ﰡ
أحدهما : أن الكتاب هو القرآن، جمع له بين الاسمين.
الثاني : أن الكتاب هو التوراة والانجيل، ثم قرنها بالقرآن بالقرآن المبين. وفي المراد بالمبين ثلاثة أوجه :
أحدها : المبين إعجازه حتى لا يعارض.
الثاني : المبين الحق من الباطل حتى لا يشكلا.
الثالث : المبين الحلال من الحرام حتى لا يشتبها.
قوله تعالى :﴿ رُبما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ﴾ وفي زمان هذا التمني ثلاثة أقاويل :
أحدها : عند المعاينة في الدنيا حين يتبين لهم الهدى من الضلالة، قاله الضحاك.
الثاني : في القيامة إذا رأوا كرامة المؤمنين وذل الكافرين.
الثالث : إذا دخل المؤمن الجنة، والكافر النار.
وقال الحسن : إذا رأى المشركون المؤمنين وقد دخلوا الجنة وصاروا هم إلى النار تمنوا أنهم كانوا مسلمين.
وربما مستعملة في هذا الموضع للكثير، وإن كانت في الأصل موضوعة للتقليل، كما قال الشاعر :
ألا ربّما أهدت لك العينُ نظرة | قصاراك مِنْها أنها عنك لا تجدي |
﴿ إلا ولها كتاب معلوم ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أجل مقدر.
الثاني : فرض محتوم.
قوله تعالى :﴿ ما تسبق من أمةٍ أجَلَها وما يَستأخرون ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لا يتقدم هلاكهم عن أجله ولا يتأخر عنه.
الثاني : لا يموتون قبل العذاب فيستريحوا، ولا يتأخر عنهم فيسلموا.
وقال الحسن فيه تأويلاً ثالثاً : ما سبق من أمة رسولها وكتابها فتعذب قبلهما ولا يستأخر الرسول والكتاب عنها.
أحدها : إلا بالقرآن، قاله القاسم.
الثاني : إلا بالرسالة، قاله مجاهد.
الثالث : إلا بالقضاء عند الموت لقبض أرواحهم، قاله الكلبي.
الرابع : إلا بالعذاب إذا لم يؤمنوا، قاله الحسن.
﴿ وما كانوا إذاً منظرين ﴾ أي مؤخَّرين.
قوله تعالى :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر ﴾ قال الحسن والضحاك يعني القرآن.
﴿ وإنا له لحافظون ﴾ فيه قولان :
أحدهما : وإنا لمحمد حافظون ممن أراده بسوء من أعدائه، حكاه ابن جرير.
الثاني : وإنا للقرآن لحافظون.
وفي هذا الحفظ ثلاثة أوجه :
أحدها : حفظه حتى يجزى به يوم القيامة، قاله الحسن.
الثاني : حفظه من أن يزيد فيه الشيطان باطلاً، أو يزيل منه حقاً، قاله قتادة.
الثالث : إنا له لحافظون في قلوب من أردنا به خيراً، وذاهبوان به من قلوب من أردنا به شراً.
أحدها : أن الشيع الأمم، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني : أن الشيع جمع شيعة، والشيعة الفرقة المتآلفة المتفقة الكلمة، فكأن الشيع الفرق، ومنه قوله تعالى ﴿ أو يلبسكم شيَعاً ﴾ [ الأنعام : ٦٥ ] أي فرقاً، وأصله مأخوذ من الشياع وهو الحطب الصغار يوقد به الكبار، فهو عون النار.
الثالث : أن الشيع القبائل، قاله الكلبي.
قوله تعالى :﴿ كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : كذلك نسلك الاستهزاء في قلوب المجرمين، وإن لم يعرفوا، قاله قتادة.
الثاني : كذلك نسلك التكذيب في قلوب المجرمين، قاله ابن جريج.
الثالث : كذلك نسلك القرآن في قلوب المجرمين، وإن لم يؤمنوا، قاله الحسن.
الرابع : كذلك إذا كذب به المجرمون نسلك في قلوبهم أن لا يؤمنوا به.
قوله تعالى :﴿ لا يؤمنون به ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : بالقرآن أنه من عند الله.
الثاني : بالعذاب أن يأتيهم.
﴿ وقد خلت سنة الأولين ﴾ السنة : الطريقة، قال عمر بن أبي ربيعة :
لها من الريم عيناه وسُنّتُهُ | ونحرُه السابق المختال إذ صَهَلا |
أحدهما : قد خلت سنة الأولين بالعذاب لمن أقام على تكذيب الرسل.
الثاني : بأن لا يؤمنوا برسلهم إذا عاندوا.
ويحتمل ثالثاً : بأن منهم مؤمناً وكافراً.
كما يحتمل رابعاً : من أقام على الكفر بالمعجزات بعد مجيء ما طلب من الآيات.
أحدهما : فظل هؤلاء المشركون يعرجون فيه، قاله الحسن وقتادة.
الثاني : فظلت الملائكة فيه يعرجون وهم يرونهم، قاله ابن عباس والضحاك.
قوله تعالى :﴿ لقالوا إنما سكرت أبصارنا ﴾ في ﴿ سكرت ﴾ قراءتان :
إحداهما بتشديد الكاف، والثانية بتخفيفها، وفي اختلافهما وجهان :
أحدهما : معناهما واحد، فعلى هذا ستة تأويلات :
أحدها : سُدّت، قاله الضحاك.
الثاني : عميت، قاله الكلبي.
الثالث : أخذت، قاله قتادة.
الرابع : خدعت، قاله جويبر.
الخامس : غشيت وغطيت، قاله أبو عمرو بن العلاء، ومنه قول الشاعر :
وطلعت شمسٌ عليها مغفر | وجَعَلَتْ عين الحرورو تسكر |
فصرن على ليلة ساهرة | فليست بطلقٍ ولا ساكرة |
أحدهما : أن معناه بالتخفيف سُحِرَتْ، وبالتشديد : أخذت.
الثاني : أنه بالتخفيف من سُكر الشراب، وبالتشديد مأخوذ من سكرت الماء.
﴿ بل نحن مسحورون ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أي سحرنا فلا نبصر.
الثاني : مضللون، حكاه ثعلب.
الثالث : مفسدون.
أحدها : أنها قصور في السماء فيها الحرس، قاله عطية.
الثاني : أنها منازل الشمس والقمر، قاله علي بن عيسى.
الثالث : أنها الكواكب العظام، قاله أبو صالح، يعني السبعة السيارة.
الرابع : أنها النجوم، قاله الحسن وقتادة.
الخامس : أنها البروج الاثنا عشر.
وأصل البروج الظهور، ومنه تبرجت المرأة إذا أظهرت نفسها.
﴿ وزيناها للناظرين ﴾ أي حسنّاها.
﴿ وحفظناها من كل شيطان رجيم ﴾ يعني السماء. وفي الرجيم ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الملعون، قاله قتادة.
الثاني : المرجوم بقول أو فعل، ومنه قول الأعشى :
يظل رجيماً لريب المنون | والسقم في أهله والحزن |
قوله تعالى :﴿ إلا من استرق السمع ﴾ ومسترق السمع من الشياطين يسترقه من أخبار الأرض دون الوحي، لأن الله تعالى قد حفظ وحيه منهم.
ومن استراقهم له قولان :
أحدهما : أنهم يسترقونه من الملائكة في السماء.
الثاني : في الهواء عند نزول الملائكة من السماء. وفي حصول السمع قبل أخذهم بالشهاب قولان :
أحدهما : أن الشهاب يأخذهم قبل وصولهم إلى السمع، فيصرفون عنه.
الثاني : أنه يأخذهم بعد وصول السمع إليهم.
وفي أخذهم بالشهاب قولان :
أحدهما : أنه يخرج ويحرق ولا يقتل، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه يقتل، قاله الحسن وطائفة.
فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجن قولان :
أحدهما : أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم، فعلى هذا لا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء، قاله ابن عباس : ولذلك انقطعت الكهانة.
الثاني : أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن، ولذلك ما يعودون إلى استراقه، ولو لم يصل لانقطع الإستراق وانقطع الإحراق.
وفي الشهب التي يرجمون بها قولان :
أحدهما : أنها نور يمتد بشدة ضيائه فيحرقهم ولا يعود، كما إذا أحرقت النار لم تعد.
الثاني : أنها نجوم يرجمون بها وتعود إلى أماكنها، قال ذو الرمة :
كأنه كوكب في إثر عفريةٍ | مُسَوَّمٌ في سوادِ الليل منقضبُ |
﴿ وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : يعني مقدر معلوم، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير. وإنما قيل ﴿ موزون ﴾ لأن الوزن يعرف به مقدار الشيء. قاله الشاعر :
قد كنت قبل لقائكم ذا مِرّةٍ | عندي لكل مُخاصِم ميزانُه |
الرابع : معناه معدود، قاله مجاهد.
ويحتمل خامساً : أنه ما يوزن فيه الأثمان لأنه أجل قدراً وأعم نفعاً مما لا ثمن له.
قوله تعالى :﴿ وجعلنا لكم فيها معايش ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنها الملابس، قاله الحسن.
الثاني : أنها المطاعم والمشارب التي يعيشون فيها، ومنه قول جرير :
تكلفني معيشة آل زيدٍ | ومَن لي بالمرقق والصنابِ |
﴿ ومن لستم له برازقين ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الدواب والأنعام، قاله مجاهد.
الثاني : أنها الوحوش، قاله منصور.
الثالث : العبيد والأولاد الذين قال الله فيهم ﴿ نحن نرزقهم وإياكم ﴾ [ الإسراء : ٣١ ] قاله ابن بحر.
أحدهما : يعني مفاتيحه لأن في السماء مفاتيح الأرزاق، وهو معنى قول الكلبي.
الثاني : أنها الخزائن التي هي مجتمع الأرزاق. وفيها وجهان :
أحدهما : ما كتبه الله تعالى وقدره من أرزاق عباده.
الثاني : يعني المطر المنزل من السماء، لأنه نبات كل شيء، قال الحسن : المطر خزائن كل شيء.
﴿ وما ننزله إلا بقدر معلوم ﴾ قال ابن مسعود : ما كان عامٌ بأمطر من عام ولكن الله يقسمه حيث يشاء، فيمطر قوماً ويحرم آخرين.
قوله تعالى :﴿ وأرسلنا الرياحَ لواقِحَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : لواقح السحاب حتى يمطر، قاله الحسن وقتادة، وكل الرياح لواقح. غير أن الجنوب ألقح وقد روي عن النبي ﷺ :« ما هبت ريح جنوب إلا أنبع الله تعالى بها عيناً غدقة
». الثاني : لواقح للشجر حتى يثمر، قاله ابن عباس.
وقال أبو عبيدة : لواقح بمعنى ملاقح. وقال عبيد بن عمير : يرسل الله تعالى المبشرة فتقم الأرض قمّاً، ثم يرسل المثيرة فتثير السحاب، ثم يرسل المؤلفة فتؤلفه، ثم يرسل اللواقح فتلقح الشجر.
قوله تعالى :﴿ فأنزلنا من السماء ماءً ﴾ يعني من السحاب مطراً.
﴿ فأسقيناكموه ﴾ أي مكناكم منه، والفرق بين السقي والشرب أن السقي بذل المشروب، والشرب : استعمال المشروب، فصار الساقي باذلاً، والشارب مستعملاً.
﴿ وما أنتم له بخازنين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بخازني الماء الذي أنزلناه.
الثاني : بمانعي الماء الذي أنزلناه.
قوله تعالى :﴿ ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد عَلِمنا المستأخرين ﴾ فيه ثمانية تأويلات :
أحدها : أن المستقدمين الذين خلقوا، والمستأخرين الذين لم يخلقوا، قاله عكرمة.
الثاني : المستقدمين الذين ماتوا، والمستأخرين الذين هم أحياء لم يموتوا، قاله الضحاك.
الثالث : المستقدمين أول الخلق، والمستأخرين آخر الخلق، قاله الشعبي.
الرابع : المستقدمين أول الخلق ممن تقدم على أمة محمد، والمستأخرين أمة محمد ﷺ، قاله مجاهد.
الخامس : المستقدمين في الخير، والمستأخرين في الشر، قاله قتادة.
السادس : المستقدمين في صفوف الحرب، والمستأخرين فيها، قاله سعيد بن المسيب.
السابع : المستقدمين من قتل في الجهاد، والمستأخرين من لم يقتل، قاله القرظي.
الثامن : المستقدمين في صفوف الصلاة، والمستأخرين فيها.
روى عمر بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : كانت تصلي خلف رسول الله ﷺ امرأةٌ من أحسن الناس، لا والله ما رأيت مثلها قط، فكان بعض الناس يستقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطه في الصف، فأنزل الله تعالى في شأنها هذه الآية.
أما الصلصال ففيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه الطين اليابس الذي لم تصبه نار، فإذا نقرته صل فسمعت له صلصلة، قاله ابن عباس وقتادة، ومنه قول الشاعر :
وقاعٍ ترى الصَّلصال فيه ودونه | بقايا بلالٍ بالقرى والمناكبِ |
الثاني : أنه طين خلط برمل، قاله عكرمة.
الثالث : أنه الطين المنتن، قاله مجاهد، مأخوذ من قولهم : صَلَّ اللحمُ وأصَلَّ إذا أنتن، قال الشاعر :
ذاك فتى يبذل ذا قدرِهِ | لا يفسد اللحم لديه الصلول |
وفي المسنون سبعة أقاويل :
أحدها : أن المسنون المنتن المتغير، من قولهم قد أسن الماء إذا تغير، قاله ابن عباس، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت :
سَقَتْ صدايَ رضاباً غير ذي أَسَنٍ | كالمسكِ فُتَّ على ماءٍ العناقيد |
الثالث : أن المسنون المصبوب، من قولهم سنيتُ الماء على الوجه إذا صببته عليه، قاله أبو عمرو بن العلاء، ومنه الأثر المروي عن عمر أنه كان يسن الماء على وجهه ولا يشنُّه، والشن تفريق الماء، والسن صبه.
الرابع : أن المسنون الذي يحك بعضه بعضاً، من قولهم سننت الحجر على الحجر إذا حككت أحدهما بالآخر، ومنه سمي المسَنّ لأن الحديد يسن عليه، قاله الفراء.
الخامس : أن المسنون المنسوب.
السادس : أنه الرطب، قاله ابن أبي طلحة.
السابع : أنه المخلص من قولهم سن سيفك أي اجلهُ.
قوله تعالى :﴿ والجانَّ خلقناه من قبل من نار السموم ﴾ وفي الجان ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه إبليس، قاله الحسن.
الثاني : أنهم الجن حكاه ابن شجرة.
الثالث : أنه أبو الجن قاله الكلبي فآدم أبو الإنس، والجان : أبو الجن، وإبليس أبو الشياطين.
قال ابن عباس : الجان أبو الجن وليسوا شياطين. والشياطين ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس. والجن يموتون، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر.
﴿ خلقناه من قبل ﴾ يعني من قبل آدم. قال قتادة : لأن آدم إنما خلق آخر الخلق.
وقوله تعالى :﴿ من نار السّموم ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : يعني من لهب النار، قاله ابن عباس.
الثاني : يعني من نار الشمس، قاله عمرو بن دينار.
الثالث : من حر السموم، والسموم : الريح الحارة. ذكره ابن عيسى.
الرابع : أنه نار السموم نار الصواعق بين السماء وبين حجاب دونها، قاله الكلبي وسمي سموماً لدخوله في مسام البدن.
فقال الله تعالى :﴿ فإنك من المنظرين ﴾ يعني من المؤجلين.
﴿ إلى يوم الوقت المعلوم ﴾ فلم يجبه إلى البقاء.
وفي الوقت المعلوم وجهان :
أحدهما : معلوم عند الله تعالى، مجهول عند إبليس.
الثاني : إلى يوم النفخة الأولى يموت إبليس. وبين النفخة والنفخة أربعون سنة. فتكون مدة موت إبليس أربعين سنة، وهو قول ابن عباس وسمي يوم الوقت المعلوم لموت جميع الخلائق فيه.
وليس هذا من الله تعالى إجابة لسؤاله، لأن الإجابة تكرمة، ولكن زيادة في بلائه، ويعرف أنه لا يضر بفعله غير نفسه.
وفي كلام الله تعالى له قولان :
أحدهما : أنه كلمه على لسان رسول.
الثاني : أنه كلمه تغليظاً في الوعيد لا على وجه التكرمة والتقريب.
أحدها : بما أضللتني، قاله ابن عباس.
الثاني : بما خيبتني من رحمتك.
الثالث : بما نسبتني إلى الإغواء.
ويحتمل هذا من إبليس وجهين :
أحدهما : أنه يقوله على وجه القسم وتقديره : وحق إغوائك لي.
الثاني : أنه يقوله على وجه الجزاء، وتقديره لأجل إغوائك لي.
﴿ لأزينن لهم في الأرض ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لأزينن لهم فعل المعاصي.
الثاني : لأشغلنهم بزينة الدنيا عن فعل الطاعة. ﴿ ولأغوينهم أجمعين ﴾ أي لأضلنهم عن الهدى.
﴿ إلاّ عبادك منهم المخلصين ﴾ وهم الذين أخلصوا العبادة من فساد أو رياء حكى أبو ثمامة أن الحواريين سألوا عيسى عليه السلام عن المخلص للّه، فقال : الذي يعمل لله ولا يحب أن يحمده الناس.
قوله تعالى :﴿ قال هذا صراطٌ عليَّ مستقيم ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : معناه هذا صراط يستقيم بصاحبه حتى يهجم به على الجنة، قاله عمر رضي الله عنه.
الثاني : هذا صراط إليَّ مستقيم، قاله الحسن فتكون عليَّ بمعنى إليَّ.
الثالث : أنه وعيد وتهديد، ومعناه أن طريقه إليَّ ومرجعه عليَّ، كقول القائل لمن يهدده ويوعده : عليَّ طريقك، قاله مجاهد.
الرابع : معناه هذا صراط، عليّ استقامته بالبيان والبرهان. وقيل بالتوفيق والهداية. وقرأ الحسن وابن سيرين :﴿ عليٌّ مستقيم ﴾ برفع الياء وتنوينها، ومعناه رفيع مستقيم، أي رفيع أن ينال، مستقيم أن يمال.
أحدها : بسلامة من النار، قاله القاسم ابن يحيى.
الثاني : بسلامة تصحبكم من كل آفة، قاله علي بن عيسى.
الثالث : بتحية من الله لهم، وهو معنى قول الكلبي.
﴿ آمنين ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : آمنين من الخروج منها.
الثاني : آمنين من الموت.
الثالث : آمنين من الخوف والمرض.
قوله تعالى :﴿ ونزعنا ما في صدورهم مِنْ غِلٍّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : نزعنا بالإسلام ما في صدورهم من غل الجاهلية، قاله علي بن الحسين.
الثاني : نزعنا في الآخرة ما في صدورهم من غل الدنيا، قاله الحسن، وقد رواه أبو سعيد الخدري مرفوعاً.
﴿ إخواناً عَلَى سُرُرٍ متقابلين ﴾ في السرر وجهان :
أحدهما : أنه جمع أسرة هم عليها.
الثاني : أنه جمع سرورهم فيه.
وفي ﴿ متقابلين ﴾ خمسة أوجه :
أحدها : متقابلين بالوجوه يرى بعضهم بعضاً فلا يصرف طرفه عنه تواصلاً وتحابياً، قاله مجاهد.
الثاني : متقابلين بالمحبة والمودة، لا يتفاضلون فيها ولا يختلفون، قاله علي بن عيسى.
الثالث : متقابلين في المنزلة لا يفضل بعضهم فيها على بعض لاتفاقهم على الطاعة واستهوائهم في الجزاء، قاله أبو بكر بن زياد.
الرابع : متقابلين في الزيارة والتواصل، قاله قتادة.
الخامس : متقابلين قد أقبلت عليهم الأزواج وأقبلوا عليهم بالود، حكاه القاسم.
قيل إن هذه الآية نزلت في العشرة من قريش. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير منهم.
قوله تعالى :﴿ نَبِّىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم ﴾ سبب نزولها ما روي أن النبي ﷺ خرج على أصحابه وهم يضحكون، فقال :« تضحكون وبين أيديكم الجنة والنار » فشق ذلك عليهم، فأنزل الله تعالى :﴿ نَبِّىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم ﴾
لعمرك ما أدري وأني لأوجل | على أينا تعدو المنيةُ أوّلُ |
لقوله تعالى ﴿ فضحكت فبشرناها بإسحاق ﴾.
وفي ﴿ عليم ﴾ تأويلان :
أحدهما : حليم، قاله مقاتل.
الثاني : عالم، قاله الجمهور.
فأجابهم عن هذه البشرى مستفهماً لها متعجباً منها ﴿ قال أبَشّرتموني على أن مسنيَ الكبر ﴾ أي علو السن عند الإياس من الولد.
﴿ فبم تبشرونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه قال ذلك استفهاماً لهم، هل بشروه بأمر الله؟ ليكون أسكن لنفسه.
الثاني : أنه قال ذلك تعجباً من قولهم، قاله مجاهد.
﴿ قالوا بشرناك بالحقّ ﴾ أي بالصدق، إشارة منهم إلى أنه عن الله تعالى.
﴿ فلا تكن مِنَ القانطين ﴾ أي من الآيسين من الولد.
ثم قال تعالى ﴿ إلاّ امْراَته ﴾ فكانت مستثناة من آل لوط ولاحقة بالمجرمين، لأن كل استثناء يعود إلى ما تقدمه فيخالفه في حكمه. فإن عاد إلى إثبات كان الاستثناء نفياً، وإن عاد إلى نفي كان الاستثناء إثباتاً، فصارت امرأة لوط ملحقة بالمجرمين المهلكين.
ومثال هذا في الإقرار أن يقول له : عليّ عشرة إلا سبعة إلا أربعة، فيكون عليه سبعة لأن الأربعة استثناء يرجع إلى السبعة التي قبلها، فصار الباقي منها ثلاثة. وتصير الثلاثة الباقية هي الاستثناء الراجع إلى العشرة، فيبقى منها سبعة.
وهكذا في الطلاق لو قال لزوجته : أنت طالق ثلاثاً أو اثنتين إلا واحدة طلقت ثنتين لأن الواحدة ترجع إلى الثنتين، فتبقى منها واحدة فتصير الواحدة هي القدر المستثنى من الثلاثة فيصير الباقي منها ثنتين وهكذا حكم قوله :﴿ إلا امرأته ﴾. ﴿ قدرنا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : معناه قضينا، قاله النخعي.
الثاني : معناه كتبنا، قاله علي بن عيسى.
﴿ إنها لَمِنَ الغابرين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي من الباقين في العذاب مع المجرمين.
الثاني : من الماضين بالعذاب.
أحدها : بآخر الليل، قاله الكلبي.
الثاني : ببعض الليل، قاله مقاتل.
الثالث : بظلمة الليل، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر :
ونائحةٍ تنوحُ بقطع ليلٍ | على رَجُلٍ بقارعةِ الصعيد |
﴿ أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : آخرهم.
الثاني : أصلهم.
﴿ مقطوع مصبحين ﴾ أي يستأصلون بالعذاب عند الصباح.
أحدها : معناه وعيشك، وهذا مروي عن ابن عباس.
الثاني : معناه وعملك، قاله قتادة.
الثالث : معناه وحياتك، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً وقال : ما أقسم الله تعالى بحياة غيره.
الرابع : وحقك، يعني الواجب على أمتك، والعمر الحق، ومنه قولهم : لعمر الله، أي وحق الله. وفي ﴿ سكرتهم ﴾ وجهان :
أحدهما : في ضلالتهم، قاله قتادة.
الثاني : في غفلتهم، قاله الأعمش.
وفي ﴿ يعمهون ﴾ أربعة أوجه :
أحدها : معناه يترددون، قاله ابن عباس ومجاهد وأبو العالية وأبو مالك.
الثاني : يتمارون، قاله السدي.
الثالث : يلعبون، قاله الأعمش.
الرابع : يمنعون، قاله الكلبي.
أحدها : للمتفرسين، قاله مجاهد. وروي عن النبي ﷺ أنه قال :« اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله » ثم تلا هذه الآية...
الثاني : للمعتبرين، قاله قتادة.
الثالث : للمتفكرين، قاله ابن زيد.
الرابع : للناظرين، قاله الضحاك. قال زهير بن أبي سلمى :
وفيهن ملهى للصديق ومنظر | أنيقٌ لعَيْنِ الناظر المتوسم |
إني توسمت فيك الخير أعرِفُه | والله يعلم أني ثابت البصر |
أحدهما : لهلاك دائم، قاله ابن عباس.
الثاني : لبطريق معلم، قاله مجاهد. يعني بقوله ﴿ وإنما ﴾ أهل مدائن قوم لوط وأصحاب الأيكة قوم شعيب.
وفي ﴿ الأيكة ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الغيضة، قاله مجاهد.
الثاني : أنه االشجر الملتف، وكان أكثر شجرهم الدوم وهو المقل، وهذا قول ابن جرير، ومنه قول النابغة الذبياني :
تجلو بِقادِمَتَي حمامةِ أيكة | بَرَداص أُسفَّ لثاثُهُ الإثمدِ |
قوله تعالى :﴿ فانتقمنا منهم وإنهما لبإمامٍ مبينٍ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : لبطريق واضح، قاله قتادة. وقيل للطريق إمام لأن المسافر يأتم به حتى يصل إلى مقصده.
الثاني : لفي كتاب مستبين، قاله السدي. وإنما سمي الكتاب إماماً لتقدمه على سائر الكتب، وقال مؤرج : هو الكتاب بلغة حِمْيَر.
ويعني بقوله ﴿ وإنهما ﴾ أصحاب الأيكة وقوم لوط.
أحدها : أنه الوادي، قاله قتادة.
الثاني : أنها مدينة ثمود، قاله ابن شهاب.
الثالث : ما حكاه ابن جرير أن الحجر أرض بين الحجاز والشام.
وروى جابر بن عبدالله أن النبي ﷺ مرّ في غزاة تبوك بالحجر، فقال :« هؤلاء قوم صالح أهلكهم الله إلاّ رجلاً كان في حَرَم الله، منعه حرمُ الله من عذاب الله ». قيل : يا رسول الله من هو؟ قال :« أبو رغال
». قوله تعالى :﴿ وكانوا ينحتون مِنَ الجبال بيوتاً آمنين ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : آمنين أن تسقط عليهم.
الثاني : آمنين من الخراب.
الثالث : آمنين من العذاب.
الرابع : آمنين من الموت.
أحدها : أنه الإعراض من غير جزع.
الثاني : أنه صفح المنكر عليهم بكفرهم، المقيم على وعظهم، قاله ابن بحر.
الثالث : أنه العفو عنهم بغير توبيخ ولا تعنيف.
الرابع : أنه الرضا بغير عتاب، قاله علي بن أبي طالب.
وفيه قولان :
أحدهما : أنه أمر بالصفح عنهم في حق الله تعالى، ثم نسخ بالسيف، فقال لهم النبي ﷺ بعد ذلك، « لقد أتيتكم بالذبح، وبعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة » قاله عكرمة ومجاهد.
الثاني : أنه أمره بالصفح في حق نفسه فيما بينه وبينهم، قاله الحسن.
أحدها : أن السبع المثاني هي الفاتحة، سميت بذلك لأنها تثنى كلما قرىء القرآن وصُلّي، قاله الربيع بن أنس وأبو العالية والحسن. وقيل : لأنها يثني فيها الرحمن الرحيم، ومنه قول الشاعر :
نشدتكم بمنزل القرآن | أمّ الكتاب السّبع من مثاني |
ثُنِّين مِن آيٍ مِن القرآن | والسبع سبع الطول الدواني |
قال ابن عباس : سميت المثاني لما تردد فيها من الأخبار والأمثال والعبر وقيل : لأنها قد تجاوزت المائة الأولى إلى المائة الثانية. قال جرير :
جزى الله الفرزدق حين يمسي | مضيعاً للمفصل والمثاني |
فقد كان نوراً ساطعاً يهتدى به | يخص بتنزيل المثاني المعظم |
الخامس : أنه سبع كرامات أكرمه الله بها، أولها الهدى ثم النبوة، ثم الرحمةِ ثم الشفقة ثم المودة ثم الألفة ثم السكينة وضم إليها القرآن العظيم، قاله جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما.
قوله تعالى :﴿ لا تمدن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجاً منهم ﴾ يعني ما متعناهم به من الأموال.
وفي قوله :﴿ أزواجاً منهم ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم الأشباه، قاله مجاهد.
الثاني : أنهم الأصناف قاله أبو بكر بن زياد.
الثالث : أنهم الأغنياء، قاله ابن أبي نجيح.
﴿ ولا تحزن عليهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا تحزن عليهم بما أنعمت عليهم في دنياهم.
الثاني : لا تحزن بما يصيرون إليه من كفرهم.
﴿ واخفض جناحك للمؤمنين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : اخضع لهم، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : معناه أَلِنْ جانبك لهم، قال الشاعر :
وحسبك فتيةٌ لزعيم قومٍ | يمدّ على أخي سُقْم جَناحا |
أحدها : أنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى اقتسموا القرآن فجعلوه أعضاءً أي أجزاءً فآمنوا ببعض منها وكفروا ببعض، قاله ابن عباس.
الثاني : أنهم أهل الكتاب اقتسموا القرآن استهزاءً به، فقال بعضهم : هذه السورة لي، وهذه السورة لك، فسموا مقتسمين، قاله عكرمة.
الثالث : أنهم أهل الكتاب اقتسموا كتبهم، فآمن بعضهم ببعضها، وآمن آخرون منهم بما كفر به غيرهم وكفروا بما آمن به غيرهم، فسماهم الله تعالى مقتسمين، قاله مجاهد.
الرابع : أنهم قوم صالح تقاسموا على قتله، فسموا مقتسمين، كما قال تعالى ﴿ قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ﴾ [ النمل : ٤٩ ] قاله ابن زيد.
الخامس : أنهم قوم من كفار قريش اقتسموا طرق مكة ليتلقوا الواردين إليها من القبائل فينفروهم عن رسول الله ﷺ بأنه ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون، حتى لا يؤمنوا به، فأنزل الله تعالى عليهم عذاباً فأهلكهم، قاله الفراء.
السادس : أنهم قوم من كفار قريش قسموا كتاب الله، فجعلوا بعضه شعراً وبعضه كهانة وبعضه أساطير الأولين، قاله قتادة.
السابع : أنهم قوم أقسموا أيماناً تحالفوا عليها، قاله الأخفش.
وقيل إنهم العاص بن وائل وعبتة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث، وأمية بن خلف ومنبه بن الحجاج.
قوله تعالى :﴿ الذين جعلوا القرآن عضين ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يعني فرقاً، فجعلوا بعضه شعراً، وبعضه سحراً، وبعضه كهانة، وبعضه أساطير الأولين، فجعلوه أعضاء كما يعضّى الجزور و ﴿ عضين ﴾ جمع عضو، مأخوذ من عضَّيت الشيء تعضية إذا فرقته كما قال رؤبة بن العجاج :
وليس دينُ الله بالمعضى | يعني بالمفرَّق، قاله ابن عباس والضحاك. |
إن العضيهة ليستْ فعل أحرار... الثالث : أن العضين المستهزئون، لأنه لما ذكر في القرآن البعوض والذباب والنمل والعنكبوت قال أحدهم : أنا صاحب البعوض، وقال آخر : أنا صاحب الذباب وقال آخر : أنا صاحب النمل. وقال آخر : أنا صاحب العنكبوت، استهزاء منهم بالقرآن، قاله الشعبي والسدي.
الرابع : أنه عنى بالعضه السحر، لأنهم جعلوا القرآن سحراً، قاله مجاهد، قال الشاعر :
لك من عضائهن زمزمة... يعني من سحرهن. وقال عكرمة : العضه السحر بلسان قريش يقولون للساحرة العاضهة، ومنه ما روي عن النبي ﷺ أنه لعن العاضهة والمستعضهه، يعني الساحرة والمستسحرة.
وفي اشتقاق العضين وجهان :
أحدهما : أنه مشتق من الأعضاء، وهو قول عبيدة.
الثاني : أنه مشتق من العضه وهو السحر، وهو قول الفراء.
قوله تعالى :﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني عما كانوا يعبدون، قاله أبو العالية.
الثاني : عما كانوا يعبدون، وماذا أجابوا المرسلين، رواه الربيع بن أنس.
أحدها : فامضِ بما تؤمر، قاله ابن عباس.
الثاني : معناه فاظهر بما تُؤمر، قاله الكلبي. قال الشاعر :
ومَن صادعٌ بالحق يعدك ناطقٌ | بتقوى ومَن إن قيل بالجوْر عيّرا |
الرابع : يعني أعلن بما يوحى إليك حتى تبلغهم، قاله ابن زيد.
الخامس : معناه افرق بين الحق والباطل، قاله ابن عيسى.
السادس : معناه فرق القول فيهم مجتمعين وفرادى، حكاه النقاش.
وقال رؤية : ما في القرآن أعْرَبُ من قوله ﴿ فاصدع بما تؤمر ﴾ ﴿ وأعرض عن الجاهلين ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه منسوخ بقوله تعالى ﴿ فاقتلوا المشركين ﴾ [ التوبة : ٥ ] قاله ابن عباس.
الثاني : أعرض عن الاهتمام باستهزائهم.
الثالث : معناه بالاستهانة بهم، قاله ابن بحر.
ثم فيه وجهان :
أحدهما : اصدع الحق بما تؤمر من اظهاره.
الثاني : اصدع الباطل بما تؤمر من إبطاله.
قوله تعالى :﴿ إنّا كفيناكَ المستهزئينَ ﴾ وهم خمسة : الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأبو زمعة، والأسود بن عبد يغوث، والحراث بن الطلاطلة. أهلكهم الله جميعاً قبل بدر لاتسهزائهم برسول الله ﷺ.
وسبب هلاكهم ما حكاه مقسم وقتادة أن الوليد بن المغيرة ارتدى فعلق سهم بردائه، فذهب فجلس فقطع أكحله فنزف فمات. وأما العاص بن وائل فوطىء على شوكة، فتساقط لحمه عن عظامه، فمات، وأما أبو زمعة فعمى. وأما الأسود بن عبد يغوث فإنه أتى بغصن شوك فأصاب عينيه، فسالت حدقتاه على وجهه، فكان يقول :[ دعا ] عليّ محمد فاستجيب له، ودعوت عليه فاستجيب لي، دعا عليّ أن أعمى فعميت، ودعوت عليه أن يكون طريداً بيثرب، فكان كذلك، وأما الحارث بن الطلاطلة فإنه استسقى بطنه، وكان رسول الله ﷺ قال لجبريل [ حين ] نزل عليه بقوله تعالى :﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾ « دع لي خالي » يعني الأسود بن الطلاطلة فقال له : كفيت.
قوله تعالى :﴿ ولقد نعلم أنّك يضيق صدرك ﴾ أي قلبك لأن الصدر محل القلب.
﴿ بما يقولون ﴾ يعني من الاستهزاء، وقيل من الكذب بالحق.
﴿ فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الخاضعين.
الثاني : المصلين.
﴿ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الحق الذي لا ريب فيه من نصرك على أعدائك، قاله شجرة.
الثاني : الموت الذي لا محيد عنه، قاله الحسن ومجاهد وقتادة.