ﰡ
﴿ وَصَدُّواْ عَن سَبيلِ اللَّهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عن الله وهو الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه، قاله السدي.
الثاني : عن بيت الله يمنع قاصديه إذا عرض رسول الله ﷺ - عليهم الإسلام أن يدخلوا فيه، قاله الضحاك.
﴿ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أحبط ما فعلوه من الخير بما أقاموا عليه من الكفر.
الثاني : أبطل ما أنفقوا ببدر لما نالهم من القتل.
الثالث : أضلهم عن الهدى بما صرفهم عن التوفيق.
وحكى مقاتل بن حيان أن هذه الآية نزلت في اثني عشر رجلاً من كفار مكة، ذكر النقاش أنهم أبو جهل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عقبة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف ومنبه ونبيه ابنا الحجاج وأبو البختري وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام والحارث بن عامر بن نوفل.
قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أنهم الأنصار، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها نزلت خاصة في ناس من قريش، قاله مقاتل.
وفي قوله :﴿ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : المواساة بمساكنهم وأموالهم، وهذا قول من زعم أنهم الأنصار.
الثاني : الهجرة وهذا قول من زعم أنهم قريش.
﴿ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﴾ أي آمنوا بمحمد ﷺ وبما أنزل عليه من القرآن.
﴿ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن إيمانهم هو الحق من ربهم.
الثاني : أن القرآن هو الحق من ربهم.
﴿ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : سترها عليهم.
الثاني : غفرها بإيمانهم.
﴿ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أصلح شأنهم، قاله مجاهد.
الثاني : أصلح حالهم، قاله قتادة.
الثالث : أصلح أمرهم، قاله ابن عباس، والثلاثة متقاربة وهي متأولة على إصلاح ما تعلق بدنياهم.
الرابع : أصلح نياتهم. حكاه النقاش، ومنه قول الشاعر :
فإن تقبلي بالود أقبل بمثله | وإن تدبري أذهب إلى حال باليا |
قوله تعالى :﴿ ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ اتَّبَعُواْ الْبَاطِلَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الباطل الشيطان، قاله مجاهد.
الثاني : إبليس، قاله قتادة، وسُمِّي بالباطل لأنه يدعو إلى الباطل.
ويحتمل ثالثاً : أنه الهوى.
﴿ وَأَنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّبعُواْ الْحَقَّ مِن رَّبِهِمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : اتبعوا الرسول، لأنه دعاهم إلى الحق وهو الإسلام.
الثاني : يعني القرآن سمي حقاً لمجيئه بالحق.
﴿ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ﴾ قال يحيى : صفات أعمالهم، وفي الناس هنا قولان :
أحدهما : أنه محمد ﷺ، قاله الكلبي.
الثاني : جميع الناس، قاله مقاتل.
أحدهما : أنهم عبدة الأوثان، قاله ابن عباس.
الثاني : كل من خالف دين الإسلام من مشرك أو كتابي إذا لم يكن صاحب عهد ولا ذمة.
وفي قوله :﴿ فَضَرْبَ الرِّقَابِ ﴾ وجهان :
أحدهما : ضرب أعناقهم صبراً عند القدرة عليهم.
الثاني : أنه قتلهم بالسلاح واليدين، قاله السدي.
﴿ حَتَّى إِذَآ أَثخَنُتُموهُمْ فَشُدُّواْ الْوَثَاقَ ﴾ يعني بالإثخان الظفر، وبشد الوثاق الأسر.
﴿ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً ﴾ في المَنِّ هنا قولان : أحدهما : أنه العفو والإطلاق كما من رسول الله صلى الله عليه على ثمامة بن أثال بعد أسره.
الثاني : أنه العتق، قاله مقاتل.
فأما الفداء ففيه وجهان :
أحدهما : أنه المفاداة على مال يؤخذ من أسير يطلق، كما فادى رسول الله ﷺ في بدر كل أسير بأربعة آلاف درهم، وفادى في بعض المواطن رجلاً برجلين.
الثاني : أنه البيع، قاله مقاتل.
﴿ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن أوزار الحرب أثقالها، والوزر الثقل ومنه وزير الملك لأنه يتحمل عنه الأثقال، وأثقالها السلاح.
الثاني : هو [ وضع ] سلاحهم بالهزيمة أو الموادعة، قال الشاعر :
وأعددت للحرب أوزارها | رماحا طوالاً وخيلاً ذكوراً |
الرابع : حتى يظهر الإسلام على الدين كله، وهو قول الكلبي.
الخامس : حتى ينزل عيسى ابن مريم، قاله مجاهد.
ثم في هذه الآية قولان :
أحدهما : أنها منسوخة بقوله :﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِم لَعَلَّهُمْ يَذَّكُرُونَ ﴾ [ الأنفال : ٥٧ ] قاله قتادة.
الثاني : أنها ثابتة الحكم، وأن الإمام مخير في من أسره منهم بين أربعة أمور : أن يقتل لقوله تعالى :﴿ فَضَرْبَ الرِّقَابِ ﴾، أو يسترق لأن رسول الله ﷺ استرق العقيلي، أو يَمُنُّ كما مَنَّ على ثمامة، أو يفادي بمال أو أَسرى، فإذا أسلموا أسقط القتل عنهم وكان في الثلاثة الباقية، على خياره، وهذا قول الشافعي.
﴿ ذلِك وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لا نَتصَرَ مِنهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بالملائكة، قاله الكلبي.
الثاني : بغير قتال، قاله الفراء.
قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ قراءة أبي عمرو وحفص، قال قتادة : هم قتلى أحد. وقرأ الباقون ﴿ قَاتَلُواْ ﴾.
﴿ سَيَهْدِيهِمْ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يحق لهم الهداية، قاله الحسن.
الثاني : يهديهم إلى محاجة منكر ونكير في القبر، قاله زياد.
الثالث : يهديهم إلى طريق الجنة، قاله ابن عيسى.
قوله تعالى :﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : عرفها بوصفها على ما يشوق إليها، حكاه ابن عيسى.
الثاني : عرفهم ما لهم فيها من الكرامة، قاله مقاتل.
الثالث : معنى عرفها أي طيبها بأنواع الملاذ، مأخوذ من العرف وهي الرائحة الطيبة، قاله بعض أهل اللغة.
ويحتمل خامساً : أنه عرف أهل السماء انها لهم إظهاراً لكرامتهم فيها.
قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَنصُرواْ اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إن تنصروا دين الله ينصركم الله. الثاني : إن تنصروا نبي الله ينصركم الله، قاله قطرب.
﴿ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامكُمْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : ويثبت أقدامكم في نصره.
الثاني : عند لقاء عدوه.
ثم فيه وجهان :
أحدهما : يعني تثبيت الأقدام بالنصر.
الثاني : يريد تثبيت القلوب بالأمن.
قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ ﴾ فيه تسعة تأويلات :
أحدها : خزياً لهم، قاله السدي.
الثاني : شقاء لهم، قاله ابن زيد.
الثالث : شتماً لهم من الله، قاله الحسن.
الرابع : هلاكاً لهم، قال ثعلب.
الخامس : خيبة لهم، قاله ابن زياد.
السادس : قبحاً لهم، حكاه النقاش.
السابع : بعدائهم، قاله ابن جريج.
الثامن : رغماً لهم، قاله الضحاك.
التاسع : أن التعس الانحطاط والعثار، حكاه ابن عيسى.
وكائن رأينا من ملوك وسوقة | ومفتاح قيد للأسير المكبل |
﴿ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً ﴾ أي أهلها أشد قوة.
﴿ مِّن قَرْيَتِكَ ﴾ يعني مكة.
﴿ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ ﴾ أي أخرجك أهلها عند هجرتك منها.
﴿ أَهْلكْنَاهُمْ ﴾ يعني بالعذاب.
﴿ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ ﴾ يعني فلا مانع لهم منا، وهذا وعيد.
أحدها : أنه القرآن، قاله ابن زيد.
الثاني : أنه محمد ﷺ، قاله أبو العالية، والبينة الوحي.
الثالث : أنهم المؤمنون، قاله الحسن، والبينة معجزة الرسول.
الرابع : أنه الدين، قاله الكلبي.
﴿ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : عبادتهم الأوثان، قاله الضحاك.
الثاني : شركهم، قاله قتادة، وفيهم قولان :
أحدهما : أنهم كافة المشركين.
الثاني : أنهم الإثنا عشر رجلاً من قريش.
وفيمن زينه لهم قولان :
أحدهما : الشيطان.
الثاني : أنفسهم.
﴿ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَآءَهُم ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه نعت لمن زين له سوء عمله.
الثاني : أنهم المنافقون، قاله ابن زيد.
أحدهما : أنهم كانوا يحضرون الخطبة يوم الجمعة فإذا سمعوا ذكر المنافقين فيها أعرضوا عنه، فإذا خرجوا سألوا عنه، قاله الكلبي ومقاتل.
الثاني : أنهم كانوا يحضرون عند رسول الله ﷺ مع المؤمنين، فيسمعون منه ما يقول، فيعيه المؤمن ولا يعيه المنافق.
﴿ حَتَّى إِذا خَرَجُواْ مِن عِندِكَ ﴾ أي من عند رسول الله ﷺ.
﴿ قَالُواْ لِلَّذِينَ أوتُواْ الْعِلْمَ ﴾ فيهم أربعة أقاويل :
أحدها : أنه عبد الله بن عباس، قاله عكرمة.
الثاني : عبد الله بن مسعود، قاله عبد الله بن بريدة.
الثالث : أبو الدرداء، قاله القاسم بن عبد الرحمن.
الرابع : أنهم الصحابة، قاله ابن زيد.
﴿ مَاذَا قَالَ ءَانِفاً ﴾ هذا سؤال المنافقين للذين أُوتوا العلم إذا خرجوا من عند النبي ﷺ. وفيه وجهان :
أحدهما : يعني قريباً.
الثاني : مبتدئاً.
وفي مقصودهم بهذا السؤال وجهان :
أحدهما : الإستهزاء بما سمعوه.
الثاني : البحث عما جهلوه.
قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الإستهزاء زاد المؤمنين هدى، قاله الفراء.
الثاني : أن القرآن زادهم هدى، قاله ابن جريج.
الثالث : أن الناسخ والمنسوخ زادهم هدى، قاله عطية.
وفي الهدى الذي زادهم أربعة أقاويل :
أحدها : زادهم علماً، قاله الربيع بن أنس.
الثاني : علموا ما سمعوا، وعلموا بما عملوا، قاله الضحاك.
الثالث : زادهم بصيرة في دينهم وتصديقاً لنبيهم، قاله الكلبي.
الرابع : شرح صدورهم بما هم عليه من الإيمان.
ويحتمل خامساً : والذين اهتدوا بالحق زادهم هدى للحق.
﴿ وَءَاتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : آتاهم الخشية، قاله الربيع.
الثاني : ثواب تقواهم في الآخرة، قاله السدي.
الثالث : وفقهم للعمل الذي فرض عليهم، قاله مقاتل.
الرابع : بين لهم ما يتقون، قاله ابن زياد.
الخامس : أنه ترك المنسوخ والعمل بالناسخ، قاله عطية.
قوله تعالى :﴿ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأتِيَهُم بَغْتَةً ﴾ أي فجأة.
﴿ فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أشراطها آياتها، قاله ابن زيد.
الثاني : أوائلها، قاله ابن عباس.
الثالث : أنه انشقاق القمر على عهد رسول الله ﷺ، قاله الحسن.
الرابع : ظهور النبي، قاله الضحاك. قال الضحاك لأنه آخر الرسل وأمته آخر الأمم، وقد قال رسول الله ﷺ :« بُعِثْتُ وَالسَّاعَة كَهَاتِينِ » وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى.
﴿ فَأَنَّى لَهُمْ ﴾ قال السدي : معناه فكيف لهم النجاة.
﴿ إذَا جَآءَتْهُمْ ذِكرَاهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إذا جاءتهم الساعة، قاله قتادة.
الثاني : إذا جاءتهم الذكرى عند مجيء الساعة، قاله ابن زيد.
أحدهما : تذكيرهم بما عملوه من خير أو شر.
الثاني : هو دعاؤهم بأسمائهم تبشيراً أو تخويفاً. روى أبان عن أنس عن النبي ﷺ أنه قال :« أَحْسِنُواْ أَسْمَآءَكُم فَإِنَّكُم تُدْعَوْنَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، يَا فُلاَنُ قُمْ إِلَى نُورِكَ، يَا فُلاَنُ قُمْ فَلاَ نُورَ لَكَ ».
قوله تعالى :﴿ فَاعلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ وفي - وإن كان الرسول ﷺ عالماً به - ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني اعلم أن الله أعلمك أن لا إله إلا الله.
الثاني : ما علمته استدلالاً فاعلمه خبراً يقيناً.
الثالث : يعني فاذكر أن لا إله إلا الله، فعبر عن الذكر بالعلم لحدوثه عنه.
﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : يعني استغفر الله أن يقع منك ذنب.
الثاني : استغفر الله ليعصمك من الذنوب.
﴿ وَلِلْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ أي استغفر لهم ذنوبهم.
﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : متقلبكم في أسفاركم، ومثواكم في أوطانكم.
الثاني : متقلبكم في أعمالكم نهاراً ومثواكم في ليلكم نياماً.
﴿ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ ﴾ وفي قراءة ابن مسعود : فإذا أنزلت سورة محدثة ﴿ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ﴾.
في السورة المحكمة قولان :
أحدهما : أنها التي يذكر فيها الحلال والحرام، قاله ابن زياد النقاش.
الثاني : أنها التي يذكر فيها القتال : وهي أشد القرآن على المنافقين، قاله قتادة.
ويحتمل :
ثالثاً : أنها التي تضمنت نصوصاً لم يتعقبها ناسخ ولم يختلف فيها تأويل :
﴿ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾ هم المنافقون، لأن قلوبهم كالمريضة بالشك. فإذا أنزلت السورة المحكمة سر بها المؤمنون وسارعوا إلى العمل بما فيها، واغتم المنافقون ونظروا إلى رسول الله ﷺ.
﴿ نَظَرَ الْمَغْشِّيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوتِ ﴾ غماً بها وفزعاً منها.
﴿ فَأَوْلَى لَهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه وعيد، كأنه قال : العقاب أولى لهم، قاله قتادة.
الثاني : أولى لهم، ﴿ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ ﴾ من أن يجزعوا من فرض الجهاد عليهم، قاله الحسن.
وفيه وجه ثالث : أن قوله ﴿ طَاعَةٌ وَقُوْلٌ مَعْرُوفٌ ﴾ حكاية من الله عنهم قبل فرض الجهاد عليهم، ذكره ابن عيسى.
والطاعة هي الطاعة لله ورسوله في الأوامر والنواهي. وفي القول المعروف وجهان :
أحدهما : هو الصدق والقبول.
الثاني : الإجابة بالسمع والطاعة.
﴿ فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ ﴾ أي جد الأمر في القتال.
﴿ فَلَوْ صَدَقُواْ اللَّه ﴾ بأعمالهم ﴿ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ﴾ من نفاقهم.
قوله تعالى :﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : فهل عسيتم إن توليتم أمور الأمة أن تفسدوا في الأرض بالظلم، قاله الكلبي.
الثاني : فهل عسيتم إن توليتم الحكم فجعلتم حكاماً أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرشا، قاله أبو العالية.
الثالث : فهل عسيتم إن توليتم عن كتاب الله أن تفسدوا في الأرض بسفك الدماء الحرام. ﴿ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ ﴾، قاله قتادة.
الرابع : فهل عسيتم إن توليتم عن الطاعة أن تفسدوا في الأرض بالمعاصي وقطع الأرحام، قاله ابن جريج.
وفي هذه الآية ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه عنى بها المنافقين وهو الظاهر.
الثاني : قريشاً، قاله أبو حيان.
الثالث : أنها نزلت في الخوارج، قاله بكر بن عبد الله المزني.
أحدهما : أنهم اليهود كفروا بمحمد ﷺ من بعدما علموا في التوراة أنه نبي، قاله قتادة وابن جريج.
الثاني : المنافقون قعدوا عن القتال من بعدما علموه في القرآن، قاله السدي.
﴿ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أعطاهم سؤالهم، قاله ابن بحر.
الثاني : زين لهم خطاياهم، قاله الحسن.
﴿ وَأَمْلَى لَهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أمهلهم، قاله الكلبي ومقاتل فعلى هذا يكون الله تعالى هو الذي أملى لهم بالإمهال في عذابهم.
والوجه الثاني : أن معنى أملى لهم أي مد لهم في الأمل فعلى هذا فيه وجهان :
أحدهما : أن الله تعالى هو الذي أملى لهم في الأمل، قاله الفراء والمفضل.
الثاني : أن الشيطان هو الذي أملى لهم في مد الأمل بالتسويف، قاله الحسن.
﴿ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ ﴾ وفي قائل ذلك قولان :
أحدهما : أنهم اليهود قالوا للمنافقين سنطيعكم في بعض الأمر. وفيما أرادوا بذلك وجهان :
أحدهما : سنطيعكم في ألا نصدق بشيء، من مقالته، قاله الضحاك.
الثاني : سنطيعكم في كتم ما علمنا من نبوته، قاله ابن جريج.
القول الثاني : أنهم المنافقون قالوا لليهود سنطيعكم في بعض الأمر وفيما أرادوه بذلك ثلاثة أوجه :
أحدهما : سنطيعكم في غير القتال من بغض محمد ﷺ والقعود عن نصرته، قال السدي.
الثاني : سنطيعكم في الميل إليكم والمظاهر على رسول الله ﷺ.
الثالث : سنطيعكم في الارتداد بعد الإيمان.
﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : ما اسر بعضهم إلى بعض من هذا القول.
الثاني : ما أسروه في أنفسهم من هذا الاعتقاد.
قوله تعالى :﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : بالقتال نصرة لرسول الله ﷺ.
الثاني : بقبض الأرواح عند الموت.
﴿ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارُهُمْ ﴾ يكون على احتمال وجهين :
أحدهما : يضربون وجوههم في القتال عند الطلب وأدبارهم عند الهرب.
الثاني : يضربون وجوههم عند الموت بصحائف كفرهم، وأدبارهم في القيامة عند سوقهم إلى النار.
أحدهما : شك، قاله مقاتل.
الثاني : نفاق، قاله الكلبي.
﴿ أَن لن يُخْرِجَ أَضْغَانَهُمْ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : غشهم، قاله السدي.
الثاني : حسدهم، قاله ابن عباس.
الثالث : حقدهم، قاله ابن عيسى.
الرابع : عدوانهم، قاله قطرب وأنشد :
قل لابن هند ما أردت بمنطق | ساء الصديق وسر ذا الأضغان |
أحدهما : في كذب القول، قاله الكلبي.
الثاني : في فحوى كلامهم، واللحن هو الذهاب بالكلام في غير جهته، مأخوذ من اللحن في الإعراب وهو الذهاب عن الصواب ومنه قول النبي ﷺ :« إِنَّكُم لَتَحْتَكِمُونَ إِليَّ، أَحَدَكُمْ أَن يَكُونَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ » أي أذهب بها في الجهات لقوته على تصريف الكلام. قال مرار الأسدي :
ولحنت لحناً فيه غش ورابني | صدودك ترصين الوشاة الأعاديا |
﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالُكُم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : المجاهدين في سبيل الله.
الثاني : الزاهدين في الدنيا.
﴿ وَالصَّابِرِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : على الجهاد.
الثاني : عن الدنيا.
﴿ وَنَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : نختبر أسراركم.
الثاني : ما تستقبلونه من أفعالكم.
أحدهما : أطيعوا الله بتوحيده، وأطيعوا الرسول بتصديقه.
الثاني : أطيعوا الله في حرمة الرسول، وأطيعوا الرسول في تعظيم الله.
﴿ وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَالَكُم ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي، قاله الحسن.
الثاني : لا تبطلوها بالكبائر، قاله الزهري.
الثالث : لا تبطلوها بالرياء والسمعة، وأخلصوها لله، قاله ابن جريج والكلبي.
قوله تعالى :﴿ وَلَن يَتِرَكُم أَعمَالَكْم ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لن ينقصكم أعمالكم، قاله مجاهد وقطرب. وأنشد قول الشاعر :
إن تترني من الإجارة شيئاً | لا يفتني على الصراط بحقي |
الثالث : ولا يستلبكم أعمالكم، ومنه قول النبي ﷺ :« من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ».
أحدها : لا يسألكم أموالكم لنفسه.
الثاني : لا يسألكم جميع أموالكم في الزكاة ولكن بعضها.
الثالث : لا يسألكم أموالكم وإنما يسألكم أمواله، لأنه أملك بها وهو المنعم بإعطائها.
﴿ إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الإخفاء أخذ الجميع، قاله ابن زيد وقطرب.
الثاني : أنه الإلحاح وإكثار السؤال، مأخوذ من الحفاء وهو المشي بغير حذاء، قاله ابن عيسى.
الثالث : أن معنى فيحفكم أي فيجدكم تبخلوا، قاله ابن عيينة.
﴿ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : يظهر بامتناعكم ما أضمرتموه من عدوانكم.
الثاني : تظهرون عند مسألتكم ما أضمرتموه من عداوتكم.
قوله تعالى :﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَستَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : وإن تتولوا عن كتابي، قاله قتادة.
الثاني : عن طاعتي، حكاه ابن أبي حاتم.
الثالث : عن الصدقة التي أُمرتم بها، قاله الكلبي.
الرابع : عن هذا الأمر فلا تقبلونه، قاله ابن زيد.
﴿ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم أهل اليمن وهم الأنصار، قاله شريح بن عبيد.
الثاني : أنهم الفرس. روى أبو هريرة قال : لما نزل ﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُم ثُمَّ لاَ يَكُونُوآ أمْثَالَكُم ﴾ كان سلمان إلى جنب رسول الله ﷺ فقالوا : يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا يستبدلوا بنا؟ فضرب رسول الله ﷺ على منكب سلمان وقال :« هذا وَقَومُهُ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ الدِّينَ مُعَلَّقٌ بِالثُّرَيَّا لَنالَهُ رَِجَالٌ مِن أَبْنَاءِ فَارِس ».
الثالث : أنهم من شاء من سائر الناس، قاله مجاهد.
﴿ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني في البخل بالإنفاق في سبيل الله، قاله الطبري.
الثاني : في المعصية وترك الطاعة.
وحكي عن أبي موسى الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية فرح بها رسول الله ﷺ وقال :« هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن الدُّنْيَا ».