[ و١ ] هي مكية٢ :
٢ انظر: القول بمكية السورة في معاني ٣/١٧١ والناسخ والمنسوخ للنحاس ٢١٣، والمحرر ١٠//١٠٧، والإتقان ١/٩، والدر ٥/٦١ والتحرير ١٤/٥ وحكى الاتفاق عليه. لكن هناك من يستثنى الآية ﴿ولقد آتيناك سبعا من المثاني﴾ وحكي عن الحسن. انظر مجمع البيان ٦/٥٠١ والإتقان ١/١٥ ويضيف السيوطي أنه ينبغي استثناء "ولقد علمنا المستقدمين" الآية والتحرير ١٤/٥ ولا يصححه. .
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحجر [و] هي مكيةقوله: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ﴾ إلى قوله ﴿وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾.
قد تقدم ذكر ﴿الر﴾ وشبهها. والمعنى: هذه تلك، أي: هذه الآيات ﴿آيَاتُ الكتاب﴾ أي: آيات الكتب التي كانت قبل القرآن كالتوراة والإنجيل. قالـ[ـه]: مجاهد وقتادة.
ثم قال تعالى: ﴿رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ﴾.
أصل " رب " أن تدخل على النكرات، وأن تكون في صدر الكلام لمضارعتها " كم ". لأنها للتقليل كما أن " كم " للتكثير ولمضارعتها " لا " لأنها للتقليل، والتقليل أقرب شيء من النفي. ومن أجل كونها للتقليل لزمتها النكرة.
وموضع " رب " وما عملت فيه، نصب [يتعدى] الفعل الذي بعدها، كما تقول: مررت بزيد: فزيد في موضع نصب. ولذلك لم يؤت لها بخبر، كما يأتي لكم. والفعل: الذي يتعلق به محذوف - وربما ظهر - وكل حرف جر فإنما يتعلق بما/ قبله إلا رب فإنها [تـ]ـتعلق بما بعدها لأن لها صدر الكلام.
وإذا دخلت عليها " ما " كفتها عن العمل ووقعت الأفعال الماضية بعدها،
فإن وقع بعدها مستقبل فعلى إضمار " كان " تقول: ربما يقوم زيد. تقديره ربما: كان يقوم زيد.
فأما قوله تعالى: ﴿رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ﴾ وإنما جاز وقوع المستقبل بعدها في هذه [الآية] لأنه أمر واقع لا محالة، فصار بمنزلة الماضي الذي [قد] كان [ووقع]. فإن قلت " رب رجل سيقوم " أو " ليقومن " لم يجز إلا أن تريد أنه يوصف بذلك.
وإذا اتصل بربما مجهول انتصب ما بعدها على التفسير. ولا يثنى ذلك
والمضمر الذي يتصل برب في تأويل نكرة ولفظه لفظ معرفة. وإنما كان نكرة لأنك لم تقصد به إلى مذكور بعينه تقدم ذكره، وإنما أظهر على شريطة التفسير بعده.
ولا موضع " لما " في ربما لأنها زائدة. وأجاز الأخفش أن تكون " ما " نكرة في موضع خفض " برب " كأنه قال: ورب شيء، أو: رب: وَدَّ.
ومعنى الآية: ربما تمنى الذين كفروا لو كانوا في الدنيا مسلمين. وذلك في قول: ابن عباس، وأنس، حين يرى المشركون المسلمين من أهل الخطايا يخرجون من النار بإيمانهم. فيود عند ذلك المشركون لو كانوا مسلمين فيخرجون كما خرج هؤلاء
فيغضب الله تعالى للمسلمين فيخرجهم بفضل رحمته فيقول المشركون عند ذلك ليتنا كنا مسلمين.
وفي حديث ابن وهب: "... فيغضب الله لهم فيقول للملائكة والنبيين: اشفعوا، قال: فيشفعون لهم. فيخرجون حتى إنَّ إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج معهم ".
وقال مجاهد عن ابن عباس: يدخل الله المؤمنين الجنة حتى يقول في آخر ذلك: من كان مسلماً فليدخل الجنة. فعند ذلك يتمنى المشركون لو كانوا مسلمين.
وقيل: إن ذلك يكون من الكافر إذا عاين القيامة.
وقيل: يكون منه ذلك التمني إذا عاين الموت.
معنى ذلك: التهديد والوعيد للمشركين.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ﴾.
أي: ما أهلكنا من أهل قرية من الأمم الماضية، إلا ولها أجل مؤقت و/ مدة [معلومة] لا يهلكهم الله حتى يبلغوها. وكذلك أهل قريتك يا محمد، وهي مكة، لا يهلكهم الله حتى يبلغوها. أي: بعد بلوغهم مدتهم لا يتقدمون عن ذلك ولا يستأخرون.
وقال بعض أهل المعاني: " سبقت " و " استأخرت " مع الأشخاص معناها: غير معناها مع غير الأشخاص.
تقول: سبقت فلان [اً] تجاوزته. واستأخرت عنه فأتى، وتأخرت عنه.
وتقول: سبقت الهلاك: قصرت عن بلوغه. واستأخرت الهلال
فمعنى [قوله] ﴿مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا﴾ لا تقصر عنه. ومعنى " وما يستأخرون " لا يتجاوزونه فيزيدون عليه.
روى ابن مسعود أن النبي ﷺ [ قال: " أن] خلق أحدكم يجمع في بطن أمه في أربعين ليلة. ثم يكون عقله مثل ذلك. ثم يكون مضغة مثل ذلك. ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات. فيكتب أجله، وعمله، ورزقه، وشقي [هو] أو سعيد. ثم ينفخ فيه الروح. فإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى لا يكون بينه وبين [الجنة] إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها.
قوله: ﴿وَقَالُواْ يا أيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر﴾.
معناه: وقال هؤلاء المشركون، لك يا محمد، يا أيها الذي نزل عليه القرآن، إنك لمجنون في دعائك إيانا إلى أن نتبعك وندع آلهتنا.
ثم حكى [الله] عنهم: أنهم قالوا: ﴿لَّوْ مَا تَأْتِينَا بالملائكة﴾. أي: هلا [تأتينا] بالملائكة تشهد لم بالصدق فيما جئتنا [به] إن كنت من الصادقين فيما جئتنا به. قال الله لمحمد [عليه السلام]. قل لهم: ﴿مَا نُنَزِّلُ الملائكة إِلاَّ بالحق﴾ أي: بالرسالة للرسل أي:
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ﴾.
أي: لو أنزلنا إليهم الملائكة فكفروا لم ينظروا ولم تقبل لهم توبة، كما فعل ذلك بمن سأل من الأمم الماضية الآيات فكفروا عند إتيانها إليهم فلم ينظروا.
وقال ابن جريج جواب ﴿لَّوْ مَا تَأْتِينَا بالملائكة﴾ في قوله: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السماء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾ [الحجر: ١٤].
أي: نزلنا القرآن وإنا له لحافظون أن يزاد فيه باطل وما ليس منه، أو ينقص منه
والمعنى ولقد أرسلنا من قبلك يا محمد رسلاً في أمم الأولين. وفي فرق الأولين. وواحد الشيع شيعة. و " رسلاً " / محذوف دل عليه أرسلنا.
أي: وما يأتي [من رسول إلى الأمم الماضية فيدعوهم إلى الله {إِلاَّ كَانُواْ بِهِ
بمعنى: كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأولين والاستهزاء بالرسل، كذلك نسلك ذلك في قلوب مشركي قومك. فالهاء في " نسلكه " تعود على التكذيب أو على الاستهزاء.
والمعنى: كذلك ندخل الكفر والتكذيب في قلوب المجرمين لما علم الله من سوء اختبارهم وقبيح اعتقادهم. وقيل: الهاء تعود على الشرك. وقيل: على القرآن لأن النبي ﷺ كان يقرؤه عليهم. ومعنى نسلكه: نجعله.
قوله: ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ أي: لا يصدقون بالذكر الذي أنزلناه إليك.
﴿وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين﴾ وقد خلت وقائع الله [ تعالى] بمن خلا قبلهم من
وقيل: المعنى وقد تقدمت سنة الأولين في التكذيب بالآيات فهم يقتفون آثارهم.
قال تعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السماء﴾ الآية.
أي: لو فتحنا على هؤلاء الذين تقدم ذكرهم وقالوا لو ما تأتينا بالملائكة، باباً من السماء فظلت الملائكة تعرج فيه وهم يرونهم بأعيانهم ﴿لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾.
قال ابن عباس وقتادة. ومعنى يعرجون: يجيئون ويذهبون. ومعنى سكرت أبصارنا: أخذ بها وشبه علينا.
وروي عن الحسن وقتادة أنهما قالا: " فظلوا فيه " يعني بني آدم الذين سألوا
وتحقيق معنى " سكرت ": غشيت وغطيت، قاله: ابن عمر. ومن خفف " سُكِرَت " فمعناه حبست، يقال: سَكَرَت الريحُ إذا سَكَنَتْ. وقيل: هو مأخوذ من: سكر الشراب، ومعناه: قد غشي أبصارنا مثل السكر، وهو تفسير ابن عمرو بن العلاء. ومن شدده فمعناه [عنده]: سدت، وهو قول قتادة والضحاك. وقال
قوله: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السماء بُرُوجاً﴾ الآية.
أي: حفظنا السماء / من كل شيطان ملعون. وقيل: رجيم هنا بمعنى، مرجوم، أي: مرجوم بالكواكب.
قال ابن عباس: تصعد الشياطين أفواجاً تسترق السمع فيقرب المارد منها فيتعلق فيرمى بالشهاب فيصيب جبهته أو جبينه أو ما شاء الله منه فيلتهب. فيأتي
وكان ابن عباس يقول: إِنّ الشهاب لا يقتل ولكن يحرق ويجرح.
قوله: ﴿والأرض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾.
والمعنى: والأرض مددناها فبسطناها، لأنه قال: في موضع آخر ﴿والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ [النازعات: ٣٠]. ومن تحت [ال] بيت الحرام دحيت
وقال ابن عباس " موزون " معلوم. وقال مجاهد: مقدر، أي: لا يزيد على قدرة الله ولا ينقص كأنه موزون. وقال عكرمة: مقدور.
أي: جعلنا لكم في الأرض معايش وجعلنا لكم من لستم له برازقين يعني الإِماءَ والعبيد. فيكون " من " في موضع نصب عطف على المعايش.
وقيل: ﴿وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ يعني: به الدواب والأنعام، وهو قوله مجاهد.
وقيل: عني به الوحش. و " من " لما لا يعقل أيضاً.
وقيل: " من " في موضع نصب عطف على معنى ﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ﴾ لأن معناه: أنعشناكم " ومن لستم " أي: وأنعشنا من لستم له برازقين.
وقيل: هي في موضع خفض عطف على لكم، وهو مذهب الكوفيين، ولا يجيزه البصريون.
وقيل: معنى ﴿وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ يراد به: العبيد والاماء والدواب والوحش، فلما اجتمع من يعقل، وما لا يعقل، غلب من يعقل فأتى بمن. وهذا القول: حسن، ويكون " من " في موضع نصب حملاً على المعنى على ما تقدم.
وقيل: المعنى جعلنا لكم في الأرض معايش بزرعها وثمارها، وجعلنا لكم فيها من لستم له برازقين، يعني: البهائم التي تؤكل لحمها ويعاش منها، ويعني: ما ينتفع به
قال تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ﴾ الآية والمعنى: وما شيء من الأمطار إلا عندنا خزائنه. ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ﴾ يعني: المطر ﴿إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ أي: ينزل إلى كل أرض حقها الذي قدر الله لها. وليس أرض أكثر من أرض ولا عام أكثر مطراً من عام، ولكن الله يقسمه كيف يشاء، عاماً هنا وعاماً هنا. ويمطر قوماً ويحرم قواماً، وربما كان في البحر. وروي أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم يحضرون كل قطرة حيث تقع وما تنبت.
وقيل: معنى " عندنا خزائنه " أي: نملكه ونقدر عليه ونصرفه حيث
قال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ﴾.
[أي: وأرسلنا الرياح] تلقح الشجر والسحاب. وكان الأصل أن يجمع على ملاقح، لأنه جمع ملقحة، من: القحت الريح الشجر. فاللاقح هي الشجر والسحاب كما يقال: ناقة لاقح. والملقح هي الريح، ولكن جمع على حذف الزيادة، فكأنه جمع لاقحاً. وأكثر ما يقع حذف الزيادة في الشعر.
وقال بعض الطوفيين: وصفت الريح باللقح وهي تلقح، كما يقال: ليل نائم، وإنما النوم فيه.
وقيل: لما كانت الريح تلقح بمرورها على التراب والماء، قيل لها: ريح لاقح، كما يقال: ناقة لاقح.
وقيل: لواقح جمع لاقح، أي حامل. سميت الريح لاقحاً لأنها تلقح السحاب، والعرب تقول: للجنوب لاقح وحامل وللشمال حائل وعقيم، وقد قال الله تعالى ﴿ وحتى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً﴾ [الأعراف: ٥٧]. وأقلت: معناه: حملت.
فأما من وحد الريح، ووصفه بلواقح فهو حسن لأنه موحد يراد الجمع، قال الله [تعالى] ﴿والملك على أَرْجَآئِهَآ﴾ [الحاقة: ١٧] يريد " والملائكة ".
وقال النخعي والحسن: لواقح تلقح السحاب.
وقال عبيد بن عمير: يبعث الله الريح المبشرة فَتَقُمُّ الأرض قماً، ثم يبعث المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث المُؤَلَّفَةَ فتؤلف السحاب ثم يبعث اللقوح فتلقح الشجر.
وقال النبي ﷺ: " الريح الجنوب من الجنة وهي الريح اللواقح. وهي التي ذكر الله في كتابه، وفيها منافع للناس ".
وقيل: الريح اللاقح، هي: التي تحمل الندى، ثم تمجه في ماء السحاب. فإذا اجتمع فيه صار مطراً بإذن الله [ تعالى]، ويسبب تلقيحها السحاب تلقح الأشجار.
وال [ل] واقح في جميع ذلك بمعنى ملاقح، لأنه من القحت الريح
ثم قال تعالى: ﴿فَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَاءً﴾.
أي مطراً ﴿فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ أي أسقينا به أرضكم ومواشيكم. ولو كان لشربهم لقال: " فسقيناكموه ". تقول [العرب] إذا سقت الرجل ماء فشربه: سقيته، فإن كان لشرب أرضه وماشيته قالوا: [أ] سقيته. وكذلك [ان] أ [ست] سقيت له غيرك أن يسقيه قلت " اسقيته.
أي: لستم تخزنون هذا الماء فتمنعونه من أحد، بل ذلك بيد الله يسقيه من يشاء ويمنعه ممن يشاء. وقال سفيان: " بخازنين " بما نعين.
أي: نرث الأرض ومن عليها بأن نميت جميعهم.
قال عكرمة: المستقدمين من خلق الله إلى اليوم. والمستأخرين من لم يخلق بعد. وكذلك روي عن قتادة ومجاهد: وقال ابن عباس والضحاك وابن زيد: المستقدمين
وقيل معناه: أو [ل] الخلق وآخره.
وقيل: معناه: ولقد علمنا المستقدمين من الأمم والمستأخرين [من] أمة محمد [ ﷺ]. روي ذلك عن مجاهد أيضاً.
وقال الحسن معناه: المستقدمين في الخير والطاعة والمستأخرين في المعصية.
وعن ابن عباس أن معناه: المستقدمين في الصفوف في الصلاة والمستأخرين، قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله ﷺ، قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط. قال: فكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا، وبعضهم يستأخ [رون] فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم فأنزل الله الآية. وعن ابن عباس المستقدمين
والاختيار قول من قال أريد به من مات ومن بقي حياً، ودليل ذلك قوله بعد [هـ]: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ﴾.
وعن عكرمة: المستقدمين من خرج، والمستأخرين من لم يخرج. وقال مجاهد: علم المستقدمين من الأمم والمستأخرين وهم أمة محمد ﷺ.
أي: يحشر الأول والآخر فيجمعهم يوم القيامة. إنه حكيم في تدبيره، عليم بعدد خلقه وأعمالهم.
الإنسان هنا آدم [ ﷺ]. [ و] الصلصال الطين اليابس الذي لم تأخذه نار، فإذا نقر صلصل، أي: صوت.
وقال ابن عباس خلق [الله] آدم [ ﷺ] من ثلاثة: من صلصال، ومن حمأ، ومن طين لازب. [فاللازب] اللاصق، والحمأ الحمأة، والصلصال التراب المدقق. وسمي إنساناً لأنه عهد إليه فنسي.
وقال قتادة: الصلصال التراب اليابس الذي يسمع له صلصة.
وقال مجاهد: / الصلصال المنتن. أخذ من صل اللحم [واصل] إذا انتن، وأصله على هذا [القول]: " صلال "، ثم أبدل من اللام الثانية صاد. وهذا التأويل ينقصه قوله: ﴿خَلَقَ الإنسان مِن صَلْصَالٍ كالفخار﴾ [الرحمان: ١٤] فشبه [هـ] بالفخار، والفخار ليس بمنتن. لكن قوله: ﴿مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾ يريد كونه متغير [اللون و] الرائحة. لأن الحمأ متغير الرائحة، دليل [هـ] قوله: " مسنون ". والمسنون عند ابن عباس المتغير الرائحة، وكذلك قال مجاهد، وهو قول: أبي عمرو [و] الكسائي. وقال غيرهم: مسنون
وقال أبو عبيدة: يقال للطين: صلصال، ما لم تأخذه النار. فإذا أخذته فهو فخار. وكل شيء له صوت، سوى الطين، فهو صلصال.
و" الحمأ " جمع حمأة وهو الطين الم [ت] غير إلى السواد. و " المسنون " المنتن
وقال أبو عبيدة: المسنون: المصبوب. يقا [ل] سننت الشيء إذا صببته. وسننت الماء على وجهه: صببته. وعن ابن عباس: المسنون الرطب. فهذا يوافق قول أبي عبيدة، لأنه لا يكون مصبوباً حتى يكون رطباً.
وقال الفراء: المسنون المحكوك من سننت الحديد. ولا يكون على هذا إلا متغيراً.
وقيل: المسنون المصبوب على مثال وهيئة، من سننت الوجه.
ثم قال [تعالى]: ﴿والجآن خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السموم﴾.
وقال الضحاك: معناه: من لهب من نار السموم. والعرب تستعمل السموم بالليل والنهار.
وقيل: [إن] السموم إنما يكون بالليل والحرور بالنهار.
[و] قال ابن مسعود: نار السموم التي خلق الله [ تعالى] منها الجان. والسموم الشديد والحر، جزء من سبعين جزءاً من نار السموم التي الله
وفي حديث عن النبي ﷺ: " نار السموم جزء من سبعين جزآ من جهنم ".
قال الضحاك: ﴿مِن نَّارِ السموم﴾ من لهب النار.
ويروى أن الله جلّ ذكره: خلق نارين، ناراً فيها السموم وناراً ليس فيها السموم. فمزج واحدة في الأخرى، فأكلت النار التي فيها السموم، النار الأخر [ى] فخلق إبليس منها. قال الحسن: نار السموم، نار دونها حجاب، والذي تسمعونه من الصواعق من انغطاط الحجاب.
والسموم في الأصل: الريح الحارة.
وقال وهب بن منبه: الجن أجناس: منهم من يأكل ويشرب وينكح، وأما
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ﴾.
أي: واذكر يا محمد، إذ قال ربك هذا. قال ابن عباس لما خلق الله [ تعالى] الملائكة قال: إني خالق بشراً من طين فإذا خلقته وصار حياً فاسجدوا، وهذا السجود سجود تكرمة وتحية لا سجود عبادة.
وقوله: ﴿مِن رُّوحِي﴾.
قال الضحاك: من قدرتي، وتحقيق الأمر أنه إضاف [هـ] خلق إلى خالق، فالروح خلق الله [سبحانه]، إضافة إلى نفسه، لأنه اخترعه وخلقه. كما يقال: خلق [الله] وأرض الله، وسماء / الله، وهو كثير. هذا قول أهل المعرفة بالمعاني
" فلما خلقه الله [ تعالى] أبوا أن يسجدوا، فأرسل عليهم نار [اً] فأحرقتهم، ثم خلق ملائكة، وقال لهم مثل ذلك، فقالوا: سمعنا وأطعنا، إلا إبليس كان من الكافرين، أي: من الأولين الذين امتنعوا من السجود.
وقيل: كان من الكافرين في اللوح المحفوظ. فعلى هذا القول: يكون قوله: " إلا إبليس " استثناء من الجنس.
وقال أبو إسحاق: إنه استثناء ليس من الأول. فجعل إبليس: ليس من الملائكة.
فلما امتنع من السجود قال له الله: ما منعك أن تكون من الساجدين؟ قال إبليس تكبراً وتجبراً وحسداً لآدم: ﴿لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾، أي: أنا خير منه، لأنك خلقته من طين وخلقتني من نار. والنار تأكل الطين فلا أسجد له.
﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعنة﴾ أي: الغضب ﴿إلى يَوْمِ الدين﴾ أي: يوم الجزاء وهو يوم القيامة. قال إبليس: رب إذا أخرجتني من السماوات ولعنتني ﴿فَأَنظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ أي: أخرني ولا تمتني، إلى يوم يبعث ولد هذا الذي فضلت علي، قال الله [ تعالى] ﴿ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين﴾ أي: من المؤخرين فلا تموت إلى يوم الوقت المعلوم أي: [يوم] هلاك جميع الخلق.
معناه: قال إبليس يا رب [بما] خيبتني من رحمتك لأزينن لولد آدم ﴿وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين﴾. يقال أغويته إذا خيبته ومنه قول الشاعر:
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره | ومن يغو لا يعدم على الغي لائما |
وقيل: التقدير: بالذي أغويتني. وقيل: معناه: بإغوائك إياي.
ومعنى ﴿لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرض﴾ لأحسنن لهم المعاصي ولأحببنها إليهم في الأرض ﴿وَلأُغْوِيَنَّهُمْ﴾ أي: لاضلنهم عن سبيلك إلا من أخلصته بتوفيقك
فهذا على قراءة من فتح اللام في " المخلَصين "، فأما من كسرها فمعناه: إلا من أخلص طاعتك بتوفيقك إياه إلى ذلك فلا سبيل [لي] عليه. قال الضحاك: هم المؤمنون لا سبيل له عليهم.
[أي]: هذا طريق مرجعه إليّ فأجازي كلاً بأعمالهم، لقوله ﴿إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد﴾ [الفجر: ١٤] وهذا تهديد ووعيد بمنزلة قول الرجل لمن يتواعده: طريقك [هذا] علي. هذا قول
وقرأ ابن سيرين، وقيس بن عباد، وقتادة، ومجاهد وعباد ويعقوب والحسن: ﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ جعلوه من العلو أي هذا صراط رفيع.
قال [تعالى] ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾.
وقوله: ﴿إِلاَّ مَنِ اتبعك﴾.
أي: قبل دعوتك فإنه ﴿مِنَ الغاوين﴾ [أي: من الظالمين] وأنَّ جهنم لموعد من اتبعك أجميعن. ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ﴾ أي سبعة أطباق، طبق تحت طبق، لكل طبق منهم، أي: من اتباع إبليس ﴿جُزْءٌ مَّقْسُومٌ﴾ أي: تصيب مقسوم.
وقيل: معناه لكل جنس منهم من العذاب على قدر منزلته من الذنوب.
وقال علي بن أبي طالب: [Bهـ: عدد] أبواب جهنم سبعة، بعضها فوق بعض فيمتلئ الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، حتى تملأ كلها وهو قول: عكرمة وقتادة.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: " لجهنم سبعة أبواب، باب منها لمن سل سيفه على
وقال ابن جريج: ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ﴾ أي: أطباق، أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية، والجحيم: فيها أبو جهل.
قال الربيع بن أنس: أما الهاوية فلا يخرج منها شيء دخلها أبداً، إنما تهوي [به] أبداً، [هي] دار آل فرعون، والكفار، وكل جبار عنيد.
قال عكرمة: على كل باب [منها سبعون ألف سرادق من نار، في كل سرادق منها سبعون ألف قبة من نار في كل قبة منها] سبعون ألف تنور من نار. لكل نار
[المؤمنون: ٧٧].
قال وهب بن منبه: عن ابن عباس، أو عن كعب: " كل باب أسفل من صاحبه أشد حراً من الباب الذي فوقه بسبعين ضعفاً. فالبا [ب] الأول أهونها حراً، ولو أن رجلاً في المشرق وكشف / عن جهنم بالمغرب لسال دماغه من حرها من منخريه. وأول أبوابها: جهنم في [هـ] أهل الذنوب والمعاصي من أهل القبلة من مات منهم مقيماً على الكبائر غير تائب، من شاء الله إدخاله النار بكبائره منهم. والباب الذي يليه: لظى. والباب الثالث: الحطمة. والرابع: السعير، والخامس سقر، والسادس: الجحيم، والسابع: الهاوية. وبين [كل بابين] مسيرة سبعين سنة.
﴿لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ﴾ يعني من الجن والإنس. وأصل ليس، عند سيبويه
وقال الزجاج: لم يتصرف لأنها تنفي المستقبل والحال والماضي، فلم يحتج فيها إلى تصرف.
وقال محمد بن الوليد لم يتصرف لمضارعتها " ما ".
وقال أبو غانم: لم يتصرف لأنها نعت. وحق الأفعال أن تنفى ولا تنفي وإنما النفي للحروف فلما خرجت عن بابها إلى باب الحرف منعت التصرف كما منعه الحرف.
قال ابن عباس: الجنات سبع: جنة الفردوس، وجنة عدن، وجنة النعيم، وجنة الخلد، وجنة المأوى، ودار السلام، ودار الخلود. يقال لمن اتقى المعاصي ولزم الطاعة لله: ادخلوها بسلام آمنين من عذاب الله ومن نكبات الدنيا ومن الموت.
قال: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إخوانا﴾.
أي: نزعنا ما فيها من الحقد و [ال] عداوة.
يقال: غل يغل من الشحناء. وغل يغل من الغلول. وأغل يغل من الخيانة.
قال أبو أمامة: يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من
وروي عنه أنه قال: لا يدخل [ال] مؤمن الجنة حتى ينزع الله [ تعالى] ما في صد [و] رهم من غل، وينزع [منه] مثل السبع الضاري.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ: فينا أهل بدر نزلت الآية. وقال علي لابن طلحة: اني لارجو أن يجعلني الله وإياك من الذين ينزع [الله] ما في صدورهم من غل، ويجعلنا إخواناً ﴿على سُرُرٍ متقابلين﴾.
وروي عنه أنه قال [إني] لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إخوانا على سُرُرٍ متقابلين﴾.
ومعنى ﴿متقابلين﴾ يقابل بعضهم بعضاً لا يستدبره، قال مجاهد: لا ينظر واحد منهم إلى قفا صاحبه.
وقيل: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ أزلنا عنهم الجهل والغضب وشهوة ما لا ينبغي حتى زال التحاسد.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: " إن الغل على أبواب الجنة كمبارك الابل إذ [ا]
وروي عن علي [Bهـ] أنه قال: " إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إخوانا على سُرُرٍ متقابلين﴾.
وروي عنه أنه قرئت عنده الآية: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ فقال: ألا ذاكم عثمان وأصحابه، وأنا منهم.
وعن النبي ﷺ أنه قال: " إذا تقابلوا وترافقوا في الجنة نزع الله ما في صدورهم من غل ".
" وسرر " جمع سرير في أكثر العدد. ويقال سُرَر في جمعه بفتح الراء الأول.
أي: لا يلحقهم وجع ولا تعب ولا ضرر ولا ألم ﴿وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ أي: خالدون فيها أبداً.
قال تعالى ذكره: ﴿نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم﴾.
أي: أخبر يا محمد عبادي عني ﴿أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم﴾ أي: الساتر لذنوبهم إذا تابوا واستقاموا. الرحيم بهم أن أعذبهم على ما تقدم من ذنوبهم بعد توبتهم واستقامتهم. وخبرهم أيضاً يا محمد ﴿أَنَّ عَذَابِي﴾ لمن أصر على المعاصي والكفر ﴿هُوَ العذاب الأليم﴾ أي المؤلم يعني الموجع لا يشبهه عذاب. وهذا كله تحذير لعباده وتخويف وإطماع في رحمته.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: " لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع من حرام، ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه ".
فشق ذلك عليهم ف [أ] نزل الله جلّ ذكره ﴿نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العذاب الأليم﴾
قوله: ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾ إلى قوله: ﴿[ا] لضآلون﴾.
المعنى وخبِّر عبادي يا محمد عن أصحاب ضيف إبراهيم، وهم الملائكة الذين دخلوا على إبراهيم حين أرسلهم الله لإهلاكهم قوم لوط وليبشروا إبراهيم بإسحاق [ ﷺ]. قال الضيف لإبراهيم ﴿سَلاماً﴾ قال إبراهيم: ﴿إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ﴾ أي: خائفون ﴿قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ﴾ أي: لا تخف ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ﴾ وهو إسحاق.
وقال الزجاج: إنما خاف إبراهيم منهم لما قدم إليهم العجل فرآهم لا
قالت الملائكة: ﴿بَشَّرْنَاكَ بالحق﴾ أي: بالخبر اليقين أن الله [تعالى] يهب لك غلاماً فلا تكونن من القانطين، أي من الآيسين من فضل الله [ تعالى] ولكن أبشر بما بشرناك به. قال إبراهيم [لهم]: ﴿وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ [إِلاَّ] الضآلون﴾ أي من ييأس من فضل ربه إلا من] ضل عن سبيل الله.
ويروى: أنهم بشروه أن الله جلّ ذكره قضى أن يَخْرجَ من ذريتك مثل ما أخرج من صلب نوح وأكثر.
قوله: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون﴾.
معناه: قال إبراهيم للملائكة: فما شأنكم وما أمركم أيها المرسلون؟ قالوا له ﴿إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾. أي: مكتسبين المعاصي والكفر بالله. ثم استثنى منهم آل لوط فقال: ﴿إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي: من العذاب.
ثم استثنى من آل لوط امرأته فقال: ﴿إِلاَّ امرأته﴾ فصارت المرأة مع المعذبين.
ومعنى: ﴿قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين﴾ أي: قدرنا عملنا فيها أن تكون مع الباقين في
و" آل لوط " هنا أتباعه على دينه. و " الغابرين " الباقين في العذاب.
قال تعالى ﴿فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ المرسلون﴾.
أي: فلما أتى رسل الله إلى لوط، أنكرهم لوط ولم يعرفهم. وقال لهم ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ﴾ أي: لا نعرفكم. قالت له الرسل: بل نحن رسل الله جئناك بما قومك فيه يشكون أنه نازل بهم من عذاب الله على كفرهم ﴿وَآتَيْنَاكَ بالحق﴾ أي: جئناك [ب]- الحق من عند الله وهو العذاب ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ فيما أخبرناك به من الله بهلاك قومك. ثم قالوا له: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اليل﴾ أي: في بقية من الليل واتبع يا لوط أدبار أهلك الذين تسرى بهم، أي: كن من ورائهم ﴿وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾
قال تعالى: ﴿وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر﴾.
أي: أوحينا إلى لوط ذلك الأمر. ثم فسر ما هو الذي أوحى إليه فقال: " إن دابر هؤلاء مقطوع " فهذا الذي أعلمه الله وأوحى به إليه. ومعنى: " دابر هؤلاء مقطوع " آخرهم يستأصل صباحاً.
قوله: ﴿وَجَآءَ أَهْلُ المدينة يَسْتَبْشِرُونَ﴾.
المعنى: وجاء أهل المدينة، [مدينة] سدوم، وهم قوم لوط، يستبشرون لما سمعوا أن ضيفاً قد نزل عند لوط طمعاً في ركوبهم الفاحشة، قال قتادة.
والضيف يقع للواحد والجمع والاثنين بلفظ واحد لأنه مصدر في الأصل.
وقيل المعنى: ألم ننهك أن تجير أحداً علينا وتمنعنا منهم.
قال لهم لوط ﷺ ﴿ هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾. قال قتادة: أمرهم لوط أن يتزوجوا النساء.
ومعنى ﴿إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾، [أي: فاعلين] ما أمركم / الله به.
وقيل: [المعنى]: إن كنتم مريدين بهذا الشأن فعليكم التزويج ببناتي. وكل
وقيل المعنى : ألم ننهك أن تجير٣ أحدا علينا وتمنعنا منهم٤.
٢ وهو قول قتادة. انظر: غريب القرآن ٢٣٨، وجامع البيان ١٤/٤٣ ومعاني الزجاج ٣/١٨٣، وإعراب النحاس ٢/٣٨٧ والدر ٥/٨٩..
٣ "ق": تحيز..
٤ انظر: هذا القول في إعراب النحاس ٢/٣٨٧..
ومعنى ﴿ إن كنتم فاعلين ﴾ [ ٧١ ]، [ أي : فاعلين٣ ] ما أمركم/ الله به.
وقيل :[ المعنى ] : إن كنتم مريدين بهذا الشأن فعليكم التزويج ببناتي. وكل نبي أزواجه٤ أمهات أمته، وأولاده٥. فعلى ذلك قال لوط ﴿ هؤلاء بناتي ﴾ [ ٧١ ] وعلى ذلك قرءوا " أزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " ٦.
٢ انظر: قوله في جامع البيان ١٤/٧٤ والكشاف ٢/٣٩٦ ولم ينسبه الدر ٥/٨٩.
٨ ساقط من "ق".
٩ "ق": وأزواجه..
٣ ١٠ وهو قول الزجاج. انظر: معاني الزجاج ٣/١٨٣، وأحكام ابن العربي ٣/١١٢٩.
١١ وهي قراءة ابن مسعود لقوله تعالى: ﴿وأزواجه أمهاتهم﴾ الأحزاب ٦، انظر: جامع البيان (المحقق) ١٥/٤١٤، وأوردها مكي عند تفسير الآية ٧٨ من سورة هود، وانظر: أيضا المحرر ٩/١٦٩، وفي شواذ القرآن ١٢٠ أنه قرأ "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم " فقدم "وهو أب لهم"..
٤ ٢ وهو قول النحاس، انظر: إعراب النحاس ٢/٣٨٧..
٥ ٣ انظر: القول في إعراب "لعمرك" في معاني الزجاج ٣/١٨٤.
١٤ "ق": ذارأ..
٦ ؟؟؟؟؟.
فرفع لعمر على الابتداء والخبر محذوف، كأنه قال لعمرك قسمي، أو ما أقسم به. وحسن الحذف لأن باب القسم باب حذف.
والمعنى: أي وحياتك يا محمد أن كفار قومك من قريش ﴿لَفِي سَكْرَتِهِمْ﴾ أي: ضلالتهم ﴿يَعْمَهُونَ﴾ أي: يترددون.
وقال ابن عباس: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد [ ﷺ]، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره.
قال أبو الجوزاء: ما أقسم الله بحياة أحد غير محمد ﷺ، لأنه أكرم البشر عنده.
وقيل: معناه وعيشك يا محمد أن قريشاً لفي سكرتهم [يتمادون].
وقال مجاهد: " يعمهون " يترددون.
ثم قال تعالى ذكره: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) [٧٣].
وشرقت الشمس إذا طلعت، وأشرقت إذا ضاءت وصفت. وقيل: شرقت وأشرقت بمعنى. والأول أحسن وأكثر.
ومعنى " مشرقين " مصادفين شروق الشمس وهو طلوعها.
قال: [تعالى ذكره]: ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ أي: جعلنا عالي أرضهم سافلها ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ﴾ أي: من طين. وقد تقدم ذكر سجيل في هود بابين من هذا. ويروى أن سجيلاً [اسم] لسماء الدنيا.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله. ثم قرأ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ ".
وحقيقة التوسم: النظر بالتثبت حتى يعرف الحقيقة. فهذا كله متقارب في العمنى. وهذه الآية تنبيه لقريش لأن يتعظوا ويزدجروا بما نزل بقوم / لوط وغيرهم.
أي: وإن سدوم المنقلبة بقوم لوط لبطريق واضح يراها المجتاز بها، لا يخفى مكانها. وقيل: المعنى وإن الآيات ﴿لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ﴾.
أي إن في صنيعنا بقوم لوط لعلامة و [دلالة] لمن آمن بالله على انتقامه من
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: " أن الحجارة لموقفة في السماء منذ ألفي عام لظالمي أمتي إذا عملوا بأعمال قوم لوط ".
وعنه ﷺ أنه قال: " سيكون خسف وقذف من السماء وذلك إذا عملوا بأعمال قوم لوط " ثم تلا النبي ﷺ الآية [إلى ﴿مُّقِيمٍ﴾] ".
قوله: ﴿وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيكة لَظَالِمِينَ﴾ إلى قوله ﴿مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾.
المعنى: وما كان أصحاب الأيكة إلا ظالمين.
والأيكة الشجر المتلف، وهو شجر المقل. فال قتادة " أصحاب الايكة أصحاب غيضة.
وكان عامة شجرهم الدوم. وكان رسولهم شعيب ﷺ،
وروى أن أصحاب الأيكة قوم من جُذام كانوا نزولاً بجوار الأيك. والأَيْكُ الدوم، والدوم شجر المقُل. بعث الله إليهم شعيباً. وهو شعيب بن توبة بن مدين بن إبراهيم. وكانوا جيرانه، وقيل: كانوا أخواله. قال ابن جبير: " الأيكة "
ثم قال تعالى ذكره ﴿وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ﴾.
أي: أن أصحاب الأيكة وقوم لوط لفي كتاب كتبه الله.
وقيل: المعنى: وإن الموضعين اللذين هلك فيهما قوم لوط وقوم شعيب، لبطريق واضح يأتم به الناس في أسفارهم ويعاينونه.
وروى ابن عمر أن النبي ﷺ قال: " لا تدخلوا [على] هؤلاء القوم المعذبين يعني أصحاب الحجر، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم] ما أصابهم ".
[وقيل: المعنى وإن لوطاً وشعيباً لبطريق من الحق يؤتم به أي: على طريق واضح من الحق].
أي: سكان الحجر وهي مدينة ثمود. وكان قتادة يقول هم أصحاب الوادي. والحجر اسم الوادي.
وعن النبي ﷺ أنه قال لما خلف بالحجر: " هؤلاء قوم صالح أهلكهم الله إلا [رجلاً] كان في حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله وهو أبو رغال ".
وقال الزجاج: هم أصحاب واد.
ثم قال تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا [فَكَانُواْ]﴾.
أي: أعطيناهم أدلتنا وعلامات توحيدنا فأعرضوا عنها ولم يؤمنوا بها.
ثم قال: ﴿وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال﴾.
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة﴾ أي: صيحة الهلاك حين أصبحوا من اليوم الرابع الذي وعدوا فيه العذاب، إذ قيل: لهم ﴿تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ﴾ [هود: ٦٥]. فلم يغن عنهم عند ذلك ما كسبوا من الأعمال الخبيثة ولا من عرض الدنيا.
قوله: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بالحق﴾ إلى قوله: ﴿أَنَا النذير المبين﴾.
المعنى وما خلقنا الخلائق كلها إلا بالحق ﴿وَإِنَّ الساعة لآتِيَةٌ﴾ أي: أن القيامة لجائية، فارض بها يا محمد لمشركي قومك الذين كذبوا ما جئتهم به. ثم قال: ﴿فاصفح الصفح الجميل﴾ أي: فأعرض عنهم إعراضاً جميلاً واعف عنهم عفواً حسناً.
وهذه الآية منسوخة عند جماعة، بالأمر بالقتال وإنما كان هذا قبل أن يؤمر
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني﴾.
قيل: السبع المثاني السور الطوال وسميت مثاني لأنها تثنى فيها الأمثال والخبر والعبر والحدود والفرائض، قاله: ابن عباس ومجاهد وابن عمر وابن جبير وابن سيرين. [وهي] البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس. وقيل: السابعة الأنفال وبراءة.
وقال علي بن أبي طالب، وابن مسعود رضي الله عنهما: السبع المثاني آيات الحمد، لأنهن سبع آيات. وهو قول: أبي بن كعب.
وروي ذلك عن النبي ﷺ قال: هي أم القرآن. وقاله: أبو هريرة وعلي وعمر
وقيل: المثاني القرآن غيرها. والمعنى سبع آيات من القرآن الذي هو مثاني. أي: تثنى فيه القصص والمواعظ والأخبار دل على ذلك قوله ﴿مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ﴾ [الزمر: ٢٣] فالمعنى: ولقد أعطيناك يا محمد سبع آيات، وهي الحمد، من المثاني أي من القرآن.
وقيل: السبع المثاني ما في القرآن من الأمر والنهي والبشرى والإنذار وضرب الأمثال وإعداد النعم وآتيناك نبأ القرآن العظيم.
وعن ابن عباس أن سورة الحمد هي المثاني/ وإنما سميت مثاني لأن الله [جلّ] ذكره استثناها لمحمد ﷺ دون سائر الأنبياء فادخرها له.
وعن ابن عباس: أخرجها لكم وما أخرجها لأحد كان قبلكم.
وقال علي وأبو هريرة: والسبع المثاني، فاتحة الكتاب، قاله قتادة ومجاهد.
وقيل: المعنى وآتيناك سبع آيات وهي الحمد ﴿مِّنَ المثاني﴾ من القرآن، فمن للتبعيض.
و [قوله] ﴿والقرآن العظيم﴾ عني به الحمد على قول من رأى السبع المثاني [السبع] الطوال.
وقيل: [هي] القرآن كله.
ثم قال تعالى: ﴿لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾.
معناه / استعن بما آتاك الله من القرآن عما في أيدي الناس. ومنه حديث النبي ﷺ: " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " أي: يستغني به عن المال. وعلى هذا تأول الحديث سفيان بن عيينة، وتأول الآية. وروى: من حفظ القرآن فرأى أن أحداً
فالمعنى: لا تتمنين ما جعلنا من زينة الدنيا متاعاً للأغنياء من قومك المشركين ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾. أي: على ما متعوا به من ذلك. فعجل لهم في الدنيا فإن لك في الآخرة مما هو خير لك من ذلك.
ومعنى: ﴿أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾ أمثالاً منهم، يعني: الأغنياء منهم. والأزواج في اللغة: الأصناف.
﴿واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
أي: ألن جانبك لمن آمن بل وقربهم من نفسك. والجناحان من ابن آدم جنبناه، والجناحان الناحيتان، ومنه قول الله تعالى ﴿واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ﴾ [طه: ٢٢].
وقل للمشركين ﴿إني أَنَا النذير المبين﴾ أي أنا [النذير] المنذر لكم عذاباً.
﴿كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين﴾.
أي: مثل العذاب الذي أنزلنا على المقتسمين " المبين " لكم ما جئتكم به من الإنذار والأعذار والوعد والوعيد.
قوله: ﴿كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين﴾.
الكاف من " كما " في موضع نصب نعت [لمصدر محذوف].
و [قيل]: للمفعول المحذوف، أي: النذير عذاباً مثل العذاب الذي أنزلنا على المقتسمين.
قال مجاهد: هم أهل الكتاب جزءوا القرآن فجعلوه أعضاءً، آمنوا ببعض وكفروا ببعض.
وقال عكرمة: هم أهل الكتاب اقتسموا القرآن، استهزءوا به فقال بعضهم: هذه السورة لي، وقال آخر: هذه السورة لي.
وعن مجاهد أيضاً: هم أهل الكتاب اقتسموا كتابهم فكفر بعضهم ببعضه، وآمن الآخرون بذلك البعض، وكفروا [ب] بعض آخر.
وقال قتادة: هم قوم من قريش خمسة عضهوا كتاب الله [ تعالى].
وقيل: هم قوم اقتسموا طريق مكة أيام مقدم الحاج بعثهم أهل مكة ليشيعوا في كل ناحية عند كل من يقدم مكة [من الناس] أن محمداً مجنون وأنه شاعر وأنه ساحر.
قال ابن عباس: هم اثنا عشر رجلاً من قريش اقتسموا على أعقابِ مكة لمن يقدم مكة من الناس ليصدوهم عن نبي الله. فيقول بعضهم: هو كاهن، وبعضهم هو شاعر، وبعضهم هو مجنون.
وقيل: هم قوم أقسموا ألا يؤمنوا بمحمد ﷺ ولا يفارقوا الانحراف عنه، والطعن عليه.
وحكى الفراء أن من العرب من يقول: هذه عضينك. فتركه بالياء في كل حال، ويجعل الإعراب في النون، بمنزلة ذهبت سنينك في لغة من
فمن قال في التصغير عضيهة، وجعله على عضين، قال: فعلت به ما فعلت ببرة وبرين. وحذفت الهاء كما حذفتها من شفه وأصلها شفهة وتصغيرها [شفيهة. ومثله شاة وتصغيرها] شويهة، وأصلها شاهه وجمعها شياه. كما تقول في شفه: شفاه.
ومن أخذه من عضيت أي: فرقت أعضى تعضية فهو من قول الشاعر:
" وليس دين الله بالمعضى "... أي بالمفرق.
أي: فوربك يا محمد لنسئلن هؤلاء الذين جعلوا القرآن عضين في الآخرة عما كانوا يعملون في الدنيا.
وقيل: معناه، لنسئلن هؤلاء عن شهادة أن لا إله إلا الله. قاله: ابن عمر ومجاهد.
قال ابن مسعود: والذي لا إله غيره، ما منكم أحد إلا سيخلو الله [ تعالى] به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر فيقول: ابن آدم [ماذا] أخرك مني؟ ابن آدم ما عملت فيما علمت؟ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟.
[قال أبو العالية: يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة عن ما كانوا
وعن ابن عباس في قوله: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ ثم قال في موضع آخر: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ﴾ [الرحمن: ٣٩] معنى الأول يسألهم لم عملتم كذا وكذا، ومعنى الثاني لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا لأنه عالم بذلك. قال ابن عباس: نزلت في الوليد بن المغيرة ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ﴾ إلى آخرها.
روى ابن عمر أن النبي ﷺ [ قال] " كلكم مسئول يوم القيامة: فالإمام يُسْأل عن الناس وعن رعيته. والرجل يُسْأَل عن أهله وولده/ والمرأة تُسْأل عن بيت زوجها. والعبد يُسْأل عن مال سيده ".
وعن النبي ﷺ أنه قال: " ما من راع استرعى رعية إلا سأله الله يوم القيامة عن
قال معاذ بن جبل: " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسْأَل عن أبعة، عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه وعن عمله كيف عمل فيه ". وروى عن النبي ﷺ أنه قال: " يسألون عن شهادة أن لا إله إلا الله ".
قال تبارك وتعالى: ﴿فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ﴾.
معناه، بلغ ما أرسلت به إليهم، قال ابن زيد.
وقال ابن عباس: معناه افعل ما تؤمر وامضه.
وقال الزجاج: معناه: ابنِ ما تؤمر به وأذهره، مشتق من الصديع وهو الصبح.
يقال: تصدع القوم إذا تفرقوا. ومنه صداع الرأس وتصدعت الزجاجة تفرقت أجزاؤها. وفاء الفعل مصدر عند البصريين، فلذلك لم يقل: " بما تؤمر به:. وتقديره: فاصدع بأمرنا وهو القرآن.
وقال الكسائي: " ما " بمعنى: الذي. والتقدير بما تؤمر به، ثم حذفت: " به ".
فأما قوله ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين﴾ فهذا كان قبل أن يؤمر بالقتال ثم، أمر بالقتال
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين * الذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾.
المستهزؤون: في قول ابن عباس، وهم الوليد بن المغيرة المخزومي والعاصي بن وائل، وعدي بن قيس، والأسود بن عبد يغوث الزهري، وهو ابن خال رسول الله ﷺ والأسود بن المطلب، وأبو زمعة الحرث بن عيطلة كانوا يهزؤون بالنبي عليه السلام.
وعن ابن عباس: أنهم خمسة، ولم يذكر الحرث بن عيطلة، كانوا يهزؤون بالنبي عليه السلام. فروي أنهم مروا، رجلاً [رجلاً] على النبي ﷺ ومعه جبريل عليه السلام، فإذا مر رجل منهم قال [له] جبريل: كيف تجد هذا؟ فيقول/ النبي: بئس
وأما الآخر فلدغته حية فمات.
فمعنى الآية: إنا كفيناك يا محمد الساخرين منك الجاعلين مع الله إلهاً آخر [سبحانه وتعالى]، ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ ما يلقون من عذاب الله عند مصيرهم إليه
وقال عكرمة: المستهزؤون قوم من المشركين كانوا يقولون سورة البقرة سورة العنكبوت يستهزؤون بأسماء السور.
وروى ابن وهب: عن زيد بن أسلم أن وهب الذماري قال: " إن نيباً من الأنبياء حدث قومه بحوت ينزله أهل الجنة فاستهزأ به رجل من قومه. فقال النبي [ ﷺ] اذهب فأريكه. فذهب حتى إذا جاء البحر جاز حوت مثل البيت قال: هو ذا يا نبي الله؟ فقال: لا، ثم جاز حوت مثل الجبل. فقال: هو ذا يا نبي الله؟ قال: لا، ثم جاز حوت مثل القصر. قال: هون ذا يا نبي الله؟ قال لا. ثم جاز حوت مر صدره ضحى، ولم يمر آخره إلى العصر، فقال: هو ذا يا نبي الله؟ فقال: كيف ترى؟ فقال: والله إن في هذا لمأكلاً ومشرباً. قال: فوالذي نفسي بيده إنه ليتغذى كل يوم طلعت فيه الشمس بسبعين ألف حوت كلهم مثل هذا الحوت، فصعق
وذكر عند مروان بن الحكم [هذا الحديث] فقال: لقد ذكر لي أن هذا الحوت قد أحاط بالسماوات السبع ومن تحت العرش.
وعن ابن عباس: أنهم هلكوا في ليلة واحدة كل رجل منهم يميته سوى ميتة صاحبه.
قوله: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ﴾.
المعنى: ولقد نعلم يا محمد أنك يضيق صدرك بما تقول هؤلاء من تكذيبك، فسبح بحمد ربك أي: افزع فيما نزل بك منهم إلى الشكر لله [ تعالى] والثناء عليه والصلاة، يكفيك ما همك من ذلك، و " كان النبي عليه السلام إذا أحزنه أمر فزع إلى الصلاة ".
قوله: ﴿وَكُنْ مِّنَ الساجدين﴾ أي: / من المصلين.
قوله: ﴿حتى يَأْتِيَكَ اليقين﴾ أي: الموت. ومعناه: اعبد ربك أبداً، ولو لم
سورة النحل مكية
قال ابن عباس: هي مكية إلا ثلاث آيات نزلت بين مكة والمدينة، حين رجع النبي - ﷺ - من أحد، وقد قتل حمزة، وقد مثل به، فقال النبي [- ﷺ -] "لأمثلن بثلاثين منهم". وقال المسلمون: "لنمثلن بهم". فأنزل الله (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ [بِهِ]) [١٢٦]، إلى آخر السورة.