تفسير سورة الإسراء

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة بني إسرائيل مكية، وقيل : إلا قوله :" وإن كادوا ليفتنونك " إلى ثمان آيات. وهي مائة وإحدى وعشرة آية، واثنا عشر ركوعا.

﴿ سُبْحَانَ ﴾ اسم بمعنى التسبيح، أي : أنزهه تنزيها من جميع القبائح التي يضيفها إليه أعداء الله تعالى مجد الله نفسه وعظم شأنه لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، ﴿ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ محمد١ صلى الله عليه وسلم، ﴿ لَيْلاً ﴾ أي : في بعض الليل، فإنه مع تنكيره دال على تقليل مدة الإسراء، ﴿ مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ مسجد مكة أو من مكة لا من المسجد ويطلق على مكة كلها مسجد الحرام، ﴿ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ﴾ الذي ببيت المقدس ببدنه الأشرف والأصح، بل الصحيح أن الإسراء في اليقظة بعد البعثة مرة٢ واحدة وإن كان في المنام قبلها، ﴿ الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ بالثمار والأزهار وببركات الدين والدنيا، ﴿ لِنُرِيَهُ ﴾ أي : محمدا، ﴿ مِنْ آيَاتِنَا ﴾ الكبرى عجائب سماواته وغرائب آياته، ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ لأقوال العباد مصدقين ومكذبين، ﴿ البَصِيرُ ﴾ فيجزيهم وفق ما يستحقون.
١ فإنه صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فينا الأنبياء ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن قال جبريل: أصبت الفطرة، قال: ثم عرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل قيل له: من أنت؟ فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا فإذا أنا آدم فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى فرحبا بي ودعوا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى فرحبا بي ودعوا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف فإذا هو قد أعطى شطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: بعث إليه، ففتح لنا فإذا بهارون فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بموسى فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم فإذا هو مستند إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة فإذا ثمرها كالقلال فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع لأن يصفها من حسنها قال: فأوحى إلى ما أوحى وفرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال: فرجعت إلى ربي فقلت: أي رب! خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى قال: ما فعلت؟ قلت قد حط عني خمسا، قال: إن أمتك لا تطق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى ويحط عني خمسا حتى قال: يا محمد هي خمس صلوات في كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون، صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها لم تكتب فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب فإن عملها كتبت سيئة واحدة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت" رواه الشيخان واللفظ لمسلم. [البخاري ومسلم (١/٣٨٨) ط الشعب]..
٢ لا كما قال بعضهم: كان مرات جمعا بين الأحاديث / ١٢..
﴿ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ كثيرا ما يقرن بين ذكر محمد وموسى عليهما السلام والقرآن والتوراة، فأولا ذكر شرف سيدنا محمد رسول الله ثم شرع في فضل كليمه موسى١، ﴿ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ ﴾ أن مفسرة، ومن قرأ بالغيبة فأن ناصبة ولام العاقبة محذوفة أي : لئلا، ﴿ مِن دُونِي وَكِيلاً ﴾ : ربا تكلون إليه.
١ وكان بينهما في تلك الليلة حكاية مراجعة إلى الله تعالى لخمسين صلاة فرضت بأمر موسى وصلاحه مشهور مسطور في كتب الأحاديث / ١٢ وجيز. [ وقد تقدم ذكر الحديث قريا]..
﴿ ذُرِّيَّةَ ﴾ نصب على الاختصاص وعلى قراءة الخطاب جاز نصبه بالنداء، ﴿ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ ﴾ : نوحا، ﴿ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ كثير الحمد فيه تذكير لنعمة إنجائهم من الغرق ثم الحث للذرية على الاقتداء به.
﴿ وَقَضَيْنَا ﴾ : أوحينا وحيا مقضيا مقطوعا، ﴿ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ ﴾ : التوراة، ﴿ لَتُفْسِدُنَّ ﴾ جواب قسم محذوف، ﴿ فِي الأَرْضِ ﴾ بالمعاصي، ﴿ مَرَّتَيْنِ١ مخالفة أحكام التوراة، ثم قتل يحيى وزكريا، ﴿ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾ تستكبرن عن طاعة الله أو تظلمن الناس.
١ قتل زكريا أولهما والثانية قتل حبرار مياحين أنذرهم سخط الله / ١٢ وجيز.
.

﴿ فَإِذَا جَاء وَعْدُ ﴾ : عقاب، ﴿ أُولاهُمَا ﴾، أي : أولى الإفسادتين، ﴿ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا ﴾ هم جالوت وجنوده، أو ملك الموصل سنجاريب أو بخت نصر فأذلهم وقهرهم وقتلهم، ﴿ أُوْلِي ﴾ : ذوي، ﴿ بَأْسٍ ﴾ : قوة، ﴿ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ ﴾ : ترددوا لطلبكم، ﴿ خِلاَلَ ﴾ : وسط، ﴿ الدِّيَارِ ﴾ للقتل والغارة والسبي، ﴿ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً ﴾ فإنه قضاء مبرم.
﴿ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ ﴾ : الدولة، ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ بأن سلط داود على جالوت فقتله أو دانيال على جنود بخت نضر، ﴿ وأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ﴾ حتى عاد أمركم كما كان، ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾ : مما كنتم وهو من ينفر مع الرجل من قومه أو جمع نفر، أي : أكثر عددا مما كنتم.
﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ أي : الإحسان والإساءة كلاهما مختصان١ بها لا يتعدى النفع والضر إلى غيركم، وقيل : أتى باللام دون على في قوله وإن أسأتم فلها للازدواج، ﴿ فَإِذَا جَاء وَعْدُ ﴾ عقوبة المرة، ﴿ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ ﴾ تقديره بعثناهم ليسوءوا، ﴿ وُجُوهَكُمْ ﴾ يهينوكم ومن قرأ ليسوء فالضمير لله أو للوعد أو للبعث، ﴿ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ ﴾ عطف على ليسوؤا، ﴿ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ أي : كما خربوا أولا بيت المقدس بعثناهم ليخربوا ثانيا، ﴿ وَلِيُتَبِّرُواْ ﴾ : يهلكوا، ﴿ مَا عَلَوْاْ ﴾ مفعول يتبروا، أي : ليهلكوا كل شيء غلبوه، ﴿ تَتْبِيرًا ﴾.
١ فاستعمل اللام للدلالة على الاختصاص لا للازدواج وكلام الزمخشري دال على ذلك فانظر / ١٢ منه..
﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾ يا بني إسرائيل بعد انتقامه منكم برد الدولة إليكم، ﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ ﴾ : إلى المعصية، ﴿ عُدْنَا ﴾ إلى العقوبة وعن بعض السلف عادوا فبعث الله عليهم المسلمين، ﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا١ محبسا أو بساطا كما يبسط الحصير.
١ ولما ذكر من اختصه بالإسراء ومن آتاه التوراة وأن التوراة هدى لبني إسرائيل وذكر ما قضى إليهم بذنوبهم تنبيها وردعا عن المعاصي بين أن كتابنا يهدي وبين حال من يهتدي به ومن لا يهتدي به فقال: "إن هذا القرآن" الآية / ١٢ وجيز..
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي ﴾ للحالة أو الطريقة التي، ﴿ هِيَ أَقْوَمُ ﴾ أسد الحالات، ﴿ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ ﴾ أي : بأن، ﴿ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾.
﴿ وأَنَّ ١ عطف الَّذِينَ على أن لهم، ﴿ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾، أي : يبشرهم بث وثوابهم وعقاب أعدائهم.
١ قوله: "وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة" الخ دل بمفهومه على أن من آمن لا يعدله عذاب أليم والعمل الصالح ليس شرطا من نجاته عن بك العقوبة ولا شك أن قد وقع في الصدر الأول هنات وسقطات بعضها مذكور في القرآن وبعضها في الأحاديث الصحاح وإنكار ذلك مكابرة، ولما بين إعطافه على المؤمنين بإثابتهم ولانتقام من أعدائهم ذكر لطفا آخر على الإنسان مؤمنهم وكافرهم في صورة قهر فقال: "ويدع الإنسان" الآية / وجيز..
﴿ وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ ﴾ أي : يسأل الله عند غضبه الشر على نفسه وأولاده وأمواله، ﴿ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ ﴾ أي : مثل مسألته الخير، ﴿ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً ﴾ : يسارع إلى ما لا يعلم خيريته لكن الله تعالى صبور عليهم لا يجيب جميع مسألته لطفا وإنعاما.
﴿ وَجَعَلْنَا ١اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ٢ تدلان على قدرة خالقهما وحكمته، ﴿ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ ﴾، الإضافة بيانية، ﴿ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً٣ مضيئة أو مبصرة للناس من أبصره فبصر٤ وعن ابن عباس كان القمر وهو آية الليل يضيء كما تضيء آية النهار وهي الشمس فمحونا آية الليل محوه السواد الذي في القمر، وسئل عن٥ علي ما هذه اللطخة لتي في القمر ؟ فقال : ويحك ! أما تقرأ القرآن فمحونا آية الليل فهذه محوه، وروي عن آخرين من السلف٦ ما يدل على ذلك، ﴿ لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ لتطلبوا في النهار أسباب معاشكم، ﴿ وَلِتَعْلَمُواْ ٧عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴾ لولا محو آية الليل لكان مثل النهار مضيئا فما عرفنا عدد السنين ولا جنس الحساب، ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ ﴾، مما تحتاجون إليه، ﴿ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ﴾ : بيناه بحيث لا يلتبس.
١ ثم عد ما عد للكل من إنعام عام ظاهرة باهرة دالة على قدرته الكاملة فقال: "وجعلنا الليل" الآية / ١٢ وجيز..
٢ كلام السلف كما سنذكره دال على أن آيتين مفعول جعلنا وقوله: "الليل والنهار" ظرفان في موقع المفعول الثاني "فمحونا آية الليل" وعلى ما ذكرنا ليست الإضافة بيانية / ١٢ وجيز..
٣ قال الكسائي: أبصر النهار إذا أضاء بحيث يبصر فيه الأشياء / ١٢ منه..
٤ فيكون متعديا، أي يجعل الناس بصراء / ١٢ منه..
٥ كما رواه ابن جرير وغيره من طرق متعددة /١٢..
٦ مثل قتادة والحسن وغيرهما / ١٣٢ منه..
٧ ظاهر القرآن، على أن قوله لتبتغوا ولتعلموا متفرع على المحو والإبصار كما قال: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج" (البقرة: ١٨٩)، وليس ببعيد أن يقال النقصان الذي في نور القمر في أوائل الشهر وأواخره داخل في المحو فلو كان القمر دائما بدرا كنور الشمس أو كان بعض الليالي كالنهار مضيئا فلا يمتاز أحدهما من الآخر لكل أحد ولا يختص النهار بطلب المعاش ولا الليل بالسكن ولا يعرف الجميع عدد السنين والحساب ولا يتميز أوسط الشهر عن الأول والآخر ويكون مجيء الشهر الفلاني وذهابه مجرد اصطلاح من غير تعبير وبيان / ١٢ وجيز..
﴿ وَكُلَّ١ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ ﴾، أي : ما قضى عليه أنه عامله وما هو صائر إليه من سعادة وشقاوة وكانوا يتيمنون بسنوح الطير ويتشاءمون٢ ببروجها فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان سببهما من عمل العبد الذي هو السبب في الرحمة والنقمة، ﴿ فِي عُنُقِهِ ﴾ أي : لازم له لزوم القلادة أو الغل لا ينفك عنه، ﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا ﴾ مفعول نخرج، أو حال من مفعوله المحذوف وهو ضمير الطائر ويعضده قراءة من قرأ يخرج بالياء وفتحه، ﴿ يَلْقَاهُ ﴾ صفة، ﴿ مَنشُورًا ﴾ إما حال من مفعول يلقى أو صفة أخرى أي : يجده منشورا لكشف غطائه.
١ ولما قال: "وكل شيء فصلناه تفصيلا" أتبعه تفاصيل أحوال البشر من حين حياته إلى موته بأنها مضبوطة من غير مزيد ونقصان فقال: "وكل إنسان ألزمناه" / ١٢ وجيز..
٢ البارح من الصيد ما مر من ميامنك إلى مياسرك والسانح عكسه / ١٢ قاموس..
﴿ اقْرَأْ كَتَابَكَ ﴾ أي : يقال له ذلك، ﴿ كَفَى بِنَفْسِكَ ﴾ الباء١ مزيدة في الفاعل، ﴿ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ أي : حاسبا عليك تمييز يعني كفيت أنت في محاسبة نفسك لا تحتاج إلى من يحاسبك وتذكير حسيبا٢ لأن مثل هذه الأمور يتولاها الرجال كأنه قال : كفى بنفسك اليوم رجلا حسيبا.
١ الباء مزيدة في فاعل كفى فلا يحفظ التأنيث في كفى حين كان فاعله مؤنثا مجرورا مع أن الظاهر تأنيثه نحو: "ما آمنت قبلهم من قرية" (الأنبياء: ٦)، و"ما تأتيهم من آية" (الأنعام: ٤) / ١٢..
٢ مع أن النفس مؤنث / ١٢..
﴿ مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ ﴾ : لا ينجي غيره، ﴿ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾ لا يضر ضلاله غيره، ﴿ وَلاَ تَزِرُ ﴾ : لا تحمل، ﴿ وَازِرَةٌ ﴾ نفس حاملة، ﴿ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ نفس أخرى، بل لا تحمل إلا وزرها، ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ﴾ يبين لهم ما يجب عليه فلا يدخل أحدا في النار إلا بعد إرسال الرسل إليه كما قال تعالى :" كما ألقي فيها فوج سألها خزنتها " الآية ( الملك : ٨ )، فعلى هذا الظاهر أن يقال : إن من نشأ في شاهق جبل ولم يسمع رسولا فهو معذور وكذا المجنون الدائم المطبق وكذا الأطفال١ مطلقا، لكن الشيخ الأشعري ذهب إلى لأنهم يمتحنون يوم القيامة بأن يأمرهم الله بدخول النار فمن أطاع نجا ودخل الجنة وانكشف علم الله فيه لسابق السعادة، ومن عصى دخل النار داخرا وانكشف تقدم شقاوته وحكاه عن أهل السنة والجماعة وهو مختار البيهقي ومحققي العلماء والنقاد وعلى أحاديث٢ منها ما هو صحيح ومنها ما هو حسن ومنها ما هو ضعيف ولولا التزام الاختصار لذكرنا نبذا منها مع تحقيق المسألة ردا وإثباتا.
١ أي: الأطفال المؤمنين والكافرين / ١٢..
٢ وفي حديث رواه البيهقي وقال إسناده صحيح أربعة يحتجون يوم القيامة: "أصم لا يسمع شيئا وأحمق وهرم ومن مات في فترة فيرسل الله إليهم أن ادخلوا النار فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها" وروى غير البيهقي مثل هذا المعنى بعبارات مختلفة وقد صرح الأشعري أن الأطفال يمتحنون يوم القيامة بمثل ما نقلنا في الحديث وقال: على هذا أهل السنة والجماعة، ولما بين سبحانه أنه لا يعذب أحدا قبل بعثة الرسول بين بعد ذلك علة إهلاكهم، قال: "وإذا أردنا" الآية / ١٢ وجيز. [الحديث أخرجه الطبراني(٢١٧٩) والضياء في "المختارة" وهو في "المسند" (٤/٢٤) وصحيح ابن حبان (١٨٢٧) وانظر "الصحيحة" (١٤٣٤)]..
﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ متنعميها بالفسق والمراد بالأمر الأمر القدري يعني سخرهم الله إلى فعل الفواحش فاستحقوا العقوبة فإن الله لا يأمر بالفحشاء، قيل معناه كثرنا يقال : أمرت الشيء إذا كثرته وقراءة من قرأ آمرنا يؤيده ومن قرأ أمرنا فمعناه جعلناهم أمراء، وقيل : أمرناهم بالطاعة على لسان رسول وفيه بعد ؛ لأنه يبقى حينئذ تخصيص المترفين غير بين الوجه وكذلك التقييد بزمان إرادة الإهلاك فتدبر، ﴿ فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ ﴾ أي : كلمة العذاب، ﴿ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا١ : استأصلناها.
١ استأصلناها وغير المترفين الذين فيها لما رضوا بفعلهم وسكتوا عن النهي استحقوا العذاب قال الله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" (الأنفال: ٢٥)، فقال كثير من السلف: المراد من الفتنة ترك نهي المنكر / ١٢ وجيز..
﴿ وَكَمْ ﴾ أي : كثيرا مفعول، ﴿ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ ﴾ تمييز لكم، ﴿ مِن بَعْدِ نُوحٍ ﴾ كعاد وثمود فإن بين آدم ونوح عشر قرون كلهم على الإسلام، ﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ ﴾ الباء مزيدة على الفاعل، ﴿ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ ﴾ متعلق بقوله، ﴿ خَبِيرًَا ١بَصِيرًا ﴾ وهما منصوبان على التمييز أو الحال فإن الذنوب هي أسباب الهلكة وهو تعالى علم بها فمعاقب عليها.
١ ولما ذكر أنه خبير بصير يعاقب على الذنوب رغب في الآخرة وزهد من الدنيا فإن الدنيا رأس كل خطيئة فقال: "من كان يريد العاجلة" / ١٢ وجيز..
﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ ﴾ أي : همته مقصورة على الدنيا، ﴿ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ﴾ بدل البعض من له فإن ضميره لمن وهو في معني الكثرة، ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا ﴾ يدخلها، ﴿ مَذْمُومًا مَّدْحُورًا ﴾ مطرودا قيل : الآية في المنافقين يغزون مع المسلمين وليس غرضهم إلا الغنائم.
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾ حقها من السعي وهو الإتيان بالأوامر والانتهاء عن النواهي، ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ ﴾ : الجامعون الشرائط الثلاثة، ﴿ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴾ : مقبولا عنده مثابا عليه.
﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ ﴾ أي : كل واحد من الفريقين أعني هؤلاء الذين أرادوا الدنيا وهؤلاء الذين أرادوا الآخرة نمدهم ونزيدهم من عطاء ربك فنرزق المطيع والعاصي وهؤلاء منصوب بتقدير أعني أو بدل من كلا، ﴿ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ ممنوعا في الدنيا عن مؤمن ولا عن كافر.
﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ في الدنيا فمنهم الغني والفقير والحسن والقبيح والصحيح والمريض وغير ذلك ونصب كيف بفضلنا على الحال، ﴿ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾ أي : التفاوت في الآخرة أكثر وأكبر ونصبها على التميز.
﴿ لاَّ تَجْعَل١ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ ﴾ الخطاب لكل أحد أو للرسول٢ والمراد أمته، ﴿ فَتَقْعُدَ ﴾ تصير، ﴿ مَذْمُومًا ﴾ : من الملائكة والمؤمنين، ﴿ مَّخْذُولاً ﴾ من الله.
١ ولما تقرر بما مضى أنه القادر المعطي المانع أنتج أنه الواحد المنزه عن النقص والشريك فقال إن كنت تريد الآخرة لا تجعل مع الله إلها آخر / ١٢..
٢ فإنه رأس الكل وسيدهم وهو المخاطب في الكلام /١٢ وجيز..
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ ﴾ أمر أمرا قطيعا، ﴿ أَلاَّ ﴾ أي : بألا، ﴿ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ فإنه المستحق للعبادة وحده، ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا١ أي : وبأن تحسنوا بهما إحسانا، ﴿ إِمَّا ﴾ إن شرطية وما زائدة٢، ﴿ يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا ﴾ فاعل يبلغن، ﴿ أَوْ كِلاَهُمَا ﴾ ومن قرأ يبلغان فأحدهما بدل البعض من الضمير، ﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ ﴾ هو صوت دال على تضجر وهو مبني على الكسر والتنوين والتنكير ومن قرأ بالفتح فعلى التخفيف يعني إن عاش أحد والديك أو كلاهما حتى يشيب ويكون كلا عليك فلا تسمعهما قولا سيئا حتى التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ، ﴿ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ﴾ : لا تزجرهما، ﴿ وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ﴾، جميلا بتأدب وتوقير.
١ عطف على أن لا تعبدوا وجاز أن يقدر أحسنوا بهما إحسانا / ١٢..
٢ ولزيادتها جاز دخول النون المؤكد على الفعل ومذهب سيبويه كما ذكر صاحب البحر جواز مثل إن يبلغن بدون زيادة ما / ١٢ وجيز..
﴿ وَاخْفِضْ١ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ ﴾ تذلل لهما واخضع جعل للذل جناحا وأمره بخفضه مبالغة في التواضع لهما، ﴿ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ من فرط رحمتك عليهما، ﴿ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ رحمة مثل رحمتهما في حال صغري، وعن حذيفة أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه وهو في صف المشركين فقال :( دعه يله غيرك )٢.
١ قال القفال فيها أمران: أحدهما أن الطير إذا ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحه وهذا من حسن التدبير والاتفاق فكأنه قال اكفل والديك بضمهما إلى نفسك كما فعل ذلك بك حال صغرك والثاني أن الطير ينشر جناحه للطيران والارتفاع وحين ترك الطيران يخفض جناحه فهو كناية عن السكون والتواضع / ١٢ وجيز..
٢ لم يأت في ترجمة "حذيفة بن اليمان" رضي الله عنه أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه. وإنما ورد ذلك في ترجمة "عبد الله بن أبي مالك بن أبي سلول" انظر ترجمته في "الإصابة" للحافظ بن حجر(٤/٩٥)..
﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾ من قصد البر والعقوق، ﴿ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ ﴾ : قاصدين للصلاح مطيعين لله، ﴿ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ ﴾ هم التائبون من الذنب الراجعون عن المعصية إلى الطاعة، ﴿ غَفُورًا ﴾.
﴿ وَآتِ١ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾ من صلة الرحم والبر عليهم وعن على بن الحسين : أراد به قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾ بأن تصرف مالك في غير حق، وعن٢ السلف لو أنفقت مدا في غير حقه صرت مبذرا، ولو أنفقت جميع مالك في الحق لم تكن مبذرا٣.
١ ولما أمر بالبر إلى أقرب الأقارب و هما الأبوان أمر بصلة باقي الأقارب / ١٢ منه..
٢ قاله ابن مسعود ومجاهد / ١٢ منه..
٣ في الصحيحين (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان من السماء يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا) / ١٢ منه. [أخرجه البخاري(١٤٤٢) ومسلم (٣/٤٧) ط الشعب].
﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾ أصدقاءهم وأتباعهم وأمثالهم في الشرارة، ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾، جحودا منكرا لأنعم الله فلا تتبعوه ولا تكونوا مثله.
﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ﴾ وإن أعرضت عمن أمرتك أن تؤتيه من الأقارب وغيرها حياء من ردهم وليس عندك شيء تعطيه حين سألك، ﴿ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا ﴾ لانتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك فتعطيه، ﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا ﴾ يعني : إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لفقد النفقة فعدهم وعدا بسهولة ولين مثل أن تقول : إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله كذا فسرها السلف١ وقيل : القول الميسور الدعاء لهم مثل رزقنا الله وإياكم.
١ كمجاهد وسعيد والحسن وقتادة وغيرهم / ١٢ منه..
﴿ وَلاَ١ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ﴾ لا تمسكهما٢ عند البذل كل الإمساك حتى كأنها مقبوضة إلى عنقك، ﴿ وَلاَ تَبْسُطْهَا ﴾ بالخير، ﴿ كُلَّ الْبَسْطِ ﴾ تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذر، ﴿ فَتَقْعُدَ ﴾ تصير، ﴿ مَلُومًا ﴾ يلومك الناس ويذمونك إن بخلت، ﴿ مَّحْسُورًا٣ نادما إن بسطت كل بسط وأيضا دابة عجزت عن السير ضعفا تسمى حسيرا فعلى ما فسرنا من اللف والنشر وجاز أن يكونا متعلقين بالإسراف فإن المسرف ملوم عند الله والناس نادم عن فعله، أو بكل من البخل والسرف قيل : نزلت حين وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ولم يجد ما يلبسه للخروج حين أذنوا للصلاة.
١ ولما بالإيتاء ونهى عن التبذير الممنوع توجه إلى طريق الإيتاء فقال: "ولا تجعل يدك" الآية / ١٢ وجيز..
٢ في الأصل: تمسكها ما..
٣ وهذا أمر في شأن المتعارف في الناس كما أنه لا يجوز السفر الطويل من غير زاد ماء في مفازة وصاحب التوكل حق التوكل مستثنى ولهذا قال – صلى الله عليه وسلم ـ (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير يغدو خماصا و يروح بطانا، ولما نهى العباد عن الشح والإسراف الملومية والحسورية أجاب عما سيعرض من الأذهان فقال: "إن ربك" الآية / ١٢ وجيز. [أخرجه أحمد (١/٣٠) والترمذي (٢/٥٥ ـ بولاق) والحاكم (٤/٣١٨) قال الترمذي: "حديث صحيح" وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" وأقره الذهبي. وانظر "الصحيحة"]..
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ﴾، يوسع، ﴿ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ ﴾ : يضيق لمن يشاء، ﴿ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ يعلم سرهم وعلنهم فيوسع على من يرى مصلحته في التوسعة له، ويضيق على من يعلم مصلحته في تضييقه، وفي الحديث ( إن عبادي لمن لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الغني ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه ).
﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ﴾ فقر وفاقة وكانوا يئدون بناتهم مخافة الفقر، ﴿ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا ﴾ : ذنبا عظيما والخطأ١ الإثم.
١ يقال: خطيء خطأ كأثم إثما وقرأ ابن عامر خطأ اسم يضاد الصواب وقيل لغة فيه كحذر وحذر ومثل ومثل / ١٢ منه..
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى١ نهي عن مقاربته ومخالطة أسبابه ودواعيه فضلا عن مباشرته، ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلا ﴾ : بئس طريقا طريقه.
١ ولما كان الزنا كقتل الولد في تضييع النسب ذكر في عقبه فقال: "ولا تقربوا الزنى" الآية / ١٢ وجيز..
﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ ١ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ ﴾ : قتله، ﴿ إِلاَّ بِالحَقِّ ﴾، بردة وزنى بعد إحصان وقتل معصوم عمدا، ﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا ﴾ غير مستوجب القتل، ﴿ فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ ﴾ وهو الوارث لأنه يلي أمره بعده، ﴿ سُلْطَانًا ﴾ : تسلطا على القاتل بقتله أو أخذ الدية أو عفوه، ﴿ فَلاَ يُسْرِف ﴾ أي : الوالي، ﴿ فِّي الْقَتْلِ ﴾ بأن يقتل غير القاتل أو يمثل بالقاتل، أو معناه لا يسرف القاتل٢ فيه بأن يقتل من لا يحق قتله وقراءة لا تسرفوا يؤيده، ﴿ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ استئناف أي : لا يسرف الولي لأن الله نصره ولطف عليه حيث أوجب القصاص له وأمر الناس بمعونته، وعلى الوجه الثاني معناه : فإن المقتول منصور لا محالة يقتل به الظالم.
١ و لما خص نهى القتل بالأولاد لاعتيادهم أعقبه بالتعميم فقال: "ولا تقتلوا النفس" الآية / ١٢ وجيز..
٢ منقول عن مجاهد / ١٢ منه..
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ ١ مَالَ الْيَتِيمِ ﴾ فضلا أن تتصرفوا فيه، ﴿ إِلاَّ بِالَّتِي ﴾ أي : إلا بالطريقة التي، ﴿ هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ حتى يصير بالغا فادفعوه إليه، ﴿ وَأَوْفُواْ ٢ بِالْعَهْدِ ﴾ الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم أو بما عاهدكم لله من تكاليفه، ﴿ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئولاً ﴾ عنه أو مطلوبا يطلب من العاهد أن لا يضيعه.
١ ولما كانت الشريعة لإحصان الدماء والفروج والأموال التي هي عديل الأرواح ذكر الأشياء الثلاثة أحدها عقيب الآخر فقال: "ولا تقربوا" الآية / ١٢ وجيز..
٢ ولما كان قبول الأوامر و الوصايا من الوفاء بالعهود قال: ﴿وأوفوا بالعهد﴾ / ١٢..
﴿ وَأَوْفُوا ١ الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ ﴾ من غير تبخيس، ﴿ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴾ بالميزان العدل وهو لفظ رومي عرب، ﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ عاقبة من آل إذا رجع.
١ ولما وصى في مال اليتيم ثم علم بوفاء العهد على الإجمال عقبة بتفضيل أمر جزئي ليعلم منه الاهتمام التام في الاجتناب عن المظالم فقال: "وأوفوا الكيل" الآية / ١٢ وجيز..
﴿ وَلاَ ١تَقْفُ ﴾ لا تتبع، ﴿ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ٢ ما لم يتعلق به علمك من قول وفعل فيدخل فيه شهادة الزور والكذب والبهتان، ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ ﴾ إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد وأولئك قد يجيء لغير العقلاء، ﴿ كَانَ عَنْهُ مَسْئولاً ﴾، من جوز تقديم مفعول ما لم يسم فاعله ؛ لأنه في المعنى مفعول سيما إذا كان ظرفا فعنده أن عنه فاعل مسئولا، ومن لم يجوز فعنده أن في مسئولا ضمير يرجع إلى كل أولئك أي كان كل واحد منها مسئولا عن نفسه يعني عما فعل به صاحبه، أو ضمير عنه راجع إلى صاحب كل واحد.
١ ثم توجه إلى النهي عن كل ما لا يليق فقال: "ولا تقف" الآية / ١٢ وجيز..
٢ نقل عن محمد بن الحنفية أن المراد منه شهادة الزور عن قتادة لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، وعن ابن عباس لا ترم أحدا بما ليس لك به علم / ١٢ منه..
﴿ وَلاَ تَمْشِ١ فِي الأَرْضِ مَرَحًا ﴾ وهو التكبر أي : ذا مرح، ﴿ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ ﴾ لن تجعل فيها خرقا لشدة وطأتك، ﴿ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ﴾ بتطاولك وكبرك وهو تهكم بالمتكبر، وعن بعضهم أنك لن تقطع للأرض حتى تبلغ آخرها ولا تقدر أن تطاول الجبال وتساويها فأنت عاجز أو ما أقبح منه التكبر.
١ ولما كان الكبر من أقبح خصال الفؤاد الذي هو مسئول عنه قال: "ولا تمش" الآية / ١٢ وجيز..
﴿ كُلُّ ذَلِكَ ﴾ إشارة إلى ما مر من قوله " ولا تجعل مع الله " وهي خمسة وعشرون خصلة، ﴿ كَانَ سَيٍّئُهُ ﴾ أي : المنهي عنه لا المأمورات، ﴿ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ﴾ مبغوضا، ومن قرأ سيئة فذلك١ إشارة إلى ما نهى عنه خاصة واسم كان ضمير لكل ومكروها خبر بعد خبر أو بدل من سيئه أو حال من ضمير كان.
١ من قوله: "ولا تجعل مع الله إلها آخر" إلى هذه الغاية / ١٢..
﴿ ذَلِكَ ﴾ أي : الأحكام المتقدمة، ﴿ مِمَّا أَوْحَي إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ﴾ وهي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به، ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ ﴾ كرره لأنه المقصود والتوحيد رأس كل حكمة، ﴿ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا ﴾ من الله والملائكة ومن نفسك، ﴿ مَّدْحُورًا ﴾ : ملعونا والمراد من هذا الخطاب اهتداء أمته عليه السلام.
﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ ١رَبُّكُم بِالْبَنِينَ ﴾ أي : أفخصكم ربكم بأفضل الأولاد ؟ فالهمزة٢ للإنكار، ﴿ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا ﴾ بناتا لنفسه كما قلتم الملائكة بنات الله تعالى، ﴿ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا ﴾ إضافة الولد إلى الله تعالى ثم تفضيل أنفسكم عليه حين تنسبون إليه ما تكرهون ثم جعل الملائكة إناثا وأي خطأ وقول أعظم من هذا.
١ ولما كان لكفار قريش رذيلتان قبيحتان أنكر عليهم أحدهما ثم تلاها الثانية فقال: "أفأصفاكم" الآية / ١٢ وجيز..
٢ فتقولون: لا بد لنا البنون، وتكرهون البنات حتى تقتلونهن هل في ذلك حكم الله وأمره؟ / ١٢..
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا ﴾ بينا مكررا، ﴿ فِي هَذَا الْقُرْآنِ ﴾ العبر والأمثال والحجج والأحكام أو بيانا فيه مكررا إبطال إضافة البنات إليه، ﴿ ليَذَّكَّرُواْ ﴾ : يتدبروا ويتعظوا، ﴿ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا ﴾ : عن الحق.
﴿ قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً ﴾ : لطلبوا إلى من له الملك سبيلا١ بالمبالغة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض، أو معناه إن كان الأمر كما زعمتم أنهم آلهة شفعاء فهم طالبون٢ الوسيلة والتقرب إلى الله تعالى محتاجون إليه فكيف تسمونهم آلهة وتعبدونهم.
١ قول قتادة قريب من هذا الوجه / ١٢ منه..
٢ نحو "أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة" (الإسراء: ٥٧} / ١٢..
﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا ﴾ : تعاليا، ﴿ كَبِيرًا ﴾.
﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّح بِحَمْدَهِ ﴾ إجماع السلف أن للأشياء تسبيحات١ لا يسمع [ لا يسمع الله إياه ] إلا من يسمع٢، وقال المتأخرون لكل شيء تسبيح بلسان حاله وهو دلالته على صانع قديم واجب لذاته، ﴿ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ وفي البخاري عن ابن مسعود :" كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل " ٣، و الأحاديث الدالة على التسبيح القالي٤ للحيوانات والجمادات كثيرة وفي مسند الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ قال :" إن نبي الله نوحا " ] ٥، لما حضرته الوفاة دعا ابنيه فقال :" آمركما بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء " ٦، وعن ابن عباس وبعض من السلف٧ إنما يسبح ما كان فيه روح من حيوانات ونبات، ﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا ﴾ : لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، ﴿ غَفُورًا ﴾ لمن رجع وتاب.
١ في سنن النسائي نهى عليه الصلاة والسلام عن قتل الضفدع فقال: "نقيقها تسبيح" / ١٢ منه..
٢ ما بين المعكوفتين زيادة من حاشية النسخة..
٣ أخرجه البخاري في "المنقب" / باب: علامات النبوة في الإسلام (٣٥٧٩)..
٤ أي: بلسان المقال..
٥ سقطت هذه العبارة من الكتاب فأثبناها هاهنا..
٦ والحديث أخرجه أحمد في "مسنده" (٢/١٧٠) والبخاري في "الأدب المفرد) من طريق: الصقعب بن زهير عن زيد بن أسلم قال حماد: أظنه عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو... فذكره.
قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (٦٥٨٣): "إسناده صحيح على ما فيه من شك حماد بن زيد". وصححه الشيخ الألباني في "الصحيحة" وقال: "هذا سند صحيح"..

٧ كالحسن والضحاك / ١٢..
﴿ وَإِذَا ١قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا ﴾ يحجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم والانتفاع به أو حجابا لا يرونه عند قراءة القرآن فإن المشركين الذين في عزمهم أن يؤذوه يمرون به ولا يرونه، ﴿ مَّسْتُورًا ﴾ لا يرى ذلك الحجاب أو ذا ستر كسيل مفعم أي : ذو إفعام٢.
١ ولما تقرر في قوله: ﴿ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا﴾ أنهم في حضيض من الغباوة التفت إلى سيد أولي الفهم فقال: "وإذا قرأت القرآن" الآية / ١٢ وجيز..
٢ إفعام ملء يقال أفعم المسك والعود البيت ريحه وأفعمت الرجل ملأته غضبا / ١٢ صراح..
﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ﴾ : أغطية، ﴿ أَن يَفْقَهُوهُ ﴾ أي : كراهة أن يفقهوا القرآن، ﴿ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ﴾ : ثقلا لئلا يسمعوا سماع انتفاع، ﴿ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ ﴾ من غير ذكر آلهتهم وأصله يحد وحده فهو مصدر يقع موقع الحال، ﴿ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ ١ ُفُورًا ﴾، نفرة من التوحيد أو جمع٢ نافر.
١ نزلت حين قرأ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن ومر بالتوحيد قال: يا معشر قريش قولوا لا إله إلا الله تملكون بها العرب وتدين لكم العجم فنفروا و ولوا / ١٢ وجيز..
٢ فعلى هذا "نفورا" / ١٢..
﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ ﴾ أي : ما يستمعون بسببه ولأجله من الهزء والتكذيب، ﴿ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ﴾ ظرف لأعلم، ﴿ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى ﴾ حين هم ذوو نجوى يتناجون بالتكذيب، ﴿ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ ﴾ بدل من إذ هم بوضع الظاهر موضع المضمر، ﴿ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا ﴾ سحر فجن وعن بعضهم مشتق من السحر وهو الرئة١ أي : رجلا مثلكم.
١ أي: ذو سحر وركة فيكون مثلكم / ١٢ منه..
﴿ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ ﴾ مثلوك بساحر وشاعر وكاهن ومجنون، ﴿ فَضَلُّواْ ﴾ : عن طريق الحق، ﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً ﴾ إلى الرشاد أو هم متحيرون ليس لهم سبيل يسلكونه.
﴿ وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا ﴾ بعد الموت، ﴿ وَرُفَاتًا ﴾ : ترابا، ﴿ أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ الهمزة لتأكيد الإنكار والعامل في إذا ما دل عليه مبعوثون فما بعد إن لا يعمل فيما قبله، ﴿ خَلْقًا جَدِيدًا ﴾ مصدر أو حال.
﴿ قُل ﴾ جوابا لهم، ﴿ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ﴾ وهما أشد امتناعا من العظام والرفات في قبول الحياة.
﴿ أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ١ وهو الموت٢، أي : لو فرضتم أنكم صرتم حجارة أو حديدا أو موتا هو ضد الحياة لأحياكم الله إذا شاء، وعن مجاهد في تفسيره أي : السماء والأرض والجبال، ﴿ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ﴾ إذا كنا حجارة أو خلقا شديدا، ﴿ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ ﴾ : يحركون، ﴿ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ ﴾ تعجبا وتكذيبا، ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا ﴾ فكل ما هو آت قريب، أن يكون اسم عسى وكان تامة وقريبا خبره أو اسم عسى ضمير البعث وما بعده خبره.
١ وهكذا فسره ابن عبا وابن عمر وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك ونقل الإمام مالك عن الزهري /١٢ فتح..
٢ لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه / ١٢ فتح..
﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ﴾ ربكم من قبوركم، ﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ ﴾ : تجيبون بحمده، ﴿ بِحَمْدِهِ ﴾ متلبسين١ بحمده حين لا ينفعكم الحمد، وعن ابن عباس : أي : بأمره وعهد بعض : أنه خطاب للمؤمنين، وقد ورد أنهم ينفضون التراب عن رءوسهم ويقولون : سبحانك اللهم وبحمدك، ﴿ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ ﴾ : في الدنيا أو في البرزخ، ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ " كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم " ( المؤمنون : ١١٢، ١١٣ ).
١ والظاهر أن الخطاب للكفار إذ الكلام كان معهم فهم حمدوا حين لا ينفعهم الحمد / ١٢ وجيز..
﴿ وَقُل١ لِّعِبَادِي ﴾ : المؤمنين قولوا التي هي أحسن، ﴿ يَقُولُواْ ﴾ : الكلمة، ﴿ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ يعني في محاوراتهم ومخاطباتهم فيقولوا ٢ جواب الأمر والمقول محذوف، ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ ﴾ يهيج الشر، ﴿ بَيْنَهُمْ ﴾ فإذا لم يكونوا على لين الكلام فلربما يفضي إلى المخاصمة والمشاجرة، ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾ وعن الكلبي، أنها نزلت حين شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحش كلام المشركين وسوء خلقهم فقيل : الكلمة التي هي أحسن أن يقولوا يهديك الله، وقيل : هذا قبل الإذن في الجهاد.
١ ولما أمر تعالى بإبلاغ قوله: "قل كونوا حجارة" الآية وفيها نوع من التهكم والتبكيت وربما استن به المؤمنون فخاطبهم نحوه من عند لأنفسهم مما فيه نحو غلظة فنهاهم عن ذلك فقال: "قل لعبادي" الآية / ١٢ وجيز..
٢ تذكر قولنا في قوله تعالى: "قل لعبادي الذين آمنوا" (إبراهيم: ٣١) / ١٢ منه..
﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ ﴾ فيوفقكم للإنابة والطاعة الظاهر أنه خطاب للمؤمنين وحث على المداراة، ﴿ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ﴾ وقيل : ربكم أعلم تفسيرا للكلمة التي هي أحسن أي : يقولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا يقولوا لهم إنكم من أهل ومعذبون وما يشبهها، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ﴾ ليس أمرهم موكولا إليك إنما أنت فما عليك إلا التبليغ وحسن المعاشرة وطيب الكلام في النصح والله الهادي.
﴿ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ فإنه خلقهم على قوابل مختلفة ومراتب متفاوتة في الفهم وقبول الفيض من مفيض الحكمة فليس لأحد أن يستبعد في نبوة يتيم أبي طالب عليه السلام وفي سيادة الجوع العراة رضي الله عنهم وأرضاهم، ﴿ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ ﴾ بمزيد العلم اللدني لا بوفور المال الدني، ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا١ إشارة إلى وجه تفضيله فعلم من هذا أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل فإن كتابه أشرف الكتب " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون " ( الأنبياء : ١٠٥ )، وما وقع في الصحيحين من النهي عن التفضيل بين الأنبياء فمحمول٢ على التفضيل بالتشهي والعصبية ولا خلاف أن محمدا رسول الله أفضلهم ثم إبراهيم ثم موسى على المشهر علهم الصلاة والسلام.
١ ولما ذكر فضل الأنبياء وأن بعضهم أفضل الخلائق ومع ذلك هم معترف ون بالعبودية لا يستطيعون الشفاعة إلا بإذنه فكيف بحجر جماد فقال: "قل ادعوا الذين" الآية /١٢ وجيز..
٢ أخرجه البخاري في "أحاديث الأنبياء" / باب: قول الله تعالى ﴿وإن يونس لمن المرسلين﴾ (٣٤١٤) ومسلم في "الفضائل" / باب: من فضائل موسى عليه السـلام (٥/٢٢٥) ط الشعب..
﴿ قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم ﴾ أنها آلهة، ﴿ مِّن دُونِهِ ﴾ كالملائكة وغيره، ﴿ فَلاَ يَمْلِكُونَ ﴾ فلا يستطيعون، ﴿ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ ﴾ بالكلية، ﴿ وَلاَ تَحْوِيلاً ﴾ إلى غيركم أو تحويل حال من العسر إلى حال اليسر نزلت جين شكى المشركون قحطهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ ١الْوَسِيلَةَ ﴾، الذين صفة أولئك ويبتغون خبره أي : هؤلاء الذين تعبدونهم يطلبون القربة إلى الله كالملائكة وعيسى وأمه وعزير والشمس والقمر٢، ﴿ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ بدل من فاعل يبتغون أي : يطلب من هو أقرب منهم الوسيلة فكيف لغيره، ﴿ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ﴾ فكيف يستحقون الألوهية، ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ حقيقا بأن يحذر منه كل شيء حتى الرسل من الملائكة والبشر، وعن ابن مسعود أنها نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم٣ الجنيون والإنس الذين يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم.
١ اعلم أن المقصود من هذه الآية الرد على المشركين كانوا يقولون: ليس لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله تعالى فنحن نعبد بعض المقربين من عباد الله وهم الملائكة ثم إنهم اتخذوا لذلك الملك الذي يروه تمثالا وصورة واشتغلوا بعبادته على هذا التأويل وليس المراد الأصنام لأنه تعالى قال في صفتهم: ﴿أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربيهم الوسيلة﴾ وابتغاء الوسيلة إلى الله تعالى لا يليق بالأصنام، و إذا ثبت هذا فتعين أن المراد الملائكة والمسيح وعزير والجن، ثم إنه تعالى احتج على فساد مذهبهم أن الإله المعبود هو الذي يقدر على إزالة الضر وإيصال المنفعة وهذه الأشياء التي يعبدونها وهي الملائكة والمسيح وعزير والجن، لا يقدرون على كشف الضر ولا على تحصيل النفع فوجب القطع بأنها ليست آلهة / ١٢ كبير..
٢ صرح بذلك هؤلاء ابن عباس ومجاهد / ١٢ منه..
٣ كذا ذكره البخاري / ١٢ منه. [أخرجه البخاري (٤٧١٥)]..
﴿ وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ بالموت، ﴿ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ﴾ بأنواع العذاب وعن مقاتل وغيره الأول في قرية المؤمنين والثاني في الكفار، ﴿ كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ ﴾ اللوح المحفوظ، ﴿ مَسْطُورًا ﴾.
﴿ وَمَا مَنَعَنَا ١أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ ﴾ أي : ما صرفنا عن إرسال الآيات المقترحة لقريش كفسحة مكة وجعل الصفا ذهبا، ﴿ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ ﴾ أي : إلا تكذيب من هو قبلهم وقومك مثلهم طبعا فلو أرسلناها وكذبوا بها لاستأصلناهم فقد جرت سنتنا على أن لا نؤخر من كذب بالآيات المقترحة فليس عدم إرسالها إلا العناية فإنه سهل علينا يسير لدينا، ﴿ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ ﴾ بسؤالهم، ﴿ مُبْصِرَةً٢ آية بينة، ﴿ فَظَلَمُواْ بِهَا ﴾، كفروا بها أو فظلموا أنفسهم بسببها فإنهم، منعوا شربها وعقروها فعاجلناهم بالعقوبة، ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ ﴾ المقترحة أو مطلق الآيات، ﴿ إِلاَّ تَخْوِيفًا ﴾ للعباد ليؤمنوا والباء زائدة أو المفعول محذوف وبالآيات حال.
١ ولما قال بعض القرى نهلكها وبعضها نعذبها في وقت معين عندنا تقتضي حكمتنا أراد أن يبين أن مكة ما جاء وقت خرابها ولا وقت عذابها فقال: "وما منعنا أن نرسل" الآية / ١٢ وجيز..
٢ واختار تلك الآية من بين الآيات المقترحة للأولين لأن آثار إهلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم / ١٢ وجيز..
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ ﴾ أي : وذكر إذ أوحينا إليك، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ﴾ هم في قبضته وتحت مشيئته فهو حافظك منهم فامض لما أمرك ولا تهبهم، ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ ﴾ هي١ قصة المعراج والرؤيا من الرؤية عن ابن عباس وغيره هي رؤيا عين، ﴿ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ﴾ فقد أنكر بعضهم ذلك وكفروا وزاد إيمان بعضهم فما هي إلا اختبار وفتنة وعن بعضهم أن المراد بهذه الرؤيا رؤيا عام الحديبية رأى عليه السلام أنه دخل هو وأصحابه مكة فتوجه إليها قبل الأجل فصده المشركون ورجع إلى المدينة وكان ذلك فتنة وشكا في قلوب بعض حتى دخلها في العام القابل كما قال تعالى :" لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق " الآية ( الفتح : ٢٧ )، ﴿ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ ﴾ أي : وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة وهي شجرة الزقوم يقال طعام ملعون أي : مكروه ضار وملعون أكلها وصفت به مجازا للمبالغة أو لأن منبتها أصل الجحيم وهي أبعد مكان من رحمة الله، وفتنتها أنهم قالوا : محمد يوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أن فيها شجرة وقالوا : لا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر فجاء أبو جهل بهما وقال يا قوم : زقموا فهذا ما يخوفكم به محمد، ﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ ﴾ التخويف، ﴿ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا٢ تمردا وعتوا عظيما.
١ فإنها كانت في المنام أولا ثم في اليقظة بالجسم والعين فالمعنى الرؤيا التي أريناك في اليقظة تعبيرا كذا قاله ابن عباس وغيره كما رواه البخاري / ١٢ وجيز. [أخرجه البخاري (٤٧١٦)]..
٢ ولما قال إن بعض الأشياء والاختبار ومنه التخويف ولا يزيدهم إلا طغيانا أراد أن يذكر رأس الفتنة ورئيس أهل الطغيان فقال: (وإذ قلنا) / ١٢ وجيز..
﴿ وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ ﴾ قد مر الخلاف في أن المأمورين جملة الملائكة أو ملائكة الأرضين، ﴿ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ ﴾ أي : لمن خلقته، ﴿ طِينًا ﴾ حال من ( من ) أو من ضميره أو نصبه بنزع الخافض.
﴿ قَالَ ﴾ : إبليس، ﴿ أَرَأَيْتَكَ ﴾ أي : أخبرني والكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الإعراب، ﴿ هَذَا ﴾ مفعول أرأيت، ﴿ الَّذِي ﴾ صفة هذا، ﴿ كَرَّمْتَ عَلَيَّ ﴾ أي : أخبرني عن هذا الذي فضلته علي بأن أمرتني بسجوده لم كرمته علي فمتعلق الاستخبار محذوف يدل عليه الصلة، ﴿ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ اللام توطئة القسم وجوابه، ﴿ لأَحْتَنِكَنَّ ﴾ لأستأصلن، ﴿ ذُرِّيَّتَهُ ﴾ : بالإغواء، ﴿ إَلاَّ قَلِيلاً ﴾ لا أقدر أن أقاومهم وكأنه لعنه الله تفرس من خلقه فإنه قد جبل بشهوة ووهم وغضب.
﴿ قَالَ ﴾ : الله :﴿ اذْهَبْ ﴾ أي : خليتك وأنظرتك فامض لما قصدت، ﴿ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ ﴾ أي : جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب، ﴿ جَزَاء مَّوْفُورًا ﴾ : مكملا ونصب جزاء بما في جزاؤكم من معنى تجازون أو بإضمار وجاز أن يكون حالا فإنه مقيد بموفورا.
﴿ وَاسْتَفْزِزْ ﴾ : استخف، ﴿ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ ﴾ : أن تستفزه، ﴿ بِصَوْتِكَ١ : بدعائك إلى معصية الله وعن ابن عباس كل داع دعا إلى معية الله فهو شيطان يصوته، وقيل هو الغناء والمزامير، ﴿ وَأَجْلِبْ ﴾ : صح، ﴿ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ﴾ الخيل الفرسان والرجل اسم جمع للراجل، أي : صح عليهم بأعوانك من راكب راجل وهو كل راكب وماش في المعصية، وعن قتادة أن له خيلا ورجالا من الجن والإنس، قيل : هذا تمثيل لتسلطه بشخص كثير الغارة صوت على قوم فاستفزهم وأقلقهم عن أماكنهم وأجلب عليهم بجنده فاستأصلهم، والمعنى تسلط عليهم بكل ما تقدر والمراد من الأمرين أمر القدري أو أمر تهديد، ﴿ وَشَارِكْهُمْ٢ فِي الأَمْوَالِ ﴾ كل ما أنفق في حرام أو جمع من حرام، ﴿ وَالأَوْلادِ٣، ببعثهم على الزنا حتى يكون الولد منه وعلى قتلهم خشية إملاق وعلى تسميتهم بعبد الشمس ونحوه وغير ذلك، ﴿ وَعِدْهُمْ ﴾ المواعيد٤ الباطلة كشفاعة الآلهة وكرامة الآباء، ﴿ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا ﴾ والغرور تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب.
١ و لا بعد أن المراد من استفزازه بصوته صفيره كصفير راعي الغنم حين يريد أن تسعى أو ترجع غنمه ومثل ما قلنا يكاشف أهل القلب / ١٢ وجيز..
٢ عن ابن عباس أن الشركة في الأولاد هي الموءودة وفي رواية أخرى عنه هو تسميتهم الأولاد عبد الحارث وعبد الشمس وعبد العزى وعبد الدار ونحوها هذا ما في المعالم، أقول أراد بقوله: نحوها كل اسم فيه نسبة العبد إلى غير الله تعالى مثل عبد الحارث وعبد النبي وعبد الرسول وغيرها وفيها من أعظم مقاصد الشيطان لما فيها من الشرك في التسمية كما مر في تفسير قوله "جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون" (الأعراف: ١٩٠)، قال في المدارك: معنى إشراكهم فيما آتاهما الله تسميتهم أولادهم بعبد العزى وعبد مناف وعبد شمس ونحو ذلك مكان عبد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم انتهى. وقال القاري في شرح المشكاة: ولا يجوز مثل عبد الحارث وعبد النبي ولا غيرهم مما شاع بين الناس انتهى، وقلا ابن حجر مكي في التحفة: ويحرم ملك الملوك؛ لأن ذلك ليس لغير الله تعالى وكذا عبد النبي والكعبة أو الدار أو العلي أو الحسين لإيهام التشريك انتهى، والأعلام كما يقصد بها المعني العلمية كذلك قد يلاحظ معها المعاني الأصلية بالتبعية كما صرح به لأهل المعاني وكان السم أبي بكر في الجاهلية عبد الكعبة واسم أبي هريرة عبد الشمس فغيرهما النبي صلى الله عليه وسلم وسماهما صديقا وعبد الرحمن، وقد قدمنا بعضا من هذا البحث في سورة الأعراف في قصة آدم وحواء فلا نعيده والله يقول الحق وهو يهدي السبيل..
٣ وعلى تسميتهم بمثل عبد الشمس وما مجسوه وما هودوه / ١٢ وجيز. [ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٤/٣٤٨) وعزاه لابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس]..
٤ المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة والاتكال على كرامة الآباء و تأخير التوبة بطول الأمل / ١٢ بيضاوي، وزاد في الكبير وإيثار العاجل على الآجل وبالجملة فهذه الأقسام كثيرة وكلها داخلة في الضبط الذي ذكرناه وإن أردت الاستقصاء فطالع ذم الغرور من كتاب إحياء علوم الدين للشيخ الغزالي حتى يحيط عقلك بمجامع تلبيس إبليس / ١٢..
﴿ إِنَّ عِبَادِي ﴾ أي : المخلصين، ﴿ لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ : تسلط على إغوائهم، ﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً ﴾ أي : كفى الله لأن يكل أولياءه فيعصمهم منك.
﴿ رَّبُّكُمُ ١الَّذِي يُزْجِي ﴾ : يجري، ﴿ لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ﴾ : لتطلبوا من رزقه وتتجروا، ﴿ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ حيث هيأ لكم ما تحتاجون.
١ ولما و صف المشركين في بطلان اعتقادهم بأن أصنامهم ضار نافع وأتبع ذلك بقصة إبليس وتمكينه من وسوسته أراد ذكر ما يدل على وحدانيته وأنه وهو النافع الضار المتصرف في خلقه ذاكرا لإحسانه إليهم في البر والبحر فقال: "ربكم الذي" الآية/ ١٢ وجيز..
﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ ﴾ : خوف الغرق، ﴿ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ ﴾ : زال عن خاطركم، ﴿ مَن تَدْعُونَ ﴾ : كل من تدعونه، ﴿ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ : الله وحده فحينئذ لا يخطر ببالكم سواه فتدعونه وحده، ﴿ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ ﴾، من الغرق، ﴿ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ﴾ : عن التوحيد، ﴿ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾ يعني سجية الإنسان نسيان النعم وجحدها.
﴿ أَفَأَمِنتُمْ ﴾ الهمزة للإنكار والفاء عطف على محذوف أي : أنجوتم من البحر فآمنتم من ﴿ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ ﴾ أي : يقلبه الله وأنتم عليه وبكم حال من مفعول يخسف أو الباء للسببية وذكر الجانب إشارة إلى أنهم إذا وصلوا الساحل أعرضوا وأن الجوانب١ بقدرة الله، ﴿ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ﴾ : المطر الذي فيه الحجارة أو الريح التي ترمي بالحصباء، ﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً ﴾ : يحميكم من العذاب.
١ وجانب البر وجانب البحر سيان عند قدرته فإن الخسف تغييب تحت التراب كما أن الغرق تغييب تحت الماء وهما بخلق الله وإرادته / ١٢ وجيز..
﴿ أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ ﴾ : في البحر، ﴿ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ ﴾ : ريحا تكسر كل شيء تمر عليه، ﴿ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ﴾ : بسبب كفركم أو كفرانكم، ﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴾، التتبع المطالب أي : لا تجدوا أحدا يطالبنا بما فعلنا انتقاما منا.
﴿ ولَقَدْ ١كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ : بأشياء كثيرة منها العقل والنطق وحسن الصورة، ﴿ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ على الدواب والسفن، ﴿ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾، المستلذات، ﴿ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ أي : كثيرا بينا وافرا ولا يلزم من هذه الآية على ما فسرنا تفضيل الملائكة نعم يلزم الأفضلية الكثيرة الوافرة ولا يلزم من نفي هذه الأفضلية نفي مطلقها.
١ ولما امتن عليهم من إزجاء الفلك وتنجيتهم من الغرق وكفرانهم نعمه أراد تتميم ذكر النعم فقال: "ولقد كرمنا بني آدم" الآية/ ١٢ وجيز..
﴿ يَوْمَ١ أي : اذكر يوم، ﴿ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾ أي : نبيهم٢ كيا أمة فلان، أو بكتابهم الذي أنزل عليهم أو بكتاب أعمالهم أو إمام هدي وإمام ضلالة كيا متبعي محمد - عليه السلام - ويا متبعي الشيطان، وعن محمد بن كعب هي جمع أم كخفاف فلا يفتضح أولاد الزنا ويلزم إجلال عيسى والحسن والحسين عليهم السلام، ﴿ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ ﴾ كتاب أعماله، ﴿ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾ فلا ينقص من أجورهم أدنى شيء والفتيل الخيط المستطيل في شق النواة.
١ ولما ذكر الأنواع من كرامات الإنسان في الدنيا ذرك أشياء من أحوال الآخرة فقال: "يوم ندعو" الآية / ١٢ وجيز..
٢ قوله أي: نبيهم كيا أمة فلان الخ، الوجه الثالث قو ل ابن عباس والحسن والضحاك وغيرهم يعني ينادون بيا أصحاب كتاب الخير ويا أصحاب كتاب الشر وهو الأرجح لما رواه الحافظ البزار وصححه عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولقوله تعالى: "وكل شيء أحصيناه في إمام مبين" (يس: ١٢)، ولقوله: "كل أمة تدعى إلى كتابها" (الجاثية: ٢٨)؛ ولأنه ذكر عقيبه (فمن أوتي كتابه بيمينه)/ منه وكذا في وجيز. [ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٤/٣٥١) وعزاه لابن جرير عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ]..
﴿ وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ ﴾ : الدنيا، ﴿ أَعْمَى ﴾ : عمى القلب فلم ير رشده، ﴿ فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ﴾ لا يرى طريق النجاة قيل أعمى الثاني أفعل التفضيل كالأجهل، ﴿ وَأَضَلُّ ١ سَبِيلاً ﴾ منه في الدنيا، وقد نقل عن بعض السلف أن معناه من كان في هذه النعم التي قد مر وهو قوله :" ربكم الذي يزجي لكم " الآية، أعمى وهو يعاين فهو في أمر الآخرة التي لم يعاين ولم ير أعمى وأضل.
١ ولما عدد نعمه على بني آدم ثم ذكر حالهم في الآخرة من إيتاء الكتاب باليمين للسعداء وعمى الأشقياء أتبع ذلك ما هو به الأشقياء في الدنيا من المكر والخداع على سيد السعداء المقطوع له بالعصمة فقال: ﴿وإن كادوا﴾ الآية / ١٢ وجيز..
﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ إن مخففة، أي : إن الشأن قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة قيل : نزلت في ثقيف١ حين قالوا : لا نؤمن حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب لا نحيى في الصلاة، أي : لا ننحني ولا نكسر أصنامنا بأيدينا وأن تمتعنا باللات سنة من غير أن نعبدها٢ فإن خشيت أن يسمع العرب لم أعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك، وقيل نزلت حين قال قريش : لا ندعك يا محمد أن تستلم الحجر الأسود حتى تمس آلهتنا وقيل قالوا : نؤمن بك أن تمس آلهتنا، وقيل غير ذلك، ﴿ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ : من الأحكام، ﴿ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾ : غير ما أوحينا إليك، ﴿ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾ : لو اتبعت مرادهم يؤمنوا بك ولكنت لهم وليا.
١ نقله محيي السنة عن ابن عباس /١٢ منه. [ وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٤/٣٥٣) وعزاه لابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه]..
٢ ومن الفوائد الجليلة في هذه الآية أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوما، فإنها شعائر الكفر والشرك وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وطواغيت تعبد من دون الله والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذر والتقبيل لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وأعظم شركا عندها وبها، فإن اللات على ما نقله ابن خزيمة عن مجاهد: رجل كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره يعبدونه ويعظمونه ولم يكونوا يعتقدون أن اللات خلقت السماوات والأرض، بل كان شركهم باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى كشرك أهل الشرك من أرباب الشاهد بعينه من النذور لها والتبرك بها والتمسح بها وتقبيلها واستلامها وما طلبوا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا مجرد مس آلتهم كما قالوا: نؤمن بك أن تمس آلهتنا وما التمسوا منه إلا التمتيع باللات سنة من غير عبادة كما قالوا على ما رواه البغوي عن ابن عباس: وأن تمتعنا باللات سنة من غير أن نعبدها فحدث نفسهما علي أن أفعل ذلك والله تعالى يعلم أني لها كاره بعد أن يدعوني حتى أستلم الحجر وخطر خطرة بقلبه الأشرف فتوعد بهذا الوعيد الشديد والتهديد الأكيد فالرزية كل الرزية ما ابتلي به القبوريون من أهل الزمان فإنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه بالقبور فإنا لله وإنا إليه راجعون، بل كثير منهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا فإذا قيل له بعد ذلك بشيخك ومعتقدك الوالي الفلاني تلكأ وأبي واعترف بالحق وهذا من أبين الأدلة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين وثالث ثلاثة، فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين، أي زرء للإسلام أشد من الكفر وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا فاللهم انصر من نصر الحق وأهدنا إلى سوء السبيل /١٢..
﴿ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ ﴾ لولا تثبيتنا لك وعصمتنا، ﴿ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ ﴾ : لقاربت أن تميل، ﴿ إِلَيْهِمْ ﴾ : إلى إتباع مرامهم، ﴿ شَيْئًا قَلِيلاً ﴾ لكن عصمناك فما قاربت من الركون مع قوة اهتمامك بإيمانهم فضلا من الركون وقيل خطر خطرة بقلبه الأشرف ولم يكن عزما والله قد عفى الخلق عنه والأول هو الأولى.
﴿ إذا ﴾ : لو قاربت، ﴿ لأقْنَاكَ ضِعْفَ١ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ﴾ أي : عذاب الدنيا والآخرة ضعف ما يعذب به غيرك بمثل هذا الفعل فإن المقربين على خطر عظيم وأصله عذابا ضعفا في الحياة، أي : مضاعفا فأقيمت الصفة مقام الموصوف بعدد ما حذف ثم أضيفت كما يقال : أليم الحياة، أي : عذابا أليما في الحياة، ﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴾ : يدفع عنك عذابنا.
١ وفي الآية دليل على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته ولذلك قال الله تعالى: "يا نساء النبي" (الأحزاب: ٣٠) وقد ورد أنه لما نزلت قال صلى الله عليه وسلم (اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين) / ١٢ وجيز..
﴿ وَإِن كَادُواْ ﴾ إن مخففة مثل الأول، ﴿ لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾ : يزعجونك، ﴿ مِنَ الأَرْضِ ﴾ : أرض مكة أو المدينة، ﴿ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا ﴾ قيل : نزلت حين هم قريش بإخراج الرسول من بين أظهرهم، ﴿ وَإِذًا ﴾ : لو خرجت، ﴿ لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ ﴾ : لا يبقون بعد خروجك، ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ : إلا زمانا قليلا وقد كان كذلك فإنه قد وقع على أكثرهم بعد سنة واقعة بدر، وقيل نزلت في المدينة حين قالت اليهود : إن الشام مسكن الأنبياء وأنك إن كنت تسكن فيها آمنا بك فوقع ذلك في قلبه الأشرف لكن السورة مكية١ بتمامها عند الأكثر فالأول أقرب.
١ فتوجيه الآية كما نقل محيي السنة عن الإمام الكلبي أن الكفار بأجمعهم هموا أن يستفزوه من أرض العرب بتظاهرهم عليه فلم ينالوا منه ما أملوا / ١٢ وجيز..
﴿ سُنَّةَ ﴾ أي : سن الله ذلك سنة، ﴿ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ﴾ وهو أن يهلك كل أمة أخرجوا رسولهم فالسنة لله وإضافتها إلى الرسل ؛ لأنها من أجلهم، ﴿ وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً ﴾ : تغييرا.
﴿ أَقِمِ١ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ﴾ : زوالها٢ واللام للتأقيت، ﴿ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ﴾ : ظلمته فيدخل فيه صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، أو المراد من الدلوك الغروب وأصل لغته الانتقال، ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ﴾ صلاة الصبح سميت قرآنا كما سميت الصلاة ركوعا وسجودا تسمية للشيء باسم ركنه وجزئه عطف على الصلاة، ﴿ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ : يشهده٣ ملائكة الليل وملائكة النهار.
١ ولما ذكر كيدهم وأن الله بفضله حماه منه أمره أن يتوجه إلى ما هو شأنه وأن لا يشغل قلبه بشانئه والصلاة أشرف العبادات بعد الإيمان فقال: "أقم الصلاة" الآية / ١٢ وجيز..
٢ كذا فسره السلف / ١٢ وجيز..
٣ هكذا فسره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ر واه الترمذي و النسائي /١٢.[أخرجه الترمذي (٣٣٥٥) وقال الشيخ الألباني في "صحيح الترمذي" (٢٥٠٧): صحيح الإسناد]..
﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ ﴾ أي : بعضه، ﴿ فَتَهَجَّدْ ﴾ : اترك الهجود والتهجد ترك الهجود للصلاة كالتأثم والتخرج١، ﴿ بِهِ ﴾ : بالقرآن، ﴿ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ : فضيلة لك، فإنه قد غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر فجميع نوافله زيادة في رفع درجته، أو معناه فريضة زائدة لك على الصلاة المفروضة، وعن كثير من السلف أن التهجد واجب علنه ونصبها بالعلية على التوجيه الأول أو بتقدير فرضها فريضة أو حال من ضمير به، ﴿ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا٢ أي : في مقام، ﴿ مَّحْمُودًا٣ أو تقديره فيقيمك مقاما، أي : في مقام هو مقام الشفاعة لأمته بحمده فيه الأولون والآخرون.
١ أي: جانب الإثم والحرج فتهجد أي: جانب النوم ويقال تهجد أي: نام / ١٢ منه..
٢ وعن مجاهد قال: يجلسه على العرش وعن عبد الله بن سلام قال: يقعده على الكرسي، ذكر القولين البغوي في المعالم وفي الفتح حكي هذا القول يعني أن الله سبحانه وتعالى يجلس محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ معه على كرسيه ابن جرير عن فرقة منهم مجاهد وقد ورد في ذلك حديث وحكى النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم مازال أعل العلم يتحدثون بهذا الحديث / ١٢. [ أثر مجاهد هذا باطل كما قل الشيخ الألباني في " الضعيفة" وقال: ومما يدل على ذلك ـ أي بطلانه ـ أنه ثبت في "الصحاح" أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام. ومن العجائب التي يقف العقل تجاهها حائرا أن يفتي بعض المتقدمين بأثر مجاهد هذا كما ذكره الذهبي في "العلو" (ص١٠٠ – ١١٧، ١٠١- ١١٨) عن غير واحد منهم، بل غلا بعض المحدثين فقال: لو أن حالفا حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ على العرش واستفتاني، لقلت له صدقت و بررت!.
وقال الذهبي ـ رحمه الله ـ "فأبصر ـ حفظك الله من الهوى ـ كيف آل الغلو بهذا الحديث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر، واليوم يردون الأحاديث الصريحة في العلو، بل يحاول بعض الطغام أن يرد قوله تعالى: ﴿ارحمن على العرش استوى﴾". وأثر عبد الله بن سلام ذكره الذهبي في "العلو" وقال: "هذا موقوف ولا يثبت إسناده وإنما قاله مجاهد"..

٣ والمقام المحمود مقام الشفاعة العامة و"عسى" تفيد الإطماع والله أكرم أن يطمع من غير أن ينفذ وهذا من جنس كلام الملوك ولهذا قيل: عسى من الله واجب ولما أمره بإقامة الصلاة بالتهجد ووعده ببعثه مقاما محمودا وذلك في الآخرة عقبه بأمره بما يشمل الدنيا والآخرة فقال: "وقل رب" الآية /١٢ وجيز..
﴿ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي ﴾ : المدينة، ﴿ مُدْخَلَ صِدْقٍ ﴾ أي : إدخالا مرضيا، ﴿ وَأَخْرِجْنِي ﴾ : من مكة، ﴿ مُخْرَجَ صِدْقٍ١ إخراجا حسنا مرضيا نزلت حين أمر بالهجرة، أو أدخلني الجنة وأخرجني من الدنيا أو أدخلني القبر وأخرجني منه وفيه أقوال أخر، ﴿ اجْعَل لِّي مِن َّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا ﴾ ملكا وعزا قويا مظهرا للإسلام على الكفر أو حجة بينة تنصرني على من خالفني.
١ والظاهر أنه عام في الأمور الدنيوية من جميع مورده ومصادره / ١٢ وجيز..
﴿ وَقُلْ جَاء الْحَقُّ ﴾ : الإسلام، ﴿ وَزَهَقَ ﴾ هلك، ﴿ الْبَاطِلُ ﴾ : الشرك، ﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ : مضمحلا غير ثابت وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك اليوم١ فتح مكة.
١ في الصحيحين أنه دخل مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل" الآية / ١٢ منه. [أخرجه البخاري في "الغازي" / باب: أين ركز النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الراية يوم الفتح؟ (٤٦٨٧) ومسلم في " الجهاد والسير"/ باب: فتح مكة (٤/٤١٩) ط الشعب]..
﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ﴾ من للبيان قدم على المبين لكونه أهم، ﴿ مَا هُوَ شِفَاء ﴾ : لأمراض القلوب من الشك والنفاق والزيغ، ﴿ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ : يحصل في القلب الإيمان والحكمة والرغبة في الخير، ﴿ وَلاَ يَزِيدُ ﴾ : القرآن، ﴿ الظَّالِمِينَ ﴾ : الكافرين، ﴿ إَلاَّ خَسَارًا ﴾ : نقصانا وخذلانا لكفرهم به.
﴿ وَإِذَا١ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ ﴾ : بمال وعافية، ﴿ أَعْرَضَ ﴾ : عن طاعة الله، ﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾ والنائي بالجانب أن يلوي عنه عطفه ويوليه ظهره أي : بعد عنا أو استكبر عن طاعتنا، ﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ ﴾ من المصائب والنوائب، { كانَ يَؤُوسًا{ َ : شديد اليأس قنط أن يعود له بعد ذلك خير.
١ ولما بين أن القرآن لا يزيد للبعض إلا الخسران أراد أن يبين أن حرمان البعض من كفران نعمة الله أعم من أن يكون النعمة قرآنا أو غيره فقال: "وإذا أنعمنا" الآية / ١٢ وجيز..
﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ : دينه ونيته وطريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلالة١ أو على طبيعته التي جلبت عليها، ﴿ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً٢ : أسد طريقا وسيجزي كل عامل بعمله، وهو وعيد للمشركين كما قال تعالى :" وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون " ( هود : ١٢١، ١٢٢ ).
١ يقال طريق ذو شواكل وهي الطرق التي تتشعب من الطريق نقل عن الصديق الأكبر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لم أر آيه أرجي من هذه لا يشاكل بالعبد إلا العصيان ولا يشاكل بالرب إلا الغفران / ١٢ وجيز..
٢ ولما ذكر مكر اليهود وخداعهم من قبل قي قوله: "وإن كادوا ليستفزونك" الآية إلى أن وصل الكلام إلى قوله: "كل يعمل على شاكلته" أعقبه بشيء من تعنتهم ومكرهم فقال: "وسألونك" / وجيز..
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ ﴾ أي : اليهود والأحاديث الواردة في نزول هذه الآية مشعرة بأنها نزلت في المدينة والأصح أن السورة كلها مكية فأجيب بأنه نزلت مرتين، أو أنه نزل في المدينة عليه وحي بأن يجيبهم عما سألوا بالآية المتقدم إنزالها عليه في مكة، وما ذكره الإمام أحمد يدل على أنها مكية فإنه نقل عن ابن عباس أن قريشا قالت لليهود أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل فقالوا : سلوه عن الروح فسألوه فنزلت، ﴿ عَنِ الرُّوحِ ﴾ : روح بني آدم أو جبريل أو ملك عظيم، ﴿ قُلِ الرُّوحُ١ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾، مما استأثر بعلمه، ﴿ وَمَا أُوتِيتُم٢ مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾، لي : ما اطلعتم من علمه إلا على القليل يعني في جنب علم الله قليل وأمر الروح مما لم يطلعكم الله عليه، وقد روي أن اليهود قالوا : تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فنزلت " ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام " ( لقمان : ٢٧ ) الآية.
١ وفي الآية ما يزجر الخائضين في شأن الروح المتكلفين لبيان ماهيته وإيضاح حقيقته أبلغ زجر وقد أطالوا المقال في هذا البحث وغالبه، بل كله من الفضول الذي لا يأتي بنفع في دين ولا دنيا وقد حكى بعض المحققين أن أقوال المختلقين في الروح بلغت إلى ثمانية عشر ومائة قو ل فانظر إلى هذا الفضول الفارغ والتعب العاطل عن النفع بعد أن علموا أن الله سبحانه وتعالى قد استأثر بعلمه ولم يطلع عليه أنبياءه ولا أذن لهم بالسؤال عنه فضلا من أممهم المقتدين بهم فيا لله العجب، حيث تبلغ أقوال أهل الفضول والقانعين بالمعقول من المنقول إلى هذا الحد الذي لم تبلغه ولا بعضه في غير هذه المسألة مما أذن الله بالكلام فيه ولم يستأثر بعلمه وقد عجزت الأوائل عن إدراك ماهيته بعد إنفاق الأعمار الطويلة على الخوض فيه ولذا رد ما قيل في حده قديما وحديثا ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" / ١٢ فتح..
٢ الخطاب عام دل على ذلك حديث صريح / ١٢ وجيز..
﴿ وَلَئِن١ شِئْنَا ﴾ اللام توطئة القسم، ﴿ لَنَذْهَبَنَّ ﴾ جواب القسم ساد مسد جواب الشرط٢، ﴿ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ أي : إن شئنا محونا القرآن عن مصاحفكم وصدوركم، ﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً ﴾ أي : من يصير وكيلا علينا باسترداده.
١ ولما كان مكرهم وسؤالهم عن الروح لأجل أن يزيد في القرآن شيئا من عنده حاشاه بين أن القرآن محفوظ من عند الله فقال: "ولئن شئنا" الآية / ١٢ وجيز..
٢ ودال عليه / ١٢..
﴿ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ أي : لكن رحمة ربك تركته غير مذهوب به أو الاستثناء متصل يعني : إن نالتك رحمته تسترده عليك كأن رحمته تصير وكيلا عليه، ﴿ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا ﴾ حيث أنزل عليك الكتاب وأبقاه.
﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ١ وإن فرض أن كلهم بلغاء، ﴿ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ ﴾ في البلاغة والإخبار عن المغيبات، ﴿ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ لعدم قدرتهم وهو جواب القسم الدال عليه اللام، ﴿ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ٢ ظَهِيرًا ﴾ : معينا وناصرا في الإتيان.
١ ذكر الجن لأنه صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الثقلين ولأن الجن تقدر على الغرائب / ١٢..
٢ فالقرآن كلام في أعلى طبقات البلاغة لا يشبه كلام الخلق لأنه غير مخلوق ولو كان مخلوقا لأتوا بمثله / ١٢ معالم..
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا ﴾ بينا مكررا، ﴿ لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ﴾ من كل معنى هو كالمثل في الغرابة والحسن، ﴿ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا ﴾، جحودا للحق وهو في معنى الكلام المنفي فلذلك جاز الاستثناء.
﴿ وَقَالُواْ لَن١ نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ ﴾ : أرض مكة، ﴿ يَنبُوعًا ﴾ : عينا لا ينضب ولا ينقطع ماؤها.
١ لما تحداهم بأن يأتوا بمثله هذا و تبين عجزهم وغلبوا أخذوا يتعللون بافتراء آيات ست فعل الحائر المبهوت، ﴿وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا﴾ الآية / ١٢ وجيز..
﴿ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ ﴾ أي : بستان، ﴿ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا ﴾ حتى نعرف فضلك علينا، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه.
﴿ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ ﴾ أن ربك إن شاء فعل، ﴿ عَلَيْنَا كِسَفًا ﴾ أي : قطعا فلا نؤمن لك حتى تفعل يعنون قوله تعالى :" أو نسقط عليهم كشفا من السماء " ( سبأ : ٩ )، ﴿ أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ والملائكة قَبِيلاً ﴾، كفيلا بما تقول شاهدا بصحته أو مقابلا معاينة نراه وهو حال من بالله وحال الملائكة محذوفة أي قبيلا وقبلاء.
﴿ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ ﴾ : من ذهب، ﴿ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء ﴾ : تصعد في سلم ونحن ننظر، ﴿ ولن نؤمن لرقيك ﴾ : صعودك وحده، ﴿ حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ﴾ أي : مكتوبا فيه إلى كل واحد هذا كتاب من الله لفلان بن فلان ويكون فيه تصديقك، ﴿ قُلْ ﴾، أي : رسول الله، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّي ﴾ تعجبا من تمردهم، أو تنزيها لله من أن يأتي أو يشاركه أحد في قدرته، ﴿ هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا ﴾ كسائر الناس، ﴿ رَّسُولاً ﴾ كسائر الرسل وهم لم يقدروا ولم يأتوا بمثل ما قلتم فكيف أقدر على ذلك ؟ !
﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ ﴾ مفعول ثان، أي : ما منعهم الإيمان بعد، ﴿ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى ﴾ بعد نزول القرآن الذي هو معجزة، ﴿ إِلاَّ أَن قَالُواْ ﴾ فاعل منع، ﴿ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا ﴾ أي : إلا قولهم هذا أي لم يبق لهم شبهة تمنعهم عن الإيمان إلا إنكارهم أن يرسل الله بشرا، ﴿ رَّسُولاً ﴾.
﴿ قُل ﴾ جوابا لشبهتهم، ﴿ لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ ﴾ كما تمشون، ﴿ مُطْمَئِنِّينَ ﴾ : ساكنين في الأرض، ﴿ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً١ أي من جنسهم يهديهم، لأن انتفاع الجنس من الجنس أكثر فرحمتنا دعتنا إلى أن أرسلنا إليكم بشرا من جنسكم وبشرا وملكا منصوبان على الحال من رسولا أو موصوفان برسولا.
١ فيه إعلام من الله سبحانه وتعالى بأن الرسل ينبغي أن يكونوا من جنس المرسل إليهم فكأنه اعتبر في تنزيل الرسول من جنس الملائكة أمرين: الأول كون سكان الأرض ملائكة والثاني كونهم ماشين على الأقدام غير قادرين على الطيران بأجنحتهم إلى السماء إذ ل و كانوا قادرين على ذلك لطاروا إليها وسمعوا من أهلها ما يحب معرفته وسماعه فلا تكون في بعثة الملائكة إليهم فائدة ثم ختم الكلام بما يجري التهديد فقال: "قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم"، ثم علل كونه سبحانه شهيدا كافيا بقوله: "إنه كان بعباده خبيرا بصيرا" ثم بين سبحانه أن الإقدار والإنكار مستندان إلى مشيئته فقال: "ومن يهج لله" الآية / ١٢ فتح..
﴿ قُلْ كَفَى بِاللّهِ ﴾ أي : كفى الله، ﴿ شَهِيدًا ﴾ حال أو تمييز، ﴿ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ على أني بلغت ما أرسلت به إليكم وأنتم عاندتم أو على أني رسول إليكم وأظهرت المعجزات، ﴿ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ فيعلم إبلاغي وعنادكم فيجازي كلا ما يستحقه من الإنعام والهداية والانتقام والإزاغة.
﴿ وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ ﴾، يهدونهم وينصرونهم، ﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ﴾ يمشون بها وعن ١ أنس يقول : قيل يا رسول الله :" كيف يحشر الناس على وجوههم ؟ قال : الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم " أو يسحبهم الملائكة إلى النار، ﴿ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ﴾ هذا في حال دون حال فيكون هذا بعد الحساب أو عميا عما يقرأ عينهم بكما عن حجة وعذر يقبل منهم صما عما يلذ مسامعهم، ﴿ مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ ﴾ : سكن لهبها، ﴿ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴾ توقدا بأن نبدل لحومهم وجلودهم فتعود ملتهبة بهم، قيل ونعم ما قيل كأنهم لما كذبوا الإعادة بعد الإفناء جازاهم الله بدوام الإعادة بعد الإفناء.
١ هذا الحديث مروي في الصحيحين / ١٢ وجيز. [أخرجه البخاري في "الرقاق"/ باب: الحشر(٦٥٢٣) ومسلم في "صفة القيامة" / باب: طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبا (٥/٦٧٢) ط الشعب]..
﴿ ذَلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا ﴾ : ترابا، ﴿ أَإِنَّا ﴾، الهمزة لتأكيد الإنكار والعامل في إذا ما دل عليه قوله :﴿ لَمَبْعُوثُونَ ﴾ فإن ما بعد إن لا يعمل فيما قبله، ﴿ خَلْقًا جَدِيدًا ﴾ : مصدر أو حال.
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ ﴾ : ألم يعلموا، ﴿ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ﴾ فإن خلقهم ليس بأشد من خلق السماوات والأرض، ﴿ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً ﴾، أي : القيامة عطف على أو لم يروا، ﴿ لاَّ رَيْبَ فِيهِ ﴾ أو معناه أو لم يعلموا أن من قدر على خلق هذه الأجسام قادر على أن يخلقهم مثل ما كانوا أي : يعيدهم ويجعل لإعادتهم أجلا مضوربا ومدة مقدرة لابد من انقضائها١ ﴿ فَأَبَى الظَّالِمُونَ ﴾ بعد قيام الحجة، ﴿ إَلاَّ كُفُورًا ﴾ جحودا٢ بذلك الأجل أو بذلك الخلق.
١ فعلى هذا المراد من الخلق إعادتهم وقوله: "وجعل" عطف على يخلق وليس فيه مانع / ١٢ وجيز..
٢ ومن كفورهم أنهم علموا كمال قدرته ـ وأد أولادهم خشية إملاق، ولما قالوا: (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا) فطلبوا الأنهار لتكثر أقواتهم وتتسع معايشهم بين الله سبحانه وتعالى أنهم لا يقنعون بل يبقون على بخلهم وشحهم فقال: "قل لو أنتم" الآية / ١٢ وجيز.
.

﴿ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ ﴾، أنتم مرفوع بفعل يفسره ما بعده، ﴿ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ﴾ خزائن رزقه ونعمه، ﴿ إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ ﴾ لبخلتم، ﴿ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ ﴾ أي : مخافة النفاد يقال : أنفق التاجر ذهب ماله، ﴿ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا ﴾ : بخيلا.
﴿ وَلَقَدْ١ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ اليد العصا والسنين ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، وعن بعضهم بدل السنين ونقص الثمرات فلق البحر وحل العقدة التي بلسانه، وأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وقال " صحيح حسن " والنسائي وابن ماجه وابن جرير في تفسيره أن يهوديين سألا النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية " ولقد آتينا موسى تسع آيات " فقال لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف وعليكم خاصة اليهود أن لا تعتدوا في السبت فقبلا يده ورجليه " ٢ فقال بعض المحدثين : لعل ذينك اليهوديين إنما سأل عن العشر الكلمات فاشتبه على الراوي بالتسع الآيات، فإن هذه الوصايا ليس فيها حجج على فرعون وأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين عليه ويدل عليه الآية التي بعده ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر " الآية، ﴿ فَاسْأَلْ ﴾ : يا محمد، ﴿ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ عن الآيات ليطمئن قلبك ويظهر للمشركين صدقك، ﴿ إِذْ جَاءهُمْ ﴾ ظرف لآتينا أو تقديره سل عن بني إسرائيل زمان موسى عليه السلام حتى يخبروك عما وقع فيه، ﴿ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ﴾ فتتخبط عقلك.
١ ولما حكى عن قريش تعنتهم باقتراح آيات ست على نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما جرى على موسى وقومه مع فرعون فقال: "ولقد آتينا موسى" الآية / ١٢ وجيز..
٢ أخرجه أحمد في "مسنده" (٤/٢٤٠) والترمذي (٣٣٥٣ ـ تحفة) وابن ماجه (٣٧٠٥)مختصرا والحاكم في "المستدرك" (١/٩) والنسائي (٧/١١١). من طريق: شعبة، عن عمرو بن مرة، عبد الله بن سلمة، عن صفة بن عسال... فذكره.
قال الترمذي: "حسن صحيح" وقال الحاكم "حديث صحيح لا نعرف له علة بوجه من الوجوه ولم يخرجاه" وأقره الذهبي..

﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ١ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء ﴾ : الآيات، ﴿ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ ﴾ : بينات تبصرك صدقي وهو حال، ﴿ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا٢ : هالكا ملعونا أو مصروفا عن الخير مطبوعا على الشر.
١ قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ علم فرعون ولكنه عاند قال الله تعالى: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا" (النمل: ١٤)، وهذه قراءة وهي نصب التاء أصح في المعنى وعليه أكثر القراء لأن موسى عليه السلام لا يحتج بعلم نفسه ولا يثبت عن على رفع التاء لأنه روي عن رجل عن مراد عن علي و ذلك الرجل مجهول ولم يتمسك بها أحد من القراء غير الكسائي / ١٢ معالم..
٢ يقال: ما بثرك عن هذا أي: صرفك ومنعك وهذه المحاكاة بينهما بعد مدة من دعوته لفرعون لا أول الأمر / ١٢ منه.
.

﴿ فَأَرَادَ ﴾ : فرعون، ﴿ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَرْضِ ﴾ : يخرج موسى وقومه من أرض مصر، ﴿ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا ﴾.
﴿ وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ ﴾ : التي أراد أن يخرجكم منها، وهذا بشارة للمؤمنين بفتح مكة فإن هذه السورة نزلت قبل الهجرة، ﴿ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ ﴾ أي : الدار الآخرة يعني القيامة، ﴿ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ﴾ : جميعا إلى الموقف ونحكم بينكم واللفيف الجماعات من قبائل شتى.
﴿ وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ ﴾ أي : ما أنزلنا القرآن إلا متلبسا بالحق المقتضي لإنزاله في أحكام الله وأوامره ونواهيه، ﴿ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ١ : وما نزل إلا بالحق الذي اشتمل عليه أو ما وصل إليك يا محمد إلا محروسا محفوظا من تخليط وتبديل، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا ﴾ : لمن أطاعك، ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ : لمن عصاك.
١ يقال أنزلت فلم ينزل إذا عرض له مانع من نزوله فقال: "وبالحق نزل" لإزالة هذا الاحتمال وقوله: "وبالحق أنزلناه" من دور على قوله: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن) الآية وهكذا طريقة كلام العرب وأسلوبه يأخذ في شيء وستطرد منه إلى آخر ثم يعود إلى ما ذكره أولا / ١٢ وجيز..
﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ ﴾ : نزلناه مفرقا منجما على الوقائع في ثلاث وعشرين سنة، ﴿ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ﴾ : مهل وتؤدة، ﴿ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ﴾ : نجوما بعد نجوم.
﴿ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ ﴾ أي : سواء آمنتم به أم لا هو حق لا يزيد ولا ينقص منه شيء، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ ﴾، من قبل القرآن، أي عالمي أهل الكتاب، ﴿ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ : القرآن، ﴿ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ ﴾ : يسقطون على وجوههم وذكر الذقن للمبالغة في الخشوع وهو تعفير اللحى على التراب أو أنه ربما خر على الذقن كالمغشي عليه لخشية الله تعالى واللام لاختصاص الخرور بالذقن، ﴿ سُجَّدًا ﴾ : شكرا لإنجاز وعده ولأن جعلهم ممن أدركوا هذا الرسول المنزل عليه هذا الكتاب.
﴿ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا ﴾ : عن خلف الوعد، ﴿ إِن كَانَ ﴾ : إنه كان، ﴿ وَعْدُ رَبِّنَا ﴾ : في الكتب السالفة بإرسال رسول خاتم الرسل، ﴿ لَمَفْعُولاً ﴾، واقعا كائنا.
﴿ وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ١ حال كونهم باكين لما أثر فيهم مواعظه كرره لتكرار الفعل منهم، ﴿ وَيَزِيدُهُمْ ﴾ سماع القرآن، ﴿ خُشُوعًا ٢ : خضوعا لربهم.
١ والبكاء مستحب عند قراءة القرآن عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يلج النار رجل بكي من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم) أخرجه الترمذي والنسائي وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله أخرجه الترمذي / ١٢ فتح..
٢ ولما ذكر مقالات موسى عليه السلام و فرعون وإنجائه للتوحيد و إهلاكه مع قومه لادعائهم الشركة وبهذا البيان أنذر قريشا ثم قال مخاطبا لهم: "آمنوا به أو لا تؤمنوا" والإيمان يستلزم التوحيد الذي هو المطلوب الأصلي عنهم أمر نبيه أن يدفع عنهم شبهة نشأت لهم فقال ﴿قل ادعوا﴾ الآية / ١٢ وجيز..
﴿ قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ ﴾ نزلت حين يقول عليه السلام في سجوده يا رحمن يا رحيم فسمع رجل من المشركين وقال : إنه يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو اثنين والدعاء بمعنى التسمية وهو متعد إلى مفعولين كدعوته زيدا ثم يترك أحدهما فيقال دعوت زيدا والمراد من الله والرحمن الاسم لا المسمى وأو للتخيير أي : سموا بهذا الاسم أو بهذا، ﴿ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ ﴾ التنوين عوض عن المضاف إليه وما مزيدة للإبهام الذي في أي، ﴿ فَلَه ﴾ الضمير لمسمي الاسمين فإن التسمية للذات لا للاسم، ﴿ الأَسْمَاء الْحُسْنَى١ أي : أي هذين الاسمين فإن سميتم فهو حسن، لأن له الأسماء الحسنى وهذان الاسمان منها، ﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ﴾ أي : بقراءة صلاتك فيسمعها المشركون فيسبون القرآن، ﴿ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾ ولا تخفها عمن خلفك من أصحابك، ﴿ وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ : بين الجهر والمخافتة، ﴿ سَبِيلاً ﴾ وسطا وكان ذلك قبل الهجرة والمراد من الصلاة الدعاء.
١ فكأنه تعليم في أذكار السجود حين مدح سجود العلماء ولما قال (ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) يخطر بالبال هل ندعوه جهرة أو خفية فقال: "ولا تجهر بصلاتك" الآية / ١٢ وجيز..
﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾ كما قالت اليهود عزير ابن الله تعالى عليهم لعائن الله، ﴿ وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ﴾ كما أثبته النصارى والمشركون فإنهم أثبتوا الربوبية للمسيح والأصنام، ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ ﴾، ناصر من الذل لا يحوم الدخور١ جنابه ليحتاج إلى ولي يتعزز به، وعن القرطبي أن الصابئين والمجوس يقولون : لولا أولياء الله لذل. أثبت لنفسه الأقدس الأسماء الحسنى ونزه نفسه عن النقائص كمضمون " قل هو الله أحد " ( الإخلاص : ١ )، ﴿ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ : عظمه عن الولد والشريك والولي عظمة تامة قد جاء في حديث أنه عليه السلام سماها آية العز وفي بعض الآثار ما قرأ في ليلة في بيت فيصيبه سرقة٢ أو آفة.
١ كذا في الأصل وفي نسخة: لا يحوم الذل حول جنابه..
٢ ذكرهما الشيخ عماد الدين ابن كثير في تفسيره وما خرجهما، هذا ما في المنهية والوجيز وفي الفتح عن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعلم أهله هذه الآية "الحمد لله" الخ الصغير من أهله والكبير، أخرجه ابن جرير وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبد الكريم بن أبي أمية قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغلام من بني هاشم إذا أفصح سبع مرات "الحمد لله الذي " إلى آخر السورة، وروي الإمام أحمد في مسنده عن معاذ الجهني عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يقول: "آية العز الحمد لله" الخ/١٢. [أخرجه أحمد في "مسنده" (٣/٤٣٩) وذكره الهيثمي في "المجمع" (٧/٥٢) وأشار إلى أنه طرقا يصلح بها. وذكر السيوطي في "الدر المنثور(٤/٣٧٦) ونسبه لأحمد والطبراني].
.

Icon