ﰡ
٥٧٦- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا اجتمع أهل النار في النار ومن شاء الله معهم من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين، ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا : بلى فيقولون ما أغنى عنكم إسلامكم إذ أنتم معنا في النار، فيقولون : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فيسمع الله عز وجل ما قالوا فيأمر بإخراج من كان في النار من أهل القبلة فيخرجون فإذا رأى ذلك الكفار قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما أخرجوا، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه :﴿ ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ﴾ " ١ [ الإحياء : ٤/٥٧٩ ].
٥٧٧- من أسباب حفظه في القلوب والمصاحف استدامة تلاوته والمواظبة على دراسته، مع القيام بآدابه وشروطه والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة والآداب الظاهرة. [ نفسه : ١/٣٢١ ].
٥٧٨- إنما إلقاحها في إيقاع الازدواج بين الهواء والأرض. [ نفسه : ٤/١٢٢ ].
٥٧٩- أما التسوية : فهي عبارة عن فعل في المحل المقابل للروح ؛ وهو الطين في حق آدم صلى الله عليه وسلم، والنطفة في حق أولاده بالتصفية وتعديل المزاج والتردد في أطوار الخلقة إلى الغاية حتى ينتهي في الصفاء ومناسبة الأجزاء إلى الغاية، فيستعد لقبول الروح وإمساكها كاستعداد الفتيلة بعد شرب الدهن لقبول النار وإمساكها.
وأما النفخ : فهو عبارة عن اشتعال نور الروح في المحل المقابل، فالنفخ سبب الاشتعال، وصورة النفخ في حق الله تعالى محال، والسبب غير محال، فعبر عن نتيجة النفخ بالنفخ ؛ وهو الاشتغال في فتيلة النطفة، وللنفخ صورة ونتيجة.
وأما صورته : فهو إخراج هوى من جوف النافخ إلى جوف المنفوخ فيه- وهو فتيلة النطفة- فيشتعل فيها، وأما السبب الذي اشتعل به نور الروح فهو صفة في الفاعل، وصفة في المحل القابل، وأما صفة الفاعل : فالجود الذي هو ينبوع الوجود، وهو فياض بذاته على كل موجود حقيقة وجوده، ويعبر عن تلك الصفة بالقدرة، ومثالها فيضان نور الشمس على كل قابل الاستنارة عند ارتفاع الحجاب بينهما، والقابل هو الملونات دون الهواء الذي لا لوم له، وأما صفة القابل : فالاستواء واعتدال الحاصل في التسوية، كما قال تعالى :﴿ فإذا سوّيته ﴾.
ومثال صفة القابل : صفات المرآة، فإن المرآة قبل صقالتها لا تقبل الصورة، وإن كانت محاذية لها، فإذا صقلت حدثت فيها صورة من ذي الصورة المحاذية لها، فكذلك إذا حصل على الاستواء في النطفة حدث فيها الروح من خالق الروح من غير تغير في الخالق تعالى الآن، لا بل إنما حدث الروح قبله لتغير المحل بحصول الاستواء الآن لا قبله.
وأما فيضان الجود، فالمراد به : أن الجود الإلهي سبب لحدوث أنوار الوجود في كل ماهية قابلة للجود، فعبر عنه بالفيض، لا كما يفهم من فيض الماء من الإناء على اليد، فإن ذلك عبارة عن انفصال جزء مما في الإناء واتصاله باليد، فإن الله سبحانه يتعالى عن مثل هذا.
وأما كشف معنى ماهية الروح ومعرفة حقيقتها فهو من السر الذي لم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في
كشفه لمن ليس من أهله، فإن كنت من أهله فاسمع.
اعلم أن الروح ليس بجسم يحل في البدن حلول الماء في الإناء، ولا هو عرض يحل القلب أو الدماغ حلول السواد في الأسود والعلم في العالم، بل هو جوهر لا يتجزأ باتفاق أهل البصائر، لأنه لو انقسم لجاز أن يقوم بجزء منه العلم بالشيء، وبجزء آخر منه الجهل بذلك الشيء بعينه، فيكون في حالة واحدة عالما بالشيء وجاهلا به، وذلك محال، فدل بذلك على أنه واحد لا ينقسم.
فإن قيل لم منع رسول الله صلى الله عليه وسلم إفشاء سر الروح وكشف حقيقته ؟ فيقال لأنه يتصف بصفات لا تحملها الأفهام، إذ الناس قسمان : عوام وخواص، أما من غلب على طبعه العامية فإنه لا يصدق بما هو وصف الروح أن يكون وصفا لله تعالى، فكيف يصدق به في وصف الروح الإنساني ؟ وكذلك أنكرت الكرامية١ والحنبلية وغيرهم ممن غلبت عليهم العامية بتنزيه الإله تعالى عن الجسمية وعوارضها، إذ لا يعقلون موجودا إلا متجسما مشارا إليه، ومن ترقى عن العامية قليلا نفى الجسمية عن الله تعالى، وما أطلق أن ينفى عوارض الجسمية عنه، فأثبت الجهة وترقى عن هذه العامية : الأشعرية والمعتزلة فنزهوا الإله تعالى عن الجسمية والجهة.
فإن قيل : لم لا يجوز كشف هذا السر مع هؤلاء ؟ فيقال : لأنهم أحالوا أن تكون هذه الصفة لغير الله تعالى، فإذا ذكرت هذا معهم كفروك وقالوا : هذا تشبيه لأنك تصف نفسك بما هو صفة الإله تعالى على الخصوص وذلك جهل بأخص صفات الله تعالى.
فإن قلنا : إن الإنسان حي عالم قادر مريد سميع بصير متكلم، والله تعالى كذلك ليس فيه تشبيه، لأن هذه الصفات ليس أخص أوصاف الله تعالى، فلذلك البراءة عن المكان والجهة ليست أخص وصف الإله تعالى، بل أخص وصفه تعالى أنه قيوم، أي : قائم بذاته وكل ما سواه قائم به وهو موجود بذاته لا بغيره، وليس للأشياء بأنفسها إلا العدم وإنما لها الوجود من غيرها على سبيل العارية، فالوجود لله تعالى ذاته ليس بمستعار، وما سواه فوجوده منه تعالى لا من نفسه وهذه القيومية ليست إلا لله تعالى.
فإن قيل : ما معنى نسبة الروح لله تعالى في قوله :﴿ ونفخت فيه من روحي ﴾ فاعلم أن الروح منزهة عن الجهة والمكان، وفي قوتها العلم بجميع المعلومات والإطلاع عليها، فهذه مضاهاة ومناسبة ليست لغيره من الجسمانيات، فلذلك اختصت بالإضافة إلى الله تعالى. [ روضة الطالبين ضمن المجموعة رقم ٢ ص : ٤٦-٤٨ ].
٥٨٠- ﴿ فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ﴾ فروح الله عز وجل مفتاح أبواب السعادة، ولم يكن ينفخها إلا بعد التسوية، ومعنى التسوية يرجع إلى التعديل. [ كتاب الأربعين : ٧١ ].
٥٨١- الأرواح البشرية حدثت عن استعداد النطفة لقبول النفس من واهبها، كما قال تعالى :﴿ فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ﴾ كما حدثت الصورة في المرآة لحدوث الصقالة، وإن كان ذو الصورة سابق الوجود على الصقالة. [ معارج القدس في مدارج معرفة النفس : ١٠٥ ].
٥٨٣- كمالات الموجودات قبول الأمر، وكمالات المكلفين قبولها للثواب، فمن لم يقبل الأمر أخرج من عالم الحق، والإخراج من الحق لعن كحال الشيطان الأول، إذ لم يقبل الأمر فأخرج من جنة العقل، وقيل :﴿ فاخرج منها فإنك رجيم ﴾ وذلك معنى اللعن. [ معارج القدس : ١٧٧ ].
٥٨٦- قال صلى الله عليه وسلم :( اتقوا فراسة المومن فإنه ينظر بنور الله تعالى )١ وإليه يشير قوله تعالى :﴿ إن في ذلك لآية للمتوسمين ﴾ وقوله تعالى :﴿ قد بينا الآيات لقوم يوقنون ﴾٢ [ الإحياء : ٣/٢٦ ]
٢ - البقرة: ١١٧..
٥٨٧- من منافع الجبال ما يتخذه العباد من المساكن، تقيهم البرد والحر، ويتخذون مدافن لحفظ جثث الموتى، وقد ذكر الله تعالى :﴿ وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ﴾. [ الحكمة في مخلوقات الله عز وجل ضمن المجموعة رقم ١ ص ١٦ ].
٥٨٨- روى محمد بن الحنفية١ عن علي رضي الله تعالى عنهما أنه قال : لما نزل قوله تعالى :﴿ فاصفح الصفح الجميل ﴾ قال :( يا جبريل وما الصفح الجميل ؟ قال عليه السلام : إذا عفوت عمن ظلمك فلا تعاتبه. فقال : يا جبريل فالله تعالى أكرم أن يعاتب من عفى عنه، فبكى جبريل وبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث الله تعالى لهم مكائيل وقال : إن ربكما يقرئكما السلام، ويقول : كيف أعاتب من عفوت عنه، هذا ما لا يشبه كرمي )٢. [ الإحياء : ٤/١٥٩ ].
٢ - قال الحافظ العراقي : أخرجه ابن مردويه في تفسيره موقوفا على علي مختصرا، قال: الرضا بغير عتاب، ولم يذكر بقية الحديث، وفي إسناده نظر. ن المغني بهامش الإحياء: ٤/١٩٥..
٥٨٩- تقديره : أن كل من أوتي القرآن العظيم حق له أن لا ينظر إلى الدنيا نظرة باستحلاء، فضلا عن أن يكون له فيها رغبة، وليلزم الشكر على ذلك، فإنها الكرامة التي حرص خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أن يمن بها على أبيه فلم يفعل، وحرص حبيبه المصطفى أن يمن بها على عمه أبي طالب فلم يفعل. [ منهاج العابدين : ٣٢٩-٣٣٠ ].