تفسير سورة الإسراء

الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور
تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور .
لمؤلفه بشير ياسين . المتوفي سنة 2006 هـ
فضلها :
أخرج البخاري بسنده عن ابن مسعود قال : بني إسرائيل، والكهف ومريم، وطه، والأنبياء، هن من العِتاق الأٌول، وهن من تِلادي.
( الصحيح-التفسير-سورة الأنبياء٤٧٣٩ ). وتسمى سورة " الإسراء " سورة " بني إسرائيل " وسورة " سبحان "، والعِتاق جمع عتيق وهو القديم، أو هو كل ما بلغ الغاية في الجودة، وبالثاني جزم جماعة في هذا الحديث. وقوله ( وهن من تلادي )، أي مما حفظ قديما، والتلاد قديم الملك، وهو بخلاف الطارف. ومراد ابن مسعود أنها أول ما تعلم من القرآن، وأن لها فضلا لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم. ( انظر فتح الباري٨/٣٨٨ ).
قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن زيد، عن مروان أبي لبابة قال : سمعت عائشة تقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول ما يريد أن يفطر، ويفطر حتى نقول : ما يريد أن يصوم، وكان يقرأ كل ليلة ببني إسرائيل والزمر.
( المسند٦/١٨٩ ). أخرجه الترمذي، والنسائي، والحاكم، كلهم من طريق حماد بن يزيد به، وقال الترمذي : حديث حسن غريب، وسكت عنه الحاكم والذهبي، وصححه الألباني، وحسنه فاروق حمادة ( سنن الترمذي-فضائل القرآن رقم ٢٩٢٠، وعمل اليوم والليلة رقم٧١٢، والمستدرك٢/٤٣٤، وصحيح الجامع الصغير٤/٢٥٠، وصحيح سنن الترمذي رقم٢٣٣٢ ).

قوله تعالى ﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ﴾
وردت أحاديث في ذكر صفة الإسراء والمعراج أصحها ما أخرجه البخاري ومسلم بسنديهما عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان-وذكر يعني رجلا بين الرجلين- فأتيت بطست من ذهب ملآن حكمة وإيمانا، فشق من النحر إلى مراق البطن، ثم غسل البطن بماء زمزم، ثم ملء حكمة وإيمانا وأتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار البراق، فانطلقت مع جبريل، حتى أتينا السماء الدنيا، قيل : من هذا ؟ قال جبريل، قيل من معك ؟ قال : محمد، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم. قيل : مرحبا به، ولنعم المجي جاء، فأتيت على آدم فسلمت عليه فقال : مرحبا بك من ابن ونبي، فأتينا السماء الثانية، قيل : من هذا ؟ قال جبريل، قيل : من معك قال : محمد صلى الله عليه وسلم، قيل أرسل إليه ؟ قال : نعم، قيل : مرحبا به، ولنعم المجى جاء، فأتيت على عيسى ويحيى فقالا : مرحبا بك من أخ ونبي، فأتينا السماء الثالثة، قيل : من هذا ؟ قيل : جبريل، قيل من معك ؟ قال : محمد قيل وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم، قيل مرحبا به، ولنعم المجى جاء، فأتيت على يوسف فسلمت، فقال : مرحبا بك من أخ ونبي، فأتينا السماء الرابعة، قيل من هذا ؟ قال جبريل، قيل من معك ؟ قيل محمدا صلى الله عليه وسلم، قيل وقد أرسل إليه ؟ قال نعم، قيل : مرحبا به ولنعم المجيء جاء، فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال : مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الخامسة، قيل من هذا ؟ قيل : جبريل، قيل ومن معك ؟ قيل : محمد، قيل وقد أرسل إليه ؟ قال نعم، قيل مرحبا به ولنعم المجى جاء، فأتينا على هارون، فسلمت عليه، فقال مرحبا بك من أخ ونبي، فأتينا على السماء السادسة، قيل من هذا ؟ قيل جبريل، قيل من معك ؟ قيل محمد صلى الله عليه وسلم، قيل وقد أرسل إليه ؟ مرحبا به نعم المجيء جاء، فأتيت على موسى فسلمت عليه فقال : مرحبا بك من أخ ونبي فلما جاوزت بكى فقيل : ما أبكاك ؟ قال : يا رب، هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمة أفضل مما يدخل من أمتي، فأتينا السماء السابعة، قيل من هذا : قيل : جبريل قيل : من معك ؟ قيل : محمد، قيل وقد أرسل إليه ؟ مرحبا به ولنعم الجيء جاء، فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه فقال : مرحبا بك من ابن ونبي، فرفع لي البيت المعمور، فسألت جبريل فقال : هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم، ورفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كأنه قلال هجر، وورقها كأنه آذان الفيول، في أصلها أربعة أنهار : نهران باطنان ونهران ظاهران، فسألت جبريل فقال : أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران النيل والفرات، ثم فرضت علي خمسون صلاة، فأقبلت حتى جئت موسى فقال ما صنعت ؟ قلت فرضت علي خمسون صلاة، قال أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا تطيق، فارجع إلى ربك فسله، فرجعت فسألته فجعلها أربعين، ثم مثله ثم ثلاثين ثم مثله فجعل عشرين، ثم مثله فجعل عشرا، فأتيت موسى فقال مثله فجعلها خمسا : فأتيت موسى فقال : ما صنعت ؟ قلت جعلها خمسا، فقال مثله فسلمت، فنودي : إني قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشرا.
( صحيح البخاري-بدء الخلق باب ذكر الملائكة رقم٣٢٠٧ )، ( وصحيح مسلم-الإيمان، ب الإسراء برسول الله رقم٤٦٢ ). واللفظ للبخاري، وذكره الحافظ ابن حجر وقال : ليس في أحاديث المعراج أصح منه ( انظر تفسير القاسمي١٠/٩٩١ ).
وأخرج مسلم بسنده عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أُُُتيت البراق ( وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه ) قال : فركبته حتى أتيت بيت المقدس ". قال : فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء قال : " ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن فقال جبريل : اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء... ".
( الصحيح-الإيمان، ب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم رقم٢٦١ ).
قال البيهقي : وفي هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسري به عليه الصلاة والسلام من مكة إلى البيت المقدس، ذكره كثير ثم أيده فقال : وهذا الذي قاله هو الحق الذي لا شك فيه ولا مرية.
قال الإمام أحمد : ثنا عبد الصمد وحسن قالا : ثنا ثابت قال : حسن أبو زيد قال عبد الصمد : قال : ثنا هلال عن عكرمة عن ابن عباس قال : أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم فقال ناس، قال حسن : نحن نصدق محمدا بما يقول : فارتدوا كفارا فضرب الله في أعناقهم مع أبي جهل وقال أبو جهل : يخوفنا محمد بشجرة الزقوم هاتوا ثمرا وزبد تزقموا ورأى الدجال في صورته رؤيا عين ليس رؤيا منام وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال فقال : أقمر هجانا قال : حسن قال : رأيته فيلما أقمر هجانا إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب درى كان شعر رأسه أغصان شجرة ورأيت عيسى شابا أبيض جعد الرأس حديد البصر مبطن الخلق ورأيت موسى أسحم آدم كثير الشعر قال : حسن الشعرة شديد الخلق ونظرت إلى إبراهيم فلا أنظر إلى إرب من آرابه إلا نظرت إليه مني كأنه صاحبكم فقال جبريل عليه السلام : سلم على مالك فسلمت عليه.
( المسند١/٤٧٣ )، وأخرجه النسائي في التفسير من حديث أبي زيد ثابت بن يزيد عن هلال -وهو ابن خباب- به وهو إسناد صحيح كما قال ابن كثير. وقال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن هلال بن خباب، قال يحيى القطان : إنه تغير قبل موته، وقال يحيى بن معين : لم يتغير ولم يختلط، ثقة. مأمون ( مجمع الزوائد١/٦٦-٦٧ )، وصححه أحمد شاكر ( المسند رقم٣٥٤٦ ).
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق به مسرحا ملجما يركبه فاستعصب عليه، فقال له جبريل ما يحملك على هذا ؟ فو الله ما ركبك أحد قط أكرم على الله منه فارفض عرقا، فارفض : أي تصبب وسال عرقا وسكن.
( السنن التفسير، ب من سورة بني إسرائيل رقم٣١٣١ )، وأخرجه الترمذي والطبري من طريق عبد الرزاق به، وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ولا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق، وصححه الألباني ( صحيح سنن الترمذي٣/٦٧ رقم٢٥٠٣ ).
وقد تقدم فضل التسبيح في بداية سورة الفاتحة عند قوله تعالى : الحمد لله...
وفي سورة البقرة ونحن نسبح بحمدك.
قوله تعالى ﴿ لنريه من آياتنا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ لنريه من آياتنا ﴾ ما أراه الله من الآيات والعبر في طريق بيت المقدس.
قوله تعالى ﴿ وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله ﴿ وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ﴾ جعله الله لهم الهدى، يخرجهم من الظلمات إلى النور، وجعله رحمة لهم.
وأخرج الطبري وآدم بن أبي إياس بالإسناد الصحيح عن مجاهد : في قوله ﴿ ألا تتخذوا من دوني وكيلا ﴾ شريكا.
قوله تعالى ﴿ ذرية من حملنا مع نوح ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من حملهم مع نوحا تنبيها على النعمة التي نجاهم بها من الغرق ليكون في ذلك تهييج لذرياتهم على طاعة الله، أي يا ذرية من حملنا مع نوح فنجيناهم من الغرق، تشبهو بأبيكم فاشكروا نعمنا وأشار إلى هذا المعنى في قوله :﴿ أولئك من الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ﴾ الآية، وبين الله في موضع أخر الذين حملهم مع نوح من هم ؟ وبين الشيء الذي حملهم فيه وبين من بقي له نسل وعقب منهم ومن انقطع لم يبق منه نسل ولا عقب فبين أن الذين حملهم مع نوح : هم أهله ومن آمن معه من قومه في قوله :﴿ قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن ﴾، وبين أن الذين آمنوا من قومه قليل بقوله ﴿ وما آمن معه إلا قليل ﴾ وبين ممن سبق عليه القول من أهله بالشقاء امرأته وابنه قال في امرأته :﴿ وضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح ﴾ إلى قوله ﴿ وقيل ادخلا النار مع الداخلين ﴾ وقال في ابنه ﴿ وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ﴾.
قال الطبري : حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور، عن معمر قال : قال مجاهد : بنوه ونساؤهم ونوح ولم تكن امرأته.
ورجاله ثقات، وإسناده صحيح.
قوله تعالى ﴿ إنه كان عبدا شكورا ﴾
الضمير يعود إلى نوح بدليل ما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة مرفوعا : وفيه أن الناس يأتون نوح فيقولون : يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا.
( صحيح البخاري-التفسير سورة بني إسرائيل رقم٤٧١٢ ).
وقد وردت بعض الروايات في السبب الذي سماه الله تعالى من أجله شكورا، فأخرج الطبري والحاكم من طريق سفيان الثوري عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان قال : كان نوح إذا لبس ثوبا أو أكل طعاما حمد الله فسمي عبدا شكورا.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي ( المستدرك٢/٦٣٠ ) وأخرجه الطبري أيضا من طريق أيوب عن أبي عثمان النهدي به نحوه، وبنحوه أخرجه بأسانيده عن مجاهد وقتادة، وأخرجه أيضا عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة.
قوله تعالى ﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ﴾
أخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل ﴾ يقول أعلمناهم.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة : قضاء قضاه القوم كما تسمعون، وبسنده الصحيح عن مجاهد : أخبرنا بني إسرائيل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ ولتعلن علوا كبيرا ﴾ قال : ولتعلن الناس علوا كبيرا.
قوله تعالى ﴿ فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ﴾
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ﴿ لتفسدن في الأرض مرتين ﴾ قال : أما المرة الأولى فسلط الله عليهم جالوت حين بعث طالوت ومعه داود، فقتله داود، ثم ردت الكرة لبني إسرائيل، ثم جاء وعد الآخرة من المرتين ﴿ ليسوؤا وجوهكم ﴾ قال : ليقبحوا وجوهكم، ﴿ وليتبروا ما علوا تتبيرا ﴾ قال : ليدمروا ما علوا تدميرا، قال : هو بخت نصر، قال : وبعث عليهم في المرة الآخرة، ثم قال :﴿ عسى ربكم أن يرحمكم وأن عدتم عدنا ﴾، فعادوا فبعث الله عليهم محمد، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
أخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس :﴿ فجاسوا خلال الديار ﴾ قال : مشوا.
وقد اختلف المفسرون في الذين عنى الله عليهم بقوله ﴿ أولى بأس شديد ﴾ في ما كان من فعلهم في المرة الأولى في بني إسرائيل حين بعثوا عليهم في المرة الآخرة :
-القول الأول : إنه جالوت.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال : أما المرة الأولى فسلط الله عليهم جالوت حتى بعث طالوت ومعه داود، فقتله داود.
( وبنحوه أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كما تقدم في الرواية السابقة عنه ).
-القول الثاني : إنه سنحاريب.
قال الطبري : حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن عليه عن أبي المعلى قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : في قوله :﴿ بعثنا عليهم عبادا لنا أولى بأس شديد ﴾ قال : بعث الله تبارك وتعالى عليهم في المرة الأولى سنحاريب من أهل أثور ونينوى فسألت سعيدا عنها، فزعم أنها الموصل أ. ه، وقوله فزعم أنها الموصل قول صحيح لأن نينوى جزء من الموصل تقع في شمالها.
( ورجاله ثقات وإسناده صحيح إلى سعيد بن جبير، وأبو المعلى هو يحي بن ميمون الضبي العطار الكوفي معروف بالرواية عن سعيد بن جبير وبرواية إسماعيل ابن عليه عنه، كما في تهذيب التهذيب في ترجمة أبي المعلى، ويعقوب بن إبراهيم هو ابن كثير العبدي الدورفي معروف بالرواية عن ابن علّه كما هو في تهذيب التهذيب في ترجمته ).
-القول الثالث : إنه بختنصر المجوسي البابلي : ومن معه من أهل فارس.
قال الطبري : حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم، ثم أتى دمشق فوجد بها دما يغلي على كبا -أي كناسه- فسألهم ما هذا الدم ؟ قالوا : أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر، قال : فقتل على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم. فسكن.
( وذكره ابن كثير في التفسير ثم قال : وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب وهذا هو المشهور أ. ه. وقد ثبت نحوه عن ابن عباس فقد أخرجه الطبري عن أبي السائب قال ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس وأبو السائب : سلم بن جنادة، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير ورجاله ثقات إلا المنهال وهو ابن عمرو صدوق فالإسناد حسن، وقد صحح ابن كثير رواية المنهال عن سعيد بن جبير في غير هذا الموضع. ولا مانع من الجمع بين الأقوال الثلاثة. ( انظر البداية والنهاية١/٧٨ ). وهذه الرواية تقوي سابقتها لكن في بعضها غرابة وهو مقتل يحيى بن زكريا، انظر( البحر المحيط٦/١١-١٠ ).
قوله تعالى ﴿ ثم رددنا لكم الكرة عليهم ﴾
وأخرج الطبري بالإسناد الصحيح المتقدم عن قتادة ﴿ ثم رددنا لكم الكرة عليهم ﴾ ثم رددت الكرة لبني إسرائيل.
قوله تعالى ﴿ وجعلناكم أكثر نفيرا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله ﴿ وجعلناكم أكثر نفيرا ﴾ أي عددا وذلك في زمن داود.
قوله تعالى ﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : قوله تعالى ﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ﴾ بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من أحسن -أي بالإيمان والطاعة- فإنه إنما يحسن إلى نفسه لأن نفع ذلك لنفسه خاصة، وأن من أساء -أي بالكفر والمعاصي- فإنما يسيء على نفسه لأن ضرر ذلك عائد إلى نفسه خاصة، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله :﴿ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ﴾ الآية، وقوله ﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾ وقوله ﴿ من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ﴾ إلى غير ذلك من الآيات، واللام في قوله ﴿ وإن أسأتم فلها ﴾ بمعنى على أي فعليها، بدليل قوله ﴿ ومن أساء فعليها ﴾ ومن إتيان اللام بمعنى على قوله تعالى :﴿ ويخرون للأذقان ﴾ الآية أي عليها.
أخرج الطبري بالإسناد الصحيح المتقدم عن سعيد بن جبير قال بعث الله عليهم في المرة الأولى سنحاريب قال : فرد الله لهم الكرة عليهم كما قال : ثم عصوا ربهم وعادوا لما نهوا عنه، فبعث عليهم في المرة الآخرة بختنصر، فقتل المقاتلة، وسبي الذرية، وأخذ ما وجد من الأموال، ودخلوا بيت المقدس، كما قال الله عز وجل ﴿ وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ﴾ دخلوه فتبروه وخربوه وألقوا فيه ما استطاعوا من العذرة والحيض والجيف والقذر، فقال الله ﴿ عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا ﴾ فرحمهم فرد إليهم ملكهم وخلص من كان في أيديهم من ذرية بني إسرائيل وقال لهم : إن عدتم عدنا.
قال الشيخ الشنقيطي : جواب إذا في هذه الآية الكريمة محذوف، وهو تتعلق به اللام في قوله : ليسوءوا وتقديره : فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسوءوا وجوهكم بدليل قوله في الأولى ﴿ فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا ﴾ الآية وخير ما يفسر به القرآن القرآن. أ. ه.
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد قال : بعث الله ملك فارس ببابل جيشا وأمر عليهم بختنصر، فأتوا بني إسرائيل فدمروهم فكانت هذه الآخره ووعدها.
قوله تعالى ﴿ وإن عدتم عدنا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : لما بين جل وعلا أن بني إسرائيل قضى إليهم في الكتاب أنهم يفسدون في الأرض مرتين، وأنه إذا جاء وعد الأولى منهما : بعث عليهم عبادا له أولى بأس شديد فاحتلوا بلادهم وعذبوهم، وأنه إذا جاء وعد المرة الآخرة : بعث عليهم قوما ليسوءوا وجوههم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا، وبين أيضا : أنهم إن عادوا للإفساد المرة الثالثة فإنه جل وعلا يعود للانتقام منهم بتسليط أعدائهم عليهم، وذلك في قوله : وإن عدتم عدنا ولم يبين هنا : هل عادوا للإفساد المرة الثالثة أولا ؟ ولكنه أشار في آيات أخر إلى أنهم عادوا للإفساد بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتم صفاته ونقض عهوده، ومظاهرة عدوه عليه، إلى غير ذلك من أفعالهم القبيحة، فعاد الله جل وعلا للانتقام منهم تصديقا لقوله : وإن عدتم عدنا فسلط عليهم نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فجرى على بني قريضة والنضير وبني قينقاع وخيبر ما جرى من القتل والسبي والإجلاء، وضرب الجزية على من بقي منهم، وضرب الذلة والمسكنة.
فمن الآيات الدالة على أنهم عادوا للإفساد، قوله تعالى :﴿ ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين بئسما شروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ﴾ وقوله :﴿ أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ﴾ الآية، وقوله :﴿ ولا تزال تطلع على خائنة منهم... ﴾ الآية، ونحو ذلك من الآيات.
ومن الآيات الدالة على أنه تعالى عاد للانتقام منهم قوله تعالى :﴿ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار، ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار، ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ﴾. وقوله تعالى :﴿ وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها.. ﴾ الآية، ونحو ذلك من الآيات.
قوله تعالى ﴿ عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال :﴿ عسى ربكم أن يرحمكم ﴾، فعاد الله عليهم بعائدته ورحمته ﴿ وإن عدتم عدنا ﴾ قال : عاد القوم بشر ما يحضرهم، فبعث الله عليهم ما شاء أن يبعث من نقمته وعقوبته ثم كان ختام ذلك أن بعث الله عليهم هذا الحي من العرب، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة، قال الله عز وجل في آية أخرى :﴿ وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة... ﴾ الآية، فبعث الله عليهم هذا الحي من العرب.
قوله تعالى ﴿ وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ﴾
أخرج الطبري بسنده الجيد عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس :﴿ حصيرا ﴾ سجنا.
وكذا أخرجه بسنده الحسن عن قتادة، وأخرجه بإسناده الصحيح المتقدم عن قتادة بلفظ : محبسا حصورا، وأخرجه آدم بن أبي إياس، والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد قال : يحصرون فيها.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة قال : محبسا حصروا فيها.
أخرج عن معمر عن الحسن : حصيرا : فراشا مهادا.
وهو إسناد صحيح أيضا، وأخرجه الطبري ثم قال : وذلك أن العرب تسمي البساط الصغير حصيرا، فوجه الحسن معنى الكلام إلى أن الله تعالى جعل جهنم للكافرين به بساطا ومهادا كما قال ﴿ لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ﴾ وهو وجه حسن وتأويل صحيح. وأما الآخرون فوجهوه إلى أنه فعيل من الحصر الذي هو الحبس، وقد بينت ذلك بشواهده في سورة البقرة أ. ه.
قال الشيخ الشنقيطي : وهذا الوجه يدل له قوله تعالى ﴿ وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ﴾.
قوله تعالى ﴿ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : وهذه الآية الكريمة أجمل الله جل وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة ولكننا إن شاء الله تعالى سنذكر جملا وافرة في جهات مختلفة كثيرة من هدى القرآن للطريق التي هي أقوم بيانا لبعض ما أشارت إليه الآية الكريمة تنبيها ببعضه على كله من المسائل العظام والمسائل التي أنكرها الملحدون من الكفار وطعنوا بسببها في دين الإسلام لقصور إدراكهم عن معرفة حكمها البالغة فمن ذلك توحيد لله جل وعلا فقد هدى القرآن فيه للطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها وهي توحيده جل وعلا في ربوبيته وفي عبادته وفي أسمائه وصفاته وقد دل استقراء القرآن العظيم على أن توحيد الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : توحيده في ربوبيته وهذا النوع من التوحيد جبلت عليه فطر العقلاء قال تعالى :﴿ ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله.. ﴾ الآية، وقال ﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون.. ﴾.
الثاني : توحيده جل وعلا في عبادته وضابط هذا النوع من التوحيد هو تحقيق معنى ( لا إله إلا الله ) وهي متركبة من نفي وإثبات، فمعنى النفي منها : خلع جميع أنواع المعبودات غير الله كائنة ما كانت في جميع أنواع المعبودات كائنة ما كانت، ومعنى الإثبات منها : إفراد الله جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام، وأكثر آيات القرآن في هذا النوع من التوحيد وهو الذي فيه المعارك بين الرسل وأممهم ﴿ أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ﴾.
ومن الآيات الدالة على هذا النوع من التوحيد، قوله تعالى ﴿ فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ﴾ الآية، وقوله ﴿ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ﴾ قوله ﴿ ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه إنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾. وقوله ﴿ واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ﴾. وقوله :﴿ قل إنما يوحي إلي إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون ﴾. فقد أمر في هذه الآية الكريمة أن يقول : إنما أوحي إليه محصور في هذا النوع من التوحيد لشمول كلمة ( لا إله إلا الله ) لجميع ما جاء في الكتب، لأنها تقتضي طاعة الله بعبادته وحده، فيشمل ذلك جميع العقائد والأوامر والنواهي وما يتبع ذلك من ثواب وعقاب والآيات في هذا النوع من التوحيد كثيرة.
النوع الثالث : توحيده جل وعلا في أسمائه وصفاته، وهذا النوع من التوحيد ينبني على أصلين :
الأول : تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة المخلوقين في صفاتهم، كما قال تعالى :﴿ ليس كمثله شيء ﴾.
والثاني : الإيمان بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله على الوجه اللائق بكماله وجلاله، كما قال بعد قوله :﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾ مع قطع الطمع عن إدراك كيفية الاتصاف، قال تعالى :﴿ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما... ﴾، ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جل وعلا على وجوب توحيده في عبادته ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير، فإذا أقروا بربوبيته احتج بها عليهم على أنه هو المستحق لأن يعبد وحده ووبخهم منكرا عليهم شركهم به غيره، مع اعترافهم بأنه هو الرب وحده لأن من اعترف بأنه هو الرب وحده لزمه الاعتراف بأنه هو المستحق لأن يعبد وحده، ومن أمثلة قوله تعالى ﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ﴾ إلى قوله ﴿ فسيقولون الله ﴾ فلما أقروا بربوبيته وبخهم منكرا عليهم شركهم به غيره بقوله ﴿ فقل أفلا تتقون ﴾... ومن هدى القرآن للتي هي أقوم جعله الطلاق بيد الرجل كما قال تعالى ﴿ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ﴾ الآية، ونحوها من الآيات لأن النساء مزارع وحقول، تبذر فيها النطف كما يبذر الحب في الأرض كما قال تعالى ﴿ نساؤكم حرث لكم ﴾... ومن هدى القرآن للتي هي أقوم تفضيله الذكر على الأنثى في الميراث كما قال تعالى ﴿ وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم ﴾... ومن هدى القرآن للتي هي أقوم : القصاص فإن الإنسان إذا غضب وهم بأن يقتل إنسانا آخر فتذكر أنه إن قتله قتل به، خاف العاقبة فترك القتل فحي ذلك الذي كان يريد قتله، وحي هو لأنه لم يقتل ويقتل قصاصا، فقتل يحيا به ما لا يعلمه إلا الله كثرة كما ذكرنا قال تعالى :﴿ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ﴾ ولا شك أن هذا من أعدل الطرق وأقومها ولذلك يشاهد في أقطار الدنيا قديما وحديثا قلة وقوع القتل في البلاد التي تحكم بكتاب الله لأن القصاص رادع عن جريمة القتل كما ذكره الله في الآية المذكورة آنفا... ومن هدى القرآن للتي هي أقوم : قطع يد السارق المنصوص عليه بقوله تعالى ﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ﴾، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو سرقت فاطمة لقطعت يدها "... ومن هدي القرآن للتي هي أقوم : رجم الزاني المحصن ذكرا كان أو أنثى وجلد الزاني البكر مائة جلدة ذكرا كان أو أنثى...
قوله تعالى ﴿ ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : أن معنى الآية ﴿ ويدع الإنسان بالشر ﴾ كأن يدعو على نفسه أو ولده بالهلاك عند الضجر من أمر يقول : اللهم أهلكني أو أهلك ولدي، فيدعوا بالشر دعاء لا يحب أن يستجاب له وقوله ﴿ دعاءه بالخير ﴾ أي يدعو بالشر كما يدعو بالخير فيقول عند الضجر : اللهم أهلك ولدي، كما يقول في غير وقت الضجر اللهم عافه، ونحو ذلك من الدعاء ولو استجاب الله دعاءه
بالشر لهلك، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى :﴿ ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم ﴾ أي لو عجل لهم الإجابة بالشر كما يعجل لهم الإجابة بالخير لقضى إليهم أجلهم، أي لهلكوا وماتوا فلاستعجال بمعنى التعجيل... أ. ه.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على أنفسنا وأموالنا، فأخرج أبو داود عن هشام ابن عمار ويحيى بن الفضل وسليمان بن عبد الرحمان قالوا : ثنا حاتم بن إسماعيل، ثنا يعقوب بن مجاهد حزْرَة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن جابر ابن عبد الله مرفوعا : قال : " لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم ".
( سنن أبي داود ح١٥٣٢-الصلاة، ب النهي أن يدعوا الإنسان على أهله وماله )، وأخرجه مسلم من طريق حاتم به-الصحيح-الزهد، ب حديث جابر ح٣٠٠٩ )، قال ابن كثير عند قوله تعالى :﴿ ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم ﴾ سورة يونس : ١١. وهذا كقوله تعالى ﴿ ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير ﴾.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير ﴾ قال : يدعو على نفسه بما لو استجيب له هلك، أو على خادمه أو على ماله.
قوله تعالى ﴿ وجعلنا الليل والنهار آيتين ﴾
قال ابن كثير : يمتن تعالى على خلقه بآياته العظام فمنها مخالفته بين الليل والنهار ليسكنوا في الليل وينتشروا في النهار للمعايش والصنائع والأعمال والأسفار وليعلموا عدد الأيام والجمع والشهور والأعوام ويعرفوا مضي الآجال المضروبة للديون والعبادات والمعاملات والإجارات وغير ذلك ولهذا قال ﴿ لتبتغوا فضلا من ربكم ﴾ أي في معايشكم وأسفاركم ونحو ذلك ﴿ ولتعلموا عدد السنين والحساب ﴾.
قال الشيخ الشنقيطي : ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه جعل الليل والنهار آيتين أي علامتين دالتين على أنه الرب المستحق أن يعبد وحده، ولا يشرك معه غيره، وكرر تعالى هذا المعنى في مواضع كثيرة كقوله تعالى ﴿ ومن آياته الليل والنهار ﴾ الآية، وقوله :﴿ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ﴾. وقوله تعالى ﴿ إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون ﴾. وقوله :﴿ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب ﴾.
قوله تعالى ﴿ فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ﴾
قال ابن كثير : أخرج أبو جعفر بن جرير من طرق متعددة جيدة : أن ابن الكواء سأل علي بن أبي طالب فقال : يا أمير المؤمنين ما هذه اللطخة التي في القمر ؟ فقال ويحك أما تقرأ القرآن ؟ ﴿ فمحونا آية الليل ﴾. فهذه محوه.
وأخرج بسنده الصحيح عن مجاهد قال : ليلا ونهارا وكذلك جعلهم الله.
وأخرج بسنده الحسن عن قتادة قال : أي منيرة وخلق الشمس نور من القمر وأعظم.
قوله تعالى ﴿ لتبتغوا فضلا من ربكم ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : وقوله :﴿ ولتبتغوا من فضله ﴾ أي في النهار. قوله :﴿ وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا ﴾ الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ لتبتغوا فضلا من ربكم ﴾ قال : جعل لكم سبحا طويلا.
قوله تعالى ﴿ ولتعلموا عدد السنين والحساب ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : بين فيه نعمة أخرى على خلقه وهي معرفتهم عدد السنين والحساب لأنهم باختلاف الليل والنهار يعلمون عدد الأيام والشهور والأعوام، ويعرفون بذلك يوم الجمعة ليصلوا فيه صلاة الجمعة ويعرفون شهر الصوم، وأشهر الحج، ويعلمون مضي أشهر العدة لمن تعتد بالأشهر المشار إليها في قوله :﴿ واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ﴾، وقوله :﴿ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ﴾، ويعرفون مضى الآجال المضروبة للديون والإجارات ونحو ذلك. وبين جل وعلا هذه الحكمة في مواضع أخر، كقوله :﴿ هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ﴾، وقوله جل وعلا :﴿ يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ﴾، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى ﴿ وكل شيء فصلناه تفصيلا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال : أي بيناه تبييانا.
قال الشيخ الشنقيطي : وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ وكل شيء فصلناه تفصيلا ﴾ تقدم إيضاحه، والآيات الدالة عليه في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى :﴿ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء... ﴾ الآية.
قوله تعالى ﴿ وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ﴾
القول الأول : المراد بالطائر ما سبق في علم الله من شقاوة أو سعادة.
قال الطبري : وإنما قوله :﴿ ألزمناه طائره ﴾ مثل لما كانت العرب تتفاءل به أو تتشاءم من سوانح الطير وبوارحها فأعلمهم جل ثناءه أن كل إنسان منهم قد ألزمه ربه طائره في عنقه نحسا كان ذلك الذي ألزمه من الطائر، وشقاء يورده سعيرا، أو كان سعدا يورده جنات عدن، وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل، ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن بشار قال : ثنا معاذ بن هشام، قال : ثنى أبي، عن قتادة، عن جابر بن عبد الله أن نبي الله قال : " لا عدوى ولا طيرة، وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ".
( ورجال ثقات إلا معاذ بن هشام صدوق له أوهام وإسناده حسن، وقد أخرجه عبد بن حميد من طريق آخر عن أبي الزبير عن جابر بلفظ : " طائر كل إنسان في عنقه " كما ذكره ابن كثير وحسنه السيوطي في الدر المنثور ).
أخرج أحمد عن علي بن إسحاق قال : ثنا عبد الله أخبرني ابن لهيعة قال : حدثني يزيد أن أبي الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس من عمل يوم إلا هو يختم عليه فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة : يا ربنا عبدك فلان قد حبسته فيقول الرب عز وجل : اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت ".
( المسند٤/٦٤١ ). قال ابن كثير إسناد جيد قوي ولم يخرجوه، وهو كما قال لأن عبد الله هو ابن المبارك معروف بالرواية عن ابن لهيعة، وبرواية علي بن إسحاق المروزي عنه، وعبد الله بن المبارك من العبادلة الأربعة الذين رووا عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه، وقد أمنا تدليس ابن لهيعة لأنه صرح بالتحديث ).
القول الثاني : المراد بالطائر العمل.
أخرج الطبري وآدم بن أبي إياس بالإسناد الصحيح عن مجاهد :﴿ طائره ﴾ عمله.
وأخرجه عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة، وعن معمر عن الحسن بلفظ : عمله شقاوة أو سعادة.
وجمع الشيخ الشنقيطي بين القولين فقال : والقولان متلازمان لأن ما يطير له من العمل هو سبب ما يئول إليه من الشقاوة والسعادة.
قوله تعالى ﴿ ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن ذلك العمل الذي ألزم الإنسان إياه يخرجه له يوم القيامة مكتوبا في كتاب يلقاه منشورا أي مفتوحا يقرؤه هو وغيره، وبين أشياء من صفات هذا الكتاب الذي يلقاه منشورا في آيات أخر، فبين أن من صفاته : أن المجرمين مشفقون أي خائفون مما فيه، وأنه لا يترك صغيرة أو كبيرة إلا أحصاها، وأنهم يجدون فيه جميع ما عملوا حاضرا ليس منه شيء غالبا، وأن الله جل وعلا لا يظلمهم في الجزاء عليه شيئا وذلك في قوله جل وعلا :﴿ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجد ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحد ﴾، وبين في موضع آخر : أن بعض الناس يؤتي هذا الكتاب بيمينه -جعلنا الله وإخواننا المسلمين منهم، وإن من أوتيه بيمينه يحاسب حسابا يسيرا، ويرجع إلى أهله مسرورا، وأنه في عيشة راضية، في جنة عالية، قطوفها دانية قال تعالى :﴿ فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا ﴾، وقال تعالى ﴿ فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه، فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية ﴾، وبين في موضع آخر : أن من أوتيه بشماله يتمنى أنه لم يؤته، وأنه يؤمر به فيصلى الجحيم، ويسلك في سلسلة من سلاسل النار ذرعها سبعون ذراعا وذلك في قوله :﴿ وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدرى ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ﴾ -أعاذنا الله وإخواننا المسلمين من النار، ومما قرب إليها من قول وعمل-، وبين في مواضع آخر : أن من أوتي كتابه وراء ظهره يصلى السعير، ويدعو الثبور وذلك في قوله :﴿ وأما من أوتي وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا ﴾.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ﴾ أي : عمله.
قوله تعالى ﴿ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ﴾
روى معمر عن الحسن في هذه الآية قال : قد عدل
–والله- عليك من جعلك حسيب نفسك، ذكره ابن كثير ثم قال : هذا من حسن كلام الحسن رحمه الله.
وانظر سورة فصلت آية ( ٢٠ ) حديث مسلم عن أنس وانظر سورة النور آية ( ٢٤ ).
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ﴾ سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا.
قوله تعالى ﴿ من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من اهتدى فعمل بما يرضى الله جل وعلا أن اهتداءه ذلك إنما هو لنفسه لأنه هو الذي ترجع إليه فائدة الاهتداء وثمرته في الدنيا والآخرة، وأن من ضل عن طريق الصواب فعمل بما يسخط ربه جل وعلا، أن ضلاله ذلك إنما هو نفسه لأنه هو الذي يجني ثمرة عواقبه السيئة الوخيمة، فيخلد به في النار، وبين هذا المعنى في مواضع كثيرة كقوله :﴿ من عمل صالحا ومن أساء فعليها... ﴾ الآية، وقوله :﴿ من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ﴾ وقوله ﴿ قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أنا عليكم بحفيظ ﴾ وقوله :﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل ﴾، والآيات بمثل هذا كثيرة جدا.
قوله تعالى ﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ والله ما يحمل الله على عبد ذنب غيره، ولا يؤاخذ إلا بعمله.
قال ابن كثير : ولا منافاة بين هذا وبين قوله تعالى :﴿ وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ﴾، وقوله :﴿ ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ﴾ فإن الدعاة عليهم إثم ضلالهم في أنفسهم، وإثم آخر بسبب ما أضلوا من غير أن ينقص من أوزار أولئك، ولا يحملوا عنهم شيئا، وهذا من عدل الله ورحمته بعباده.
قوله تعالى ﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾
قال ابن كثير : إخبار عن عدله تعالى، وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه، كما قال تعالى :﴿ كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير ﴾ أ. ه.
واستدل بهذه الآية أن ولدان المشركين الذين ماتوا هم في الجنة، وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في هذه المسألة على أقوال : القول الأول : أنهم يمتحنون يوم القيامة.
والدليل ما رواه الإمام أحمد قال : حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي، عن قتادة عن الأحنف بن قيس، عن الأسود بن سريع أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول : ربّ، قد جاء الإسلام وما أسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول : رب، لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول : رب، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في الفترة فيقول : رب، ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار فو الذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما.
( المسند٤/٢٤ ) بدون كلمة " يحتجون " وقد أكملناها من نسخة الحافظ ابن كثير من مسند أحمد ثم قال ابن كثير : وبالإسناد عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة، مثل هذا الحديث غير أنه قال في آخره : " من دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها ". وكذا رواه إسحاق بن راهويه، عن معاذ بن هشام ورواه البيهقي في كتاب الاعتقاد، من حديث حنبل بن إسحاق عن علي بن عبد الله المديني به، وقال هذا إسناد صحيح أ. ه، وذكره الهيثم ونسبه إلى أحمد والبزار وذكر أن رجاليهما رجال الصحيح ( مجمع الزوائد٢١٦/٧ )، وصححه الألباني في ( السلسلة الصحيحة رقم١٤٣٤ )، وقال ابن حجر العسقلاني : وقد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون ومن مات في الفترة من طرق صحيحه، وحكى البيهقي في كتاب الاعتقاد أنه المذهب الصحيح ( فتح الباري٣/٢٤٦وانظر الاعتقاد ص١٦٩ ).
القول الثاني : أنهم في الجنة واستدلوا بهذه الآية وبالأحاديث التالية :
أولا : حديث سمرة بن جندب الطويل والشاهد فيه : وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط... وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة، قال : فقال بعض المسلمين : يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله : وأولاد المشركين.
( الصحيح-التعبير، ب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح رقم٤٠٤٧ ). قال الحافظ ابن حجر في قوله ﴿ وأولاد المشركين ﴾ وظاهره أنه ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة ولا يعارض قوله : هم من آبائهم لأن ذلك حكم الدنيا. ( فتح الباري١٢/٤٤٥ ).
ثانيا : حديث عم حسناء بنت معاوية الصريمية قال : قلت : يا رسول الله من في الجنة قال صلى الله عليه وسلم : " النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والموؤدة في الجنة ".
( رواه أحمد ومحمد بن سنجر من طريق عوف عن حسناء به، وحسنه ابن حجر( انظر مسند أحمد٥/٥٨، انظر التذكرة في أحوال الموتى ص٥١٥، وفتح الباري٣/٢٤٦ )، قال ابن كثير : وهذا استدلال صحيح ولكنه أحاديث الامتحان أخص منه فمن علم الله منه أن يطيع جعل روحه في البرزخ مع إبراهيم وأولاد المسلمين الذين ماتوا على الفطرة، ومن علم أنه لا يجيب، فأمره إلى الله تعالى، ويوم القيامة يكون في النار كما دلت عليه أحاديث الامتحان، ونقله الأشعري عن أهل السنة أ. ه.
ثالثا : حديث أنس الذي رواه أبو يعلى مرفوعا : " سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم ".
قال الهيثمي : رواه أبو يعلى من طرق ورجاله أحدها رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن المتوكل وهو ثقة( مجمع الزوائد٧/٢١٩ )، قال ابن حجر : إسناده حسن، وورد تفسير اللاهين بأنهم الأطفال، قال النووي : وهو المذهب الصحيح الذي صار إليه المحققون وهو رأي البخاري كما نقل ابن حجر( فتح الباري٣/٢٤٦، ٢٤٧ ).
القول الثالث : التوقف أنهم في مشيئة الله تعالى لحديث ابن عباس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال : " الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين ".
رواه البخاري ورواه من حدث أبي هريرة بنحوه ( الصحيح-الجنائز، ب ما قيل في أولاد المشركين رقم٣٨٣١و٤٨٣١ )وهو منقول عن الحمادين وابن المبارك وإسحاق ونقله البيهقي في( الاعتقاد )عن الشافعي.
القول الرابع : أنهم في النار مع آبائهم لحديث عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هم مع آبائهم، فقلت : يا رسول الله بلا عمل ؟ قال : الله عز وجل أعلم بما كانوا عاملين.
رواه أحمد عن أبي المغيرة ثنا عتبة بن ضمرة بن الحبيب قال ثني عبد الله بن أبي قيس عنها به، ورواه أبو داود من طريق محمد بن حرب عن محمد بن زياد الألهاني عن عبد الله بن أبي قيس عنها نحوه ( مسند أحمد٦/٤٨ )، ( سنن أبي داود-السنة، ب في ذراري المشركين رقم٢١٧٤، وصححه الألباني ( صحيح سنن أبي داود ح٣٤٣ )، وقد أشار ابن حجر إلى هذا الحديث قال : فذاك ورد في حكم الحربي، وقال أيضا أنه في حكم الدنيا كما تقدم ( فتح الباري٣/٦٤٢و١٢/٤٤٥ )، وأما أطفال المسلمين فهم في الجنة.
قال ابن كثير : وليعلم أن هذا الخلاف مخصوص بأطفال المشركين، فأما ولدان المؤمنين فلا خلاف بين العلماء كما حكاه القاضي أبو يعلى بن الفراء الحنبلي، عن الإمام أحمد أنه قال : لا يختلف فيهم أنه من أهل الجنة، وهذا هو المشهور بين الناس، وهو الذي نقطع به إن شاء الله عز وجل.
قوله تعالى ﴿ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ﴾
أخرج مسلم بسنده عن زينب بنت جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وهو يقول : " لا إله إلا الله "، ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ". وعقد سفيان بيده عشرة قلت : يا رسول الله ! أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم، إذا كثر الخبث ".
( الصحيح-الفتن وأشراط الساعة، ب اقتراب الفتن-رقم ٢٨٨٠ ).
قل الشيخ الشنقيطي : في هذه الآية الكريمة سؤال معروف، وهو أن يقال : أن الله أسند الفسق فيها لخصوص المترفين دون غيرهم في قوله :﴿ أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ﴾ مع أنه ذكر عموم الهلاك للجميع المترفين وغيرهم في قوله ﴿ فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ﴾ يعني القرية ولم يستثن منها غير المترفين ؟ والجواب من وجهين :
الأول : أن غير المترفين تبع لهم، وإنما خص بالذكر المترفين الذين هم سادتهم وكبراؤهم لأن غيرهم تبع لهم كما قال تعالى :﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ﴾ وكقوله ﴿ إذ تبرأ الذين اتُبعوا من الذين اتَبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ﴾ الآية، وقوله :﴿ حتى إذا ادّاركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولادهم ربنا هؤلاء أضلونا ﴾ الآية، وقوله تعالى ﴿ وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء ﴾ الآية.
وقوله :﴿ وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ﴾، إلى غير ذلك من الآيات.
الوجه الثاني : أن بعضهم من عصى الله وبغى وطغي ولم ينههم الآخرون فإن الهلاك يعم الجميع كما قال تعالى :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ ثم استشهد بحديث زينب المتقدم.
وأخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ أمرنا مترفيها ﴾ يقول : سلطنا أشرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بالعذاب، وهو قوله ﴿ وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ﴾.
وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد :﴿ أمرنا مترفيها ﴾ بعثنا.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة بلفظ : أكثرنا.
وأخرج البخاري بسنده عن ابن مسعود قال : " كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية : أُمِرَ بنو فلان.
( الصحيح ح٤٧١١-التفسير، ب ﴿ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ﴾.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول ﴾ يقول : أكثرنا مترفيها : أي جبابرتها، ففسقوا فيها وعملوا بمعصية الله ﴿ فدمرناها تدميرا ﴾ وكان يقال : إذا أراد الله بقوم صلاحا، بعث عليهم مصلحا، وإذا أراد بهم فسادا بعث عليهم مفسدا، وإذا أراد أن يهلكها أكثر مترفيها.
قوله تعالى ﴿ وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : وما دلت عليه هذه الآية الكريمة أوضحته آيات أخر من عدة جهات :
الأولى : أن في الآية تهديدا لكفار مكة، وتخويفا لهم من أن ينزل بهم. ما نزل بغيرهم من الأمم التي كذبت رسلها أي أهلكنا قرونا كثيرة من بعد نوح بسبب تكذيبهم الرسل، فلا تكذبوا رسولنا لئلا نفعل بكم مثل ما فعلنا بهم، والآيات التي أوضحت هذا المعنى كثيرة كقوله في قوم لوط ﴿ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون ﴾، وكقوله فيهم أيضا ﴿ إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم ﴾.
الجهة الثانية : أن هذه القرون تعرضت لبيانها آيات أخر فبينت كيفية إهلاك قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وفرعون وقومه من قوم موسى، وذلك مذكور في مواقع متعددة معلومة من كتاب الله تعالى، وبين أن تلك القرون كثيرة في قوله :﴿ وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا ﴾.
الجهة الثالثة : أن قوله ﴿ وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ﴾ فيه أعظم زجر عن ارتكاب ما لا يرضي الله تعالى، والآيات موضحة لذلك كثيرة جدا كقوله :﴿ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ﴾ وقوله :﴿ ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون، إنه عليم بذات الصدور ﴾ وقوله :﴿ واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ﴾ الآية.
قوله تعالى ﴿ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله ﴿ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ﴾ يقول : من كانت الدنيا همه وسدمه وطلبته ونيته، عجل الله له فيها ما يشاء، ثم اضطره إلى جهنم، قال ﴿ ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ﴾ مذموما في نعمة الله مدحورا في نقمة الله.
وأخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ مذموما ﴾ يقول : ملوما.
قوله تعالى ﴿ ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ﴾ شكر الله لهم حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم.
قوله تعالى ﴿ كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ﴾
قال الطبري : حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال : ثنا سهل بن أبى الصلت السراج، قال : سمعت الحسن يقول :﴿ كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ﴾ قال : كلا نعطى من الدنيا البر والفاجر أ. ه.
وإسناده حسن.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ﴾ : أي منقوصا وإن الله عز وجل قسم الدنيا بين البر والفاجر والآخرة خصوصا عند ربك للمتقين.
قوله تعالى ﴿ انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ﴾ أي : في الدنيا ﴿ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ﴾ وإن للمؤمنين في الجنة منازل، وإن لهم فضائل بأعمالهم.
قوله تعالى ﴿ لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ﴾
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي من طريق بشير بن سلمان، عن سيار أبي حمزة، عن طارق، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصابته فاقة فانزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى إما بالموت عاجل أو غنى عاجل ".
( واللفظ لأبي داود، قال الترمذي : حسن صحيح غريب أ. ه. وصححه الألباني ( مسند أحمد١/٤٠٧ )، وأبو داود( السنن-ك الزكاة رقم١٦٤٥ )، ب في الإستعفاف }، والترمذي( السنن رقم٢٣٢٦ )-أبواب الزهد، ب ما جاء في هم الدنيا وحبها }، ( صحيح سنن أبي داود رقم١٤٤٨ ).
وقد استدل ابن كثير بهذا الحديث بعد أن قال : لأن الرب تعالى لا ينصرك، بل يكلك إلى الذي عبدت معه، وهو لا يملك لك ضرا ولا نفعا، لأن مالك الضر هو الله وحده، لا شريك له ).
قوله تعالى ﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ﴾
وأخرج الطبري بسنده الجيد طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس :
﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ﴾، يقول : أمر.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ﴾ : أي أمر ربك في ألا تعبدوا إلا إياه، فهذا قضاء الله العاجل، وكان يقال في بعض الحكمة : من أرضى والديه : أرضى خالقه، ومن أسخط والديه، فقد أسخط ربه.
قال الطبري : حدثنا أبو كريب، قال : ثنا يحيى بن عيسى، قال : ثنا نصير بن الأشعت قال : ثنى ابن حبيب ابن أبي ثابت، عن أبيه. قال : أعطاني ابن عباس مصحفا، فقال : هذا على قراءة أُبَي بن كعب قال أبو كريب : قال يحيى : رأيت المصحف عند نصير فيه ﴿ ووصى ربك ﴾ يعني : وقضى ربك.
ورجاله ثقات إلا يحيى بن عيسى صدوق، وابن حبيب هو عبد الله، وسنده حسن.
قال الشيخ الشنقيطي : وقوله جل وعلا في الآيات المذكورة :﴿ وبالوالدين إحسانا ﴾ بينه بقوله تعالى ﴿ إما يبلغن عندك الكبر أحداهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ﴾ لأن هذا من الإحسان إليهما المذكور في الآيات أ. ه.
وقد وردت عدة أحاديث ثابتة في بر الوالدين والإحسان إليهما :
أخرج البخاري بسنده أن ابن مسعود سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله عز وجل ؟ قال : " الصلاة على وقتها " قال : ثم أي ؟ قال : " بر الوالدين "، قال : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله ".
( الصحيح -الأدب- باب البر والصلة رقم٥٩٧٠ ).
وأخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : " أمك " قال : ثم من ؟ قال : " ثم أمك " قال : ثم من ؟ قال : " ثم أمك " قال : " ثم أمك " قال : ثم من ؟ قال : " ثم أبوك ".
( الصحيح-كتاب البر والصلة والآداب، ب بر الوالدين رقم٢٥٤٨ ).
وأخرج مسلم بسنده عن عبد الله بن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال : أحي والدك " ؟ قال : نعم قال : " ففيهما فجاهد ".
المصدر السابق رقم٢٥٤٩.
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رَغِمَ أنف ثم رَغِمَ أنف ثم رَغِمَ أنف " قيل من ؟ يا رسول الله ! قال : من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة ".
( الصحيح الكتاب السابق رقم٢٥٥١ ).
والإحسان إلى الوالدين مطلوب حتى ولو كانا مشركين، وقد عقد البخاري بابا بعنوان، باب صلة الوالد المسلم وساق حديثا بسنده عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : أتتني أمي راغبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم آصلها قال : نعم.
( الصحيح-الأدب-رقم٥٩٧٨ ).
قوله تعالى ﴿ وقل لهما قولا كريما ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ وقل لهما قولا كريما ﴾ : أي قولا لينا سهلا.
قوله تعالى ﴿ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ﴾
أخرج آدم بن أبي إياس، عن حماد وسليمان بن حبان، عن هشام بن عروة، عن أبيه في قوله :﴿ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ﴾ قال : يطيعهما فيما أمره ولا يمتنع من شيء أراداه.
وأخرجه الطبري من طريق سفيان بن هشام به بلفظ : لا تمتنع في شيء يحبانه.
قوله تعالى ﴿ وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ﴾
أخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ﴾ ثم أنزل الله عز وجل بعد هذا ﴿ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ﴾ أ. ه.
والمراد من قوله : ثم أنزل الله، أي النسخ.
كما ذكر السيوطي في الدر المنثور حيث نقله عن البخاري في الأدب المفرد وأبي داود وابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عباس.
قوله تعالى ﴿ ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا ﴾
قال الطبري : حدثنا أبو كريب، قال : ثنا ابن إدريس، قال : سمعت أبي وعمي عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد ابن جبير ﴿ ربكم أعلم بما في نفوسكم ﴾ قال : البادرة تكون من الرجل إلى أبويه لا يريد بذلك إلا الخير، فقال ﴿ ربكم أعلم بما في نفوسكم ﴾ أ. ه.
ورجاله ثقات إلا عم عبد الله بن إدريس وهو داود بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي ضعيف ولا يضر لأنه مقرون بوالد عبد الله بن إدريس وهو إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي ثقة، والإسناد صحيح. وقد فسر القرطبي البادرة بالزلة.
قال الطبري حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال : ثنا محمد بن الصلت قال : ثنا أبو كدينه وحدثني ابن سنان القزاز، قال : ثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال : ثنا أبو كدينه، عن عطاء عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﴿ فإنه كان للأوابين غفورا ﴾ قال : المسبحين.
( وإسناده حسن وعطاء هو ابن السائب صدوق اختلط، ورواية أبي كدينه وهو يحيى بن المهلب كوفي وروايته عن عطاء قبل الاختلاط ).
أخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ فإنه كان للأوابين غفورا ﴾، يقول : للمطيعين المحسنين.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة بلفظ : للمطيعين المصلين.
وأخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد بلفظ : هو الذي يتذكر ذنوبه فيتوب ويراجع.
قال الطبري : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال : الأواب هو التائب من الذنب، الراجع من معصية الله إلى طاعته ومما يكرهه إلى ما يرضاه أ. ه.
وأيده ابن كثير فقال : وهذا الذي قاله هو الصواب لأن الأواب مشتق من الأوب، وهو الرجوع، آب فلان إذا رجع قال الله تعالى ﴿ إن إلينا إيابهم ﴾ سورة الغاشية : ٢٥، وفي سورة الإسراء : ٢٥-٢٦، الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع من سفر قال : " آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ".
قوله تعالى ﴿ وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ﴾
أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك مرفوعا : " من سره أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه ".
( صحيح البخاري-البيوع، ب من أحب البسط في الرزق رقم٢٠٦٧ )، ( وصحيح مسلم-البر والصلة، صلة الرحم رقم٢٥٥٧ ).
وأخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة أن رجلا قال : يا رسول الله ! إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلهم عنهم ويجهلون علي، فقال : " لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمت على ذلك ".
المصدر السابق رقم٢٥٥٨.
قال الإمام أحمد : ثنا هاشم بن القاسم، ثنا ليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أنس بن مالك أنه قال : أتى رجل من بني تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني ذو مال كثير وذوا أهل وولد وحاضرة فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك وتصل أقرباءك وتعرف حق السائل والجار والمسكين فقال : يا رسول الله اقلل لي قال : " فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا " فقال : حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها فلك أجرها وإثمها على من بدّلها ".
( المسند٣/١٣٦ ). وسنده حسن وليث هو ابن سعد المصري معروف بالرواية عن خالد بن يزيد المصري، أخرجه الحاكم من طريق الليث به وصححه ووافقه الذهبي( المستدرك٢/٣٦٠ ).
قال الطبري : حدثنا عمران بن موسى، قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال : ثنا حبيب المعلم، قال : سأل رجل الحسن، قال : أعطي قرابتي زكاة مالي فقال : إن لهم في ذلك لحقا سوى الزكاة، ثم تلا هذه الآية ﴿ وآت ذا القربى حقه ﴾ أ. ه.
وسنده حسن.
انظر سورة البقرة آية( ١٧٧ ) لبيان المسكين وابن السبيل.
قال الطبري : حدثنا ابن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن، قال : ثنا سفيان، عن سلمة، عن مسلم البطين، عن أبي العبيدين، قال : سئل عبد الله عن المبذر، فقال : الإنفاق في غير حق أ. ه.
وسنده صحيح ورجاله ثقات، وابن بشار هو محمد، وعبد الرحمن هو ابن مهدي، وسفيان هو الثوري، وسلمة ابن كهيل وأبو العبيدين معاوية بن سبره، وعبد الله هو ابن مسعود وأخرجه الحاكم في( المستدرك-كتاب التفسير )من طريق يحيى بن الجزار عن أبي العبيدين به وأطول وصححه ووافقه الذهبي.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ ولا تبذر تبذيرا ﴾ قال التبذير : النفقة في معصية الله، وفي غير الحق وفي الإفساد.
قوله تعالى ﴿ وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهما قولا ميسورا ﴾
قال الطبري : حدثنا عمران ابن موسى، قال : ثنا عبد الوارث، قال : ثنا عمارة عن عكرمة في قوله ﴿ وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ﴾ قال : انتظار رزق من الله يأتيك أ. ه.
وسنده حسن وعمارة هو ابن أبي حفصة، وعبد الوارث هو ابن سعيد.
وأخرج آدم ابن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل ﴿ ابتغاء رحمة من ربك ﴾، قال : انتظار رزق الله.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة ﴿ فقل لهما قولا ميسورا ﴾ قال : عدهم خيرا.
قوله تعالى ﴿ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ﴾
قال الطبري حدثنا محمد بن بشار، قال ثنا هوذة، قال : ثنا عوف، عن الحسن في قوله :﴿ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ﴾ قال : لا تجعلها مغلولة عن النفقة ﴿ ولا تبسطها ﴾ : تبذر : بسرف.
وسنده حسن، وهوذة : ابن خليفة، وعوف هو الأعرابي.
وأخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ﴾، يعني بذلك البخل.
وقد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من البخل، والترغيب في النفقة، والصدقة منها :
أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سَبَغَت -أو وَفَرَت- على جلده حتى تخفى بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسقها ولا تتسع ".
واللفظ للبخاري( الصحيح-الزكاة، ب مثل المتصدق والبخيل رقم١٤٤٣ )، ومسلم في( الصحيح-الزكاة، ب مثل المنفق والبخيل رقم١٠٢١ )، والمعنى أن الصدقة تستر خطاياه كما يغطى الثوب الذي يجر على الأرض أثر صاحبه إذا مش بمرور الذيل عليه... والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه فضاق صدره وانقبضت يداه( انظر فتح الباري٣/٣٠٦ ).
وأخرج مسلم والبخاري بسنديهما عن أسماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنفقي ولا تحصي فيحصى الله عليك ولا توعي فيوعى الله عليك ".
واللفظ للبخاري :( الصحيح-كتاب الهبة، هبة المرأة لغير زوجها رقم٢٥٩١ )، ومسلم في( الصحيح-الزكاة، ب الحث على الإنفاق وكراهة الإحصاء رقم١٠٢٩ )، والمعنى : لا تجمعي في الوعاء وتبخلي بالنفقة فتجازي بمثل ذلك( فتح الباري٥/٢١٨ ).
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلقا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا ".
واللفظ للبخاري( صحيح البخاري-كتاب الزكاة، ب قول الله تعالى ﴿ فأما من أعطى واتقى ﴾ رقم١٤٤٢ )، ومسلم( الصحيح-الزكاة، ب في المنفق والممسك رقم١٠١٠ )، قال بن حجر : وأما الدعاء بالتلف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه أو تلف نفس صاحب المال والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها( فتح الباري٣/٣٠٥ ).
أخرج مسلم بسنده الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تبارك وتعالى : يا بن آدم ! أَنفق أُنفق عليك ".
( الصحيح٩٩٣-الزكاة، ب الحث على النفقة ).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة ﴿ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ﴾ قال : في النفقة، يقول : لا تمسك عن النفقة ﴿ لا تبسطها كل البسط ﴾ يقول : لا تبذر تبذيرا ﴿ فتقعد ملوما ﴾ في عباد الله ﴿ محسورا ﴾ يقول : نادما على ما فرط منك.
وانظر سورة الفرقان آية( ٦٧ ).
قوله تعالى ﴿ إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ﴾
قال ابن كثير : وقوله ﴿ إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ﴾ : إخبار أنه تعالى هو الرازق، القابض الباسط، المتصرف في خلقه بما يشاء، فيغني من يشاء ويفقر من يشاء، بما له في ذلك من الحكمة، ولهذا قال :﴿ إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ﴾، أي : خبير بصير بمن يستحق الغنى ومن يستحق الفقر.
قوله تعالى ﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا ﴾
أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن مسعود قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال : " أن تجعل الله ندا وهو خلقك "، قلت إن ذلك لعظيم، قلت : ثم أي ؟ قال : " وإن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك... ".
( الصحيح رقم٤٤٧٧ )-التفسير، ب قوله تعالى ﴿ فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ خشية إملاق ﴾ يقول : الفقر.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ﴾ : أي خشية الفاقة، وقد كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفاقة، فوعظهم الله في ذلك، وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم على الله، فقال :﴿ نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خِطأ كبيرا ﴾.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة قال : أخبرنا في قوله ﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ﴾ قال : كانوا يقتلون البنات خشية الفاقة.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ خِطأ ﴾، أي : خطيئة.
قوله تعالى ﴿ ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ﴾
قال الإمام أحمد : ثنا يزيد بن هارون، ثنا جرير، ثنا سليم بن عامر عن أبي أمامة قال : إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا مه مه فقال : إدنه، فدنا منه قريبا، فقال : اجلس فجلس، قال : أتحبه لأمك ؟ قال : لا والله، جعلني الله فذاك، قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال : أفتحبه لابنتك ؟ قال " لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال : أتحبه لأختك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداك، قال : ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال : أفتحبه لعمتك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداك، قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم، أفتحبه لخالتك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداك ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال : فوضع يده عليه وقال : " اللهم اغفر له ذنبه، وطهر قلبه وحصن فرجه " قال : فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
( المسند٥/٢٥٦و٢٥٧ ). ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وقد وقع تصحيف باسم حريز فورد بلفظ جرير، وحريز هو ابن عثمان الرحبي معروف بالرواية عن سليم بن عامر الكلاعي وبرواية يزيد بن هارون عنه كما في ترجمته في تهذيب التهذيب. وأخرجه الطبراني من طريق حريز به( المعجم الكبير١٩٠/٨ح٧٦٧٩ )، قال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح( المجمع١/١٢٩ )، وقال العراقي : رواه أحمد بإسناد جيد ورجاله رجال الصحيح( تخريج إحياء علوم الدين٣/١٣٦٢ح٢٠٥٢ )، وصححه الألباني في( السلسلة الصحيحة ح٣٧٠ ).
قوله تعالى ﴿ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ﴾
أخرج البخاري ومسلم مرفوعا : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه، والمفارق للجماعة ".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله ﴿ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ﴾ وإنا والله ما نعلم بحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، إلا رجل قتل متعمدا، فعليه القود أوزاني بعد إحصانه فعليه الرجم أو كفر بعد إسلامه فعليه القتل.
وبه قوله :﴿ ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ﴾ وهو القود الذي جعله الله تعالى.
قال الطبري : حدثنا ابن بشار، قال : ثنا عبد الرحمان، قال : ثنا سفيان، عن منصور، عن طلق بن حبيب، في قوله :﴿ فلا يسرف في القتل ﴾ قال : لا تقتل غير قاتله، ولا تمثل به.
ورجاله ثقات وإسناده صحيح وابن بشار هو محمد، وعبد الرحمن : بن مهدي، وسفيان الثوري، ومنصور : ابن المعتمر. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن المثلة ( انظر صحيح سنن أبي داود ح٢٣٢٢ ).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى :﴿ فلا يسرف في القتل ﴾ يقول : لا تقتل غير قاتلك، ولا تمثل به ﴿ إنه كان منصورا ﴾
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة ﴿ إنه كان منصورا ﴾ قال : هو دفع الإمام إليه، يعني إلى الولي، فإن شاء قتل، وإن شاء عفا.
وانظر حديث ابن ماجة عن البراء : " لزوال الدنيا أهون على الله مؤمن قتل ممن بغير حق... "، في سورة النساء آية( ٩٣ ).
قوله تعالى ﴿ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ﴾
قال ابن كثير : يقول تعالى ﴿ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ﴾ أي لا تتصرفوا له إلا بالغبطة ﴿ لا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ﴾.
أخرج مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر : يا أبا ذر، إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي : لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم ".
وقد تحرج الصحابة رضي الله عنهم عندما نزلت هذه الآية فعزلوا طعامهم وشرابهم من طعام وشراب اليتامى وذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى ﴿ ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ﴾ سورة البقرة آية : ٢٢٠، وتقدم تفسيرها هناك.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة ﴿ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ﴾ قال : كانوا لا يخالطونهم في المال ولا مأكل ولا مركب، حتى نزلت ﴿ وإن تخالطوهم فإخوانكم ﴾.
ومن صفات المؤمنين الوفاء بالعهد حيث قال تعالى ﴿ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ﴾ سورة المؤمنون : ٨، وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد وبعهده فقال ﴿ بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين ﴾ آل عمران : ٧٦، ﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ﴾ سورة النحل : ٩١، وحثّ ورغّب في ذلك فقال ﴿ ومن أوفى بما عاهد الله عليه فسيؤتيه أجرا عظيما ﴾ سورة الفتح : ١٠، وحذر من مغبّة نقض عهده فقال ﴿ والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ﴾ الرعد : ٢٥، ووبخ وعاب على المخالفين من بني إسرائيل فقال ﴿ أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ﴾ سورة البقرة : ١٠٠.
قوله تعالى ﴿ وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا ﴾
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قال ﴿ القسطاس ﴾ هو : الميزان العدل بالرومية.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى ﴿ ذلك خير وأحسن تأويلا ﴾، قال : عاقبة وثوابا.
قوله تعالى ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ﴾.
قال الشيخ الشنقيطي : نهى جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن إتباع الإنسان ما ليس له به علم، ويشمل ذلك قوله : رأيت ولم ير، وسمعت ولم يسمع، وعلمت ولم يعلم، ويدخل فيه كل قول بلا علم، وأن يعمل الإنسان بما لا يعلم، وقد أشار جل وعلا إلى هذا المعنى في آيات أخر كقوله :﴿ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وإن تقولوا على الله ما لا تعلمون ﴾ وقوله :﴿ إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ﴾ وقوله ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن بعض الظن إثم ﴾ الآية، قوله :﴿ قل الله أذن لكم أم على الله تفترون ﴾، وقوله :﴿ إن الظن لا يغني من الحق شيئا ﴾ وقوله :﴿ وما لهم به من علم إلا إتباع الظن ﴾، وقال أيضا : وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ﴾، فيه وجهان من التفسير :
الأول- إن معنى الآية : إن الإنسان يسأل يوم القيامة عن أفعال جوارحه فيقال له لم سمعت ما لا يحل لك سماعه ؟ ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه ؟ ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه ؟ ويدل لهذا المعنى آيات من كتاب الله تعالى، كقوله :﴿ و لتسألن عما كنتم تعملون ﴾ وقوله ﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ﴾، ونحو ذلك من الآيات.
والوجه الثاني- أن الجوارح هي التي تسأل عن أفعال صاحبها، فتشهد عليه جوارحه بما فعل، قال القرطبي في تفسيره : وهذا المعنى أبلغ في الحجة فإنه يقع تكذيبه من جوارحه، وتلك غاية الخزي كما قال :﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ وقوله ﴿ شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ﴾ قال مقيده عفا الله عنه : والقول الأول أظهر عندي وهو قول الجمهور أ. ه.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾ يقول : لا تقل.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ ولا تقف ﴾ ولا ترمِ.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾ قال : لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم.
قال ابن كثير : ومضمون ما ذكروه أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال، كما قال تعالى ﴿ اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ﴾ سورة الحجرات آية١٢. وفي الحديث : " إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ".
أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة ( صحيح البخاري-النكاح، ب لا يخطب على خطبة أخيه رقم٥١٤٣ ) ( وصحيح مسلم-البر، ب تحريم الظن والتجسس رقم٢٥٦٣ ).
وفي الحديث الآخر : " من أفرى الفري أن يُريَ عينه ما لم تر ".
أخرجه البخاري من حديث ابن عمر( الصحيح-التعبير، ب من كذب في حلمه رقم٧٠٤٢ ).
وفي الصحيح : " من تحلم حلما كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين، وليس بعاقد ".
أخرجه البخاري من حديث ابن عباس( المصدر السابق رقم٧٠٤٣ ).
قوله تعالى ﴿ ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ﴾.
قال الشيخ الشنقيطي : وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله عن لقمان مقررا له ﴿ ولا تصغر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك ﴾ الآية، وقوله ﴿ وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا ﴾ الآية.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله ﴿ ولا تمش في الأرض مرحا ﴾ قال : لا تمش كبرا ولا فخرا فإن ذلك لا يبلغ بك أن تبلغ الجبال طولا ولا أن تخرق الأرض تكبرا وفخرا.
قال ابن كثير : وقوله :﴿ ولن تبلغ الجبال طولا ﴾ أي : بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك بل قد يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده كما ثبت في الصحيح : " بينا رجل يمشي فيمن كان قبلكم وعليه بردان يتبختر فيهما إذ خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ".
( صحيح البخاري-ك اللباس، ب من جر ثوبه من الخيلاء١٠/٢٥٨ح٥٧٨٩ )، وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة( الصحيح-اللباس، ب تحريم التبختر في المشي رقم٢٠٨٨ وما بعده ).
وقال ابن كثير : وكذلك أخبر الله عن قارون أنه خرج على قومه في زينته وإن الله تعالى خسف به وبداره الأرض أ. ه.
قوله تعالى ﴿ ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ﴾
في بداية الآية إشارة إلى ما تقدم من التنزيل الذي ورد فيه بعض الأحكام والأخلاق الحميدة والمراد بالحكمة ها هنا : القرآن بدليل آيات كثيرة منها قوله تعالى ﴿ نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ﴾ سورة يوسف٣، وقوله ﴿ والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه ﴾ سورة فاطر : ٣١، وقوله ﴿ وكذلك أوحينا إلينا قرآنا عربيا ﴾ سورة الشورى : ٧، وقوله ﴿ وأوحي إلي هذا القرآن ﴾ سورة الأنعام : ١٩.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ﴿ ملوما مدحورا ﴾ يقول : مطرودا.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى ﴿ ملوما مدحورا ﴾ : ملوما في عبادة الله مدحورا في النار.
قوله تعالى ﴿ أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : وهذا الإنكار متوجه على الكفار في قولهم الملائكة بنات الله، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا فقد جعلوا له الأولاد ومع ذلك جعلوا له أضعفها وأردأها هو الإناث وهم لا يرضونها لأنفسهم وقد بين الله تعالى في هذا المعنى آيات كثيرة كقوله ﴿ ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى ﴾ وقوله ﴿ أم له البنات ولكم البنون ﴾ وقوله ﴿ لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء ﴾ أ. ه.
وقال أيضا : وقوله في هذه الآية الكريمة ﴿ إنكم لتقولون قولا عظيما ﴾ بين فيه أن ادعاء الأولاد لله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، أمر عظيم جدا، وقد بين شدة عظمته بقوله تعالى :﴿ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدّا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾.
قوله تعالى ﴿ ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا ﴾
لقد زاد الله تعالى هذه الآية الكريمة بيانا في قوله تعالى ﴿ ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا ﴾ آية : ٩٨من هذه السورة.
وانظر سورة الروم آية( ٥٨ )لمزيد من البيان.
قوله تعالى ﴿ قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : وفي معنى هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير كلاهما حق ويشهد له قرآن :
الأول : أن معنى الآية الكريمة : لو كان مع الله آلهة أخرى كما يزعم الكفار لابتغوا -أي الآلهة المزعومة- أي لطلبوا إلى ذي العرش -أي إلى الله سبيلا- أي إلى مغالبته وإزالة ملكه لأنهم إذا يكونون شركاءه كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا وهذا القول في معنى الآية هو الظاهر عندي وهو المتبادر من معنى الآية الكريمة ومن الآيات الشاهدة لهذا المعنى قوله تعالى :﴿ ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون ﴾ وقوله ﴿ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ﴾ وهذا المعنى في الآية مروى عن ابن عباس وسعيد بن جبير وأبي علي الفارسي والنقاش وأبي المنصور وغيره من المتكلمين.
الوجه الثاني : في معنى الآية الكريمة : أن معنى لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا أي طريقا ووسيلة تقربهم إليه لاعترافهم بفضله ويدل لهذا المعنى قوله تعالى ﴿ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ﴾ الآية، ويروى هذا القول عن قتادة، واقتصر عليه ابن كثير في تفسيره، ولا شك أن المعنى الظاهر المتبادر من الآية بحسب اللغة العربية هو القول الأول، لأن في الآية فرض والمحال المفروض الذي هو وجود آلهة مع الله مشاركة له لا يظهر معه أنها تتقرب إليه بل تنازعه لو كانت موجودة ولكنها معدومة مستحيلة الوجود أ. ه.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى ﴿ إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ﴾ قال : لابتغوا التقرب إليه مع أنه ليس كما يقولون.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله ﴿ قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ﴾ يقول : لو كان معه آلهة إذن لعرفوا فضله ومرتبته ومنزلته عليهم، فابتغوا ما يقربهم إليه.
قوله تعالى ﴿ سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ﴾ يسبح نفسه إذ قيل عليه البهتان وقال تعالى ﴿ عما يقولون علوا ﴾ ولم يقل : تعاليا كما قال ﴿ وتبتل إليه تبتيلا ﴾
قوله تعالى ﴿ تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ﴾
قال ابن كثير : وقوله :﴿ وإن من شيء إلا يسبح بحمده ﴾ أي وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله ﴿ ولكن لا تفقهون تسبيحهم ﴾ أي لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغتكم، وهذا عام في النبات والجماد والحيوانات وهذا أشهر القولين كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
( صحيح البخاري-المناقب، ب علامات النبوة ح٣٥٧٩ ).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى :﴿ وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ﴾ قال كل شيء فيه الروح يسبح من شجرة أو شيء فيه الروح.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة :﴿ أنه كان حليما ﴾ عن خلقه فلا يعجل كعجلة بعضهم على بعض ﴿ غفورا ﴾ لهم إذا تابوا.
قال الإمام أحمد : ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي سمعت الصقعب بن زهير يحدث عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي عليه جبة من طيالسة مكفوفة بديباج -أو مزررة بديباج- فقال : إن صاحبكم هذا يريد أن يرفع كل راع ابن راع ويضع كل رأس ابن رأس فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم مغضبا فأخذ بمجامع جبته فاجتذبه فقال : لا أرى عليك ثياب من لا يعقل ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس فقال : إن نوحا عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا ابنيه فقال إني قاص عليكما الوصية آمركما باثنتين وأنهاكما عن اثنتين أنهاكما عن الشرك بالله والكبر وآمركما بلا إله إلا الله فإن السماوات والأرض وما بينهما لوضعت كفة الميزان ووضعت لا إله إلا الله في الكفة الأخرى كانت أرجح ولو أن السموات والأرض كانتا حلقة فوضعت لا إله إلا الله عليهما لفصمتهما أو لقصمتهما وآمركما بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء.
( المسند٢/٢٢٥ )، ورجاله ثقات إلا والد وهب وهو جرير بن حازم الأزدي ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه ولكنه توبع حيث رواه الإمام أحمد من طريق حماد بن زيد عن الصقعب به وأطول( المسند٢/١٦٩، ١٧٠ )، فسنده صحيح وصححه ابن كثير( البداية١/١١٩ )وقال الهيثمي : ورجال أحمد ثقات( مجمع الزوائد٤/٢١٩-٢٢٠ ) وصححه محققو مسند أحمد بإشراف أ. د عبد الله التركي( ١١/١٥٠ح٦٥٨٣ ). وأخرجه الحاكم من طريق الصقعب به، وصححه، ووافقه الذهبي( المستدرك١/٤٨-٤٩ ).
قوله تعالى ﴿ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ﴾
قال الحافظ ابن حجر : روى البزار بإسناد حسن عن ابن عباس قال : لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب، فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم : " لو تنحيت، قال إنه سيحال بيني وبينها، فأقبلت فقالت : يا أبا بكر هجاني صاحبك قال : لا ورب هذه البنية، ما ينطق بالشعر ولا يفوه به، قالت : إنك لمصدق، فلما ولت قال أبو بكر : ما رأتك، قال : ما زال ملك يسترني حتى ولت.
وأخرجه الحميدي وأبو يعلى وابن أبي حاتم من حديث أسماء بنت أبي بكر بنحوه ( فتح الباري٨/٧٣٨ ).
وهذا حديث أسماء : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أبو موسى الهروي إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان، عن الوليد بن كثير، عن يزيد بن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : لما نزلت ﴿ تبت يدا أبي لهب ﴾. جاءت العوراء أم جميل ولها ولولة والولولة : البلبلة والدعاء بالويل، وفي يدها فهر وهي تقول : مذمما أتينا -أو : أبينا، قال أبو موسى : الشك مني-ودينه قلينا، وأمره عصينا، ورسول الله جالس، وأبو بكر إلى جنبه- أو قال : معه- قال : فقال أبو بكر : لقد أقبلت هذه وأنا خائف أن تراك، فقال : إنها لن تراني، وقرأ قرآنا اعتصم به منها : " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ". قال : فجاءت حتى قامت على أبي بكر، فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت : يا أبا بكر، بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر : لا ورب هذا البيت ما هجاك، قال : فانصرفت وهي تقول : لقد علمت قريش أني بنت سيدها أ. ه.
ذكره ابن كثير، وأخرجه الحاكم من طريق بشر بن موسى الحميدي عن سفيان به، وصححه ووافقه الذهبي. ( المستدرك٢/٣٦٢ ).
قال الشيخ الشنقيطي : في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير :
الأول : أن المعنى وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا أي حائلا وستارا من تفهم القرآن وإدراكه لئلا يفقهون فينتفعوا به وعلى هذا القول -فالحجاب المستور هو ما حجب الله به قلوبهم عن الانتفاع بكتابه والآيات الشاهدة لهذا المعنى كثيرة كقوله :﴿ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون ﴾ وقوله ﴿ ختم الله على قلوبهم ﴾ الآية وقوله ﴿ إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ﴾ الآية إلى غير ذلك من الآيات وممن قال بهذا القول في معنى الآية : قتادة والزجاج وغيرهما الوجه الثاني في الآية -أن المراد بالحجاب المستور أن الله يستره عن أعين الكفار فلا يرونه، أ. ه. ثم استدل بحديث أسماء المتقدم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى ﴿ حجابا مستورا ﴾ قال : هي الأكنة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ﴾ الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم.
قوله تعالى ﴿ وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه جعل على قلوب الكفار أكنة، -جمع كنان- وهو ما يستر الشيء ويغطيه ويكنه، لئلا يفقهوا القرآن، أو كراهة أن يفقهوه لحيلولة تلك الأكنة بين قلوبهم وبين فقه القرآن أي فهم معانيه فهما ينتفع به صاحبه، وأنه جعل في آذانهم وقرا أي صمما وثقلا لئلا يسمعوه سماع قبول وانتفاع وبين في مواضع أخر سبب الحيولة بين القلوب وبين الانتفاع به، وأنه هو كفرهم، فجازاهم الله على كفرهم بطمس البصائر، وإزاغة القلوب والطبع والختم والأكنة المانعة من وصول الخير إليها، كقوله تعالى :﴿ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ﴾.. الآية، وقوله ﴿ بل طبع الله عليها بكفرهم... ﴾.
قوله تعالى ﴿ وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولو على أدبارهم نفورا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا ﴾ وإن المسلمين لما قالوا : لا إله إلا الله، أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم، فصافها إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها، إنها كلمة من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها نصر، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين، التي يقطعها الراكب في ليال قلائل ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرون بها.
قال الشيخ الشنقيطي : بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه صلى الله عليه وسلم إذا ذكر ربه وحده في القرآن بأن قال : " لا إله إلا الله " ولى الكافرون على أدبارهم نفورا بغضا منهم لكلمة التوحيد ومحبة للإشراك به جل وعلا، وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر مبينا أن نفورهم من ذكره وحده جل وعلا سبب خلودهم في النار كقوله :﴿ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ﴾، وقوله ﴿ ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير ﴾ وقوله ﴿ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ﴾، وقوله ﴿ كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ﴾ الآية، وقوله ﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ﴾ وقوله ﴿ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ﴾.
قوله تعالى ﴿ نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ﴾
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد :﴿ إذ يستمعون إليك ﴾ قال : هي مثل قيل الوليد بن المغيرة، ومن معه في دار الندوة.
وقد بين قتادة قيل الوليد بن المغيرة فأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله ﴿ إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون ﴾ الآية ونجواهم أن زعموا أنه مجنون وأنه ساحر وقالوا ﴿ أساطير الأولين ﴾.
قوله تعالى ﴿ انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ﴾
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد ﴿ فلا يستطيعون سبيلا ﴾ قال : مخرجا الوليد بن المغيرة وأصحابه أيضا.
قوله تعالى ﴿ وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ﴾
قال ابن كثير : وقال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿ إنا لمبعوثون ﴾ أي يوم القيامة ﴿ خلقا جديدا ﴾ أي بعدما بلينا وصرنا عدما لا يذكر كما أخبر عنهم في الموضع الآخر ﴿ يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذن كرة خاسرة ﴾ النازعات : ١٠-١٢. قال تعالى ﴿ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل شيء عليم ﴾ سورة يس : ٧٨-٧٩.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا ﴾ يقول : غبارا.
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري عن مجاهد يقول الله ﴿ رفاتا ﴾ قال : ترابا.
قوله تعالى ﴿ قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا ﴾
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد ﴿ كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم ﴾ قال : ما شئتم، فسيعيدكم الله كما كنتم.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم ﴾ قال : من خلق الله، فإن الله يميتكم ثم يبعثكم يوم القيامة خلقا جديدا.
قال الطبري : حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال : ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية، عن ابن عمر ﴿ أو خلقا مما يكبر في صدوركم ﴾ قال : الموت، قال : لو كنتم موتى لأحييتكم.
ورجاله ثقات إلا زكريا وعطية صدوقان، وعطية هو ابن سعد العوفي يخطئ كثيرا معروف بالرواية عن ابن عمر وبرواية إدريس الأودي عنه ولكن روايته ليست من مظان خطئه، حيث أخرجه الطبري بأسانيده يقوي بعضها بعضا من قول ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير وأبي صالح وقول ابن عباس أخرجه الحاكم في ( المستدرك-كتاب التفسير ) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد عنه به.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ أو خلقا مما يكبر في صدوركم ﴾ قال : السماء والأرض والجبال.
وبه عن قتادة ﴿ قل الذي فطركم أول مرة ﴾ أي خلقكم ﴿ فسيغضون إليك رءوسهم ﴾ يقول : فإنك إذا قلت لهم ذلك فسيهزون إليك رءوسهم برفع وخفض، وفي رواية أخرى عنه بلفظ : يحركون به رءوسهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ فسينغضون إليك رءوسهم ﴾ يقول يهزءون.
قال ابن كثير : وقوله ﴿ ويقولون متى هو ﴾ إخبار عنهم بالاستبعاد، منهم لوقوع ذلك، كما قال تعالى :﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ سورة الملك : ٢٥، وقال تعالى :﴿ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ﴾ سورة الشورى : ١٨.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٠:قوله تعالى ﴿ قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا ﴾
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد ﴿ كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم ﴾ قال : ما شئتم، فسيعيدكم الله كما كنتم.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم ﴾ قال : من خلق الله، فإن الله يميتكم ثم يبعثكم يوم القيامة خلقا جديدا.
قال الطبري : حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال : ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية، عن ابن عمر ﴿ أو خلقا مما يكبر في صدوركم ﴾ قال : الموت، قال : لو كنتم موتى لأحييتكم.
ورجاله ثقات إلا زكريا وعطية صدوقان، وعطية هو ابن سعد العوفي يخطئ كثيرا معروف بالرواية عن ابن عمر وبرواية إدريس الأودي عنه ولكن روايته ليست من مظان خطئه، حيث أخرجه الطبري بأسانيده يقوي بعضها بعضا من قول ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير وأبي صالح وقول ابن عباس أخرجه الحاكم في ( المستدرك-كتاب التفسير ) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد عنه به.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ أو خلقا مما يكبر في صدوركم ﴾ قال : السماء والأرض والجبال.
وبه عن قتادة ﴿ قل الذي فطركم أول مرة ﴾ أي خلقكم ﴿ فسيغضون إليك رءوسهم ﴾ يقول : فإنك إذا قلت لهم ذلك فسيهزون إليك رءوسهم برفع وخفض، وفي رواية أخرى عنه بلفظ : يحركون به رءوسهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ فسينغضون إليك رءوسهم ﴾ يقول يهزءون.
قال ابن كثير : وقوله ﴿ ويقولون متى هو ﴾ إخبار عنهم بالاستبعاد، منهم لوقوع ذلك، كما قال تعالى :﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ سورة الملك : ٢٥، وقال تعالى :﴿ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ﴾ سورة الشورى : ١٨.

قوله تعالى ﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ﴾ يقول : بأمره.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ﴾ أي : بمعرفته وطاعته.
قال ابن كثير وقوله ﴿ يوم يدعوكم أي : الرب تعالى { إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ﴾ سورة الروم : ٢٥، أي إذا أمركم بالخروج منها فإنه لا يخالف ولا يمانع، بل كما قال :﴿ وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ﴾ سور القمر : ٥٠، ﴿ إنما قولنا لشيء إذا أردنا أن نقول له كن فيكون ﴾ سورة النحل : ٤٠، وقال ﴿ فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ﴾ سورة النازعات : ١٣-١٤، أي : إنما أمر واحد بانتهار فإذا الناس قد خرجوا من باطن الأرض إلى ظاهرها كما قال :﴿ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ﴾ أي : تقومون كلكم إجابة لأمره وطاعة لإرادته.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ﴾ : أي في الدنيا، تحاقرت الدنيا في أنفسهم وقلت، حين عاينوا يوم القيامة.
قوله تعالى ﴿ وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ﴾
قال الطبري : حدثنا خلاد بن أسلم، قال : ثنا النضر، قال : أخبرنا المبارك عن الحسن في هذه الآية ﴿ وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ﴾ قال : التي هي أحسن، لا يقول له مثل قوله، يقول له يرحمك الله يغفر الله لك أ. ه.
وسنده حسن، والنضر بن شميل، والمبارك هو ابن فضالة والحسن هو البصري.
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الكلمة الطيبة صدقة ".
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا : " لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يديه فيقع في حفرة من النار ".
( صحيح البخاري- الفتن، ب قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من حمل السلاح فليس منا " رقم( ٢٧٠٧ )، ( وصحيح مسلم- البر، ب النهي عن الإشارة بالسلاح رقم٢٦١٧ ).
وانظر سورة الأعراف آية ( ٢٠٠ ).
قوله تعالى ﴿ وربك أعلم بمن في السموات والأرض وقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله ﴿ وربك أعلم بمن في السموات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ﴾ اتخذ الله إبراهيم خليلا، وكلم موسى تكليما، وجعل الله عيسى كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له : كن فيكون، وهو عبد الله ورسوله من كلمة الله وروحه، وآتى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وآتى داوود زبورا كنا نحدث دعاء علمه داود، تحميد وتمجيد، ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود، وغفر لمحمد ما تقدم من ذنب وما تأخر.
قوله تعالى ﴿ ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا ﴾
بينه الله تعالى بقوله ﴿ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات ﴾
قال ابن كثير : وهذا لا ينافي ما في الصحيحين عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تفضلوا بين الأنبياء "، فإن المراد من ذلك هو التفضيل بمجرد التشهي والعصبية لا بمقتضى الدليل فإذا دل الدليل عل شيء وجب إتباعه ولا خلاف أن الرسل أفضل من بقية الأنبياء وأن أولي العزم منهم أفضلهم وهم الخمسة المذكوران نصا في آيتين من القرآن في سورة الأحزاب :﴿ وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ﴾.
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خفف على داود عليه السلام القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه ".
( الصحيح- الأنبياء، ب قوله تعالى ﴿ وآتينا داود زبورا ﴾ رقم٣٤١٧ ).
قوله تعالى ﴿ قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : وهذا المعنى الذي بينه جل وعلا في هذه الآية الكريمة : من أن كل معبود من دون الله لا ينفع عباده وأن كل معبود من دونه مفتقر إليه ومحتاج له جل وعلا -بينه أيضا في مواضع أخر كقوله في سورة سبإ ﴿ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ﴾، وقوله في الزمر :﴿ أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون ﴾.
قوله تعالى ﴿ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ﴾
أخرج البخاري بسنده عن ابن مسعود ﴿ إلى ربهم الوسيلة ﴾ قال : كان ناس من الأنس يعبدون ناسا من الجن، فأسلم الجن، وتمسك هؤلاء بدينهم.
( الصحيح- التفسير- سورة الإسراء رقم٤٧١٤ ).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله :﴿ الوسيلة ﴾ قال : القربة والزلفة.
وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد في قوله ﴿ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ﴾ يقول عيسى وعزير والملائكة يقول : إن هؤلاء يبتغون إلى ربهم الوسيلة.
قوله تعالى ﴿ وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا ﴾
قال ابن كثير : هذا إخبار من الله بأنه قد حتم وقضى بما قد كتبه عنده في اللوح المحفوظ : أنه ما من قرية إلا سيهلكها، بأن يبيد أهلها جميعهم أو يعذبهم ﴿ عذابا شديدا ﴾، إما بقتل أو ابتلاء بما يشاء، وإنما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم، كما قال عن الأمم الماضين ﴿ وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم ﴾ سورة هود : ١٠١، وقال تعالى :﴿ وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا ﴾ سورة الطلاق : ٧-٨.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله ﴿ إلا نحن مهلكوها ﴾ : مبيدوها ﴿ أو معذبوها ﴾ يعني بالقتل وبالبلاء ما كان يقول : فكل قرية في الأرض سيصيبها بعض هذا قبل يوم القيامة.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله ﴿ وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها ﴾ قضاء من الله كما تسمعون ليس منه بد إما أن يهلكها بموت وأما أن يهلكها بعذاب مستأصل إذا تركوا أمره وكذبوا رسله.
قوله تعالى ﴿ وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتيا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ﴾
قال الإمام أحمد : ثنا عثمان بن محمد، ثنا جرير عن الأعمش، عن جعفر ابن إياس، عن سعيد ابن جبير، هن ابن عباس قال : سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحي الجبال عنهم فيزدرعوا، فقيل له إن شئت : تستأني بهم وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من كان قبلهم من الأمم قال : لا بل استأن بهم وأنزل الله :﴿ وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة ﴾.
( المسند١/٢٥٨ ) وأخرجه النسائي والحاكم والبيهقي من طريق إسحاق بن راهويه به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وأحمد شاكر في تعليقه على المسند، انظر( تفسير النسائي رقم٣١٠ ) و( المستدرك٢/٣٦٢ ) و( دلائل النبوة٢/٢٧١ ) و( مسند أحمد رقم٢٣٣٣ )وصححه محققو مسند أحمد بإشراف أ. د عبد الله التركي( ح٢٣٣٣ ).
قال الشيخ الشنقيطي : بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه آتى ثمود الناقة في حال كونها آية مبصرة أي بينة تجعلهم يبصرون الحق واضحا لا لبس فيه، فظلموا بها، ولم يبين ظلمهم بها هاهنا ولكنه أوضحه في مواضع أخر كقوله ﴿ فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم ﴾ الآية، وقوله ﴿ فكذبوه فعقروها ﴾ الآية، وقوله ﴿ فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ﴾.
وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل ذكر ﴿ الناقة مبصرة ﴾ قال. آية.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله ﴿ وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ﴾ وإن الله يخوف الناس بما شاء من آية لعلهم يعتبرون أو يذكرون أو يرجعون، ذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود فقال : يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه.
وذكر ابن كثير قول قتادة ثم قال : وهكذا روي أن المدينة زلزلت على عهد عمر ابن الخطاب مرات، فقال عمر : أحدثتم والله لأن عادت لأفعلن ولأفعلن وكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه أ. ه. ثم ذكر الحديث وهذا لفظ البخاري عن عائشة مرفوعا : أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا ثم قال : يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا.
أخرجه الشيخان ( صحيح البخاري-الكسوف، ب الصدقة في الكسوف رقم١٠٤٤ )، ( وصحيح مسلم-الكسوف، ب صلاة الكسوف رقم٩٠١ ).
قوله تعالى ﴿ وإذا قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه أحاط بالناس أي فهم في قبضته يفعل فيهم كيف يشاء فيسلط نبيه عليهم ويحفظه منهم، قال بعض أهل العلم : ومن الآيات التي فصلت بعض التفصيل في هذه الإحاطة، وقوله تعالى ﴿ سيهزم الجمع ويولون الدبر ﴾ وقوله ﴿ قل للذين كفروا ستغلبون ﴾ الآية، وقوله ﴿ والله يعصمك من الناس ﴾، وفي هذا أن هذه الآية مكية وبعض الآيات المذكورة مدني، أما آية القمر وهي قوله :﴿ سيهزم الجمع ﴾ الآية، فلا إشكال في البيان بها لأنها مكية.
قال الطبري : حدثنا محمد بن المثنى، قال : ثنا عبد الصمد، قال : ثنا شعبة، عن أبي رجاء قال : سمعت الحسن يقول : أحاط بالناس، عصمك من الناس أ. ه.
ورجال ثقات وإسناده صحيح، وعبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد وأبو رجاء محمد ين سيف الأزدي.
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة قوله :﴿ وإذا قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ﴾ قال : منعك من الناس.
وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد ﴿ أحاط بالناس ﴾ قال : فهم في قبضته.
أخرج البخاري بسنده عن أبي ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ﴾ فقال : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، والشجرة الملعونة في القرآن قال : شجرة الزقوم.
( الصحيح-التفسير، ب ﴿ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ﴾ رقم٤٧١٦ ).
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى والشجرة الملعونة في القرآن، قال : الزقوم، قال : وذلك أن المشركين قالوا : يخبرنا محمد أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر ولا تدع منه شيئا، فذلك فتنة لهم أ. ه.
قال ابن حجر بعد أن ذكر قول قتادة : وقال السهيلي الزقوم فعول من الزقم وهم اللقم الشديد وفي لغة تميمية : كل طعام يتقيأ منه يقال له زقوم، وقيل : هو كل طعام ثقيل. ( فتح الباري٨/٣٩٩ ).
قال الشيخ الشنقيطي : التحقيق في معنى هذه الآية الكريمة : أن جل وعلا جعل ما أراه نبيه صلى الله عليه وسلم من الغرائب والعجائب ليلة الإسراء والمعراج فتنة للناس لأن عقول بعضهم ضاقت على قبول بعض ذلك معتقدة أنه لا يمكن أن يكون حقا قالوا : كيف يصلي ببيت المقدس ويخترق السبع الطباق ويرى ما رأى في ليلة واحدة ويصبح في محله هذا محال فكان هذا الأمر فتنة لهم لعدم تصديقهم به واعتقادهم أنه لا يمكن وأنه جل وعلا جعل الشجرة الملعونة في القرآن التي هي شجرة الزقوم فتنة للناس لأنهم لما سمعوه صلى الله عليه وسلم يقرأ ﴿ إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ﴾ قالوا : ظهر كذبه لأن الشجر لا ينبت في الأرض اليابسة فكيف ينبت في أصل النار فصار ذلك فتنة وبين أن هذا هو المراد من كون الشجرة المذكورة فتنة لهم في قوله ﴿ أذلك خيرا نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ﴾ الآية... أشار في موضع آخر إلى الرؤيا التي جعلها فتنة لهم وهو قوله :﴿ أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى ﴾.
وانظر سورة آل عمران آية ( ١٠٢ )حديث الترمذي عن ابن عباس وفيه : " لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم... ".
قوله تعالى ﴿ وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : قوله تعالى في هذه الآية الكريمة عن إبليس ﴿ أأسجد لمن خلقت طينا ﴾ يدل فيه إنكار إبليس للسجود بهمزة الإنكار على إبائه واستكباره عن السجود لمخلوق من طين وصرح بهذا الإباء والإستكبار في مواضع أخر فصرح بهما معا في سورة البقرة في قوله ﴿ إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ﴾ وصرح بإبائه في سورة الحجر بقوله ﴿ إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين ﴾ وباستكباره في سورة ص، بقوله :﴿ إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ﴾ وبين سبب استكباره بقوله ﴿ أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾ كما تقدم إيضاحه في سورة البقرة.
قوله تعالى ﴿ قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ لأحتنكن ذريته إلا قليلا ﴾ يقول لأستولين.
اخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله ﴿ لأحتنكن ذريته إلا قليلا ﴾ يعني : لأحتوين.
قال الشيخ الشنقيطي : وهذا الذي ذكر جل وعلا عن إبليس في هذه الآية من قوله ﴿ لأحتنكن ذريته ﴾ الآية، بينه أيضا في مواضع أخر من كتابه كقوله ﴿ لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتيناهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن إيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ﴾ وقوله ﴿ فبعزتك لأغوينهم أجمعين ﴾ إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه في سورة النساء وغيرها، وقوله في هذه الآية ﴿ إلا قليلا ﴾ بين المراد بهذه القليل في مواضع أُخر كقوله ﴿ لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ﴾ وقوله ﴿ لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ﴾ كما تقدم إيضاحه.
قوله تعالى ﴿ قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله ﴿ قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ﴾ عذاب جهنم جزاؤكم ونقمة من الله من أعدائه فلا يعدل عنهم من عذابها شيء.
أخرج آدم ن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد ﴿ موفورا ﴾ قال وافرا.
قال الشيخ الشنقيطي : وهذا الوعيد الذي أوعد به إبليس ومن تبعه في هذه الآية الكريمة بينه أيضا في مواضع أخر كقوله :﴿ قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ﴾ وقوله :﴿ فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون ﴾.
قوله تعالى ﴿ واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿ واستفزز من استطعت منهم بصوتك ﴾ قال صوته كل داع دعا إلى معصية الله.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى :﴿ واستفزز من استطعت منهم بصوتك ﴾ قال : بدعائك ﴿ واجلب عليهم بخيلك ورجلك ﴾ قال : إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس هم الذين يطيعونه.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ﴾ قال : خيله كل راكب في معصية الله ورجله كل راجل في معصية الله.
وبه عن ابن عباس ﴿ وشاركهم في الأموال والأولاد ﴾ قال كل مال في معصية الله.
وبه عن ابن عباس ﴿ وشاركهم في الأموال الأولاد ﴾ قال ما قتلوا من أولادهم، وأتوا فيهم الحرام.
أخرج آدم بن إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد قال : أما شركته في الأموال فأكلها بغير طاعة الله وأما في الأولاد فالزنا.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله تعالى ﴿ وشاركهم في الأموال والأولاد ﴾ قال : قد فعل : أما في الأموال فأمرهم أن يجعلوها بحيرة وسائبة ووصيلة وحاميا، وأما في الأولاد فإنهم هودوهم ونصّروهم ومجسوهم.
أخرج مسلم بسنده عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله عز وجل : إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ".
( الصحيح ح٢٨٦٥-الجنة، ب الصفات التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النار ).
أخرج الشيخان بسنديهما عن ابن عباس مرفوعا : " أما إن أحدكم إذا أتى أهله وقال : بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فرزقا ولدا لم يضره الشيطان ".
واللفظ للبخاري( الصحيح- بدء الخلق ب صفة إبليس وجنوده رقم٣٢٧١ )، ( وصحيح مسلم- النكاح، ب ما يستحب أن يقوله عند الجماع رقم١٤٣٤ ).
قال الشيخ الشنقيطي : أما مشاركته لهم في الأموال فعلى أصناف منها ما حرموا على أنفسهم من أموالهم طاعة له كالبحائر والسوائب ونحو ذلك وما يأمرهم به من إنفاق الأموال في معصية الله تعالى، وما يأمرهم به من اكتساب الأموال بالطرق المحرمة شرعا كالربا والغصب وأنواع الخيانات لأنهم إنما فعلوا ذلك طاعة له، وأما مشاركته لهم في الأولاد فعلى أصناف أيضا : منها : قتلهم بعض أولادهم طاعة له، ومنها : أنهم يمجسون أولادهم ويهودونهم وينصرونهم طاعة له وموالاة، ومنها : تسمية أولادهم عبد الحارث وعبد شمس وعبد العزى ونحو ذلك، لأنهم بذلك سموا أولادهم عبيدا لغير الله طاعة له ومن ذلك أولاد الزنا لأنهم إنما تسببوا وجودهم بارتكاب الفاحشة طاعة له إلى غير ذلك فإذا عرفت هذا فاعلم أن الله قد بين آيات من كتابه بعض ما تضمنته هذه الآية من مشاركة الشيطان لهم في الأموال والأولاد كقوله :﴿ قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا ما كانوا مهتدين ﴾ فقتلهم أولادهم المذكور في هذه الآية طاعة للشيطان مشاركة منه لهم في أولادهم حيث قتلوهم في طاعته، وكذلك تحريم بعض ما رزقهم الله المذكورة في الآية طاعة له مشاركة منه لهم في أموالهم أيضا وكقوله ﴿ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا ﴾ الآية، وكقوله :﴿ وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون ﴾
قال ابن كثير وقوله :﴿ وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ﴾ كما أخبر تعالى عن إبليس أنه يقول إذا حصحص الحق يوم يقضي بالحق ﴿ إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ﴾ الآية، سورة إبراهيم : ٢٢.
قال الشيخ الشنقيطي : وقوله :﴿ وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ﴾ بين فيه أن مواعيد الشيطان كلها غرور وباطل كوعده لهم بأن الأصنام تشفع لهم وتقربهم عند الله زلفى، وأن الله لما جعل لهم المال والولد في الدنيا سيجعل لهم مثل ذلك في الآخرة إلى غير ذلك من المواعيد الكاذبة، وقد بين الله تعالى هذا المعنى في مواضع أخر كقوله :﴿ يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ﴾ وقوله ﴿ ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور ﴾.
قوله تعالى ﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله ﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ﴾ وعباده المؤمنون وقال الله في آية أخرى :﴿ إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ﴾.
أخرج سفيان بن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس، كل سلطان في القرآن فهو حجة.
قال الحافظ ابن حجر : وهذا على شرط الصحيح ( فتح الباري٨/٣٩١ ).
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة مرفوعا قال : يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم -إذا هو نام- ثلاث عقد يضرب كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإذا صلى انحلت عقدة كلها فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان.
( صحيح البخاري- بدء الخلق، ب صفة إبليس وجنوده رقم٣٢٦٩-٣٢٩١ ).
وأخرج أيضا بسنده عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : " إذا مر بين أحدكم شيء وهو يصلي فليمنعه فإن أبى فليمنعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان.. ".
وأخرج أيضا بسنده عن جابر مرفوعا قال : " إذا استجنح الليل -أو كان جنح الليل- فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم، وأغلق بابك واذكر اسم الله واطفئ مصباحك واذكر اسم الله وأوك سقاؤك واذكر اسم الله وخمر إنائك واذكر اسم الله ولو تعرض عليه شيئا ".
وأخرج أيضا بسنده عن أبي هريرة مرفوعا :{ إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، فإذا قضى أقبل، فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضى أقبل حتى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول : اذكر كذا وكذا حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا، فإذا لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا سجد سجدتي السهو ".
وأخرج بسنده عن أبي هريرة مرفوعا قال : " التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليردد ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال ها ضحك الشيطان ".
وأخرج بسنده عن عائشة رضي الله عنها : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة فقال : " هو اختلاس يختلس الشيطان من صلاة أحدكم ".
قال الشيخ الشنقيطي : بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن عباده الصالحين لا سلطان للشيطان عليهم فالظاهر أن في هذه الآية الكريمة حذف الصفة كما قدرنا ويدل على الصفة المحذوفة إضافته العباد إليه إضافة تشريف وتدل لهذه الصفة المقدرة أيضا آيات أخر كقوله ﴿ إلا عبادك منهم المخلصين ﴾ وقوله ﴿ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ﴾ وقوله ﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ﴾.
قوله تعالى ﴿ ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر ﴾ يقول : يجري الفلك.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى ﴿ ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر ﴾ قال : يسيرها في البحر.
قوله تعالى ﴿ وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : بين جل وعلا في هذه الآيات الكريمة أن الكفار إذا مسهم الضر في البحر أي اشتدت عليهم الريح فغشيتهم أمواج البحر كأنها الجبال، وظنوا أنهم لا خلاص لهم من ذلك -ضل عنهم أي غاب عن أذهانهم وخواطرهم في ذلك الوقت كل ما كانوا يعبدون من دون الله جل وعلا، فلا يدعون في ذلك الوقت إلا الله جل وعلا وحده لعلمهم أنه لا ينقذ من ذلك من الكرب وغيره من الكروب إلا هو وحده جل وعلا فأخلصوا العبادة والدعاء له وحده في ذلك الحين الذي أحاط بهم فيه هول البحر، فإذا نجاهم الله وفرج عنهم ووصلوا البر ورجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر كما قال تعالى ﴿ فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا ﴾ وهذا المعنى المذكور في هذه الآية الكريمة أوضحه الله جل وعلا في آيات كثيرة كقوله ﴿ هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذا لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبتغون في الأرض بغير الحق ﴾ وقوله ﴿ قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون ﴾ وقوله ﴿ فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ﴾ وقوله ﴿ وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ﴾ وقوله ﴿ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعوا إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله ﴾.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ﴾ يقول : حجارة من السماء ﴿ ثم لا تجدوا لكم وكيلا ﴾ أي : منعة ولا ناصرا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٧:قوله تعالى ﴿ وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : بين جل وعلا في هذه الآيات الكريمة أن الكفار إذا مسهم الضر في البحر أي اشتدت عليهم الريح فغشيتهم أمواج البحر كأنها الجبال، وظنوا أنهم لا خلاص لهم من ذلك -ضل عنهم أي غاب عن أذهانهم وخواطرهم في ذلك الوقت كل ما كانوا يعبدون من دون الله جل وعلا، فلا يدعون في ذلك الوقت إلا الله جل وعلا وحده لعلمهم أنه لا ينقذ من ذلك من الكرب وغيره من الكروب إلا هو وحده جل وعلا فأخلصوا العبادة والدعاء له وحده في ذلك الحين الذي أحاط بهم فيه هول البحر، فإذا نجاهم الله وفرج عنهم ووصلوا البر ورجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر كما قال تعالى ﴿ فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا ﴾ وهذا المعنى المذكور في هذه الآية الكريمة أوضحه الله جل وعلا في آيات كثيرة كقوله ﴿ هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذا لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبتغون في الأرض بغير الحق ﴾ وقوله ﴿ قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون ﴾ وقوله ﴿ فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ﴾ وقوله ﴿ وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ﴾ وقوله ﴿ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعوا إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله ﴾.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ﴾ يقول : حجارة من السماء ﴿ ثم لا تجدوا لكم وكيلا ﴾ أي : منعة ولا ناصرا.

قوله تعالى ﴿ أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ فيرسل عليكم قاصفا من الريح ﴾ يقول : عاصفا.
وبه عن ابن عباس قوله :﴿ ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ﴾ يقول : نصيرا.
وأخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله :﴿ تبيعا ﴾ يعني : ثائرا نصيرا.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى ﴿ ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ﴾ يقول : لا يتبعنا أحد بشيء من ذلك.
قوله تعالى ﴿ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ﴾
قال ابن كثير : يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إياهم في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كقوله تعالى :﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ﴾ أي : يمشي منتصبا على رجليه ويأكل بيديه وغيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه وجعل له سمعا وبصرا وفؤادا يفقه بذلك كله وينتفع به ويفرق بين الأشياء ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدينية الدنيوية.
قال الشيخ الشنقيطي : قوله تعالى ﴿ وحملناهم في البر والبحر ﴾ الآية، أي في البر على الأنعام وفي البحر على السفن، والآيات الموضحة على ذلك كثيرة جدا كقوله :﴿ وعليها وعلى الفلك تحملون ﴾ وقوله ﴿ والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك ما تركبون ﴾ وقد قدمنا هذا مستوفي بإيضاح في سورة النحل.
قوله تعالى ﴿ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ﴾
أخرج الطبري بنده الصحيح عن مجاهد ﴿ بإمامهم ﴾، قال : نبيهم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة بلفظ : أنبيائهم.
قال الشيخ الشنقيطي : ويدل لهذا القول قوله تعالى ﴿ ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظمون ﴾ وقوله ﴿ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ﴾ وقوله ﴿ ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ﴾ الآية، وقوله ﴿ وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء ﴾ الآية.
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد ﴿ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ﴾ بكتابهم.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن الحسن بلفظ : بكتابهم الذي فيه أعمالهم.
قال الشيخ الشنقيطي : ويدل لهذا قوله تعالى ﴿ وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ﴾ وقوله ﴿ وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون ﴾ وقوله ﴿ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ﴾ الآية، وقوله ﴿ وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ﴾ أ. ه.
قال ابن كثير : وهذا القول هو الأرجح لقوله تعالى ﴿ وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ﴾ سورة يس آية : ١٢، وقال تعالى ﴿ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ﴾ سورة الكهف : ٤٩، وقال تعالى ﴿ وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ﴾ سورة الجاثية آية : ٢٨-٢٩، وهذا لا ينافي أن يجاء بالنبي إذا حكم الله بين أمته فإنه لا بد أن يكون شاهدا عليها بأعمالها كما قال ﴿ وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء ﴾ سورة الزمر آية٦٩، وقال ﴿ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا على هؤلاء شهيدا ﴾ سورة النساء آية : ٤١، ولكن المراد هاهنا بالإمام هو كتاب الأعمال ولهذا قال تعالى ﴿ يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ﴾ أي من فرحته وسروره بما فيه من العمل الصالح يقرؤه ويجب قراءته كما قال تعالى ﴿ فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقروا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه ﴾ إلى أن قال ﴿ وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدري ما حسابيه ﴾ سورة الحاقة الآيات ١٩-٢٠.
قال الشيخ الشنقيطي : وذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الذين يؤتون كتابهم بأيمانهم يقرءونه ولا يظلمون فتيلا، قد أوضح هذا في مواضع أخر كقوله ﴿ فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه ﴾ إلى قوله ﴿ وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ﴾.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة ﴿ ولا يظلمون فتيلا ﴾ قال الذي في خلق النواة.
قوله تعالى ﴿ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : المراد بالعمى في هذه الآية الكريمة عمى القلب لا عمى العين ويدل لهذا قوله تعالى ﴿ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ﴾ لأن عمى العين مع أبصار القلب لا يضر بخلاف العكس فإن أعمى العين يتذكر فتنفعه الذكرى ببصيرة قلبه قال تعالى ﴿ عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ﴾.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ ومن كان في هذه أعمى ﴾ يقول من عمي من قدرة الله في الدنيا فهو في الآخرة أعمى.
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد ﴿ في هذه أعمى ﴾ قال : الدنيا.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى :﴿ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى ﴾ قال : في الدنيا أعمى عما أراه الله من آياته من خلق السموات والأرض والجبال والنجوم ﴿ فهو في الآخرة ﴾ الغائبة التي لم يرها ﴿ أعمى وأضل سبيلا ﴾.
أخرج عبد الرزاق والطبري من طريق ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ﴿ فهو في الآخرة أعمى ﴾ قال : أعمى عن حجته في الآخرة.
وإسناده صحيح.
قوله تعالى ﴿ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : ومعنى الآية الكريمة : أن الكفار كادوا يفتنونه أي قاربوا ذلك ومعنى يفتنوك : يزلونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره مما لم نوحه إليك... وبين في موضع آخر : أنهم طلبوا منه الإتيان بغير ما أوحى إليه، وأنه امتنع أشد الامتناع وقال لهم : إنه لا يمكنه أن يأتي بشيء من تلقاء نفسه بل يتبع ما أوحي إليه ربه، وذلك في قوله :﴿ وقال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ﴾.
قوله تعالى ﴿ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا ﴾
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد في قول الله ﴿ ضعف الحياة ﴾ قال : عذابها ﴿ وضعف الممات ﴾ قال : عذاب الآخرة.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى ﴿ إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ﴾ قال : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
وأخرجه أيضا عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار عن أبي الشعثاء بنحوه، وسنده صحيح.
قال الشيخ الشنقيطي : وهذا الذي ذكره هنا من شدة الجزاء لنبيه لو خالف نبيه في غير هذا الموضع كقوله ﴿ ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ﴾ الآية.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٤:قوله تعالى ﴿ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا ﴾
أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد في قول الله ﴿ ضعف الحياة ﴾ قال : عذابها ﴿ وضعف الممات ﴾ قال : عذاب الآخرة.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى ﴿ إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ﴾ قال : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
وأخرجه أيضا عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار عن أبي الشعثاء بنحوه، وسنده صحيح.
قال الشيخ الشنقيطي : وهذا الذي ذكره هنا من شدة الجزاء لنبيه لو خالف نبيه في غير هذا الموضع كقوله ﴿ ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ﴾ الآية.

قوله تعالى ﴿ وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ﴾
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله :﴿ ليستفزونك من الأرض ﴾ قال : قد فعلوا بعد ذلك فأهلكهم الله يوم بدر فلم يلبثوا بعده إلا قليلا حتى أهلكهم الله يوم بدر كذلك كانت سنة الله في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك أ. ه.
وهذا القول مرسل لكن يتقوى بمرسل آخر أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد ﴿ وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ﴾ قال : لو أخرجت قريش محمدا لعذبوا بذلك. قال الطبري بعد أن ذكر هذا القول وقولا آخر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول قتادة ومجاهد وذلك أن قوله ﴿ وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ﴾ في سياق خبر الله عز وجل عن قريش وذكره إياهم.
قوله تعالى ﴿ سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله ﴿ سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ﴾ أي سنة الأمم والرسل كانت قبلك كذلك إذا كذبوا رسلهم وأخرجوهم لم يناظروا أن الله أنزل عليهم عذابه.
قوله تعالى ﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن ابن عباس وابن مسعود ﴿ دلوك الشمس ﴾ غروبها.
وأخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب التفسير- من قول ابن مسعود وصححه ووافقه الذهبي.
وأخرج الطبري أيضا بأسانيد صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود ﴿ دلوك الشمس ﴾ زوالها وميلها وأخرجه مالك عن نافع عن ابن عمر بلفظ : زوالها.
وسنده صحيح ( موطأ مالك رواية الشيباني رقم١٠٠٦ ).
قال الطبري وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عني بقوله :﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس ﴾ صلاة الظهر وذلك أن الدلوك في كلام العرب الميل يقال منه دلك فلان إلى كذا : إذا مال إليه أ. ه.
ويؤكد هذا أنه ثبت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان يصلي الظهر عند دلوك الشمس...
أخرجه أبو يعلى في( المسند٧/٧٦ح٤٠٠٤ )، والضياء في( المختارة٤/٤٠٥ )، وحسنه الهيثمي( المجمع١/٣٠٤ )، وصححه الألباني في( الإرواء١/٢٨١ ).
قال الشيخ الشنقيطي : قد بينا في سورة النساء أن هذه الآية الكريمة من الآيات التي أشارت لأوقات الصلاة لأن قوله ﴿ لدلوك الشمس ﴾ أي لزوالها على التحقيق فيتناول وقت الظهر والعصر بدليل الغاية إلى قوله ﴿ إلى غسق الليل ﴾ أي ظلامه وذلك يشمل وقت المغرب والعشاء قوله ﴿ وقرآن الفجر ﴾ أي صلاة الصبح...
أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة مرفوعا قال : فضل صلاة الجمع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح يقول أبو هريرة اقرءوا إن شئتم ﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾.
( الصحيح - التفسير، ب قرآن كان مشهودا رقم٤٧١٧ ).
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا قال : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج إلى الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي ؟. فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ".
واللفظ للبخاري، ( الصحيح -مواقيت الصلاة، ب فضل صلاة العصر رقم٥٥٥ )، ( وصحيح مسلم-الصلاة، ب فضل صلاتي الصبح والعصر رقم٦٣٢ ).
فقوله تعالى ﴿ ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ﴾
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة مرفوعا : " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الحرام وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ".
( الصحيح – الصيام، ب فضل صوم المحرم رقم١١٦٣ ).
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضا عن الحسن البصري وعلقمة والأسود الكوفيين التهجد بعد نومه، وهو لفظ الكوفيين.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ﴿ نافلة لك ﴾ تطوعا وفضيلة.
وأخرج البخاري بسنده عن ابن عمر قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا، كل أمة تتبع نبيها يقولون : يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.
( وجثا جمع جثوة، وجاث : وهو الذي يجلس على ركبتيه ).
أخرج البخاري بسنده عن أنس مرفوعا قال : يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون : لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون : أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول لست هناكم -ويذكر ذنبه فيستحي- ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتونه فيقول : لست هناكم- ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم، فيستحي فيقول ائتوا خليل الرحمن. فيأتونه، فيقول : لست هناكم ائتوا موسى عبدا كلمة الله وأعطاه التوراة، فيأتونه فيقول : لست هناكم -ويذكر قتل النفس بغير نفس- فيستحي من ربه فيقول : ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه، فيقول : لست هناكم، ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني، فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيؤذن، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله، ثم يقال : ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة. ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي –مثله- ثم أشفع فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة، ثم أعود للثالثة، ثم أعود الرابعة فأقول : ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود.
( الصحيح-التفسير سورة البقرة، ب وعلم آدم الأسماء كلها رقم٤٤٧٦ ).
وأخرج أيضا بسنده عن جابر بن عبد الله مرفوعا قال : " من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ".
( الصحيح-التفسير، ب ﴿ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ﴾ رقم٤٧١٨و٤٧١٩ ).
قال الطبري حدثنا محمد بن بشار، قال ثنا عبد الرحمان قال : ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال : يجمع الناس في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، حفاة عراة كما خلقوا، قياما لا تكلم نفس إلا بإذنه ينادي : يا محمد، فيقول : لبيك وسعديك والخير في يديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، عبدك وابن عبدك، وبك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب هذا البيت، فهذا المقام المحمود الذي ذكره الله تعالى أ. ه.
وأخرجه النسائي من حديث حذيفة وصححه ابن حجر( فتح الباري٨/٣٩٩، ٤٠٠ ) وأخرجه عبد الرزاق والحاكم من طريق أبي إسحاق به، وصححه ووافقه الذهبي( المستدرك٢/٣٦٣ ).
وأخرج مسلم بسنده الصحيح عن أبي هريرة مرفوعا : " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع ".
( الصحيح -الفضائل، ب تفضيل نبينا رقم٢٢٧٨ ).
وتقدم حديث أنس بن مالك في تفسير آية الكرسي وفيه الشفاعة والإذن بها.
قوله تعالى ﴿ وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ﴾
وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد في قوله :﴿ وقل رب أدخلني مدخل صدق ﴾ يقول : فيما أرسلتني به من أمرك ﴿ وأخرجني مخرج صدق ﴾ فيما أرسلتني من أمرك أيضا ﴿ واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ﴾ يعني حجة بينه.
وأخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن الحسن في قوله تعالى ﴿ مخرج صدق ﴾ من مكة إلى المدينة ومدخل صدق قال : الجنة.
قوله تعالى ﴿ وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ﴾
أخرج البخاري بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده ويقول ﴿ جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ﴾. ﴿ جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ﴾.
( الصحيح-التفسير، ب الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا رقم٤٧٢٠ ).
قال الشيخ الشنقيطي : بين جل وعلا أن الباطل كان زهوقا، أي مضمحلا غير ثابت في كل وقت، وقد بين هذا المعنى في غير هذا الموضع، وذكر أن الحق يزيل الباطل ويذهبه كقوله ﴿ قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ﴾ وقوله ﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ﴾ الآية.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة ﴿ وقل جاء الحق ﴾ قال القرآن ﴿ وزهق الباطل ﴾ قال : هلك الباطل وهو الشيطان.
وأخرج أيضا بسنده الجيد عن ابن عباس ﴿ إن الباطل كان زهوقا ﴾ يقول : ذاهبا.
قوله تعالى ﴿ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : قد قدمنا في أول سورة البقرة الآيات المبينة لهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة كقوله :﴿ فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ﴾ وقوله :﴿ قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ﴾.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله :﴿ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ﴾ إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه ﴿ ولا يزيد الظالمين ﴾ به ﴿ إلا خسارا ﴾ أنه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه، وإن الله جعل هذا القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين.
قوله تعالى ﴿ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه، وإذا مسه الشر كان يئوسا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه إذا أنعم على الإنسان بالصحة والعافية والرزق أعرض عن ذكر الله وطاعته، ونأى بجانبه أي تباعد عن طاعة ربه فلم يمتثل أمره، ولم يجتنب نهيه... وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في مواضع كثيرة من كتابه، كقوله في سورة هود :﴿ ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور ﴾ وقوله في آخر فصلت ﴿ لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ﴾ وقوله في سورة الروم ﴿ وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون ﴾، وقوله فيها أيضا ﴿ وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون ﴾... وقد استثنى الله من هذه الصفات عباده المؤمنين في قوله في سورة هود :﴿ إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ﴾ أ. ه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله :﴿ ونأى بجانبه ﴾ قال : تباعد منا.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ وإذا مسه الشر كان يئوسا ﴾ يقول قنوطا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ وإذا مسه الشر كان يئوسا ﴾ يقول : إذا مسه الشر أيس وقنط.
قوله تعالى ﴿ قل كل يعمل على شاكلته فربكم هو أعلم بمن هو أهدى سبيلا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ كل يعمل على شاكلته ﴾ يقول : على ناحيته.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ قل كل يعمل على شاكلته ﴾ قال : على طبيعته على حدته.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ قل كل يعمل على شاكلته ﴾ يقول : على ناحيته وعلى ما ينوي.
قوله تعالى ﴿ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾
أخرج الشيخان عن عبد الله بن مسعود قال : بينا أن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متكي على عسيب -إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح فقال : " ما رابكم إليه " وقال بعضهم لا يستقبلكم بشيء تكرهونه -فقالوا سلوه فسألوه عن الروح فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا فعلمت أنه يوحي إليه فقمت مقامي فلما نزل الوحي قال ﴿ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾.
واللفظ للبخاري، ( صحيح البخاري-التفسير، ب ويسألونك عن الروح رقم٤٧٢١ )، ( وصحيح مسلم-صفة القيامة والجنة والنار، ب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح رقم٢٧٩٦ ). قال ابن حجر بعد أن ذكر الحديث : وهذا يدل على أن نزول الآية وقع بالمدينة لكن روى الترمذي من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال : " قالت قريش لليهود : أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل فقالوا سلوه عن الروح فسألوه فأنزل الله تعالى ﴿ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ﴾. ورجاله رجال مسلم أ. ه، وأخرجه أحمد من الطريق المذكور وقال الترمذي : حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني( انظر فتح الباري٨/٤٠١، ومسند أحمد١/٢٥٥، وسنن الترمذي رقم٣١٤٠، وصحيح سنن الترمذي رقم٢٥١٠ ).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة ﴿ ويسألونك عن الروح ﴾ قال : هو جبرئيل.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ ويسألونك عن الروح ﴾ قال الروح : ملك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾ يعني : اليهود.
قال الشيخ الشنقيطي : ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه ما أعطى خلقه من العلم إلا قليلا بالنسبة إلى علمه جل وعلا، لأن ما أعطيه الخلق من العلم بالنسبة إلى علم الخالق قليل جدا، ومن الآيات التي فيها الإشارة إلى ذلك قوله تعالى ﴿ قل لو كان البحر مداد لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ﴾ وقوله ﴿ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ﴾.
قوله تعالى ﴿ ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا ﴾
قال الطبري حدثنا أبو كريب قال : ثنا أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن شداد بن معقل قال : قلت لعبد الله وذكر أنه يُسرى على القرآن، كيف وقد أثبتناه في صدورنا ومصاحفنا ؟ قال : يسرى عليه ليلا فلا يبقى منه في مصحف ولا في صدر رجل، ثم قرأ عبد الله ﴿ ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ﴾.
في الأصل عن بندار عن وهو تصحيف والصواب كما هو مثبت أعلاه لأن بندار ليس من هذه الطبقة وكذلك شداد بن معقل معروف بالرواية عن ابن مسعود وبرواية عبد العزيز بن رفيع عنه كما في تهذيب التهذيب ٤/٣١٨، ٦/٣٣٧، وكما سيأتي في التخريج. ورجاله ثقات إلا أبا بكر بن عياش ساء حفظه وكتابه صحيح وقد توبع كما سيأتي، وشداد صدوق وقد روي من طريق عبد الله بن وهب كما في تفسير الطبري، وأبو كريب هو محمد بن العلاء وسنده حسن، قال الهيثمي : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير شداد بن معقل وهو ثقة، ( مجمع الزوائد٧/٤٦ )، وأخرجه ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن شداد بلفظ : قال عبد الله - يعني بن مسعود- : إن هذا القرآن الذي بين أظهركم يوشك أن يُنزع منكم، قال : قلت كيف يُنزع منا وقد أثبته الله في قلوبنا وثبتناه في مصاحفنا ؟ قال : يُسري عليه في ليلة واحدة فينزع ما في القلوب ويذهب ما في المصاحف ويصبح الناس منه فقراء، ثم قرأ :﴿ ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ﴾. وقال القرطبي : وهذا إسناد صحيح، ( الجامع لأحكام القرآن ١٠/٣٢٦ )، وله شاهد أخرجه ابن ماجة والحاكم من حديث حذيفة مرفوعا وفيه : " وليُسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية "، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه البوصيري والألباني ( صحيح سنن ابن ماجة رقم٣٢٧٣ )، وسنن ابن ماجة - الفتن، ب ذهاب القرآن والعلم رقم٤٠٣٩ )، وأخرجه الدارمي من طريق زر عن مسعود بنحوه وإسناده حسن ( السنن فضائل القرآن، ب في تعاهد القرآن رقم٣٣٤٣، طبعة الريان ).
قوله تعالى ﴿ إن فضله كان عليك كبيرا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : قوله تعالى ﴿ إن فضله كان عليك كبيرا ﴾ بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن فضله على نبيه صلى الله عليه وسلم كبير، وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله ﴿ وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ﴾ وقوله ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا ﴾ وقوله ﴿ ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك ﴾.
قوله تعالى ﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن سيحان، وعمر بن أضا، وبحرى بن عمرو، وعزيز بن أبي عزيز، وسلام بن مشكم فقالوا : أخبرنا يا محمد بهذا الذي جئتنا به حق من عند الله عز وجل، فإنا لا نراه متناسقا كما تناسق التوراة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله إنكم لتعرفون أنه من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما جاءوا به ". فقال عند ذلك وهم جميعا فنحاص، وعبد الله بن صوريا، وكنانة بن أبي الحقيق، وأشيع، وكعب ابن أسد، وسموءل بن زيد، وجبل بن عمرو : يا محمد ما يعلمك هذا إنس ولا جان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله إنكم لتعلمون أنه من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل "، فقالوا : يا محمد إن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما شاء ويقدر منه على ما أراد فأنزل علينا كتابا نقرؤه ونعرفه وإلا جئناك بمثل ما تأتي به، فأنزل الله عز وجل فيهم وفيما قالوا ﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾.
قوله تعالى ﴿ ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا ﴾
أنظر تفسير سورة الكهف آية ( ٥٤ ) وفيها قول الطبري وروايته عن عبد الرحمن بن زيد. وانظر سورة الروم آية ( ٥٨ ).
قوله تعالى ﴿ وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ﴾
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله ﴿ حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ﴾، قال : عيونا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ ينبوعا ﴾ قال : عيونا.
قوله تعالى ﴿ أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : بين أنهم لو فعل الله ما اقترحوا ما آمنوا لأن من سبق عليه الشقاء لا يؤمن كقوله تعالى ﴿ ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ﴾ وقوله ﴿ ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ﴾ وقوله :﴿ ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون، لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ﴾ وقوله :﴿ وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ﴾ وقوله ﴿ إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ﴾ والآيات بمثل هذا كثيرة، وقوله في هذه الآية ﴿ كتابا نقرؤه ﴾ أي كتابا من الله إلى كل رجل منا، ويوضح هذا قوله تعالى في المدثر :﴿ بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ﴾ كما يشير إليه قوله تعالى ﴿ وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله ﴾ الآية، وقوله في هذه الآية الكريمة ﴿ قل سبحان هل كنت إلا بشرا رسولا ﴾ أي تنزيها لربي جل وعلا عن كل ما لا يليق به ويدخل فيه تنزيهه عن العجز عن فعل ما اقترحتم فهو قادر على كل شيء لا يعجزه شيء وأنا بشر أتبع ما يوحيه إلي ربي، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله :﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إلها واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ﴾ وقوله ﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إلها واحد فاستقيموا إليه واستغفروه ﴾ الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ كسفا ﴾ يقول : قطعا.
وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد قوله ﴿ كسفا ﴾ قال : السماء جميعا.
وبه قوله ﴿ والملائكة قبيلا ﴾ يعني : كل قبيلة على حده.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩١:قوله تعالى ﴿ أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : بين أنهم لو فعل الله ما اقترحوا ما آمنوا لأن من سبق عليه الشقاء لا يؤمن كقوله تعالى ﴿ ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ﴾ وقوله ﴿ ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ﴾ وقوله :﴿ ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون، لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ﴾ وقوله :﴿ وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ﴾ وقوله ﴿ إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ﴾ والآيات بمثل هذا كثيرة، وقوله في هذه الآية ﴿ كتابا نقرؤه ﴾ أي كتابا من الله إلى كل رجل منا، ويوضح هذا قوله تعالى في المدثر :﴿ بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ﴾ كما يشير إليه قوله تعالى ﴿ وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله ﴾ الآية، وقوله في هذه الآية الكريمة ﴿ قل سبحان هل كنت إلا بشرا رسولا ﴾ أي تنزيها لربي جل وعلا عن كل ما لا يليق به ويدخل فيه تنزيهه عن العجز عن فعل ما اقترحتم فهو قادر على كل شيء لا يعجزه شيء وأنا بشر أتبع ما يوحيه إلي ربي، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله :﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إلها واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ﴾ وقوله ﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إلها واحد فاستقيموا إليه واستغفروه ﴾ الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ كسفا ﴾ يقول : قطعا.
وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد قوله ﴿ كسفا ﴾ قال : السماء جميعا.
وبه قوله ﴿ والملائكة قبيلا ﴾ يعني : كل قبيلة على حده.

وبه قوله ﴿ من زخرف ﴾ قال : من ذهب.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله تعالى ﴿ أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ﴾، قال : عيانا.
ويؤيد تفسير قتادة قوله تعالى ﴿ وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا... ﴾ الفرقان : ٢١.
وبه قوله تعالى ﴿ أو يكون له بيت من زخرف ﴾ قال بيت من ذهب.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ﴿ حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ﴾ أي : كتابا خاصا نؤمر فيه بإتباعك.
قوله تعالى ﴿ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ﴾
قال ابن كثير : يقول تعالى ﴿ وما منع الناس ﴾ أي أكثرهم أن يؤمنوا ويتابعوا الرسل إلا استعجابهم ن بعثة البشر رسلا كما قال تعالى ﴿ أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا ﴾ وقال تعالى ﴿ ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد ﴾ وقال فرعون وملؤه ﴿ أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون ﴾ وكذلك قالت الأمم لرسلهم ﴿ إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين ﴾.
قوله تعالى ﴿ قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن الرسول يلزم أن يكون من جنس المرسل إليهم، فلو كان مرسلا رسولا إلى الملائكة لنزل عليهم ملكا مثلهم أي وإذا أرسل إلى البشر أرسل لهم بشرا مثلهم، وقد أوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله :﴿ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ﴾، وقوله :﴿ وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ﴾، وقوله ﴿ وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلوا الطعام ويمشون في الأسواق ﴾.
قوله تعالى ﴿ ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ﴾
قال ابن كثير : يقول الله مخبرا عن تصرفه في خلقه، ونفوذ حكمه، وأنه لا معقب له، بأنه من يهده فلا مضل له ﴿ ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ﴾ أي يهدونهم كما قال ﴿ من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ﴾ سورة الكهف : آية١٧.
انظر سورة الأعراف آية ( ١٧٨ ).
أخرج الشيخان بسنديهما عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا قال : يا نبي الله يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة، قال قتادة : بلى وعزة ربنا.
واللفظ للبخاري، ( صحيح البخاري-التفسير-سورة الفرقان، ب الذين يحشرون على وجههم في جهنم رقم : ٤٧٦٠ )، ( وصحيح مسلم-صفة القيامة والجنة والنار، ب يحشر الكافر على وجهه رقم٢٨٠٦ ).
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ﴾ ثم قال ﴿ ورأى المجرمون النار فظنوا ﴾ وقال ﴿ سمعوا لها تغيظا وزفيرا ﴾ وقال ﴿ دعوا هنالك ثبورا ﴾ أما قوله ﴿ عميا ﴾ فلا يرون شيئا يسرهم، وقوله ﴿ بكما ﴾ لا ينطقون بحجة، وقوله ﴿ صما ﴾ لا يسمعون شيئا يسرهم وقوله ﴿ مأواهم جهنم ﴾ يقول جل ثناؤه : ومصيرهم إلى جهنم وفيها مساكنهم وهم وقودها.
وبه عن ابن عباس في قوله ﴿ كلما خبت ﴾ قال : سكنت.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ كلما خبت زدناهم سعيرا ﴾ يقول : كلما أطفئت أوقدت.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله ﴿ وبكما ﴾ قال : الخرس ﴿ وصما ﴾ وهو جمع أصم، وبه عن قتادة قوله ﴿ كلما خبت زدناهم سعيرا ﴾ يقول : كلما احترقت جلودهم بدلوا جلودا غيرها ليذوقوا العذاب.
قوله تعالى ﴿ ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ﴾
قال ابن كثير : يقول تعالى هذا الذي جازيناهم به من البعث على العمى والبكم والصم جزاؤهم الذي يستحقونه، لأنهم كذبوا بآياتنا أي بأدلتنا وحججنا واستبعدوا وقوع البعث ﴿ وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا ﴾ بالية نخره ﴿ أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ﴾ أي بعد ما صرنا إلى ما صرنا إليه من البلى والهلاك والتفرق والذهاب في الأرض نعاد مرة ثانية، فاحتج تعالى عليهم ونبههم على قدرته على ذلك بأنه خلق السماوات والأرض، فقدرته على إعادتهم أسهل من ذلك كما قال ﴿ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ﴾ سورة : غافر : ٥٧.
وانظر آية ( ٤٩ ) من السورة نفسها.
قوله تعالى ﴿ أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من خلق السموات والأرض مع عظمهما قادر على بعث الإنسان بلا شك لأن من خلق الأعظم الأكبر فهو على خلق الأصغر قادر بلا شك، وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله ﴿ لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ﴾ الآية، أي من قدر على خلق الأكبر فهو قادر على خلق أصغر، وقوله ﴿ أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ﴾، وقوله ﴿ أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهم بقادر على أن يحيي الموتى ﴾، وقوله ﴿ أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم ﴾.
قوله تعالى ﴿ قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا ﴾
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى ﴿ خشية الإنفاق ﴾ قال : الفاقة.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ﴿ وكان الإنسان قتورا ﴾ يقول : بخيلا.
قال الشيخ الشنقيطي : بين تعالى في هذه الآية أن بني آدم لو كانوا يملكون خزائن رحمته -أي خزائن الأرزاق والنعم- لبخلوا بالرزق على غيرهم ولأمسكوا عن الإعطاء خوفا من الإنفاق لشدة بخلهم، وبين إن الإنسان قتور أي بخيل مضيق من قولهم قتر على عياله أي ضيق عليهم، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله ﴿ أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يأتون الناس نقيرا ﴾ وقوله ﴿ إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الخير منوعا وإذا مسه الشر جزوعا إلا المصلين ﴾ الآية.
قوله تعالى ﴿ ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فسئل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ﴾
أخرج عد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن الحسن ﴿ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات ﴾ قال : هذه آية واحدة والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ويد موسى وعصى موسى إذا ألقاها فإذا هي ثعبان مبين وإذ ألقاها فإذا هي تلقف ما يؤفكون.
قال الطبري : حدثني يعقوب قال : ثنا هشيم عن مغيرة عن الشعبي في قوله ﴿ تسع آيات بينات ﴾ قال : الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين ونقص من الثمرات وعصاه ويده.
ورجاله ثقات، وإسناده صحيح.
قال ابن كثير وهذا القول ظاهر جلي حسن قوي، وجعل الحسن البصري ﴿ السنين ونقص الثمرات ﴾ واحدة وعنده أن التاسعة هي : تلقف العصا ما يأفكون.
قال الشيخ الشنقيطي : وقد بين جل وعلا هذه الآيات في مواضع أخر كقوله ﴿ فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ﴾ وقوله ﴿ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات ﴾ الآية وقوله ﴿ فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ﴾ وقوله ﴿ فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات ﴾ إلى غير ذلك من الآيات المبينة لما ذكرنا وجعل بعضهم الجبل بدل ﴿ السنين ﴾ وعليه فقد بين قوله تعالى :﴿ وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة ﴾ ونحوها من الآيات.
قوله تعالى ﴿ قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن فرعون عالم بأن الآيات المذكورة ما أنزلها إلا رب السموات والأرض : بصائر أي حججا واضحة...
وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى مبينا سبب جحوده لما علمه في سورة النمل بقوله ﴿ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه أنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ﴾ الآية.
وأخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ مثبورا ﴾ قال مهلكا.
وأخرجه عبد الرزاق بالسند الصحيح عن قتادة.
قوله تعالى ﴿ فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ﴾
قال ابن كثير : وقوله ﴿ فأراد أن يستفزهم من الأرض ﴾ أي يخليهم منها ويزيلهم عنها ﴿ فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا لمن بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض ﴾ وفي هذا بشارة لمحمد صلى الله عليه وسلم بفتح مكة مع أن هذه السورة نزلت قبل الهجرة وكذلك وقع فان أهل مكة هموا بإخراج الرسول منها كما قال تعالى :﴿ وإن كانوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ﴾ ولهذا أورث الله رسوله مكة... كما أورث الله القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم كما قال :﴿ كذلك وأورثناها بني إسرائيل ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٣:قوله تعالى ﴿ فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ﴾
قال ابن كثير : وقوله ﴿ فأراد أن يستفزهم من الأرض ﴾ أي يخليهم منها ويزيلهم عنها ﴿ فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا لمن بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض ﴾ وفي هذا بشارة لمحمد صلى الله عليه وسلم بفتح مكة مع أن هذه السورة نزلت قبل الهجرة وكذلك وقع فان أهل مكة هموا بإخراج الرسول منها كما قال تعالى :﴿ وإن كانوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ﴾ ولهذا أورث الله رسوله مكة... كما أورث الله القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم كما قال :﴿ كذلك وأورثناها بني إسرائيل ﴾.


أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد ﴿ جئنا بكم لفيفا ﴾ يعني : جميعا وأخرجه عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة.
وقال الطبري :{ حدثنا محمد بن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن، قال : ثنا سفيان عن منصور عن ابن أبي رزين ﴿ جئنا بكم لفيفا ﴾ قال : من كل قوم.
ورجاله ثقات، وسنده صحيح. وابن أبي رزين : عاصم بن لقيط، ومنصور بن المعتمر، وسفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي.
قوله تعالى ﴿ وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أنزل هذا القرآن بالحق أي متلبسا به متضمنا له فكل ما فيه حق فأخباره صدق وأحكامه عدل كما قال تعالى ﴿ وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا ﴾ وكيف لا وقد أنزله جل وعلا بعلمه كما قال تعالى ﴿ لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه ﴾ الآية، وقوله﴿ وبالحق نزل ﴾ يدل على أنه لم يقع فيه تغيير ولا تبديل في طريق إنزاله لأن الرسول المؤتمن على إنزاله قوي لا يغلب عليه حتى يغير فيه أمين لا يغير ولا يبدل كما أشار إلى هذا بقوله ﴿ نزل به الروح الأمين على قلبك ﴾ الآية، وقوله ﴿ إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين ﴾ الآية، وقوله في هذه الآية ﴿ لقول رسول ﴾ أي لتبليغه عن ربه بدلالة لفظ الرسول لأنه يدل على أنه مرسل به.
قوله تعالى ﴿ وقرءانا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ﴾
قال الطبري : حدثنا ابن المثنى قال : ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا داود عن عكرمة عن ابن عباس قال : أنزل القرآن من السماء جمله واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة قال :﴿ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ﴾ وقرآن فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا.
ورجاله ثقات، وإسناده صحيح. وابن المثنى هو محمد، وداود هو ابن أبي هند حيث صرح الحاكم فأخرجه من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن داود بن أبي هند به، وصححه الحاكم والذهبي ( المستدرك٢/٣٦٨ )، وصححه أيضا الحافظ ابن حجر ( فتح الباري٩/٤ ).
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿ وقرآن فرقناه ﴾ يقول : فصلناه.
وقال الطبري : حدثنا ابن المثنى قال : بدل بن المحبر، قال : ثنا عباد، يعني ابن راشد، عن داود عن الحسن أنه قرأ ﴿ وقرآنا فرقناه ﴾ خففها : فرق الله بين الحق والباطل.
وسنده حسن، وابن المثنى هو محمد وداود ابن أبي هند.
وأخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالسند الصحيح عن مجاهد قوله ﴿ على مكث ﴾ قال : في ترتيل.
وأخرجه عبد الرزاق بسنده الصحيح عن الثوري عن عبيد المكتب عن مجاهد بلفظ : على تؤده، ولهذا لما سأل عبيد المكتب مجاهدا عن رجل قرأ البقرة وآل عمران، وآخر قرأ البقرة وركوعها وسجودها واحد، أيهما أفضل ؟ قال : الذي قرأ البقرة، وقرأ ﴿ وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ﴾
أخرجه الطبري بسنده الصحيح عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري به.
قال الشيخ الشنقيطي : قرأ هذا الحرف عامة القراء ﴿ فرقناه ﴾ بالتخفيف، أي بيناه وأوضحناه وفصلناه وفرقنا فيه بين الحق والباطل وقرأ بعض الصحابة ﴿ فرّقناه ﴾ بالتشديد، أي أنزلناه مفرقا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة، ومن إطلاق فرق بمعنى بين وفصل، قوله تعالى ﴿ فيها يفرق كل أمر حكيم ﴾ الآية، وقد بين جل وعلا أنه بين هذا القرآن لنبيه ليقرأه على الناس على مكث أي : مهل وتؤدة وتثبت، وذلك يدل على أن القرآن لا ينبغي أن يقرأ إلا كذلك، وقد أمر تعالى بما يدل على ذلك في قوله ﴿ ورتل القرآن ترتيلا ﴾ ويدل لذلك أيضا قوله ﴿ وقالوا لولا نزل هذا القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ﴾.
قوله تعالى ﴿ قل آمنوا به أولا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ﴾. ﴿ ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ يخرون للأذقان سجدا ﴾ يقول : للوجوه.
قال ابن كثير : وقوله :﴿ ويخرون للأذقان يبكون ﴾ أي : خضوعا لله عز وجل وإيمانا وتصديقا بكتبه ورسوله ويزيدهم الله خشوعا، أي : إيمانا وتسليما كما قال :﴿ والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ﴾.
قوله تعالى ﴿ قل آمنوا به أولا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ﴾. ﴿ ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ﴾
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله :﴿ يخرون للأذقان سجدا ﴾ يقول : للوجوه.
قال ابن كثير : وقوله :﴿ ويخرون للأذقان يبكون ﴾ أي : خضوعا لله عز وجل وإيمانا وتصديقا بكتبه ورسوله ويزيدهم الله خشوعا، أي : إيمانا وتسليما كما قال :﴿ والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ﴾.
قوله تعالى ﴿ قل ادعوا الله وادعوا الرحمن أيّاما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ﴾
انظر سورة الأعراف آية ( ١٨٠ ) وفيها حديث البخاري عن أبي هريرة.
قال الشيخ الشنقيطي : أمر الله جل وعلا عباده في هذه الآية الكريمة أن يدعوه بما شاءوا من أسمائه إن شاءوا قالوا : يا الله، وإن شاءوا قالوا : يا رحمن. إلى غير ذلك من أسمائه جل وعلا وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله ﴿ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ﴾ وقوله ﴿ هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ﴾ وقد بين جل وعلا في غير هذا الموضع أنهم تجاهلوا اسم الرحمن في قوله :﴿ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ﴾ الآية وبين لهم بعض أفعال الرحمن جل وعلا في قوله ﴿ الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ﴾ ولذا قال بعض العلماء : إن قوله :﴿ الرحمن علم القرآن ﴾ جواب لقولهم ﴿ قالوا وما الرحمن ﴾ الآية، وسيأتي لهذا إن شاء الله زيادة إيضاح في سورة الفرقان.
وانظر سورة الفرقان آية ( ٦٠ )
أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ﴿ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ﴾ قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿ ولا تجهر بصلاتك ﴾ أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ﴿ ولا تخافت بها ﴾ عن أصحابك فلا تسمعهم ﴿ وابتغ بين ذلك سبيلا ﴾.
واللفظ للبخاري :( الصحيح-التفسير، ب ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها رقم٤٧٢٢ )، ( وصحيح مسلم-الصلاة، ب التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية بين الجهر والإسرار رقم٤٤٦ ).
أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت : نزلت هذه الآية ﴿ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ﴾ في الدعاء.
( الصحيح-التوحيد، ب قول الله تعالى ﴿ وأسروا قولكم أو اجهروا به ﴾ رقم٧٥٢٦ ). قال ابن حجر بعد أن ذكر هذا الحديث هكذا أطلقت عائشة وهو أعلم من أن يكون ذلك داخل الصلاة أو خارجها.. وذكر أنه يحتمل الجمع بينهما بأنها في الدعاء داخل الصلاة. ( فتح الباري ٨/٥٠٤، ٤٠٦ ).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ أياما تدعوا ﴾ يقول بشيء من أسماء الله يقول : بأي أسمائه تدعوا فله الأسماء الحسنى.
قوله تعالى ﴿ وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ﴾
قال الشيخ الشنقيطي : أمر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة الناس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لأن أمر القدوة أمر لأتباعه -كما قدمنا- أن يقولوا : الحمد لله أي كل ثناء جميل لائق بكماله وجلاله، ثابت له مبين أنه منزه عن الأولاد والشركاء والعزة بالأولياء، سبحانه وتعالى عن ذلك كله علوا كبيرا، فبين تنزهه عن الولد والصحابة في مواضع كثيرة كقوله :﴿ قل هو الله أحد ﴾ إلى آخر السورة، وقوله ﴿ وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ﴾ وقوله ﴿ بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ﴾ وقوله ﴿ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ﴾ الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة، وبين في مواضع أخر : أنه لا شريك له في ملكه، أي ولا في عبادته كقوله :﴿ وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ﴾ وقوله ﴿ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ﴾ وقوله ﴿ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ﴾ وقوله ﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ﴾ الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة ومعنى قوله تعالى في هذه الآية ﴿ ولم يكن له ولي من الذل ﴾ يعني أنه لا يذل فيحتاج إلى ولي يعزبه لأنه هو العزيز القهار الذي كل شيء تحت قهره وقدرته كما بينه في مواضع كثيرة كقوله ﴿ والله غالب على أمره ﴾ الآية، وقوله ﴿ إن الله عزيز حكيم ﴾.
وأخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد ﴿ ولم يكن له ولي من الذل ﴾ يقول : لم يحالف أحدا، ولم يبتغ نصر أحد.
Icon