألف السجود، حكاه ابن الأنباري.
الرابع : ما قاله بعض أصحاب الخواطر أنه إذا نزلت به المصائب ذل، وإذا توالت عليه النعم ملّ.
﴿ وظلالهم بالغدو والآصال ﴾ يعني أن ظل كل إنسان يسجد معه بسجوده، فظل المؤمن يسجد طائعاً كما أن سجود المؤمن طوعاً، وظل الكافر يسجد كارهاً كما أن سجود الكافر كرهاً.
والآصال جمع أصُل، والأصل جمع أصيل، والأصيل العشيّ وهو ما بين العصر والمغرب قال أبو ذؤيب :
فإن الماء ماءُ أبي وجدي وبئري ذو حَفَرْتُ وذو طويت
قوله تعالى :﴿ قل من رب السموات والأرض ﴾ أمر الله تعالى نبيه أن يقول لمشركي قريش ﴿ من رب السموات والأرض ﴾ ثم أمره أن يقول لهم :
﴿ قل الله ﴾ إن لم يقولوا ذلك إفهاماً قالوه تقريراً لأنه جعل ذلك إلزاماً.
﴿ قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ﴾ ثم أمره ﷺ أن يقول لهم هذا بعد اعترافهم بالله : أفاتخذتم من دون الخالق المنعم آلهة من أصنام وأوثان فعبدتموها من دونه، لا يملكون لأنفسهم نفعاً يوصلونه إليها ولا ضراً يدفعونه عنها، فكيف يملكون لكم نفعاً أو ضراً؟ وهذا إلزام صحيح.
ثم قال تعالى ﴿ قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور ﴾ وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر كالأعمى والبصير، والهدى والضلالة كالظلمات والنور، فالمؤمن في هُداه كالبصير يمشي في النور، والكافر في ضلاله كالأعمى يمشي في الظلمات، وهما لا يستويان، فكذلك المؤمن والكافر لا يتسويان، وهذا من أصح مثل ضربه الله تعالى وأوضح تشبيه.
ثم قال تعالى :﴿ أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم ﴾ ومعناه أنه لما لم يخلق آلهتهم التي عبدوها خلقاً كخلق الله فيتشابه عليهم خلقُ آلهتهم بخلق الله فلما اشتبه عليهم حتى عبدوها كعبادة الله تعالى؟
﴿ قل الله خالق كل شيء ﴾ فلزم لذلك أن يعبدوه كل شيء.
﴿ وهو الواحد القهار ﴾.
وفي قوله ﴿ فتشابه الخلق عليهم ﴾ تأويلان :
أحدهما : فتماثل الخلق عليهم.
الثاني : فأشكل الخلق عليهم، ذكرهما ابن شجرة.
قوله تعالى :﴿ أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني بما قدر لها من قليل أو كثير.
الثاني : يعني الصغير من الأودية سال بقدر صغره، والكبير منها سال بقدر كبره.
وهذا مثل ضربه الله تعالى للقرآن وما يدخل منه في القلوب، فشبه القرآن بالمطر لعموم خيره وبقاء نفعه، وشبه القلوب بالأودية يدخل فيها من القرآن مثل ما يدخل في الأودية من الماء بحسب سعتها وضيقها.
قال ابن عباس :﴿ أنزل من السماء ماءً ﴾ أي قرآناً ﴿ فسالت أودية بقدرها ﴾ قال : الأودية قلوب العباد.
﴿ فاحتمل السيل زبداً رابياً ﴾ الرابي : المرتفع. وهو مثل ضربه الله تعالى للحق والباطل، فالحق ممثل بالماء الذي يبقى في الأرض فينتفع به، والباطل ممثل بالزبد الذي يذهب جُفاءً لا ينتفع به.
ثم ضرب مثلاً ثانياً بالنار فقال ﴿ ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية ﴾ يعني الذهب والفضة.
﴿ أو متاع ﴾ يعني الصُفر والنحاس.
﴿ زبد مِثله... ﴾ يعني أنه إذا سُبِك بالنار كان له خبث كالزبد الذي على الماء يذهب فلا ينتفع به كالباطل، ويبقى صفوة فينتفع به كالحق.
وقوله تعالى :﴿... فيذهب جفاءً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني منشقاً قاله ابن جرير.
الثاني : جافياً على وجه الأرض، قاله ابن عيسى.
الثالث : مرمياً، قاله ابن إسحاق.
وحكى أبو عبيدة أنه سمع رؤية يقرأ : جفالاً. قال أبو عبيدة : يقال أجفلت القدر إذا قَذَفَت بزبدها.
قوله تعالى :﴿ للذين استجابوا لربهم الحسنى ﴾ فيها تأويلان :
أحدهما : الجنة، رواه أبي بن كعب عن النبي ﷺ.
الثاني : أنها الحياة والرزق، قاله مجاهد.
ويحتمل تأويلاً ثالثاً : أن تكون مضاعفة الحسنات.
﴿ والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعاًَ ومثلَهُ معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ﴾.
في ﴿ سوء الحساب ﴾ أربعة تأويلات :
أحدها : أن يؤاخذوا بجميع ذنوبهم فلا يعفى لهم عن شيء منها، قاله إبراهيم النخعي. وقالت عائشة رضي الله عنها : من نوقش الحساب هلك.
الثاني : أنه المناقشة في الأعمال، قاله أبو الجوزاء.
الثالث : أنه التقريع والتوبيخ، حكاه ابن عيسى.
الرابع : هو أن لا تقبل حسناتهم فلا تغفر سيئاتهم.
ويحتمل خامساً : أن يكون سوء الحساب ما أفضى إليه حسابهم من السوء وهو العقاب.
قوله تعالى :﴿ والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الرحم التي أمرهم الله تعالى بوصلها.
﴿ ويخشون ربهم ﴾ في قطعها ﴿ ويخافون سُوءَ الحساب ﴾ في المعاقبة عليها، قاله قتادة.
الثاني : صلة محمد ﷺ، قاله الحسن.
الثالث : الإيمان بالنبيين والكتب كلها، قاله سعيد بن جبير.
ويحتمل رابعاً : أن يصلوا الإيمان بالعمل.
﴿ ويخشون ربهم ﴾ فيما أمرهم بوصله.
﴿ ويخافون سوءَ الحساب ﴾ في تركه.
قوله تعالى :﴿ ويدرءُون بالحسنة السيئة ﴾ فيه سبعة تأويلات :
أحدها : يدفعون المنكر بالمعروف، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : يدفعون الشر بالخير، قاله ابن زيد.
الثالث : يدفعون الفحش بالسلام، قاله الضحاك.
الرابع : يدفعون الظلم بالعفو، قاله جويبر.
الخامس : يدفعون سفه الجاهل بالحلم، حكاه ابن عيسى.
السادس : يدفعون الذنب بالتوبة، حكاه ابن شجرة.
السابع : يدفعون المعصية بالطاعة.
قوله تعالى :﴿ سلام عليكم بما صبرتم ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : معناه بما صبرتم على أمر الله تعالى، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : بما صبرتم على الفقر في الدنيا، قاله أبو عمران الجوني.
الثالث : بما صبرتم على الجهاد في سبيل الله، وهو مأثور عن عبدالله بن عمر.
الرابع : بما صبرتم عن فضول الدنيا، قاله الحسن، وهو معنى قول الفضيل بن عياض.
السادس : بما صبرتم عما تحبونه حين فقدتموه، قاله ابن زيد.
ويحتمل سابعاً : بما صبرتم على عدم اتباع الشهوات.
﴿ فنعم عقبى الدار ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فنعم عقبى الجنة عن الدنيا، قاله أبو عمران الجوني.
الثاني : فنعم عقبى الجنة من النار، وهو مأثور.
قوله تعالى :﴿ ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ﴾ وفيه وجهان :
أحدهما : أي قليل ذاهب، قاله مجاهد.
الثاني : زاد الراعي، قاله ابن مسعود. ويحتمل
ثالثاً : وما جعلت الحياة الدنيا إلا متاعاً يتزود منها إلى الآخرة من التقوى والعمل الصالح.
قوله تعالى :﴿ والذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : بذكر الله بأفواههم، قاله قتادة.
الثاني : بنعمة الله عليهم.
الثالث : بوعد الله لهم، ذكره ابن عيسى.
الرابع : بالقرآن، قاله مجاهد.
﴿ ألا بذكر الله تطمئن القلوب ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : بطاعة الله.
الثاني : بثواب الله.
الثالث : بوعد الله تعالى لهم.
قوله تعالى :﴿ والذين ءامنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ﴾ فيه تسعة تأويلات :
أحدها : أن طوبى اسم من أسماء الجنة، قاله مجاهد.
الثالث : معنى طوبى لهم حسنى لهم، قاله قتادة.
الرابع : معناه نِعَم مالهم، قاله عكرمة.
الخامس : معناه خير لهم، قاله إبراهيم.
السادس : معناه غبطة لهم، قاله الضحاك.
السابع : معناه فرح لهم وقرة عين، قاله ابن عباس.
الثامن : العيش الطيب لهم، قاله الزجاج.
التاسع : أن طوبى فُعلى من الطيب كما قيل أفضل وفضلى، ذكره ابن عيسى.
وهذه معان أكثرها متقاربة.
وفيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها كلمة حبشية، قاله ابن عباس.
الثاني : كلمة هندية، قاله عبدالله بن مسعود.
الثالث : عربية، قاله الجمهور.
قوله تعالى :﴿... وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي ﴾ قال قتادة وابن جريج نزلت في قريش يوم الحديبية حين أمر رسول الله ﷺ بكتب القضية بينه وبينهم، فقال للكاتب :« اكتب بسم الله الرحمن الرحيم » فقالوا ما ندري ما الرحمن وما نكتب إلا : باسمك اللهم. وحكي عن ابن إسحاق أنهم قالوا : قد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا الذي تأتي به رجل من أهل اليمامة يقال له الرحمن، وإنا والله لن نؤمن به أبداً، فأنزل الله تعالى ﴿ وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو ﴾ يعني أنه إله واحد وإن اختلفت أسماؤه.
﴿ عليه توكلت وإليه متاب ﴾ قال مجاهد يعني بالمتاب التوبة.
ويحتمل ثانياً : وإليه المرجع.
قوله تعالى :﴿ ولو أن قرآناً سُيِّرت به الجبال أو قطعت به الأرض ﴾ الآية. وسبب ذلك ما حكاه مجاهد وقتادة أن كفار قريش قالوا للنبي ﷺ : إن يسرَّك أن نتبعك فسيِّرْ جبالنا حتى تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة، وقرب لنا الشام فإننا نتَّجر إليها، وأخرج لنا الموتى من القبور نكلمها، فأنزل الله تعالى. ﴿ ولو أن قرآناً سيرت به الجبال ﴾ أي أُخرت. ﴿ أو قطعت به الأرض ﴾ أي قربت.
﴿ أو كُلِّم به الموْتَى ﴾ أي أُحيوا.
وجواب هذا محذوف وتقديره لكان هذا القرآن، لكنه حذف إيجازاً لما في ظاهر الكلام من الدلالة على المضمر المحذوف.
ثم قال تعالى :﴿ بل للهِ الأمر جميعاً ﴾ أي هو المالك لجميع الأمور الفاعل لما يشاء منها.
﴿ أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ﴾ وذلك أن المشركين لما سألوا رسول الله ﷺ ما سألوه استراب المؤمنون إليه فقال الله تعالى ﴿ أفلم ييأس الذين آمنوا ﴾.
وفيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه أفلم يتبين الذين آمنوا، قاله عطية، وهي في القراءة الأولى : أفلم يتبين الذين آمنوا. وقيل لغة جرهم ﴿ أفلم ييأس ﴾ أي يتبين.
الثاني : أفلم يعلم، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد، ومنه قول رباح ابن عدي :
لعمري لأنت البيت أكرم أهله وأقعد في أفيائِه بالأصائل
ألم ييأس الأقوام أنِّي أنا ابْنُهُ وإن كنتُ عن أرض العشيرة نائيا
الثالث : أفلم ييأس الذين آمنوا بانقطاع طمعهم.
وفيما يئسوا منه على هذا التأويل وجهان :
أحدهما : ييأسوا مما سأله المشركون، قاله الفراء.
الثاني : يئسوا أن يؤمن هؤلاء المشركون، قاله الكسائي.
﴿ أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لهداهم إلى الإيمان.
الثاني : لهداهم إلى الجنة.
﴿ ولا يزال الذين كفروا تصيبهُم بما صنعوا قارعة ﴾ فيها تأويلان :
أحدهما : ما يقرعهم من العذاب والبلاء، قاله الحسن وابن جرير.
الثاني : أنها الطلائع والسرايا التي كان ينفذها رسول الله ﷺ، قاله عكرمة.
﴿ أو تحل قريباً من دارهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أو تحل القارعة قريباً من دارهم، قاله الحسن.
الثاني : أو تحل أنت يا محمد قريباً من دارهم، قاله ابن عباس وقتادة
﴿ حتى يأتي وَعْدُ الله ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : فتح مكة، قاله ابن عباس.
الثاني : القيامة، قاله الحسن.
قوله تعالى :﴿ أفمن هو قائم على كل نفسٍ بما كسبت ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم الملائكة الذين وكلوا ببني آدم، قاله الضحاك.
الثاني : هو الله القائم على كل نفس بما كسبت، قاله قتادة.
الثالث : أنها نفسه.
وفي قوله تعالى :﴿ قائم ﴾ وجهان :
أحدهما : يعني والياً، كما قال تعالى ﴿ قائماً بالقسط ﴾ أي والياً بالعدل.
الثاني : يعني عالماً بما كسبت، قال الشاعر :
فلولا رجالٌ من قريش أعزةٌ سرقتم ثياب البيت والله قائم
ويحتمل ﴿ بما كسبت ﴾ وجهين :
أحدهما : ما كسبت من رزق تفضلاً عليها فيكون خارجاً مخرج الامتنان.
الثاني : ما كسبت من عمل حفظاً عليها، فيكون خارجاً مخرج الوعد والوعيد
﴿ وجعلوا لله شركاء ﴾ يعني أصناماً جعلوها آلهة.
﴿ قل سموهم ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : قل سموهم آلهة على وجه التهديد.
الثاني : يعني قل صفوهم ليعلموا أنهم لا يجوز أن يكونوا آلهة.
﴿ أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض ﴾ أي تخبرونه بما لا يعلم أن في الأرض إلهاً غيره.
﴿ أم بظاهر مِن القول ﴾ فيها أربعة تأويلات :
أحدها : معناه بباطل من القول، قاله قتادة، ومنه قول الشاعر :
أعَيّرتنا ألبانها ولحومها وذلك عارٌ يا ابن ريطة ظاهر
أي بالحل.
الثاني : بظن من القول، وهو قول مجاهد.
الثالث : بكذب من القول، قاله الضحاك.
الرابع : أن الظاهر من القول هو القرآن، قاله السدي.
ويحتمل تأويلاً خامساً : أن يكون الظاهر من القول حجة يظهرونها بقولهم، ويكون معنى الكلام : أتخبرونه بذلك مشاهدين أم تقولون محتجّين.
قوله تعالى :﴿ مثل الجنة التي وُعِدَ المتقون ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يشبه الجنة، قاله علي بن عيسى.
الثاني : نعت الجنة لأنه ليس للجنة مثل، قاله عكرمة.
﴿ تجري من تحتها الأنهار أكُلُها دائم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ثمرها غير منقطع، قاله القاسم بن يحيى.
الثاني : لذتها في الأفواه باقية، قاله إبراهيم التيمي.
ويحتمل ثالثاً : لا تمل من شبع ولا مرباد لمجاعة.
﴿ وظلها ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : دائم البقاء.
الثاني : دائم اللذة.
قوله تعالى :﴿ والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ﴾ فيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم أصحاب النبي ﷺ فرحوا بما أنزل عليه من القرآن، قاله قتادة وابن زيد.
الثاني : أنهم مؤمنو أهل الكتاب، قاله مجاهد.
الثالث : أنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى فرحوا بما أنزل عليه من تصديق كتبهم، حكاه ابن عيسى.
﴿ ومِن الأحزاب من ينكر بعضه ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أنهم اليهود والنصارى والمجوس، قاله ابن زيد.
الثاني : أنهم كفار قريش.
وفي إنكارهم بعضه وجهان :
أحدهما : أنهم عرفوا نعت رسول الله ﷺ في كتبهم وأنكروا نبوته.
الثاني : أنهم عرفوا صِدْقه وأنكروا تصديقه.
قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا رُسُلاً من قبلك وجعلنا لهم أزوجاً وذرية ﴾ يعني بالأزواج النساء، وبالذرية الأولاد. وفيه وجهان :
أحدهما : معناه أن من أرسلناه قبلك من المرسلين بشر لهم أزواج وذرية كسائر البشر، فلمَ أنكروا رسالتك وأنت مثل من قبلك.
الثاني : أنه نهاه بذلك عن التبتل، قاله قتادة.
وقيل إن اليهود عابت على النبي ﷺ الأزواج، فأنزل الله تعالى إلى ذلك فيهم يعلمهم أن ذلك سُنَّة الرسل قبله.
﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ﴾ قيل إن مشركي قريش سألوه آيات قد تقدم ذكرها في هذه السورة فأنزل الله تعالى ذلك فيهم.
﴿ ولكل أجل كتابٌ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه لكل كتاب نزل من السماء أجل. وهو من المقدِّم والمؤخر، قاله الضحاك.
الثاني : معناه لكل أمر قضاه الله تعالى كتاب كتبه فيه، قاله ابن جرير.
الثالث : لكل أجل من آجال الخلق كتاب عند الله تعالى، قاله الحسن.
ويحتمل رابعاً : لكل عمل خَبر.
قوله تعالى :﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت ﴾ فيه سبعة تأويلات :
أحدها : يمحو الله ما يشاء من أمور عباده فيغيره إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يغيران، قاله ابن عباس.
الثاني : يمحو الله ما يشاء ويثبت ما يشاء في كتاب سوى أُم الكتاب، وهما كتابان أحدهما : أم الكتاب لا يغيره ولا يمحو منه شيئاً كما أراد، قاله عكرمة.
الثالث : أن الله تعالى ينسخ ما يشاء من أحكام كتابه، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه، قاله قتادة وابن زيد.
الرابع : أنه يمحو مَنْ قد جاء أجلُه ويثبت من لم يأت أجلُه، قاله الحسن.
الخامس : يغفر ما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفره، قاله سعيد بن جبير.
السادس : أنه الرجل يقدم الطاعة ثم يختمها بالمعصية فتمحو ما قد سلف، والرجل يقدم المعصية ثم يختمها بالطاعة فتمحو ما قد سلف، وهذا القول مأثور عن ابن عباس أيضاً.
السابع : أن الحفظة من الملائكة يرفعون جميع أقواله وأفعاله، فيمحو الله تعالى منها ما ليس فيه ثواب ولا عقاب، ويثبت ما فيه الثواب والعقاب، قاله الضحاك.
﴿ وعنده أم الكتاب ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : الحلال والحرام، قاله الحسن.
الثاني : جملة الكتاب، قاله الضحاك.
الثالث : هو علم الله تعالى بما خلق وما هو خالق، قاله كعب الأحبار.
الرابع : هو الذكر، قاله ابن عباس.
الخامس : أنه الكتاب الذي لا يبدل، قاله السدي.
السادس : أنه أصل الكتاب في اللوح المحفوظ، قاله عكرمة.
قوله تعالى :﴿ أوَلم يروا أنا نأتي الأرض ننقُصُها من أطرافها ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : بالفتوح على المسلمين من بلاد المشركين، قاله قتادة.
الثاني : بخراجها بعد العمارة، قاله مجاهد.
الثالث : بنقصان بركتها وتمحيق ثمرتها، قاله الكلبي والشعبي.
الرابع : بموت فقهائها وخيارها، قاله ابن عباس.
ويحتمل خامساً : أنه بجور ولاتها.
قوله تعالى :﴿ ويقول الذين كفروا لست مُرْسلاً ﴾ قال قتادة : هم مشركو العرب.
﴿ قلْ كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ﴾ أي يشهد بصدقي وكذبكم.
﴿ ومن عنده علم الكتاب ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم عبدالله بن سلام وسلمان وتميم الداري، قاله قتادة.
الثاني : أنه جبريل، قاله سعيد بن جبير.
الثالث : هو الله تعالى، قاله الحسن ومجاهد والضحاك.
وكانوا يقرأون ﴿ ومِن عنده علم الكتاب ﴾ أي من عِنْد الله علم الكتاب، وينكرون على من قال هو عبد الله بن سلام وسلمان لأنهم يرون السورة مكية، وهؤلاء أسلموا بالمدينة، والله تعالى أعلم بالصواب.
Icon