تفسير سورة الإسراء

الماوردي
تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ﴾ أما قوله ﴿ سبحان ﴾ ففيه تأويلان :
أحدهما : تنزيه الله تعالى من السوء، وقيل بل نزه نفسه أن يكون لغيره في إسراء عبده تأثير.
الثاني : معناه برأه الله تعالى من السوء، وقد قال الشاعر :
أقول لمّا جاءني فَخْرُه سبحان مِنْ علقمةَ الفاخِر
وهو ذكر تعظيم لله لا يصلح لغيره، وإنما ذكره الشاعر على طريق النادر، وهو من السبح في التعظيم وهو الجري فيه إلى أبعد الغايات. وذكر أبان بن ثعلبة أنها كلمة بالنبطية « شبهانك ». وقد ذكر الكلبي ومقاتل : إن ﴿ سبحان ﴾ في هذا الموضع بمعنى عجب، وتقدير الآية : عجب من الذي أسرى بعبده ليلاً، وقد وافق على هذا التأويل سيبويه وقطرب، وجعل البيت شاهداً عليه، وأن معناه عجبٌ من علقمة الفاخر. ووجه هذا التأويل أنه إذا كان مشاهدة العجب سبباً للتسبيح صار التسبيح تعجباً فقيل عجب، ومثله قول بشار :
تلقي بتسبيحةٍ مِنْ حيثما انصرفت وتستفزُّ حشا الرائي بإرعاد
وقد جاء التسبيح في الكلام على أربعة أوجه :
أحدها : أن يستعمل في موضع الصلاة، من ذلك قوله تعالى :﴿ فلولا أنه كان من المسبِّحينَ ﴾ [ الصافات : ١٤٣ ] أي من المصلين.
الثاني : أن يستعمل في الاستثناء، كما قال بعضهم في قوله تعالى :﴿ ألم أقل لكم لولا تسبحون ﴾ [ القلم : ٢٨ ] أي لولا تستثنون.
الثالث : النور، للخبر المروي عن رسول الله ﷺ أنه قال « لأحرقت سبحات وجهه » أي نور وجهه.
الرابع : التنزيه، روي عن النبي ﷺ أنه سئل عن التسبيح فقال :« تنزيه الله تعالى عن السوء
»
. وقوله تعالى :﴿ أسرى بعبده ﴾ أي بنبيه محمد ﷺ، والسُّرى : سير الليل، قال الشاعر :
وليلة ذا ندًى سَرَيت ولم يلتني مِنْ سُراها ليت
وقوله ﴿ من المسجد الحرام ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني من الحرم، والحرم كله مسجد. وكان ﷺ حين أُسرى به نائماً في بيت أم هانىء بنت أبي طالب، روى ذلك أبو صالح عن أم هانىء.
الثاني : أنه أسرى به من المسجد، وفيه كان حين أسري به روى ذلك أنس بن مالك. ثم اختلفوا في كيفية إسرائه على قولين :
أحدهما : أنه أسريَ بجسمه وروحه، روى ذلك ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو هريرة وحذيفة بن اليمان.
واختلف قائلو ذلك هل دخل بيت المقدس وصلى فيه أم لا، فروى أبو هريرة أنه صلى فيه بالأنبياء، ثم عرج به إلى السماء، ثم رجع به الى المسجد الحرام فصلى فيه صلاة الصبح من صبيحة ليلته.
وروى حذيفة بن اليمان أنه لم يدخل بيت المقدس ولم يُصلّ فيه ولا نزل عن البراق حتى عرج به، ثم عاد إلى ملكه.
405
والقول الثاني : أن النبي صلى الله عليه السلام أسري بروحه ولم يسر بجسمه، روى ذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما فُقِدَ جَسَدُ رسول الله ﷺ، ولكن الله أسرى بروحه.
وروي عن معاوية قال : كانت رؤيا من الله تعالى صادقة، وكان الحسن يتأول قوله تعالى ﴿ وما جَعَلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنةً للناس ﴾ [ الإسراء : ٦٠ ] أنها في المعراج، لأن المشركين كذبوا ذلك وجعلوا يسألونه عن بيت المقدس وما رأى في طريقه فوصفه لهم، ثم ذكر لهم أنه رأى في طريقه قعباً مغطى مملوءاً ماء، فشرب الماء ثم غطاه كما كان، ثم ذكر لهم صفة إبل كانت لهم في طريق الشام تحمل متاعاً، وأنها تقدُم يوم كذا مع طلوع الشمس، يقدمها جمل أورق؛ فخرجوا في ذلك اليوم يستقبلونها، فقال قائل منهم : هذه والله الشمس قد أشرقت ولم تأت، وقال آخر : هذه والله العير يقدُمها جمل أورق كما قال محمد. وفي هذا دليل على صحة القول الأول أنه أسرى بجسمه وروحه.
وقوله تعالى :﴿ إلى المسجد الأقصى ﴾ يعني بيت المقدس، وهو مسجد سليمان بن داود عليهما السلام وسمي الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام.
ثم قال تعالى :﴿ الذي باركنا حوله ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني بالثمار ومجاري الأنهار.
الثاني : بمن جعل حوله من الأنبياء والصالحين ولهذا جعله مقدساً. وروى معاذ بن جبل عن النبي ﷺ أنه قال « يقول الله تعالى : يا شام أنت صفوتي من بلادي وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي
»
. ﴿ لنريه من آياتنا ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الآيات التي أراه في هذا المسرى أن أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ليلة، وهي مسيرة شهر.
الثاني : أنه أراه في هذا المسرى آيات.
وفيها قولان :
أحدهما : ما أراه من العجائب التي فيها اعتبار.
الثاني : من أري من الأنبياء حتى وصفهم واحداً واحداً.
﴿ إنه هو السميع البصير ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه وصف نفسه في هذه الحال بالسميع والبصير، وإن كانتا من صفاته اللازمة لذاته في الأحوال كلها لأنه حفظ رسوله عند إسرائه في ظلمة الليل فلا يضر ألا يبصر فيها، وسمع دعاءه فأجابه إلى ما سأل، فلهذين وصف الله نفسه بالسميع البصير.
الثاني : أن قومه كذبوه عن آخرهم بإسرائه، فقال : السميع يعني لما يقولونه من تصديق أو تكذيب، البصير لما يفعله من الإسراء والمعراج.
406
قوله تعالى :﴿ وآتينا موسى الكتاب ﴾ يعني التوراة.
﴿ وجعلناه هدًى لبني إسرائيل ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن موسى هدى لبني إسرائيل.
الثاني : أن الكتاب هدى لبني إسرائيل.
﴿ ألاّ تتخذوا من دوني وكيلاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : شريكاً، قاله مجاهد.
الثاني : يعني ربّاً يتوكلون عليه في أمورهم، قاله الكلبي.
الثالث : كفيلاً بأمورهم، حكاه الفراء.
قوله تعالى :﴿ ذرية من حملنا مع نوح ﴾ يعني موسى وقومه من بني إسرائيل ذرية من حملهم الله تعالى مع نوح في السفينة وقت الطوفان.
﴿ إنّه كان عبداً شكوراً ﴾ يعني نوحاً، وفيه قولان :
أحدهما : أنه سماه شكوراً لأنه كان يحمد الله تعالى على طعامه، قاله سلمان.
الثاني : أنه كان يستجد ثوباً إلا حمد الله تعالى عند لباسه، قاله قتادة.
ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن نوحاً كان عبداً شكوراً فجعل الله تعالى موسى من ذريته.
الثاني : أن موسى كان عبداً شكوراً إذ جعله تعالى من ذرية نوح.
قوله تعالى :﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ﴾.
معنى قضينا ها هنا : أخبرنا.
ويحتمل وجهاً ثانياً : أن معناه حكمنا، قاله قتادة.
ومعنى قوله :﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل ﴾ أي قضينا عليهم.
﴿ لتفسدن في الأرض مرتين ﴾ الفاسد الذي فعلوه قتلهم للناس ظلماً وتغلبهم على أموالهم قهراً، وإخراب ديارهم بغياً. وفيمن قتلوه من الأنبياء في الفساد الأول قولان :
أحدهما : أنه زكريا قاله ابن عباس.
الثاني : أنه شعياً، قاله ابن إسحاق، وأن زكريا مات حتف أنفه.
أما المقتول من الأنبياء في الفساد الثاني فيحيى بن زكريا في قول الجميع قال مقاتل : وإن كان بينهما مائتا سنة وعشر.
﴿ فإذا جاء وعْد أولاهما ﴾ يعني أولى المرتين من فسادهم.
﴿ بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديدٍ ﴾ في قوله بعثنا وجهان :
أحدهما : خلينا بينكم وبينهم خذلاناً لكم بظلمكم، قاله الحسن.
الثاني : أمرنا بقتالكم انتقاماً منكم.
وفي المبعوث عليهم في هذه المرة الأولى خمسة أقاويل :
أحدها : جالوت وكان ملكهم طالوت إلى أن قتله داود عليه السلام، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني : أنه بختنصر، وهو قول سعيد بن المسيب.
الثالث : أنه سنحاريب، قاله سعيد بن جبير.
الرابع : أنهم العمالقة وكانوا كفاراً، قاله الحسن.
الخامس : أنهم كانوا قوماً من أهل فارس يتجسسون أخبارهم، وهو قول مجاهد.
﴿... فجاسوا خلال الديار ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : يعني مشوا وترددوا بين الدور والمساكن، قال ابن عباس وهو أبلغ في القهر.
الثاني : معناه فداسوا خلال الديار، ومنه قول الشاعر :
إِلَيْكَ جُسْتُ اللَّيْلَ بِالمَطِيِّ... الثالث : معناه فقتولهم بين الدور والمساكن، ومنه قول حسان بن ثابت :
ومِنَّا الَّذِي لاقَى بِسَيْفِ مُحَمَّدٍ فَجَاس بهِ الأَعْدَاءَ عَرْضَ العَسَاكر
الرابع : معناه فتشوا وطلبوا خلال الديار، قاله أبو عبيدة.
الخامس : معناه نزلوا خلال الديار، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر :
فَجُسنا ديارهم عَنْوَةً وأبنا بساداتهم موثَقينا
قوله تعالى :﴿ ثم رددنا لكم الكرة عليهم ﴾ يعني الظفر بهم، وفي كيفية ذلك ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن بني إسرائيل غزوا ملك بابل واستنقذوا ما فيه يديه من الأسرى والأموال. الثاني : أن ملك بابل أطلق من في يده من الأسرى، وردّ ما في يده من الأموال.
الثالث : أنه كان بقتل جالوت حين قتله داود.
﴿ وأمددناكم بأموالٍ وبنين ﴾ بتجديد النعمة عليهم.
﴿ وجعلناكم أكثر نفيراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أكثر عزاً وجاهاً منهم.
الثاني : أكثر عدداً، وكثرة العدد تنفر عدوهم منهم، قال تُبع بن بكر :
فأكرِم بقحْطَانَ مِن وَالِدٍ وحِمْيَرَ أَكْرِم بقَوْمٍ نَفِيراً
قال قتادة : فكانوا بها مائتي سنة وعشر سنين، وبعث فيهم أنبياء.
قوله تعالى :﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ﴾ لأن الجزاء بالثواب يعود إليها، فصار ذلك إحساناً لها.
﴿ وإن أسأتُم فلها ﴾ أي فإليها ترجع الإساءة لما يتوجه إليها من العقاب، فرغَّب في الإحسان وحذر من الإساءة.
ثم قال تعالى :﴿ فإذا جاءَ وعْدُ الآخرة ليسوءُوا وجُوهكم ﴾ يعني وعد المقابلة على فسادهم في المرة الثانية. وفيمن جاءهم فيها قولان : أحدهما : بختنصّر، قاله مجاهد.
408
الثاني : أنه انطياخوس الرومي ملك أرض نينوى، وهو قول مقاتل، وقيل إنه قتل منهم مائة ألف وثمانين ألفاً، وحرق التوراة وأخرب بيت المقدس، ولم يزل على خرابه حتى بناه المسلمون.
﴿ وليدخلوا المسجد كما دَخلوه أوّل مرّة ﴾ يعني بيت المقدس.
﴿ وليتبروا ما علوا تتبيراً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أنه الهلاك والدمار.
الثاني : أنه الهدم والإخراب، قاله قطرب، ومنه قول لبيد :
وما النَّاسُ إلا عَامِلان فَعَامِلٌ يُتَبِّرُ مَا يَبْنِي وَآخَرُ رَافِعٌ
قوله تعالى :﴿ عسى ربُّكم أن يرحمكم ﴾ يعني مما حل بكم من الانتقام منكم.
﴿ وإن عدتم عدنا ﴾ فيه تأويلان : أحدهما : إن عدتم إلى الإساءة عدنا إلى الانتقام، فعادوا. قال ابن عباس وقتادة : فبعث الله عليهم المؤمنين يذلونهم بالجزية والمحاربة إلى يوم القيامة.
الثاني : إن عدتم إلى الطاعة عدنا إلى القبول، قاله بعض الصالحين.
﴿ وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني فراشاً ومهاداً، قاله الحسن : مأخوذ من الحصير المفترش.
الثاني : حبساً يحبسون فيه، قاله قتادة، مأخوذ من الحصر وهو الحبس. والعرب تسمي الملك حصيراً لأنه بالحجاب محصور، قال لبيد :
409
قوله تعالى :﴿ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ﴾ فيها تأويلان :
أحدهما : شهادة أن لا إله إلا الله، قاله الكلبي والفراء.
الثاني : ما تضمه من الأوامر والنواهي التي هي أصوب، قاله مقاتل.
قوله تعالى :﴿ ويدعو الإنسان بالشر دُعاءَه بالخير ﴾ فيه وجهان من التأويل :
أحدها : أن يطلب النفع في العاجل بالضر العائد عليه في الآجل.
الثاني : أن يدعوا أحدهم على نفسه أو ولده بالهلاك، ولو استجاب دعاءه بهذا الشر كما استجاب له بالخير لهلك.
﴿ وكان الإنسان عجولاً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : عجولاً في الدعاء على نفسه وولده وما يخصه، وهذا قول ابن عباس وقتادة ومجاهد.
الثاني : أنه عنى آدم حين نفخ فيه الروح، حتى بلغت الى سُرّته فأراد أن ينهض عجلاً، وهذا قول إبراهيم والضحاك.
قوله تعالى :﴿ وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنها ظلمة الليل التي لا نبصر فيها الطرقات كما لا نبصر ما محي من الكتاب، وهذا من أحسن البلاغة، وهو معنى قول ابن عباس.
الثاني : أنها اللطخة السوداء التي في القمر، وهذا قول علي وقتادة ليكون ضوء القمر أقل من ضوء الشمس فيميز به الليل من النهار.
﴿ وجعلنا آية النهار مبصرة ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنها الشمس مضيئة للأبصار.
الثاني : موقظة.
قوله تعالى :﴿ وكل إنسان ألزمنا طائره في عنقه ﴾ فيه قولان :
أحدهما : ألزمناه عمله من خير أو شر مثل ما كانت العرب تقوله سوانح الطير وبوارحه، والسانح : الطائر يمر ذات اليمين وهو فأل خير، والبارح : الطائر يمر ذات الشمال وهو فأل شر، وأضيف إلى العنق.
الثاني : أن طائره حظه ونصيبه، من قول العرب : طار سهم فلان إذا خرج سهمه ونصيبه منه، قاله أبو عبيدة.
﴿ ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً ﴾ يعني كتاب طائره الذي في عنقه من خير أو شر.
ويحتمل نشر كتابه الذي يلقاه وجهين :
أحدهما : تعجيلاً للبشرى بالحسنة، والتوبيخ بالسيئة.
الثاني : إظهار عمله من خير أو شر.
﴿ اقرأ كتابك ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لما في قراءته من زيادة التقريع والتوبيخ.
والثاني : ليكون إقراره بقراءته على نفسه.
﴿ كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني شاهداً.
والثاني : يعني حاكماً بعملك من خير أو شر. ولقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك بعملك.
قوله تعالى :﴿ مَن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ﴾ يعني لما يحصل له من ثواب طاعته.
﴿ ومَن ضلّ فإنما يضل عليها ﴾ يعني لما يحصل عليه من عقاب معصيته.
﴿ ولا تزر وازِرةٌ وزر أخرى ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا يؤاخذ أحد بذنب غيره.
الثاني : لا يجوز لأحد أن يعصى لمعصية غيره.
الثالث : لا يأثم أحد بإثم غيره.
ويحتمل رابعاً : أن لا يتحمل أحد ذنب غيره ويسقط مأثمه عن فاعله.
﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وما كنا معذبين على الشرائع الدينية حتى نبعث رسولاً مبيناً، وهذا قول من زعم أن العقل تقدم الشرع.
الثاني : وما كنا معذبين على شيء من المعاصي حتى نبعث رسولاً داعياً، وهذا قول من زعم أن العقل والشرع جاءا معاً.
وفي العذاب وجهان :
أحدهما : عذاب الآخرة. وهو ظاهر قول قتادة.
الثاني : عذاب بالاستئصال في الدنيا، وهو قول مقاتل.
قوله تعالى :﴿ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها.. ﴾ الآية في قوله ﴿ وإذا أردنا أن نهلك قرية ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : معناه إذا أردنا أن نحكم بهلاك قرية.
والثاني : معناه وإذا أهلكنا قرية، وقوله ﴿ أردنا ﴾ صلة زائدة كهي في قوله تعالى :﴿ جداراً يريد أن ينقض ﴾ [ الكهف : ٧٧ ]
الثالث : أنه أراد بهلاك القرية فناء خيارها وبقاء شرارها.
﴿ أمرنا مترفيها ﴾ الذي عليه الأئمة السبعة من القراء أن أمرنا مقصور مخفف، وفيه وجهان :
أحدهما : أمرنا متفريها بالطاعة، لأن الله تعالى لا يأمر إلا بها، ﴿ ففسقوا فيها ﴾ أي فعصوا بالمخالفة، قاله ابن عباس.
الثاني : معناه : بعثنا مستكبريها، قاله هارون، وهي في قراءة أبيِّ : بعثنا أكابر مجرميها.
وفي قراءة ثانية ﴿ أمّرنا مترفيها ﴾ بتشديد الميم، ومعناه جعلناهم أمراء مسلطين، قاله أبو عثمان النهدي.
وفي قراءة ثالثة ﴿ آمَرْنا مُترفيها ﴾ ممدود، ومعناه أكثرنا عددهم، من قولهم آمر القوم إذا كثروا، لأنهم مع الكثرة يحتاجون إلى أمير يأمرهم وينهاهم، ومنه قول النبي ﷺ « خير المال مهرة أو سُكة مأبورة » أي كثيرة النسل، وقال لبيد :
ومقامَةِ غُلْبِ الرِّقَابِ كَأَنَّهُمْ جِنٌّ لَدَى بَابِ الحَصِير قِيَامُ
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمِروا يوماً يصيروا إلى الإهلاك والنكد
وهذا قول الحسن وقتادة.
وفي ﴿ مترفيها ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها جباروها، قاله السن.
الثاني : رؤساؤها، قاله علي بن عيسى.
الثالث : فساقها، قاله مجاهد.
قوله تعالى :﴿ وكم أهلكنا من القرون من بعد نُوح ﴾ واختلفوا في مدة القرن على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مائة وعشرون سنة، قاله عبد الله بن أبي أوفى.
الثاني : أنه مائة سنة، قاله عبد الله بن بُسْر المازني. الثالث : أنه أربعون سنة، روى ذلك محمد بن سيرين عن النبي ﷺ.
قوله تعالى :﴿ كُلاًّ نُمِدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربِّكَ ﴾ يعني البر والفاجر من عطاء ربك في الدنيا دون الآخرة.
﴿ وما كان عطاء ربك محظوراً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : منقوصاً، قاله قتادة.
الثاني : ممنوعاً، قاله ابن عباس.
قوله تعالى :﴿ وقضى ربُّك ألاّ تبعدوا إلاّ إياه ﴾ معناه وأمر ربك، قاله ابن عباس والحسن وقتادة. وكان ابن مسعود وأبيّ بن كعب يقرآن ﴿ ووصى ربك ﴾ قاله الضحاك، وكانت في المصحف :﴿ ووصى ربك ﴾ لكن ألصق الكاتب الواو فصارت ﴿ وقضى ربك ﴾.
﴿ وبالوالدين أحساناً ﴾ معناه ووصى بالوالدين إحساناً، يعني أن يحسن إليهما بالبر بهما في الفعل والقول.
﴿ إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يبلغن كبرك وكما عقلك.
الثاني : يبلغان كبرهما بالضعف والهرم.
﴿ فلا تقل لهما أفٍّ ﴾ يعني حين ترى منهما الأذى وتميط عنهما الخلا، وتزيل عنهما القذى فلا تضجر، كما كانا يميطانه عنك وأنت صغير من غير ضجر.
وفي تأويل ﴿ أف ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه كل ما غلظ من الكلام وقبح، قاله مقاتل.
الثاني : أنه استقذار الشيء وتغير الرائحة، قاله الكلبي.
الثالث : أنها كلمة تدل على التبرم والضجر، خرجت مخرج الأصوات المحكية. والعرب أف وتف، فالأف وسخ الأظفار، والتُّف ما رفعته من الأرض بيدك من شيء حقير.
﴿ وقل لهما قولاً كريماً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ليناً.
والآخر : حسناً. قال ابن عباس : نزلت هذه الآية والآية التي بعدها في سعد بن أبي وقاص.
قوله تعالى :﴿... إنه كان للأوّابين غفوراً ﴾ فيهم خمسة أقاويل :
أحدها : أنهم المحسنون، وهذا قول قتادة.
والثاني : أنهم الذين يصلّون بين المغرب والعشاء، وهذا قول ابن المنكدر يرفعه.
الثالث : هم الذي يصلون الضحى، وهذا قول عون العقيلي.
والرابع : أنه الراجع عن ذنبه الذي يتوب، وهذا قول سعيد بن جبير ومجاهد.
والخامس : أنه الذي يتوب مرة بعد مرة، وكلما أذنب بادر بالتوبة وهذا قول سعيد بن المسيب.
قوله تعالى :﴿ وإما تعرضَنَّ عنهم ابتغاء رحمةٍ من ربّك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً ﴾ فيه تأويلان : أحدهما : معناه إذا أعرضت عمن سألك ممن تقدم ذكره لتعذره عندك ﴿ ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ﴾ أي انتظاراً للزرق منه ﴿ فقل لهم قولاً ميسوراً ﴾ أي عِدْهم خيراً ورد عليهم رداً جميلاً، وهذا قول الحسن ومجاهد. الثاني : معناه إذا أعرضت عمن سألك حذراً أن ينفقه في معصية فمنعته ابتغاء رحمة له فقل لهم قولاً ميسوراً، أي ليناً سهلاً، وهذا قول ابن زيد.
قوله تعالى :﴿ إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ﴾ أي ويقتر ويقلل.
﴿ إنه كان بعباده خبيراً بصيراً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : خبيراً بمصالحهم بصيراً بأمورهم.
والثاني : خبيراً بما أضمروا بصيراً بما عملوا.
قوله تعالى :﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ ﴾ يعني وأد البنات أحياء خيفة الفقر.
﴿ نحن نرزقهم وإياكُم إنّ قتلهم كان خطئاً كبيراً ﴾
والخِطءُ العدول عن الصواب بعمد، والخطأ العدول عنه بسهو، فهذا الفرق بين الخِطْءِ والخطأ، وقد قال الشاعر :
الخِطْءُ فاحشةٌ والبِرُّ نافِلةٌ كعَجْوةٍ غرسَتْ في الأرض تؤتَبرُ
الثاني : أن الخطء ما كان إثماً، والخطأ ما لا إثم فيه، وقرأ الحسن خطاء بالمد.
قوله تعالى :﴿ ولا تقتلوا النفس التي حَرَّم الله إلاَّ بالحق ﴾ يعني إلا بما تستحق به القتل.
﴿ ومَن قُتِل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه القود، قاله قتادة.
الثاني : أنه الخيار بين القود أو الدية أو العفو، وهذا قول ابن عباس والضحاك.
الثالث : فقد جعلنا لوليه سلطاناً ينصره وينصفه في حقه.
﴿ فلا يُسْرِف في القَتل ﴾ فيه قولان :
أحدهما : فلا يسرف القاتل الأول في القتل تعدياً وظلماً، إن وليّ المقتول كان منصوراً، قاله مجاهد.
الثاني : فلا يسرف وليّ المقتول في القتل.
وفي إسرافه أربعة أوجه :
أحدها : أن يقتل غير قاتله، وهذا قول طلق بن حبيب.
الثاني : أن يمثل إذا اقتص، قاله ابن عباس.
الثالث : أن يقتل بعد أخذ الدية، قاله يحيى.
الرابع : أن يقتل جماعة بواحد، قاله سعيد بن جبير وداود.
﴿ إنه كان منصوراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الولي كان منصوراً بتمكينة من القود، قاله قتادة. الثاني : أن المقتول كان منصوراً بقتل قاتله، قاله مجاهد.
قوله تعالى :﴿ ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالتي هي أحسن ﴾ وإنما خص اليتيم بالذكر لأنه إلى ذلك أحوج، والطمع في ماله أكثر. وفي قوله ﴿ إلاّ بالتي هي أحسن ﴾ قولان :
أحدهما : حفظ أصوله وتثمير فروعه، وهو محتمل.
الثاني : أن التي هي أحسن التجارة له بماله.
﴿ حتى يَبْلُغَ أَشدَّه ﴾ وفي الأشد وجهان : أحدهما : أنه القوة.
الثاني : المنتهى.
وفي زمانه ها هنا قولان :
أحدهما : ثماني عشرة سنة.
والثاني : الاحتلام مع سلامة العقل وإيناس الرشد.
﴿ وأوفوا بالعهد ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنها العقود التي تنعقد بين متعاقدين يلزمهم الوفاء بها، وهذا قول أبي جعفر الطبري.
الثاني : أنه العهد في الوصية بمال اليتيم يلزم الوفاء به.
الثالث : أنه كل ما أمر الله تعالى به أو نهى فهو من العهد الذي يلزم الوفاء به.
﴿ إن العهد كان مسئولاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن العهد كان مطلوباً، قاله السدي.
الثاني : أن العهد كان مسئولا عنه الذي عهد به، فيكون ناقض العهد هو المسئول.
الثالث : أن العهد نفسه هو المسئول بم نقِضت، كما تُسأل الموءُودة بأي ذنب قتلت.
قوله تعالى :﴿... وزنُوا بالقسطاس المستقيم ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه القبان. قاله الحسن.
الثاني : أنه الميزان صغر أو كبر، وهذا قول الزجاج.
الثالث : هو العدل.
واختلف من قال بهذا على قولين :
أحدهما : أنه رومي، قاله مجاهد.
الثاني : أنه عربي مشتق من القسط، قاله ابن درستويه.
﴿ ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أحسن باطناً فيكون الخير ما ظهر، وحسن التأويل ما بطن.
الثاني : أحسن عقابة، تأويل الشيء عاقبته.
قوله تعالى :﴿ ولا تقف ما ليس لك به عِلْمٌ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه لا تقل ما ليس لك به علم فلا تقل رأيت، ولم تر، ولا سمعت، ولم تسمع، ولا علمت ولم تعلم. وهذا قول قتادة.
الثاني : معناه ولا ترم أحد بما ليس لك به علم، وهذا قول ابن عباس. ومنه قول النبي ﷺ :« نحن بني النضر كنانة لا نقْفُو أمنا ولا ننتفي من أبينا
»
. الثالث : أنه من القيافة وهو اتباع الأثر، وكأنه يتبع قفا المتقدم، قال الشاعر :
ومِثْلُ الدُّمى شُمُّ العَرَنِينِ سَاكِنٌ بِهِنَّ الْحَيَاءُ لا يُشِعْنَ التَّقَافِيَا
أي التقاذف.
﴿ إن السمع والبصر والفؤاد كلُّ أُولئك كان عنه مسئولاً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون الإنسان هو المسئول عن السمع والبصر والفؤاد لأنه يعمل بها إلى الطاعة والمعصية.
الثاني : أن السمع والبصر والفؤاد تُسأل عن الإنسان ليكونوا شهوداً عليه، وله، بما فعل من طاعة وما ارتكب من معصية، ويجوز أن يقال أولئك لغير الناس، كما قال جرير :
قوله تعالى :﴿ ولا تمش في الأرض مَرَحاً ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن المرح شدة الفرح بالباطل.
الثاني : أنه الخيلاء في المشي، قاله قتادة.
الثالث : أنه البطر والأشر.
الرابع : أنه تجاوز الإنسان قدره.
الخامس : التكبر في المشي.
﴿ إنّك لن تخرِقَ الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إنك لن تخرق الأرض من تحت قدمك ولن تبلغ الجبال طولاً بتطاولك زجراً له عن تجاوزه الذي لا يدرك به غرضاً.
الثاني : أنه مثل ضربه الله تعالى له، ومعناه كما أنك لن تخرق الأرض في مشيك، ولن تبلغ الجبال طولاً فإنك لا تبلغ ما أردت بكبرك وعجبك، إياساً له من بلوغ إرادته.
قوله تعالى :﴿ ولقد صرفنا في هذا القرآن ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : كررنا في هذا القرآن من المواعظ والأمثال.
الثاني : غايرنا بين المواعظ باختلاف أنواعها.
﴿ ليذكروا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ليذكروا الأدلة. الثاني : ليهتدوا إلى الحق.
﴿ وما يزيدهم الا نفوراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : نفوراً عن الحق والاتباع له.
الثاني : عن النظر والاعتبار. وفي الكلام مضمر محذوف، وتقديره ولقد صرفنا الأمثال في هذا القرآن.
قوله تعالى :﴿ قل لو كان مََعَهُ آلهةٌ كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لطلبوا إليه طريقاً يتصلون به لأنهم شركاء؛ قاله سعيد بن جبير.
الثاني : ليتقربوا إليه لأنهم دونه، قاله قتادة.
قوله تعالى :﴿ وإن من شيءٍ إلاّ يُسَبِّحُ بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : وإن من شيء من الأحياء الا يسبح بحمده، فأما ما ليس بحي فلا، قاله الحسن.
الثاني : إن جميع المخلوقات تسبح له من حي وغير حي حتى صرير الباب، قاله إبراهيم.
الثالث : أن تسبيح ذلك ما يظهر فيه من لطيف صنعته وبديع قدرته الذي يعجز الخلق عن مثله فيوجب ذلك على من رآه تسبيح الله وتقديسه، كما قال الشاعر :
ذُمّ المنازِلِ بَعْدَ منزِلِةِ اللِّوى والْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئكَ الأَيَّامِ
قوله تعالى :﴿ وإذا قرأت القرآن جلعنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي جعلنا القرآن حجاباً ليسترك عنهم إذا قرأته.
الثاني : جعلنا القرآن حجاباً يسترهم عن سماعه إذا جهرت به. فعلى هذا فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم لإعراضهم عن قراءتك كمن بينك وبينهم حجاباً في عدم رؤيتك. قاله الحسن.
والثاني : أن الحجاب المستور أن طبع الله على قلوبهم حتى لا يفقهوه، قاله قتادة.
الثالث : أنها نزلت في قوم كانوا يؤذونه في الليل إذا قرأ، فحال الله بينه وبينهم من الأذى، قاله الزجاج.
﴿ مستوراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الحجاب مستور عنكم لا ترونه.
الثاني : أن الحجاب ساتر عنكم ما وراءه، ويكون مستور بمعنى ساتر، وقيل إنها نزلت في بني عبد الدار.
قوله تعالى :﴿ نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى ﴾ في هذه النجوى قولان :
أحدهما : أنه ما تشاوروا عليه في أمر النبي ﷺ في دار الندوة.
الثاني : أن هذا في جماعة من قريش منهم الوليد بن المغيرة كانوا يتناجون بما ينفّرون به الناس عن اتباعه ﷺ. قال قتادة : وكانت نجواهم أنه مجنون، وأنه ساحر، وأنه يأتي بأساطير الأولين.
﴿ إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجُلاً مسحوراً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه سحر فاختلط عليه أمره، يقولون ذلك تنفيراً عنه.
الثاني : أن معنى مسحور مخدوع، قاله مجاهد.
الثالث : معناه أن له سحراً، أي رئة، يأكل ويشرب فهو مثلكم وليس بملك، قاله أبو عبيدة، ومنه قول لبيد :
تُلْقِي بِتَسْبِيحَةٍ مِنْ حَيْثُما انْصَرَفَتْ وتَسْتَقِرُّ حَشَا الرَّائِي بإِرْعَادِ
كَأَنَّمَا خُلِقتْ مِن قِشْرِ لُؤْلُؤةٍ فَكُلُّ أَكْنَافِها وَجْهٌ لِمِرْصَادِ
قوله تعالى :﴿ وقالوا أئِذا كُنّا عظاماً ورفاتاً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أن الرفات التراب، قاله الكلبي والفراء.
الثاني : أنه ما أرفت من العظام مثل الفتات، قاله أبو عبيدة، قال الراجز :
صُمَّ الصَّفَا رَفَتَ عَنْهَا أَصْلُهُ... قوله تعالى :﴿ قل كونوا حجارةً أو حديداً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه إن عجبتم من إنشاء الله تعالى لكم عظاماً ولحماً فكونوا أنتم حجارة أو حديداً إن قدرتم، قاله أبو جعفر الطبري.
الثاني : معناه أنكم : لو كنتم حجارة أو حديداً لم تفوتوا الله تعالى إذا أرادكم إلا أنه أخرجه مخرج الأمر لأنه أبلغ من الإلزام، قاله علي بن عيسى.
الثالث : معناه لو كنتم حجارة أو حديداً لأماتكم الله ثم أحياكم. ﴿ أو خَلْقاً ممّا يكبر في صدوركم ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه عنى بذلك السموات والأرض والجبال لعظمها في النفوس، قاله مجاهد.
الثاني : أنه أراد الموت لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه وقد قال أمية ابن أبي الصلت :
فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا عَصَافِيرُ مِنْ هذَا الأَنَامِ الْمُسَحَّرِ
نادوا إلههمُ ليسرع خلقهم وللموت خلق للنفوس فظيعُ
وهذا قول ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص.
الثالث : أنه أراد البعث لأنه كان أكبر شيء في صدروهم قاله الكلبي.
الرابع : ما يكبر في صدوركم من جميع ما استعظمتموه من خلق الله تعالى، فإن الله يميتكم ثم يحييكم ثم يبعثكم، قاله قتادة. ﴿... فسينغضون إليك رءُوسَهُم ﴾ قال ابن عباس وقتادة، أي يحركون رؤوسهم استهزاء وتكذيباً، قال الشاعر :
قلت لها صلي فقالت مِضِّ وحركت لي رأسها بالنغضِ
قوله تعالى :﴿ يَوْمَ يدعوكم فتستجيبون بحمده ﴾ في قوله تعالى يدعوكم قولان :
أحدهما : أنه نداء كلام يسمعه جميع الناس يدعوهم الله بالخروج فيه إلى أرض المحشر.
الثاني : أنها الصيحة التي يسمعونها فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض القيامة.
وفي قوله :﴿ فتستجيبون بحمده ﴾ أربعة أوجه :
أحدها : فتستجيبون حامدين لله تعالى بألسنتكم.
الثاني : فتستجيبون على ما يقتضي حمد الله من أفعالكم.
الثالث : معناه فستقومون من قبوركم بحمد الله لا بحمد أنفسكم.
الرابع : فتستجيبون بأمره، قاله سفيان وابن جريج.
﴿ وتظنون إن لبثتم إلاّ قليلاً ﴾ فيه خمس أوجه :
أحدها : إن لبثتم إلا قليلاً في الدنيا لطول لبثكم في الآخرة، قاله الحسن.
الثاني : معناه الاحتقار لأمر الدنيا حين عاينوا يوم القيامة، قاله قتادة.
الثالث : أنهم لما يرون من سرعة الرجوع يظنون قلة اللبث في القبور.
الرابع : أنهم بين النفختين يرفع عنهم العذاب فلا يعذبون، وبينهما أربعون سنة فيرونها لاستراحتهم قليقلة؛ قاله الكلبي.
الخامس : أنه لقرب الوقت، كما قال الحسن كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل.
قوله تعالى :﴿ وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه تصديق النبي ﷺ فيما جاء به.
﴿ إنّ الشيطان ينزغُ بينهم ﴾ في تكذيبه.
الثاني : أنه امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه، قاله الحسن.
الثالث : أنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الرابع : أن يرد خيراً على من شتمه.
وقيل إنها نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد شتمه رجل من بعض كفار قريش، فهم به عمر، فأنزل الله تعالى فيه ﴿ وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ﴾
قوله تعالى :﴿ إن يشاء يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إن يشأ يرحمكم بالهداية أو يعذبكم بالإضلال.
الثاني : إن يشاء يرحمكم فينجيكم من أعدائكم أو يعذبكم بتسلطهم عليكم، قاله الكلبي.
الثالث : إن يشأ يرحمكم بالتوبة أو يعذبكم بالإقامة، قاله الحسن :
﴿ وما أرسلناك عليهم وكيلاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ما وكلناك أن تمنعهم من الكفر بالله سبحانه، وتجبرهم على الإيمان به.
الثاني : ما جعلناك كفيلاً لهم تؤخذ بهم، قاله الكلبي، قاله الشاعر :
ذكرت أبا أرْوَى فَبِتُّ كأنني بِرَدِّ الأمور الماضيات وكيلُ
وكيل : أي كفيل.
قوله تعالى :﴿ أولئك الذين يدعون يبتغُون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقْرَبُ ﴾ الآية فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها نزلت في نفر من الجن كان يعبدهم قوم من الإنس، فأسلم الجن ابتغاء الوسيلة عند ربهم، وبقي الإنس على كفرهم؛ قاله عبد الله بن مسعود.
الثاني : أنهم الملائكة كانت تعبدهم قبائل من العرب، وهذا مروي عن ابن مسعود أيضاً.
الثالث : هم وعيسى وأُمُّهُ، قاله ابن عباس ومجاهد. وهم المعنيّون بقوله تعالى ﴿ قلِ ادعُوا الذين زعمتم مِن دونه ﴾
وتفسيرها أن قوله تعالى ﴿ اولئك الذين يدعون ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : يدعون الله تعالى لأنفسهم.
الثاني : يدعون عباد الله الى طاعته.
وقوله تعالى :﴿ يبتغون إلى ربهم الوسيلة ﴾ وهي القربة، وينبني تأويلها على احتمال الوجهين في الدعاء.
فإن قيل إنه الدعاء لأنفسهم كان معناه يتوسلون إلى الله تعالى بالدعاء إلى ما سألوا.
وإن قيل دعاء عباد الله إلى طاعته كان معناه أنهم يتوسلون لمن دعوه إلى مغفرته.
﴿ أيهم أقرَبُ ﴾ تأويله على الوجه الأول : أيهم أقرب في الإجابة. وتأويله على الوجه الثاني : أيهم أقرب إلى الطاعة.
﴿ ويرجون رحمته ويخافون عذابهُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون هذا الرجاء والخوف في الدنيا.
الثاني : أن يكونا في الآخرة.
فإن قيل إنه في الدنيا احتمل وجهين :
أحدهما : أن رجاء الرحمة التوفيق والهداية، وخوف العذاب شدة البلاء. وإن قيل إن ذلك في الآخرة احتمل وجهين :
أحدهما : أن رجاء الرحمة دوام النعم وخوف عذاب النار.
الثاني : أن رجاء الرحمة العفو، وخوف العذاب مناقشة الحساب.
ويحتمل هذا الرجاء والخوف وجهين : أحدهما : أن يكون لأنفسهم إذا قيل إن أصل الدعاء كان لهم.
الثاني : لطاعة الله تعالى إذا قيل إن الدعاء كان لغيرهم. ولا يمتنع أن يكون على عمومه في أنفسهم وفيمن دعوه.
قال سهل بن عبد الله : الرجاء والخوف ميزانان على الإنسان فإذا استويا استقامت أحواله، وإن رجح أحدهما بطل الآخر.
قال رسول الله ﷺ :« لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا ».
قوله تعالى :﴿ وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الآيات معجزات الرسل جعلها الله تعالى من دلائل الإنذار تخويفاً للمكذبين.
الثاني : أنها آيات الانتقام تخويفاً من المعاصي.
الثالث : أنها تقلُّبُ الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهُّل ثم إلى مشيب، لتعتبر بتقلب أحوالك فتخاف عاقبة أمْرك، وهذا قول أحمد بن حنبل رحمه الله.
قوله تعالى :﴿ وإذا قلنا لك إنّ ربّك أحاط بالناس ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : معناه أحاطت بالناس قدرته فهم في قبضته، قاله مجاهد وابن أبي نجيح.
الثاني : أحاط علمه بالناس، قاله الكلبي.
الثالث : أنه عصمك من الناس أن يقتلوك حتى تبلغ رسالة ربك، قاله الحسن وعروة وقتادة.
﴿ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها رؤيا عين ليلة الإسراء به من مكة إلى بيت المقدس، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير والضحاك وابن أبي نجيح وابن زيد، وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي ﷺ أنه أُسريَ به.
الثاني : أنها رؤيا نوم رأى فيها أنه يدخل مكة، فعجل النبي ﷺ قبل الوقت يوم الحيبية، فرجع فقال ناس قد كان قال إنه سيدخلها فكانت رجعته فتنتهم، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً.
الثالث : أنها رؤيا منام رأى فيها قوماً يعلون على منابره ينزون نزو القردة. فساءه، وهذا قول سهل بن سعد. وقيل إنه ما استجمع ضاحكاً حتى مات ﷺ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
﴿ والشجرة الملعونة في القرآن ﴾ فيها أربعة أقاويل :
أحدها : أنها شجرة الزقوم طعام الأثيم، وقال الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك وسعيد بن جبير وطاووس وابن زيد. وكانت فتنتهم بها قول أبي جهل وأشياعه : النار تأكل الشجر فكيف تنبتها.
الثاني : هي الكشوت التي تلتوي على الشجر، قاله ابن عباس. الثالث : أنهم اليهود تظاهروا على رسول الله ﷺ مع الأحزاب، قاله ابن بحر. الرابع : أن النبي ﷺ رأى في منامه قوماً يصعدون المنابر، فشق عليه، فأنزل الله تعالى ﴿ والشجرة الملعونة في القرآن ﴾ قاله سعيد بن المسيب.
والشجرة كناية عن المرأة، والجماعة أولاد المرأة كالأغصان للشجر.
قوله تعالى :﴿... لأحتنكن ذُرِّيته إلاّ قليلاً ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : معناه لأستولين عليهم بالغلبة، قاله ابن عباس.
الثاني : معناه لأضلنهم بالإغواء.
الثالث : لأستأصلنهم بالإغواء.
الرابع : لأستميلنهم، قاله الأخفش.
الخامس : لأقودنهم إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحنكها إذا شد فيه حبل يجذبها وهو افتعال من الحنك إشارة إلى حنك الدابة.
السادس : معناه لأقطعنهم إلى المعاصي، قال الشاعر :
أشْكوا إليك سَنَةً قد أجحفت جهْداً إلى جهدٍ بنا وأضعفت
واحتنكَتْ أَمْولُنا واجتلفت....
قوله تعالى :﴿ واستفزز من استطعت منهم بصوتك ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : واستخف، وهذا قول الكلبي والفراء.
الثاني : واستجهل.
الثالث : واستذل من استطعت، قاله مجاهد.
﴿ بصوتك ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه صوت الغناء واللهو، قاله مجاهد.
الثاني : أنه صوت المزمار، قاله الضحاك.
الثالث : بدعائك إلى معصية الله تعالى وطاعتك، قاله ابن عباس.
﴿ وأجلب عليهم بخيلك ورجَلِكِ ﴾ والجلب هو السوْق بجلبه من السائق، وفي المثل : إذا لم تغلب فأجلب.
وقوله ﴿ بخيلك ورجلك ﴾ أي بكل راكب وماشٍ في معاصي الله تعالى.
﴿ وشاركهم في الأموال والأولاد ﴾ أما مشاركتهم في الأموال ففيها أربعة أوجه :
أحدها : أنها الأموال التي أصابوها من غير حلها، قاله مجاهد.
الثاني : أنها الأموال التي أنفقوها في معاصي الله تعالى، قاله الحسن.
الثالث : ما كانوا يحرّمونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، قاله ابن عباس.
الرابع : ما كانوا يذبحون لآلهتهم، قاله الضحاك.
وأما مشاركتهم في الأولاد ففيها أربعة أوجه :
أحدها : أنهم أولاد الزنى، قاله مجاهد.
الثاني : أنه قتل الموؤودة من أولادهم، قاله ابن عباس.
الثالث : أنه صبغة أولادهم في الكفر حتى هوّدوهم ونصّروهم، قاله قتادة. الرابع : أنه تسمية أولادهم عبيد آلهتهم كعبد شمس وعبد العزَّى وعبد اللات، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
قوله تعالى :﴿ ربُّكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر ﴾ معناه يجريها ويسيرها، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد، قال الشاعر :
قوله تعالى :﴿ وإذا مَسّكم الضُّرُّ في البحر ضَلَّ من تدعون إلا إياه ﴾ فيه وجهان : أحدهما : بطل من تدعون سواه، كما قال تعالى ﴿ أضلَّ أعمالهم ﴾ [ محمد : ١ ] أي أبطلها.
الثاني : معناه غاب من تدعون كما قال تعالى ﴿ أئِذا ضَلَلْنا في الأرض ﴾ [ السجدة : ١٠ ] أي غِبْنَا.
قوله تعالى :﴿ أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البَرِّ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : يريد بعض البر وهو موضع حلولهم منه، فسماه جانبه لأنه يصير بعد الخسف جانباً.
الثاني : أنهم كانوا على ساحل البحر، وساحله جانب البر، وكانوا فيه آمنين من أهوال البحر فحذرهم ما أمنوه من البر كما حذرهم ما خافوه من البحر.
﴿ أو يُرْسِلَ عليكم حاصباً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني حجارة من السماء، قاله قتادة.
الثاني : إن الحاصب الريح العاصف سميت بذلك لأنها تحصب أي ترمي بالحصباء. والقاصف الريح التي تقصف الشجر، قاله الفراء وابن قتيبة.
قوله تعالى :﴿ ولقد كَرّمنا بني آدم.. ﴾ فيه سبعة أوجه :
أحدها : يعني كرمناهم بإنعامنا عليهم.
الثاني : كرمناهم بأن جعلنا لهم عقولاً وتمييزاً.
الثالث : بأن جعلنا منهم خير أمة أخرجت للناس.
الرابع : بأن يأكلوا ما يتناولونه من الطعام والشراب بأيديهم، وغيرهم يتناوله بفمه، قاله الكلبي ومقاتل.
الخامس : كرمناهم بالأمر والنهي.
السادس : كرمناهم بالكلام والخط.
السابع : كرمناهم بأن سخّرنا جميع الخلق لهم.
﴿... ورزقناهُمْ من الطيبات ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ما أحله الله لهم.
الثاني : ما استطابوا أكله وشربه.
الثالث : أنه كسب العامل إذا نفع، قاله سهل بن عبد الله.
﴿ وفضلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : بالغلبة والاستيلاء.
الثاني : بالثواب والجزاء.
الثالث : بالحفظ والتمييز.
الرابع : بإصابة الفراسة.
قوله تعالى :﴿ يوم ندعوا كل أناسٍ بإمامِهمْ ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : بنبيِّهم، قاله مجاهد.
الثاني : بكتابهم الذي أنزل عليهم أوامر الله ونواهيه، قاله ابن زيد.
الثالث : بدينهم، ويشبه أن يكون قول قتادة.
الرابع : يكتب أعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير وشر، قاله ابن عباس.
الخامس : بمن كانوا يأتمرون به في الدنيا فيتبعونه في خير أو شر، أو على حق، أو باطل، وهو معنى قول أبو عبيدة.
قوله تعالى :﴿ ومن كان في هذه أعمى.. ﴾ يحتمل أربعة أوجه :
أحدها : من كان في الدنيا أعمى عن الطاعة ﴿ فهو في الآخرة أعمى ﴾ عن الثواب. الثاني : ومن كان في الدنيا أعمى عن الاعتبار ﴿ فهو في الآخرة أعمى ﴾ عن الاعتذار.
الثالث : ومن كان في الدنيا أعمى عن الحق ﴿ فهو في الآخرة أعمى ﴾ عن الجنة.
الرابع : ومن كان في تدبير دنياه أعمى فهو تدبير آخرته أعمى ﴿ وأضل سبيلاً ﴾.
قوله تعالى :﴿ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره ﴾ فيه قولان :
أحدهما : ما روى سعيد بن جبير أن النبي ﷺ كان يستلم الحجر في طوافه فمنعته قريش وقالوا لا ندعك تستلم حتى تلم بآلهتنا فحدث نفسه وقال :« ما عليّ أن ألمَّ بها بعد أن يعدوني أستلم الحجر واللّه يعلم أني لها كاره » فأبى الله تعالى وأنزل عليه هذه الآية، قاله مجاهد وقتادة.
الثاني : ما روى ابن عباس أن ثقيفاً قالوا للنبي ﷺ : أجِّلْنا سنة حتى نأخذ ما نُهدي لآلهتنا، فإذا أخذناه كسرنا آلهتنا وأسلمْنا، فهمّ رسول الله ﷺ أن يطيعهم، فأنزل الله هذه الآية.
﴿ لِتَفْتَريَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لتدّعي علينا غير وحينا.
الثاني : لتعتدي في أوامرنا.
﴿ وإذاً لاتخذوك خليلاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : صديقاً، مأخوذ من الخُلة بالضم وهي الصداقة لممالأته لهم.
الثاني : فقيراً، مأخوذ من الخلة بالفتح وهي الفقر لحاجته إليهم.
قوله تعالى :﴿ إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ﴾ فيه قولان :
أحدهما : لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك.
الثاني : لأذقناك ضعف عذاب الدنيا وضعف عذاب الآخرة، حكاه الطبري :
وفي المراد بالضِّعف ها هنا وجهان :
أحدها : النصيب، ومنه قوله تعالى ﴿ لكل ضِعفٌ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ] أي نصيب.
الثاني : مثلان، وذلك لأن ذنبك أعظم.
وفيه وجه ثالث : أن الضعف هو العذاب يسمى ضعف لتضاعف ألمه، قاله أبان بن تغلب وأنشد قول الشاعر :
يا أيها الراكب المزجي مطيتُه سائل بني أسدٍ ما هذه الصوت
لمقتل مالكٍ إذ بان مني أبيتُ الليل في ضعفٍ أليم
قال قتادة : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله ﷺ :« اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين
»
.
قوله تعالى :﴿ وإن كادوا ليستفزونَك مِنَ الأرض ليخرجوك منها ﴾ في قوله ﴿ ليستفزّونك ﴾ وجهان :
أحدهما : يقتلونك، قاله الحسن.
الثاني : يزعجونك باتسخفافك، قاله ابن عيسى. قال الشاعر :
يُطِيعُ سَفِيهَ القوْمِ إذ يَسْتَفِزُّهُ ويعْصِي حَكِيماً شَيَّبَتْهُ الْهَزَاهِزُ
وفي قوله ﴿ ليخرجوك منها ﴾ أربعة أقاويل :
أحدها : أنهم اليهود أرادوا أن يخرجوا رسول الله ﷺ من المدينة، فقالوا : إن أرض الأنبياء هي الشام وإن هذه ليست بأرض الأنبياء، قاله سليمان التيمي.
الثاني : أنهم قريش هموا بإخراج النبي ﷺ من مكة قبل الهجرة، قاله قتادة.
الثالث : أنهم أرادوا إخراجه من جزيرة العرب كلها لأنهم قد أخرجوه من مكة. الرابع : أنهم أرادوا قتله ليخرجوه من الأرض كلها، قاله الحسن.
﴿ وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً ﴾ يعني بعدك، قال خلْفك وخلافك وقد قرئا جميعاً بمعنى بعدك، ومنه قول الشاعر :
عَفَتِ الدِّيَارُ خِلاَفَها فَكَأَنَّما بَسَطَ الشَّوَاطبُ بَيْنَهُم حَصِيراً
وقيل خلفك بمعنى مخالفتك، ذكره ابن الأنباري.
﴿ إلا قليلاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن المدة التي لبثوها بعده ما بين إخراجهم له إلى قتلهم يوم بدر، وهذا قوله من ذكر أنهم قريش.
الثاني : ما بين ذلك وقتل بني قريظة وجلاء بني النضير، وهذا قول من ذكر أنهم اليهود.
قوله تعالى :﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ﴾.
أما دلوك الشمس ففيه تأويلان :
أحدهما : أنه غروبها، وأن الصلاة المأمور بها صلاة المغرب، ومنه قول ذي الرمة :
مصابيح ليست باللواتي تقودها... نجومٌ ولا بالآفات الدوالك
قاله ابن مسعود وابن زيد، ورواه مجاهد عن ابن عباس، وهو مذهب أبي حنيفة.
الثاني : أنه زوالها، والصلاة المأمور بها صلاة الظهر، وهذا قول ابن عباس في رواية الشعبي عنه، وهو قول أبي بردة والحسن وقتادة ومجاهد، وهو مذهب الشافعي ومالك لرواية أبي بكر بن عمرو بن حزم عن ابن مسعود وعقبة بن عامر قالا : قال رسول الله ﷺ :« أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر » وقال الشاعر :
هذا مُقام قَدَامي رباح... ذَيّبَ حتى دَلَكت بَراح
وبراح اسم الشمس، والباء التي فيه من أصل الكلمة، وذهب بعض أهل العربية إلى أن الباء التي فيها باء الجر، واسم الشمس راح.
فمن جعل الدلوك اسماً لغروبها فلأن الإنسان يدلك عينيه براحته لتبينها، ومن جعله اسماً لزوالها فلأنه يدلك عينيه براحته لشدة شعاعها. وقيل إن أصل الدلوك في اللغة هو الميل، والشمس تميل عند زوالها وغروبها فلذلك انطلق على كل واحدٍ منهما.
وأما ﴿ غسق الليل ﴾ ففيه تأويلان :
أحدهما : أنه ظهور ظلامه، قاله الفراء وابن عيسى، ومنه قول زهير :
ظَلَّت تَجُودُ يَدَاها وهِيَ لاَهِيَةٌ... حتى إذا جَنَحَ الإِظْلاَمُ والغَسَقُ
الثاني : أنه دنوّ الليل وإقباله، وهوقول ابن عباس وقتادة. قال الشاعر :
إن هذا الليل قد غسقا............................................
وفي الصلاة المأمور بها قولان :
أحدهما : أنها صلاة المغرب، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك
الثاني : هي صلاة العشاء الآخرة، قاله أبو جعفر الطبري.
ثم قال ﴿ وقرآن الفَجْر إنّ قرآن الفجْر كان مشهوداً ﴾ في ﴿ قرآن ﴾ تأويلان :
أحدهما : أقم القراءة في صلاة الفجر، وهذا قول أبي جعفر الطبري.
الثاني : معناه صلاة الفجر، فسماها قرآناً لتأكيد القراءة في الصلاة، وهذا قول أبي اسحاق الزجاج.
﴿ إن قرآن الفجر كان مشهوداً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : إن من الحكمة أن تشهده بالحضور إليه في المساجد، قاله ابن بحر.
الثاني : ان المراد به ما رواه أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال :« تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار
»
وفي هذا دليل على أنها ليست من صلاة الليل ولا من صلاة النهار.
قوله تعالى :﴿ ومن الليل فتهجد به نافلة لك ﴾ أما الهجود فمن أسماء الأضداد، وينطلق على النوم وعلى السهر، وشاهد انطلاقه على السهر قول الشاعر :
ألا زارت وأهْلُ مِنىً هُجُود... ولَيْتَ خَيَالَهَا بِمِنىً يعُود
وشاهد انطلاقه على النوم قول الشاعر :
أَلا طَرَقَتْنَا والرِّفَاقُ هُجُود... فَبَاتَتْ بِعُلاَّت النّوالِ تجود
447
أما التهجد فهو السهر، وفيه وجهان :
أحدهما : السهر بالتيقظ لما ينفي النوم، سواء كان قبل النوم أو بعده.
الثاني : أنه السهر بعد النوم، قاله الأسود بن علقمة.
وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره : فتهجد بالقرآن وقيام الليل نافلة أي فضلاً وزيادة على الفرض.
وفي تخصيص النبي ﷺ بأنها نافلة له ثلاثة أوجه :
أحدها : تخصيصاً له بالترغيب فيها والسبق إلى حيازة فضلها، اختصاصها بكرامته، قاله علي بن عيسى.
الثاني : لأنها فضيلة له، ولغيره كفارة، قاله مجاهد.
الثالث : لأنها عليه مكتوبة ولغيره مستحبة، قاله ابن عباس.
﴿ عسى أن يبعثك ربُّك مقاماً محموداً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن المقام المحمود الشفاعة للناس يوم القيامة، قاله حذيفة بن اليمان.
الثاني : أنه إجلاسه على عرشه يوم القيامة، قاله مجاهد.
الثالث : أنه إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة.
ويحتمل قولاً رابعاً : أن يكون المقام المحمود شهادته على أمته بما أجابوه من تصديق أو تكذيب، كما قال تعالى ﴿ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ﴾ [ النساء : ٤١ ].
448
قوله تعالى :﴿ وقل ربِّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مُخرج صدق ﴾ فيه سبعة أقاويل :
أحدها : أن مدخل الصدق دخوله إلى المدينة حين هاجر إليها، ومخرج صدق بخروجه من مكة حين هاجر منها، قاله قتادة وابن زيد.
الثاني : أدخلني مدخل صدق إلى الجنة وأخرجني مخرج صدق من مكة إلى المدينة، قاله الحسن.
الثالث : أدخلني مدخل صدق فيما أرسلتني به من النبوة، وأخرجني منه بتبليغ الرسالة مخرج صدق، وهذا قول مجاهد.
الرابع : أدخلني في الإسلام مدخل صدق، وأخرجني من الدنيا مخرج صدق، قاله أبو صالح.
الخامس : أدخلني مكة مدخل صدق وأخرجني منها مخرج صدق آمناً، قاله الضحاك.
السادس : أدخلني في قبري مدخل صدق، وأخرجني منه مخرج صدق، قاله ابن عباس.
السابع : أدخلني فيما أمرتني به من طاعتك مدخل صدق، وأخرجني مما نهيتني عنه من معاصيك مخرج صدق، قاله بعض المتأخرين.
والصدق ها هنا عبارة عن الصلاح وحسن العاقبة. ﴿ واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني مُلكاً عزيزاً أقهر به العصاة، قاله قتادة.
الثاني : حجة بيّنة، قاله مجاهد.
الثالث : أن السلطة على الكافرين بالسيف، وعلى المنافقين بإقامة الحدود قاله الحسن.
ويحتمل رابعاً : أن يجمع له بين القلوب باللين وبين قهر الأبدان بالسيف.
قوله تعالى :﴿ وقُلْ جاء الحق وزهق الباطل ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن الحق هو القرآن، والباطل هو الشيطان، قاله قتادة.
الثاني : أن الحق عبادة الله تعالى والباطل عبادة الأصنام، قاله مقاتل بن سليمان.
الثالث : أن الحق الجهاد، والباطل الشرك، قاله ابن جريج. ﴿ إن الباطل كان زهوقاً ﴾ أي ذاهباً هالكاً، قال الشاعر :
ولقدْ شفَى نفسي وأبْرأ سُقْمَهَا إِقدامُهُ قهْراً له لَمْ يَزْهَق
وحكى قتادة أن النبي ﷺ لما دخل الكعبة ورأى فيها التصاوير أمر بثوب فبُل بالماء وجعل يضرب به تلك التصاوير ويمحوها ويقول ﴿ جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ﴾
قوله تعالى :﴿ وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : شفاء من الضلال، لما فيه من الهدى.
الثاني : شفاء من السقم، لما فيه من البركة.
الثالث : شفاء من الفرائض والأحكام، لما فيه من البيان.
وتأويله الرحمة ها هنا على الوجوه الأُوَلِ الثلاثة :
أحدها : أنها الهدى.
الثاني : أنها البركة.
الثالث : أنها البيان.
﴿ ولا يزيد الظالمين إلا خساراً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : يزيدهم خساراً لزيادة تكذيبهم.
الثاني : يزيدهم خساراً لزيادة ما يرد فيه من عذابهم.
قوله تعالى :﴿ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : إذا أنعمنا عليه بالصحة والغنى أعرض ونأى وبعد من الخير.
الثاني : إذا أنعمنا عليه بالهداية أعرض عن السماع وبعُد من القبول وفي قوله ﴿ ونأى بجانبه ﴾ وجهان :
أحدهما : أعجب بنفسه، لأن المعجب نافر من الناس متباعد عنهم.
الثاني : تباعد من ربه.
﴿ وإذا مَسّهُ الشر كان يئوساً ﴾ يحتمل إياسه من الفرج إذا مسه الشر وجهين :
أحدهما : بجحوده وتكذيبه.
الثاني : بعلمه بمعصيته أنه معاقب على ذنبه.
وفي ﴿ الشر ﴾ ها هنا ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه الفقر، قاله قتادة.
الثاني : أنه السقم، قاله الكلبي.
الثالث : السيف، وهو محتمل.
قوله تعالى :﴿ قُلْ كلٌّ يعمل على شاكلته ﴾ في ستة تأويلات :
أحدها : على حِدّته، قاله مجاهد.
الثاني : على طبيعته، قاله ابن عباس.
الثالث : على بيته، قاله قتادة.
الرابع : على دينه، قاله ابن زيد.
الخامس : على عادته.
السادس : على أخلاقه.
﴿ فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أحسن ديناً.
الثاني : أسرع قبولاً.
قوله تعالى :﴿ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ﴾ فيها خمسة أقاويل :
أحدها : أنه جبريل عليه السلام، قاله ابن عباس. كما قال تعالى ﴿ نزل به الروح الأمين ﴾ [ الشعراء : ١٩٣ ].
الثاني : ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بجميع ذلك، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
الثالث : أنه القرآن، قاله الحسن، كما قال تعالى ﴿ وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] فيكون معناه أن القرآن من أمر الله تعالى ووحيه الذي أنزل عليّ وليس هو مني.
الرابع : أنه عيسى ابن مريم هو من أمر الله تعالى وليس كما ادعته النصارى أنه ابن الله، ولا كما افترته اليهود أنه لغير رشدة.
الخامس : أنه روح الحيوان، وهي مشتقة من الريح. قال قتادة سأله عنها قوم من اليهود وقيل في كتابهم أنه إن أجاب عن الروح فليس بنبيّ فقال الله تعالى ﴿ قل الروح من أمر ربي ﴾ فلم يجبهم عنها فاحتمل ذلك ستة أوجه :
أحدها : تحقيقاً لشيء إن كان في كتابهم.
الثاني : أنهم قصدوا بذلك الإعنات كما قصدوا اقتراح الآيات.
الثالث : لأنه قد يتوصل إلى معرفته بالعقل دون السمع.
الرابع : لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سؤال ما لا يعني.
الخامس : قاله بعض المتكلمين، أنه لو أجابهم عنها ووصفها؛ بأنها جسم رقيق تقوم معه الحياة، لخرج من شكل كلام النبوة، وحصل في شكل كلام الفلاسفة. فقال ﴿ من أمر ربي ﴾ أي هو القادر عليه.
السادس : أن المقصود من سؤالهم عن الروح أن يتبين لهم أنه محدث أو قديم، فأجابهم بأنه محدث لأنه قال :﴿ من أمر ربي ﴾ أي من فعله وخلقه، كما قال تعالى ﴿ إنما أمرنا لشيء ﴾.
فعلى هذا الوجه يكون جواباً لما سألوه، ولا يكون على الوجوه المتقدمة جواباً.
﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إلا قليلاً من معلومات الله.
الثاني : إلا قليلاً بحسب ما تدعو الحاجة إليه حالاً فحالاً.
وفيمن أريد بقوله تعالى :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ﴾ قولان :
أحدهما : أنهم اليهود خاصة، قاله قتادة.
الثاني : النبي ﷺ وسائر الخلق.
قوله تعالى :﴿ ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لأذهبناه من الصدور والكتب حتى لا يقدر عليه.
الثاني : لأذهبناه بقبضك إلينا حتى لا ينزل عليك.
﴿ ثم لا تجدُ لك به علينا وكيلاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أي لا تجد من يتوكل في رده إليك، وهو تأويل من قال بالوجه الأول.
الثاني : لا تجد من يمنعنا منك، وهو تأويل من قال بالوجه الثاني.
﴿ إلاّ رحمة من ربك ﴾ أي لكن رحمة من ربك أبقاك له وأبقاه عليك.
﴿ إنّ فضله كان عليك كبيراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : جزيلاً لكثرته.
الثاني : جليلاً لعظيم خطره.
قوله تعالى :﴿ وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجُر لنا من الأرض ينبوعاً ﴾ التفجير تشقيق الأرض لينبع الماء منها، ومنه سمي الفجر لأنه ينشق عن عمود الصبح، ومنه سمي الفجور لأنه شق الحق بالخروج إلى الفساد.
الينبوع : العين التي ينبع منها الماء، قال قتادة ومجاهد : طلبوا عيوناً ببلدهم.
﴿ أو تكون لك جنةٌ من نخيلٍ وعنب ﴾ سألوا ذلك في بلد ليس ذلك فيه.
﴿ أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً ﴾ أي قطعاً. قرىء بتسكين السين وفتحها، فمن قرأ بالتسكين أراد السماء جميعها، ومن فتح السين جعل المراد به بعض السماء، وفي تأويل ذلك وجهان :
أحدهما : يعني حيزاً، حكاه ابن الأنباري، ولعلهم أرادوا به مشاهدة ما فوق السماء.
الثاني : يعني قطعاً، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة. والعرب تقول. أعطني كسفة من هذا الثوب أي قطعة منه. ومن هذا الكسوف لانقطاع النور منه، وعلى الوجه الثاني لتغطيته بما يمنع من رؤيته.
﴿ أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يعني كل قبيلة على حدتها، قاله الحسن.
الثاني : يعني مقابلة، نعاينهم ونراهم، قاله قتادة وابن جريج.
الثالث : كفيلاً، والقبيل الكفيل، من قولهم تقبلت كذا أي تكفلت به، قاله ابن قتيبة.
الرابع : مجتمعين، مأخوذ من قبائل الرأس لاجتماع بعضه إلى بعض ومنه سميت قبائل العرب لاجتماعها، قاله ابن بحر.
قوله تعالى :﴿ أو يكون لك بيت من زخرف ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الزخرف النقوش، وهذا قول الحسن.
الثاني : أنه الذهب، وهذا قول ابن عباس وقتادة، قال مجاهد : لم أكن أدري ما الزخرف حتى سمعنا في قراءة عبد الله : بيت من ذهب.
وأصله من الزخرفة وهو تحسين الصورة، ومنه قوله تعالى ﴿ حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت ﴾ [ يونس : ٢٤ ].
والذين سألوا رسول الله ﷺ ذلك نفر من قريش قال ابن عباس : هم عتبة ابن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان والأسود بن عبد المطلب بن أسد وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام وعبد الله بن أمية والعاص بن وائل وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج.
قوله تعالى :﴿ وما منع الناس أن يؤمنوا ﴾ يعني برسول الله ﷺ.
﴿ إذ جاءَهم الهُدى ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : القرآن.
الثاني : الرسول.
﴿ إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولاً ﴾ وهذا قول كفار قريش أنكروا أن يكون البشر رُسُل الله تعالى، وأن الملائكة برسالاته أخص كما كانوا رسلاً إلى أنبيائه، فأبطل الله تعالى عليهم ذلك بقوله :
﴿ قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً ﴾ يعني أن الرسول إلى كل جنس يأنس بجنسه، وينفر من غير جنسه، فلو جعل الله تعالى الرسول إلى البشر ملكاً لنفروا من مقاربته ولما أنسوا به ولداخلهم من الرهب منه والاتقاء له ما يكفهم عن كلامه ويمنعهم من سؤاله، فلا تعمّ المصلحة. ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم ليأنسوا به ويسكنوا إليه لقالوا لست ملكاً وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك، وعادوا إلى مثل حالهم.
قوله تعالى :﴿ ومن يهد الله فهو المهتدِ ﴾ معناه من يحكم الله تعالى بهدايته فهو المهتدي بإخلاصه وطاعته.
﴿ ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ومن يحكم بضلاله فلن تجد له أولياء من دونه في هدايته.
الثاني : ومن يقض الله تعالى بعقوبته لم يوجد له ناصر يمنعه من عقابه.
﴿ ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن ذلك عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم، من قول العرب : قدم القوم على وجوههم إذا أسرعوا.
الثاني : أنه يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم كمن يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه.
﴿ عُمْياً وبكماً وصماً ﴾ فه وجهان :
أحدهما : أنهم حشروا في النار عُمي الأبصار بُكم الألسن صُمّ الأسماع ليكون ذلك يزادة في عذابهم، ثم أبصروا لقوله تعالى ﴿ ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ﴾ [ الكهف : ٥٣ ] وتكلموا لقوله تعالى ﴿ دَعوا هنالك ثبوراً ﴾ [ الفرقان : ١٣ ] وسمعوا، لقوله تعالى ﴿ سمعوا لها تغيظاً وزفيراً ﴾ [ الفرقان : ١٢ ].
وقال مقاتل بن سليمان : بل إذا قال لهم ﴿ اخسئوا فيها ولا تكلمُون ﴾ [ المؤمنون : ١٨ ] صاروا عمياً لا يبصرون، صُمّاً لا يسمعون، بكماً لا يفقهون.
الثاني : أن حواسهم على ما كانت عليه، ومعناه عمي عما يسرّهم، بكم عن التكلم بما ينفعهم، صم عما يمتعهم، قاله ابن عباس والحسن.
﴿ مأواهم جهنم ﴾ يعني مستقرهم جهنم.
﴿ كلما خبت زدناهم سعيراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : كلما طفئت أوقدت، قاله مجاهد.
الثاني : كلما سكن التهابها زدناهم سعيراً والتهاباً، قاله الضحاك، قال الشاعر :
وكُنّا كَالحَرِيقِ أَصَابَ غَاباً فَيَخْبُو سَاعَةً ويَهُبُّ سَاعا
وسكون التهابها من غير نقصان في الآمهم ولا تخفيف من عذابهم.
قوله تعالى :﴿ قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : خزائن الأرض الأرزاق، قاله الكلبي.
الثاني : خزائن النعم، وهذا أعم.
﴿ إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لأمسكتم خشية الفقر، والإنفاق الفقر، قاله قتادة وابن جريج.
الثاني : يعني أنه لو ملك أحد المخلوقين خزائن الله تعالى لما جاد بها كجود الله تعالى لأمرين :
أحدهما : أنه لا بدّ أن يمسك منها لنفقته وما يعود بمنفعته.
الثاني : أنه يخاف الفقر ويخشى العدم، والله تعالى يتعالى في جوده عن هاتين الحالتين.
﴿ وكان الإنسان قتوراً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : مقتراً، قاله قطرب والأخفش.
الثاني : بخيلاً، قاله ابن عباس وقتادة.
واختلف في هذا الآية على قولين :
أحدهما : أنها نزلت في المشركين خاصة، قاله الحسن. الثاني : أنها عامة، وهو قول الجمهور.
قوله تعالى ﴿ ولقد آتينا موسى تسْع آيات بيناتٍ ﴾ فيها أربعة أقاويل :
أحدها : أنها يده وعصاه ولسانه والبحر والطوفان والجراد والقُمّل والضفادع والدم آيات مفصلات، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها نحو من ذلك إلا آيتين منهن إحداهما الطمس، والأخرى الحجر، قاله محمد بن كعب القرظي.
الثالث : أنها نحو من ذلك، وزيادة السنين ونقص من الثمرات، وهو قول الحسن.
الرابع : ما روى صفوان بن عسال عن النبي ﷺ أن قوماً من اليهود سألوه عنها فقال :« لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببرىء الى السلطان ليقتله، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفرُّوا من الزحف، وأنتم يا يهود خاصة لا تعدُوا في السبت » فقبلوا يده ورجله.
﴿ فاسأل بني إسرائيل.. ﴾ وفي أمره بسؤالهم وإن كان خبر الله أصدق من خبرهم ثلاثة أوجه :
أحدها : ليكون ألزم لهم وأبلغ في الحجة عليهم.
الثاني : فانظر ما في القرآن من أخبار بني إسرائيل فه سؤالهم، قاله الحسن.
الثالث : إنه خطاب لموسى عليه أن يسأل فرعون في إطلاق بني إسرائيل قاله ابن عباس.
وفي قوله ﴿ إني لأظنك يا موسى مسحوراً ﴾ أربعة أوجه :
أحدها : قد سُحرت لما تحمل نفسك عليه من هذا القول والفعل المستعظمين.
الثاني : يعني ساحراً لغرائب أفعالك. الثالث : مخدوعاً.
الرابع : مغلوباً : قاله مقاتل.
﴿... وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : مغلوباً، قاله الكلبي ومقاتل. وقال الكميت :
وَرَأَت قُضَاعَةُ في الأَيَا مِنِ رَأْيَ مَثْبُورٍ وَثَابِر
الثاني : هالك، وهو قول قتادة.
الثالث : مبتلى، قاله عطية.
الرابع : مصروفاً عن الحق، قاله الفراء.
الخامس : ملعوناً، قاله أبان بن تغلب وأنشد :
يا قَوْمَنَا لاَ تَرُومُوا حَرْبَنَا سَفَهاً
إِنّ السَّفَاهَ وإِنَّ البَغْيَ مَثْبُورُ
قوله تعالى :﴿ فأراد أن يستفزهم من الأرض ﴾ وفيه وجهان :
أحدهما : يزعجهم منها بالنفي عنها، قاله الكلبي.
الثاني : يهلكهم فيها بالقتل. ويعني بالأرض مصر وفلسطين والأردن.
قوله تعالى :﴿... فإذا جاءَ وعد الآخرة ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : وعد الإقامة وهي الكرة الآخرة، قاله مقاتل.
الثاني : وعد الكرة الآخرة في تحويلهم إلى أرض الشام.
الثالث : نزول عيسى عليه السلام من السماء، قاله قتادة.
﴿ جئنا بكم لفيفاً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : مختلطين لا تتعارفون، قاله رزين.
الثاني : جئنا بكم جميعاًً من جهات شتى، قاله ابن عباس وقتادة. مأخوذ من لفيف الناس.
قوله تعالى :﴿ وبالحق أنزلناه وبالحق نَزَل ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن إنزاله حق.
الثاني : أن ما تضمنه من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد حق.
﴿ وبالحق نزل ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : وبوحينا نزل.
الثاني : على رسولنا نزل.
﴿ وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً ﴾ يعني مبشراً بالجنة لمن أطاع الله تعالى، ونذيراً بالنار لمن عصى الله تعالى.
قوله تعالى :﴿ وقرآناً فرقناه ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : فرقنا فيه بين الحق والباطل، قاله الحسن.
الثاني : فرّقناه بالتشديد وهي قراءة ابن عباس أي نزل مفرّقاً آية آية وهي كذلك في مصحف ابن مسعود وأُبيِّ بن كعب : فرقناه عليك.
الثالث : فصّلناه سُورَاً وآيات متميزة، قاله ابن بحر.
﴿ لتقرأه على الناس على مُكْثٍ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني على تثبت وترسّل، وهو قول مجاهد.
الثاني : أنه كان ينزل منه شيء، ثم يمكثون بعد ما شاء الله، ثم ينزل شيء آخر.
الثالث : أن يمكث في قراءته عليهم مفرقاً شيئاً بعد شيء، قاله أبو مسلم.
قوله تعالى :﴿ قل آمنوا بِه أو لا تؤمنوا ﴾ يعني القرآن، وهذا من الله تعالى على وجه التبكيت لهم والتهديد، لا على وجه التخيير.
﴿ إن الذين أوتوا العلم من قَبله ﴾ فيهم وجهان :
أحدهما : أنهم أمة محمد ﷺ، قاله الحسن.
الثاني : أنهم أناس من اليهود، قاله مجاهد.
﴿ إذا يتلى عليهم يخرُّون للأذقان سُجّداً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : كتابهم إيماناً بما فيه من تصديق محمد ﷺ.
الثاني : القرآن كان أناس من أهل الكتاب إذا سمعوا ما أنزل منه قالوا : سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا، وهذا قول مجاهد.
وفي قوله ﴿ يخرُّون للأذقان ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الأذقان مجتمع اللحيين.
الثاني : أنها ها هنا الوجوه، قاله ابن عباس وقتادة.
الثالث : أنها اللحى، قاله الحسن.
قوله تعالى :﴿ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ﴾ في سبب نزولها قولان :
أحدهما : قاله الكلبي. أن ذكر الرحمن كان في القرآن قليلاً وهو في التوراة كثير، فلما أسلم ناس من اليهود منهم ابن سلام وأصحابه ساءَهم قلة ذكر الرحمن في القرآن، وأحبوا أن يكون كثيراً فنزلت.
الثاني : ما قاله ابن عباس أنه كان النبي ﷺ ساجداً يدعو « يا رحمن يا رحيم » فقال المشركون هذا يزعم أن له إِلهاً واحداً وهو يدعو مثنى، فنزلت الآية.
﴿ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه عنى بالصلاة الدعاء، ومعنى ذلك ولا تجهر بدعائك ولا تخافت به، وهذا قول عائشة رضي الله عنها ومكحول. قال إبراهيم : لينتهين أقوام يشخصون بأبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم أبصارهم.
الثاني : أنه عنى بذلك الصلاة المشروعة، واختلف قائلو ذلك فيما نهى عنه من الجهر بها والمخافتة فيها على خمسة أقاويل :
أحدها : أنه نهى عن الجهر بالقراءة فيها لأن رسول الله ﷺ بمكة كان يجهر بالقراءة جهراً شديداً، فكان إذا سمعه المشركون سبّوه، فنهاه الله تعالى عن شدة الجهر، وأن لا يخافت بها حتى لا يسمعه أصحابه، ويبتغي بين ذلك سبيلاً، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه نهى عن الجهر بالقراءة في جميعها وعن الإسرار بها في جميعها وأن يجهر في صلاة الليل ويسر في صلاة النهار.
الثالث : أنه نهي عن الجهر بالتشهد في الصلاة، قاله ابن سيرين.
الرابع : أنه نهي عن الجهر بفعل الصلاة لأنه كان يجهر بصلاته، بمكة فتؤذيه قريش، فخافت بها واستسر، فأمره الله ألاّ يجهر بها كما كان، ولا يخافت بها كما صار، ويبتغي بين ذلك سبيلاً، قاله عكرمة.
الخامس : يعني لا تجهر بصلاتك تحسنها مرائياً بها في العلانية، ولا تخافت بها تسيئها في السريرة، قال الحسن : تحسّن علانيتها وتسيء سريرتها.
وقيل : لا تصلّها رياءً ولا تتركها حياء. والأول أظهر.
روي أن أبا بكر الصديق كان إذا صلى خفض من صوته فقال له النبي ﷺ « لم تفعل هذا » قال : أناجي ربي وقد علم حاجتي، فقال ﷺ « أحسنت ». وكان عمر بن الخطاب يرفع صوته فقال له النبي ﷺ :« لم تفعل هذا » فقال أُوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال النبي ﷺ :« أحسنت ». فلما نزلت هذه الآية قال لأبي بكر :« ارفع شيئا » وقال لعمر :« أخفض شيئاً
»
. قوله تعالى :﴿ وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أمره بالحمد لتنزيه الله تعالى عن الولد.
الثاني : لبطلان ما قرنه المشركون به من الولد.
﴿ ولم يكن له شريك في الملك ﴾ لأنه واحد لا شريك له في ملك ولا عبادة.
﴿ ولم يكن له وليٌّ من الذل ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لم يحالف أحداً.
الثاني : لا يبتغي نصر أحد.
الثالث : لم يكن له وليٌّ من اليهود والنصارى لأنهم أذل الناس، قاله الكلبي.
﴿ وكبره تكبيراً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : صِفه بأنه أكبر من كل شيء.
الثاني : كبّره تكبيراً عن كل ما لا يجوز في صفته.
الثالث : عظِّمْه تعظيماً والله أعلم.
Icon