تفسير سورة الحجر

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة الحجر من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة الحجر تسع وتسعون آية مكية

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١)
﴿الر تلك آيات الكتاب وقرآن مُّبِينٍ﴾ تلك إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات والكتاب والقرآن المبين السورة وتنكير القرآن للتفخيم والمعنى تلك آيات الكتاب الكامل في كونه كتابا
الحجر (٢ _ ٦)
وأي قرآن مبين كأنه قيل الكتاب الجامع للكمال وللغرابة في البيان
رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (٢)
﴿ربما﴾ بالتخفيف مدنى وعاصم وبالتشديد غيرهما وما هي الكافة لأنها حرف يجر ما بعده ويختص بالاسم النكرة فإذا كفت وقع بعدها الفعل الماضي والاسم وإنما جاز ﴿يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ﴾ لأن المترقب في أخبار الله تعالى بمنزلة الماضي المقطوع به في تحقيقه فكانه قيل ربما ود وودادتهم تكون عند النزاع أو يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين أو إذا رأوا المسلمين يخرجون من النار فيتمنى الكافر لو كان مسلماً كذا رُوى عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿لَوْ كَانُواْ مَسْلِمِينَ﴾ حكاية ودادتهم وإنما جيء بها على لفظ الغيبة لأنهم مخبر عنهم كقولك حلف بالله ليفعلن ولو قيل حلف لأفعلن ولو كنا مسلمين لكان حسنا وإنما قلل برب لأن أهوال القيامة تشغلهم على التمني فإذا أفاقوا من سكرات العذاب ودوا لو
182
كانوا مسلمين وقول من قال إن رب يعني بها الكثرة سهو لأنه ضد ما يعرفه أهل اللغة لأنها وضعت للتقليل
183
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣)
﴿ذَرْهُمْ﴾ أمر إهانة أي اقطع طمعك من ارعوائهم ودعهم عن النهي عما هم عليه والصد عنه بالتذكرة والنصيحة وخلهم ﴿يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ﴾ بدنياهم ﴿وَيُلْهِهِمُ الأمل﴾ ويشغلهم أملهم وأمانيهم عن الإيمان ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ سوء صنيعهم وفيه تنبيه على أن إيثار التلذذ والتنعم وما يؤدي إليه طول الأمل ليس من أخلاق المؤمنين
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (٤)
﴿وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كتاب معلوم﴾ ولها كتاب جملة واقعة صفة لقرية والقياس أن لا يتوسط الواو بينهما كما في وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا منذرون وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف إذ الصفة ملتصقة بالموصوف بلا واو وفجىء بالواو تأكيداً لذلك والوجه أن تكون هذه الجملة حالا لقرية لكونها في حكم الموصوفة كأنه قيل وما أهلكنا قرية من القرى لا وصفاً وقوله كتاب معلوم أي مكتوب معلوم وهو أجلها الذي كتب في اللوح المحفوظ وبين ألا ترى إلى قوله
مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (٥)
﴿مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا﴾ في موضع كتابها ﴿وما يستأخرون﴾ أي عنه وحذف لأنه معلوم وأنث الأمة أولاً ثم ذكرها آخراً حملاً على اللفظ والمعنى
وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦)
﴿وقالوا﴾ أي الكفار ﴿يا أيها الذى نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر﴾ أي القرآن ﴿إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ يعنون محمداً عليه السلام وكان هذا النداء منهم على وجه الاستهزاء كما قال فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الذى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ وكيف يقرون بنزول الذكر عليه وينسبونه إلى الجنون والتعكيس في كلامهم للاستهزاء والتهكم سائغ ومنه فبشرهم بعذاب أليم إنك لأنت
183
الحليم الرشيد والمعنى انك
الحجر (٧ _ ١٤)
لنقول قول المجانين حيث تدعى أن الله نزل عليك الذكر
184
لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧)
﴿لو ما تأتينا بالملائكة إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ لو ركبت مع لا وما لامتناع الشيء لوجود غيره أو للتحضيض وهل ركبت مع لا للتحضيض فحسب والمعنى هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك أو هلا تأتينا بالملائكة للعقاب على تكذيبنا لك إن كنت صادقا
مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (٨)
﴿مَا نُنَزِّلُ الملائكة﴾ كوفي غير أبي بكر تُنَزَّل الملائكة أبو بكر تَنَزَّل الملائكة أي تتنزل غيرهم ﴿إِلاَّ بالحق﴾ إلا تنزيلاً ملتبساً بالحكمة ﴿وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ﴾ إذا جواب لهم وجزاء الشرط مقدر تقديره ولو نزلنا الملائكة ما كانوا مُّنظَرِينَ إذا جواب لهم وجزاء الشرط مقدر تقديره ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين إذاً وما أخر عذابهم
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)
﴿إنا نحن نزلنا الذكر﴾ القرآن ﴿وَإِنَّا لَهُ لحافظون﴾ وهو رد لإنكارهم واستهزائهم في قولهم يا أيها الذي نزله محفوظاً من الشياطين وهو حافظه في كل وقت من الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل بخلاف الكتب المتقدمة فإنه لم يتول حفظها وإنما استحفظها الربانيين والأحبار فاختلفوا فيما بينهم بغياً فوقع التحريف ولم يكل القرآن إلى غير حفظه وقد جعل قوله وإنا له لحافظون دليلاً على أنه منزل من عنده آية إذ لو كان من قول البشر أو غير آية لتطرق عليه الزيادة والنقصان كما يتطرق على كل كلام سواه أو الضمير في له لرسول الله ﷺ كقوله والله يعصمك
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠)
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى شِيَعِ الأولين﴾ أي ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً في الفرق الأولين والشيعة الفرقة إذا انفقوا على مذهب وطريقة
وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١١)
﴿وما يأتيهم﴾ حكاية حال ما ضية لأن ما لا تدخل على مضارع الا وهو في معنى الحال ولا على ماضٍ إلا وهو قريب من الحال ﴿مِّن رسول إلا كانوا به يستهزؤون﴾ يعزي نبيه عليه السلام
كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢)
﴿كذلك نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ أي كما سلكنا الكفر أو الاستهزاء في شيع الأولين نسلكه أي الكفر أو الاستهزاء في قلوب المجرمين من أمتك من اختار ذلك يقال سلكت الخيط في الإبرة وأسلكته إذا أدخلته فيها وهو حجة على المعتزلة في الأصلح وخلق الافعال
لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣)
﴿لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ بالله أو بالذكر وهو حال ﴿وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين﴾ مضت طريقتهم التي سنها الله في إهلاكهم حين كذبوا رسله وهو وعيد لأهل مكة على تكذيبهم
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤)
﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِنَ السمآء﴾
ولو أظهرنا لهم أوضح آية وهو فتح باب من السماء ﴿فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾ يصعدون
لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)
﴿لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أبصارنا﴾ حيرت أو حبست من الابصار من السكر أو من السكر سكِرت مكي أي حبست كما يحبس النهر من الجري والمعنى أن هؤلاء المشركين بلغ من غلوهم في العناد أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء ويسر لهم معراج يصعدون فيه إليها ورأوا من العيان ما رأوا لقالوا هو شيء نتخايله لا حقيقة له ولقالوا ﴿بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ﴾ قد سحرنا محمد بذلك أو الضمير للملائكة أي لواريناهم الملائكة يصعدون في السماء عياناً لقالوا ذلك وذكر الظلول ليجعل عروجهم بالنهار ليكونوا مستوضحين لما يرون وقال إنما ليدل على أنهم يبتون القول بأن ذلك ليس إلا تسكيراً للابصار
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (١٦)
﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السمآء﴾ خلقنا فيها ﴿بُرُوجاً﴾ نجوماً أو قصوراً فيها الحرس أو منازل للنجوم ﴿وزيناها﴾ أي السماء ﴿للناظرين﴾
وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (١٧)
﴿وحفظناها﴾ أي السماء ﴿مِن كُلِّ شيطان رَّجِيمٍ﴾ ملعون أو مرمي بالنجوم
إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (١٨)
﴿إلا من استرق السمع﴾ أي المسموع ومن في محل النصب على الاستثناء ﴿فأتبعه شهاب﴾ بحم ينقض فيعود ﴿مُّبِينٌ﴾ ظاهر للمبصرين قيل كانوا لا يحجبون عن السموات كلها فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سموات فلما ولد محمد ﷺ منعوا من السموات كلها
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩)
﴿والأرض مددناها﴾ بسطناها من تحت الكعبة والجمهور على أنه تعالى مدها على وجه الماء ﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رواسي﴾ في الأرض جبالاً ثوابت ﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ﴾ وزن بميزان الحكمة وقدر بمقدار تقتضيه لا تصلح فيه زيادة ولا نقصان أو له وزن وقدر في أبواب المنفعة والنعمة أو ما يوزن كالزعفران والذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها وخص ما يوزن لانتهاء الكيل إلى الوزن
وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (٢٠)
﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا﴾ في الأرض ﴿معايش﴾ ما يعاش به من المطاعم جمع معيشة وهي بياء صريحة بخلاف الخبائث ونحوها فإن تصريح الياء فيها خطأ ﴿وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ برازقين﴾ من في محل النصب بالعطف على معايش أو على محل لكم كأنه قيل وجعلنا لكم فيها معايش وجعلنا لكم من لستم له برازقين أو جعلنا لكم فيها معايش ولمن لستم له برازقين وأراد بهم العيال والمماليك والخدم الذين يظنون أنهم يرزقونهم ويخطئون فإن الله هو الرزاق يرزقهم وإياهم ويدخل فيه الأنعام والدواب ونحو ذلك
186
ولا يجوز أن يكون محل من جر بالعطف على الضمير المجرور في لكم لأنه لا يعطف
الحجر (٢١ _ ٢٩)
على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار
187
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١)
﴿وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ ذكر الخزائن تمثيل والمعنى وما من شيء ينتفع به العباد إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه والإنعام به وما نعطيه إلا بمقدار معلوم فضرب الخزائن مثلاً لاقتداره على كل مقدور
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (٢٢)
﴿وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ﴾ جمع لاقحة أي وأرسلنا الرياح حوامل بالسحاب لأنها تحمل السحاب في جوفها كأنها لاقحة بها من لقحت الناقة حملت وضدها العقيم الريح حمزة ﴿فَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ فجعلناه لكم سقياً ﴿وَمَآ أنتم له بخازنين﴾ نفي عنهممااثته عنه ما اثبته لنفسه في قوله وإن من شيء إلا عندنا خزائنه كأنه قال نحن الخازنون للماء على معنى نحن القادرون على خلقه في السماء وإنزاله منها وما أنتم عليه بقادرين دلالة عظيمة على قدرته وعجزهم
وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (٢٣)
﴿وإنا لنحن نحيي ونميت﴾ أي نحي بالإيجاد ونميت بالإفناء أو نميت عند انقضاء الآجال ونحي لجزاء الأعمال على التقديم والتأخير إذ الواو للجمع المطلق ﴿وَنَحْنُ الوارثون﴾ الباقون بعد هلاك الخلق كلهم وقيل للباقي وارث استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤)
﴿ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين﴾ من تقدم ولادة وموتا من تأخر أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد أو من تقدم في الإسلام أو في الطاعة أو في صف الجماعة أو صف الحرب ومن تأخر
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥)
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ﴾ أي هو وحده يقدر على حشرهم ويحيط بحصرهم ﴿إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ باهر الحكمة واسع العلم
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦)
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان﴾ أي آدم ﴿مِن صلصال﴾ طين يابس غير مطبوخ ﴿مِّنْ حَمَإٍ﴾ صفة لصلصال أي خلقه من صلصال كأن من حمإ أي طين أسود متغير ﴿مَّسْنُونٍ﴾ مصور وفي الأول كان تراباً فعجن بالماء فصار طيناً فمكث فصار حمأ فخلص فصار سلالة فصوِّر ويبس فصار صلصالاً فلا تناقض
وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (٢٧)
﴿والجان﴾ أبا الجان كآدم للناس هو إبليس وهو منصوب بفعل مضمر يفسره ﴿خلقناه مِن قَبْلُ﴾ من قبل آدم ﴿مِن نَّارِ السموم﴾ من نار الحر الشديد النافذ في المسام قيل هذه السموم جزء من سبعين جزأ من سموم النار التي خلق الله منها الجان
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨)
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ﴾ واذكر وقت قوله ﴿للملائكة إِنّى خالق بَشَرًا مِّن صلصال مّنْ حَمَإٍ مسنون﴾
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٢٩)
﴿فإذا سويته﴾ أتممت
الحجر (٢٩ _ ٣٩)
خلقته وهيأتها لنفخ الروح فيها ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى﴾ وجعلت فيه الروح وأحييته وليس ثمت نفخ وإنما هو تمثيل والإضافة للتخصيص ﴿فَقَعُواْ لَهُ ساجدين﴾ هو أمر من وقع يقع أي اسقطوا على الأرض يعني اسجدوا له ودخل الفاء لأنه جواب إذا وهو دليل على أنه يجوز تقدم الأمر عن وقت الفعل
فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)
﴿فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ فالملائكة جمع عام محتمل للتخصيص فقطع باب التخصيص بقوله كلهم وذكر الكل احتمل تأويل التفرق فقطعه بقوله أجمعون
إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١)
﴿إِلاَّ إِبْلِيسَ﴾ ظاهر الإستثناء يدل على أنه كان من الملائكة لأن المستثنى يكون من جنس المستثنى منه وعن الحسن أن الاستثناء منقطع ولم يكن هو من الملائكة قلنا غير المأمور لا يصير بالترك ملعوناً وقال في الكشاف كان بينهم مأموراً معهم بالسجود فغلب اسم الملائكة ثم استثنى بعد التغليب كقولك رأيتهم إلا هنداً ﴿أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين﴾ امتنع أن يكون معهم وأبى استئناف على تقدير قول قائل يقول هلا سجد فقيل أبى ذلك واستكبر عنه وقيل معناه ولكن ابليس أبى
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢)
﴿قال يا إبليس ما لك أَلاَّ تَكُونَ مَعَ الساجدين﴾ حرف الجر مع أن محذوف تقديره مالك في أن لا تكون مع الساجدين أي أي غرض لك في إبائك السجود
قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣)
﴿قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ﴾ اللام لتأكيد النفي أي أي لا يصح مني أن أسجد ﴿لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صلصال مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤)
﴿قَالَ فاخرج مِنْهَا﴾ من السماء أو من الجنة أو من جملة الملائكة ﴿فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ مطرود من رحمة الله معناه ملعون لأن اللعنة هو الطرد من الرحمة والإبعاد منها
وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥)
﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعنة إلى يَوْمِ الدين﴾ ضرب يوم الدين حد اللعنة لأنه أبعد غاية يضربها الناس في كلامهم والمراد به إنك مذموم مدعو عليك باللعنة في السموات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما ينسى اللعن معه
قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦)
﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى﴾ فأخرني ﴿إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧)
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨)
﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين إلى يَوْمِ الوقت المعلوم﴾ يوم الدين ويوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم في معنى واحد ولكن خولف بين العبارات سلوكاً بالكلام طريقة البلاغة وقيل إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت لأنه لا يموت يوم البعث أحد فلم يجب إلى ذلك وانظر إلى آخر أَيام التكليف
قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩)
﴿قال رب بما أغويتني﴾ الباء للقسم وما مصدرية وجواب القسم لأزينن لهم ومعنى أقسم باغوائك إياي ﴿لأزينن لهم﴾ المعاصى ونحوه قوله بما أغويتني
الحجر (٣٩ _ ٤٧)
لازينن لهم فبعزتك لاغوينهم في أنه إقسام إلا أن أحدهما إقسام بصفه الذات والثاني بصفة الفعل وقد فرق الفقهاء بينهما فقال العراقيون الحلف بصفة الذات كالقدرة والعظمة والعزة يمين والحلف بصفة الفعل كالرحمة والسخط ليس بيمين والأصح أن الأيمان مبنية على العرف فما تعارف الناس الحلف به يكون يمينا وما لا فلا والآية حجة على المعتزلة في خلق الأفعال وحملهم على التسبيب عدول عن الظاهر ﴿فِى الأرض﴾ في الدنيا التي هي دار الغرور وأراد إني أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء فأنا على التزيين لأولاده في الأرض أقدر ﴿وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)
﴿إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين﴾ وبكسر اللام بصري ومكى وشامى استثنى المخلصين لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلونه منه
قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢)
﴿قَالَ هَذَا صراط عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين﴾ أي هذا طريق حق عليَّ أن أراعيه وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي إلا من اختار اتباعك منهم لغوايته وقيل معنى على إلي على يعقوب من علو الشرف والفضل
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣)
﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الضمير للغاوين
لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤)
﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ﴾ من أتباع إبليس ﴿جُزْءٌ مَّقْسُومٌ﴾ نصيب معلوم مفرز قيل أبواب النار أطباقها وأدراكها فأعلاها للموحدين يعذبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون والثاني لليهود والثالث للنصارى والرابع للصابئين والخامس للمجوس والسادس للمشركين والسابع للمنافقين
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥)
﴿إِنَّ المتقين فِى جنات وَعُيُونٍ﴾ وبضم العين مدني وبصري وحفص المتقي على الإطلاق من يتقي ما يجب اتقاؤه مما نهى عنه وقال في الشرح ان دخل أهل الكتاب في قوله لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْء مقسوم فالمراد بالمتقين الذين اتقوا الكبائر وإلا فالمراد به الذين اتقوا الشرك
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (٤٦)
﴿ادخلوها﴾ أي يقال لهم ادخلوها ﴿بِسَلامٍ﴾ حال أي سالمين أو مسلماً عليكم تسلم عليكم الملائكة ﴿آمنين﴾ من الخروج منها والآفات فيها وهو حال أخرى
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (٤٧)
﴿وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ وهو الحقد الكامن في القلب أي إن كان لأحدهم غل في الدنيا على آخر نزع الله ذلك في الجنة من قلوبهم وطيب نفوسهم وعن علي رضي الله عنه أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم وقيل معناه طهر الله قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة ونزع منها كل غل وألقى فيها التوادد والتحابب ﴿إِخْوَانًا﴾ حال ﴿على سُرُرٍ متقابلين﴾ كذلك قيل تدور بهم الأسرة حيثما داروا فيكونون في جميع أحوالهم متقابلين يرى
الحجر (٤٨ _ ٥٦)
بعضهم بعضا
لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (٤٨)
﴿لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ﴾ في الجنة تعب ﴿وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ فتمام النعمة بالخلود ولما أتم ذكر الوعد والوعيد أتبعه
نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (٥٠)
﴿نبئ عِبَادِى أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم وَأَنَّ عَذَابِي هو العذاب الأليم﴾ تقرير لما ذكر وتمكيناً له في النفوس قال عليه السلام لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع عن حرام لا يعلم قدر عذابه لبخع نفسه في العبادة ولما أقدم على ذنب
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (٥١)
وعطف ﴿ونبئهم﴾ وأخبر أمتك على نبىء عبادي ليتخذوا ما أحل من العذاب بقوم لوط عبرة يعتبرون بها سخط الله وانتقامه من المجرمين ويتحققوا عنده أن عذابه هو العذاب الأليم ﴿عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾ أي أضيافه وهو جبريل عليه السلام مع أحد عشر ملكاً والضيف يجىء واحداً وجمعاً لأنه مصدر ضافه
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢)
﴿إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا﴾ أي نسلم عليك سلاماً أو سلمنا سلاماً ﴿قَالَ﴾ أي إبراهيم ﴿إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ﴾ خائفون لامتناعهم من الأكل أو لدخولهم بغير إذن وبغير وقت
قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٥٣)
﴿قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ﴾ لا تخف ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ﴾ استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل أي إنك مبشر آمن فلا توجل وبالتخفيف وفتح النون حمزة ﴿بغلام عَلِيمٍ﴾ هو إسحاق لقوله في سورة هود فبشرناها بإسحاق
قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤)
﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى على أَن مَّسَّنِىَ الكبر﴾ أي أبشرتموني مع مس الكبر بأن يولد لي أي إن الولادة أمر مستنكر عادة مع الكبر ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ هي ما
192
الاستفهامية دخلها معنى التعجب كأنه قيل فبأي أعجوبة تبشرون وبكسر النون والتشديد مكي والأصل تبشرونني فأدغم نون الجمع في نون العماد ثم حذفت الياء وبقيت الكسرة دليلاً عليها تبشرون بالتخفيف نافع والأصل تبشرونني فحذفت الياء اجتزاء بالكسرة وحذف نون الجمع
193
قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (٥٥)
﴿قَالُواْ بشرناك بالحق﴾ باليقين الذي لا لبس فيه ﴿فَلاَ تَكُن مّنَ القانطين﴾ من الآيسين من ذلك
قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (٥٦)
﴿قال﴾ إبراهيم ﴿وَمَن يَقْنَطُ﴾ وبكسر النون بصري وعلي ﴿مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضآلون﴾ إلا المخطئون طريق الصواب أو إلا الكافرون كقوله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون أي لم أستنكر ذلك قنوطاً من رحمته
الحجر (٥٧ _ ٦٥)
ولكن استبعاداً له في العادة التي أجراها
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧)
﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ﴾ فما شأنكم ﴿أَيُّهَا المرسلون﴾
قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨)
﴿قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾ أي قوم لوط
إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩)
﴿إلا آل لُوطٍ﴾ يريد أهله المؤمنين والاستثناء منقطع لأن القوم موصفون بالإجرام والمستثني ليس كذلك أو متصل فيكون استثناء من الضمير في مجرمين كأنه قيل إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم والمعنى يختلف باختلاف الاستثناءين لأن آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال يعنى أنهم ارسلوا إلى القوم المجرمين خاصة ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلاً ومعنى ارسالهم إلى القوم المجرمين كإرسال السهم إلى المرمى في أنه في معنى التغذيب والإهلاك كأنه قيل إنا أهلكنا قوماً مجرمين ولكن آل لوط أنجيناهم وأما في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال يعني أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعاً ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء وإذا انقطع الاستثناء جرى ﴿إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ مجرى خبر لكن في
193
الاتصال بآل لوط لأن المعنى لكن آل لوط منجون وإذا اتصل كان كلاماً مستأنفاً كأن إبراهيم عليه السلام قال لهم فما حال آل لوط فقالوا إنا لمنجوهم
194
إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (٦٠)
﴿إِلاَّ امرأته﴾ مستثنى من الضمير المجرور في لمنجوهم وليس باستثناء من الاستثناء لأن الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه بأن يقول أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته وهنا قد اختلف الحكمان لأن آل لوط متعلق بارسلنا أو بمجرمين وإلا امراته متعلق بمنجوهم فكيف يكون استثناء من استثناء لمنجوهم بالتخفيف حمزة وعلي ﴿قَدَّرْنَآ﴾ وبالتخفيف أبو بكر ﴿إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين﴾ الباقين في العذاب قيل لو لم تكن اللام قى خبرها لوجب فتح إن لأنه مع اسمه وخبر مفعول قدرنا ولكنه كقوله وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة أنهم لمحضرون وإنما أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم ولم يقولوا قدر الله لقربهم كما يقول خاصة الملك أمرنا بكذا والآمر هو الملك
فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢)
﴿فلما جاء آل لُوطٍ المرسلون قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ﴾ أي لا أعرفكم أي ليس عليكم زي السفر ولا أنتم من أهل الحضر فأخاف أن تطرقونى بشر
قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣)
﴿قَالُواْ بَلْ جئناك بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ أي ما جئناك بما تنكرنا لأجله بل جئناك بما فيه سرورك وتشفيك من أعدائك وهو العذاب الذي كنت تتوعدهم بنزوله فيمترون فيه أي يشكون ويكذبونك
وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٦٤)
﴿وأتيناك بالحق﴾ باليقين من عذابهم ﴿وِإِنَّا لصادقون﴾ في الإخبار بنزوله بهم
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥)
﴿فأسر بأهلك بقطع من الليل﴾ في آخر الليل أو بعد
الحجر (٦٥ _ ٧٣)
ما يمضي شيء
194
صالح من الليل ﴿واتبع أدبارهم﴾ وسر خلفهم لتكون مطلعاً عليهم وعلى أحوالهم ﴿وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ﴾ لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم أو جعل النهي عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف لأن من يلتفت لا بد له في ذلك من أدنى وقفة ﴿وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ حيث أمركم الله بالمضي إليه وهو الشام أو مصر
195
وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦)
﴿وقضينا إليه ذلك الأمر﴾ عدى قضينا بالى لأنه ضمن معنى أوحينا كأنه قيل وأوحينا إليه مقضياً مبتوتاً وفسر ذلك الأمر بقوله ﴿أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآْءِ مَقْطُوعٌ﴾ وفي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمر ودابرهم آخرهم أي يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد ﴿مُّصْبِحِينَ﴾ وقت دخولهم في الصبح وهو حال من هؤلاء
وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧)
﴿وَجَآءَ أَهْلُ المدينة﴾ سدوم التي ضرب بقاضيها المثل في الجور ﴿يَسْتَبْشِرُونَ﴾ بالملائكة طمعاً منهم في ركوب الفاحشة
قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (٦٨)
﴿قَالَ﴾ لوط ﴿إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِى فَلاَ تَفْضَحُونِ﴾ بفضيحة ضيفي لأن من أساء إلى ضيفي فقد أساء إليّ
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (٦٩)
﴿واتقوا الله ولا تخزون﴾ أي ولا تذلون بإذلال ضيفي من الخزي وهو الهوان وبالياء فيها يعقوب
قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (٧٠)
﴿قالوا أو لم ننهك عن العالمين﴾ عن أن نجير منهم أحد أو تدفع عنهم فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد وكان عليه السلام يقوم بالنهي عن المنكر والحجز بينهم وبين المتعرض له فأوعدوه وقالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المجرمين أو عن ضيافة الغرباء
قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (٧١)
﴿قال هؤلاء بَنَاتِى﴾ فانكحوهن وكان نكاح المؤمنات من الكفار جائزاً ولا تتعرضوا لهم ﴿إِن كُنتُمْ فاعلين﴾ إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحل الله دون ما حرم فقالت الملائكة للوط عليه السلام
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢)
﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ﴾ أي في غوايتهم التي أذهبت عقولهم وتمييزهم بين الخطإ الذي هم عليه وبين الصواب الذي تشير به عليهم من ترك البنين إلى البنات ﴿يَعْمَهُونَ﴾ يتحيرون فكيف يقبلون قولك ويصغون إلى نصيحتك أو الخطاب لرسول الله ﷺ وهو قسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط تعظيماً له والعُمر والعَمر واحد وهو البقاء إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح إيثاراً للأخف لكثرة دور الحلف على ألسنتهم ولذا حذفوا الخبر وتقديره لعمرك قسمي
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣)
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة﴾ صيحة جبريل عليه السلام ﴿مُشْرِقِينَ﴾ داخلين في الشروق وهو
الحجر (٧٤ _ ٨٥)
بزوغ الشمس
فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤)
﴿فَجَعَلْنَا عاليها سَافِلَهَا﴾ رفعها جبريل عليه السلام إلى السماء ثم قلبها والضمير لقرى قوم لوط ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجِّيلٍ﴾
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥)
﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيات لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ للمتفرسين المتأملين كأنهم يعرفون باطن الشيء بسمة ظاهرة
وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦)
﴿وَإِنَّهَا﴾ وإن هذه القرى يعني آثارها ﴿لَبِسَبِيلٍ مقيم﴾ ثابت يسلكه الناس لم يندرس بعدوهم يبصرون تلك الآثار وهو تنبيه لقريش كقوله وانكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧)
﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ لأنهم المنتفعون بذلك
وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (٧٨)
﴿وَإِن كَانَ أصحاب الأيكة﴾ وإن الأمر والشأن كان أصحاب الأيكة أي الغيضة ﴿لظالمين﴾ لكافرين وهم قوم شعيب عليه السلام
فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (٧٩)
﴿فانتقمنا مِنْهُمْ﴾ فأهلكناهم لما كذبوا شعيباً ﴿وَإِنَّهُمَا﴾ يعني قرى قوم لوط والأيكة ﴿لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ لبطريق واضح والإمام اسم ما يؤتم به فسمى به الطريق ومِطمر البناء لأنهما مما يؤتم به
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠)
﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أصحاب الحجر المرسلين﴾ هم ثمود والحجر واديهم وهو بين المدينة والشام المرسلين يعني بتكذيبهم صالحاً لأن كل رسول كان يدعو إلى الإيمان بالرسل جميعاً فمن كذب واحداً منهم فكأنما كذبهم جميعاً أو أراد صالحاً ومن معه من المؤمنين كما قيل الخبيبيون في ابن الزبير واصحابه
وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٨١)
﴿وآتيناهم آياتنا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ أي أعرضوا عنها ولم يؤمنوا بها
وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (٨٢)
﴿وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتًا﴾ أي ينقبون في الجبال بيوتاً أو يبنون من الحجارة ﴿آمنين﴾ لوثاقة البيوت واستحكامها من أن تنهدم ومن نقب اللصوص والأعداء أو آمنين من عذاب الله يحسبون أن الجبال تحميهم منه
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣)
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة﴾ العذاب ﴿مُّصْبِحِينَ﴾ في اليوم الرابع وقت الصبح
فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤)
﴿فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ من بناء البيوت الوثيقة واقتناء الأموال النفيسة
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥)
﴿وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بالحق﴾ إلا خلقاً ملتبساً بالحق لا باطلاً وعبثا أو بسبب العدل والإنصاف يوم الجزاء على الأعمال ﴿وَإِنَّ الساعة﴾ أي القيامة لتوقعها كل ساعة ﴿لآتِيَةٌ﴾ وإن الله ينتقم لك فيها من أعدائك ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيآتهم فإنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما
الحجر (٨٥ _ ٩١)
إلا لذلك ﴿فاصفح الصفح الجميل﴾ فأعرض عنهم إعراضاً
197
جميلاً بحلم وإغضاء قيل هو منسوخ بآية السيف وإن أريد به المخالفة فلا يكون منسوخا
198
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨٦)
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق﴾ الذي خلقك وخلقهم ﴿العليم﴾ بحالك وحالهم فلا يخفي عليه ما يجرى بينكم وهو يحكم بينكم
وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧)
﴿ولقد آتيناك سَبْعًا﴾ أي سبع آيات وهي الفاتحة أو سبع سور وهي الطوال واختلف في السابعة فقيل الأنفال وبراءة لأنهما في حكم سورة بدليل عدم التسمية بينهما وقيل سورة يونس أو أسباع القرآن ﴿مِّنَ المثاني﴾ هي من التثنية وهي التكرير لأن الفاتحة مما يتكرر في الصلاة أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله الواحدة مثناة أو مثنية صفة لآية وأما السور الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد ولما فيها من الثناء كأنها تثني على الله وإذا جعلت السبع مثاني فمن للتبيين وإذا جعلت القرآن مثاني فمن للتبعيض ﴿والقرآن العظيم﴾ هذا ليس بعطف الشيء على نفسه لأنه إذا أريد بالسبع الفاتحة أو الطوال فما وراءهن ينطلق عليه اسم القرآن لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل دليله قوله بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذا القرآن يعني سورة يوسف وإذا أريد به الأَسباع فالمعنى ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم أي الجامع لهذين النعتين وهو التثنية أو الثناء والعظم
لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨)
ثم قال لرسوله ﴿لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ أي لا تطمح ببصرك طموح راغب ٢ فيه متمن له ﴿إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ﴾ أصنافاً من الكفار كاليهود والنصارى والمجوس يعني قد أوتيت النعمة العظمى التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة وهي القرآن العظيم فعليك أن تستغني به ولا تمدن عينيك إلى متاع الدنيا وفي الحديث ليس منا من لم يتغن بالقرآن وحديث أبي بكر
198
من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغّر عظيماً وعظم صغيراً ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ أي لا تتمن أموالهم ولا تحزن عليهم أنهم لم يؤمنوا فيتقوى بمكانهم الإسلام والمسلمون ﴿واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ وتواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وطب نفساً عن إيمان الأغنياء
199
وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩)
﴿وَقُلْ﴾ لهم ﴿إِنِّى أَنَا النذير المبين﴾ أنذركم ببيان وبرهان أن عذاب الله نازل بكم
كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠)
﴿كَمَآ أَنْزَلْنَا﴾ متعلق بقوله ولقد آتيناك أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا ﴿عَلَى المقتسمين﴾ وهم أهل الكتاب
الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١)
﴿الذين جعلوا القرآن عِضِينَ﴾ أجزاء جمع عضة وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء حيث قالوا بعنادهم بعضه حق موافق للتوارة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل وعضوه وقيل كانوا يستهزءون به فيقول بعضهم سورة البقرة لي ويقول
الحجر (٩١ _ ٩٩)
الآخر سورة آل عمران لي أو أريد بالقرآن ما يقرءونه من كتبهم وقد اقتسموه فاليهود أقرت ببعض التوارة وكذبت ببعض والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض ويجوز أن يكون الذين جعلوا القرآن عضين منصوبا بالنذير أي أنذر المعضين الذين يجزءون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم فقعدوا في كل مدخل متفرقين لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله ﷺ يقول بعضهم لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر ويقول الآخر كذاب والآخر شاعر فأهلكهم الله ولا تمدن عينيك على الوجه الآول اعترض بينهما لأنه لما كان ذلك تسلية لرسول الله ﷺ عن تكذيبهم وعداوتهم اعترض بما هو مدار لمعنى التسلية من النهي عن الإلتفات
199
إلى دنياهم والتأسف على كفرهم ومن الأمر بأن يقبل بكليته عن المؤمنين
200
فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)
﴿فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أقسم بذاته وربوبيته ليسألن يوم القيامة واحداً واحداً من هؤلاء المقتسمين عما قالوه في رسول الله ﷺ أو في القرآن أو في كتب الله
فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤)
﴿فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ﴾ فاجهر به وأظهره يقال صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً من الصديع وهو الفجر أو فاصدع فافرق بين الحق والباطل من الصدع في الزجاجة وهو الإبانة بما تؤمر والمعنى بما تؤمر به من الشرائع فحذف الجار كقوله... أمرتك الخير فافعل ما أمرت به...
﴿وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين﴾ هو أمر استهانة بهم
إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)
﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمسْتَهْزِئينَ﴾ الجمهور على أنها نزلت في خمسة نفر كانوا يبالغون في إيذاء رسول الله ﷺ والاستهزاء به فأهلكهم الله وهم الوليد بن المغيرة مر بنبّال فتعلق بثوبه سهم فأصاب عرقاً في عقبه فقطعه فمات والعاص بن وائل دخل في أخمصه شوكة فانتفخت رجله فمات الأسود بن عبد المطلب عمى والأسود بن عبد يغوث جعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات والحرث بن قيس امتخط قيحاً ومات
الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦)
﴿الذين يجعلون مع الله إلها آخر فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ عاقبة أمرهم يوم القيامة
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧)
﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾ فيك أو في القرآن في الله
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨)
﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ الساجدين﴾ فافزع فيما نابك إلى الله والفزع إلى الله هو الذكر الدائم وكثرة السجود يكفك ويكشف عنك الغم
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)
﴿واعبد رَبَّكَ﴾ ودم على عبادة ربك ﴿حتى يَأْتِيَكَ اليقين﴾ أي الموت يعني ما دمت حيا فاشتغل بالعبادة وكان رسول الله ﷺ إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة
201
سورة النحل مكية وهي مائة وثمان وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

النحل (١ _ ٥)
202
Icon